الثلاثاء، 2 أغسطس 2022

ج7. وج8. زاد المسير في علم التفسير المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي

 

7.  زاد المسير في علم التفسير
المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي

قوله تعالى واذكر عبادنا وقرأ ابن عباس ومجاهد وحميد وابن محيصن وابن كثير عبدنا إشارة إلى إبراهيم وجعلوا إسحاق ويعقوب عطفا عليه لأنه الأصل وهما ولداه والمعنى اذكر صبرهم فابراهيم ألقي في النار وإسحاق أضجع للذبح ويعقوب صبر على ذهاب بصره وابتلي بفقد ولده ولم يذكر إسماعيل معهم لأنه لم يبتل كما ابتلوا
أولي الأيدي يعني القوة في الطاعة والأبصار البصائر في الدين والعلم قال ابن جرير وذكر الأيدي مثل وذلك لأن باليد البطش وبالبطش تعرف قوة القوي فلذلك قيل للقوي ذو يد وعنى بالبصر بصر القلب وبه تنال معرفة الأشياء وقرأ ابن مسعود والأعمش وابن أبي عبلة أولي الأيد بغير ياء في الحالين قال الفراء ولها وجهان أحدهما أن يكون القارئ لهذا أراد الأيدي فحذف الياء وهو صواب مثل الجوار والمناد والثاني أن يكون من القوة والتأييد من قوله وأيدناه بروح القدس البقرة 87
قوله تعالى إنا أخلصناهم أي اصطفيناهم وجعلناهم لنا خالصين فأفردناهم بمفردة من خصال الخير ثم أبان عنها بقوله ذكرى الدار
وفي المراد بالدار هاهنا قولان أحدهما الآخرة والثاني الجنة
وفي الذكرى قولان

أحدهما أنها من الذكر فعلى هذا يكون المعنى أخلصناهم بذكر الآخرة فليس لهم ذكر غيرها قاله مجاهد وعطاء والسدي وكان الفضيل ابن عياض رحمة الله عليه يقول هو الخوف الدائم في القلب
والثاني أنها التذكير فالمعنى أنهم يدعون الناس إلى الآخرة وإلى عبادة الله تعالى قاله قتادة
وقرأ نافع بخالصة ذكرى الدار فأضاف خالصة إلى ذكرى الدار
قال أبو علي تحتمل قراءة من نون وجهين أحدهما أن تكون ذكرى بدلا من خالصة والتقدير أخلصناهم بذكر الدار والثاني أن يكون المعنى أخلصناهم بأن يذكروا الدار بالتأهب للآخرة والزهد في الدنيا ومن أضاف فالمعنى أخلصناهم باخلاصهم ذكرى الدار بالخوف منها وقال ابن زيد أخلصناهم بأفضل ما في الجنة
قوله تعالى وإنهم عندنا لمن المصطفين أي من الذين اتخذهم الله صفوة فصفاهم من الأدناس الأخيار الذين اختارهم
واذكر إسماعيل واليسع وذا الكفل أي اذكرهم بفضلهم وصبرهم لتسلك طريقهم واليسع نبي واسمه أعجمي معرب وقد ذكرناه في الأنعام 85 وشرحنا في سورة الأنبياء 85 قصة ذي الكفل وتكلمنا في البقرة 125 في اسم إسماعيل وزعم مقاتل أن إسماعيل هذا ليس بابن إبراهيم

قوله تعالى هذا ذكر أي شرف وثناء جميل يذكرون به أبدا وإن للمتقين لحسن مآب أي حسن مرجع يرجعون إليه في الآخرة
ثم بين ذلك المرجع فقال جنات مفتحة لهم الأبواب قال الفراء إنما رفعت الأبواب لأن المعنى مفتحة لهم أبوابها والعرب تجعل الألف واللام خلفا من الإضافة فيقولون مررت على رجل حسن العين وقبيح الأنف والمعنى حسنة عينة قبيح أنفه ومنه قوله تعالى فان الجحيم هي المأوى النازعات 39 والمعنى مأواه وقال الزجاج المعنى مفتحة لهم الأبواب منها فالألف واللام للتعريف لا للبدل قال ابن جرير والفائدة في ذكر تفتيح الأبواب أن الله عز و جل أخبر عنها أن أبوابها تفتح لهم بغير فتح سكانها لها بيد ولكن بالأمر قال الحسن هي أبواب تكلم فتكلم انفتحي انغلقي
قوله تعالى وعندهم قاصرات الطرف قد مضى بيانه في الصافات 48 قال الزجاج والأتراب اللواتي أسنانهن واحدة وهن في غاية الشباب والحسن قوله تعالى هذا ما توعدون قرأ أبو عمرو وابن كثير بالياء والباقون بالتاء قوله تعالى ليوم الحساب اللام بمعنى في والنفاد الانقطاع قال السدي كلما أخذ من رزق الجنة شيء عاد مثله

هذا وإن للطاغين لشر مآب جهنم يصلونها فبئس المهاد هذا فليذوقوه حميم وغساق وآخر من شكله أزواج هذا فوج مقتحم معكم لا مرحبا بهم إنهم صالوا النار قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا فبئس القرار قالوا ربنا من قدم لنا هذا فزده عذابا ضعفا في النار وقالوا مالنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار أتخذناهم سخريا أم زاغت عنهم الأبصار إن ذلك لحق تخاصم أهل النار قل إنما أنا منذر وما من إله إلا الله الواحد القهار رب السموات والأرض وما بينهما العزيز الغفار
قوله تعالى هذا المعنى هذا الذي ذكرناه وإن للطاغين يعني الكافرين لشر مآب ثم بين ذلك بقوله جهنم والمهاد الفراش هذا فليذوقوه قال الفراء في الآية تقديم وتأخير تقديره هذا حميم وغساق فليذوقوه وإن شئت جعلت الحميم مستأنفا كأنك قلت هذا فليذوقوه ثم قلت منه حميم ومنه غساق كقول الشاعر ... حتى إذا ما أضاء الصبح في غلس ... وغودر البقل ملوي ومحصود ...
فأما الحميم فهوالماء الحار وأما الغساق ففيه لغتان قرأ حمزة والكسائي

وخلف وحفص بالتشديد وكذلك في عم يتساءلون 25 تابعهم لمفضل في عم يتساؤلون وقرأ الباقون بالتخفيف وفي الغساق أربعة أقوال
أحدها الزمهرير رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وقال مجاهد الغساق لا يستطيعون أن يذوقوه من برد
والثاني أنه ما يجري من صديد أهل النار رواه الضحاك عن ابن عباس وبه قال عطية وقتادة وابن زيد
والثالث أن الغساق عين في جهنم يسيل إليها حمة كل ذات حمة من حية أو عقرب أو غيرها فيستنقع فيؤتي بالآدمي فيغمس فيها غمسة فيخرج وقد سقط جلده ولحمه عن العظام ويجر لحمه جر الرجل ثوبه قاله كعب
والرابع أنه ما يسيل من دموعهم قاله السدي قال أبو عبيدة الغساق ما سال يقال غسقت العين والجرح وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي عن ابن قتيبة قال لم يكن أبو عبيدة يذهب إلى أن في القرآن شيئا من غير لغة العرب وكان يقول هو اتفاق يقع بين اللغتين وكان غيره يزعم أن الغساق البارد المنتن بلسان الترك وقيل فعال من غسق يغسق فعلى هذا يكون عربيا وقيل في معناه إنه الشديد البرد يحرق من برده وقيل هو ما يسيل من جلود أهل النار من الصديد
قوله تعالى وآخر قرأ أبو عمرو والمفضل وأخر بضم الهمزة من غير مد فجمعا لأجل نعته بالأزواج وهي جمع وقرأ الباقون بفتح الألف ومده على التوحيد واحتجوا بأن العرب تنعت الاسم إذا كان فعلا بالقليل

والكثير قال الفراء تقول عذاب فلان ضروب شتى وضربان مختلفان وإن شئت جعلت الأزواج نعتا للحميم والغساق والآخر فهن ثلاثة والأشبه أن تجعله صفة لواحد وقال الزجاج من قرأ وآخر بالمد فالمعنى وعذاب آخر من شكله أي مثل الأول ومن قرأ وأخر فالمعنى وأنواع أخر لأن قوله أزواج بمعنى أنواع وقال ابن قتيبة من شكله أي من نحوه أزواج أي أصناف وقال ابن جرير من شكله أي من نحو الحميم قال ابن مسعود في قوله وآخر من شكله هو الزمهرير وقال الحسن لما ذكر الله تعالى العذاب الذي يكون في الدنيا قال وآخر من شكله أي وآخر لم ير في الدنيا
قوله تعالى هذا فوج هذا قول الزبانية للقادة المتقدمين في الكفر إذا جاؤوهم بالأتباع وقيل بل هو قول الملائكة لأهل النار كلما جاؤوهم بأمة بعد أمة والفوج الجماعة من الناس وجمعه أفواج والمقتحم الداخل في الشيء رميا بنفسه قال ابن السائب إنهم يضربون بالمقامع فيلقون أنفسهم في النار ويثبون فيها خوفا من تلك المقامع فلما قالت

الملائكة ذلك لأهل النار قالوا لا مرحبا بهم فاتصل الكلام كأنه قول واحد وإنما الأول من قول الملائكة والثاني من قول أهل النار وقد بينا مثل هذا في قوله ليعلم إني لم أخنه بالغيب يوسف52 والمرحب والرحب السعة والمعنى لا اتسعت بهم مساكنهم قال أبو عبيدة تقول العرب للرجل لا مرحبا بك أي لا رحبت عليك الأرض وقال ابن قتيبة معنى قولهم مرحبا وأهلا أي اتيت رحبا أي سعة وأهلا أي أتيت أهلا لا غرباء فائنس ولا تستوحش وسهلا أي أتيت سهلا لا حزنا وهو في مذهب الدعاء كما تقول لقيت خيرا قال الزجاج ومرحبا منصوب بقوله رحبت بلادك مرحبا وصادفت مرحبا فأدخلت لا على ذلك المعنى
قوله تعالى إنهم صالوا النار أي داخلوها كما دخلناها ومقاسون حرها فأجابهم القوم ف قالوا بل أنتم لا مرحبا بكم أنتم قدمتموه لنا إن قلنا إن هذا قول الأتباع للرؤساء فالمعنى أنتم زينتم لنا الكفر وإن قلنا إنه قول الأمة المتأخرة للامة المتقدمة فالمعنى أنتم شرعتم لنا الكفر وبدأتم به قبلنا فدخلتم النار قبلنا فبئس القرار أي بئس المستقر والمنزل
قالوا ربنا من قدم لنا هذا أي من سنة وشرعه فزده عذابا ضعفا في النار وقد شرحناه في الأعراف 38 وفي القائلين لهذا قولان أحدهما أنه قول جميع أهل النار قاله ابن السائب والثاني قول الأتباع قاله مقاتل
قوله تعالى وقالوا يعني أهل النار ما لنا لا نرى رجالا كنا نعدهم من الأشرار قال المفسرون إذا دخلوا النار نظروا فلم يروا من كان

يخالفهم من المؤمنين فيقولون ذلك قال مجاهد يقول أبو جهل في النار أين صهيب أين عمار أين خباب أين بلال
قوله تعالى أتخذناهم سخريا قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي من الأشرار اتخذناهم بالوصل على الخبر أي إنا اتخذناهم وهؤلاء يبتدئون بكسر الهمزة وقرأ الباقون بقطع الألف وفتحها على معنى الاستفهام وهؤلاء يبتدئون بفتح الهمزة وقال الفراء وهذا استفهام بمعنى التعجب والتوبيخ والمعنى أنهم يوبخون أنفسهم على ما صنعوا بالمؤمنين وسخريا يقرأ بضم السين وكسرها وقد شرحناها في آخر سورة المؤمنين 110 أم زاغت عنهم الأبصار أي وهم معنا في النار ولا نراهم وقال أبو عبيدة أم هاهنا بمعنى بل
قوله تعالى إن ذلك لحق قال الزجاج أي إن الذي وصفناه عنهم لحق ثم بين ما هو فقال هو تخاصم أهل النار وقرأ أبوالجوزاء وأبو الشعثاء وأبو عمران وابن أبي عبلة تخاصم برفع الصاد وفتح الميم وكسر اللام من أهل وقرأ أبو مجلز وأبو العالية وأبو المتوكل وابن السميفع تخاصم أهل بفتح الصاد والميم ورفع اللام
قل هو نبؤا عظيم أنتم عنه معرضون ما كان لي من علم بالملأ الأعلى إذ يختصمون إن يوحى إلي إلا أنما أنا نذير مبين إذ قال ربك للملائكة إني خالق بشرا من طين

فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين فسجد الملائكة كلهم أجمعون إلا إبليس استكبر وكان من الكافرين قال يا إبليس ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي أستكبرت أم كنت من العالين قال أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين قال فاخرج منها فانك رجيم وإن عليك لعنتي إلى يوم الدين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون قال فانك من المنظرين إلى يوم الوقت المعلوم قال فبعزتك لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين قال فالحق والحق أقول لأملأن جهنم منك وممن تبعك منهم أجمعين قل ما أسئلكم عليه من أجر وما أنا من المتكلفين إن هو إلا ذكر للعالمين ولتعلمن نبأه بعد حين
قوله تعالى قل هو نبأ عظيم النبأ الخبر وفي المشار إليه قولان أحدهما أنه القرآن قاله ابن عباس ومجاهد والجمهور والثاني أنه البعث بعد الموت قاله قتادة أنتم عنه معرضون أي لا تتفكرون فيه فتعلمون صدقي في نبوتي وأن ما جئت به من الأخبار عن قصص الماضين لم أعلمه إلا بوحي من الله ويدل على هذا المعنى قوله ما كان لي من علم بالملأ الأعلى يعني الملائكة إذ يختصمون في شأن آدم حين قال الله تعالى إني جاعل في الأرض خليفة البقرة 30 والمعنى إني

ما علمت هذا إلا بوحي إن يوحى إلي أي ما يوحى إلي إلا أنما أنا نذير أي إلا أني نبي أنذركم وأبين لكم ما تأتونه وتجتنبونه
إذ قال ربك هذا متصل بقوله يختصمون وإنما اعترضت تلك الآية بينهما قال ابن عباس اختصموا حين شووروا في خلق آدم فقال الله لهم إني جاعل في الأرض خليفة وهذه الخصومة منهم إنما كانت مناظرة بينهم وفي مناظرتهم قولان
أحدهما أنه قولهم أتجعل فيها من يفسد فيها البقرة 30 قاله ابن عباس ومقاتل
والثاني أنهم قالوا لن يخلق الله خلقا إلا كنا أكرم منه وأعلم قاله الحسن هذا قول الأكثر من المفسرين وقد روي عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال رأيت ربي عز و جل فقال لي فيم يختصم الملأ الأعلى قلت أنت أعلم يارب قال في الكفارات والدرجات فأما الكفارات فاسباغ الوضوء في السبرات ونقل الأقدام إلى الجماعات وانتظار الصلاة بعد الصلاة وأما الدرجات فافشاء السلام وإطعام الطعام والصلاة بالليل والناس نيام

قوله تعالى أستكبرت أي أستكبرت بنفسك حين أبيت السجود أم كنت من العالين أي من قوم يتكبرون فتكبرت عن السجود لكونك من قوم يتكبرون
قوله تعالى فأنك رجيم أي مرجوم بالذم واللعن
قوله تعالى إلى يوم الوقت المعلوم وهو وقت النفخة الأولى وهو حين موت الخلائق
وقوله فبعزتك يمين بمعنى فوعزتك وما أخللنا به في هذه القصة فهو مذكور في الأعراف 12 , الحجر 34 وغيرهما مما تقدم قوله تعالى قال فالحق والحق أقول قرأ عاصم إلا حسنون عن هبيرة وحمزة وخلف وزيد عن يعقوب فالحق بالرفع في الأول ونصب الثاني وهذا مروي عن ابن عباس ومجاهد قال ابن عباس في معناه

فأنا الحق وأقول الحق وقال غيره خبر الحق محذوف تقديره الحق مني وقرأ محبوب عن أبي عمرو بالرفع فيهما قال الزجاج من رفعهما جميعا كان المعنى فأنا الحق والحق أقول وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي بالنصب فيهما قال الفراء وهو على معنى قولك حقا لآتينك ووجود الألف واللام وطرحهما سواء وهو بمنزلة قولك حمدا لله وقال مكي بن أبي طالب انتصب الحق الأول على الإغراء أي اتبعوا الحق واسمعوا والزموا الحق وقيل هو نصب على القسم كما تقول الله لأفعلن فتنصب حين حذفت الجار لأن تقديره فبالحق فأما الحق الثاني فيجوز أن يكون الأول وكرره توكيدا ويجوز أن يكون منصوبا ب أقول كأنه قال وأقول الحق وقرأ ابن عباس ومجاهد وعكرمة وأبو رجاء ومعاذ القارئ والأعمش فالحق بكسر القاف والحق بنصبها وقرأ أبو عمران الجوني بكسر القافين جميعا وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء وأبو نهيك فالحق بالنصب والحق بالرفع
قوله تعالى لأملأن جهنم منك أي من نفسك وذريتك
قل ما أسألكم عليه من أجر أي على تبليغ الوحي وما أنا من المتكلفين أي لم أتكلف إتيانكم من قبل نفسي إنما أمرت أن آتيكم ولم أقل القرآن من تلقاء نفسي إنما أوحي إلي

إن هو أي ماهو يعني القرآن إلا ذكر أي موعظة للعالمين
ولتعلمن يا معاشر الكفار نبأه أي خبر صدق القرآن بعد حين وفيه ثلاثة أقوال أحدها بعد الموت والثاني يوم القيامة رويا عن ابن عباس وبالأول يقول قتادة وبالثاني يقول عكرمة والثالث يوم بدر قاله السدي ومقاتل وقال ابن السائب من بقي إلى أن ظهر أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم علم ذلك ومن مات علمه بعد الموت وذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف ولا وجه لذلك

سورة الزمر وتسمى سورة الغرف فصل في نزولها
روى العوفي وابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكية وبه قال الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة وجابر بن زيد وروي عن ابن عباس أنه قال فيها آيتان نزلتا بالمدينة قوله الله نزل أحسن الحديث الزمر 23 وقوله يا عبادي الذين أسرفوا الزمر 53 وقال مقاتل فيها من المدني قل يا عبادي الذين أسرفوا الآية الزمر 53 وقوله للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة الزمر 10 وفي رواية أخرى عنه قال فيها آيتان مدنيتان يا عبادي الذين أسرفوا الزمر 53 وقوله يا عبادي الذين آمنوا اتقوا ربكم الزمر 10 وقال بعض السلف فيها ثلاث آيات مدنيات قل يا عبادي الذين أسرفوا إلى قوله وأنتم تشعرون الزمر55 - 53

بسم الله الرحمن الرحيم
تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ماهم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار لو أراد الله أن يتخذ ولدا لاصطفى مما يخلق ما يشاء سبحانه هو الله الواحد القهار
قوله تعالى تنزيل الكتاب قال الزجاج الكتاب هاهنا القرآن ورفع تنزيل من وجهين أحدهما الابتداء ويكون الخبر من الله فالمعنى نزل من عند الله والثاني على إضمار هذا تنزيل الكتاب و مخلصا منصوب على الحال فالمعنى فاعبد الله موحدا لا تشرك به شيئا
قوله تعالى ألا لله الدين الخالص يعني الخالص من الشرك وما سواه ليس بدين الله الذي أمر به وقيل المعنى لا يستحق الدين الخالص إلا لله
والذين اتخذوا من دونه أولياء يعنى آلهة ويدخل في هؤلاء اليهود حين قالوا عزير ابن الله والنصارى لقولهم المسيح ابن الله التوبة 30 وجميع عباد الأصنام ويدل عليه قوله بعد ذلك لو أراد الله أن يتخذ ولدا الزمر 4

قوله تعالى ما نعبدهم أي يقولون ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى أي إلا ليشفعوا لنا إلى الله والزلفى القربى وهو اسم أقيم مقام المصدر فكأنه قال إلا ليقربونا إلى الله تقريبا
إن الله يحكم بينهم أي بين أهل الأديان فيما كانوا يختلفون فيه من أمر الدين وذهب قوم إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف ولا وجه لذلك
قوله تعالى إن الله لا يهدي أي لا يرشد من هو كاذب في قوله إن الآلهه تشفع كفار أي كافر باتخاذها آلهة وهذا إخبار عمن سبق عليه القضاء بحرمان الهداية
لو أراد الله أن يتخذ ولدا أي على ما يزعم من ينسب ذلك إلى الله لاصطفى أي لاختار مما يخلق قال مقاتل أي من الملائكة
خلق السموات والأرض بالحق يكور الليل على النهار ويكور النهار على الليل وسخر الشمس والقمر كل يجري لأجل مسمى ألا هو العزيز الغفار
قوله تعالى خلق السموات والأرض بالحق أي لم يخلقهما لغير شيء

يكور الليل على النهار قال أبو عبيدة يدخل هذا على هذا قال ابن قتيبة وأصل التكوير اللف ومنه كور العمامة وقال غيره التكوير طرح الشيء بعضه على بعض
وسخر الشمس والقمر أي ذللهما للسير على ما أراد كل يجري لأجل مسمى أي إلى الأجل الذي وقت الله للدنيا وقد شرحنا معنى العزيز في البقرة 129 ومعنى الغفار في طه 82
خلقكم من نفس واحدة ثم جعل منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج يخلقكم في بطون أمهاتكم خلقا من بعد خلق في ظلمات ثلاث ذلكم الله ربكم له الملك لا إله إلا هو فأنى تصرفون
قوله تعالى خلقكم من نفس واحدة يعني آدم ثم جعل منها زوجها أي قبل خلقكم جعل منها زوجها لأن حواء خلقت قبل الذرية ومثله في الكلام أن تقول قد أعطيتك اليوم شيئا ثم الذي أعطيتك أمس أكثر هذا اختيار الفراء وقال غيره ثم أخبركم أنه خلق منها زوجها وأنزل لكم من الأنعام أي خلق ثمانية أزواج وقد بيناها في سورة الأنعام 143
خلقا من بعد خلق أي نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظما ثم لحما ثم أنبت الشعر إلى غير ذلك من تقلب الأحوال إلى إخراج الأطفال هذا قول الجمهور وقال ابن زيد خلقا في البطون من بعد خلقكم في ظهر آدم
قوله تعالى في ظلمات ثلاث ظلمة البطن وظلمة الرحم وظلمة

المشيمة قاله الجمهور وابن زيد معهم وقال أبو عبيدة إنها ظلمة صلب الأب وظلمة بطن المرأة وظلمة الرحم
قوله تعالى فأنى تصرفون أي من أين تصرفون عن طريق الحق بعد هذا البيان إن تكفروا فان الله غني عنكم ولا يرضى لعباده الكفر وإن تشكروا يرضه لكم ولا تزر وازرة وزر أخرى ثم إلى ربكم مرجعكم فينبئكم بما كنتم تعلمون إنه عليم بذات الصدور
إن تكفروا فإن الله غني عنكم أي عن إيمانكم وعبادتكم ولا يرضى لعباده الكفر فيه قولان أحدهما لا يرضاه للمؤمنين قاله ابن عباس والثاني لا يرضاه لأحد وإن وقع بإرادته وفرق بين الإرادة والرضى وقد أشرنا إلى هذا في البقرة 205 عند قوله والله لا يحب الفساد
وإن تشكروا يرضه لكم أي يرضى ذلك الشكر لكم إنه عليم بذات الصدور أي بما في القلوب
وإذا مس الإنسان ضر دعا ربه منيبا إليه ثم إذا خوله نعمة منه نسي ما كان يدعوا إليه من قبل وجعل لله أندادا ليضل عن سبيله قل تمتع بكفرك قليلا إنك من أصحاب النار

قوله تعالى وإذا مس الإنسان ضر اختلفوا فيمن نزلت على قولين أحدهما في عتبة بن ربيعة قاله عطاء والثاني في أبي حذيفة بن المغيرة قاله مقاتل والضر البلاء والشدة
منيبا إليه أي راجعا إليه من شركه
ثم إذا خولة أي أعطاه وملكه نعمة منه بعد البلاء الذي أصابه كالصحة بعد المرض والغنى بعد الفقر نسي أي ترك ما كان يدعو إليه وفيه ثلاثة أقوال أحدها نسي الدعاء الذي كان يتضرع به إلى الله تعالى والثاني نسي الضر الذي كان يدعو الله إلى كشفه والثالث نسي الله الذي كان يتضرع إليه قال الزجاج وقد تدل ما على الله عز و جل كقوله ولا أنتم عابدون ما أعبد الكافرون 3 وقال الفراء ترك ما كان يدعو إليه وقد سبق معنى الأنداد البقرة 22 ومعنى ليضل عن سبيل الله الحج 9
قوله تعالى قل تمتع بكفرك لفظه لفظ الأمر ومعناه التهديد ومثله فتمتعوا فسوف تعلمون النحل 55
أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربه قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون إنما يتذكر أولوا الألباب قل يا عباد الذين آمنوا اتقوا ربكم للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة وأرض الله واسعة إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب
قوله تعالى أمن هو قانت قرأ ابن كثير ونافع وحمزة وأبو جعفر

والمفضل عن عاصم وزيد عن يعقوب أمن بالتخفيف وقرأ الباقون بالتشديد فأما المشددة فمعناها أهذا الذي ذكرنا خير أمن هو قانت والأصل في أمن أم من فأدغمت الميم في الميم وأما المخففه ففي تقديرها ثلاثة أوجه
أحدها أنها بمعنى النداء قال الفراء فسرها الذين قرؤوا بها فقالوا يامن هو قانت وهو وجه حسن والعرب تدعو بالألف كما تدعوا بياء فيقولون يا زيد أقبل وأزيد أقبل فيكون المعنى أنه ذكر الناسي الكافر ثم قص قصة الصالح بالنداء كما تقول فلان لا يصوم ولا يصلي فيامن يصوم أبشر
والثاني أن تقديرها أمن هو قانت كمن ليس بقانت
والثالث أمن هو قانت كمن جعل لله أندادا
وقد ذكرنا معنى القنوت في البقرة116 ومعنى آناء الليل في آل عمران 113
قوله تعالى ساجدا وقائما يعني في الصلاة وفيمن نزلت فيه هذه الآية خمسة أقوال أحدها أنه أبو بكر الصديق رواه عطاء عن ابن عباس

والثاني عثمان بن عفان قاله ابن عمر والثالث عمار بن ياسر قاله مقاتل والرابع ابن مسعود وعمار وصهيب وابو ذر قاله ابن السائب والخامس أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم حكاه يحيى بن سلام
قوله تعالى يحذر الآخرة أي عذاب الآخرة وقد قرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وابن عباس وعروة وسعيد بن جبير وأبو رجاء وأبو عمران يحذر عذاب الآخرة بزيادة عذاب ويرجو رحمة ربه فيها قولان أحدهما أنها المغفرة قاله ابن السائب والثاني الجنة قاله مقاتل
قوله تعالى قل هل يستوي الذي يعلمون أن ما وعد الله من الثواب

والعقاب حق والذين لا يعلمون وباقي الآية قد تقدم قي الرعد 19 وكذلك قوله للذين أحسنوا في هذه الدنيا حسنة قد تقدم في النحل 30
وفي قوله وأرض الله واسعة قولان أحدهما أنه حث لهم على الهجرة من مكة إلى حيث يأمنون والثاني أنها أرض الجنة رغبهم فيها
إنما يوفى الصابرون الذين صبروا لأجل الله تعالى على مانالهم بغير حساب أي يعطون عطاء كثيرا أوسع من أن يحسب وأعظم من أن يحاط به لا على قدر أعمالهم
قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين وأمرت لأن أكون أول المسلمين قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم قل الله أعبد مخلصا له ديني فاعبدوا ماشئتم من دونه قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا ذلك هو الخسران المبين لهم من فوقهم ظلل من النار ومن تحتهم ظلل ذلك يخوف الله به عباده يا عباد فاتقون والذين اجتنبوا الطاغوت أن يعبدوها وأنابوا إلى الله لهم البشرى فبشر عباد الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولوا الألباب
قوله تعالى قل إني أمرت قال مقاتل وذلك أن كفار قريش قالوا لرسول الله صلى الله عليه و سلم ما حملك على الذي أتيتنا به ألا تنظر إلى ملة آبائك

فتأخذ بها فنزلت هذه الآية والمعنى قل إني أمرت أن أعبد الله مخلصا له الدين أي أمرت أن أعبده على التوحيد والإخلاص السالم من الشرك وأمرت لأن أكون أول المسلمين من هذه الأمة
قل إني أخاف إن عصيت ربي بالرجوع إلى دين آبائي عذاب يوم عظيم وقد اختلفوا في نسخ هذه الآية كما بينا في نظيرتها في الأنعام 15
قل الله أعبد مخلصا له ديني بالتوحيد فاعبدوا ماشئتم وهذا تهديد وبعضهم يقول هو منسوخ بآية السيف وهذا باطل لأنه لو كان أمرا كان منسوخا فأما أن يكون بمعنى الوعيد فلا وجه لنسخه
قل إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم بأن صاروا إلى النار و خسروا أهليهم فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنهم خسروا الحور العين اللواتي أعددن لهم في الجنة لو أطاعوا قاله الحسن وقتادة
والثاني خسروا الأهل في النار إذ لا أهل لهم فيها قاله مجاهد وابن زيد
والثالث خسروا أهليهم الذين كانوا في الدنيا إذ صاروا إلى النار بكفرهم وصار أهلوههم إلى الجنة بإيمانهم قاله الماوردي
قوله تعالى لهم من فوقهم ظلل من النار وهي الأطباق من النار وإنما قال ومن تحتهم ظلل لأنها ظلل لمن تحتهم ذلك الذي وصف الله من العذاب يخوف الله به عباده المؤمنين

قوله تعالى والذين اجتنبوا الطاغوت روى ابن زيد عن أبيه أن هذه الآية والتي بعدها نزلت في ثلاثة نفر كانوا في الجاهلية يوحدون الله تعالى زيد ابن عمرو بن نفيل وأبي ذر وسلمان الفارسي رضى الله عنهم قال أولئك الذين هداهم الله بغير كتاب ولا نبي
وفي المراد بالطاغوت هاهنا ثلاثة أقوال أحدها الشياطين قاله مجاهد والثاني الكهنة قاله ابن السائب والثالث الأوثان قاله مقاتل فعلى قول مقاتل هذا إنما قال يعبدوها لأنها مؤنثة وقال الأخفش إنما قال يعبدوها لأن الطاغوت في معنى جماعة وإن شئت جعلته واحدا مؤنثا قوله تعالى وأنابوا إلى الله أي رجعوا إليه بالطاعة لهم البشرى بالجنة فبشر عبادي بباء وحرك الياء أبوعمرو
ثم نعتهم فقال الذين يستمعون القول وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه القرآن قاله الجمهور فعلى هذا في معنى فيتبعون أحسنه أقوال قد شرحناها في الأعراف 145 عند قوله وأمر قومك يأخذوا بأحسنها
والثاني أنه جميع الكلام ثم في المعنى قولان أحدهما أنه الرجل

يجلس مع القوم فيسمع كلامهم فيعمل بالمحاسن ويحدث بها ويكف عن المساوئ ولايظهرها قاله ابن السائب والثاني أنه لما ادعى مسيلمة أنه قد أتى بقرآن وأتت الكهنة بالكلام المزخرف في الأباطيل فرق المؤمنون بين ذلك وبين كلام الله فاتبعوا كلام الله ورفضوا أباطيل أولئك قاله أبو سليمان الدمشقي
أفمن حق عليه كلمة العذاب أفأنت تنقذ من في النار لكن الذين اتقوا ربهم لهم غرف من فوقها غرف مبنية تجري من تحتها الأنهار وعد الله لا يخلف الله المعياد
قوله تعالى أفمن حق عليه كلمة العذاب قال ابن عباس سبق في علم الله أنه في النار
فان قيل كيف اجتمع في هذه الآية استفهامان بلا جواب
قيل أما الفراء فانه يقول هذا مما يراد به استفهام واحد فسبق الاستفهام إلى غير موضعه فرد إلى موضعه الذي هو له فيكون المعنى أفأنت تنقذ من في النار من حقت عليه كلمة العذاب ومثله أيعدكم أنكم إذا متم وكنتم ترابا وعظاما أنكم مخرجون المؤمنون 35 فرد أنكم مرتين والمعنى أيعدكم أنكم مخرجون إذا متم ومثله لا تحسبن الذين يفرحون بما أتوا ثم قال فلا تحسبنهم آل عمران 188 فرد تحسبن مرتين والمعنى لا تحسبن الذين يفرحون بمفازة من العذاب وقال الزجاج يجوز أن يكون في الكلام محذوف تقديره أفمن حق عليه كلمة العذاب فيتخلص منه أو ينجو أفأنت تنقذه قال المفسرون أفأنت

تخلصه مما قدر له فتجعله مؤمنا والمعنى ما تقدر على ذلك قال عطاء يريد بهذه الآية أبا لهب وولده ومن تخلف من عشيرة النبي صلى الله عليه و سلم عن الإيمان
قوله تعالى لكن الذين اتقوا وقرأ أبو المتوكل وأبوجعفر لكن بتشديد النون وفتحها قال الزجاج والغرف هي المنازل الرفيعة في الجنة من فوقها غرف أي منازل أرفع منها
وعد الله منصوب على المصدر فالمعنى وعدهم الله غرفا وعدا ومن قرأ وعد الله بالرفع المعنى ذلك وعد الله
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فسلكه ينابيع في الأرض ثم يخرج به زرعا مختلفا ألوانه ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يجعله حطاما إن في ذلك لذكرى لأولي الألباب
قوله تعالى أنزل من السماء ماء قال الشعبي كل مافي الأرض فمن السماء ينزل فسلكه ينابيع قال ابن قتيبة أي أدخله فجعله ينابيع أي عيونا تنبع ثم يهيج أي ييبس قال الأصمعي يقال للثبت إذا تم جفافه قد هاج يهيج هيجا
فأما الحطام فقال أبو عبيدة هو ما يبس فتحات من النبات ومثله الرفات قال مقاتل هذا مثل ضرب الدنيا بينا ترى النبت أخضر إذ تغير فيبس ثم هلك وكذلك الدنيا وزينتها وقال غيره هذا البيان للدلالة على قدرة الله عز و جل

أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله أولئك في ضلال مبين
قوله تعالى أفمن شرح الله صدره قال الزجاج جوابه متروك لأن الكلام دال عليه تقديره أفمن شرح الله صدره فاهتدى كمن طبع على قلبه فلم يهتد ويدل على هذا قوله فويل للقاسية قلوبهم وقد روى ابن مسعود أن رسول الله صلى الله عليه و سلم تلا هذه الآية فقلنا يا رسول الله وما هذا الشرح فذكر حديثا قد ذكرناه في قوله فمن يرد الله أن يهديه يشرح صدره للاسلام الأنعام 125
قوله تعالى فهو على نور فيه أربعة أقوال أحدها اليقين قاله ابن عباس والثاني كتاب الله يأخذ به وينتهي إليه قاله قتادة والثالث البيان قاله ابن السائب والرابع الهدى قاله مقاتل

وفيمن نزلت هذه الآية فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنها نزلت في أبي بكر الصديق وأبي بن خلف رواه الضحاك عن ابن عباس
والثاني في علي وحمزة وأبي لهب و ولده قاله عطاء
والثالث في رسول الله صلى الله عليه و سلم وفي أبي جهل قاله مقاتل
قوله تعالى فويل للقاسية قلوبهم من ذكر الله قد بينا معنى القساوة في البقرة 74
فان قيل كيف يقسو القلب من ذكر الله عز و جل
فالجواب أنه كلما تلي عليهم ذكر الله الذي يكذبون به قست قلوبهم عن الإيمان به وذهب مقاتل في آخرين إلى أن من هاهنا بمعنى عن قال الفراء كما تقول أتخمت عن طعام أكلته ومن طعام أكلته وإنما قست قلوبهم من ذكر الله لأنهم جعلوه كذبا فأقسى قلوبهم ومن قال قست قلوبهم عنه أراد أعرضت عنه وقد قرأ أبي بن كعب وابن أبي عبلة وأبو عمران قلوبهم عن ذكر الله مكان قوله من
الله نزل أحسن الحديث كتابا متشابها مثاني تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم ثم تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر الله ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ومن يضلل الله فما له من هاد

قوله تعالى الله نزل أحسن الحديث يعني القرآن وقد ذكرنا سبب نزولها في أول يوسف
قوله تعالى كتابا متشابها فيه قولان
أحدهما أن بعضه يشبه بعضا في الآي والحروف فالآية تشبه الآية والكلمة تشبه الكلمة والحرف يشبه الحرف
والثاني أن بعضه يصدق بعضا فليس فيه اختلاف ولا تناقض
وإنما قيل له مثاني لأنه كررت فيه القصص والفرائض والحدود والثواب والعقاب
فان قيل ما الحكمة في تكرار القصص والواحدة قد كانت تكفي
فالجواب أن وفود العرب كانت ترد على رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقرئهم المسلمون شيئا من القرآن فيكون ذلك كافيا لهم وكان يبعث إلى القبائل المتفرقة بالسور المختلفة فلو لم تكن الأنباء والقصص مثناة مكررة لوقعت قصة موسى إلى قوم وقصة عيسى إلى قوم وقصة نوح إلى قوم فأراد الله تعالى أن يشهر هذه القصص في أطراف الأرض ويلقيها إلى كل سمع فأما فائدة تكرار الكلام من جنس واحد كقوله فبأي آلاء ربكما تكذبان الرحمن وقوله لا أعبد ما تعبدون الكافرون وقوله أولى لك فأولى القيامة 34 35 وما أدراك ما يوم الدين الانفطار 17 18 فسنذكرها في سورة الرحمن عز و جل
قوله تعالى تقشعر منه جلود الذين يخشون ربهم أي تأخذهم

قشعريرة وهو تغير يحدث في جلد الإنسان من الوجل وروى العباس ابن عبد المطلب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إذا اقشعر جلد العبد من خشية الله تحاتت ذنوبه كما يتحات عن الشجرة اليابسة ورقها
وفي معنى الآية ثلاثة أقوال أحدها تقشعر من وعيده وتلين عند وعده قاله السدي والثاني تقشعر من الخوف وتلين من الرجاء والثالث تقشعر الجلود لإعظامه وتلين عند تلاوته ذكرهما الماوردي
وقال بعض أهل المعاني مفعول الذكر في قوله إلى ذكر الله محذوف لأنه معلوم والمعنى تطمئن قلوبهم إلى ذكر الله الجنة والثواب قال قتادة هذا نعت أولياء الله تقشعر جلودهم وتلين قلوبهم ولم ينعتهم بذهاب عقولهم والغشيان عليهم إنما هذا في أهل البدع وهذا من الشيطان وقد روى أبو حازم قال مر ابن عمر برجل ساقط من أهل العراق فقال ما شأنه فقالوا إنه إذا قرئ عيه القرآن يصيبه هذا قال إنا لنخشى الله عز و جل وما نسقط وقال عامر بن عبد الله بن الزبير جئت أبي فقال لي أين كنت فقلت وجدت قوما ما رأيت خيرا منهم قط يذكرون الله عز و جل فيرعد واحدهم حتى يغشى عليه من خشية الله عز و جل فقعدت معهم فقال لا تقعد معهم بعدها أبدا قال فرآني

كأني لم يأخذ ذلك في فقال رأيت رسول الله صلى الله عليه و سلم يتلو القرآن ورأيت أبا بكر وعمر يتلوان القرآن فلا يصيبهم هذا من خشية الله تعالى أفترى أنهم أخشى لله من أبي بكر وعمر قال فرأيت ذلك كذلك وقال عكرمة سئلت أسماء بنت أبي بكر هل كان أحد من السلف يغشى عليه من الخوف قالت لا ولكنهم كانوا يبكون وقال عبد الله بن عروة بن الزبير قلت لجدتي أسماء بنت أبي بكر كيف كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم يفعلون إذا قرئ عليهم القرآن قالت كانوا كما نعتهم الله تعالى تدمع أعينهم وتقشعر جلودهم فقلت لها إن ناسا اليوم إذا قرئ عليهم القرآن خر أحدهم مغشيا عليه فقالت أعوذ بالله من الشيطان الرجيم وكان جواب يرعد عند الذكر فقال له إبراهيم النخعي إن كنت تملكه فما أبالي أن لا أعتد بك وإن كنت لا تملكه فقد خالفت من كان قبلك

قوله تعالى ذلك هدى الله في المشار إليه قولان أحدهما أنه القرآن قاله مقاتل والثاني أنه ما ينزل بالمؤمنين عند تلاوة القرآن من اقشعرار الجلود عند الوعيد ولينها عند الوعد قاله ابن الأنباري
أفمن يتقي بوجهه سوء العذاب يوم القيامة وقيل للظالمين ذوقوا ما كنتم تكسبون كذب الذين من قبلهم فأتهام العذاب من حيث لا يشعرون فأذاقهم الله الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن من كل مثل لعلهم يتذكرون قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون
قوله تعالى أفمن يتقي بوجه سوء العذاب أي شدته قال الزجاج جوابه محذوف تقديره كمن يدخل الجنة وجاء في التفسير أن الكافر يلقى في النار مغلولا ولا يتهيأ له أن يتقيها إلا بوجه
ثم أخبر عما يقول الخزنة للكفار بقوله وقيل للظالمين يعني الكافرين ذوقوا ما كنتم تكسبون أي جزاء كسبكم
قوله تعالى كذب الذين من قبلهم أي من قبل كفار مكة فأتاهم العذاب من حيث لا يشعرون أي وهم آمنون غافلون عن العذاب

فأذاقهم الله الخزي يعني الهوان والعذاب ولعذاب الآخرة أكبر مما أصابهم في الدنيا لو كانوا يعلمون ولكنهم لا يعلمون ذلك
ولقد ضربنا للناس في هذا القرآن أي وصفنا لهم من كل مثل أي من كل شبه يشبه أحوالهم
قوله تعالى قرآنا عربيا قال الزجاج عربيا منصوب على الحال المعنى ضربنا للناس في هذا القرآن في حال عربيته وبيانه فذكر قرآنا توكيدا كما تقول جاءني زيد رجلا صالحا وجاءني عمرو إنسانا عاقلا فذكر رجلا وإنسانا توكيدا
قوله تعالى غير ذي عوج روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال غير مخلوق وقال غيره مستقيم غير مختلف
ضرب الله مثلا رجلا فيه شركاء متشاكسون ورجلا سلما لرجل هل يستويان مثلا الحمد لله بل أكثرهم لا يعلمون إنك ميت وإنهم ميتون ثم إنكم يوم القيامة عند ربكم تختصمون
قوله تعالى ضرب الله مثلا ثم بينه فقال رجلا فيه شركاء متشاكسون قال ابن قتيبة أي مختلفون يتنازعون ويتشاحون فيه يقال رجل شكس وقال اليزيدي الشكس من الرجال الضيق الخلق
قال المفسرون وهذا مثل ضربه الله للمؤمن والكافر فان الكافر يعبد

آلهة شتى فمثله بعبد يملكه جماعة يتافسون في خدمته ولا يقدرون أن يلغ رضاهم أجمعين والمؤمن يعبد الله وحده فمثله بعبد لرجل واحد قد علم مقاصده وعرف الطريق إلى رضاه فهو في راحة من تشاكس الخلطاء فيه فذلك قوله سالما لرجل قرأ ابن كثير وأبو عمرو إلا عبد الوارث في غير رواية القزاز وأبان عن عاصم ورجلا سلما بألف وكسر اللام وبالنصب والتنوين فيهما والمعنى ورجلا خالصا لرجل قد سلم له من غير منازع ورواه عبد الوارث إلا القزاز كذلك إلا أنه رفع الاسمين فقال ورجل سالم لرجل وقرأ ابن أبي عبلة سلم لرجل بكسر السين ورفع الميم وقرأ الباقون ورجلا سلما بفتح السين واللام وبالنصب فيهما والتنوين والسلم بفتح السين واللام معناه الصلح والسلم بكسر السين مثله قال الزجاج من قرأ سلما وسلما فهما مصدران وصف بهما فالمعنى ورجلا ذا سلم لرجل وذا سلم لرجل فالمعنى ذا سلم والسلم الصلح والسلم بكسر السين مثله وقال ابن قتيبة من قرأ سلما لرجل أراد سلم إليه فهو سلم له وقال أبو عبيدة السلم والسلم الصلح
قوله تعالى هل يستويان مثلا هذا استفهام معناه الإنكار أي لا يستويان لأن الخالص لمالك واحد يستحق من معونته وإحسانه ما لا يستحقه صاحب الشركاء المتشاكسين وقيل لا يستويان في باب الراحة لأنه هذا قد عرف الطريق إلى رضى مالكه وذاك متحير بين الشركاء قال ثعلب وإنما قال هل يستويان مثلا ولم يقل مثلين لأنهما جميعا ضربا

مثلا واحدا ومثله وجعلنا ابن مريم وأمه آية المؤمنون 50 ولم يقل آيتين لأن شأنهما واحد وتم الكلام هاهنا ثم قال الحمد لله أي له الحمد دون غيره من المعبودين بل أكثرهم لا يعلمون والمراد بالأكثر الكل
ثم أخبر نبيه بما بعد هذا الكلام أنه يموت وأن الذين يكذبونه يموتون وأنهم يجتمعون للخصومة عند الله عز و جل المحق والمبطل والمظلوم والظالم وقال ابن عمر نزلت هذه الآية وما ندري ما تفسيرها وما نرى أنها نزلت إلا فينا وفي أهل الكتابين حتى قتل عثمان فعرفت أنها فينا نزلت وفي لفظ آخر حتى وقعت الفتنة بين علي ومعاوية
فمن أظلم ممن كذب على الله وكذب بالصدق إذ جاءه أليس في جهنم مثوى للكافرين والذي جاء بالصدق وصدق به أولئك هم المتقون لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك جزاؤا المحسنين ليكفر الله عنهم أسوأ الذي عملوا ويجزيهم أجرهم بأحسن الذين كانوا يعملون

قوله تعالى فمن أظلم ممن كذب على الله بأن دعا له ولدا وشريكا وكذب بالصدق إذ جاءه وهو التوحيد والقرآن أليس في جهنم مثوى للكافرين أي مقام للجاحدين وهذا استفهام بمعنى التقرير يعني إنه كذلك
قوله تعالى والذي جاء بالصدق فيه أربعة أقوال
أحدها أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله علي بن أبي طالب وابن عباس وقتادة وابن زيد ثم في الصدق الذي جاء به قولان أحدهما أنه لا إله إلا الله رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير والثاني أنه القرآن قاله قتادة وفي الذي صدق به ثلاثة أقوال أحدها أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم أيضا هو جاء بالصدق وهو صدق به قاله ابن عباس والشعبي والثاني أنه أبو بكر قاله علي بن أبي طالب والثالث أنهم المؤمنون قاله قتادة والضحاك وابن زيد
والقول الثاني أن الذي جاء بالصدق أهل القرآن وهو الصدق الذي يجيبون به يوم القيامة وقد أدوا حقه فهم الذين صدقوا به قاله مجاهد
والثالث أن الذي جاء بالصدق الأنبياء قاله الربيع فعلى هذا يكون الذي صدق به المؤمنون
والرابع أن الذي جاء بالصدق جبريل وصدق به محمد قاله السدي

قوله تعالى أولئك هم المتقون أي الذين اتقوا الشرك وإنما قيل هم لأن معنى الذي معنى الجمع كذلك قال اللغويون وأنشد أبو عبيدة والزجاج ... فان الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أم خالد ...
قوله تعالى ليكفر الله عنهم المعنى أعطاهم ماشاؤوا ليكفر عنهم أسوأ الذي عملوا أي ليستر ذلك بالمغفرة ويجزيهم أجرهم بمحاسن أعمالهم لا بمساوئها
أليس الله بكاف عبده ويخوفونك بالذين من دونه ومن يضلل الله فما له من هاد ومن يهد الله فما له من مضل أليس الله بعزيز ذي انتقام ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن الله قل أفرأيتم ما تدعون من دون الله إن أرادني الله بضر هل هن كاشفات ضره أو أرادني برحمة هل هن ممسكات رحمته قل حسبي الله عليه يتوكل المتوكلون

قوله تعالى أليس الله بكاف عبده ذكر المفسرون أن مشركي مكة قالوا يا محمد ما تزال تذكر آلهتنا وتعيبها فاتق أن تصيبك بسوء فنزلت هذه الآية والمراد بعبده هاهنا محمد صلى الله عليه و سلم
وقرأ حمزة والكسائي عباده على الجمع وهم الأنبياء لأن الأمم قصدتهم بالسوء فالمعنى أنه كما كفى الأنبياء قبلك يكفيك وقرأ سعد بن أبي وقاص وأبو عمران الجوني بكافي مثبتة الياء عبده بكسر الدال والهاء من غير ألف وقرأ أبي بن كعب وأبو العالية وأبو الجوزاء والشعبي مثله إلا أنهم أثبتوا الألف في عباده وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو جعفر وشيبة والأعمش بكاف بالتنوين عباده على الجمع وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء العطاردي يكافي بياء مرفوعة قبل الكاف وياء ساكنة بعد الفاء عباده على الجمع
ويخوفونك بالذين من دونه أي بالذين يعبدون من دونه وهم الأصنام
ثم أعلم بما بعد هذا أن الإضلال والهداية إليه تعالى وأنه منتقم ممن عصاه ثم أخبر أنهم مع عبادتهم يقرون أنه الخالق ثم أمر أن يحتج عليهم بأن ما يعبدون لا يملك كشف ضر ولا جذب خير
وقرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم كاشفات ضره وممسكات رحمته منونا والباقون كاشفات ضره وممسكات رحمته على الإضافة

قل ياقوم اعملوا على مكانتكم إني عامل فسوف تعلمون من يأتيه عذاب يخزيه ويحل عليه عذاب مقيم إنا أنزلنا عليك الكتاب للناس بالحق فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فانما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل
قوله تعالى قل يا قوم اعملوا ذكر بعض المفسرين أنها والآية التي تليا نسخت بآية السيف
قوله تعالى إنا أنزلنا عليك الكتاب يعني القرآن للناس أي لجمع الخلق بالحق ليس فيه باطل وتمام الآية مفسر في آخر يونس 108 وذكروا أنه مسنوخ بآية السيف
الله يتوفى الأنفس حين موتها والتي لم تمت في منامها فيمسك التي قضى عليها الموت ويرسل الأخرى إلى أجل مسمى إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون
قوله تعالى الله يتوفى الأنفس حين موتها أي يقبض الأرواح حين موت أجسادها والتي لم تمت أي ويتوفى التي لم تمت في منامها
فيمسك أي عن الجسد والنفس التي قضى عليها الموت وقرأ حمزة والكسائي قضي بضم القاف وفتح الياء الموت بالرفع ويرسل الأخرى إلى الجسد إلى أجل مسمى وهو انقضاء العمر إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون في أمر البعث وروى

سعيد بن جبير عن ابن عباس قال تلتقي أرواح الأحياء وأرواح الأموات في المنام فيتعارفون ويتساءلون ثم ترد ارواح الأحياء إلى أجسادها فلا يخطىء بشيء منها فذلك قوله إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون وقال ابن عباس في رواية أخرى في ابن آدم نفس وروح فبالنفس العقل والتمييز وبالروح النفس والتحريك فاذا نام العبد قبض الله نفسه ولم يقبض روحه وقال ابن جريج في الغنسان روح ونفس بينهما حاجز فهو تعالى يقبض النفس عند النوم يردها إلى الجسد عند الانتباه فاذا أراد إماتة العبد في نومه لم يرد النفس وقبض الروح
وقد اختلف العلماء هل بين النفس والروح فرق على قولين قد ذكرتهما في الوجوه والنظائر وزدت هذه الآية شرحا في باب التوفي في كتاب النظائر وذهب بعض العلماء إلى أن التوفي المذكور في حق النائم هو نومه وهذا اختيار الفراء وابن الأنباري فعلى هذا يكون معنى توفي النائم قبض نفسه عن التصرف وإرسالها إطلاقها باليقظة للتصرف أم اتخذوا من دون الله قل أولو كانوا لا يملكون شيئا ولا يعقلون قل لله الشفاعة جميعا له ملك السموات والأرض ثم إليه ترجعون
قوله تعالى أم اتخذوا يعني كفار مكة

وفي المراد بالشفعاء قولان أحدهما أنها أصنام زعموا أنها تشفع لهم في حاجاتهم قاله الأكثرون والثاني الملائكة قاله مقاتل قل أولو كانوا لا يملكون شيئا من الشفاعة ولا يعقلون أنكم تعبدونهم وجواب هذا الإستفهام محذوف تقديره أولو كانوا بهذه الصفة تتخذونهم
قل لله الشفاعة جميعا أي لا يملكها أحد إلا بتمليكه ولا يشفع عنده أحد باذنه
وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة وإذا ذكر الذين من دونه إذا هم يستبشرون قل اللهم فاطر السموات والأرض عالم الغيب والشهادة أنت تحكم بين عبادك فيما كانوا فيه يختلفون ولو أن للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب يوم القيامة وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون وبدا لهم سيآت ما كسبوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن
قوله تعالى وإذا ذكر الله وحده اشمأزت قلوب الذين لا يؤمنون بالآخرة فيه ثلاثة أقوال أحدها انقبضت عن التوحيد قاله ابن عباس ومجاهد والثاني استكبرت قاله قتادة والثالث نفرت قاله أبو عبيدة والزجاج
قوله تعالى وإذا ذكر الذين من دونه يعني الأصنام إذا هم يستبشرون يفرحون وما بعد هذا قد تقدم تفسيره الأنعام 14 73 البقرة 113 الرعد18 إلى قوله وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون

قال السدي ظنوا أن أعمالهم حسنات فبدت لهم سيئات وقال غيره عملوا أعمالا ظنوا أنها تنفعهم فلم تنفع مع شركهم قال مقاتل ظهر لهم حين بعثوا مالم يحتسبوا أنه نازل بهم فهذا القول يحتمل وجهين
أحدهما أنهم كانوا يرجون القرب من الله بعبادة الأصنام فلما عوقبوا عليها بدا لهم ما لم يكونوا يحتسبون
والثاني أن البعث والجزاء لم يكن في حسابهم وروي عن محمد بن المنكدر أنه جزع عند الموت وقال أخشى هذه الآية أن يبدو لي مالا أحتسب
قوله تعالى وحاق بهم أي نزل بهم ما كانوا به يستهزؤن أي ما كانوا ينكرونه ويكذبون به
فاذا مس الإنسان ضر دعانا ثم إذا خولناه نعمة منا قال إنما أوتيته على علم بل هي فتنة ولكن أكثرهم لا يعلمون قد قالها الذين من قبلهم فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فأصابهم سيآت ما كسبوا والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيآت ما كسبوا وما هم بمعجزين أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون
قوله تعالى فاذا مس الإنسان ضر دعانا قال مقاتل هو أبو حذيفة ابن المغيرة وقد سبق في هذه السورة نظيرها الزمر 8 وإنما كنى عن النعمة بقوله أوتيته لأن المراد بالنعمة الإنعام
على علم عندي أي على خير علمه الله عندي وقيل على علم من الله بأني له أهل قال الله تعالى بل هي يعني النعمة التي أنعم الله عليه بها فتنة أي بلوى يبتلى بها العبد ليشكر أو يكفر

ولكن اكثرهم لا يعلمون أن ذلك استدراج لهم وامتحان وقيل بل هي أي المقالة التي قالها فتنة
قد قالها يعني تلك الكلمة وهي قوله إنما أوتيتة على علم الذين من قبلهم وفيهم قولان أحدهما أنهم الأمم الماضية قاله السدي والثاني قارون قاله مقاتل
قوله تعالى فما أغنى عنهم أي ما
دفع عنهم العذاب ما كانوا يكسبون وفيه ثلاثة أقوال أحدها من الكفر والثاني من عبادة الأصنام والثالث من الأموال
فأصابهم سيئات ما كسبوا أي جزاء سيئاتهم وهو العذاب
ثم أوعد كفار مكة فقال والذين ظلموا من هؤلاء سيصيبهم سيئات ما كسبوا وما هم بمعجزين أي إنهم لا يعجزون الله ولا يفوتونه
قال مقاتل ثم وعظهم ليعلموا وحدانيته حين مطروا بعد سبع سنين فقال أولم يعلموا أن الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إن في ذلك أي في بسط الرزق وتقتيره لآيات لقوم يؤمنون
قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون
قوله تعالى قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم في سبب نزولها أربعة أقوال

أحدها أن ناسا من المشركين كانوا قد قتلوا فأكثروا وزنوا فأكثروا ثم أتوا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا إن الذي تدعو إليه لحسن لو تخبرنا أن لما عملنا كفارة فنزلت هذه الآية رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثاني أنها نزلت في عياش بن أبي ربيعة والوليد ونفر من المسلمين كانوا قد أسلموا ثم عذبوا فافتتنوا فكان أصحاب رسول الله يقولون لا يقبل الله من هؤلاء صرفا ولا عدلا قوم تركوا دينهم بعذاب عذبوه فنزلت هذه الآية فكتبها عمر إلى عياش والوليد وأولئك النفر فأسلموا وهاجروا وهذا قول ابن عمر
والثالث أنها نزلت في وحشي وهذا القول ذكرناه مشروحا في آخر الفرقان 68 عن ابن عباس
والرابع أن أهل مكة قالوا يزعم محمد أن من عبد الأوثان

وقتل النفس التي حرم الله لم يغفر له فكيف نهاجر ونسلم وقد فعلنا ذلك فنزلت هذه الآية وهذا مروي عن ابن عباس أيضا
ومعنى أسرفوا على أنفسهم ارتكبوا الكبائر والقنوط بمعنى اليأس وأنيبوا بمعنى ارجعوا إلى الله من الشرك والذنوب وأسلموا له أي أخلصوا له التوحيد وتنصرون بمعنى تمنعون
واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم قد بيناه في قوله يأخذوا بأحسنها الأعراف 145
أن تقول نفس يا حسرتي على ما فرطت في جنب اله وإن كنت لمن الساخرين أو تقول لو أن الله هداني لكنت من المتقين أو تقول حين ترى العذاب لو أن لي كرة فأكون من المحسنين بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت وكنت من الكافرين

قوله تعالى أن تقول نفس قال المبرد المعنى بادروا قبل أن تقول نفس وحذرا من أن تقول نفس وقال الزجاج خوف أن تصيروا إلى حال تقولون فيها هذا القول ومعنى يا حسرتا يا ندامتا ويا حزنا والتحسر الاغتمام على ما فات والألف في يا حسرتا هي ياء المتكلم والمعنى يا حسرتي على الإضافة قال الفراء والعرب تحول الياء إلى الألف في كل كلام معناه الاستغاثة ويخرج على لفظ الدعاء وربما أدخلت العرب الهاء بعد هذه الألف فيخفضونها مرة ويرفعونها أخرى وقرأ الحسن وأبو العالية وأبو عمران وأبو الجوزاء يا حسرتي بكسر التاء على الإضافة إلى النفس وقرأ معاذ القارئ وأبو جعفر يا حسرتاي بألف بعد التاء وياء مفتوحة قال الزجاج وزعم الفراء أنه يجوز يا حسرتاه على كذا بفتح الهاء ويا حسرتاه بالضم والكسر والنحويون أجمعون لا يجيزون أن تثبت هذه الهاء مع الوصل
قوله تعالى في جنب الله فيه خمسة أقوال أحدها في طاعة الله تعالى قاله الحسن والثاني في حق الله قاله سعيد بن جبير والثالث في أمر الله قاله مجاهد والزجاج والرابع في ذكر الله قاله عكرمة والضحاك والخامس في قرب الله روي عن الفراء أنه قال الجنب القرب أي في قرب الله وجواره يقال فلان يعيش في جنب فلان أي في قربة وجواره فعلى هذا يكون المعنى على ما فرطت في طلب قرب الله تعالى وهو الجنة

قوله تعالى وإن كنت لمن الساخرين أي وما كنت إلا من المستهزئين بالقرآن وبالمؤمنين في الدنيا
أو تقول لو أن الله هداني أي أرشدني إلى دينه لكنت من المتقين الشرك فيقال لهذا القائل بلى قد جاءتك آياتي قال الزجاج وبلى جواب النفي وليس في الكلام لفظ النفي غير أن معنى لو أن الله هداني ما هديت فقيل بلى قد جاءتك آياتي وروى ابن أبي سريج عن الكسائي جاءتك فكذبت واستكبرت وكنت بكسر التاء فيهن مخاطبة للنفس ومعنى استكبرت تكبرت عن الإيمان بها
ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسودة أليس في جهنم مثوى للمتكبرين وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم لا يسمهم السوء ولاهم يحزنون
قوله تعالى ويوم القايمة ترى الذين كذبوا على الله فزعموا أن له ولدا وشريكا وجوهم مسودة وقال الحسن هم الذين يقولون إن شئنا فعلنا وإن شئنا لم نفعل وباقي الآية قد ذكرناه آنفا الزمر 32
قوله تعالى وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم بمفازاتهم قال الفراء وهو كما تقول قد تبين أمر القوم وأمورهم وارتفع الصوت والأصوات والمعنى واحد وفيها للمفسرين ثلاثة أقوال أحدها بفضائلهم قاله السدي والثاني بأعمالهم قاله ابن السائب ومقاتل والثالث بفوزهم من النار

قال المبرد المفازة مفعلة من الفوز وإن جمع فحسن كقولك السعادة والسعادات والمعنى ينجيهم الله بفوزهم أي بنجاتهم من النار وفوزهم بالجنة
الله خالق كل شيء وهو على كل شيء وكيل له مقاليد السموات والأرض والذين كفروا بآيات الله أولئك هم الخاسرون
قوله تعالى له مقاليد السموات والأرض قال ابن قتيبة أي مفاتيحها وخزائنها لأن مالك المفاتيح مالك الخزائن واحدها إقليد وجمع على غير واحد كما قالوا مذاكير جمع ذكر ويقال هو فارسي معرب وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي الإقليد المفتاح فارسي معرب قال الراجز ... لم يؤذها الديك بصوت تغريد ... ولم تعالج غلقا باقليد ...
والمقليد لغة في الإقليد والجمع مقاليد
وللمفسرين في المقاليد قولان أحدهما المفاتيح قاله ابن عباس والثاني الخزائن قاله الضحاك وقال الزجاج تفسيره أن كل شيء في السموات والأرض فهو خالقه وفاتح بابه قال المفسرون مفاتيح السموات المطر ومفاتيح الأرض النبات
قل أفغير الله تأمروني أعبد أيها الجاهلون ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين بل الله فاعبد وكن من الشاكرين

قوله تعالى أفغير الله تأمروني أعبد قرأ نافع وابن عامر تأمروني أعبد مخففة غير أن نافعا فتح الياء ولم يفتحها ابن عامر وقرأ ابن كثير تأمروني بتشديد النون وفتح الياء وقرأ الباقون بسكون الياء وذلك حين دعوه إلى دين آبائه أيها الجاهلون أي فيما تأمرون
قوله تعالى ولقد أوحى إليك وإلى الذين من قبلك فيه تقديم وتأخير تقديره ولقد أوحي إليك لئن أشركت ليحبطن عملك وكذلك أوحي إلى الذين من قبلك قال أبو عبيدة ومجازها مجاز الامرين اللذين يخبر عن أحدهما ويكف عن الآخر قال ابن عباس هذا أدب من الله تعالى لنبيه صلى الله عليه و سلم وتهديد لغيره لأن الله عز و جل قد عصمه من الشرك وقال غيره إنما خاطبه بذلك ليعرف من دونه أن الشرك يحبط الأعمال المتقدمة كلها ولو وقع من نبي وقرأ أبو عمران وابن السميفع ويعقوب لنحبطن بالنون عملك بالنصب بل الله فاعبد أي وحد
وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمينه سبحانه وتعالى عما يشركون
قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره سبب نزولها أن رجلا من أهل الكتاب أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا أبا القاسم بلغك أن الله تعالى يحمل الخلائق على إصبع والأرضين على إصبع والشجر على إصبع والثرى على إصبع فضحك رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى بدت نواجذه فأنزل الله تعالى هذه الآية قاله

ابن مسعود وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين نحوه في ابن مسعود وقد فسرنا أول هذه الآية في الأنعام 91 قال ابن عباس هذه الآية في الكفار فأما من آمن بأنه على كل شيء قدير فقد قدر الله حق قدره
ثم ذكر عظمته بقوله والأرض جميعا قبضته يوم القيامة والسموات مطويات بيمنه وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوى السماء بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض وأخرجا من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم يطوي الله عز و جل السموات يوم القيامة ثم يأخذهن بيده اليمنى ثم يقول أنا الملك أين الجبارون أين المتكبرون قال ابن عباس الأرض والسموات كلها بيمينه

وقال سعيد بن جبير السموات قبضة والأرضون قبضة
ونفخ في الصور فصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم نفخ فيه أخرى فاذا هم قيام ينظرون وأشرقت الأرض بنور ربها ووضع الكتاب وجيء بالنبيين والشهداء وقضي بينهم بالحق وهم لا يظلمون ووفيت كل نفس ماعملت وهو أعلم بما يفعلون
قوله تعالى ونفخ في الصور فصعق وقرأ ابن السميفع وابن يعمر والجحدري فصعق بضم الصاد من في السموات ومن في الأرض أي ماتوا من الفزع وشدة الصوت وقد بينا هذه الآية والخلاف في الذين استثنوا في سورة النمل 87
ثم نفخ فيه أخرى وهي نفخة البعث فاذا هم يعني الخلائق قيام ينظرون

قوله تعالى وأشرقت الأرض بنور ربها أي أضاءت والمراد بالأرض عرصات القيامة
قوله تعالى ووضع الكتاب فيه قولان أحدهما كتاب الأعمال قاله قتادة ومقاتل والثاني الحساب قاله السدي وفي الشهداء قولان
أحدهما أنهم الذين يشهدون على الناس بأعمالهم قاله الجمهور ثم فيهم أربعة أقوال أحدها أنهم المرسلون من الأنبياء والثاني أمة محمد يشهدون للرسل بتبليغ الرسالة وتكذيب الأمم إياهم رويا عن ابن عباس رضي الله عنه والثالث الحفظة قاله عطاء والرابع النبيون والملائكة وأمة محمد صلى الله عليه و سلم والجوارح قاله ابن زيد
والثاني أنهم الشهداء الذين قتلوا في سبيل الله قاله قتادة والأول أصح
ووفيت كل نفس ما علمت أي جزاء عملها وهو أعلم بما يفعلون أي لا يحتاج إلى كاتب ولا شاهد
وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا حتى إذا جاؤها فتحت أبوابها وقال لهم خزنتها ألم يأتكم رسل منكم يتلون عليكم آيات ربكم وينذرونكم لقاء يومكم هذا قالوا بلى ولكن حقت كلمة العذاب على الكافرين قيل ادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين وسيق الذين اتقوا ربهم إلى الجنة زمرا حتى إذا جاؤها

وفتحت أبوابها وقال لهم خزنتها سلام عليكم طبتم فادخلوها خالدين وقالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده وأورثنا الأرض نتبؤا من الجنة حيث نشاء فنعم أجر العاملين وترى الملائكة حافين من حول العرش يسبحون بحمد ربهم وقضي بينهم بالحق وقيل الحمد لله رب العالمين
قوله تعالى وسيق الذين كفروا إلى جهنم زمرا قال أبو عبيدة الزمر جماعات في تفرقة بعضهم على إثر بعض واحدها زمرة
قوله تعالى رسل منكم أي من أنفسكم و كلمة العذاب هي قوله لأملأن جهنم الأعراف 18
قوله تعالى فتحت أبوابها قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر فتحت وفتحت مشددتين وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتخفيف
وفي هذه الواو ثلاثة أقوال
احدها أنها زائدة روي عن جماعة من اللغويين منهم الفراء
والثاني أنها واو الحال فالمعنى جاؤوها وقد فتحت أبوابها فدخلت

الواو لبيان أن الأبواب كانت مفتحة قبل مجيئهم وحذفت من قصة أهل النار لبيان أنها كانت مغلقة قبل مجيئهم ووجه الحكمة في ذلك من ثلاثة أوجه
أحدها أن أهل الجنة جاؤوها وقد فتحت أبوابها ليستعجلوا السرور والفرح إذا رأوا الأبواب مفتحة وأهل النار يأتونها وأبوابها مغلقة ليكون أشد لحرها ذكره أبو إسحاق ابن شاقلا من أصحابنا
والثاني أن الوقوف على الباب المغلق نوع ذل فصين أهل الجنة عنه وجعل في حق أهل النار ذكره لي بعض مشايخنا
والثالث أنه لو وجد أهل الجنة بابها مغلقا لأثر انتظار فتحه في كمال الكرم ومن كمال الكرم غلق باب النار إلى حين مجيء أهلها لأن الكريم يعجل المثوبة ويؤخر العقوبة وقد قال عز و جل ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم النساء 147 قال المصنف هذا وجه خطر لي
والقول الثالث أن الواو زيدت لأن أبواب الجنة ثمانية وأبواب النار سبعة والعرب تعطف في العدد بالواو على ما فوق السبعة على ما ذكرناه في قوله ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم الكهف 22 حكى هذا القول والذي قبله الثعلبي
واختلف العلماء أين جواب هذه الآية على ثلاثة أقوال
أحدها أن الجواب محذوف قاله أبو عبيدة والمبرد والزجاج في آخرين وفي تقدير هذا المحذوف قولان أحدهما أن تقديره حتى إذا جاؤوها إلى آخر الآية سعدوا قاله المبرد والثاني حتى إذا جاؤوها إلى قوله

فادخلوها خالدين دخلوها وإنما حذف لأن في الكلام دليلا عليه وهذا اختيار الزجاج
والقول الثاني أن الجواب قال لهم خزنتها والواو زائدة ذكره الأخفش قال ومثله في الشعر ... فاذا وذلك يا كبيشة لم يكن ... إلا كلمة حالم بخيال ...
أي فاذا ذلك
والثالث الجواب حتى إذا جاؤوها فتحت أبوابها والواو زائدة حكاه الزجاج عن قوم من أهل اللغة
وفي قوله طبتم خمسة أقوال أحدها أنهم إذا انتهوا إلى باب الجنة وجدوا عند بابها شجرة يخرج من تحت ساقها عينان فيشربون من إحداهما فلا يبقى في بطونهم أذى ولا قذى إلا خرج ويغتسلون من الأخرى فلا تغبر جلودهم ولا تشعث أشعارهم أبدا حتى إذا انتهوا إلى باب الجنة قال لهم عند ذلك خزنتها سلام عليكم طبتم رواه عاصم بن ضمرة عن علي رضى الله عنه وقد ذكرنا في الأعراف 44 نحوه عن ابن عباس والثاني طاب لكم

المقام قاله ابن عباس والثالث طبتم بطاعة الله قاله مجاهد والرابع أنهم طيبوا قبل دخول الجنة بالمغفرة واقتص من بعضهم لبعض فلما هذبوا قالت لهم الخزنة طبتم قاله قتادة والخامس كنتم طيبين في الدنيا قاله الزجاج
فلما دخلوها قالوا الحمد لله الذي صدقنا وعده بالجنة وأورثنا الأرض أي أرض الجنة نتبوأ منها حيث نشاء أي نتخذ فيها من المنازل ما نشاء وحكى أبو سليمان الدمشقي أن أمة محمد صلى الله عليه و سلم يدخلون الجنة قبل الأمم فينزلون منها حيث شاؤوا ثم تنزل الأمم بعدهم فيها فلذلك قالوا نتبوأ من الجنة حيث نشاء يقول الله عز و جل فنعم أجر العاملين أي نعم ثواب المطيعين في الدنيا الجنة
قوله تعالى وترى الملائكة حافين من حول العرش أي محدقين به يقال حف القوم بفلان إذا أحدقوا به ودخلت من للتوكيد كقولك ما جاءني من أحد
يسبحون بحمد ربهم قال السدي ومقاتل بأمر ربهم وقال بعضهم يسبحون بالحمد له حيث دخل الموحدون الجنة وقال ابن جرير التسبيح هاهنا بمعنى الصلاة
قوله تعالى وقضي بينهم أي بين الخلائق بالحق أي بالعدل وقيل الحمد لله رب العالمين هذا قول أهل الجنة شكرا لله تعالى على إنعامه
قال المفسرون ابتدأ الله ذكر الخلق بالحمد فقال الحمد لله الذي

خلق السموات والأرض الأنعام 1 وختم غاية الأمر وهو استقرار الفريقين في منازلهم بالحمد لله بهذه الآية فنبه على تحميده في بداية كل أمر وخاتمته

سورة المؤمن
قال أبو سليمان الدمشقي ويقال لها سورة الطول وهي مكية قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة وحكي عن ابن عباس وقتادة أن فيها آيتين نزلتا بالمدينة قوله الذين يجادلون في آيات الله والتي بعدها المؤمن 35 36 قال الزجاج وذكر أن الحواميم كلها نزلت بمكة قال ابن قتيبة يقال إن حم اسم من أسماء الله أضيفت هذه السورة إليه كأنه قيل سورة الله لشرفها وفضلها فقيل آل حاميم وإن كان القرأن كله سور الله وإن هذا كما يقال بيت الله وحرم الله وناقة الله قال الكميت ... وجدنا لكم في آل حاميم آية ... تأولها منا تقي ومعرب ...
وقد تجعل حمم اسما للسورة ويدخل الإعراب ولا يصرف ومن قال هذا في الجميع الحواميم كما يقال طس والطواسين وقال محمد بن القاسم الأنباري العرب تقول وقع في الحواميم وفي آل حميم أنشد أبو عبيدة ... حلفت بالسبع اللواتي طولت ... وبمئين بعدها قد أمئيت ... وبمثان ثنيت فكررت ... وبالطواسين اللواتي ثلثت

وبالحواميم اللواتي سبعت ... وبالمفصل اللواتي فصلت ...
فمن قال وقع في آل حاميم جعل حاميم اسما لكلهن ومن قال وقع في الحواميم جعل حم كأنه حرف واحد بمنزلة قابيل وهابيل وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال من الخطأ أن تقول قرأت الحواميم وليس من كلام العرب والصواب أن تقول قرأت آل حاميم وفي حديث ابن مسعود إذا وقعت في آل حم وقعت في روضات دمثات وقال الكميت وجدنا لكم في آل حاميم آية
بسم الله الرحمن الرحيم حم تنزيل الكتاب من الله العزيز العليم غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب ذي الطول لا إله إلا هو إليه المصير
وفي حم أربعة أقوال
أحدها قسم أقسم الله به وهو من أسمائه عز و جل رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال أبو سليمان وقد قيل إن جواب القسم قوله إن الذين كفروا ينادون المؤمن 10

والثاني أنها حروف من أسماء الله عز و جل ثم فيه ثلاثة أقوال أحدها أن الر وحم ونون حروف الرحمن رواه عكرمة عن ابن عباس والثاني أن الحاء مفتاح اسمه حميد والميم مفتاح اسمه مجيد قاله أبو العالية والثالث أن الحاء مفتاح كل اسم لله ابتداؤه حاء مثل حكيم وحليم وحي والميم مفتاح كل اسم له ابتداؤه ميم مثل ملك ومتكبر ومجيد حكاه أبو سليمان الدمشقي وروي نحوه عن عطاء الخراساني
والثالث أن معنى حم قضي ما هو كائن رواه أبو صالح عن ابن عباس وروي عن الضحاك والكسائي مثل هذا كأنهما أرادا الإشارة إلى حم بضم الحاء وتشديد الميم قال الزجاج وقد قيل في حم حم الأمر
والرابع أن حم اسم من أسمء القرآن قاله قتادة وقرأ ابن كثير حم بفتح الحاء وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي بكسرها واختلف عن الباقين قال الزجاج أما الميم فساكنة في قراءةالقراء كلهم إلا عيسى ابن عمر فانه فتحها وفتحها على ضربين أحدهما أن يجعل حم اسما للسورة فينصبه ولا ينونه لأنه على لفظ الأسماء الأعجمية نحو هابيل وقابيل والثاني على معنى اتل حم والأجود أن يكون فتح لالتقاء الساكنين حيث جعله اسما للسورة ويكون حكاية حروف الهجاء
قوله تعالى تنزيل الكتاب أي هذا تنزيل الكتاب والتوب

جمع توبة وجائز أن يكون مصدرا من تاب يتوب توبا والطول الفضل قال أبو عبيدة يقال فلان ذو طول على قومه أي ذو فضل وقال ابن قتيبة يقال طل علي يرحمك الله أي تفضل قال الخطابي ذو حرف النسبة والنسبة في كلامهم على ثلاثة أوجه بالياء كقولهم أسدي وبكري والثاني على الجمع كقولهم المهالبة والمسامعة والأزارقة والثالث ب ذي وذات كقولهم رجل مال أي ذو مال وكبش صاف أي ذو صوف وناقة ضامر أي ذات ضمر فقوله ذو الطول معناه أهل الطول والفضل
ما يجادل في آيات الله إلا الذين كفروا فلا يغررك تقلبهم في البلاد كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف كان عقاب وكذلك حقت كلمت ربك على الذين كفروا أنهم أصحاب النار
قوله تعالى ما يجادل في آيات الله أي ما يخاصم فيها بالتكذيب لها ودفعها بالباطل إلا الذين كفروا وباقي الآية في آل عمران 196 والمعنى إن عاقبة أمرهم إلى العذاب كعاقبة من قبلهم
قوله تعالى وهمت كل أمة برسولهم ليأخذوه فيه قولان أحدهما ليقتلوه قاله ابن عباس وقتادة والثاني ليحبسوه ويعذبوه ويقال للأسير أخيذ حكاه ابن قتيبة قال الأخفش وإنما قال ليأخذوه فجمع على الكل لأن الكل مذكر ومعناه معنى الجماعة وما بعد هذا مفسر في الكهف 56 إلى قوله فأخذتخم أي عاقبتهم وأهلكتهم

فكيف كان عقاب استفهام تقرير لعقوبتهم الواقعة بهم وكذلك أي مثل الذي حق على الأمم المكذبة حقت كلمة ربك بالعذاب وهي قوله لأملأن جهنم الأعراف 18على الذين كفروا من قومك وقرأ نافع وابن عامر حقت كلمات ربك أنهم قال الأخفش لأنهم أو بأنهم أصحاب النار
الذين يحملون العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون للذين آمنوا ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما فاغفر للذين تابوا واتبعوا سبيلك وقهم عذاب الجحيم ربنا وأدخلهم جنات عدن التي وعدتهم ومن صلح من آبائهم وأزواجهم وذرياتهم إنك أنت العزيز الحكيم وقهم السيآت ومن تق السيئات يومئذ فقد رحمته وذلك هو الفوزالعظيم
ثم أخبر بفضل المؤمنين فقال الذين يحملون العرش وهم أربعة أملاك فاذا كان يوم القيامة جعلوا ثمانية ومن حوله قال وهب بن منبه حول العرش سبعون ألف صف من الملائكة يطوفون به ومن وراء هؤلاء مائة ألف صف من الملائكة ليس فيهم أحد إلا وهو يسبح بما لا يسبحه الآخر وقال غيره الذين حول العرش هم الكروبيون وهم سادة الملائكة وقد ذكرنا في السورة المتقدمة معنى قوله يسبحون بحمد ربهم الزمر 75
قوله تعالى ربنا أي يقولون ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما قال الزجاج هو منصوب على التمييز وقال غيره المعنى وسعت رحمتك وعلمك كل شيء فاغفر للذين تابوا من الشرك واتبعوا سبيلك

وهو دين الإسلام وما بعد هذا ظاهر إلى قوله وقهم السيئات قال قتادة يعني العذاب
إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون قالوا ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل ذلكم بأنه إذا دعى الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير
قوله تعالى إن الذين كفروا ينادون لمقت الله قال المفسرون لما رأوا أعمالهم وأدخلوا النار مقتوا أنفسهم لسوء فعلهم فناداهم مناد لمقت الله إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم
ثم أخبر عما يقولون في النار بقوله ربنا أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين وهذا مثل قوله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم البقرة 28 وقد فسرناه هنالك
قوله تعالى فهل إلى خروج أي من النار إلى الدنيا لنعمل بالطاعة من سبيل وفي الكلام اختصار تقديره فأجيبوا أن لا سبيل إلى ذلك وقيل لهم ذلكم يعني العذاب الذي نزل بهم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم أي إذا قيل لا إله إلا الله أنكرتم وإن جعل له شريكا شريك آمنتم فالحكم لله فهو الذي حكم على المشركين بالنار وقد بينا في سورة البقرة 255 معنى العلي وفي الرعد 9 معنى الكبير

هو الذي يريكم آياته وينزل لكم من السماء رزقا وما يتذكر إلا من ينيب فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون رفيع الدرجات ذو العرش يلقي الروح من أمره على من يشاء من عباده لينذر يوم التلاق يوم هم بارزون لا يخفى على الله منهم شيء لمن الملك اليوم لله الواحد القهار اليوم تجزى كل نفس بما كسبت لا ظلم اليوم إن الله سريع الحساب
هو الذي يريكم آياته أي مصنوعاته التي تدل على وحدانيته وقدرته والرزق هاهنا المطر سمي رزقا لأنه سبب الأرزاق ويتذكر بمعنى يتعظ وينيب بمعنى يرجع إلى الطاعة
ثم أمر المؤمنين بتوحيده فقال فادعوا الله مخلصين له الدين أي موحدين
قوله تعالى رفيع الدرجات قال ابن عباس يعني رافع السموات وحكى الماوردي عن بعض المفسرين قال معناه عظيم الصفات
قوله تعالى ذو العرش أي خالقه ومالكه
قوله تعالى يلقي الروح فيه خمسة أقوال
أحدها أنه القرآن والثاني النبوة والقولان مرويان عن ابن عباس وبالأول قال ابن زيد وبالثاني قال السدي والثالث الوحي قاله قتادة وإنما سمي القرآن والوحي روحا لأن قوام الدين به كما أن قوام البدن بالروح والرابع جبريل قاله الضحاك والخامس الرحمة حكاه إبراهيم الحربي

قوله تعالى من أمره فيه ثلاثة أقوال أحدها من قضائه قاله ابن عباس والثاني بأمره قاله مقاتل والثالث من قوله ذكره الثعلبي
قوله تعالى على من يشاء من عباده يعني الأنبياء
لينذر في المشار إليه قولان أحدهما أنه الله عز و جل والثاني النبي الذي يوحى إليه
والمراد ب يوم التلاق يوم القيامة وأثبت ياء التلاقي في الحالين ابن كثير ويعقوب وأبو جعفر وافقهما في الوصل والباقون بغير ياء في الحالين وفي سبب تسميته بذلك خمسة أقوال
أحدها أنه يلتقي فيه أهل السماء والأرض رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس
والثاني يلتقي فيه الأولون والآخرون روي عن ابن عباس أيضا
والثالث يلتقي فيه الخلق والخالق قاله قتادو ومقاتل
والرابع يلتقي المظلوم والظالم قاله ميمون بن مهران والخامس يلتقي المرء بعمله حكاه الثعلبي
قوله تعالى يوم هم بارزون أي ظاهرون من قبورهم لا يخفى على الله منهم شيء
فان قيل فهل يخفى عليه منهم اليوم شيء
فالجواب أن لا غير أن معنى الكلام التهديد بالجزاء وللمفسرين فيه ثلاثة أقوال
أحدها لا يخفى عليه مما عملوا شيء قاله ابن عباس والثاني

لا يستترون منه بجبل ولا مدر قاله قتادة والثالث أن المعنى أبرزهم جميعا لأنه لا يخفى عليه منهم شيء حكاه الماوردي
قوله تعالى لمن الملك اليوم اتفقوا على أن هذا يقوله الله عز و جل بعد فناء الخلائق واختلفوا في وقت قوله له على قولين
أحدهما أنه يقوله عند فناء الخلائق إذا لم يبق مجيب فيرد هو على نفسه فيقول لله الواحد القهار قاله الأكثرون
والثاني أنه يقوله يوم القيامة
وفيمن يجيبه حينئذ قولان أحدهما أنه يجيب نفسه وقد سكت الخلائق لقوله قاله عطاء والثاني أن الخلائق كلهم يجيبونه فيقولون لله الواحد القهار قاله ابن جريج
وأنذرهم يوم الآزفة إذا القلوب لدى الحناجر كاظمين ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور
قوله تعالى وأنذرهم يوم الآزفة فيه قولان
أحدهما أنه يوم القيامة قاله الجمهور قال ابن قتيبة وسميت القيامة بذلك لقربها يقال أزف شخوص فلان أي قرب
والثاني أنه يوم حضور المنية قاله قطرب

قوله تعالى إذا القلوب لدى الحناجر وذلك أنها ترتقي إلى الحناجر فلا تخرج ولا تعود هذا على القول الأول وعلى الثاني القلوب هي النفوس تبلغ الحناجر عند حضور المنية قال الزجاج و كاظمين منصوب على الحال والحال محمولة على المعنى لأن القلوب لا يقال لها كاظمين وإنما الكاظمون أصحاب القلوب فالمعنى إذ قلوب الناس لدى الحناجر في حال كظمهم قال المفسرون كاظمين أي مغمومين ممتلئين خوفا وحزنا والكاظم الممسك للشيء على ما فيه وقد أشرنا إلى هذا عند قوله والكاظمين الغيظ آل عمران 134
ما للظالمين يعني الكافرين من حميم أي قريب ينفعهم ولا شفيع يطاع فيهم فتقبل شفاعته
يعلم خائنة الأعين قال ابن قتيبة الخائنة والخيانة واحد وللمفسرين فيها أربعة أقوال
أحدها أنه الرجل يكون في القوم فتمر به المرأة فيريهم أنه يغض بصره فإذا رأى منهم غفلة لحظ إليها فان خاف أن يفطنوا له غض بصره قاله ابن عباس
والثاني أنه نظر العين إلى ما نهي عنه قاله مجاهد
والثالث الغمز بالعين قاله الضحاك والسدي قال قتادة هو الغمز بالعين فيما لا يحبه الله ولا يرضاه
والرابع النظرة بعد النظرة قاله ابن السائب
قوله تعالى وما تخفي الصدور فيه ثلاثة أقوال أحدها ما تضمره من الفعل أن لو قدرت على ما نظرت إليه قاله ابن عباس والثاني الوسوسة

قاله السدي والثالث ما يسره القلب من أمانة أو خيانة حكاه المارودي
والله يقضي بالحق والذين يدعون من دونه لا يقضون بشيء إن الله هو السميع البصير أولم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين كانوا من قبلهم كانوا هم أشد منهم قوة وآثارا في الأرض فأخذهم الله بذنوبهم وما كان لهم من الله من واق ذلك بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فكفروا فأخذهم الله إنه قوي شديد العقاب ولقد أرسلنا موسى بآياتنا وسلطان مبين إلى فرعون وهامان وقارون فقالوا ساحر كذاب فلما جاءهم بالحق من عندنا قالوا اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه واستحيوا نساءهم وما كيد الكافرين إلا في ضلال
قوله تعالى والله يقضي بالحق أي يحكم به فيجزي بالحسنة والسيئة والذين يدعون من دونه من الآلهة وقرأ نافع وابن عامر تدعون بالتاء على معنى قل لهم لا يقضون بشيء أي لا يحكمون بشيء ولا يجازون به وقد نبه الله عز و جل بهذا على أنه حي لأنه إنما يأمر ويقضي من كان حيا وأيد ذلك بذكر السمع والبصر لأنهما إنما يثبتان لحي

قاله أبو سليمان الدمشقي وما بعد هذا قد تقدم بعضه يوسف 109 وبعضه ظاهر إلى قوله كانوا هم أشد منهم قوة وقرأ ابن عامر أشد منكم بالكاف وكذلك هو في مصاحفهم وهو على الانصراف من الغيبة إلى الخطاب وما كان لهم من الله أي من عذاب الله من واق بقي العذاب عنهم
ذلك أي ذلك العذاب الذي نزل بهم بأنهم كانت تأتيهم رسلهم بالبينات إلى آخر الآية
ثم ذكر قصة موسى وفرعون ليعتبروا وأراد بقوله اقتلوا أبناء الذين آمنوا معه أعيدوا القتل عليهم كما كان أولا قاله ابن عباس وقال قتادة كان فرعون قد كف عن قتل الولدان فلما بعث الله موسى أعاد عليهم القتل ليصدهم بذلك عن متعابة موسى
قوله تعالى وما كيد الكافرين إلا في ضلال أي إنه يذهب باطلا ويحيق بهم ما يريده الله عز و جل
وقال فرعون ذروني أقتل موسى وليدع ربه إني أخاف أن يبدل دينكم أو أن يظهر في الأرض الفساد وقال موسى أني عذت بربي وربكم من كل متكبر لا يؤمن بيوم الحساب وقال رجل مؤمن من آل فرعون يكتم إيمانه أتقتلون رجلا أن يقول ربي الله وقد جاءكم بالبينات من ربكم وإن يك كاذبا فعليه كذبه وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم إن الله لا يهدي من هو مسرف كذاب يا قوم لكم الملك اليوم ظاهرين في الأرض فمن ينصرنا من بأس الله إن جاءنا قال فرعون ما أريكم إلا ما أرى وما أهديكم

إلا سبيل الرشاد وقال الذي آمن يا قولم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب مثل دأب قوم نوح وثمود والذين من بعدهم وما الله يريد ظلما للعباد ويا قوم إني أخاف عليكم يوم التناد يوم تولون مدبرين مالكم من الله من عاصم ومن يضلل الله فما له من هاد ولقد جاءكم يوسف من قبل بالبينات فما زلتم في شك مما جاءكم به حتى إذا هلك قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا كذلك يضل الله من هو مسرف مرتاب
وقال فرعون ذروني أقتل موسى وإنما قال هذا لأنه كان في خاصة فرعون من يمنعه من قتله خوفا من الهلاك وليدع ربه الذي يزعم أنه أرسله فليمنعه من القتل إني أخاف أن يبدل دينكم أي عبادتكم إياي وأن يظهر في الأرض الفساد قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأن بغير ألف وقرأ عاصم وحمزة والكسائي أو أن بألف قبل الواو على معنى إن لم يبدل دينكم أوقع الفساد إلا أن نافعا وأبا عمرو قرآ يظهر بضم الياء الفساد بالنصب وقرأ الباقون يظهر بفتح الياء الفساد بالرفع والمعنى يظهر الفساد بتغيير أحكامنا فجعل ذلك فسادا بزعمه وقيل يقتل أبناءكم كما تفعلون بهم
فلما قال فرعون هذا استعاذ موسى بربه فقال إني عذت بربي وربكم قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر عذت مبينة الذال وأدغمها أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو جعفر وخلف من كل متكبر أي متعظم عن الإيمان فقصد فرعون قتل موسى فقال حينئذ رجل مؤمن من آل فرعون

وفي الآل هاهنا قولان
أحدهما أنه بمعنى الأهل والنسب قال السدي ومقاتل كان ابن عم فرعون وهو المراد بقوله وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى القصص 20
والثاني أنه بمعنى القبيلة والعشيرة قال قتادة ومقاتل كان قبطيا وقال قوم كان إسرائيليا وإنما المعنى قال رجل مؤمن يكتم إيمانه من آل فرعون وفي اسمه خمسة أقوال
أحدها حزبيل قاله ابن عباس ومقاتل والثاني حبيب قاله كعب والثالث سمعون بالسين المهملة قاله شعيب الجبائي والرابع جبريل والخامس شمعان بالشين المعجمة رويا عن ابن إسحاق وكذلك حكى الزجاج شمعان بالشين وذكره ابن ماكولا بالشين المعجمة أيضا والأكثرون على أنه آمن بموسى لما جاء وقال الحسن كان مؤمنا قبل مجيء موسى وكذلك امرأة فرعون قال مقاتل كتم إيمانه من فرعون مائة سنة قوله تعالى أتقتلون رجلا أن يقول أي لأن يقول ربي الله وهذا استفهام إنكار وقد جاؤكم بالبينات أي بما يدل على صدقه وإن يك كاذبا فعليه كذبه أي لا يضركم ذلك وإن يك صادقا يصبكم بعض الذي يعدكم من العذاب وفي بعض ثلاثة أقوال

أحدها أنها بمعنى كل قاله أبو عبيدة وأنشد للبيد ... تراك أمكنة إذا لم أرضها ... أو يعتلق بعض النفوس حمامها ...
أراد كل النفوس
والثاني أنها صلة والمعنى يصبكم الذي يعدكم حكي عن الليث
والثالث أنها على أصلها ثم في ذلك قولان أحدهما أنه وعدهم النجاة إن آمنوا والهلاك إن كفروا فدخل ذكر البعض لأنهم على أحد الحالين والثاني أنه وعدهم على كفرهم الهلاك في الدنيا والعذاب في الآخرة فصار هلاكهم في الدنيا بعض الوعد ذكرهما الماوردي
قال الزجاج هذا باب من النظر يذهب فيه المناظر إلى إلزام الحجة بأيسر ما في الأمر وليس في هذا نفي إصابة الكل ومثله قول الشاعر ... قد يدرك المتأني بعض حاجته ... وقد يكون من المستعجل الزلل ...
وإنما ذكر البعض ليوجب الكل لأن البعض من الكل ولكن القائل إذا قال أقل ما يكون للمتأني إدراك بعض الحاجة وأقل ما يكون للمستعجل الزلل فقد أبان فضل المتأني على المستعجل بما لا يقدر الخصم أن يدفعه فكأن المؤمن قال لهم أقل ما يكون في صدقة أن يصبكم بعض الذي يعدكم وفي بعض ذلك هلاككم قال وأما بيت لبيد فإنه أراد ببعض النفوس نفسه وحدها

قوله تعالى إن الله لا يهدي أي لا يوفق للصواب من هو مسرف وفيه قولان أحدهما أنه المشرك قاله قتادة والثاني أنه السفاك للدم قاله مجاهد قوله تعالى ظاهرين في الأرض أي عالين في أرض مصر فمن ينصرنا أي من يمنعنا من بأس الله أي من عذابه والمعنى لا تتعرضوا للعذاب بالتكذيب وقتل النبي فقال فرعون عند ذلك ما أريكم من الرأي والنصيحة إلا ما أرى لنفسي وما أهديكم أي أدعوكم إلا إلى طريق الهدى في تكذيب موسى والإيمان بي وهذا يدل على أنه انقطع عن جواب المؤمن
وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل يوم الأحزاب قال الزجاج أي مثل يوم حزب حزب والمعنى أخاف أن تقيموا على كفركم فينزل بكم من العذاب مثل ما نزل بالأمم المكذبة رسلهم
قوله تعالى يوم التناد قرأ عاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي التناد بغير ياء وأثبت الياء في الوصل والوقف ابن كثير ويعقوب وافقهم أبو جعفر في الوصل وقرأ أبو بكر الصديق وابن عباس وسعيد بن المسيب وابن جبير وأبو العالية والضحاك التناد بتشديد الذال قال الزجاج أما إثبات الياء فهو الأصل وحذفها حسن جميل

لأن الكسرة تدل على الياء وهو رأس آية وأواخر هذه الآيات على الدال ومن قرأ بالتشديد فهو من قولهم ند فلان وند البعير إذا هرب على وجهه ويدل على هذا قوله يوم تولون مدبرين وقوله يوم يفر المرء من أخيه عبس 34 قال أبو علي معنى الكلام إني أخاف عليكم عذاب يوم التناد قال الضحاك إذا سمع الناس زفير جهنم وشقيقها ندوا فرارا منها في الأرض فلا يتوجهون قطرا من أقطار الأرض إلا رأوا ملائكة فيرجعون من حيث جاؤوا وقال غيره يؤمر بهم إلى النار فيفرون ولا عاصم لهم فأما قراءة التخفيف فهي من النداء وفيها للفسرين أربعة أقوال
أحدها أنه عند نفخة الفزع ينادي الناس بعضهم بعضا روى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يأمر الله عز و جل إسرافيل بالنفخة الأولى فيقول أنفخ نفخة الفزع فيفزع أهل السموات والأرض إلا من شاء الله فتسير الجبال وترج الأرض وتذهل المراضع وتضع الحوامل ويولي الناس مدبرين ينادي بعضهم بعضا وهو قوله يوم التناد

والثاني أنه نداء أهل الجنة والنار بعضهم بعضا كما ذكر في الأعراف 44 50 وهذا قول قتادة
والثالث أنه قولهم يا حسرتنا يا ويلتنا قاله ابن جريج
والرابع أنه ينادى فيه كل أناس بامامهم بسعادة السعداء وشقاوة الأشقياء
قوله تعالى يوم تولون مدبرين فيه قولان أحدهما هربا من النار والثاني أنه انصرافهم إلى النار
قوله تعالى مالكم من الله من عاصم أي من مانع
قوله تعالى ولقد جاءكم يوسف وهو يوسف بن يعقوب ويقال إنه ليس به وليس بشيء
قوله تعالى من قبل أي من قبل موسى بالبينات وهي الدلالات على التوحيد كقوله أأرباب متفرقون خير الآية يوسف 39 وقال ابن السائب البينات تعبير الرؤيا وشق القميص وقيل بل بعثه الله تعالى بعد موت ملك مصر إلى القبط
قوله تعالى فما زلتم في شك مما جاءكم به أي من عبادة الله وحده حتى إذا هلك أي مات قلتم لن يبعث الله من بعده رسولا أي إنكم أقمتم على كفركم وظننتم أن الله لا يجدد الحجة عليكم كذلك

أي مثل هذا الضلال يضل الله من هو مسرف أي مشرك مرتاب أي شاك في التوحيد وصدق الرسل
والذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان آتهم كبر مقتا عند الله وعند الذين آمنوا كذلك يطبع الله على كل قلب متكبر جبار وقال فرعون ياهامان ابن لي صرحا لعلي ابلغ الأسباب أسباب السموات فأطلع إلى إله موسى وإني لأظنه كاذبا وكذلك زين لفرعون سوء عمله وصد عن السبيل وما كيد فرعون إلا في تباب
قوله تعالى الذين يجادلون قال الزجاج هذا تفسير المسرف المرتاب والمعنى هم الذين يجادلون في آيات الله قال المفسرون يجادلون في إبطالها والتكذيب بها بغير سلطان أي بغير حجة أتتهم من الله
كبر مقتا أي كبر جدالهم مقتا عند الله وعند الذين آمنوا والمعنى يمقتهم الله ويمقتهم المؤمنون بذلك الجدال
كذلك أي كما طبع الله على قلوبهم حتى كذبوا وجادلوا بالباطل يطبع على كل قلب متكبر عن عبادة الله وتوحيده وقد سبق بيان معنى الجبار

في هود 59 وقرأ أبو عمرو على كل قلب بالتنوين وغيره من القراء السبعة يضيفه وقال ابوعلي المعنى يطبع على جملة القلب من المتكبر واختار قراءة الإضافة الزجاج قال لأن المتكبر هو الإنسان لا القلب
فان قيل لو كانت هذه القراءة أصوب لتقدم القلب على الكل
فالجواب أن هذا جائز عند العرب قال الفراء تقدم هذا وتأخره واحد سمعت بعض العرب يقول هو يرجل شعره يوم كل جمعة يريد كل يوم جمعة والمعنى واحد وقد قرأ ابن مسعود وأبو عمران الجوني على قلب كل متكبر بتقديم القلب
قال المفسرون فلما وعظ المؤمن فرعون وزجره عن قتل موسى قال فرعون لوزيره يا هامان ابن لي صرحا وقد ذكرناه في القصص 38
قوله تعالى لعلي أبلغ الأسباب أسباب السموات قال ابن عباس وقتادة يعني أبوابها وقال ابوصالح طرقها وقال غيره المعنى لعلي أبلغ الطرق من سماء الى سماء وقال الزجاج لعلي ما يؤديني إلى السموات وما بعد هذا المفسر في القصص 38 إلى قوله وكذلك أي ومثل ما وصفنا زين لفرعون سوء عمله وصد عن سبيل الهدى قرأ عاصم وحمزة والكسائي وصد بضم الصاد والباقون بفتحها وما كيد فرعون في إبطال آيات موسى إلا في تباب أي في بطلان وخسران

وقال الذين آمن يا قوم اتبعون أهدكم سبيل الرشاد يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع وإن الآخرة هي دار القرار من عمل سيئة فلا يجزى إلا مثلها ومن عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فأولئك يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب
ثم عاد الكلام إلى نصيحة المؤمن لقومه وهو قوله اتبعون أهدكم سبيل الرشاد أي طريق الهدى يا قوم إنما هذه الحياة الدنيا متاع يعني الحياة في هذه الدار متاع يتمتع بها أياما ثم تنقطع وإن الآخرة هي دار القرار التي لازوال لها
من عمل سيئة فيها قولان أحدهما أنها الشرك ومثلها جهنم قاله الأكثرون والثاني المعاصي ومثلها العقوبة بمقدارها قاله ابو سليمان الدمشقي فعلى الأول العمل الصالح التوحيد وعلى الثاني هو على الإطلاق
قوله تعالى فأولئك يدخلون الجنة قرأ ابن كثير وأبو عمرو يدخلون بضم الياء وقرأ نافع وابن عامر وحمزة والكسائي بالفتح وعن عاصم كالقراءتين
وفي قوله بغير حساب قولان أحدهما أنهم لا تبعة عليهم فيما يعطون في الجنة قاله مقاتل والثاني أنه يصب عليهم الرزق صبا بغير تقتير قاله أبو سليمان الدمشقي

ويا قوم مالي أدعوكم إلى النجوة وتدعونني إلى النار تدعونني لأكفر بالله وأشرك به ما ليس لي به علم وأنا أدعوكم إلى العزيز الغفار لاجرم أنما تدعونني إليه ليس له دعوة في الدنيا ولا في الأخرة وأن مردنا إلى الله وان المسرفين هم اصحاب النار فستذكرون ما أقول لكم وأفوض أمري الى الله إن الله بصير بالعباد فوقاه الله سيآت مامكروا وحاق بآل فرعون سوء العذاب النار يعرضون عليها غدوا وعشيا ويوم تقوم الساعة ادخلوا آل فرعون أشد العذاب
قوله تعالى ويا قوم مالي أدعوكم أي مالكم كما تقول ما لي أراك حزينا معناه مالك ومعنى الآية أخبروني كيف هذه الحال أدعوكم إلى النجاة من النار بالإيمان وتدعونني إلى النار أي إلى الشرك الذي يوجب النار ثم فسر الدعوتين بما بعد هذا
ومعنى ليس لي به علم أي لا أعلم هذا الذي ادعوه شريكا له وقد سبق بيان ما بعد هذا البقرة 129 طه 82 إلى قوله ليس له دعوة وفيه قولان أحدهما ليس له استجابة دعوة قاله السدي والثاني ليس له شفاعة قاله ابن السائب
قوله تعالى وأن مردنا إلى الله أي مرجعنا والمعنى انه يجازينا بأعمالنا وفي المسرفين قولان قد ذكرناهما عند قوله مسرف كذاب غافر 28
قوله تعالى فستذكرون ما أقول لكم وقرأ ابن مسعود وأبو العالية

وأبو عمران الجوني وأبو رجاء فستذكرون بفتح الذال وتخفيفها وتشديد الكاف وفتحها وقرأ أبي بن كعب وأيوب السختياني بفتح الذال والكاف وتشديدهما جميعا أي إذا نزل العذاب بكم ما أقول لكم في الدنيا من النصيحة
وأفوض أمري إلى الله أي أرده وذلك أنهم تواعدوه لمخالفته دينهم إن الله بصير بالعباد اي بأوليائه وأعدائه
ثم خرج المؤمن عنهم فطلبوه فلم يقدروا عليه ونجا مع موسى لما عبر البحر فذلك قوله فوقاه الله سيئات ما مكروا أي ما أرادوا به من الشر وحاق بآل فرعون لما لجوا في البحر سوء العذاب قال المفسرون هو الغرق
قوله تعالى النار يعرضون عليها غدوا وعشيا قال ابن مسعود

وابن عباس إن أرواح آل فرعون في أجواف طير سود يعرضون على النار كل يوم مرتين فيقال يا آل فرعون هذه داركم ورورى ابن جرير قال حدثنا عبد الكريم بن ابي عمير قال حدثنا حماد بن محمد البلخي قال سمعت الأوزاعي وسأله رجل فقال رأينا طيورا تخرج من البحر فتأخذ ناحية الغرب بيضا فوجا فوجا لا يعلم عددها إلا الله فاذا كان العشي رجع مثلها سودا قال وفطنتم إلى ذلك قال نعم إن تلك الطير في حواصلها ارواح آل فرعون يعرضون على النار غدوا وعشيا فترجع إلى وكورها وقد احترقت رياشها وصارت سوداء فينبت عليها من الليل رياش بيض وتتناثر السود ثم تغدو ويعرضون على النار غدوا وعشيا ثم ترجع إلى وكورها فذلك دأبها في الدنيا فإذا كان يوم القيامة قال الله عزوجل ادخلوا

آل فرعون أشد العذاب وقد روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة وإن كان من أهل النار فمن أهل النار يقال هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة
وهذه الآية تدل على عذاب القبر لانه بين ما لهم في الآخرة فقال ويوم تقوم الساعة ادخلوا قرأ ابن كثير وابن عامر وابو عمرو وأبو بكر وأبان عن عاصم الساعة ادخلوا بالضم وضم الخاء على معنى الأمر لهم بالدخول والابتداء على قراءة هؤلاء بضم الألف وقرأ الباقون بالقطع مع كسر الخاء على جهة الأمر للملائكة بادخالهم وهؤلاء يبتدئون بفتح الألف
وإذا يتحاجون في النار فيقول الضعفاء للذين استكبروا إنا كنا لكم تبعا فهل أنتم مغنون عنا نصيبا من النار قال الذين استكبروا إنا كل فيها إن الله قد حكم بين العباد وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يوما من العذاب قالوا أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى قالوا فادعوا وما دعوا ! الكافرين إلا في ضلال إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد يوم لا ينفع الظالمين معذرتهم ولهم اللعنة ولهم سوء الدار
قوله تعالى وإذ يتحاجون في النار المعنى واذكر لقومك يا محمد

إذ يختصمون يعني أهل النار والآية مفسرة في سورة إبراهيم 21 والذين استكبروا هم القادة ومعنى إنا كل فيها أي نحن وأنتم إن الله قد حكم بين العباد أي قضى هذا علينا وعليكم ومعنى قول الخزنة لهم فادعوا أي نحن لا ندعو لكم وما دعاء الكافرين إلا في ضلال أي إن ذلك يبطل ولا ينفع
إنا لننصر رسلنا والذين آمنوا في الحياة الدنيا فيه ثلاثة أقوال أحدها أن ذلك باثبات حججهم والثاني باهلاك عدوهم والثالث بأن العاقبة تكون لهم وفصل الخطاب أن نصرهم حاصل لابد منه فتارة يكون باعلاء أمرهم كما أعطى داود وسليمان من الملك ما قهرا به كل كافر وأظهر محمدا صلى الله عليه و سلم على مكذبيه وتارة يكون بالانتقام من مكذبيهم بانجاء الرسل وإهلاك أعدائهم كما فعل بنوح وقومه وموسى وقومه وتارة يكون بالانتقام من مكذبيهم بعد وفاة الرسل كتسليطه بختنصر على قتلة يحيى بن زكريا وأما نصرهم يوم يقوم الأشهاد فان الله منجيهم من العذاب وواحد الأشهاد شاهد كما أن واحد الأصحاب صاحب وفي الأشهاد ثلاثة أقوال
أحدها الملائكة شهدوا للأنبياء بالإبلاغ وعلى الأمم بالتكذيب قاله مجاهد والسدي قال مقاتل وهم الحفظة من الملائكة

والثاني الملائكة والأنبياء قاله قتادة
والثالث أنهم أربعة الأنبياء والملائكة والمؤمنون والجوارح قاله ابن زيد
قوله تعالى يوم لا ينفع قرأ ابن كثير وأبو عمرو تنفع بالتاء والباقون بالياء لأن المعذرة والاعتذار بمعنى الظالمين معذرتهم أي لا يقبل منهم إن اعتذروا ولهم اللعنة أي البعد من الرحمة وقد بينا في الرعد 25 أن لهم بمعنى عليهم وسوء الدار النار
ولقد آتينا موسى الهدى وأورثنا بني إسرائيل الكتاب هدى وذكرى لأولي الألباب فاصبر إن وعد الله حق واستغفر لذنبك وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار إن الذين يجادلون في آيات الله بغير سلطان أتهم إن في صدورهم إلا كبر ما هم ببالغيه فاستعذ بالله إنه هو السميع البصير لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس ولكن أكثر الناس لا يعلمون وما يستوي الأعمى والبصير والذين آمنوا وعملوا الصالحات ولا المسيء قليلا ما تتذكرون إن الساعة لآتية لا ريب فيها ولكن أكثر الناس لا يؤمنون وقال ربكم ادعوني أستجب لكم إن الذين يستكبرون عن عبادتي سيدخلون جهنم داخرين الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصرا إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون ذلكم الله ربكم خالق كل شيء لا إله إلا هو

فأنى تؤفكون كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون الله الذي جعل لكم الأرض قرارا والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلك الله ربكم فتبارك الله رب العالمين هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين قل إني نهيت أن أعبد الذين تدعون من دون الله لما جاءني البينات من ربي وأمرت أن أسلم لرب العالمين هو الذي خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم من علقة ثم يخرجكم طفلا ثم لتبلغوا أشدكم ثم لتكونوا شيوخا ومنكم من يتوفى من قبل ولتبلغوا أجلا مسمى ولعلكم تعقلون هو الذي يحي ويميت فاذا قضى أمرا فإنما يقول له كن فيكون
ولقد آتينا موسى الهدى من الضلالة يعني التوراة وأورثنا بني إسرائيل الكتاب بعد موسى وهو التوراة أيضا في قول الأكثرين وقال ابن السائب التوراة والإنجيل والزبور والذكرى بمعنى التذكير
فاصبر على أذاهم إن وعد الله حق في نصرك وهذه الآية في هذه السورة في موضعين غافر 55 77 وقد ذكروا أنها منسوخة بآية السيف ومعنى سبح صل
وفي المراد بصلاة العشي والإبكار ثلاثة أقوال
أحدها أنها الصلوات الخمس قاله ابن عباس

والثاني صلاة الغداة وصلاة العصر قاله قتادة
والثالث أنها صلاة كانت قبل أن تفرض الصلوات ركعتان غدوة وركعتان عشية قاله الحسن
وما بعد هذا قد تقدم آنفا المؤمن 4 إلى قوله إن في صدورهم إلا كبر الآية نزلت في قريش والمعنى ما يحملهم على تكذيبك إلا ما في صدورهم من التكبر عليك وما هم ببالغي مقتضى ذلك الكبر لأن الله تعالى مذلهم فاستعذ بالله من شرهم ثم نبه على قدرته بقوله لخلق السموات والأرض أكبر من خلق الناس أي من إعادتهم

وذلك لكثرة أجزائها وعظم جرمها فنبههم على قدرته على إعادة الخلق ولكن أكثر الناس لا يعلمون يعني الكفار حين لا يستدلون بذلك على التوحيد وقال مقاتل عظمت اليهود الدجال وقالوا إن صاحبنا يبعث في آخر الزمان وله سلطان فقال الله إن الذين يجادلون في آيات الله لأن الدجال من آياته بغير سلطان أي بغير حجة فاستعذ بالله من فتنة الدجال قال والمراد ب خلق الناس الدجال وإلى نحو هذا ذهب أبو العالية والأول أصح
وما بعد هذا ظاهر إلى قوله ادعوني أستجب لكم فيه قولان أحدهما وحدوني واعبدوني أثبكم قاله ابن عباس والثاني سلوني أعطكم قاله السدي إن الذين يستكبرون عن عبادتي فيه قولان أحدهما عن توحيدي والثاني عن دعائي ومسألتي سيدخلون جهنم قرأ ابن كثير وأبو بكر

عن عاصم وعباس بن الفضل عن أبي عمرو سيدخلون بضم الياء والباقون بفتحها والداخر الصاغر
وما بعد هذا قد سبق في مواضع متقرفة يونس 67 القصص 73 الأنعام 95 النمل 61 الأعراف 54 29 الحج 5 إلى قوله ولتبلغوا أجلا مسمى وهو أجل الحياة إلى الموت ولعلكم تعقلون توحيد الله وقدرته
ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله أنى يصرفون الذين كذبوا بالكتاب وبما أرسلنا به رسلنا فسوف يعلمون إذ الأغلال في أعناقهم والسلاسل يسحبون في الحميم ثم في النار يسجرون ثم قيل لهم أين ما كنتم تشركون من دون الله قالوا ضلوا عنا بل لم نكن ندعوا من قبل شيئا كذلك يضل الله الكافرين ذلكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تمرحون أدخلوا أبواب جهنم خالدين فيها فبئس مثوى المتكبرين فاصبر إن وعد الله حق فاما نرينك بعض الذي نعدهم أو نتوفينك فالينا يرجعون ولقد أرسلنا رسلا من قبلك منهم من قصصنا عليك ومنهم

من لم نقصص عليك وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا بإذن الله فإذا جاء أمر الله قضي بالحق وخسر هنالك المبطلون الله الذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون ولكم فيها منافع ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم وعليها وعلى الفلك تحملون ويريكم آياته فأي آيات الله تنكرون أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم كانوا أكثر منهم وكانوا أشد قوة وآثارا في الأرض فما أغنى عنهم ما كانوا يكسبون فلما جاءتهم رسلهم بالبينات فرحوا بما عندهم من العلم وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن فلما رأوا بأسنا قالوا آمنا بالله وحده وكفرنا بما كنا به مشركين فلم يك ينفعهم إيمانهم لما رأوا بأسنا سنت الله التي قد خلت في عباده وخسر هنالك الكافرون
ألم تر إلى الذين يجادلون في آيات الله يعني القرآن يقولون ليس من عند الله أنى يصرفون أي كيف صرفوا عن الحق إلى الباطل وفيهم قولان أحدهما أنهم المشركون قاله ابن عباس والثاني أنهم القدرية ذكره جماعة من المفسرين وكان ابن سيرين يقول إن لم تكن نزلت في القدرية فلا أدري فيمن نزلت
وقرأ ابن مسعود وابن عباس وأبو رزين وأبو مجلز والضحاك وابن يعمر وابن أبي عبلة والسلاسل يسحبون بفتح اللام والياء وقال ابن عباس إذا سحبوها كان أشد عليهم

قوله تعالى يسجرون قال مجاهد توقد بهم النار فصاروا وقودها
قوله تعالى أين ما كمتم تشركون مفسر في الأعراف 190
وفي قوله لم نكن ندعو من قبل شيئا قولان
أحدهما أنهم أرادوا أن الأصنام لم تكن شيئا لأنها لم تكن تضر ولا تنفع وهو قول الأكثرين
والثاني أنهم قالوه على وجه الجحود قاله أبو سليمان الدمشقي كذلك أي كما أضل الله هؤلاء يضل الكافرين
ذلكم العذاب الذي نزل بكم بما كنتم تفرحون في الأرض بغير الحق أي بالباطل وبما كنتم تمرحون وقد شرحنا المرح في بني إسرائيل 37 وما بعد هذا قد تقدم بتمامه النحل 29 يونس 109 النساء 164 إلى قوله وما كان لرسول أن يأتي بآية إلا باذن الله وذلك لأنهم كانوا يقترحون عليه الآيات فاذا جاء أمر الله وهو قضاؤه بين الأنبياء وأممهم و المبطلون أصحاب الباطل
قوله تعالى ولتبلغوا عليها حاجة في صدوركم أي حوائجكم في البلاد
قوله تعالى فأي آيات الله تنكرون استفهام توبيخ
قوله تعالى فما أغنى عنهم في ما قولان أحدهما أنها للنفي

والثاني أنها للاستفهام ذكرهما ابن جرير
قوله تعالى فرحوا بما عندهم من العلم في المشار إليهم قولان
أحدهما أنهم الأمم المكذبة قاله الجمهور ثم في معنى الكلام قولان أحدهما أنهم قالوا نحن أعلم منهم لن نبعث ولن نحاسب قاله مجاهد والثاني فرحوا بما كان عندهم أنه علم قاله السدي
والقول الثاني أنهم الرسل والمعنى فرح الرسل لما هلك المكذبون ونجوا بما عندهم من العلم بالله إذ جاء تصديقه حكاه أبو سليمان وغيره
قوله تعالى وحاق بهم يعني بالمكذبين العذاب الذي كانوا به يستهزؤون والبأس العذاب ومعنى سنة الله أنه سن هذه السنة في الأمم أي أن إيمانهم لا ينفعهم إذا رأوا العذاب وخسر هنالك الكافرون

فان قيل كأنهم لم يكونوا خاسرين قبل ذلك
فعنه جوابان أحدهما أن خسر بمعنى هلك قاله ابن عباس والثاني أنه إنما بين لهم خسرانهم عند نزول العذاب قاله الزجاج

سورة السجدة مكية كلها باجماعهم ويقال لها سجدة المؤمن ويقال لها المصابيح بسم الله الرحمن الرحيم
حم تنزيل من الرحمن الرحيم كتاب فصلت آياته قرآنا عربيا لقوم يعلمون بشيرا ونذيرا فأعرض أكثرهم فهم لا يسمعون وقالوا قلوبنا في أكنة مما تدعونا إليه وفي آذاننا وقر ومن بيننا وبينك حجاب فاعمل إننا عاملون قل إنما أنا بشر مثلكم يوحى إلي أنما إلهكم إله واحد فاستقيموا إليه واستغفروه وويل للمشركين الذين لا يؤتون الزكاة وهم بالآخرة هم كافرون إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون
قوله تعالى تنزيل قال الفراء يجوز أن يرتفع تنزيل ب حم ويجوز أن يرتفع باضمار هذا وقال الزجاج تنزيل مبتدأ وخبره

كتاب فصلت آياته هذا مذهب البصريين و قرآنا منصوب على الحال المعنى بينت آياته في حال جمعه لقوم يعلمون أي لمن يعلم
قوله تعالى فأعرض أكثرهم يعني أهل مكة فهم لا يسمعون تكبرا عنه وقالوا قلوبنا في أكنة أي في أغطية فلا نفقه قولك وقد سبق بيان الأكنة والوقر في الأنعام 25 ومعنى الكلام إنا في ترك القبول منك بمنزلة من لا يسمع ولا يفهم ومن بيننا وبينك حجاب أي حاجز في النحلة والدين قال الأخفش ومن هاهنا للتوكيد
قوله تعالى فاعمل فيه قولان أحدهما اعمل في إبطال أمرنا إنا عاملون على إبطال أمرك والثاني اعمل على دينك إنا عاملون على ديننا قل إنما أنا بشر مثلكم أي لولا الوحي لما دعوتكم غنما أنا يشر مثلكم أي لولا الوحي لما دعوتكم
فاستقيموا إليه أي توجهوا إليه بالطاعة واستغفروه من الشرك
قوله تعالى الذين لا يؤتون الزكاة فيه خمسة أقوال
أحدها لا يشهدون أن لا إله إلا الله رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال عكرمة والمعنى لا يطهرون أنفسهم من الشرك بالتوحيد
والثاني لا يؤمنون بالزكاة ولا يقرون بها قاله الحسن وقتادة

والثالث لا يزكون أعمالهم قاله مجاهد والربيع
والرابع لا يتصدقون ولا ينفقون في الطاعات قاله الضحاك ومقاتل
والخامس لا يعطون زكاة أموالهم قال ابن السائب كانوا يحجون ويعتمرون ولا يزكون
قوله تعالى غير ممنون أي غير مقطوع ولا منقوص
قل أئنكم لتكفرون بالذي خلق الأرض في يومين وتجعلون له أندادا ذلك رب العالمين وجعل فيها رواسي من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها في أربعة أيام سواء

للسائلين ثم استوى إلى السماء وهي دخان فقال لها وللأرض ائتيا طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين فقضاهن سبع سموات في يومين وأوحى في كل سماء أمرها وزينا السماء الدنيا بمصابيح وحفظا ذلك تقدير العزيز العليم
قوله تعالى خلق الأرض في يومين قال ابن عباس في يوم الأحد والاثنين وبه قال عبد الله بن سلام والسدي والأكثرون وقال مقاتل في يوم الثلاثاء والأربعاء وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة قال أخذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بيدي فقال خلق الله عز و جل التربة يوم السبت وخلق الجبال فيها يوم الأحد وخلق الشجر فيها يوم الإثنين وخلق المكروه يوم الثلاثاء وخلق النور يوم الأربعاء وبث فيها الدواب يوم الخميس وهذا الحديث يخالف ما تقدم وهو أصح

قوله تعالى وتجعلون له أندادا قد شرحناه في البقرة 22 وذلك الذي فعل ما ذكر رب العالمين
وجعل فيها رواسي أي جبالا ثوابت من فوق الأرض وبارك فيها بالأشجار والثمار والحبوب والأنهار وقيل البركة فيها أن ينمي فيها الزرع فتخرج الحبة حبات والنواة نخلة وقدر فيها أقواتها قال أبو عبيدة هي جمع قوت وهي الأرزاق وما يحتاج إليه
وللمفسرين في هذا التقدير خمسة أقوال
أحدها أنه شقق الأنهار وغرس الأشجار قاله ابن عباس
والثاني أنه قسم أرزاق العباد والبهائم قاله الحسن
والثالث أقواتها من المطر قاله مجاهد
والرابع قدر لكل بلدة ما لم يجعله في الأخرى كما أن ثياب اليمن لا تصلح إلا ب اليمن والهروية ب هراة ليعيش بعضهم من بعض بالتجارة قاله عكرمة والضحاك
والخامس قدر البر لأهل قطر والتمر لأهل قطر والذرة لأهل قطر قاله ابن السائب
قوله تعالى في أربعة أيام أي في تتمة أربعة أيام قال الأخفش ومثله أن تقول تزوجت أمس امرأة واليوم ثنتين وإحداهما التي تزوجتها أمس
قال المفسرون يعني الثلاثاء وهما مع الأحد والإثنين أربعة أيام

قوله تعالى سواء قرأ أبو جعفر سواء بالرفع وقرأ يعقوب وعبد الوارث سواء بالجر وقرأ الباقون من العشرة بالنصب قال الزجاج من قرأ بالخفض جعل سواء من صفة الأيام فالمعنى في أربعة أيام مستويات تامات ومن نصب فعلى المصدر فالمعنى استوت سواء واستواء ومن رفع فعلى معنى هي سواء
وفي قوله للسائلين وجهان أحدهما للسائلين القوت لأن كلا يطلب القوت ويسأله والثاني لمن يسأل في كم خلقت الأرض فيقال خلقت في أربعة أيام سواء لا زيادة ولا نقصان
قوله تعالى ثم استوى إلى السماء قد شرحناه في البقرة 29 وهي دخان وفيه قولان
أحدهما أنه لما خلق الماء أرسل عليه الريح فثار منه دخان فارتفع وسما فسماه سماء
والثاني أنه لما خلق الأرض أرسل عليها نارا فارتفع منها دخان فسما
قوله تعالى فقال لها وللأرض قال ابن عباس قال للسماء أظهري شمسك وقمرك ونجومك وقال للأرض شققي أنهارك وأخرجي ثمارك طوعا أو كرها قالتا أتينا طائعين قال الزجاج هو منصوب على الحال وإنما لم يقل طائعات لأنهن جرين مجرى ما يعقل ويميز كما قال في النجوم وكل في فلك يسبحون يس 40 قال وقد قيل أتينا نحن ومن فينا طائعين
فقضاهن أي خلقهن وصنعهن قال أبو ذئيب الهذلي

وعليهما مسرودتان قضاهما ... داود أو صنع السوابغ تبع ...
معناه عملهما وصنعهما
قوله تعالى في يومين قال ابن عباس وعبد الله بن سلام وهما يوم الخميس ويوم الجمعة وقال مقاتل الأحد والاثنين لأن مذهبه أنها خلقت قبل الأرض وقد بينا مقدار هذه الأيام في الأعراف 54
وأوحى في كل سماء أمرها فيه قولان أحدهما أوحى ما أراد وأمر بما شاء قاله مجاهد ومقاتل والثاني خلق في كل سماء خلقها قاله السدي
قوله تعالى وزينا السماء الدنيا أي القربى إلى الأرض بمصابيح وهي النجوم والمصابيح السرج فسمي الكوكب مصباحا لإضاءته وحفظا قال الزجاج معناه وحفظناها من استماع الشياطين بالكواكب حفظا
فان أعرضوا فقل أنذرتكم صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم ومن خلفهم ألا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا لأنزل ملائكة فانا بما أرسلتم به كافرون فأما عاد فاستكبروا في الأرض بغير الحق وقالوا من أشد منا قوة أولم يروا أن الله الذي خلقهم هو أشد منهم قوة وكانوا بآياتنا يجحدون فأرسلنا عليهم ريحا صرصرا في أيام نحسات لنذيقهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ولعذاب

الآخرة أخزى وهم لا ينصرون وأما ثمود فهديناهم فاستحبوا العمى على الهدى فأخذتهم صاعقة العذاب الهون بما كانوا يكسبون ونجينا الذين آمنوا وكانوا يتقون
قوله تعالى فإن أعرضوا عن الإيمان بعد هذا البيان فقل أنذرتكم صاعقة الصاعقة المهلك من كل شيء والمعنى أنذرتكم عذابا مثل عذابهم وإنما خص القبيلتين لأن قريشا يمرون على قرى القوم في أسفارهم
إذ جاءتهم الرسل من بين أيديهم أي أتت آباءهم ومن كان قبلهم ومن خلفهم أي من خلف الآباء وهم الذين أرسلوا إلى هؤلاء المهلكين ألا تعبدوا أي بأن لا تعبدوا إلا الله قالوا لو شاء ربنا أي لو أراد دعوة الخلق لأنزل ملائكة
قوله تعالى فاستكبروا أي تكبروا عن الإيمان وعملوا بغير الحق وكان هود قد تهددهم بالعذاب فقالوا نحن نقدر على دفعه بفضل قوتنا والآيات هاهنا الحجج
وفي الريح الصرصر أربعة أقوال
أحدها أنها الباردة قاله ابن عباس وقتادة والضحاك وقال الفراء هي الريح الباردة تحرق كالنار وكذلك قال الزجاج هي الشديدة البرد جدا فالصرصر متكرر فيها البرد كما تقول أقللت الشيء وقلقلته فأقللته بمعنى رفعته وقلقلته كررت رفعه

والثاني أنها الشديدة السموم قاله مجاهد
والثالث الشديدة الصوت قاله السدي وأبو عبيدة وابن قتيبة
والرابع الباردة الشديدة قاله مقاتل
قوله تعالى في أيام نحسات قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو نحسات باسكان الحاء وقرأ الباقون بكسرها قال الزجاج من كسر الحاء فواحدهن نحس ومن أسكنها فواحدهن نحس والمعنى مشؤومات
وفي أول هذه الأيام ثلاثة أقوال أحدها غداة يوم الأحد قاله السدي والثاني يوم الجمعة قاله الربيع بن أنس والثالث يوم الأربعاء قاله يحيى بن سلام والخزي الهوان
قوله تعالى وأما ثمود فهديناهم فيه ثلاثة أقوال أحدها بينا لهم قاله ابن عباس وسعيد بن جبير وقال قتادة بينا لهم سبيل الخير والشر والثاني دعوناهم قاله مجاهد والثالث دللناهم على مذهب الخير قاله الفراء

قوله تعالى فاستحبوا العمى أي اختاروا الكفر على الإيمان فأخذتهم صاعقة العذاب الهون أي ذي الهوان وهو الذي يهينهم
ويوم يحشر أعداء الله إلى النار فهم يوزعون حتى إذا ما جاؤها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم بما كانوا يعملون وقالوا لجلودهم لم شهدتم علينا قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء وهو خلقكم أول مرة وإليه ترجعون وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم ولا جلودكم ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون وذلكم ظنكم الذي ظننتم بربكم أرداكم فأصبحتم من الخاسرين فإن يصبروا فالنار مثوى لهم وإن يستعتبوا فما هم من المعتبين وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين
قوله تعالى ويوم يحشر أعداء الله وقرأ نافع نحشر بالنون أعداء بالنصب

قوله تعالى فهم يوزعون أي يحبس أولهم على آخرهم ليتلاحقوا
حتى إذا ما جاؤوها يعني النار التي حشروا إليها شهد عليهم سمعهم وأبصارهم وجلودهم وفي المراد بالجلود ثلاثة أقوال أحدها الأيدي والأرجل والثاني الفروج رويا عن ابن عباس والثالث أنه الجلود نفسها حكاه الماوردي وقد أخرج مسلم في أفراده من حديث أنس بن مالك قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فضحك فقال هل تدرون مم أضحك قال قلنا الله ورسوله أعلم قال من مخاطبة العبد ربه يقول يارب ألم تجرني من الظلم قال يقول بلى قال فيقول لا أجيز علي إلا شاهدا مني قال فيقول كفى بنفسك اليوم عليك شهيدا وبالكرام الكاتبين شهودا قال فيختم على فيه فيقال لأركانه انطقي قال فتنطق بأعماله قال ثم يخلى بينه وبين الكلام فيقول بعدا لكن وسحقا فعنكن كنت أناضل
قوله تعالى قالوا أنطقنا الله الذي أنطق كل شيء أي مما نطق وهاهنا تم الكلام وما بعده ليس من جواب الجلود
قوله تعالى وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم ولا أبصاركم روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن مسعود قال كنت مستترا بأستار الكعبة فجاء ثلاثة نفر قرشي وختناه ثقفيان أو ثقفي وختناه قرشيان كثير شحم بطونهم قليل فقه قلوبهم فتكلموا بكلام لم أسمعه

فقال أحدهم أترون الله يسمع كلامنا هذا فقال الأخران إنا إذا رفعنا أصواتنا سمعه وإن لم نرفع لم يسمع وقال الآخر إن سمع منه شيئا سمعه كله فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فأنزل الله تعالى وما كنتم تستترون أن يشهد عليكم سمعكم إلى قوله من الخاسرين ومعنى تستترون تستخفون أن يشهد أي من أن يشهد عليكم سمعكم لأنكم لا تقدرون على الاستخفاء من جوارحكم ولا تظنون أنها تشهد ولكن ظننتم أن الله لا يعلم كثيرا مما تعملون قال ابن عباس كان الكفار يقولون إن الله لا يعلم ما في أنفسنا ولكنه يعلم ما يظهر وذلكم ظنكم أي أن الله لا يعلم ما تعملون أرداكم أهلككم
فان يصبروا أي على النار فهي مسكنهم وإن يستعتبوا أي يسألوا أن يرجع لهم إلى ما يحبون لم يرجع لهم لأنهم لا يستحقون

ذلك يقال أعتبني فلان أي أرضاني بعد إسخاطه إياي واستعتبته أي طلبت منه أن يعتب أي يرضى
قوله تعالى وقيضنا لهم قرناء أي سببنا لهم قرناء من الشياطين فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم فيه ثلاثة أقوال أحدها ما بين أيديهم من أمر الآخرة أنه لا جنة ولا نار ولا بعث ولا حساب وما خلفهم من أمر الدنيا فزينوا لهم اللذات وجمع الأموال وترك الإنفاق في الخير
والثاني ما بين أيديهم من أمر الدنيا وما خلفهم من أمر الآخرة على عكس الأول
والثالث ما بين أيديهم ما فعلوه وما خلفهم ما عزموا على فعله وباقي الآية قد تقدم تفسيره الاسراء 16 الأعراف 38
وقال الذين كفروالا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون فلنذيقن الذين كفروا عذابا شديدا ولنجزينهم أسوأ الذي كانوا يعلمون ذلك جزاء أعداء الله النار لهم فيها دار الخلد جزاء بما كانوا بأياتنا يجحدون
قوله تعالى وقال الذين كفروا لا تسمعوا لهذا القرآن أي لا تسمعوه والغوا فيه أي عارضوه باللغو وهو الكلام الخالي عن فائدة وكان الكفار يوصي بعضهم بعضا إذا سمعتم القرآن من محمد وأصحابه فارفعوا أصواتكم حتى تلبسوا عليهم قولهم وقال مجاهد والغوا فيه بالمكاء والصفير والتخليط من القول على رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا قرأ لعلكم تغلبون فيسكتون
قوله تعالى ذلك جزاء أعداء الله يعني العذاب المذكور وقوله النار بدل من الجزاء لهم فيها دار الخلد أي دار الإقامة قال الزجاج النار

هي الدار ولكنه كما تقول لك في هذه الدار دار السرور وأنت تعني الدار بعينها قال الشاعر ... أخور رغائب يعطيها ويسألها ... يأبى الظلامة منه النوفل الزفر ...
وقال الذين كفروا ربنا أرنا اللذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا ولا تحزنوا وأبشروا بالجنة التي كنتم توعدون نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة ولكم فيها ما تشتهي أنفسكم ولكم فيها ما تدعون نزلا من غفور رحيم
قوله تعالى وقال الذين كفروا لما دخلوا النار ربنا أرنا اللذين أضلانا وقرأ ابن عامر وأبو بكر عن عاصم أرنا بسكون الراء قال المفسرون يعنون إبليس وقابيل لأنهما سنا المعصية نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين أي في الدرك الأسفل وهو أشد عذابا من غيره
ثم ذكر المؤمنين فقال إن الذين قالوا ربنا الله أي وحدوه ثم استقاموا فيه ثلاثة أقوال

أحدها استقاموا على التوحيد قاله أبو بكر الصديق ومجاهد
والثاني على طاعة الله وأداء فرائضه قاله ابن عباس والحسن وقتادة
والثالث على الإخلاص والعمل إلى الموت قاله أبو العالية والسدي وروى عطاء عن ابن عباس قال نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق وذلك أن المشركين قالوا ربنا الله والملائكة بناته وهؤلاء شفعاؤنا عند الله فلم يستقيموا وقالت اليهود ربنا الله وعزيز ابنه ومحمد ليس بنبي فلم يستقيموا وقالت النصارى ربنا الله والمسيح ابنه ومحمد ليس بنبي فلم يستقيموا وقال أبو بكر ربنا الله وحده ومحمد عبده ورسوله فاستقام
قوله تعالى تتنزل عليهم الملائكة ألا تخافوا أي بأن لا تخافوا وفي وقت نزولها عليهم قولان
أحدهما عند الموت قاله ابن عباس ومجاهد فعلى هذا في معنى لا تخافوا قولان أحدهما لا تخافوا الموت ولا تحزنوا على أولادكم قاله مجاهد والثاني لا تخافوا ما أمامكم ولا تحزنوا على ما خلفكم قاله عكرمة والسدي
والقول الثاني تتنزل عليهم إذا قاموا من القبور قاله قتادة فيكون معنى لا تخافوا أنهم يبشرونهم بزوال الخوف والحزن يوم القيامة

قوله تعالى نحن أولياؤكم قال المفسرون هذا قول الملائكة لهم والمعنى نحن الذين كنا نتولاكم في الدنيا لأن الملائكة تتولى المؤمنين وتحبهم لما ترى من أعمالهم المرفوعة إلى السماء وفي الآخرة أي ونحن معكم في الآخرة لا نفارقكم حتى تدخلوا الجنة وقال السدي هم الحفظة على ابن آدم فلذلك قالوا نحن أولياؤكم في الحياة الدنيا وفي الآخرة وقيل هم الملائكة الذين يأتون لقبض الأرواح
قوله تعالى ولكم فيها أي في الجنة
نزلا قال الزجاج معناه أبشروا بالجنة تنزلونها نزلا وقال الأخفش لكم فيها ما تشتهي أنفسكم أنزلناه نزلا
ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي

هي أحسن فاذا الذين بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم وما يلقاها إلا الذين صبروا وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم وإما ينزغنك من الشيطان نزغ فاستعذ بالله إنه هوالسميع العليم
قوله تعالى ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله فيمن أريد بهذا ثلاثة أقوال
أحدها أنهم المؤذنون روى جابر بن عبد الله عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال نزلت في المؤذنين وهذا قول عائشة ومجاهد وعكرمة

والثاني أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم دعا إلى شهادة أن لا إله إلا الله قاله ابن عباس والسدي وابن زيد
والثالث أنه المؤمن أجاب الله إلى ما دعاه ودعا الناس إلى ذلك وعمل صالحا في إجابته قاله الحسن
وفي قوله وعمل صالحا ثلاثة أقوال أحدها صلى ركعتين بعد الأذان وهو قول عائشة ومجاهد وروى إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم ومن أحسن قولا ممن دعا إلى الله قال الأذان وعمل صالحا قال الصلاة بين الأذان والإقامة
والثاني أدى الفرائض وقام لله بالحقوق قاله عطاء
والثالث صام وصلى قاله عكرمة
قوله تعالى ولا تستوي الحسنة ولا السيئة قال الزجاج لا زائدة مؤكدة والمعنى ولا تستوي الحسنة والسيئة وللمفسرين فيهما ثلاثة أقوال
أحدها أن الحسنة الإيمان والسيئة الشرك قاله ابن عباس

والثاني الحلم والفحش قاله الضحاك والثالث النفور والصبر حكاه الماوردي
قوله تعالى ادفع بالتي هي أحسن وذلك كدفع الغضب بالصبر والإساءة بالعفو فاذا فعلت ذلك صار الذي بينك وبينه عداوة كالصديق القريب وقال عطاء هو السلام على من تعاديه إذا لقيته قال المفسرون وهذه الآية منسوخة بآية السيف
قوله تعالى وما يلقاها أي ما يعطاها قال الزجاج ما يلقى هذه الفعلة وهي دفع السيئة بالحسنة إلا الذين صبروا على كظم الغيظ وما يلقاها إلا ذو حظ عظيم من الخير وقال السدي إلا ذو جد وقال قتادة الحظ العظيم الجنة فالمعنى ما يلقاها إلا من وجبت له الجنة
قوله تعالى وإما ينزغنك من الشيطان نزغ قد فسرناه في الأعراف 200

ومن آياته الليل والنهار والشمس والقمر لا تسجدوا للشمس ولا للقمر واسجدوا لله الذي خلقهن إن كنتم إياه تعبدون فان استكبروا فالذين عند ربك يسبحون له بالليل والنهار وهم لا يسئمون ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة فاذا أنزلنا عليها الماء اهتزت وربت إن الذي أحياها لمحيي الموتى إنه على كل شيء قدير
قوله تعالى فان استكبروا أي تكبروا عن التوحيد والعبادة فالذين عند ربك يعني الملائكة يسبحون أي يصلون ويسأمون بمعنى يملون
وفي موضع السجدة قولان
أحدهما أنه عند قوله يسأمون قاله ابن عباس ومسروق وقتادة واختاره القاضي أبو يعلى لأنه تمام الكلام
والثاني أنه عند قوله إن كنتم إياه تعبدون روي عن أصحاب عبد الله والحسن وأبي عبد الرحمن

قوله تعالى ومن آياته أنك ترى الأرض خاشعة قال قتادة غبراء متهشمة قال الأزهري إذا يبست الأرض ولم تمطر قيل خشعت
قوله تعالى اهتزت أي تحركت بالنبات وربت أي علت لأن النبت إذا أراد أن يظهر ارتفعت له الأرض وقد سبق بيان هذا الحج 5
إن الذين يلحدون في آياتنا لا يخفون علينا أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة إعملوا ما شئتم إنه بما تعملون بصير إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم وإنه لكتاب عزيز لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد

قوله تعالى إن الذين يلحدون في آياتنا قال مقاتل نزلت في أبي جهل وقد شرحنا معنى الإلحاد في النحل 103 وفي المراد به هاهنا خمسة أقوال
أحدها أنه وضع الكلام على غير موضعه رواه العوفي عن ابن عباس
والثاني أنه المكاء والصفير عند تلاوة القرآن قاله مجاهد
والثالث أنه التكذيب بالآيات قاله قتادة
والرابع أنه المعاندة قاله السدي
والخامس أنه الميل عن الإيمان بالآيات قاله مقاتل
قوله تعالى لا يخفون علينا هذا وعيد بالجزاء أفمن يلقى في النار خير أم من يأتي آمنا يوم القيامة وهذا عام غير أن المفسرين ذكروا فيمن أريد به سبعة أقوال
أحدها أنه أبو جهل وأبو بكر الصديق رواه الضحاك عن ابن عباس والثاني أبو جهل وعمار بن ياسر قاله عكرمة والثالث أبو جهل ورسول الله صلى الله عليه و سلم قاله ابن السائب ومقاتل والرابع أبو جهل وعثمان بن عفان حكاه الثعلبي والخامس أبوجهل وحمزة حكاه الواحدي والسادس أبو جهل وعمر بن الخطاب والسابع الكافر والمؤمن حكاهما الماوردي

قوله تعالى اعملوا ما شئتم قال الزجاج لفظه لفظ الأمر ومعناه الوعيد والتهديد
قوله تعالى إن الذين كفروا بالذكر يعني القرآن ثم أخذ في وصف الذكر وترك جواب إن وفي جوابها هاهنا قولان أحدهما أنه أولئك ينادون من مكان بعيد ذكره الفراء
والثاني أنه متروك وفي تقديره قولان أحدهما إن الذين كفروا بالذكر لما جاءهم كفروا به والثاني إن الذين كفروا يجازون بكفرهم
قوله تعالى وإنه لكتاب عزيز فيه أربعة أقوال أحدها منيع من الشيطان لا يجد إليه سبيلا قاله السدي والثاني كريم على الله قاله ابن السائب والثالث منيع من الباطل قاله مقاتل والرابع يمتنع على الناس أن يقولوا مثله حكاه الماوردي
قوله تعالى لا يأتيه الباطل فيه ثلاثة أقوال أحدها التكذيب قاله سعيد بن جبير والثاني الشيطان والثالث التبديل رويا عن مجاهد قال قتادة لا يستطيع إبليس أن ينقص منه حقا ولا يزيد فيه باطلا وقال مجاهد لا يدخل فيه ماليس منه وفي قوله من بين يديه ولا من خلفه ثلاثة اقوال أحدها بين يدي تنزيله وبعد نزوله والثاني أنه ليس قبله كتاب يبطله ولا يأتي بعده كتاب يبطله والثالث لا يأتيه الباطل في إخباره عما تقدم ولا في إخباره عما تأخر
ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك إن ربك لذو مغفرة وذو عقاب أليم ولو جعلناه قرآنا أعجميا لقالوا لولا فصلت آياته ءأعجمي وعربي قل هو للذين آمنوا هدى

وشفاء والذين لا يؤمنون في آذانهم وقر وهو عليهم عمى أولئك ينادون من مكان بعيد
قوله تعالى ما يقال لك إلا ما قد قيل للرسل من قبلك فيه قولان
أحدهما أنه قد قيل فيمن أرسل قبلك ساحر وكاهن ومجنون وكذبوا كما كذبت هذا قول الحسن وقتادة والجمهور
والثاني ما تخبر إلا بما أخبر الأنبياء قبلك من أن الله غفور وأنه ذو عقاب حكاه الماوردي
قوله تعالى ولو جعلناه يعني الكتاب الذي أنزل عليه قرآنا أعجميا أي بغير لغة العرب لقالوا لولا فصلت آياته أي هلا بينت آياته بالعربية حتى نفهمه أأعجمي وعربي قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم آعجمي بهمزة ممدودة وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم أأعجمي بهمزتين والمعنى أكتاب أعجمي ونبي عربي وهذا استفهام إنكار أي لو كان كذلك لكان أشد لتكذيبهم
قل هو يعني القرآن للذين آمنوا هدى من الضلالة وشفاء للشكوك والأوجاع والوقر الصمم فهم في ترك القبول بمنزلة من في أذنه صمم
وهو عليهم عمى أي ذو عمى قال قتادة صموا عن القرآن وعموا عنه أولئك ينادون من مكان بعيد أي إنهم لا يسمعون ولا يفهمون كالذي ينادي من بعيد
ولقد آتينا موسى الكتاب فاختلف فيه ولولا كلمة سبقت من ربك لقضي بينهم وإنهم لفي شك منه مريب

من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها وما ربك بظلام للعبيد
قوله تعالى ولقد آتينا موسى الكتاب هذه تسلية لرسول الله صلى الله عليه و سلم والمعنى كما آمن بكتابك قوم وكذب به قوم فكذلك كتاب موسى ولولا كلمة سبقت من ربك في تأخير العذاب إلى أجل مسمى وهو القيامة لقضي بينهم بالعذاب الواقع بالمكذبين وإنهم لفي شك من صدقك وكتابك مريب أي موقع لهم الريبة
إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه ويوم يناديهم أين شركاءي قالوا آذناك مامنا من شهيد وضل عنهم ما كانوا يدعون من قبل وظنوا مالهم من محيص
قوله تعالى إليه يرد علم الساعة سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم أخبرنا عن الساعة إن كنت رسولا كما تزعم قاله مقاتل ومعنى الآية لا يعلم قيامها إلا هو فاذا سئل عنها فعلمها مردود إليه
وما تخرج من ثمرة قرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي

وأبو بكر عن عاصم من ثمرة وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم من ثمرات على الجمع من أكمامها أي أوعيتها قال ابن قتيبة أي من المواضع التي كانت فيها مستترة وغلاف كل شيء كمه وإنما قيل كم القميص من هذا قال الزجاج الأكمام ما غطى وكل شجرة تخرج ماهو مكمم فهي ذات أكمام وأكمام النخلة ما غطى جمارها من السعف والليف والجذع وكل ما أخرجته النخلة فهو ذو أكمام فالطلعة كمها قشرها ومن هذا قيل للقلنسوة كمة لأنها تغطي الرأس ومن هذا كما القميص لأنهما يغطيان اليدين
قوله تعالى ويوم يناديهم أي ينادي الله تعالى المشركين أين شركائي الذين كنتم تزعمون قالوا آذناك قال الفراء وابن قتيبة أعلمناك وقال مقاتل أسمعناك ما منا من شهيد فيه قولان
أحدهما أنه من قول المشركين والمعنى ما منا من شهيد بأن لك شريكا فيتبرؤون يومئذ مما كانوا يقولون هذا قول مقاتل
والثاني أنه من قول الآلهة التي كانت تعبد والمعنى ما منا من شهيد لهم بما قالوا قاله الفراء وابن قتيبة
قوله تعالى وضل عنهم أي بطل عنهم في الآخرة ما كانوا يدعون أي يعبدون في الدنيا وظنوا أي أيقنوا ما لهم من محيص وقد شرحنا المحيص في سورة النساء 121

لا يسئم الإنسان من دعاء الخير وإن مسه الشر فيؤس قنوط ولئن أذقناه رحمة منا من بعد ضراء مسته ليقولون هذا لي وما أظن الساعة قائمة ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى فلننبئن الذين كفروا بما عملوا ولنذيقنهم من عذاب غليظ وإذا أنعمنا على الإنسان أعرض ونآ بجانبه وإذا مسه الشر فذو دعاء عريض قل أرأيتم إن كان من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق بعيد
قوله تعالى لا يسأم الإنسان قال المفسرون المراد به الكافر فالمعنى لا يمل الكافر من دعاء الخير أي من دعائه بالخير وهو المال والعافية وإن مسه الشر وهو الفقر والشدة والمعنى إذا اختبر بذلك يئس من روح الله وقنط من رحمته وقال أبو عبيدة اليؤوس فعول من يأس والقنوط فعول من قنط
قوله تعالى لئن أذقناه رحمة منا أي خيرا وعافية وغنى ليقولن هذا لي أى هذا واجب لي بعملي وأنا محقوق به ثم يشك في البعث فيقول وما أظن الساعة قائمة أي لست على يقين من البعث ولئن رجعت إلى ربي إن لي عنده للحسنى يعني الجنة أي كما أعطاني في الدنيا يعطيني في الآخرة فلننبئن الذين كفروا أي لنخبرنهم بمساوئ أعمالهم وما بعده قد سبق إبراهيم 17 الإسراء 83 إلى قوله تعالى ونأى بجانبه قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو ونأى مثل نعى وقرأ ابن عامر وناء مفتوحة النون ممدودة والهمزة بعد الألف وقرأ

حمزة نئى مكسورة النون والهمزة
فذو دعاء عريض قال الفراء وابن قتيبة معنى العريض الكثير وإن وصفته بالطول أو بالعرض جاز في الكلام
قل يامحمد لأهل مكة أرأيتم إن كان القرآن من عند الله ثم كفرتم به من أضل ممن هو في شقاق أي خلاف للحق بعيد عنه وهو اسم والمعنى فلا أحد أضل منكم وقال ابن جرير معنى الآية ثم كفرتم به ألستم في شقاق للحق وبعد عن الصواب فجعل مكان هذا باقي الآية
سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد ألا إنهم في مرية من لقاء ربهم ألا أنه بكل شيء محيط
قوله تعالى سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم فيه خمسة أقوال
أحدها في الآفاق وقائع الله في الأمم الخالية وفي أنفسهم يوم بدر قاله قتادة ومقاتل
والثالث أنها في الآفاق إمساك القطر عن الأرض كلها وفي أنفسهم البلايا التي تكون في أجسادهم قاله ابن جريج
والرابع أنها في الآفاق آيات السماء كالشمس والقمر والنجوم وفي أنفسهم

حوادث الأرض قاله ابن زيد وحكي عن ابن زيد أن التي في أنفسهم سبيل الغائط والبول فان الإنسان يأكل ويشرب من مكان واحد ويخرج من مكانين
والخامس أنها في الأفاق آثار من مضى قبلهم من المكذبين وفي أنفسهم كونهم خلقوا نطفا ثم علقا ثم مضغا ثم عظاما إلى ان نقلوا إلى العقل والتمييز قاله الزجاج
قوله تعالى حتى يتبين لهم أنه الحق في هاء الكناية قولان أحدهما أنها ترجع إلى القرآن والثاني إلى جميع ما دعاهم إليه الرسول وقال ابن جرير معنى الآية حتى يعلموا حقيقة ما أنزلنا على محمد وأوحينا إليه من الوعد له بأنا مظهرو دينه على الأديان كلها
أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد أي أولم يكف به أنه شاهد على كل شيء قال الزجاج المعنى أو لم يكفهم شهادة ربك

ومعنى الكفاية هاهنا أنه قد بين لهم ما فيه كفاية في الدلالة على توحيده وتثبيت رسله

سورة حم عسق واسمها سورة الشورى
وهي مكية رواه العوفي وغيره عن ابن عباس وبه قال الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة والجمهور وحكي عن ابن عباس وقتادة قالا إلا أربع آيات نزلن بالمدينة أولها قل لا أسألكم عليه أجرا الشورى 23 وقال مقاتل فيها من المدني قوله ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا الشورى 23 إلى قوله بذات الصدور الشورى 24 وقوله والذين إذا أصابهم البغي الشورى 39 إلى قوله من سبيل الشورى 41
بسم الله الرحمن الرحيم حم عسق كذلك يوحي إليك وإلى الذين من قبلك الله العزيز الحكيم له ما في السموات وما في الأرض وهو العلي العظيم تكاد السموات يتفطرن من فوقهن والملائكة يسبحون بحمد ربهم ويستغفرون لمن في الأرض ألا إن الله هو الغفور

الرحيم والذين اتخذوا من دونه أولياء الله حفيظ عليهم وما أنت عليهم بوكيل
قوله تعالى حم قد سبق تفسيره المؤمن
قوله تعالى عسق فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه قسم أقسم الله به وهو من أسمائه رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
والثاني أنه حروف من أسماء ثم فيه خمسة أقوال أحدها أن العين علم الله والسين سناؤه والقاف قدرته رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال الحسن والثاني أن العين فيها عذاب والسين فيها مسخ والقاف فيها قذف رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس والثالث أن الحاء من حرب والميم من تحويل ملك والعين من عدو مقهور والسين استئصال بسنين كسني يوسف والقاف من قدرة الله في ملوك الأرض قاله عطاء والرابع أن العين من عالم والسين من قدوس والقاف من قاهر قاله سعيد بن جبير والخامس أن العين من العزيز والسين من السلام والقاف من القادر قاله السدي
والثالث أنه اسم من أسماء القرآن قاله قتادة
قوله تعالى كذلك يوحي إليك فيه أربعة أقوال

أحدها أنه كما أوحيت حم عسق إلى كل نبي كذلك نوحيها إليك قاله أبو صالح عن ابن عباس
والثاني كذلك نوحي إليك أخبار الغيب كما أوحينا إلى من قبلك رواه عطاء عن ابن عباس
والثالث أن حم عسق نزلت في أمر العذاب فقيل كذلك نوحي إليك أن العذاب نازل بمن كذبك كما أوحينا ذلك إلى من كان قبلك قاله مقاتل
والرابع أن المعنى هكذا نوحي إليك قاله ابن جرير
وقرأ ابن كثير يوحى بضم الياء وفتح الحاء كأنه إذا قيل من يوحي قيل الله وروى أبان عن عاصم نوحي بالنون وكسر الحاء
تكاد السموات يتفطرن قرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة تكاد بالتاء يتفطرن بياء وتاء مفتوحة وفتح الطاء وتشديدها وقرأ نافع والكسائي يكاد بالياء يتفطرن مثل قراءة ابن كثير وقرأ أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم تكاد بالتاء ينفطرن بالنون وكسر الطاء وتخفيفها أي يتشققن من فوقهن أي من فوق الأرضين من عظمة الرحمن وقيل من قول المشركين اتخذ الله ولدا ونظيرها التي في مريم 90
والملائكة يسبحون بحمد ربهم قال بعضهم يصلون بأمر ربهم وقال بعضهم ينزهونه عما لا يجوز في صفته ويستغفرون لمن في الأرض فيه قولان
أحدهما أنه أراد المؤمنين قاله قتادة والسدي

والثاني أنهم كانوا يستغفرون للمؤمنين فلما ابتلى هاروت وماروت استغفروا لمن في الأرض
ومعنى استغفارهم سؤالهم الرزق لهم قاله ابن السائب وقد زعم قوم منهم مقاتل أن هذه الآية منسوخة بقوله ويستغفرون للذين آمنوا غافر 7 وليس بشيء لأنهم إنما يستغفرون للمؤمنين دون الكفار فلفظ هذه الآية عام ومعناها خاص ويدل على التخصيص قوله ويستغفرون للذين آمنوا غافر 7 لأن الكافر لا يستحق أن يستغفر له
قوله تعالى والذين اتخذوا من ندونه أولياء يعني كفار مكة اتخذوا آلهة فعبدوها من دونه الله حفيظ عليهم أي حافظ لأعمالهم ليجازيهم بها وما أنت عليهم بوكيل أي لم نوكلك بهم فتؤخذ بهم وهذه الآية عند جمهور المفسرين منسوخة بآية السيف ولا يصح
وكذلك أوحينا إليك قرآنا عربيا لتنذر أم القرى ومن حولها وتنذر يوم الجمع لا ريب فيه فريق في الجنة وفريق في السعير ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة ولكن يدخل من يشاء في رحمته والظالمون مالهم من ولي ولا نصير أم اتخذوا من دونه أولياء فالله هو الولي وهو يحيي الموتى وهو على كل شيء قدير
قوله تعالى وكذلك أي ومثل ما ذكرنا أوحينا إليك قرآنا عربيا ليفهموا مافيه لتنذر أم القرى يعني مكة والمراد أهلها

وتنذر يوم الجمع أي وتنذرهم يوم الجمع وهو يوم القيامة يجمع الله فيه الأولين والآخرين وأهل السموات والأرضين لا ريب فيه أي لا شك في هذا الجمع أنه كائن ثم بعد الجمع يتفرقون وهو قوله فريق في الجنة وفريق في السعير
ثم ذكر سبب افتراقهم فقال ولو شاء الله لجعلهم أمة واحدة أي على دين واحد كقوله لجمعهم على الهدى الأنعام 35 ولكن يدخل من يشاء في رحمته أي في دينه والظالمون وهم الكافرون مالهم من ولي يدفع عنهم العذاب ولا نصير يمنعهم منه أم اتخذوا من دونه اي بل اتخذ الكافرون من دون الله أولياء يعني آلهة يتولونهم فالله هو الولي أي ولي أوليائه فليتخذوه وليا دون الآلهة وقال ابن عباس وليك يا محمد وولي من اتبعك
وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله ذلكم الله ربي عليه توكلت وإليه أنيب فاطر السموات والأرض جعل لكم من أنفسكم أزواجا ومن الأنعمام أزواجا يذرؤكم فيه ليس

كمثله شيء وهو السميع البصير له مقاليد السموات والأرض يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه بكل شيء عليم شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب وما تفرقوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم ولولا كلمة سبقت من ربك إلى أجل مسمى لقضي بينهم وإن الذين أورثوا الكتاب من بعدهم لفي شك منه مريب
قوله تعالى وما اختلفتم فيه من شيء أي من أمر الدين وقيل بل هو عام فحكمه إلى الله فيه قولان أحدهما علمه عند الله والثاني هو يحكم فيه قال مقاتل وذلك أن أهل مكة كفر بعضهم بالقرآن وآمن بعضهم فقال الله أنا الذي أحكم فيه ذلكم الله الذي يحكم بين المختلفين هو ربي عليه توكلت في مهماتي وإليه أنيب أي أرجع في المعاد
فاطر السموات قد سبق بيانه الأنعام 14 جعل لكم من أنفسكم أي من مثل خلقكم أزواجا نساء ومن الأنعام أزواجا أصنافا ذكورا وإناثا والمعنى أنه خلق لكم الذكر والأنثى من الحيوان كله يذرؤكم فيها ثلاثة أقوال أحدها يخلقكم قاله السدي والثاني يعيشكم قاله مقاتل والثالث يكثركم قاله الفراء وفي قوله فيه قولان
أحدهما أنها على أصلها قاله الأكثرون فعلى هذا في هاء الكناية ثلاثة أقوال

أحدها أنها ترجع إلى بطون الإناث وقد تقدم ذكر الأزواج قاله زيد بن أسلم فعلى هذا يكون المعنى يخلقكم في بطون النساء وإلى نحو هذا ذهب ابن قتيبة فقال يخلقكم في الرحم أو في الزوج وقال ابن جرير يخلقكم فيما جعل لكم من أزواجكم ويعيشكم فيما جعل لكم من الأنعام
والثاني أنها ترجع إلى الأرض قاله ابن زيد فعلى هذا يكون المعنى يذرؤكم فيما خلق من السموات والأرض
والثالث أنها ترجع إلى الجعل المذكور ثم في معنى الكلام قولان أحدهما يعيشكم فيما جعل من الأنعام قاله مقاتل والثاني يخلقكم في هذا الوجه الذي ذكر من جعل الأزواج قاله الواحدي
والقول الثاني أن فيه بمعنى به والمعنى يكثركم بما جعل لكم قاله الفراء والزجاج
قوله تعالى ليس كمثله شيء قال ابن قتيبة أي ليس كهو شيء والعرب تقيم المثل مقام النفس فتقول مثلي لا يقال له هذا أي أنا لا يقال لي هذا وقال الزجاج الكاف مؤكدة والمعنى ليس مثله شيء وما بعد هذا قد سبق بيانه الزمر 63 الرعد 26 إلى قوله شرع لكم أي بين وأوضح من الدين ما وصى به نوحا وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه تحليل الحلال وتحريم الحرام قاله قتادة والثاني تحريم الأخوات والأمهات قاله الحكم والثالث التوحيد وترك الشرك
قوله تعالى والذي أوحينا إليك أي من القرآن وشرائع الإسلام قال الزجاج المعنى وشرع الذي أوحينا إليك وشرع لكم ما وصى به إبراهيم

وموسى وعيسى وقوله أن أقيموا الدين تفسير قوله ما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى وجائز أن يكون تفسيرا لما وصى به نوحا ولقوله والذي أوحينا إليك ولقوله وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى فيكون المعنى شرع لكم ولمن قبلكم إقامة الدين وترك الفرقة وشرع الاجتماع على اتباع الرسل وقال مقاتل أن أقيموا الدين يعني التوحيد ولا تتفرقوا فيه أي لا تختلفوا كبر على المشركين أي عظم على مشركي مكة ما تدعوهم إليه يا محمد من التوحيد
قوله تعالى الله يجتبي إليه أي يصطفي من عباده لدينه من يشاء ويهدي إلى دينه من ينيب أي يرجع إلى طاعته
ثم ذكر افتراقهم بعد أن أوصاه بترك الفرقة فقال وما تفرقوا يعني أهل الكتاب إلا من بعد ما جاءهم العلم فيه ثلاثة أقوال
أحدها من بعد كثرة علمهم للبغي والثاني من بعد أن علموا أن الفرقة ضلال والثالث من بعد ما جاءهم القرآن بغيا منهم على محمد صلى الله عليه و سلم

ولولا كلمة سبقت من ربك في تأخير المكذبين من هذه الأمة إلى يوم القيامة لقضي بينهم بانزال العذاب على المكذبين وإن الذين أورثوا الكتاب يعني اليهود والنصارى من بعدهم أي من بعد أنبيائهم لفي شك منه أي من محمد صلى الله عليه و سلم
فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتبع أهوائهم وقل آمنت بما أنزل الله من كتاب وأمرت لأعدل بينكم الله ربنا وربكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجة بيننا وبينكم الله يجمع بيننا وإليه المصير والذين يحاجون في الله من بعد ما استجيب له حجتهم داحضة عند ربهم وعليهم غضب ولهم عذاب شديد
قوله تعالى فلذلك فادع قال الفراء المعنى فالى ذلك تقول دعوت إلى فلان ودعوت لفلان وذلك بمعنى هذا وللمفسرين
قولان أحدهما أنه القرآن قاله ابن السائب والثاني أنه التوحيد قاله مقاتل

قوله تعالى ولا تتبع أهواءهم يعني أهل الكتاب لأنهم دعوه إلى دينهم
قوله تعالى وأمرت لأعدل بينكم قال بعض النحويين المعنى أمرت كي أعدل وقال غيره المعنى أمرت بالعدل وتقع أمرت على أن وعلى كي وعلى اللام يقال أمرت أن أعدل وكي أعدل ولأعدل
ثم في ما أمر أن يعدل فيه قولان أحدهما في الأحكام إذا ترافعوا إليه والثاني في تبليغ الرسالة
قوله تعالى الله ربنا وربكم أي هو آلهنا وإن اختلفنا فهو يجازينا بأعمالنا فذلك قوله لنا أعمالنا أي جزاؤها
لا حجة بيننا وبينكم قال مجاهد لا خصومة بيننا وبينكم فصل
وفي هذه الآية قولان
أحدهما أنها اقتضت الاقتصار على الإنذار وذلك قبل القتال ثم نزلت آية السيف فنسختها قاله الأكثرون
والثاني أن معناها إن الكلام بعد ظهور الحجج والبراهين قد سقط بيننا فعلى هذا هي محكمة حكاه شيخنا علي بن عبيد الله عن طائفة من المفسرين
قوله تعالى والذين يحاجون في الله أي يخاصمون في دينه قال قتادة هم اليهود قالوا كتابنا قبل كتابكم ونبينا قبل نبيكم فنحن خير منكم وعلى قول مجاهد هم المشركون طمعوا أن تعود الجاهلية

قوله تعالى من بعد ما استجيب له أي من بعد إجابة الناس إلى الإسلام حجتهم داحضة أي خصومتهم باطلة
الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان وما يدريك لعل الساعة قريب يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها والذين آمنوا مشفقون منها ويعلمون أنها الحق ألا إن الذين يمارون في الساعة لفي ضلال بعيد الله لطيف بعباده يرزق من يشاء وهو القوي العزيز من كان يريد حرث الآخرة نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من نصيب
قوله تعالى الله الذي أنزل الكتاب يعني القرآن بالحق أي لم ينزله لغير شيء والميزان فيه قولان أحدهما أنه العدل قاله ابن عباس وقتادة والجمهور والثاني أنه الذي يوزن به حكي عن مجاهد ومعنى إنزاله إلهام الخلق أن يعملوا به وأمر الله عز و جل إياهم بالإنصاف وسمي العدل ميزانا لأن الميزان آلة الإنصاف والتسوية بين الخلق وتمام الآية مشروح في الأحزاب 63
قوله تعالى يستعجل بها الذين لا يؤمنون بها لأنهم لا يخافون ما فيها إذ لم يؤمنوا بكونها فهم يطلبون قيامها استبعادا واستهزاء والذين آمنوا مشفقون أي خائفون منها لأنهم يعلمون أنهم محاسبون ومجزيون ولا يدرون ما يكون منهم ويعلمون أنها الحق أي أنها كائنة لا محالة ألا إن الذين يمارون في الساعة أي يخاصمون في كونها لفي ضلال بعيد حين لم يتفكروا فيعلموا قدرة الله على إقامتها

الله لطيف بعباده قد شرحنا معنى اسمه اللطيف في الأنعام 103 وفي عبادة هاهنا قولان أحدهما أنهم المؤمنون والثاني أنه عام في الكل ولطفه بالفاجر أنه لا يهلكه
يرزق من يشاء أي يوسع له الرزق
قوله تعالى من كان يريد حرث الآخرة قال ابن قتيبة أي عمل الآخرة يقال فلان يحرث الدنيا أي يعمل لها ويجمع المال فالمعنى من أراد بعمله الآخرة نزد له في حرثه أي نضاعف له الحسنات
قال المفسرون من أراد العمل لله بما يرضيه أعانه الله على عبادته ومن أراد الدنيا مؤثرا لها على الآخرة لأنه غير مؤمن بالآخرة يؤته منها وهو الذي قسم له وما له في الآخرة من نصيب لأنه كافر بها لم يعمل لها فصل
اتفق العلماء على أن أول هذه الآية إلى حرثه محكم واختلفوا في باقيها على قولين

أحدهما أنه مسنوخ بقوله عجلنا له فيها ما نشاء لمن نريد الإسراء 18 وهذا قول جماعة منهم مقاتل
والثاني أن الآيتين محكمتان متفقتان في المعنى لأنه لم يقل في هذه الآية نؤته مراده فعلم أنه إنما يؤتيه الله ما أراد وهذا موافق لقوله لمن نريد ويحقق هذا أن لفظ الآيتين لفظ الخبر ومعناهما معنى الخبر وذلك لا يدخله النسخ وهذا مذهب جماعة منهم قتادة
أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل لقضي بينهم وإن الظالمين لهم عذاب أليم ترى الظالمين مشفقين مما كسبوا وهو واقع بهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤن عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير ذلك الذي يبشر الله عباده الذين آمنوا وعملوا الصالحات قل لا أسألكم عليه أجرا إلا المودة في القربى ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا إن الله غفور شكور أم يقولون افترى على الله كذبا فإن يشأ الله يختم على قلبك ويمح الله الباطل ويحق الحق بكلماته إنه عليم بذات الصدور
قوله تعالى أم لهم شركاء يعني كفار مكة والمعنى ألهم آلهة شرعوا أي ابتدعوا لهم دينا لم يأذن به الله ولولا كلمة الفصل

وهي القضاء السابق بأن الجزاء يكون في القيامة لقضي بينهم في الدنيا بنزول العذاب على المكذبين والظالمون في هذه الآية والتي تليها يراد بهم المشركون والاشفاق الخوف والذي كسبوا هو الكفر والتكذيب وهو واقع بهم يعني جزاؤه وما بعد هذا ظاهر إلى قوله ذلك يعني ما تقدم ذكره من الجنات الذي يبشر الله عباده قال أبو سلمان الدمشقي ذلك بمعنى هذا الذي أخبرتكم به بشرى يبشر الله بها عباده وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي يبشر بفتح الياء وسكون الباء وضم الشين
قوله تعالى قل لا أسألكم عليه أجرا في سبب نزول هذه الآية ثلاثة أقوال
أحدها أن المشركين كانوا يؤذون رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة فنزلت هذه الآية رواه الضحاك عن ابن عباس
والثاني أنه لما قدم المدينة كانت تنوبه نوائب وليس في يده سعة فقال الأنصار إن هذا الرجل قد هداكم الله به وليس في يده سعة فاجمعوا له من أموالكم مالا يضركم ففعلوا ثم أتوه به فنزفت هذه الآية وهذا مروي عن ابن عباس أيضا
والثالث أن المشركين اجتمعوا في مجمع لهم فقال بعضهم لبعض أترون محمد يسأل على ما يتعاطاه أجرا فنزلت هذه الآية قاله قتادة

والهاء في عليه كناية عما جاء به من الهدى
وفي الاستثناء هاهنا قولان
أحدهما أنه من الجنس فعلى هذا يكون سائلا أجرا وقد أشار ابن عباس في رواية الضحاك إلى هذا المعنى ثم قال نسخت هذه بقوله قل ما سألتكم من أجر فهو لكم الآية سبأ 47 وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل
والثاني أنه استثناء من غير الأول لأن الأنبياء لا يسألون على تبليغهم أجرا وإنما المعنى لكني أذكركم المودة في القربى وقد روى هذا المعنى جماعة عن ابن عباس منهم العوفي وهذا اختيار المحققين وهو الصحيح فلا يتوجه النسخ أصلا
وفي المراد بالقربى خمسة أقوال أحدها أن معنى الكلام إلا أن تودوني لقرابتي منكم قاله ابن عباس وعكرمة ومجاهد في الأكثرين قال ابن عباس ولم يكن بطن من بطون قريش إلا ولرسول الله صلى الله عليه و سلم فيهم قرابة
والثاني إلا أن تودوا قرابتي قاله علي بن الحسين وسعيد بن جبير والسدي ثم في المراد بقرابته قولان أحدهما علي وفاطمة وولدها وقد رووه

مرفوعا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم والثاني أنهم الذين تحرم عليهم الصدقة ويقسم فيهم الخمس وهم بنو هاشم وبنو المطلب
والثالث أن المعنى إلا أن توددوا إلى الله تعالى فيما يقربكم إليه من العمل الصالح قاله الحسن وقتادة
والرابع إلا أن تودوني كما تودون قرابتكم قاله ابن زيد
والخامس إلا أن تودوا قرابتكم وتصلوا أرحامكم حكاه الماوردي والأول أصح
قوله تعالى ومن يقترف أي من يكتسب حسنة نزد له فيها حسنا أي نضاعفها بالواحدة عشرا فصاعدا وقرأ ابن السميفع وابن يعمر والجحدري يزد له بالياء إن الله غفور للذنوب شكور للقليل حتى يضاعفه
أم يقولون أي بل يقول كفار مكة افترى على الله كذبا حين زعم أن القرآن من عند الله فان يشأ الله يختم على قلبك فيه قولان

أحدهما يختم على قلبك فينسيك القرآن قاله قتادة
والثاني يربط على قلبك بالصبر على أذاهم فلا يشق عليك قولهم إنك مفتر قاله مقاتل والزجاج
قوله تعالى ويمح الله الباطل قال الفراء ليس بمردود على يختم فيكون جزما وإنما هو مستأنف ومثله مما حذفت منه الواو ويدع الإنسان بالشر الاسراء 11 وقال الكسائي فيه تقديم وتأخير تقديره والله يمحو الباطل وقال الزجاج الوقف عليها ويمحوا بواو وألف والمعنى والله يمحو الباطل على كل حال غير أنها كتبت في المصاحف بغير واو لأن الواو تسقط في اللفظ لالتقاء الساكنين فكتبت على الوصل ولفظ الواو ثابت والمعنى ويمحو الله الشرك ويحق الحق بما أنزله من كتابه على لسان نبيه صلى الله عليه و سلم وهو الذي يقبل التوبة عن عبادة ويعفوا عن السيآت ويعلم ما تفعلون ويستجيب الذين آمنوا وعملوا الصالحات ويزيدهم من فضله والكافرون لهم عذاب شديد ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير
قوله تعالى وهو الذي يقبل التوبة عن عباده قد ذكرناه في براءة 104
قوله تعالى ويعلم ما تفعلون أي من خير وشر قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم بالتاء وقرأ الباقون بالياء على الإخبار عن المشركين والتهديد لهم
ويستجيب بمعنى يجيب وفيه قولان

أحدهما أن الفعل فيه لله والمعنى يجيبهم إذا سألوه وقد روى قتادة عن أبي إبراهيم اللخمي ويستجيب الذين آمنوا قال يشفعون في إخوانهم ويزيدهم من فضله قال يشفعون في إخوان إخوانهم
والثاني أنه للمؤمنين فالمعنى يجيبونه والأول أصح
قوله تعالى ولو بسط الله الرزق لعباده قال خباب بن الأرت فينا نزلت هذه الآية وذلك أنا نظرنا إلى أموال بني قريظة والنضير فتمنيناها فنزلت هذه الآية ومعنى الآية لو أوسع الله الرزق لعباده لبطروا وعصوا وبغى بعضهم على بعض ولكن ينزل بقدر ما يشاء أي ينزل أمره بتقدير ما يشاء مما يصلح أمورهم ولا يطغيهم إنه بعباده خبير بصير فمنهم من لا يصلحه إلا الغنى ومنهم من لا يصلحه إلا الفقر

وهو الذي ينزل الغيث من بعد ما قنطوا وينشر رحمته وهو الولي الحميد ومن آياته خلق السموات والأرض وما بث فيهما من دابة وهو على جمعهم إذا يشاء قدير وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيدكم ويعفوا عن كثير وما أنتم بمعجزين في الأرض وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير
وهو الذي ينزل الغيث يعني المطر وقت الحاجة من بعد ما قنطوا أي يئسوا وذلك أدعى لهم إلى شكر منزله وينشر رحمته في الرحمة هاهنا قولان أحدهما المطر قاله مقاتل والثاني الشمس بعد المطر حكاه أبو سليمان الدمشقي وقد ذكرنا الولي في سورة النساء 45 والحميد في البقرة 267
قوله تعالى وما أصابكم من مصيبة وهو ما يلحق المؤمن من مكروه فبما كسبت أيديكم من المعاصي وقرأ نافع وابن عامر بما كسبت أيديكم بغير فاء وكذلك هي في مصاحف أهل المدينة والشام ويعفوا عن كثير من السيئات فلا يعاقب بها وقيل لأبي سليمان الداراني ما بال العقلاء أزالوا اللوم عمن أساء إليهم قال إنهم علموا أن الله تعالى إنما ابتلاهم بذنوبهم وقرأ هذه الآية
قوله تعالى وما أنتم بمعجزين في الأرض إن أراد الله عقوبتكم وهذا يدخل فيه الكفار والعصاة كلهم ومن آياته الجوار في البحر كالأعلام إن يشأ يسكن الريح فيظللن رواكد على ظهره إن في ذلك لآيات لكل

صبار شكور أو يوبقهن بما كسبوا ويعف عن كثير ويعلم الذين يجادلون في آياتنا مالهم من محيص فما أوتيتم من شيء فمتاع الحياة الدنيا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ربهم يتوكلون
قوله تعالى ومن آياته الجواري في البحر والمراد بالجوار السفن قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو الجواري بياء في الوصل إلا أن ابن كثير يقف أيضا بياء وأبو عمرو بغير ياء ويعقوب يوافق ابن كثير والباقون بغير ياء في الوصل والوقف قال أبو علي والقياس ما ذهب إليه ابن كثير ومن حذف فقد كثر حذف مثل هذا في كلامهم كالأعلام قال ابن قتيبة كالجبال واحدها علم وروي عن الخليل بن أحمد أنه قال كل شيء مرتفع عند العرب فهو علم
قوله تعالى إن يشأ يسكن الريح التي تجريها فيظللن يعني الجواري رواكد على ظهره أي سواكن على ظهر البحر لا يجرين
أو يوبقهن أي يهلكهن ويغرقهن والمراد أهل السفن ولذلك قال بما كسبوا أي من الذنوب ويعف عن كثير من ذنوبهم فينجيهم من الهلاك
ويعلم الذين يجادلون قرأ نافع وابن عامر ويعلم بالرفع على الاستئناف وقطعه من الأول وقرأ الباقون بالنصب قال الفراء هو مردود على الجزم إلا أنه صرف والجزم إذا صرف عنه معطوفه نصب
وللمفسرين في معنى الآية قولان

أحدهما ويعلم الذين يخاصمون في آيات الله حين يؤخذون بالغرق أنه لا ملجأ لهم
والثاني أنهم يعلمون بعد البعث أنه لا مهرب لهم من العذاب
قوله تعالى فما أوتيتم من شيء أي ما أعطيتم من الدنيا فهو متاع تتمتعون به ثم يزول سريعا وما عند الله خير وأبقى للذين آمنوا لا للكافرين لأنه إنما أعد لهم في الآخرة العذاب
والذين يجتنبون كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون وجزاؤا سيئة سيئة مثلها فمن عفا وأصلح فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين ولمن انتصر بعد ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل إنما السبيل على الذين يظلمون الناس ويبغون في الأرض بغير الحق أولئك لهم عذاب أليم ولمن صبر وغفر إن ذلك لمن عزم الأمور
قوله تعالى والذين يجتنبون كبائر الإثم وقرأ حمزة والكسائي كبير الإثم على التوحيد من غير ألف والباقون بألف وقد شرحنا الكبائر في سورة النساء 31 وفي المراد بالفواحش هاهنا قولان أحدهما الزنا والثاني موجبات الحدود
قوله تعالى وإذا ما غضبوا هم يغفرون أي يعفون عمن ظلمهم

طلبا لثواب الله تعالى
والذين استجابوا لربهم أي أجابوه فيما دعاهم إليه
وأمرهم شورى بينهم قال ابن قتيبة أي يتشاورون فيه بينهم وقال الزجاج المعنى أنهم لا ينفردون برأي حتى يجتمعوا عليه
قوله تعالى والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون اختلفوا في هذا البغي على ثلاثة أقوال
أحدها أنه بغي الكفار على المسلمين قال عطاء هم المؤمنون الذين أخرجهم الكفار من مكة وبغوا عليهم ثم مكنهم الله منهم فانتصروا وقال زيد بن اسلم كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فرقتين بمكة فرقة كانت تؤذى فتعفو عن المشركين وفرقة كانت تؤذى فتنتصر فأثنى الله عز و جل عليهم جميعا فقال في الذين لم ينتصروا وإذا ما غضبوا هم يغفرون وقال في المنتصرين وإذا أصابهم البغي هم ينتصرون أي من المشركين وقال ابن زيد ذكر المهاجرين وكانوا صنفين صنفا عفا وصنفا انتصر فقال وإذا ما غضبوا هم يغفرون فبدأ بهم وقال في المنتصرين والذين إذا أصابهم

البغي هم ينتصرون أي من المشركين وقال والذين استجابوا لربهم إلى قوله ينفقون وهم الانصار ثم ذكر الصنف الثالث فقال
والذين إذا أصابهم البغي هم ينتصرون من المشركين
والثاني أنه بغي المسلمين على المسلمين خاصة
والثالث أنه عام في جميع البغاة سواء كانوا مسلمين أو كافرين فصل
واختلف في هذه الآية علماء الناسخ والمنسوخ فذهب بعض القائلين بأنها في المشركين إلى أنها منسوخة بآية السيف فكانهم يشيرون إلى أنها أثبتت الانتصار بعد بغي المشركين فلما جاز لنا أن نبدأهم بالقتال دل على أنها منسوخة وللقائلين بأنها في المسليمن قولان
أحدهما أنها منسوخة بقوله ولمن صبر وغفر الشورى 43 فكأنها نبهت على مدح المنتصر ثم أعلمنا أن الصبر والغفران أمدح فبان وجه النسخ
والثاني أنها محكمة لأن الصبر والغفران فضيلة والانتصار مباح فعلى هذا تكون محكمة وهو الأصح
فان قيل كيف الجمع بين هذه الآية وظاهرها مدح المنتصر وبين آيات الحث على العفو فعنه ثلاثة أجوبة
أحدها أنه انتصار المسلمين من الكافرين وتلك رتبة الجهاد كما ذكرنا عن عطاء

والثاني أن المنتصر لم يخرج عن فعل أبيح له وإن كان العفو أفضل ومن لم يخرج من الشرع بفعله حسن مدحه قال ابن زيد جعل الله المؤمنين صنفين صنف يعفو فبدأ بذكره وصنف ينتصر
والثالث أنه إذا بغي على المؤمن فاسق فلأن له اجتراء الفساق عليه وليس للمؤمن أن يذل نفسه فينبغي له أن يكسر شوكة العصاة لتكون العزة لأهل الدين قال إبراهيم النخعي كانوا يكرهون للمؤمنين أن يذلوا أنفسهم فيجترئ عليهم الفساق فاذا قدروا عفوا وقال القاضي أبو يعلى هذه الآية محمولة على من تعدى وأصر على ذلك وآيات العفو محمولة على أن يكون الجاني نادما
قوله تعالى وجزاء سيئة سيئة مثلها قال مجاهد والسدي هو جواب القبيح إذا قال له كلمة اجابة بمثلها من غير أن يعتدي وقال مقاتل هذا في القصاص في الجراحات والدماء
فمن عفا فلم يقتص وأصلح العمل فأجره على الله إنه لا يحب الظالمين يعني من بدأ بالظلم وإنما سمى المجازاة سيئة لما بينا عند قوله فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه البقرة 194 قال الحسن إذا كان يوم القيامة نادى مناد ليقم من كان أجره على الله فلا يقوم إلا من عفا
ولمن انتصر بعد ظلمه أي بعد ظلم الظالم إياه والمصدر هاهنا مضاف إلى المفعول ونظيره من دعاء الخير فصلت 49 و وبسؤال نعجتك ص 24 فأولئك يعني المنتصرين ما عليهم من سبيل أي من طريق إلى لوم ولا حد إنما السبيل على الذين يظلمون الناس أي يبتدؤون بالظلم ويبغون في الأرض بغير الحق أي يعملون فيها بالمعاصي

قوله تعالى ولمن صبر فلم ينتصر وغفر إن ذلك الصبر والتجاوز لمن عزم الأمور وقد شرحناه في آل عمران 186
ومن يضلل الله فما له من ولي من بعده وترى الظالمين لما رأوا العذاب يقولون هل إلى مرد من سبيل وتراهم يعرضون عليها خاشعين من الذل ينظرون من طرف خفي وقال الذين آمنوا إن الخاسرين الذين خسروا أنفسهم وأهليهم يوم القيامة ألا إن الظالمين في عذاب مقيم وما كان لهم من أولياء ينصرونهم من دون الله ومن يضلل الله فما له من سبيل
قوله تعالى ومن يضلل الله فما له من ولي أي من أحد يلي هدايته بعد إضلال الله إياه
وترى الظالمين يعني المشركين لما رأوا العذاب في الآخرة يسألون الرجعة إلى الدنيا يقولون هل إلى مرد من سبيل
وتراهم يعرضون عليها أي على النار خاشعين أي خاضعين متواضعين من الذل ينظرون من طرف خفي وفيه أربعة أقوال
أحدها من طرف ذليل رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقال الأخفش ينظرون من عين ضعيفة وقال غيره من بمعنى الباء
والثاني يسارقون النظر قاله قتادة والسدي
والثالث ينظرون ببعض العين قاله أبو عبيدة
والرابع أنهم ينظرون إلى النار بقلوبهم لأنهم قد حشروا عميا فلم يروها بأعينهم حكاه الفراء والزجاج وما بعد هذا قد سبق بيانه الأنعام 12 هود 39 إلى قوله ينصرونهم من دون الله أي يمنعونهم من عذاب الله

إستجيبوا لربكم من قبل أن يأتي يوم لا مرد له من الله مالكم من ملجأ يومئذ وما لكم من نكير فان أعرضوا فما أرسلناك عليهم حفيظا إن عليك إلا البلاغ وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم فان الإنسان كفور لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثا ويهب لمن يشاء الذكور أو يزوجهم ذكرانا وإناثا ويجعل من يشاء عقيما إنه عليم قدير
قوله تعالى استجيبوا لربكم أي أجيبوه فقد دعاكم برسوله من قبل أن يأتي يوم وهو يوم القيامة لا مرد له من الله أي لا يقدر أحد على رده ودفعه مالكم من ملجأ تلجؤون إليه وما لكم من نكير قال مجاهد من ناصر ينصركم وقال غيره من قدرة على تغيير ما نزل بكم
فإن أعرضوا عن الإجابة فما أرسلناك عليهم حفيظا لحفظ أعمالهم إن عليك إلا البلاغ أي ما عليك إلا أن تبلغهم وهذا عند المفسرون منسوخ بآية السيف
قوله تعالى وإنا إذا أذقنا الإنسان منا رحمة فرح بها قال المفسرون

المراد به الكافر والرحمة الغنى والصحة والمطر ونحو ذلك والسيئة المرض والفقر والقحط ونحو ذلك والإنسان هاهنا اسم جنس فلذلك قال وإن تصبهم سيئة بما قدمت أيديهم أي بما سلف من مخالفتهم فان الإنسان كفور بما سلف من النعم
لله ملك السموات والأرض أي له التصرف فيها بما يريد يهب لمن يشاء إناثا يعني البنات ليس فيهن ذكر كما وهب للوط صلى الله عليه و سلم فلم يولد له إلا البنات ويهب لمن يشاء الذكور يعني البنين ليس معهم أنثى كما وهب لإبراهيم عليه الصلاة و السلام فلم يولد له إلى الذكور
أو يزوجهم يعني الإناث والذكور قال الزجاج ومعنى يزوجهم يقرنهم وكل شيئين يقترن أحدهما بالآخر فهما زوجان ويقال لكل واحد منهما زوج تقول عندي زوجان من الخفاف يعني اثنين
وفي معنى الكلام للمفسرين قولان أحدهما أنه وضع المرأة غلاما ثم جارية ثم غلاما ثم جارية قاله مجاهد والجمهور والثاني أنه وضع المرأة جارية وغلاما توأمين قاله ابن الحنفية قالوا وذلك كما جمع لمحمد صلى الله عليه و سلم فانه وهب له بنين وبنات ويجعل من يشاء عقيما لا يولد له كيحيى بن زكريا عليهما السلام وهذه الأقسام موجودة في سائر الناس وإنما ذكروا الأنبياء تمثيلا
وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء إنه علي حكيم وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا ما كنت تدري ما الكتاب ولا الإيمان ولكن جعلناه نورا نهدي به من نشاء من عبادنا

وإنك لتهدي إلى صراط مستقيم صراط الله الذي له ما في السموات وما في الأرض ألا إلى الله تصير الأمور
قوله تعالى وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا قال المفسرون سبب نزولها أن اليهود قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم ألا تكلم الله وتنظر إليه إن كنت نبيا صادقا كما كلمه موسى ونظر إليه فقال لهم لم ينظر موسى إلى الله ونزلت هذه الآية والمراد بالوحي هاهنا الوحي في المنام
أو من وراء حجاب كما كلم موسى
أو يرسل قرأ نافع وابن عامر يرسل بالرفع فيوحي بسكون الياء وقرأ الباقون يرسل بنصب اللام فيوحي بتحريك الياء والمعنى أو يرسل رسولا كجبرائيل فيوحي ذلك الرسول إلى المرسل إليه باذنه ما يشاء قال مكي بن أبي طالب من قرأ أو يرسل بالنصب عطفه على معنى قوله إلا وحيا لأنه بمعنى إلا أن يوحي

ومن قرأ بالرفع فعلى الابتداء كأنه قال أو هو يرسل قال القاضي أبو يعلى وهذه الآية محمولة على أنه لا يكلم بشرا إلا من وراء حجاب في دار الدنيا
قوله تعالى وكذلك أي وكما أوحينا إلى الرسل أوحينا إليك وقيل الواو عطف على أول السورة فالمعنى كذلك نوحي إليك وإلى الذين من قبلك
وكذلك أوحينا إليك روحا من أمرنا قال ابن عباس هو القرآن وقال مقاتل وحيا بأمرنا
قوله تعالى ما كنت تدري ما الكتاب وذلك أنه لم يكن يعرف القرآن قبل الوحي ولا الإيمان فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه بمعنى الدعوة إلى الإيمان قاله أبو العالية
والثاني أن المراد به شرائع الإيمان ومعالمه وهي كلها إيمان وقد سمى الصلاة إيمانا بقوله وما كان الله ليضيع إيمانكم البقرة 143 هذا اختيار ابن قتيبة ومحمد بن إسحاق بن خزيمة
والثالث أنه ما كان يعرف الإيمان حين كان في المهد وإذ كان طفلا قبل البلوغ حكاه الواحدي والقول ما اختاره ابن قتيبة وابن خزيمة وقد اشتهر في الحديث عنه عليه السلام أنه كان قبل النبوة يوحد الله ويبغض اللات والعزى ويحج ويعتمر ويتبع شريعة إبراهيم عليه السلام قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله من زعم أن النبي صلى الله عليه و سلم كان على دين قومه فهو قول سوء أليس كان لا يأكل ما ذبح على النصب وقال ابن قتيبة قد جاء في الحديث

أنه كان على دين قومه أربعين سنة ومعناه أن العرب لم يزالوا على بقايا من دين إسماعيل من ذلك حج البيت والختان وإيقاع الطلاق إذا كان ثلاثا وأن للزوج الرجعة في الواحدة والاثنتين ودية النفس مائة من الإبل والغسل من الجنابة وتحريم ذوات المحارم بالقرابة والصهر وكان عليه الصلاة و السلام على ما كانوا عليه من الإيمان بالله والعمل بشرائعهم في الختان والغسل والحج وكان لا يقرب الأوثان ويعيبها وكان لا يعرف شرائع الله التي شرعها لعباده على لسانه فذلك قوله ما كنت تدري ما الكتاب يعني القرآن ولا الإيمان يعني شرائع الإيمان ولم يرد الإيمان الذي هو الإقرار بالله لأن آباءه الذين ماتوا على الشرك كانوا يؤمنون بالله ويحجون له البيت مع شركهم
قوله تعالى ولكن جعلناه في هاء الكناية قولان أحدهما أنها ترجع إلى القرآن والثاني إلى الإيمان
نورا أي ضياء ودليلا على التوحيد نهدي به من نشاء من عبادنا إلى دين الحق

وإنك لتهدي أي لتدعو إلى صراط مستقيم وهو الإسلام

سورة الزخرف أو هي مكية باجماعهم
وقال مقاتل هي مكية إلا آية وهي قوله واسأل من أرسلنا الزخرف 45 بسم الله الرحمن الرحيم
حم والكتاب المبين إنا جعلناه قرآنا عربيا لعلكم تعقلون وإنه في أم الكتاب لدينا لعلي حكيم أفنضرب عنكم الذكر صفحا أن كنتم قوما مسرفين وكم أرسلنا من نبي في الأولين وما يأتيهم من نبي إلا كانوا به يستهزؤن فأهلكنا أشد منهم بطشا ومضى مثل الأولين ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض ليقولن خلقهن العزيز العليم الذي جعل لكم الأرض مهدا وجعل لكم فيها سبلا لعلكم تهتدون

قوله تعالى حم قد تقدم بيانه المؤمن
والكتاب المبين قسم بالقرآن
إنا جعلناه قال سعيد بن جبير أنزلناه وما بعد هذا تقدم بيانه النساء 82 يوسف 2 إلى قوله وإنه يعني القرآن في أم الكتاب قال الزجاج أي في أصل الكتاب وأصل كل شيء أمه والقرآن مثبت عند الله عز و جل في اللوح المحفوظ
قوله تعالى لدينا أي عندنا لعلى أي رفيع وفي معنى الحكيم قولان أحدهما محكم أي ممنوع من الباطل قاله مقاتل والثاني حاكم لأهل الإيمان بالجنة ولأهل الكفر بالنار ذكره أبو سليمان الدمشقي والمعنى إن كذبتم به يا أهل مكة فانه عندنا شريف عظيم المحل
قوله تعالى أفنضرب عنكم الذكر صفحا قال ابن قتيبة أي نمسك عنكم فلا نذكركم صفحا أي إعراضا يقال صفحت عن فلان إذا أعرضت عنه والأصل في ذلك أن توليه صفحة عنقلك قال كثير يصف امرأة ... صفوحا فما تلقاك إلا بخيلة ... فمن مل منها ذلك الوصل ملت ...
أي معرضة بوجهها يقال ضربت عن فلان كذا إذا أمسكته وأضربت عنه أن كنتم قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر أن كنتم بالنصب أي لأن كنتم قوما مسرفين وقرأ نافع وحمزة

والكسائي إن كنتم بكسر الهمزة قال الزجاج وهذا على معنى الاستقبال أي إن تكونوا مسرفين نضرب عنكم الذكر
وفي المراد بالذكر قولان
أحدهما أنه ذكر العذاب فالمعنى أفنمسك عن عذابكم ونترككم على كفركم وهذا معنى قول ابن عباس ومجاهد والسدي
والثاني أنه القرآن فالمعنى أفنمسك عن إنزال القرآن من أجل أنكم لا تؤمنون به وهو معنى قول قتادة وابن زيد
وقال قتادة مسرفين بمعنى مشركين
ثم أعلم نبيه أني قد بعثت رسلا فكذبوا فأهلكت المكذبين بالآيات التي تلي هذه
قوله تعالى أشد منهم أي من قريش بطشا أي قوة ومضى مثل الأولين أي سبق وصف عقابهم فيما أنزل عليك وقيل سبق تشبيه حال أولئك بهؤلاء في التكذيب فستقع المشابهة بينهم في الإهلاك
ثم أخبر عن جهلهم حين أقروا بأنه خالق السموات والأرض ثم عبدوا غيره بالآية التي تلي هذه ثم التي تليها مفسرة في طه 53 إلى قوله لعلكم تهتدون أي لكي تهتدوا في أسفاركم إلى مقاصدكم
والذي نزل من السماء ماء بقدر فأنشرنا به بلدة ميتا كذلك تخرجون والذي خلق الأزواج كلها وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون لتستوا على ظهوره ثم تذكروا نعمة ربكم إذا استويتم عليه وتقولوا سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين وإنا إلى ربنا لمنقلبون

قوله تعالى والذي نزل من السماء ماء بقدر قال ابن عباس يريد انه ليس كما أنزل على قوم نوح بغير قدر فأغرقهم بل هو بقدر ليكون نافعا ومعنى أنشرنا أحيينا
قوله تعالى كذلك تخرجون قرأ حمزة والكسائي وابن عامر تخرجون بفتح التاء وضم الراء والباقون بضم التاء وفتح الراء وما بعد هذا قد سبق يس 36 42 إلى قوله تعالى لتستووا على ظهوره قال أبو عبيدة هاء التذكير ل ما
ثم تذكروا نعمة ربكم إذ سخر لكم ذلك المركب في البر والبحر وما كنا له مقرنين قال ابن عباس ومجاهد أي مطيقين قال ابن قتيبة يقال أنا مقرن لك أي مطيق لك ويقال هو من قولهم أنا قرن لفلان إذا كنت مثله في الشدة فان قلت أنا قرن لفلان بفتح القاف فمعناه أن تكون مثله بالسن وقال أبو عبيدة مقرنين أي ضابطين يقال فلان مقرن لفلان أي ضابط له
قوله تعالى وإنا إلى ربنا لمنقللبون أي راجعون في الآخرة

وجعلوا له من عباده جزءا إن الإنسان لكفور مبين أم اتخذ مما يخلق بنات وأصفاكم بالبنين وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا ظل وجهه مسودا وهو كظيم أو من ينشأ في الحلية وهو في الخصام غير مبين
قوله تعالى وجعلوا له من عباده جزءا أما الجعل هاهنا فمعناه الحكم بالشيء وهم الذين زعموا أن الملائكة بنات الله والمعنى جعلوا له نصيبا من الولد قال الزجاج وأنشدني بعض أهل اللغة بيتا يدل على أن معنى جزء معنى الإناث ولا أدري البيت قديم أو مصنوع ... إن أجزأت حرة يوما فلا عجب ... قد تجزي الحرة المذكار أحيانا ...
أي آنثت ولدت أنثى
قوله تعالى إن الإنسان يعني الكافر لكفور أي جحود لنعم الله عز و جل مبين أي ظاهر الكفر
ثم أنكر عليهم فقال أم اتخذ مما يخلق بنات وهذا استفهام توبيخ وإنكار وأصفاكم أي أخلصكم بالبنين
وإذا بشر أحدهم بما ضرب للرحمن مثلا أي بما جعل لله شبها وذلك أن ولد كل شيء شبهه وجنسه والآية مفسرة في النحل 58

قوله تعالى أومن ينشأ قرأ حمزة والكسائي وخلف وحفص ينشأ بضم الياء وفتح النون وتشديد الشين وقرأ الباقون بفتح الياء وسكون النون قال المبرد تقديره أو يجعلون من ينشأ في الحلية قال أبو عبيدة الحلية الحلى
قال المفسرون والمراد بذلك البنات فانهن ربين في الحلي والخصام بمعنى المخاصمة غير مبين حجة قال قتادة قلما تتكلم امرأة بحجتها إلا تكلمت بالحجة عليها
وقال بعضهم هي الأصنام
وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسئلون وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم مالهم بذلك من علم إن هم إلا يخرصون أن آتيناهم كتابا من قبله فهم به مستمسكون بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون قال أولو جئتكم بأهدى مما وجدتم عليه آباءكم قالوا إنا بما أرسلتم به كافرون فانتقمنا منهم فانظر كيف كان عاقبة المكذبين
قوله تعالى وجعلوا الملائكة قال الزجاج الجعل هاهنا بمعنى القول والحكم على الشيء نقول قد جعلت زيدا أعلم الناس أي قد وصفته بذلك وحكمت به قال المفسرون وجعلهم الملائكة إناثا قولهم هن بنات الله

قوله تعالى الذين هم عباد الرحمن قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب وأبان عن عاصم والشيزري عن الكسائي عند الرحمن بنون من غير ألف وقرأ الباقون عباد الرحمن ومعنى هذه القراءة جعلوا له من عباده بنات والقراءة الأولى موافقة لقوله إن الذين عند ربك الأعراف 206 وإذا كانوا في السماء كان أبعد للعلم بحالهم أشهدوا خلقهم قرأ نافع والمفضل عن عاصم أأشهدوا بهمزتين الأولى مفتوحة والثانية مضمومة وروى المسيبي عن نافع أو شهدوا ممدودة من أشهدت والباقون لا يمدون
أشهدوا من شهدت أي أحضروه فعرفوا أنهم إناث وهذا توبيخ لهم إذ قالوا فيما يعلم بالمشاهدة من غير مشاهدة ستكتب شهادتهم على الملائكة أنها بنات الله وقال مقاتل لما قال الله عز و جل أشهدوا خلقهم سئلوا عن ذلك فقالوا لا فقال النبي صلى الله عليه و سلم فما يدريكم أنها إناث فقالوا سمعنا من آبائنا ونحن نشهد أنهم لم يكذبوا فقال الله ستكتب شهادتهم ويسألون عنها في الآخرة وقرأ أبو رزين ومجاهد سنكتب بنون مفتوحة شهادتهم بنصب التاء ووافقهم ابن أبي عبلة في سنكتب وقرأ شهاداتهم بألف
قوله تعالى وقالوا لو شاء الرحمن ما عبدناهم في المكني عنهم قولان أحدهما أنهم الملائكة قاله قتادة ومقاتل في آخرين والثاني الأوثان قاله مجاهد وإنما عنوا بهذا أنه لو لم يرض عبادتنا لها لعجل عقوبتنا فرد عليهم قولهم بقوله ما لهم بذلك من علم وبعض المفسرين يقول إنما أشار بقوله

مالهم بذلك من علم إلى ادعائهم أن الملائكة إناث قال ولم يتعرض لقولهم لو شاء الرحمن ما عبدناهم لأنه قول صحيح والذي اعتمدنا عليه أصح لأن هذه الآية كقوله لو شاء الله ما أشركنا الانعام 148 وقوله أنطعم من لو يشاء الله أطعمه يس 470 وقد كشفنا عن هذا المعنى هنالك ويخرصون بمعنى يكذبون وإنما كذبهم لأنهم اعتقدوا أنه رضي منهم الكفر دينا
أم آتيناهم كتابا من قبله أي من قبل هذا القرآن أي بأن يعبدوا غير الله فهم به مستمسكون يأخذون بما فيه
بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمة أي على سنة وملة ودين وإنا على آثارهم مهتدون فجعلوا أنفسهم مهتدين بمجرد تقليد الآباء من غير حجة ثم أخبر أن غيرهم قد قال هذا القول فقال وكذلك أي وكما قالوا قال مترفو القرى من قبلهم وإنا على آثارهم مقتدون بهم
قل أولو جئتكم وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم قال أولو جئتكم بألف قال أبو علي فاعل قال النذير المعنى فقال لهم النذير وقرأ أبو جعفر أولو جئناكم بألف ونون بأهدى أي بأصوب وأرشد

قال الزجاج ومعنى الكلام قل أتتبعون ما وجدتم عليه آباءكم وإن جئنكم بأهدى منه وفي هذه الآية إبطال القول بالتقليد قال مقاتل فردوا على النبي صلى الله عليه و سلم فقالوا إنا بما أرسلتم به كافرون ثم رجع إلى الأمم الخالية فقال فانتقمنا منهم الآية
وإذ قال إبراهيم لأبيه وقومه إنني برآء مما تعبدون إلا الذي فطرني فإنه سيهدين وجعلها كلمة باقية في عقبه لعلهم يرجعون بل متعت هؤلاء وآباءهم حتى جاءهم الحق ورسول مبين ولما جاءهم الحق قالوا هذا سحر وإنا به كافرون
قوله تعالى إنني براء قال الزجاج البراء بمعنى البرئ والعرب تقول للواحد أنا البراء منك وكذلك للاثنين والجماعة وللذكر والأنثى يقولون نحن البراء منك والخلاء منك لا يقولون نحن البراءان منك ولا البراءون منك وأنما المعنى أنا ذو البراء منك ونحن ذو البراء منك

كما يقال رجل عدل وامرأة عدل وقد بينا استثناء إبراهيم ربه عز و جل مما يعبدون عند قوله إلا رب العالمين الشعراء 77
قوله تعالى وجعلها يعني كلمة التوحيد وهي لا إله إلا الله كلمة باقية في عقبه أي فيمن يأتي بعده من ولده فلا يزال فيهم موحد لعلهم يرجعون إلى التوحيد كلهم إذا سمعوا أن أباهم تبرأ من الأصنام ووحد الله عز و جل
ثم ذكر نعمته على قريش فقال بل متعت هؤلاء وآباءهم والمعنى إني أجزلت لهم النعم ولم أعاجلهم بالعقوبة حتى جاءهم الحق وهو القرآن ورسول مبين وهو محمد صلى الله عليه و سلم فكان ينبغي لهم أن يقابلوا النعم بالطاعة للرسول فخالفوا
ولما جاءهم يعني قريشا في قول الأكثرين وقال قتادة هم اليهود و الحق القرآن
وقالوا لولا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أهم يقسمون رحمت ربك نحن قسمنا بينهم معيشتهم في الحياة الدنيا ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات ليتخذ بعضهم بعضا سخريا ورحمت ربك خير مما يجمعون

ولولا أن يكون الناس أمة واحدة لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة ومعارج عليها يظهرون ولبيوتهم أبوابا وسررا عليها يتكؤن وزخرفا وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا والآخرة عند ربك للمتقين
قوله تعالى وقالوا لولا أي هلا نزل هذا القرآن على رجل من القريتين عظيم أما القريتان فمكة والطائف قاله ابن عباس والجماعة وأما عظيم مكة ففيه قولان
أحدهما الوليد بن المغيرة القرشي رواه العوفي وغيره عن ابن عباس وبه قال قتادة والسدي
والثاني عتبة بن ربيعة قاله مجاهد وفي عظيم الطائف خمسة أقوال
أحدها حبيب بن عمرو بن عمير الثقفي رواه العوفي عن ابن عباس
والثاني مسعود بن عمرو بن عبيد الله رواه الضحاك عن ابن عباس
والثالث أنه أبو مسعود عروة بن مسعود الثقفي رواه ليث عن مجاهد وبه قال قتادة
والرابع أنه ابن عبد ياليل رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد
والخامس كنانة بن عبد بن عمرو بن عمير الطائفي قاله السدي

فقال الله عز و جل ردا عليهم وإنكارا أهم يقسمون رحمة ربك يعني النبوة فيضعونها حيث شاؤوا لأنهم اعترضوا على الله بما قالوا نحن قسمنا بينهم معيشتهم المعنى أنه إذا كانت الأرزاق بقدر الله لا بحول المحتال وهو دون النبوة فكيف تكون النبوة قال قتادة إنك لتلقى ضعيف الحيلة عيي اللسان قد بسط له الرزق وتلقى شديد الحيلة بسيط اللسان وهو مقتور عليه
قوله تعالى ورفعنا بعضهم فوق بعض درجات فيه قولان أحدهما بالغنى والفقر والثاني بالحرية والرق ليتخذ بعضهم بعضا سخريا وقرأ ابن السميفع وابن محيصن سخريا بكسر السين ثم فيه قولان
أحدهما يستخدم الأغنياء بأموالهم فيلتئم قوام العالم وهذا على القول الأول
والثاني ليملك بعضهم بعضا بالأموال فيتخذونهم عبيدا وهذا على الثاني

قوله تعالى ورحمة ربك فيها قولان أحدهما النبوة خير من أموالهم التي يجمعونها قاله ابن عباس والثاني الجنة خير مما يجمعون في الدنيا قاله السدي
قوله تعالى ولولا أن يكون الناس أمة واحدة فيه قولان أحدهما لولا أن يجتمعوا على الكفر قاله ابن عباس والثاني على إيثار الدنيا على الدين قاله ابن زيد
قوله تعالى لجعلنا لمن يكفر بالرحمن لبيوتهم سقفا من فضة لهوان الدنيا عندنا قال الفراء إن شئت جعلت اللام في لبيوتهم مكررة كقوله يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه البقرة 217 وإن شئت جعلتها بمعنى على كأنه قال جعلنا لهم على بيوتهم تقول للرجل جعلت لك لقومك الأعطية أي جعلتها من أجلك لهم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو سقفا على التوحيد وقرأ الباقون سقفا بضم السين والقاف جميعا
قال الزجاج والسقف واحد يدل على الجمع فالمعنى جعلنا لبيت كل واحد منهم سقفا من فضة ومعارج وهي الدرج والمعنى وجعلنا معارج

من فضة وكذلك ولبيوتهم أبوابا أي من فضة وسررا أي من فضة
قوله تعالى عليها يظهرون قال ابن قتيبة أي يعلون يقال ظهرت على البيت إذا علوت سطحه
قوله تعالى وزخرفا وهو الذهب والمعنى ويجعل لهم مع ذلك ذهبا وغنى وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا المعنى لمتاع الحياة الدنيا وما زائدة وقرأ عاصم وحمزة لما بالتشديد فجعلاه بمعنى إلا والمعنى إن ذلك يتمتع به قليلا ثم يزول والآخرة عند ربك للمتقين خاصة لهم
ومن يعش عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين وإنهم ليصدونهم عن السبيل ويحسبون أنهم مهتدون حتى إذا جاءنا قال يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم أنكم في العذاب

مشتركون أفأنت تسمع الصم أو تهدي العمي ومن كان في ضلال مبين
قوله تعالى ومن يعش فيه ثلاثة أقوال أحدها يعرض قاله الضحاك عن ابن عباس وبه قال قتادة والفراء والزجاج والثاني يعم روي عن ابن عباس أيضا وبه قال عطاء وابن زيد والثالث أنه البصر الضعيف حكاه الماوردي وقال أبوعبيدة تظلم عينه عنه وقال الفراء من قرأ يعش فمعناه يعرض ومن نصب الشين أراد يعم عنه قال ابن قتيبة لا أرى القول إلا قول أبي عبيدة ولم نر أحدا يجيز عشوت عن الشيء أعرضت عنه إنما يقال تعاشيت عن كذا أي تغافلت عنه كأني لم أره ومثله تعاميت والعرب تقول عشوت إلى النار إذا استدللت إليها ببصر ضعيف قال الحطيئة ... متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ... تجد خير نار عندها خير موقد ...
ومنه حديث ابن المسيب أن إحدى عينيه ذهبت وهو يعشو بالأخرى أي يبصر بها بصرا ضعيفا قال المفسرون ومن يعش عن ذكر الرحمن فلم يخف عقابه ولم يلتفت إلى كلامه نقيض له أي نسبب له شيطانا فنجعل ذلك جزاءه فهو له قرين لا يفارقه

وإنهم يعني الشياطين ليصدونهم يعني الكافرين أي يمنعونهم عن سبيل الهدى وإنما جمع لأن من في موضع جمع ويحسبون يعني كفار بني آدم أنهم على هدى
حتى إذا جاءنا وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم جاءنا واحد يعني الكافر وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم جاءانا بألفين على التثنية يعنون الكافر وشيطانه وجاء في التفسير أنهما يجعلان يوم البعث في سلسلة فلا يفترقان حتى يصيرهما الله إلى النار قال الكافر للشيطان يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين أي بعدما بين المشرقين وفيهما قولان
أحدهما أنهما مشرق الشمس في أقصر يوم في السنة ومشرقها في أطول يوم قاله ابن السائب ومقاتل
والثاني أنه أراد المشرق والمغرب فغلب ذكر المشرق كما قالوا سنة العمرين يريدون أبا بكر وعمر وأنشدوا من ذلك اخذنا بآفاق السماء عليكم ... لنا قمراها والنجوم الطوالع ...
يريد الشمس والقمر وأنشدوا ... فبصرةالأزد منا والعراق لنا ... والموصلان ومنا مصر والحرم ...
يريد الجزيرة والموصل وهذا اختيار الفراء والزجاج

قوله تعالى فبئس القرين أي أنت أيها الشيطان ويقول الله عز و جل يومئذ للكفار ولن ينفعكم اليوم إذ ظلمتم اي أشركتم في الدنيا أنكم في العذاب مشتركون أي لن ينفعكم الشركة في العذاب لأن لكل واحد منه الحظ الأوفر قال المبرد منعوا روح التأسي لان التأسي يسهل المصيبة وأنشد للخنساء أخت صخر بن مالك في هذا المعنى ... ولولا كثرة الباكين حولي ... على إخوانهم لقتلت نفسي ... وما يبكون مثل أخي ولكن ... أعزي النفس عنه بالتأسي ...
وقرأ ابن عامر إنكم بكسر الألف
ثم أخبر عنهم بما سبق لهم من الشقاوة بقوله أفأنت تسمع الصم الآية
فإما نذهبن بك فإنا منهم منتقمون أو نرينك الذي وعدناهم فإنا عليهم مقتدرون فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسئلون
قوله تعالى فإما نذهبن بك قال أبو عبيدة معناها فإن نذهبن وقال الزجاج دخلت ما توكيدا للشرط ودخلت النون الثقيلة في نذهبن توكيدا أيضا والمعنى إنا ننتقم منهم إن توفيت أو نرينك ما وعدناهم ووعدناك فيهم من النصر قال ابن عباس ذلك يوم بدر وذهب بعض المفسرين إلى أن قوله فاما نذهبن بك منسوخ بآية السيف ولا وجه له

قوله تعالى وإنه يعني القرآن لذكر لك أي شرف لك بما أعطاك الله ولقومك في قومه ثلاثة أقوال أحدها العرب قاطبة والثاني قريش والثالث جميع من آمن به وقد روى الضحاك عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم كان إذا سئل لمن هذا الأمر من بعدك لم يخبر بشيء حتى نزلت هذه الآية فكان بعد ذلك إذا سئل قال لقريش وهذا يدل على أن النبي صلى الله عليه و سلم فهم من هذا أنه يلي على المسلمين بحكم النبوة وشرف القرآن وأن قومه يخلفونه من بعده في الولاية لشرف القرآن الذي أنزل على رجل منهم ومذهب مجاهد أن القوم هاهنا العرب والقرآن شرف لهم إذ أنزل بلغتهم قال ابن قتيبة إنما وضع الذكر موضع الشرف لأن الشريف يذكر وفي قوله وسوف تسألون قولان أحدهما عن شكر ما أعطيتم من ذلك والثاني عما لزمكم فيه من الحقوق وسئل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون ولقد أرسلنا موسى بآياتنا إلى فرعون

وملائه فقال إني رسول رب العالمين فلما جاءهم بآياتنا إذا هم منها يضحكون وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها وأخذناهم بالعذاب لعلهم يرجعون وقالوا يا أيه الساحر ادع لنا ربك بما عهد عندك إننا لمهتدون فلما كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون ونادى فرعون في قومه قال يا قوم أليس لي ملك مصر وهذه الأنهار تجري من تحتي أفلا تبصرون أم أنا خير من هذا الذي هو مهين ولا يكاد يبين فلولا ألقي عليه أسورة من ذهب أو جاء معه الملائكة مقترنين فاستخف قومه فأطاعوه إنهم كانوا قوما فاسقين فلما آسفونا انتقمنا منهم فأغرقناهم أجمعين فجعلناهم سلفا ومثلا للآخرين
قوله تعالى واسأل من أراسلنا من قبلك من رسلنا إن قيل كيف يسأل الرسل وقد ماتوا قبله فعنه ثلاثة أجوبة
أحدها أنه لما أسري به جمع له الأنبياء فصلى بهم ثم قال له جبريل سل من أرسلنا قبلك الآية فقال لا أسأل قد اكتفيت رواه عطاء عن ابن عباس وهذا قول سعيد بن جبير والزهري وابن زيد قالوا جمع له الرسل ليلة أسري به فلقيهم وأمر أن يسألهم فما شك ولا سأل
والثاني أن المراد اسأل مؤمني أهل الكتاب من الذين أرسلت إليهم الأنبياء روي عن ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي في آخرين قال ابن الأنباري والمعنى سل أتباع من أرسلنا قبلك

كما تقول السخاء حاتم أي سخاء حاتم والشعر زهير أي شعر زهير وعند المفسرين أنه لم يسأل على القولين وقال الزجاج هذا سؤال تقرير فاذا سأل جميع الأمم لم يأتوا بان في كتبهم أن اعبدوا غيري
والثالث أن المراد بخطاب النبي صلى الله عليه و سلم خطاب أمته فيكون المعنى سلوا قاله الزجاج وما بعد هذا ظاهر إلى قوله إذ هم منها يضحكون استهزاء بها وتكذيبا وما نريهم من آية إلا هي أكبر من أختها يعني ما ترادف عليهم من الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم والطمس فكانت كل آية أكبر من التي قبلها وهي العذاب المذكور في قوله وأخذناهم بالعذاب فكانت عذابا لهم ومعجزات لموسى عليه السلام
قوله تعالى وقالوا يا أيها الساحر في خطابهم له بهذا ثلاثة أقوال
أحدها أنهم أرادوا يا أيها العالم وكان الساحر فيهم عظيما رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثاني أنهم قالوه على جهة الاستهزاء قاله الحسن
والثالث أنهم خاطبوه بما تقدم له عندهم من التسمية بالساحر قاله الزجاج
قوله تعالى إننا لمهتدون أي مؤمنون بك فدعا موسى فكشف عنهم فلم يؤمنوا وقد ذكرنا ما تركناه هاهنا في الأعراف 135
قوله تعالى تجري من تحتي أي من تحت قصوري أفلا تبصرون عظمتي وشدة ملكي

أم أنا خير قال أبو عبيدة أراد بل أنا خير وحكى الزجاج عن سيبويه والخليل أنهما قالا عطف أنا ب أم على أفلا تبصرون فكأنه قال أفلا تبصرون أم أنتم بصراء لانهم إذا قالوا أنت خير منه فقد صاروا عنده بصراء قال الزجاج والمهين القليل يقال شيء مهين أي قليل وقال مقاتل مهين بمعنى ذليل ضعيف
قوله تعالى ولا يكاد يبين أشار إلى عقدة لسانه التي كانت به ثم أذهبها الله عنه فكأنه عيره بشيء قد كان وزال ويدل على زواله قوله تعالى قد أوتيت سؤلك يا موسى طه 36 وكان في سؤاله واحلل عقدة من لساني طه 27 وقال بعض العلماء ولا يكاد يبين الحجة ولا يأتي ببيان يفهم
فلولا أي فهلا ألقي عليه أساورة من ذهب وقرأ حفص عن

عاصم أسورة بغير ألف قال الفراء واحد الأساورة إسوار وقد تكون الأساورة جمع أسورة كما يقال في جمع الأسقية الأساقي وفي جمع الأكرع الاكارع وقال الزجاج يصلح أن تكون الأساورة جمع الجمع تقول أسورة وأساورة كما تقول أقوال وأقاويل ويجوز أن تكون جمع إسوار وإنما صرفت أساورة لأنك ضممت الهاء إلى أساور فصار اسما واحدا وصار له مثال في الواحد نحو علانية
قال المفسرون إنما قال فرعون هذا لأنهم كانوا إذا سودوا الرجل منهم سوروه بسوار
أو حاء معه الملائكة مقترنين فيه قولان أحدهما متتابعين قاله قتادة والثاني يمشون معه قاله الزجاج
قوله تعالى فاستخف قومه قال الفراء استفزهم وقال غيره استخف أحلامهم وحملهم على خفة الحلم بكيده وغروره فأعطوه في تكذيب موسى
فلما آسفونا قال ابن عباس أغضبونا قال ابن قتيبة الأسف الغضب يقال آسفت آسف أسفا أي غضبت
فجعلناهم سلفا أي قوما تقدموا وقرأها أبو هريرة وسعيد بن جبير ومجاهد وحميد الأعرج سلفا بضم السين وفتح اللام كأن واحدته سلفة من الناس مثل القطعة يقال تقدمت سلفة من الناس أي قطعة منهم وقرأ حمزة والكسائي سلفا بضم السين واللام وهو

جمع سلف كما قالوا خشب وخشب وثمر وثمر ويقال هو جمع سليف وكله من التقدم وقال الزجاج السليف جمع قد مضى والمعنى جعلناهم سلفا متقدمين ليتعظ بهم الآخرون
قوله تعالى ومثلا أي عبرة وعظة
ولما ضرب ابن مريم مثلا إذا قومك منه يصدون وقالوا ءآلهتنا خير أم هو ما ضربوه لك إلا جدلا بل هم قوم خصمون إن هو إلا عبد أنعمنا عليه وجعلناه مثلا لبني إسرائيل ولو نشاء لجعلنا منكمن ملائكة في الأرض يخلفون وإنه لعلم للساعة فلا تمترن بها واتبعون هذا صراط مستقيم ولا يصدنكم الشيطان إنه لكم عدو مبين ولما جاء عيسى بالبينات قال قد جئتكم بالحكمة ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه فاتقوا الله وأطيعون إن الله هو ربي وربكم فاعبدوه هذا صراط مستقيم فاختلف الأحزاب من بينهم فويل للذين ظلموا من عذاب يوم أليم هل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة وهم لا يشعرون
قوله تعالى ولما ضرب ابن مريم مثلا أكثر المفسرين على أن هذه الآية نزلت في مجادلة ابن الزبعري رسول الله صلى الله عليه و سلم حين نزل قوله إنكم وما تعبدون من دون الله الآية الأنبياء 98 وقد شرحنا القصة في سورة الأنبياء 101 والمشركون هم الذين ضربوا عيسى مثلا لآلهتهم

وشبههوه بها لأن تلك الآية إنما تضمنت ذكر الأصنام لأنها عبدت من دون الله فألزموه عيسى وضربوه مثلا لأصنامهم لأنه معبود النصارى والمراد بقومه المشركون
فأما يصدون فقرأ ابن عامر ونافع والكسائي بضم الصاد وكسرها الباقون قال الزجاج ومعناهما جميعا يضجون ويجوز أن يكون معنى المضمومة يعرضون وقال أبو عبيدة من كسر الصاد فمجازها يضجون ومن ضمها فمجازها يعدلون
قوله تعالى وقالوا أآلهتنا خير أم هو المعنى ليست خيرا منه قال كان في النار لأنه عبد من دون الله فقد رضينا أن تكون آلهتنا بمنزلته
ما ضربوه لك إلا جدلا أ ما ذكروا عيسى إلا ليجادلوك به لأنهم قد علموا أن المراد ب حصب جهنم ما اتخذوه من الموات بل هم قوم خصمون أي أصحاب خصومات
قوله تعالى وجعلناه مثلا أي آية وعبرة لبني إسرائيل يعرفون به قدرة الله على ما يريد إذ خلقه من غير أب

ثم خاطب كفار مكة فقال ولو نشاء لجعلنا منكم فيه قولان
أحدهما أن المعنى لجعلنا بدلا منكم ملائكة ثم في معنى يخلفون ثلاثة أقوال أحدها يخلف بعضهم بعضا قاله ابن عباس والثاني يخلفونكم ليكونوا بدلا منكم قاله مجاهد والثالث يخلفون الرسل فيكونون رسلا إليكم بدلا منهم حكاه الماوردي
والقول الثاني أن المعنى ولو نشاء لجعلنا منكم ملائكة أي قلبنا الخلقة فجعلنا بعضكم ملائكة يخلفون من ذهب منكم ذكره الماوردي
قوله تعالى وإنه لعلم للساعة في هاء الكناية قولان
أحدهما أنها ترجع إلى عيسى عليه السلام ثم في معنى الكلام قولان أحدهما نزول عيسى من اشراط الساعة يعلم به قربها وهذا قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والضحاك والسدي والثاني أن إحياء عيسى الموتى دليل على الساعة وبعث الموتى قاله ابن إسحاق
والقول الثاني أنها ترجع إلى القرآن قاله الحسن وسعيد بن جبير وقرأ الجمهور لعلم بكسر العين وتسكين اللام وقرأ ابن عباس وأبو رزين وأبو عبد الرحمن وقتادة وحميد وابن محيصن بفتحهما
قال ابن قتيبة من قرأ بكسر العين فالمعنى أنه يعلم به قرب الساعة ومن فتح العين واللام فانه بمعنى العلامة والدليل

قوله تعالى فلا تمترن بها أي فلا تشكن فيها واتبعون على التوحيد هذا الذي أنا عليه صراط مستقيم
ولما جاء عيسى بالبينات قد شرحنا هذا في البقرة 87
قال قد جئتكم بالحكمة وفيها قولان أحدهما النبوة قاله عطاء والسدي والثاني الإنجيل قاله مقاتل
ولأبين لكم بعض الذي تختلفون فيه أي من أمر دينكم وقال مجاهد بعض الذي تختلفون فيه من تبديل التوراة وقال ابن جرير من أحكام التوراة وقد ذهب قوم إلى أن البعض هاهنا بمعنى الكل وقد شرحنا ذلك في حم المؤمن 28 قال الزجاج والصحيح أن البعض لا يكون في معنى الكل وإنما بين لهم عيسى بعض الذي اختلفوا فيه مما احتاجوا إليه وقد قال ابن جرير كان بينهم اختلاف في أمر دينهم ودنياهم فبين لهم أمر دينهم فقط وما بعد هذا قد سبق بيانه النساء 175 مريم 37 إلى قوله هل ينظروه يعني كفار مكة

الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين يا عباد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين أدخلوا الجنة أنتم وأزواجكم تحبرون يطاف عليهم بصحاف من ذهب وأكواب وفيها ما تشتهية الأنفس وتلذ الأعين وأنتم فيها خالدون وتلك الجنة التي أورثتموها بما كمتم تعملون لكم فيها فاكهة كثيرة منها تأكلون
قوله تعالى الأخلاء أي في الدنيا يومئذ أي في القيامة بعضهم لبعض عدو لأن الخلة إذا كانت في الكفر والمعصية صارت عداوة يوم القيامة وقال مقاتل نزلت في امية بن خلف وعقبة بن أبي معيط إلا المتقين يعني الموحدين فاذا وقع الخوف يوم القيامة نادى مناد يا عابد لا خوف عليكم اليوم ولا أنتم تحزنون فيرفع الخلائق رؤوسهم فيقول الذين آمنوا بآياتنا وكانوا مسلمين فينكس الكفار رؤوسهم

قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم يا عبادي باثبات الياء في الحالين وإسكانها وحذفها في الحالين ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص والمفضل عن عاصم وخلف
وفي أزواجهم قولان أحدهما زوجاتهم والثاني قرناؤهم
وقد سبق معنى تحبرون الروم 15
قوله تعالى يطاف عليهم بصحاف قال الزجاج واحدها صحفة وهي القصعة والأكواب واحدها كوب وهو إناء مستدير لا عروة له قال الفراء الكوب الكوز المستدير الرأس الذي لا أذن له وقال عدي ... متكئا تصفق أبوابه ... يسعى عليه العبد بالكوب ...
وقال ابن قتيبة الأكواب الأباريق التي لا عرى لها وقال شيخنا أبو منصور اللغوي وإنما كانت بغير عرى ليشرب الشارب من أين شاء لأن العروة ترد الشارب من بعض الجهات
قوله تعالى وفيها ما تشتهي الأنفس وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم تشتهية بزيادة ها وحذف الهاء كاثباتها في المعنى
قوله تعالى وتلذ الأعين يقال لذذت الشيء واستلذذته والمعنى ما من شيء اشتهته نفس أو استلذته عين إلا وهو في الجنة وقد جمع الله تعالى جميع نعيم الجنة في هذين الوصفين فانه ما من نعمة إلا وهي نصيب النفس أو العين وتمام النعيم الخلود لأنه لو انقطع لم تطب

وتلك الجنة يعني التي ذكرها في قوله ادخلوا الجنة التي أورثتموها قد شرحنا هذا في الأعراف 43 عند قوله أورثتموها
إن المجرمين في عذاب جهنم خالدين لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون وما ظلمناهم ولكن كانوا هم الظالمين ونادوا يا مالك ليقض علينا ربك قال إنكم ما كثون لقد جئناكم بالحق ولكن أكثركم للحق كارهون ام أبرموا أمرا فانا مبرمون أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم ونجواهم بلى ورسلنا لديهم يكتبون قل إن كان للرحمن ولد فأنا أول العابدين سبحان رب السموات والأرض رب العرش عما يصفون فذرهم يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون
قوله تعالى إن المجرمين يعني الكافرين لا يفتر أي لا يخفف عنهم وهم فيه يعني في العذاب مبلسون قال ابن قتيبة آيسون من رحمة الله وقد شرحنا هذا في الأنعام 44 وما ظلمناهم أي ما عذبناهم على غير ذنب ولكن كانوا هم الظالمين لأنفسهم بما جنوا عليها قال الزجاج والبصريون يقولون هم هاهنا فصل كذلك يسمونها ويسميها الكوفيون العماد
قوله تعالى ونادوا يا مالك وقرأ علي بن أبي طالب رضى الله عنه وابن مسعود وابن يعمر يا مال بغير كاف مع كسر اللام قال الزجاج وهذا يسميه النحويون الترخيم ولكني أكرهها لمخالفة المصحف
قال المفسرون يدعون مالكا خازن النار فيقولون ليقض علينا ربك

أي ليمتنا والمعنى أهم توسلوا به ليسأل اله تعالى لهم الموت فيستريحوا من العذاب فيسكت عن جوابهم مدة فيها أربعة أقوال أحدها أربعون عاما قاله عبد الله بن عمرو ومقاتل والثاني ثلاثون سنة قاله أنس والثالث ألف سنة قاهل ابن عباس والرابع مائة سنة قاله كعب
وفي سكوته عن جوابهم هذه المدة قولان أحدهما أنه سكت حتى أوحى الله إليه أن أجبهم قاله مقاتل والثاني لأن بعد ما بين النداء والجواب أخزى لهم وأذل
قال الماوردي فرد عليهم مالك فقال إنكم ماكثون أي مقيمون في العذاب لقد جئناكم بالحق أي أرسلنا رسلنا بالتوحيد ولكن أكثركم قال ابن عباس يريد كلكم كارهون لما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم
قوله تعالى أم ابرموا أمرا في أم قولان أحدهما أنها للاستفهام والثاني بمعنى بل والإبرام الإحكام وفي هذا الأمر ثلاثة أقوال
أحدها المكر برسول الله صلى الله عليه و سلم ليقتلوه أو يخرجوه حين اجتمعوا في دار الندوة وقد سبق بيان القصة الأنفال 30 قاله الأكثرون
والثاني أنه إحكام أمرهم في تكذيبهم قاله قتادة
والثالث أنه إبرام أمرهم ينجيهم من العذاب قاله الفراء

فانا مبرمون أي محكمون أمرا في مجازاتهم
أم يحسبون أنا لا نسمع سرهم وهو ما يسرونه من غيرهم ونجواهم ما يتناجون به بينهم بلى والمعنى إنا نسمع ذلك ورسلنا يعني من الحفظة لديهم يكتبون
قل إن كان للرحمن ولد في إن قولان أحدهما أنها بمعنى الشرط والمعنى إن كان له ولد في قولكم وعلى زعمكم فعلى هذا في قوله فأنا أول العابدين أربعة أقوال أحدها فأنا أول الجاحدين رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وفي رواية أخرى عن ابن عباس أن أعرابيين اختصما إليه فقال أحدهما إن هذا كانت لي في يده أرض فعبدنيها فقال ابن عباس الله أكبر فأنا أول العبادين الجاحدين أن لله ولدا
والثاني فأنا أول من عبد الله مخالفا لقولكم هذا قول مجاهد وقال الزجاج معناه إن كنتم تزعمون للرحمن ولدا فأنا أول الموحدين
والثالث فأنا أول الآنفين لله مما قلتم قاله ابن السائب وأبو عبيدة قال ابن قتيبة يقال عبدت من كذا أعبد عبدا فأما عبد وعابد قال الفرزدق

أولئك قوم إن هجوني هجوتهم ... وأعبد أن تهجى تميم بدارم ... أي آنف وأنشد ابو عبيدة ... وأعبد أن أسبهم بقومي ... وأوثر دارما وبني رزاح ...
والرابع أن معنى الآية كما أني لست أول عابد لله فكذلك ليس له ولد وهذا كما تقول إن كنت كاتبا فأنا حاسب أي لست كاتبا ولا أنا حاسب حكى هذا القول الواحدي عن سفيان بن عيينة
والقول الثاني أن إن بمعنى ما قاله الحسن ومجاهد وقتادة وابن زيد فيكون المعنى ما كان للرحمن ولد فأنا أول من عبد الله على يقين أنه لا ولد له وقال أبو عبيدة الفاء على هذا القول بمعنى الواو
قوله تعالى فذرهم يعني كفار مكة يخضوا في باطلهم ويلعبوا في دنياهم حتى يلاقوا وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء وابن محيصن وأبو جعفر حتى يلقوا بفتح الياء والقاف وسكون اللام من غير ألف والمراد يلاقوا يوم القيامة وهذه الآية عند الجمهور منسوخة بآية السيف
وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله وهو الحكيم العليم وتبارك الذي له ملك السموات والأرض وما بينهما وعنده علم الساعة وإليه ترجعون ولا يملك الذين يدعون

من دونه الشفاعة إلا من شهد بالحق وهم يعلمون ولئن سالتهم من خلقهم ليقولن الله فأنى يؤفكون وقيله يارب إن هؤلاء قوم لا يؤمنون فاصفح عنهم وقل سلام فسوف يعلمون
قوله تعالى وهو الذي في السماء إله وفي الأرض إله قال مجاهد وقتادة يعبد في السماء ويعبد في الأرض وقال الزجاج هو الموحد في السماء وفي الأرض وقرأ عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس وابن السميفع وابن يعمر والجحدري في السماء الله وفي الأرض الله بألف ولام من غير تنوين ولا همز فيهما وما بعد هذا سبق بيانه الأعراف 54 لقمان 34 إلى قوله ولا يملك الذين يدعون من دونه الشفاعة سبب نزولها أن النضر بن الحارث ونفرا معه قالوا إن كان ما يقول محمد حقا فنحن نتولى الملائكة فهم أحق بالشفاعة من محمد فنزلت هذه الآية قاله مقاتل

وفي معنى الآية قولان
أحدهما أنه أراد بالذين يدعون من دونه آلهتهم ثم استثنى عيسى وعزير والملائكة فقال إلا من شهد بالحق وهو أن يهشد أن لا إله إلا الله وهم يعلمون بقلوبهم ما شهدوا به بألسنتهم وهذا مذهب الأكثرين منهم قتادة
والثاني أن المراد بالذين يدعون عيسى وعزير والملائكة الذين عبدهم المشركون بالله لا يملك هؤلاء الشفاعة لأحد إلا من شهد أي إلا لمن شهد بالحق وهي كلمة الإخلاص وهم يعلمون أن الله عز و جل خلق عيسى وعزير والملائكة وهذا مذهب قوم منهم مجاهد وفي الآية دليل على ان شرط جميع الشهادات أن يكون الشاهد عالما بما يشهد به
قوله تعالى وقيله يارب قال قتادة هذا نبيكم يشكو قومه إلى ربه وقال ابن عباس شكا إلى الله تخلف قومه عن الإيمان قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو عمرو وقيله بنصب اللام وفيها ثلاثة أوجه أحدها أنه أضمر معها قولا كأنه قال وقال قيله وشكا شكواه إلى ربه
والثاني أنه عطف على قوله أم يحسبون أنا لانسمع سرهم ونجواهم وقيله فالمعنى ونسمع قيله ذكر القولين الفراء والأخفش
والثالث أنه منصوب على معنى وعنده علم الساعة ويعلم قيله لأن معنى وعنده علم الساعة يعلم الساعة ويعلم قيله هذا اختيار الزجاج وقرأ عاصم وحمزة وقيله بكسر اللام والهاء حتى تبلغ إلى الياء والمعنى وعنده علم الساعة وعلم قيله وقرأ أبو هريرة وأبو رزين

وسعيد بن جبير وأبو رجاء والجحدري وقتادة وحميد برفع اللام والمعنى ونداؤه هذه الكلمة يارب ذكر علة الخفض والرفع الفراء والزجاج
قوله تعالى فاصفح عنهم أي فأعرض عنهم وقل سلام فيه ثلاثة أقوال
أحدها قل خيرا بدلا من شرهم قاله السدي
والثاني اردد عليهم معروفا قاله مقاتل
والثالث قل ما تسلم به من شرهم حكاه الماوردي
فسوف يعلمون فيه ثلاثة أقوال أحدها يعلمون عاقبة كفرهم والثاني أنك صادق والثالث حلول العذاب بهم وهذا تهديد لهم فسوف يعلمون وقرأ نافع وابن عامر تعلمون بالتاء ومن قرأ بالياء فعلى الأمر للنبي صلى الله عليه و سلم بأن يخاطبهم بهذا قاله مقاتل فنسخت آية السيف الإعراض والسلام

سورة الدخان وهي مكية كلها باجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
حم والكتاب المبين إنا أنزلناه في ليلة مباركة إنا كنا منذرين فيها يفرق كل أمر حكيم أمرا من عندنا إنا كنا مرسلين رحمة من ربك إنه هو السميع العليم رب السموات والأرض وما بينهما إن كنتم موقنين لا إله إلا هو يحيي ويميت ربكم ورب آبائكم الأولين بل هم في شك يلعبون
قوله عز و جل حم والكتاب المبين قد تقدم بيانه المؤمن والزخرف وجواب القسم إنا أنزلناه والهاء كناية عن الكتاب وهو القرآن في ليلة مباركة وفيها قولان
أحدهما أنها ليلة القدر وهو قول الأكثرين وروى عكرمة عن ابن عباس قال أنزل القرآن من عند الرحمن ليلة القدر جملة واحدة

فوضع في السماء الدنيا ثم أنزل نجوما وقال مقاتل نزل القرآن كله في ليلة القدر من اللوح المحفوظ إلى السماء الدنيا
والثاني أنها ليلة النصف من شعبان قاله عكرمة
قوله تعالى إنا كنا منذرين أي مخوفين عقابنا
فيها أي في تلك الليلة يفرق كل أي يفصل وقرأ أبو المتوكل وأبو نهيك ومعاذ القارئ يفرق بفتح الياء وكسر الراء

كل بنصب اللام أمر حكيم أي محكم قال ابن عباس يكتب من ام الكتاب في ليلة القدر ماهو كائن في السنة من الخير والشر والأرزاق والآجال حتى الحاج وإنك لترى الرجل يمشي في الأسواق وقد وقع اسمه في الموتى وعلى ماروي عن عكرمة أن ذلك في ليلة النصف من شعبان والرواية عنه بذلك مضطربة قد خولف الراوي لها فروي عن عكرمة أنه قال في ليلة القدر وعلى هذا المفسرون
قوله تعالى أمرا من عندنا قال الأخفش امرا ورحمة منصوبان على الحال المعنى إنا انزلناه آمرين أمرا وراحمين رحمة قال الزجاج ويجوز أن يكون منصوبا ب يفرق بمنزلة يفرق فرقا لأن أمرا بمعنى فرقا قال الفراء ويجوز أن تنصب الرحمة بوقوع مرسلين عليها فتكون الرحمة هي النبي صلى الله عليه و سلم وقال مقاتل مرسلين بمعنى منزلين هذا القرآن أنزلناه رحمة لمن آمن به وقال غيره أمرا من عندنا أي إنا نأمر بنسخ ما ينسخ من اللوح إنا كنا مرسلين الأنبياء رحمة منا بخلقنا رب السموات قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر رب بالرفع وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم رب بكسر الباء وما بعد هذا ظاهر إلى قوله بل هم يعني الكفار في شك مما جئناهم به يلعبون يهزؤون به

فارتقب يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشى الناس هذا عذاب أليم ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون أنى لهم الذكرى وقد جاءهم رسول مبين ثم تولوا عنه وقالوا معلم مجنون إنا كاشفوا العذاب قليلا إنكم عائدون يوم نبطش البطشة الكبرى إنا منتقمون
فارتقب أي فانتظر يوم تأتي السماء بدخان مبين اختلفوا في هذا الدخان ووقته على ثلاثة أقوال
أحدها أنه دخان يجيء قبل قيام الساعة فروي عن ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الدخان يجيء فيأخذ بأنفاس الكفار ويأخذ المؤمنين منه كهيئة الزكام وروى عبد الله بن أبي مليكة قال غدوت على ابن عباس ذات يوم فقال ما نمت الليلة حتى أصبحت قلت لم قال طلع الكوكب ذو الذنب فخشيت أن يطرق الدخان وهذا المعنى مروي عن علي وابن عمر وأبي هريرة والحسن

والثاني أن قريشا أصابهم جوع فكانوا يرون بينهم وبين السماء دخانا من الجوع فروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث مسروق قال كنا عند عبد الله فدخل علينا رجل فقال جئتك من المسجد وتركت رجلا يقول في هذه الآية يوم تأتي السماء بدخان مبين يغشاهم يوم القيامة دخان يأخذ بأنفاسهم حتى يصيبهم منه كهيئة الزكام فقال عبد الله من علم علما فليقل به ومن لم يعلم فليقل الله أعلم إنما كان هذا لأن قريشا لما استعصت على النبي صلى الله عليه و سلم دعا عليهم بسنين كسني يوسف فأصابهم قحط وجهد حتى أكلوا العظام والميتة وجعل الرجل ينظر إلى السماء فيرى ما بينه وبينها كهيئة الدخان من الجهد فقالوا ربنا اكشف عنا العذاب إنا مؤمنون

فقال الله تعالى إنا كاشفو العذاب قليلا إنكم عائدون فكشف عنهم ثم عادوا إلى الكفر فأخذوا يوم بدر فذلك قوله يوم نبطش البطشة الكبرى وإلى نحو هذا ذهب مجاهد وأبو العالية والضحاك وابن السائب ومقاتل
والثالث أنه يوم فتح مكة لما حجبت السماء بالغبرة حكاه الماوردي
قوله تعالى هذا عذاب أي يقولون هذا عذاب
ربنا اكشف عنا العذاب فيه قولان أحدهما الجوع والثاني الدخان إنا مؤمنون بمحمد صلى الله عليه و سلم والقرآن
أنى لهم الذكرى أي من أين لهم التذكر والاتعاظ بعد نزول هذا البلاء و حالهم أنه قد جاءهم رسول مبين أي ظاهر الصدق
ثم تولوا عنه أي أعرضوا ولم يقبلوا قوله وقالوا معلم مجنون أي هو معلم يعلمه بشر مجنون بادعائه النبوة قال الله تعالى إنا كاشفوا العذاب قليلا أي زمانا يسيرا وفي العذاب قولان
أحدهما الضر الذي نزل بهم كشف بالخصب هذا على قول ابن مسعود قال مقاتل كشفه إلى يوم بدر
والثاني أنه الدخان قاله قتادة
قوله تعالى إنكم عائدون فيه قولان أحدهما إلى الشرك قاله ابن مسعود والثاني إلى عذاب الله قاله قتادة

قوله تعالى يوم نبطش البطشة الكبرى وقرأ الحسن وابن يعمر وأبو عمران يوم تبطش بتاء مرفوعة وفتح الطاء البطشة بالرفع قال الزجاج المعنى واذكر يوم نبطش ولا يجوز أن يكون منصوبا بقوله منتقمون لأن ما بعد إنا لا يجوز أن يعمل فيما قبلها
وفي هذا اليوم قولان
أحدهما يوم بدر قاله ابن مسعود وأبي بن كعب وأبو هريرة وأبو العالية ومجاهد والضحاك
والثاني يوم القيامة قاله ابن عباس والحسن والبطش الأخذ بقوة
ولقد فتنا قبلهم قوم فرعون وجاءهم رسول كريم أن أدوا إلي عباد الله إني لكم رسول أمين وأن لا تعلوا على الله إني آتيكم بسلطان مبين وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون فدعا ربه أن هؤلاء قوم مجرمون فاسر بعبادي ليلا إنكم متبعون واترك البحر رهوا إنهم جند مغرقون كم تركوا من جنات وعيون وزروع ومقام كريم ونعمة كانوا فيها فاكهين كذلك وأورثناها قوما آخرين فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين
قوله تعالى ولقد فتنا أي ابتلينا قبلهم أي قبل قومك قوم فرعون بارسال موسى إليهم وجاءهم رسول كريم وهو موسى بن عمران
وفي معنى كريم ثلاثة أقوال أحدها حسن الخلق قاله مقاتل

والثاني كريم على ربه قاله الفراء والثالث شريف وسيط النسب قاله أبو سليمان
قوله تعالى أن أدوا أي بان أدوا إلى عباد الله وفيه قولان
أحدهما أدوا إلى ما أدعوكم إليه من الحق باتباعي روى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس فعلى هذا ينتصب عباد الله بالنداء قال الزجاج ويكون المعنى أن أدوا إلي ما آمركم به يا عباد الله
والثاني أرسلوا معي بني إسرائيل قاله مجاهد وقتادة والمعنى أطلقوهم من تسخيركم وسلموهم إلي
وأن لا تعلوا على الله فيه ثلاثة أقوال أحدها لا تفتروا عليه قاله ابن عباس والثاني لا تعتوا عليه قاله قتادة والثالث لا تعظموا عليه قاله ابن جريج إني آتيكم بسلطان مبين أي بحجة تدل على صدقي
فلما قال هذا تواعدوه بالقتل فقال وإني عذت بربي وربكم أن ترجمون وفيه قولان
أحدهما أنه رجم القول قاله ابن عباس فيكون المعنى أن يقولوا شاعر أو مجنون
والثاني القتل قاله السدي وإن لم تؤمنوا لي فاعتزلون أي فاتركوني لا معي ولا علي فكفروا ولم يؤمنوا فدعا ربه أن هؤلاء قال الزجاج من فتح أن فالمعنى بأن هؤلاء ومن كسر فالمعنى قال إن هؤلاء وإن بعد القول مكسورة وقال المفسرون المجرمون هاهنا المشركون

فأجاب الله دعاءه وقال فأسر بعبادي ليلا يعني بالمؤمنين إنكم متبعون يتبعكم فرعون وقومه فأعلمهم أنهم يتبعونهم وأنه سيكون سببا لغرقهم
واترك البحر رهوا أي ساكنا على حاله بعد أن انفرق لك ولا تأمره أن يرجع كما كان حتى يدخله فرعون وجنوده والرهو مشي في سكون
قال قتادة لما قطع موسى عليه السلام البحر عطف يضرب البحر بعصاه ليلتئم وخاف أن يتبعه فرعون وجنوده فقيل له واترك البحر رهوا أي كما هو طريقا يابسا
قوله تعالى إنهم جند مغرقون أخبره الله عز و جل بغرقهم ليطمئن قلبه في ترك البحر على حاله
كم تركوا أي بعد غرقهم من جنات وقد فسرنا الآية في الشعراء 57 فأما النعمة فهو العيش اللين الرغد وما بعد هذا قد سبق بيانه يس 55 إلى قوله وأورثناها قوما آخرين يعني بني إسرائيل
فما بكت عليهم السماء أي على آل فرعون وفي معناه ثلاثة أقوال
أحدها أنه على الحقيقة روى أنس بن مالك عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال ما من مسلم إلا وله في السماء بابان باب يصعد فيه عمله وباب ينزل منه

رزقه فاذا مات بكيا عليه وتلا صلى الله عيه وسلم هذه الآية وقال علي رضي الله عنه إن المؤمن إذا مات بكى عليه مصلاه من الأرض ومصعد عمله من السماء وإن آل فرعون لم يكن لهم في الأرض مصلى ولا في السماء مصعد عمل فقال الله تعالى فما بكت عليهم السماء والأرض وإلى نحو هذا ذهب ابن عباس والضحاك ومقاتل وقال ابن عباس الحمرة التي في السماء بكاؤها وقال مجاهد ما مات مؤمن إلا بكت عليه السماء والأرض أربعين صباحا فقيل له أو تبكي قال وما للأرض لا تبكي على عبد كان يعمرها بالركوع والسجود وما للسماء لا تبكي على عبد كان لتسبيحه وتكبيره فيها دوي كدوي النحل
والثاني أن المراد أهل السماء وأهل الأرض قاله الحسن ونظير هذا قوله تعالى حتى تضع الحرب أوزارها محمد 4 أي أهل الحرب
والثالث أن العرب تقول إذا أرادت تعظيم مهلك عظيم أظلمت الشمس له وكسف القمر لفقده وبكته الريح والبرق والسماء والأرض يريدون المبالغة في وصف المصيبة وليس ذلك بكذب منهم لأنهم جميعا

متواطئون عليه والسامع له يعرف مذهب القائل فيه ونيتهم في قولهم أظلمت الشمس كادت تظلم وكسف القمر كاد يكسف ومعنى كاد هم أن يفعل ولم يفعل قال ابن مفرغ يرثي رجلا ... الريح تبكي شجوه ... والبرق يلمع في غمامه ...
وقال الآخر ... الشمس طالعة ليست بكاسفة ... تبكي عليك نجوم الليل والقمرا ...
أراد الشمس طالعة تبكي عليه وليست مع طلوعها كاسفة النجوم والقمر لأنها مظلمة وإنما تكسف بضوئها فنجوم الليل بادية بالنهار فيكون معنى الكلام إن الله لما أهلك قوم فرعون لم يبك عليهم باك ولم يجزع جازع ولم يوجد لهم فقد هذا كله كلام ابن قتيبة
ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين من فرعون إنه كان عاليا من المسرفين ولقد اخترناهم على علم على العالمين وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى وما نحن بمنشرين فأتوا بآبائنا إن كنتم صادقين أهم خير أم قوم تبع والذين

من قبلهم أهلكناهم إنهم كانوا مجرمين وما خلقنا السموات والأرض وما بينهما لاعبين ما خلقناهما إلا بالحق ولكن أكثرهم لا يعلمون إن يوم الفصل ميقاتهم أجمعين يوم لا يغني مولى عن مولى شيئا ولا هم ينصرون إلا من رحم الله إنه هو العزيز الرحيم
قوله تعالى من العذاب المهين يعني قتل الأبناء واستخدام النساء والتعب في أعمال فرعون إنه كان عاليا أي جبارا
ولقد اخترناهم يعني بني إسرائيل على علم علمه الله فيهم على عالمي زمانهم وآتيناهم من الآيات كانفراق البحر وتظليل الغمام وإنزال المن والسلوى إلى غير ذلك ما فيه بلاء مبين أي نعمة ظاهرة
ثم رجع إلى ذكر كفار مكة فقال إن هؤلاء ليقولون إن هي إلا موتتنا الأولى يعنون التي تكون في الدنيا وما نحن بمنشرين أي بمبعوثين فائتوا بآبائنا أي ابعثوهم لنا إن كنتم صادقين في البعث وهذا جهل منهم من وجهين
أحدهما أنهم قد رأوا من الآيات ما يكفي في الدلالة فليس لهم أن يتنطعوا
والثاني أن الإعادة للجزاء وذلك في الآخرة لا في الدنيا ثم خوفهم عذاب الأمم قبلهم فقال أهم خير أي أشد وأقوى أم قوم تبع أي ليسوا خيرا منهم روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال ما أدري تبعا نبي أو غير نبي وقالت

عائشة لا تسبوا تبعا فإنه كان رجلا صالحا ألا ترى أن الله تعالى ذم قومه ولم يذمه وقال وهب أسلم تبع ولم يسلم قومه فلذلك ذكر قومه ولم يذكر وذكر بعض المفسرين أنه كان يعبد النار فأسلم ودعا قومه وهم حمير إلى الإسلام فكذبوه
فأما تسميته ب تبع فقال أبو عبيدة كل ملك من ملوك اليمن كان يسمى تبعا لأنه يتبع صاحبه فموضع تبع في الجاهلية موضع الخليفة في الإسلام وقال مقاتل إنما سمي تبعا لكثرة أتباعه واسمه ملكيكرب وإنما ذكر قوم تبع لأنهم كانوا أقرب في الهلاك إلى كفار مكة من غيرهم وما بعد هذا قد تقدم الأنبياء 16 الحجر 85 إلى قوله تعالى إن يوم الفصل وهو يوم يفصل الله عز و جل بين العباد ميقاتهم أي ميعادهم أجمعين يأتيه الأولون والآخرون
يوم لايغني مولى عن مولى شيئا فيه قولان
أحدهما لا ينفع قريب قريبا قاله مقاتل وقال ابن قتبة لا يغني ولي عن وليه بالقرابة أو غيرها

والثاني لا ينفع ابن عم ابن عمه قاله أبو عبيدة
ولا هم ينصرون أي لا يمنعون من عذاب الله إلا من رحم الله وهم المؤمنون فانه يشفع بعضهم في بعض
إن شجرت الزقوم طعام الأثيم كالمهل يغلي في البطون كغلي الحميم خذوه فاعتلوه إلى سواء الجحيم ثم صبوا فوق رأسه من عذاب الحميم ذق إنك أنت العزيز الكريم إن هذا ما كنتم به تمترون إن المتقين في مقام أمين في جنات وعيون يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين كذلك وزوجناهم بحور عين يدعون فيها بكل فاكهة آمنين لا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم فضلا من ربك ذلك هو الفوز العظيم فانما يسرناه بلسانك لعلهم يتفكرون فارتقب إنهم مرتقبون
إن شجرة الزقوم قد ذكرناها في الصافات 62 والأثيم الفاجر وقال مقاتل هو أبو جهل وقد ذكرنا معنى المهل في الكهف 29
قوله تعالى يغلي في البطون قرأ ابن كثير وابن عامر وحفص عن عاصم يغلي بالياء والباقون بالتاء فمن قرأ تغلي بالتاء فلتأنيث الشجرة ومن قرأ بالياء حمله على الطعام قال أبو علي الفارسي ولا يجوز ان يحمل الغلي على المهل لأن المهل ذكر للتشبيه في الذوب وإنما يغلي ما شبه به كغلي الحميم وهو الماء الحار إذا اشتد غليانه

قوله تعالى خذوه أي يقال للزبانية خذوه فاعتلوه وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر ويعقوب بضم التاء وكسرها الباقون قال ابن قتيبة ومعناه قودوه بالعنف يقال جيء بفلان يعتل إلى السلطان وسواء الجحيم وسط النار قال مقاتل الآيات في أبي جهل يضربه الملك من خزان جهنم على رأسه بمقمعة من حديد فتنقب عن دماغه فيجري دماغه على جسده ثم يصب الملك في النقب ماء حميما قد انتهى حره فيقع في بطنه ثم يقول له الملك ذق العذاب إنك أنت العزيز الكريم هذا توبيخ له بذلك وكان أبو جهل يقول أنا أعز قريش وأكرمها وقرأ الكسائي ذق أنك بفتح الهمزة والباقون بكسرها قال أبو علي من كسرها فالمعنى أنت العزيز في زعمك ومن فتح فالمعنى بأنك
فان قيل كيف سمي بالعزيز وليس به
فالجواب من ثلاثة أوجه
أحدها أنه قيل ذلك استهزاء به قاله سعيد بن جبير ومقاتل
والثاني أنت العزيز الكريم عند نفسك قاله قتادة
والثالث أنت العزيز في قومك الكريم على أهلك حكاه الماوردي
ويقول الخزان لأهل النار إن هذا ما كنتم به تمترون أي تشكون في كونه
ثم ذكر مستقر المتقين فقال إن المتقين في مقام أمين قرأ نافع وابن عامر في مقام بضم الميم والباقون بفتحها قال الفراء المقام بفتح الميم المكان وبضمها الإقامة
قوله تعالى أمين أي أمنوا فيه الغير والحوادث وقد ذكرنا

الجنات في البقرة 25 وذكرنا معنى العيون ومعنى متقابلين في الحجر 45 47 وذكرنا السندس والإستبرق في الكهف 31
قوله تعالى كذلك أي الأمر كما وصفنا وزوجناهم بحور عين قال المفسرون المعنى قرناهم بهن وليس من عقد التزويج قال أبو عبيدة المعنى جعلنا ذكور أهل الجنة أزواجا بحور عين من النساء تقول للرجل زوج هذه النعل الفرد بالنعل الفرد أي اجعلهما زوجا والمعنى جعلناهم اثنين اثنين وقال يونس العرب لا تقول تزوج بها إنما يقولون تزوجها ومعنى وزوجناهم بحور عين قرناهم وقال ابن قتيبة يقال زوجته امرأة وزوجته بامرأة وقال أبوعلي الفارسي والتنزيل على ما قال يونس وهو قوله تعالى زوجناكها الأحزاب 37 وما قال زوجناك بها
فأما الحور فقال مجاهد الحور النساء النقيات البياض وقال الفراء الحوراء البيضاء من الإبل قال وفي الحور العين لغتان حور عين وحير عين وأنشد ... أزمان عيناء سرور المسير ... وحوراء عيناء من العين الحير ...
وقال أبو عبيدة الحوراء الشديدة بياض بياض العين الشديدة سواد سوادها وقد بينا معنى العين في الصافات 48
قوله تعالى يدعون فيها بكل فاكهة آمنين فيه قولان أحدهما آمنين من انقطاعها في بعض الأزمنة والثاني آمنين من التخم والأسقام والآفات
قوله تعالى إلا الموتة الأولى فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنها بمعنى سوى فتقدير الكلام لا يذوقون في الجنة الموت

سوى الموتة التي ذاقوها في الدنيا ومثله ولا تنكحوا ما نكح أباؤكم من النساء إلا ما قد سلف النساء 22 وقوله خالدين فيها ما دامت السموات والأرض إلا ما شاء ربك هود 107 أي سوى ما شاء لهم ربك من الزيادة على مقدار الدنيا هذا قول الفراء والزجاج
والثاني أن السعداء حين يموتون يصيرون إلى الروح والريحان وأسباب من الجنة يرون منازلهم منها وإذا ماتوا في الدنيا فكأنهم ماتوا في الجنة لا تصالهم بأسبابها ومشاهدتهم إياها قاله ابن قتيبة
والثالث أن إلا بمعنى بعد كما ذكرنا في أحد الوجوه في قوله إلا ما قد سلف النساء 22 وهذا قول ابن جرير
قوله تعالى فضلا من ربك أي فعل الله ذلك بهم فضلا منه
فانما يسرناه أي سهلناه والكناية عن القرآن بلسانك أي بلغة العرب لعلهم يتذكرون أي لكي يتعظوا فيؤمنوا فارتقب

أي انتظر بهم العذاب إنهم مرتقبون هلاكك وهذه عند أكثر المفسرين منسوخة بآية السيف وليس بصحيح

سورة الجاثية وتسمى سورة الشريعة
روى العوفي وابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكية وهو قول الحسن وعكرمة ومجاهد وقتادة والجمهور وقال مقاتل هي مكية كلها وحكي عن ابن عباس وقتادة أنهما قالا هي مكية إلا آية وهي قوله قل للذين أمنوا يغفروا الجاثية 14
بسم الله الرحمن الرحيم
حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم إن في السموات والأرض لآيات للمؤمنين وفي خلقكم وما يبث من دابة آيات لقوم يوقنون واختلاف الليل والنهار وما أنزل الله من السماء من رزق فأحيا به الأرض بعد موتها وتصريف الرياح آيات لقوم يعقلون تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله وآياته يؤمنون ويل لكل أفاك أثيم يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها

فبشره بعذاب أليم وإذا علم من آياتنا شيئا اتخذها هزوا أولئك لهم عذاب مهين من ورائهم جهنم ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا ولا ما اتخذوا من دون الله أولياء ولهم عذاب عظيم هذا هدى والذين كفروا بآيات ربهم لهم عذاب من رجز أليم الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون وسخر لكم ما في السموات وما في الأرض جميعا منه إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون
قوله تعالى حم تنزيل الكتاب قد شرحناه في أول المؤمن
قوله تعالى وفي خلقكم أي من تراب ثم من نطفة إلى أن يتكامل خلق الإنسان وما يبث من دابة أي وما يفرق في الأرض من جميع ما خلق على اختلاف ذلك في الخلق والصور آيات تدل على وحدانيته قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر آيات رفعا وتصريف الرياح آيات رفعا أيضا وقرأ حمزة والكسائي بالكسر فيهما والرزق هاهنا بمعنى المطر
قوله تعالى تلك آيات الله أي هذه حجج الله نتلوها عليك بالحق فبأي حديث بعد الله أي بعد حديثه وآياته يؤمن هؤلاء المشركون
قوله تعالى ويل لكل أفاك أثيم روى أبو صالح عن ابن عباس أنها نزلت في النضر بن الحارث وقد بينا معناها في الشعراء 222 والآية التي تليها مفسرة في لقمان 7

قوله تعالى وإذا علم من آياتنا شيئا قال مقاتل معناه إذا سمع وقرأ ابن مسعود وإذا علم برفع العين وكسر اللام وتشديدها
قوله تعالى اتخذها هزوا أي سخر منها وذلك كفعل أبي جهل حين نزلت إن شجرة الزقوم طعام الأثيم الدخان 43 44 فدعا بتمر وزبد وقال تزقموا فما يعدكم محمد إلا هذا وإنما قال أولئك لأنه رد الكلام إلى معنى كل
من ورائهم جهنم قد فسرناه في إبراهيم 16 ولا يغني عنهم ما كسبوا شيئا من الأموال ولا ما عبدوا من الآلهة
قوله تعالى هذا هدى يعني القرآن والذين كفروا به لهم عذاب من رجز أليم قرأ ابن كثير وحفص عن عاصم أليم بالرفع على نعت العذاب وقرأ الباقون بالكسر على نعت الرجز والرجز بمعنى العذاب وقد شرحناه في الأعراف 134
قوله تعالى جميعا منه اي ذلك التسخير منه لا من غيره فهو من فضله وقرأ عبد الله بن عمرو وابن عباس وأبو مجلز وابن السميفع وابن محيصن والجحدري جميعا منه بفتح النون وتشديدها وتاء منصوبة منونة وقرأ سعيد بن جبير منه بفتح الميم ورفع النون والهاء مشددة النون
قل للذين آمنوا يغفروا للذين لا يرجون أيام الله ليجزي قوما بما كانوا يكسبون من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ثم إلى ربكم ترجعون ولقد آتينا

بني إسرائيل الكتاب والحكم والنبوة ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على العالمين وآتيناهم بينات من الأمر فما اختلفوا إلا من بعد ما جاءهم العلم بغيا بينهم إن ربك يقضي بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون ثم جعلناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع أهواء الذين لا يعلمون إنهم لن يغنوا عنك من الله شيئا وإن الظالمين بعضهم أولياء بعض والله ولي المتقين هذا بصائر للناس وهدى ورحمة لقوم يوقنون أم حسب الذي اجترحوا السيآت أن نجعلهم كالذين آمنوا وعملوا الصالحات سواء محياهم ومماتهم ساء ما يحكمون وخلق الله السموات والأرض بالحق ولتجزى كل نفس بما كسبت وهم لا يظلمون
قوله تعالى قل للذين آمنوا يغفروا الآية في سبب نزولها أربعة أقوال
أحدها أنهم نزلوا في غزاة بني المصطلق على بئر يقال لها المريسيع فأرسل عبد الله بن أبي غلامة ليستقي الماء فأبطأ عليه فلما أتاه قال له ما حبسك قال غلام عمر ما ترك أحدا يستقي حتى ملأ قرب النبي صلى الله عليه و سلم وقرب أبي بكر وملأ لمولاه فقال عبد الله ما مثلنا ومثل هؤلاء إلا كما قيل سمن كلبك يأكلك فبلغ قوله عمر فاشتمل سيفه يريد التوجه إليه فنزلت هذه الآية رواه عطاء عن ابن عباس

والثاني أنها لما نزلت من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا البقرة 245 قال يهودي بالمدينة يقال له فنحاص احتاج رب محمد فلما سمع بذلك عمر اشتمل على سيفه وخرج في طلبه فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية فبعث النبي صلى الله عليه و سلم في طلب عمر فلما جاء قال يا عمر ضع سيفك وتلا عليه الآية رواه ميمون بن مهران عن ابن عباس
والثالث أن ناسا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم من أهل مكة كانوا في أذى شديد من المشركين قبل أن يؤمروا بالقتال فشكوا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية قاله القرظي والسدي
والرابع أن رجلا من كفار قريش شتم عمر بن الخطاب فهم عمر أن يبطش به فنزلت هذه الآية قاله مقاتل
ومعنى الآية قل للذين آمنوا اغفروا ولكن شبه بالشرط والجزاء كقوله قل لعبادي الذين آمنوا يقيموا الصلاة إبراهيم 31 وقد مضى بيان هذا
وقوله للذين لا يرجون أي لا يخافون وقائع الله في الأمم الخالية لأنهم لا يؤمنون به فلا يخافون عقابه وقيل لا يدرون أنعم الله عليهم أم لا وقد سبق بيان معنى أيام الله في سورة إبراهيم 5

فصل
وجمهور المفسرين على أن هذه الآية منسوخة لأنها تضمنت الأمر بالإعراض عن المشركين واختلفوا في ناسخها على ثلاثة أقوال
أحدها أنه قوله فاقتلوا المشركين التوبة 5 رواه معمر عن قتادة
والثاني أنه قوله في الأنفال 57 فأما تثقفنهم في الحرب وقوله في براءة 36 وقاتلوا المشركين كافة رواه سعيد عن قتادة
والثالث أنه قوله أذن للذين يقاتلون بأنهم ظلموا الحج 39 قاله أبو صالح
قوله تعالى ليجزي قوما وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي لنجزي بالنون قوما يعني الكفار فكأنه قال لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن
وما بعد هذا قد سبق الإسراء 7 إلى قوله ولقد آتينا بني إسرائيل الكتاب يعني التوراة والحكم وهو الفهم في الكتاب ورزقناهم من الطيبات يعني المن والسلوى وفضلناهم على العالمين أي عالمي زمانهم
وآتيناهم بينات من الأمر فيه قولان
أحدهما بيان الحلال والحرام قاله السدي
والثاني العلم بمبعث النبي صلى الله عليه و سلم وشواهد نبوته ذكره الماوردي
وما بعد هذا قد تقدم بيانه آل عمران 19 إلى قوله

ثم جعلناك على شريعة من الأمر سبب نزولها أن رؤساء قريش دعوا رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى ملة آبائه فنزلت هذه الآية قاله أبو صالح عن ابن عباس
فأما قوله على شريعة فقال ابن قتيبة أي على ملة ومذهب ومنه يقال شرع فلان في كذا إذا أخذ فيه ومنه مشارع الماء وهي الفرض التي شرع فيها الوارد
قال المفسرين ثم جعلناك بعد موسى على طريقة من الأمر أي من الدين فاتبعها و الذين لا يعلمون كفار قريش
إنهم لن يغنوا عنك أي لن يدفعوا عنك عذاب الله إن اتبعتهم وإن الظالمين يعني المشركين والله ولي المتقين الشرك والآية التي بعدها مفسرة في آخر الأعراف 203

أم حسب الذين اجترحوا السيئات سبب نزولها أن كفار مكة قالوا للمؤمنين إنا نعطى في الآخرة مثلما تعطون من الأجر قاله مقاتل والاستفهام هاهنا استفهام إنكار واجترحوا بمعنى اكتسبوا
سواء محياهم ومماتهم قرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وزيد عن يعقوب سواء نصبا وقرا الباقون بالرفع فمن رفع فعلى الابتداء ومن نصب جعله مفعولا ثانيا على تقدير أن نجعل محياهم ومماتهم سواء والمعنى إن هؤلاء يحيون مؤمنين ويموتون مؤمنين وهؤلاء يحيون كافرين ويموتون كافرين وشتان ماهم في الحال والمآل ساء ما يحكمون أي بئس ما يقضون
ثم ذكر بالآية التي تلي هذه أنه خلق السموات والأرض بالحق أي للحق والجزاء بالعدل لئلا يظن الكافر أنه لا يجزي بكفره

أفرأيت من اتخذ إلهه هواه وأضله الله على علم وختم على سمعه وقلبه وجعل على بصره غشاوة فمن يهديه من بعد الله أفلا تذكرون وقالوا ما هي إلا حياتنا الدنيا نموت ونحيا وما يهلكنا إلا الدهر وما لهم بذلك من علم إن هم إلا يظنون وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات ما كان حجتهم إلا أن قالوا ائتوا بآبائنا إن كنتم صادقين قل الله يحييكم ثم يميتكم ثم يجمعكم إلى يوم القيامة لا ريب فيه ولكن اكثر الناس لا يعلمون ولله ملك السموات والأرض ويوم تقوم الساعة يومئذ يخسر المبطلون وترى كل أمة جاثية كل أمة تدعى إلى كتابها اليوم تجزون ما كنتم تعملون هذا كتابنا ينطق عليكم بالحق إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون فأما الذين آمنوا وعملوا الصالحات فيدخلهم ربهم في رحمته ذلك هو الفوز المبين واما الذين كفروا أفلم تكن آياتي تتلى عليكم فاستكبرتم وكنتم قوما مجرمين
قوله تعالى أفرأيت من اتخذ إلهه هواه قد شرحناه في الفرقان 43 وقال مقاتل نزلت هذه الآية في الحارث بن قيس السهمي
قوله تعالى وأضله الله على علم أي على علمه السابق فيه أنه

لا يهتدي وختم على سمعه أي طبع عليه فلم يسمع الهدى و على قلبه فلم يعقل الهدى وقد ذكرنا الغشاوة والختم في البقرة7
فمن يهديه من بعد الله أي من بعد إضلاله إياه أفلا تذكرون فتعرفوا قدرته على ما يشاء وما بعد هذا مفسر في سورة المؤمنون 37 إلى قوله وما يهلكنا إلا الدهر أي اختلاف الليل والنهار وما لهم بذلك من علم أي ما قالوه عن علم إنما قالوه شاكين فيه ومن أجل هذا قال نبينا عليه الصلاة و السلام لا تسبوا الدهر فإن الله هو الدهر أي هو الذي يهلككم لا ماتتوهمونه من مرور الزمان وما بعد هذا ظاهر وقد تقدم بيانه البقرة 28 الشورى 7 إلى قوله يخسر المبطلون يعني المكذبين الكافرين أصحاب الأباطيل

والمعنى يظهر خسرانهم يومئذ وترى كل أمة قال الفراء ترى أهل كل دين جاثية قال الزجاج أي جالسة على الركب يقال قد جثا فلان جثوا إذا جلس على ركبتيه ومثله جذا يجذو والجذو أشد استيفازا من الجثو لأن الجذور أن يجلس صاحبه على أطراف أصابعه قال ابن قتيبة والمعنى أنها غير مطمئنة
قوله تعالى كل أمة تدعى إلى كتابها فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه كتابها الذي فيه حسناتها وسيئاتها قاله أبو صالح عن ابن عباس
والثاني أنه حسابها قاله الشعبي والفراء وابن قتيبة
والثالث كتابها الذي أنزل على رسوله حكاه الماوردي
ويقال لهم اليوم تجزون ما كنتم تعملون
هذا كتابنا وفيه ثلاثة أقوال أحدها أنه كتاب الأعمال الذي تكتبه الحفظة قاله ابن السائب والثاني اللوح المحفوظ قاله مقاتل والثالث القرآن والمعنى أنهم يقرؤنه فيدلهم ويذكرهم فكأنه ينطق عليهم قاله ابن قتيبة

قوله تعالى إنا كنا نستنسخ ما كنتم تعملون اي نأمر الملائكة بنسخ أعمالكم أي بكتبها وإثباتها وأكثر المفسرين على أن هذا الاستنساخ من اللوح المحفوظ تستنسخ الملائكة كل عام ما يكون من أعمال بني آدم فيجدون ذلك موافقا ما يعملونه قالوا والاستنساخ لا يكون إلا من أصل قال الفراء يرفع الملكان العمل كله فيثبت الله منه ما فيه ثواب أو عقاب ويطرح منه اللغو وقال الزجاج نستنسخ ما تكتبه الحفظة ويثبت عند الله عز و جل
قوله تعالى في رحمته قال مقاتل في جنته
قوله تعالى أفلم تكن آياتي فيه إضمار تقديره فيقال لهم ألم تكن آياتي يعني آيات القرآن تتلى عليكم فاستكبرتم عن الإيمان بها وكنتم قوما مجرمين قال ابن عباس كافرين
وإذا قيل إن وعد الله حق والساعة لا ريب فيها قلتم ما ندري ما الساعة إن نظن إلا ظنا وما نحن بمستيقنين وبدا لهم سيآت ما عملوا وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن وقيل اليوم ننساكم كما نسيتم لقاء يومكم هذا ومأواكم النار وما لكم من ناصرين ذلكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا وغرتكم الحياة الدنيا فاليوم لا يخرجون منها ولا هم يستعتبون فلله الحمد رب السموات ورب الأرض رب العالمين وله الكبرياء في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم

قوله تعالى وإذا قيل إن وعد الله بالبعث حق أي كائن والساعة قرأ حمزة والساعة بالنصب لا ريب فيها أي كائنة بلا شك قلتم ما ندري ما الساعة أي أنكرتموها إن نظن إلا ظنا أي ما نعلم ذلك إلا ظنا وحدسا ولا نستيقن كونها
وما بعد هذا قد تقدم الزمر 48 إلى قوله وقيل اليوم ننساكم أي نترككم في النار كما نستم لقاء يومكم هذا أي كما تركتم الإيمان والعمل للقاء هذا اليوم
ذلكم الذي فعلنا بكم بأنكم اتخذتم آيات الله هزوا أي مهزوءا بها وغرتكم الحياة الدنيا حتى قلتم إنه لا بعث ولا حساب فاليوم لا يخرجون وقرأ حمزة والكسائي لا يخرجون بفتح الياء وضم الراء وقرأ الباقون لا يخرجون بضم الياء وفتح الراء منها أي من النار ولا هم يستعتبون أي لا يطلب منهم أن يرجعوا إلى طاعة الله عز و جل لأنه ليس بحين توبة ولا اعتذار
قوله تعالى وله الكبرياء فيه ثلاثة أقوال أحدها السلطان قاله مجاهد والثاني الشرف قاله ابن زيد والثالث العظمة

قاله يحيى بن سلام والزجاج

سورة الأحقاف بسم الله الرحمن الرحيم
حم تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم ما خلقنا السموات والأرض وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمى والذين كفروا عما أنذروا معرضون قل أرأيتم ما تدعون من دون الله أروني ماذا خلقوا من الأرض أم لهم شرك في السموات إيتوني بكتاب من قبل هذا أو أثارة من علم إن كنتم صادقين فصل في نزولها
روى العوفي وابن أبي طلحة عن ابن عباس أنها مكية وبه قال الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة والجمهور وروي عن ابن عباس وقتادة أنهما قالا فيها آية مدنية وهي قوله قل أرأيتم إن كان من عند الله الأحقاف 10 وقال مقاتل نزلت بمكة غير آيتين قوله قل أرأيتم إن كان من عند الله الأحقاف 10 وقوله فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل الأحقاف 35 نزلتا بالمدينة وقد تقدم تفسير فاتحتها المؤمن الحجر 85

إلى قوله وأجل مسمى وهو أجل فناء السموات والأرض وهو يوم القيامة
قوله تعالى قل أرأيتم مفسر في فاطر 40 إلى قوله إيتوني بكتاب وفي الآية اختصار تقديره فان ادعوا أن شيئا من المخلوقات صنعة آلهتهم فقل لهم إيتوني بكتاب من قبل هذا أي من قبل القرآن فيه برهان ما تدعون من أن الأصنام شركاء الله أو أثارة من علم وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه الشيء يثيره مستخرجه قاله الحسن
والثاني بقية من علم تؤثر عن الأولين قاله ابن قتيبة وإلى نحوه ذهب الفراء وأبو عبيدة
والثالث علامة من علم قاله الزجاج وقرأ ابن مسعود وأبو رزين وأيوب السختياني ويعقوب أثرة بفتح الثاء مثل شجرة ثم ذكروا في معناها ثلاثة أقوال
أحدها أنه الخط قاله ابن عباس وقال هو خط كانت العرب تخطه في الأرض قال أبو بكر بن عياش الخط هو العيافة
والثاني أو علم تأثرونه عن غيركم قاله مجاهد
والثالث خاصة من علم قاله قتادة
وقرأ أبي بن كعب وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة والضحاك وابن يعمر أثرة بسكون الثاء من غير ألف بوزن نظرة

وقال الفراء قرئت أثارة وأثره وهي لغات ومعنى الكل بقية من علم ويقال أو شيء مأثور من كتب الأولين فمن قرأ أثارة فهو المصدر مثل قولك السماحة والشجاعة ومن قرأ أثرة فإنه بناه على الأثر كما قيل قترة ومن قرأ أثرة فكأنه أراد مثل قوله الخطفة الصافات 10 والرجفة الأعراف 78
وقال اليزيدي الأثارة البقية والأثرة مصدر أثره يأثره أي يذكره ويرويه ومنه حديث مأثور
ومن أضل ممن يدعوا من دون الله من لا يستجيب له إلى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون وإذا حشر الناس كانوا لهم أعداء وكانوا بعبادتهم كافرين وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين كفروا للحق لما جاءهم هذا سحر مبين أم يقولون افتراه قل إن افتريته فلا تملكون لي من الله شيئا هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدا بيني وبينكم وهو الغفور الرحيم
قوله تعالى من لا يستجيب له يعني الأصنام وهم عن دعائهم غافلون لأنها جماد لا تسمع فاذا قامت القيامة صارت الآلهة أعداء لعابديها في الدنيا ثم ذكر بما بعد هذا أنهم يسمون القرآن سحرا وأن محمدا افتراه

قوله تعالى فلا تملكون لي من الله شيئا أي لا تقدرون على أن تردوا عني عذابه أي فكيف أفتري من أجلكم وأنتم لا تقدرون على دفع عذابه عني هو أعلم بما تفيضون فيه أي بما تقولون في القرآن وتخوضون فيه من التكذيب والقول بأنه سحر كفى به شهيدا بيني وبينكم أن القرآن جاء من عند الله وهو الغفور الرحيم في تأخير العذاب عنكم وقال الزجاج إنما ذكر هاهنا الغفران والرحمة ليعلمهم أن من أتى ما أتيتم ثم تاب فان الله تعالى غفور له رحيم به
قل ما كنت بدعا من الرسل وما أدري ما يفعل بي ولا بكم إن أتبع إلا ما يوحى إلى وما أنا إلا نذير مبين قل أرأيتم إن كان من عند الله وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن واستكبرتم إن الله لا يهدي القوم الظالمين
قوله تعالى قل ما كنت بدعا من الرسل اي ما أنا بأول رسول والبدع والبديع من كل شيء المبتدأ وما أدري ما يفعل بي ولا بكم وقرأ ابن يعمر وابن أبي عبلة ما يفعل بفتح الياء ثم فيه قولان

أحدهما أنه أراد بذلك ما يكون في الدنيا ثم فيه قولان
أحدهما أنه لما اشتد البلاء بأصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى في المنام أنه هاجر إلى أرض ذات نخل وشجر وماء فقصها على أصحابه فاستبشروا بذلك لما يلقون من أذى المشركين ثم إنهم مكثوا برهة لا يرون ذلك فقالوا يا رسول الله متى تهاجر إلى الأرض التي رأيت فسكت رسول الله صلى الله عليه و سلم فانزل الله تعالى وما أدري ما يفعل بي ولا بكم يعني لا أدري اخرج إلى الموضع الذي رأيته في منامي أم لا ثم قال إنما هو شيء رايته في منامي وما أبتع إلا ما يوحى إلي رواه أبو صالح عن ابن عباس وكذلك قال عطية ما أدري هل يتركني بمكة أو يخرجني منها
والثاني ما أدري هل أخرج كما أخرج الأنبياء قبلي أو أقتل كما قتلوا ولا أدري ما يفعل بكم أتعذبون أم تؤخرون أتصدقون أم تكذبون قاله الحسن
والقول الثاني أنه أراد ما يكون في الآخرة روى ابن أبي طلحة عن

ابن عباس قال لما نزلت هذه الآية نزل بعدها ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر الفتح 2 وقال ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات الآية الفتح 5 فأعلم ما يفعل به وبالمؤمنين وقيل إن المشركين فرحوا عند نزول هذه الآية وقالوا ما أمرنا وأمر محمد إلا واحد ولولا أنه ابتدع ما يقوله لأخبره الذي بعثه بما يفعل به فنزل قوله ليغفر لك الله الآية الفتح 2 فقال الصحابة هنيئا لك يا رسول الله فماذا يفعل بنا فنزلت ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات الآية الفتح 5 وممن ذهب إلى هذا القول أنس وعكرمة وقتادة وروي عن الحسن ذلك
قوله تعالى قل أرايتم إن كان من عند الله يعني القرآن وكفرتم به وشهد شاهد من بني إسرائيل وفيه قولان
أحدهما أنه عبد الله بن سلام رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال الحسن ومجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد
والثاني أنه موسى بن عمران عليه السلام قاله الشعبي ومسروق
فعلى القول الأول يكون ذكر المثل صلة فيكون المعنى وشهد شاهد من بني إسرائيل عليه أي على أنه من عند الله فآمن الشاهد وهو ابن سلام واستكبرتم يا معشر اليهود
وعلى الثاني يكون المعنى وشهد موسى على التوراة التي هي مثل القرآن

أنها من عند الله كما شهد محمد على القرآن أنه كلام الله فآمن من آمن بموسى والتوراة واستكبرتم أنتم يا معشر العرب أن تؤمنوا بمحمد والقرآن
فان قيل أين جواب إن قيل هو مضمر وفي تقديره ستة أقوال أحدها أن جوابه فمن أضل منكم قاله الحسن والثاني أن تقدير الكلام وشهد شاهد من بني إسرائيل على مثله فآمن أتؤمنون قاله الزجاج والثالث أن تقديره أتأمنون عقوبة الله قاله أبو علي الفارسي والرابع أن تقديره أفما تهلكون ذكره الماوردي والخامس من المحق منا ومنكم ومن المبطل ذكره الثعلبي والسادس أن تقديره أليس قد ظلمتم ويدل على هذا المحذوف قوله إن الله لا يهدي القوم الظالمين ذكره الواحدي
وقال الذي كفروا للذين آمنوا لو كان خيرا ما سبقونا إليه وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا لينذر الذين ظلموا وبشرى للمحسنين إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون أولئك أصحاب الجنة خالدين فيها جزاء بما كانوا يعملون ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا حتى إذا بلغ أشده وبلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي وعلى والدي وان أعمل صالحا ترضاه وأصلح لي في ذريتي إني تبت إليك وإني من المسلمين أولئك الذي نتقبل عنهم أحسن ما عملوا

ونتجاوز عن سيآتهم في أصحاب الجنة وعد الصدق الذي كانوا يوعدون
قوله تعالى وقال الذين كفروا للذين آمنوا الآية في سبب نزولها خمسة أقوال
أحدها أن الكفار قالوا لو كان دين محمد خيرا ما سبقنا إليه اليهود فنزلت هذه الآية قاله مسروق
والثاني أن امرأة ضعيفة البصر أسلمت وكان الأشراف من قريش يهزؤون بها ويقولون والله لو كان ما جاء به محمد خيرا ما سبقتنا هذه إليه فنزلت هذه الآية قاله أبو الزناد
والثالث أن أبا ذر الغفاري أسلم واستجاب به قومه إلى الإسلام فقالت قريش لو كان خيرا ما سبقونا إليه فنزلت هذه الآية قاله أبو المتوكل
والرابع أنه لما اهتدت مزينة وجهينة وأسلمت قالت اسد وغطفان لو كان خيرا ما سبقنا إليه رعاء الشاء يعنون مزينة وجهينة فنزلت هذه الآية قاله ابن السائب
والخامس أن اليهود قالوا لو كان دين محمد خيرا ما سبقتمونا إليه لأنه لا علم لكم بذلك ولو كان حقا لدخلنا فيه ذكره أبو سليمان الدمشقي وقال هو قول من يقول إن الآية نزلت بالمدينة ومن قال هي مكية قال هو قول المشركين فقد خرج في الذين كفروا قولان أحدهما أنهم المشركون والثاني اليهود
وقوله لو كان خيرا أي لو كان دين محمد خيرا ما سبقونا إليه

فمن قال هم المشركون قال أرادوا إنا أعز وأفضل ومن قال هم اليهود قال أرادوا لأنا أعلم
قوله تعالى وإذا لم يهتدوا به أي بالقرآن فسيقولون هذا إفك قديم أي كذب متقدم يعنون أساطير الأولين
ومن قبله كتاب موسى أي من قبل القرآن التوراة وفي الكلام محذوف تقديره فلم يهتدوا لأن المشركين لم يهتدوا بالتوارة إماما قال الزجاج هو منصوب على الحال ورحمة عطف عليه وهذا كتاب مصدق المعنى مصدق للتوراة لسانا عربيا منصوب على الحال المعنى مصدق لما بين يديه عربيا وذكر لسانا توكيدا كما تقول جاءني زيد رجلا صالحا تريد جاءني زيد صالحا
قوله تعالى لينذر الذين ظلموا قرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي لينذر بالياء وقرأ نافع وابن عامر ويعقوب لتنذر بالتاء وعن ابن كثير كالقراءتين والذين ظلموا المشركين وبشرى أي وهو بشرى للمحسنين وهم الموحدون يبشرهم بالجنة
وما بعد هذا قد تقدم تفسيره فصلت 30 إلى قوله بوالديه حسنا وقرأ عاصم وحمزة والكسائي إحسانا بألف
حملته أمه كرها قرأ ابن كثير ونافع وابو عمرو كرها بفتح الكاف وقرأ الباقون بضمها قال الفراء والنحويون يستحبون الضم هاهنا ويكرهون الفتح للعلة التي بيناها عند قوله وهو كره لكم البقرة 216 قال الزجاج والمعنى حملته على مشقة ووضعته على مشقة

وفصاله أي فطامه وقرأ يعقوب وفصله بفتح الفاء وسكون الصاد من غير ألف ثلاثون شهرا قال ابن عباس ووضعته كرها يريد به شدة الطلق واعلم أن هذه المدة قدرت لأقل الحمل وأكثر الرضاع فأما الأشد ففيه أقوال قد تقدمت واختار الزجاج أنه بلوغ ثلاث وثلاثين سنة لأنه وقت كمال الإنسان في بدنه وقوته واستحكام شأنه وتمييزه وقال ابن قتيبة أشد الرجل غير أشد اليتيم لأن أشد الرجل الاكتهال والحنكة وأن يشتد رأيه وعقله وذلك ثلاثون سنة ويقال ثمان وثلاثون سنة وأشد الغلام أن يشتد خلقه ويتناهى نباته وقد ذكرنا بيان الأشد في الانعام 153 وفي يوسف 22 وهذا تحقيقه واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية على ثلاثة أقوال
أحدها أنها نزلت في أبي بكر الصديق رضي الله عنه وذلك أنه صحب رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن ثمان عشرة سنة ورسول الله صلى الله عليه و سلم ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام في تجارة فنزلوا منزلا فيه سدرة فقعد رسول الله صلى الله عليه و سلم في ظلها ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله عن الدين فقال له من الرجل الذي في ظل السدرة فقال ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب

فقال هذا والله نبي وما استظل تحتها أحد بعد عيسى إلا محمد نبي الله فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق فكان لا يفارق رسول الله صلى الله عليه و سلم في أسفاره وحضره فلما نبئ رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو ابن أربعين سنة وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما بلغ أربعين سنة قال رب أوزعني أن أشكر نعمتك التي أنعمت علي رواه عطاء عن ابن عباس وبه قال الأكثرون قالوا فلما بلغ أبو بكر أربعين سنة دعا الله عز و جل بما ذكره في هذه الأية فاجابه الله فأسلم والداه و أولاده ذكورهم وإناثهم ولم يجتمع ذلك لغيره من الصحابة
والقول الثاني أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص وقد شرحنا قصته في سورة العنكبوت 8 وهذا مذهب الضحاك والسدي
والثالث أنها نزلت على العموم قاله الحسن وقد شرحنا في سورة النمل 19 معنى قوله أوزعني
قوله تعالى وأن أعمل صالحا ترضاه قال ابن عباس أجابه الله يعني أبا بكر فأعتق تسعة من المؤمنين كانوا يعذبون في الله عز و جل ولم يرد شيئا من الخير إلا أعانه الله عليه واستجاب له في ذريته فآمنوا إني تبت إليك أي رجعت إلى كل ما تحب

قوله تعالى أولئك الذين نتقبل عنهم أحسن ما عملوا ونتجاوز عن سيئاتهم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم يتقبل ويتجاوز بالياء المضمومة فيهما وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف نتقبل ونتجاوز بالنون فيهما وقرأ أبو المتوكل وأبو رجاء وأبو عمران الجوني يتقبل ويتجاوز بياء مفتوحة فيهما يعني أهل هذا القول والأحسن بمعنى الحسن
في أصحاب الجنة أي في جملة من يتجاوز عنهم وهم أصحاب الجنة وقيل في بمعنى مع
وعد الصدق قال الزجاج هو منصوب لأنه مصدر مؤكد لما قبله لأن قوله أولئك الذين نتقبل عنهم بمعنى الوعد لأنه وعدهم القبول بقوله وعد الصدق يؤكد ذلك قوله الذين كانوا يوعدون أي على ألسنة الرسل في الدنيا
والذي قال لوالديه أف لكما أتعدانني أن أخرج وقد خلت القرون من قبلي وهما يستغيثان الله ويلك آمن إن وعد الله حق فيقول ما هذا إلا أساطير الأولين أولئك الذين حق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن

والإنس إنهم كانوا خاسرين ولكل درجات مما عملوا وليوفيهم أعمالهم وهم لا يظلمون ويوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا واستمتعتم بها فاليوم تجزون عذاب الهون بما كنتم تستكبرون في الأرض بغير الحق وبما كنتم تفسقون
قوله تعالى والذي قال لوالديه أف لكما قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم أف لكما بالخفض من غير تنوين وقرأ ابن كثير وابن عامر بفتح الفاء وقرأ نافع وحفص عن عاصم أف بالخفض والتنوين وقرأ ابن يعمر أف بتشديد الفاء مرفوعة منونة وقرأ حميد والجحدري أفا بتشديد الفاء وبالنصب والتنوين وقرأ عمرو بن دينار أف بتشديد الفاء وبالرفع من غير تنوين وقرأ أبو المتوكل وعكرمة وأبو رجاء أف لكما باسكان الفاء خفيفة وقرأ أبو العالية وأبو عمران أفي بتشديد الفاء والياء ساكنة ممالة وروي عن ابن عباس أنها نزلت في عبد الرحمن بن أبي بكر قبل إسلامه كان أبواه يدعوانه إلى الإسلام وهو يأبى وعلى هذا جمهور المفسرين وقد روي عن عائشة أنها كانت تنكر أن تكون الآية نزلت في عبد الرحمن وتحلف على ذلك وتقول لوشئت لسميت الذي نزلت فيه قال الزجاج وقول من قال إنها نزلت في عبد الرحمن باطل بقوله أولئك الذين حق عليهم القول فأعلم الله أن هؤلاء لا يؤمنون وعبد الرحمن مؤمن والتفسير الصحيح أنا نزلت في الكافر العاق وروي عن مجاهد أنها نزلت في عبد الله بن أبي بكر وعن

الحسن أنها نزلت في جماعة من كفار قريش قالوا ذلك لآبائهم
قوله تعالى وقد خلت القرون من قبلي فيه قولان أحدهما مضت القرون فلم يرجع منهم أحد قاله مقاتل والثاني مضت القرون مكذبة بهذا قاله أبو سليمان الدمشقي قوله تعالى وهما يستغيثان الله أي يدعوان الله له بالهدى ويقولان له ويلك آمن أي صدق بالبعث فيقول ما هذا الذي تقولان إلا أساطير الأولين وقد سبق شرحها الأنعام25 القول أي وجب عليهم قضاء الله أنهم من أهل النار في أمم أي مع أمم فذكر الله تعالى في الآيتين قبل هذه من بر والديه وعمل بوصية الله عز و جل ثم ذكر من لم يعمل بالوصية ولم يطع ربه ولا والديه إنهم كانوا خاسرين وقرأ ابن السميفع وأبو عمران أنهم بفتح الهمزة
ثم قال ولكل درجات مما عملوا أي منازل ومراتب بحسب ما اكتسبوه من إيمان وكفر فيتفاضل أهل الجنة في الكرامة وأهل النار في

العذاب وليوفيهم أعمالهم قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وليوفيهم بالياء وقرأ الباقون بالنون أي جزاء أعمالهم
قوله تعالى ويوم يعرض المعنى واذكر لهم يوم يعرض الذين كفروا على النار أذهبتم أي ويقال لهم أذهبتم قرأ ابن كثير آذهبتم بهمزة مطولة وقرأ ابن عامر أأذهبتم بهمزتين وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي أذهبتم على الخبر وهو توبيخ لهم قال الفراء والزجاج العرب توبخ بالألف وبغير الأف فتقول أذهبت وفعلت كذا وذهبت ففعلت قال المفسرون والمراد بطيباتهم ما كانوا فيه من اللذات مشتغلين بها عن الآخرة معرضين عن شكرها ولما وبخهم الله بذلك آثر النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه والصالحون بعدهم اجتناب نعيم العيش ولذته ليتكامل أجرهم ولئلا يلهيهم عن معادهم وقد روي عن عمر بن الخطاب أنه دخل على رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو مضطجع على خصفة وبعضه على التراب وتحت رأسه وسادة محشوة ليفا فقال يا رسول الله أنت نبي الله وصفوته وكسرى وقيصر على سرر الذهب وفرش الديباج والحرير فقال صلى الله عليه و سلم يا عمر إن أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم وهي وشيكة الانقطاع وإنا أخرت لنا طيباتنا وروى جابر بن عبد الله قال رأى عمر بن الخطاب لحما معلقا في يدي فقال ما هذا ياجابر فقلت اشتهيت لحما فاشتريته فقال أو كلما اشتهيت

اشتريت يا جابر أما تخاف هذة الآية أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا وروي عن عمر أنه قيل له لو أمرت أن نصنع لك طعاما ألين من هذا فقال إني سمعت الله عير أقواما فقال أذهبتم طيباتكم في حياتكم الدنيا
قوله تعالى تستكبرون في الأرض أي تتكبرون عن عبادة الله والإيمان به
واذكر أخا عاد إذ أنذر قومه بالأحقاف وقد خلت النذر من بين يديه ومن خلفه ألا تعبدوا إلا الله إني أخاف عليكم عذاب يوم عظيم قالوا أجئتنا لتأفكنا عن آلهتنا فأتنا بما تعدنا إن كنت من الصادقين قال إنما العلم عند الله وأبلغكم ما أرسلت به ولكني أراكم قوما تجهلون فلما رأوه عارضا مستقبل أوديتهم قالوا هذا عارض ممطرنا بل هو ما استعجلتم به ريح فيها عذاب أليم تدمر كل شيء بأمر ربها فأصبحوا لا يرى إلا مساكنهم كذلك نجزي القوم المجرمين
قوله تعالى واذكر أخا عاد يعني هودا إذ أنذر قومه بالأحقاف قال الخليل الأحقاف الرمال العظام وقال ابن قتيبة واحد الأحقاف حقف وهو من الرمل ما أشرف من كثبانه واستطال وانحنى وقال ابن جرير هو ما استطال من الرمل ولم يبلغ أن يكون جبلا
واختلفوا في المكان الذي سمي بهذا الاسم على ثلاثة أقوال
أحدها أنه جبل بالشام قاله ابن عباس والضحاك

والثاني أنه واد ذكره عطية وقال مجاهد هي أرض وحكى ابن جرير أنه واد بين عمان ومهرة وقال ابن إسحاق كانوا ينزلون ما بين عمان وحضرموت واليمن كله
والثالث أن الأحقاف رمال مشرفة على البحر بأرض يقال لها الشحر قاله قتادة
قوله تعالى وقد خلت النذر أي قد مضت الرسل من قبل هود ومن بعده بانذار أممها ألا تعبدوا إلا الله والمعنى لم يبعث رسول قبل هود ولا بعده إلا بالأمر بعبادة الله وحده وهذا كلام اعترض بين إنذار هود وكلامه لقومه ثم عاد إلى كلام هود فقال إني أخاف عليكم
قوله تعالى لتأفكنا أي لتصرفنا عن عبادة آلهتنا بالإفك
قوله تعالى إنما العلم عند الله أي هو يعلم متى يأتيكم العذاب
فلما رأوه يعني ما يوعدون في قوله بما تعدنا عارضنا أي سحاب يعرض من ناحية السماء قال ابن قتيبة العارض السحاب قال المفسرون كان المطر قد حبس عن عاد فساق الله إليهم سحابة سوداء فلما رأوها فرحوا و قالوا هذا عارض ممطرنا فقال لهم هود بل هو ما استعجلتم به ثم بين ما هو فقال ريح فيها عذاب أليم فنشأت الريح من تلك السحابة تدمر كل شيء أي تهلك كل شيء مرت به من الناس والدواب والأموال قال عمرو بن ميمون لقد كانت الريح تحتمل الظعينة فترفعها حتى ترى كأنها جرادة فأصبحوا يعني عادا لا يرى إلا مساكنهم

قرأ عاصم وحمزة لا يرى برفع الياء إلا مساكنهم بدفع النون وقرأ علي وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن وقتادة والجحدري لا ترى بتاء مضمومة وقرأ أبو عمران وابن السميفع لا ترى بتاء مفتوحة إلا مسكنهم على التوحيد وهذا لأن السكان هلكوا فقيل أصبحوا وقد غطتهم الريح بالرمل فلا يرون
ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه وجعلنا لهم سمعا وأبصارا وأفئدة فما أغنى عنهم سمعهم ولا أبصارهم ولا أفئدتهم من شيء إذ كانوا يجحدون بآيات الله وحاق بهم ما كانوا به يستهزؤن ولقد اهلكنا ما حولكم من القرى وصرفنا الآيات لعلهم يرجعون فلولا نصرهم الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة بل ضلوا عنهم وذلك إفكهم وما كانوا يفترون
ثم خوف كفار مكة فقال عز و جل ولقد مكناهم فيما إن مكناكم فيه في إن قولان
أحدهما أنها بمعنى لم فتقديره فيما لم نمكنكم فيه قاله ابن عباس وابن قتيبة وقال الفراء هي بمنزلة ما في الجحد فتقدير الكلام في الذي لم نمكنكم في
ه والثاني أنها زائدة والمعنى فيما مكناكم فيه وحكاه ابن قتيبة أيضا

ثم أخبر أنه جعل لهم آلات الفهم فلم يتدبروا بها ولم يتفكروا فيما يدلهم على التوحيد قال المفسرون والمراد بالأفئدة القلوب وهذه الآلات لم ترد عنهم عذاب الله
ثم زاد كفار مكة في التخويف فقال ولقد أهلكنا ما حولكم من القرى كديار عاد وثمود وقوم لوط وغيرهم من الأمم المهلكة وصرفنا الآيات أي بيناها لعلهم يعني أهل القرى يرجعون عن كفرهم وهاهنا محذوف تقديره فما رجعوا عن كفرهم
فلولا أي فهلا نصرهم أي منعهم من عذاب الله الذين اتخذوا من دون الله قربانا آلهة يعني الأصنام التي تقربوا بعبادتها إلى الله على زعمهم وهذا استفهام إنكار معناه لم ينصروهم بل ضلوا عنهم أي لم ينفعوهم عند نزول العذاب وذلك يعني دعاءهم الآلهة إفكهم أي كذبهم وقرأ سعد بن أبي وقاص وابن يعمر وأبو عمران وذلك أفكهم بفتح الهمزة وقصرها وفتح الفاء وتشديدها ونصب الكاف وقرأ أبي بن كعب وابن عباس وأبو رزين والشعبي وأبو العالية والجحدري أفكهم بفتح الهمزة وقصرها ونصب الكاف والفاء وتخفيفها قال ابن جرير أي أضلهم وقال الزجاج معناها صرفهم عن الحق فجعلهم ضلالا وقرأ ابن مسعود

وأبو المتوكل آفكهم بفتح الهمزة ومدها وكسر الفاء وتخفيفها ورفع الكاف أي مضلهم
وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن يستمعون القرآن فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولوا إلى قومهم منذرين قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم يا قومنا أجيبوا داعي الله وآمنوا به يغفر لكم من ذنوبكم ويجركم من عذاب أليم ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض وليس له من دونه أولياء أولئك في ضلال مبين
قوله تعالى وإذ صرفنا إليك نفرا من الجن وبخ الله عز و جل بهذه الآية كفار قريش بما آمنت به الجن وفي سبب صرفهم إلى النبي صلى الله عليه و سلم ثلاثة أقوال
أحدها أنهم صرفوا إليه بسبب ما حدث من رجمهم بالشهب روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث ابن عباس قال انطلق رسول الله صلى الله عليه و سلم في طائفة من أصحابه عامدين إلى سوق عكاظ وقد حيل بين الشياطين وبين خبر السماء وأرسلت عليهم الشهب فرجعت الشياطين فقالوا ما لكم قالوا حيل بيننا وبين خبر السماء وأرسلت علينا الشهب قالوا ما ذاك إلا من شيء حدث فاضربوا مشارق الأرض ومغاربها فانظروا ما هذا الأمر فمر النفر الذين توجهوا نحو تهامة بالنبي صلى الله عليه و سلم وهو ب نخلة وهو يصلي بأصحابه صلاة الفجر فلما سمعوا

القرآن تسمعوا له فقالوا هذا الذي حال بينكم وبين خبر السماء فهنالك رجعوا إلى قومهم فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد الجن 1 2 فأنزل الله على نبيه قل أوحي إلى أنه استمع نفر من الجن الجن1 وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال ما قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم على الجن ولا رآهم وإنما أتوه وهو ب نخلة فسمعوا القرآن
والثاني أنهم صرفوا إليه لينذرهم وأمر أن يقرأ عليهم القرآن هذا مذهب جماعة منهم قتادة وفي أفراد مسلم من حديث علقمة قال قلت لعبد الله من كان منكم مع النبي صلى الله عليه و سلم ليلة الجن فقال ما كان منا معه أحد فقدناه ذات ليلة ونحن بمكة فقلنا اغتيل رسول الله صلى الله عليه و سلم أو استطير فانطلقنا نطلبه في الشعاب فلقيناه مقبلا من نحو حراء فقلنا يا رسول الله أين كنت لقد أشفقنا عليك وقلنا له بتنا الليلة بشر ليلة بات بها قوم حين فقدناك فقال إنه أتاني داعي الجن فذهبت أقرئهم القرآن فذهب بنا فأرانا آثارهم وآثار نيرانهم وقال قتادة ذكر لنا أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إني أمرت أن أقرأ على الجن فأيكم يتبعني فاطرقوا ثم استتبعهم فأطرقوا ثم استتبعهم الثالثة فأطرقوا فأتبعه عبد الله بن مسعود فدخل نبي الله صلى الله عليه و سلم شعبا يقال له شعب الحجون وخط على عبد الله خطا ليثبته به قال فسمعت لغطا شديدا حتى خفت على نبي الله صلى الله عليه و سلم فلما رجع قلت يا نبي الله ما اللغط

الذي سمعت قال اجتمعوا إلى في قتيل كان بينهم فقضيت بينهم بالحق
والثالث أنهم مروا به وهو يقرأ فسمعوا القرآن فذكر بعض المفسرين أنه لما يئس من أهل مكة أن يجيبوه خرج إلى الطائف ليدعوهم إلى الإسلام وقيل ليلتمس نصرهم وذلك بعد موت أبي طالب فلما كان ببطن نخلة قام يقرأ القرآن في صلاة الفجر فمر به نفر من أشراف جن نصيبين فاستمعوا القرآن فعلى هذا القول والقول الأول لم يعلم بحضورهم حتى أخبره الله تعالى وعلى القول الثاني علم بهم حين جاءوا وفي المكان الذي سمعوا فيه تلاوة النبي صلى الله عليه و سلم قولان أحدهما الحجون وقد ذكرناه عن ابن مسعود وبه قال قتادة والثاني بطن نخلة وقد ذكرناه عن ابن عباس وبه قال مجاهد
وأما النفر فقال ابن قتيبة يقال إن النفر ما بين الثلاثة إلى العشرة وللمفسرين في عدد هؤلاء النفر ثلاثة أقوال
أحدها أنهم كانوا سبعة قاله ابن مسعود وزر بن حبيش ومجاهد ورواه عكرمة عن ابن عباس

والثاني تسعة رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثالث اثني عشر ألفا روي عن عكرمة ولا يصح لأن النفر لا يطلق على الكثير
قوله تعالى فلما حضروه أي حضروا استماعه و قضي يعني فرغ من تلاوته ولوا إلى قومهم منذرين أي محذرين عذاب الله عز و جل إن لم يؤمنوا
وهل أنذروا قومهم من قبل أنفسهم أم جعلهم رسول الله رسلا إلى قومهم فيه قولان
قال عطاء كان دين أولئك الجن اليهودية فلذلك قالوا من بعد موسى
قوله تعالى أجيبوا داعي الله يعنون محمدا صلى الله عليه و سلم وهذا يدل على أنه أرسل إلى الجن والإنس
قوله تعالى يغفر لكم من ذنوبكم من هاهنا صلة

قوله تعالى فليس بمعجز في الأرض أي لا يعجز الله تعالى وليس له من دونه أولياء أي أنصار يمنعونه من عذاب الله تعالى أولئك الذين لا يجيبون الرسل في ضلال مبين أولم يروا أن الله الذي خلق السموات والأرض ولم يعي بخلقهن بقادر على أن يحيي الموتى بلى إنه على كل شيء قدير ويوم يعرض الذين كفروا على النار أليس هذا بالحق قالوا بلى وربنا قال فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون فاصبر كما صبر أولوا العزم من الرسل ولا تستعجل لهم كأنهم يوم يرون ما يوعدون لم يلبثوا إلا ساعة من نهار بلاغ فهل يهلك إلا القوم الفاسقون
ثم احتج على إحياء الموتى بقوله أولم يروا إلى آخر الآية والرؤية هاهنا بمعنى العلم
ولم يعي أي لم يعجز عن ذلك يقال عي فلان بأمره إذا لم يهتد له ولم يقدر عليه قال الزجاج يقال عييت بالأمر إذا لم تعرف وجهه وأعييت إذا تعبت

قوله تعالى بقادر قال أبو عبيدة والأخفش الباء زائدة مؤكدة وقال الفراء العرب تدخل الباء مع الجحد مثل قولك ما أظنك بقائم وهذ قول الكسائي والزجاج وقرأ يعقوب يقدر بياء مفتوحة مكان الباء وسكون القاف ورفع الراء من غير ألف وما بعد هذا ظاهر إلى قوله كما صبر أولوا العزم أي ذوو الحزم والصبر وفيهم عشرة أقوال
أحدها أنهم نوح وإبراهيم وموسى وعيسى ومحمد صلى الله عليه و سلم رواه الضحاك عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقتادة وعطاء الخراساني وابن السائب
والثاني نوح وهود وإبراهيم ومحمد صلى الله عليهم وسلم قاله أبو العالية الرياحي
والثالث أنهم الذين لم تصبهم فتنة من الأنبياء قاله الحسن
والرابع أنهم العرب من الأنبياء قاله مجاهد والشعبي
والخامس أنهم إبراهيم وموسى وداود وسليمان وعيسى ومحمد صلى الله عليه و سلم قاله السدي
والسادس أن منهم إسماعيل ويعقوب وأيوب وليس منهم آدم ولا يونس ولا سليمان قاله ابن جريج
والسابع أنهم الذين أمروا بالجهاد والقتال قاله ابن السائب وحكي عن السدي
والثامن أنهم جميع الرسل فان الله لم يبعث رسولا إلا كان من أولي العزم قاله ابن زيد واختاره ابن الأنباري وقال من دخلت للتجنيس لا للتبعيض كما تقول قد رأيت الثياب من الخز والجباب من القز

والتاسع أنهم الأنبياء الثمانية عشر المذكورون في سورة الأنعام 83 86 قاله الحسين بن الفضل
والعاشر أنهم جميع الأنبياء إلا يونس حكاه الثعلبي
قوله تعالى ولا تستعجل لهم يعني العذاب قال بعض المفسرين كان النبي صلى الله عليه و سلم ضجر بعض الضجر وأحب أن ينزل العذاب بمن أبى من قومه فأمر بالصبر
قوله تعالى كأنهم يوم يرون ما يوعدون أي من العذاب لم يلبثوا في الدنيا إلا ساعة من نهار لأن ما مضى كأنه لم يكن وإن كان طويلا وقيل لأن مقدار مكثهم في الدنيا قليل في جنب مكثهم في عذاب الآخرة وهاهنا تم الكلام ثم قال بلاغ أي هذا القرآن وما فيه من البيان بلاغ عن الله إليكم
وفي معنى وصف القرآن بالبلاغ قولان
أحدهما أن البلاغ بمعنى التبليغ
والثاني أن معناه الكفاية فيكون المعنى ما أخبرناهم به لهم فيه كفاية وغنى
وذكر ابن جرير وجها آخر وهو أن المعنى لم يلبثوا إلا ساعة من نهار ذلك لبث بلاغ أي ذلك بلاغ لهم في الدنيا إلى آجالهم ثم حذفت ذلك لبث اكتفاء بدلالة ما ذكر في الكلام عليها

وقرأ أبو العالية وأبو عمران بلغ بكسر اللام وتشديدها وسكون الغين من غير ألف
قوله تعالى فهل يهلك وقرأ أبو رزين وأبو المتوكل وابن محيصن يهلك بفتح الياء وكسر اللام أي عند رؤية العذاب إلا القوم الفاسقون الخارجون عن أمر الله عز و جل

سورة محمد صلى الله عليه و سلم
وفيها قولان
أحدهما أنها مدنية قاله الأكثرون منهم مجاهد ومقاتل وحكي عن ابن عباس وقتادة أنها مدنية إلا آية منها نزلت عليه بعد حجة حين خرج من مكة وجعل ينظر إلى البيت وهي قوله وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك محمد 13
والثاني أنها مكية قاله الضحاك والسدي بسم الله الرحمن الرحيم
الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله أضل أعمالهم والذين آمنوا وعملوا الصالحات وآمنوا بما نزل على محمد وهو الحق من ربهم كفر عنهم سيآتهم وأصلح بالهم ذلك بأن الذين كفروا اتبعوا الباطل وأن الذين آمنوا اتبعوا الحق من ربهم كذلك يضرب الله للناس أمثالهم فاذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتمهوهم

فشدوا الوثاق فإما منا بعد وإما فداء حتى تضع الحرب أوزارها ذلك ولو يشاء الله لانتصر منه ولكن ليبلوا بعضكم ببعض والذين قتلوا في سبيل الله فلن يضل أعمالهم سيهديهم ويصلح بالهم ويدخلهم الجنة عرفها لهم
قوله تعالى الذين كفروا أي بتوحيد الله وصدوا الناس عن الإيمان به وهم مشركو قريش أضل أعمالهم أي أبطلها ولم يجعل لها ثوابا فكأنها لم تكن وقد كانوا يطعمون الطعام ويصلون الأرحام ويتصدقون ويفعلون ما يعتقدونه قربة
والذين آمنوا وعملوا الصالحات يعني أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم
وأمنوا بما نزل على محمد وقرأ ابن مسعود نزل بفتح النون والزاي وتشديدها وقرأ أبي بن كعب ومعاذ القارئ أنزل بهمزة مضمومة مكسورة الزاي وقرأ أبو رزين وأبو الجوزاء وأبو عمران نزل بفتح النون والزاي وتخفيفها كفر عنهم سيئاتهم أي غفرها لهم وأصلح بالهم أي حالهم قاله قتادة والمبرد
قوله تعالى ذلك قال الزجاج معناه الأمر ذلك وجائز أن يكون ذلك الإضلال لاتباعهم الباطل وتلك الهداية والكفارات باتباع المؤمنين الحق كذلك يضرب الله للناس أمثالهم أي كذلك يبين أمثلا حسنات المؤمنين وسيئات الكافرين كهذا البيان
قوله تعالى فضرب الرقاب إغراء والمعنى فاقتلوهم لان الأغلب في موضع القتل ضرب العنق حتى إذا أثخنتموهم أي أكثرتم فيهم

القتل فشدوا الوثاق يعني في الأسر وإنما يكون الأسر بعد المبالغة في القتل والوثاق اسم من الإيثاق تقول أوثقته إيثاقا ووثاقا إذا شددت أسره لئلا يفلت فإما منا بعد قال أبو عبيدة إما أن تمنوا وإما أن تفادوا ومثله سقيا ورعيا وإنما هو سقيت ورعيت وقال الزجاج إما مننتم عليهم بعد أن تأسروهم منا وإما أطلقتموهم بفداء
فصل وهذه الآية محكمة عند عامة العلماء وممن ذهب إلى أن حكم المن والفداء باق لم ينسخ ابن عمر ومجاهد والحسن وابن سيرين وأحمد والشافعي وذهب قوم إلى نسخ المن والفداء بقوله فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم وممن ذهب إلى هذا ابن جريج والسدي وأبو حنيفة وقد أشرنا إلى القولين في براءة 5
قوله تعالى حتى تضع الحرب أوزارها قال ابن عباس حتى لا يبقى أحد من المشركين وقال مجاهد حتى لا يكون دين إلا دين الإسلام وقال سعيد بن جبير حتى يخرج المسيح وقال الفراء حتى لا يبقى إلا مسلم أو مسالم وفي معنى الكلام قولان
أحدهما حتى يضع أهل الحرب سلاحهم قال الأعشى ... وأعددت للحرب أوزارها ... رماحا طوالا وخيلا ذكورا

وأصل الوزر ما حملته فسمي السلاح أوزارا لأنه يحمل هذا قول ابن قتيبة
والثاني حتى تضع حربكم وقتالكم أوزار المشركين وقبائح أعمالهم بأن يسلموا ولا يعبدوا إلا الله ذكره الواحدي
قوله تعالى ذلك أي الأمر ذلك الذي ذكرنا ولو يشاء الله لانتصر منهم باهلاكهم أوتغذيتهم بما شاء ولكن أمركم بالحرب ليبلو بعضكم ببعض فيثيب المؤمن ويكرمه بالشهادة ويخزي الكافر بالقتل والعذاب
قوله تعالى والذين قتلوا قرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم قتلوا بضم القاف وكسر التاء والباقون قاتلوا بألف
قوله تعالى سيهديهم فيه أربعة أقوال أحدها يهديهم إلى أرشد الأمور قاله ابن عباس والثاني يحقق لهم الهداية قاله الحسن والثالث إلى محاجة منكر ونكير والرابع إلى طريق الجنة حكاهما الماوردي
وفي قوله عرفها لهم قولان
أحدهما عرفهم منازلهم فيها فلا يستدلون عليها ولا يخطئونها هذا قول الجمهور منهم مجاهد وقتادة واختاره الفراء وأبو عبيدة
والثاني طيبها لهم رواه عطاء عن ابن عباس قال ابن قتيبة وهو قول أصحاب اللغة يقال طعام معرف أي مطيب
وقرأ أبو مجلز وأبو رجاء وابن محيصن عرفها لهم بتخفيف الراء

يا ايها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم والذين كفروا فتعسا لهم وأضل أعمالهم ذلك بأنهم كرهوا ما أنزل الله فأحبط أعمالهم أفلم يسيروا في الأرض فينظروا كيف كان عاقبة الذين من قبلهم دمر الله عليهم وللكافرين أمثالها ذلك بأن الله مولى الذين آمنوا وأن الكافرين لا مولى لهم إن الله يدخل الذين آمنوا وعملوا الصالحات جنات تجري من تحتها الأنهار والذين كفروا يتمتعون ويأكلون كما تأكل الأنعام والنار مثوى لهم وكأين من قرية هي أشد قوة من قريتك التي أخرجتك أهلكناهم فلا ناصر لهم أفمن كان على بينة من ربه كمن زين له سوء عمله واتبعوا أهوائهم
قوله تعالى إن تنصروا الله أي تنصروا دينه ورسوله ينصركم على عدوكم ويثبت أقدامكم عند القتال وروى المفضل عن عاصم ويثبت بالتخفيف والذين كفروا فتعسا لهم قال الفراء المعنى فأتعسهم الله والدعاء قد يجري مجرى الأمر والنهي قال ابن قتيبة هو من قولك تعست

أي عثرت وسقطت وقال الزجاج التعس في اللغة الانحطاط والعثور وما بعد هذا قد سبق بيانه الكهف 105 يوسف 109 إلى قوله دمر الله عليهم أي أهلكم الله وللكافرين أمثالها أي أمثال تلك العاقبة
ذلك الذي فعله بالمؤمنين من النصر وبالكافرين من الدمار بأن الله مولى الذين آمنوا أي وليهم
وما بعد هذا ظاهر إلى قوله ويأكلون كما تأكل الأنعام أي إن الأنعام تأكل وتشرب ولا تدري ما في غد فكذلك الكفار لا يلتفتون إلى الآخرة والمثوى المنزل
وكأين مشروح في آل عمران 146 والمراد بقريته مكة وأضاف القوة والإخراج إليها والمراد أهلها ولذلك قال أهلكناهم
قوله تعالى أفمن كان على بينة من ربه فيه قولان أحدهما أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله بو العالية والثاني أنه المؤمن قاله الحسن
وفي البينة قولان أحدهما القرآن قاله ابن زيد والثاني الدين قاله ابن السائب
كمن زين له سوء عمله يعني عبادة الأوثان وهو الكافر واتبعوا أهواءهم بعبادتها

مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى ولهم فيها من كل الثمرات ومغفرة من ربهم كمن هو خالد في النار وسقوا ماء حميما فقطع امعاؤهم
مثل الجنة التي وعد المتقون أي صفتها وقد شرحناه في الرعد 35 والمتقون عند المفسرين الذين يتقون الشرك والآسن المتغير الريح قاله أبو عبيدة والزجاج وقال ابن قتيبة هو المتغير الريح والطعم والآجن نحوه وقرأ ابن كثير غير أسن بغير مد وقد شرحنا قوله لذة للشاربين في الصافات 46
قوله تعالى من عسل مصفى أي من عسل ليس فيه عكر ولا كدر كعسل أهل الدنيا
قوله تعالى كمن هو خالد في النار قال الفراء أراد من كان في هذا النعيم كمن هو خالد في النار
قوله تعالى ماء حميما أي حارا شديد الحرارة والأمعاء جميع ما في

البطن من الحوايا ومنهم من يستمع إليك حتى إذا خرجوا من عندك قالوا للذين أوتوا العلم ماذا قال آنفا أولئك الذين طبع الله على قلوبهم واتبعوا أهواءهم والذين اهتدوا زادهم هدى وآتهم تقواهم فهل ينظرون إلا الساعة أن تأتيهم بغتة فقد جاء أشراطها فأنى لهم إذا جاءتهم ذكراهم
قوله تعالى ومنهم من يستمع إليك يعني المنافقين وفيما يستمعون قولان أحدهما أنه سماع خطبة رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم الجمعة والثاني سماع قوله على عموم الأوقات فاما الذين أوتوا العلم فالمراد بهم علماء الصحابة
قوله تعالى ماذا قال آنفا قال الزجاج أي ماذا قال الساعة وهو من قولك استأنفت الشيء إذا ابتدأته وروضة أنف لمن ترع أي لها أول يرعى فالمعنى ماذا قال في أول وقت يقرب منا وحدثنا عن أبي عمر غلام ثعلب أنه قال معنى آنفا مذ ساعة وقرأ ابن كثير في بعض الروايات عنه أنفا بالقصر وهذه قراءة عكرمة وحميد وابن محيصن قال أبو علي يجوز أن يكون ابن كثير توهم مثل حاذر وحذر وفاكه وفكه وفي استفهامهم قولان أحدهما لأنهم لم يعقلوا ما يقول ويدل عليه باقي الآية والثاني أنهم قالوه استهزاء
قوله تعالى والذين اهتدوا فيهم قولان أحدهما أنهم المسلمون

قاله الجمهور والثاني قوم من أهل الكتاب كانوا على الإيمان بأنبيائهم وبمحمد صلى الله عليه و سلم فلما بعث محمد صلى الله عليه و سلم آمنوا به قاله عكرمة
وفي الذي زادهم ثلاثة أقوال أحدها أنه الله عز و جل والثاني قول الرسول والثالث استهزاء المنافقين زاد المؤمنين هدى ذكرهن الزجاج وفي معنى الهدى قولان أحدهما أنه العلم والثاني البصيرة
وفي قوله وآتاهم تقواهم ثلاثة أقوال أحدها ثواب تقواهم في الآخرة قاله السدي والثاني اتقاء المنسوخ والعمل بالناسخ قاله عطية والثالث أعطاهم التقوى مع الهدى فاتقوا معصيته خوفا من عقوبته قاله أبو سليمان الدمشقي و
ينظرون بمعنى ينتظرون أن تأتيهم وقرأ أبي بن كعب وأبو الأشهب وحميد إن تأتهم بكسر الهمزة من غير ياء بعد التاء والأشراط العلامات قال أبو عبيدة الأشراط الأعلام وإنما سمي الشرط فيما ترى لأنهم أعلموا أنفسهم قال المفسرون ظهور النبي صلى الله عليه و سلم من أشراط الساعة وانشقاق القمر والدخان وغير ذلك

فأنى لهم أي فمن أين لهم إذا جاءتهم الساعة ذكراهم قال قتادة أنى لهم أن يذكروا ويتوبوا إذا جاءت
فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين والمؤمنات والله يعلم متقلبكم ومثواكم ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة فاذا أنزلت سورة محكمة وذكر فيها القتال رأيت الذين في قلوبهم مرض ينظرون إليك نظر المغشي عليه من الموت فأولى لهم طاعة وقول معروف فاذا عزم الأمر فلو صدقوا الله لكان خيرا لهم
قوله تعالى فاعلم أنه لا إله إلا الله قال بعضهم اثبت على علمك وقال قوم المراد بهذا الخطاب غيره وقد شرحنا هذا في فاتحة الأحزاب وقيل إنه كان يضيق صدره بما يقولون فقيل له اعلم انه لا كاشف لما بك إلا الله فأما قوله واستغفر لذنبك فانه كان يستغفر في اليوم مائة مرة وأمر أن يستغفر للمؤمنين والمؤمنات إكراما لهم لأنه شفيع مجاب

والله يعلم متقلبكم ومثواكم فيه ثلاثة أقوال
أحدها متقلبكم في الدنيا ومثواكم في الآخرة وهو معنى قول ابن عباس
والثاني متقلبكم في أصلاب الرجال إلى أرحام النساء ومقامكم في القبور قاله عكرمة
والثالث متقلبكم بالنهار ومثواكم أي مأواكم بالليل قاله مقاتل
قوله تعالى ويقول الذين آمنوا لولا نزلت سورة قال المفسرون سألوا ربهم أن ينزل سورة فيها ثواب القتال في سبيل الله اشتياقا منهم إلى الوحي وحرصا على الجهاد فقالوا لولا أي هلا وكان أبو مالك الأشجعي يقول لا هاهنا صلة فالمعنى لو أنزلت سورة شوقا منهم إلى الزيادة في العلم ورغبة في الثواب والأجر بالاستكثار من الفرائض
وفي معنى محكمة ثلاثة أقوال أحدها أنها التي يذكر فيها القتال قاله قتادة والثاني أنها التي يذكر فيها الحلال والحرام والثالث التي لا منسوخ فيها حكاهما أبو سليمان الدمشقي
ومعنى قوله وذكر فيها القتال أي فرض فيها الجهاد
وفي المراد بالمرض قولان أحدهما النفاق قاله ابن عباس والحسن ومجاهد والجمهور والثاني الشك قاله مقاتل

قوله تعالى ينظرون إليك اي يشخصون نحوك بأبصارهم ينظرون نظرا شديدا كما ينظر الشاخص ببصره عند الموت لأنهم يكرهون القتال ويخافون إن قعدوا أن يتبين نفاقهم
فأولى لهم قال الأصمعي معنى قولهم في التهديد أولى لك أي وليك وقاربك ما تكره وقال ابن قتيبة هذا وعيد وتهديد تقول للرجل إذا أردت به سوءا ففاتك أولى لك ثم ابتدأ فقال طاعة وقول معروف وقال سيبويه والخليل المعنى طاعة وقول معروف أمثل وقال الفراء الطاعة معروفة في كلام العرب إذا قيل لهم افعلوا كذلك قالوا سمع وطاعة فوصف الله قولهم قبل أن تنزل السورة أنهم يقولون سمع وطاعة فاذا نزل الأمر كرهوا وأخبروني حبان عن الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس قال قال الله تعالى فأولى ثم قال لهم أي للذين آمنوا منهم طاعة فصارت أولى وعيدا لمن كرهها واستأنف الطاعة ب لهم والأول عندنا كلام العرب وهذا غير مردود يعني حديث أبي صالح وذكر بعض المفسرين أن الكلام متصل بما قبله والمعنى فأولى لهم أن يطيعوا وأن يقولوا معروفا بالإجابة
قوله تعالى فاذا عزم الأمر قال الحسن جد الأمر وقال غيره جد رسول الله صلى الله عليه و سلم وأصحابه في الجهاد ولزم فرض القتال وصار الأمر معروفا عليه وجواب إذا محذوف تقديره فاذا عزم الأمر نكلوا يدل على المحذوف فلو صدقوا الله أي في إيمانهم وجهادهم لكان خيرا لهم من المعصية والكراهة

فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا في الأرض وتقطعوا أرحامكم أولئك الذين لعنهم الله فأصمهم وأعمى أبصارهم أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها إن الذين ارتدوا على أدبراهم من بعد ما تبين لهم الهدى الشيطان سول لهم وأملى لهم ذلك بأنهم قالوا للذين كرهوا ما نزل الله سنطيعكم في بعض الأمر والله يعلم إسرارهم فكيف إذا توفتهم الملائكة يضربون وجوههم وأدبارهم ذلك بأنهم اتبعوا ما أسخط الله وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم
قوله تعالى فهل عسيتم إن توليتم في المخاطب بهذا أربعة أقوال أحدها المنافقون وهو الظاهر والثاني منافقو اليهود قاله مقاتل والثالث الخوارج قاله بكر بن عبد الله المزني والرابع قريش حكاه جماعة منهم الماوردي
وفي قوله توليتم قولان
أحدهما أنه بمعنى الإعراض فالمعنى إن أعرضتم عن الإسلام أن تفسدوا في الأرض بأن تعودوا إلى الجاهلية يقتل بعضكم بعضا ويغير بعضكم على بعض ذكره جماعة من المفسرين
والثاني أنه من الولاية لأمور الناس قاله القرظي فعلى هذا يكون معنى ان تفسدوا في الأرض بالجور والظلم
وقرأ يعقوب وتقطعوا بفتح التاء والطاء وتخفيفها وسكون القاف ثم ذم من يريد ذلك بالآية التي بعد هذه

وما بعد هذا قد سبق النساء 82 إلى قوله أم على قلوب أقفالها أم بمعنى بل وذكر الأقفال استعارة والمراد أن القلب يكون كالبيت المقفل لا يصل إليه الهدى قال مجاهد الران أيسر من الطبع والطبع أيسر من الإقفالوالاقفال أشد ذلك كله وقال خالد بن معدان مامن آدمي إلا وله أربع أعين عينان في رأسه لدنياه وما يصلحه من معيشته وعينان في قلبه لدينه وما وعد الله من الغيب فاذا أراد الله بعبد خيرا أبصرت عيناه اللتان في قلبه وإذا أراد به غير ذلك طمس عليهما فذلك قوله أم على قلوب أقفالها قوله تعالى إن الذين ارتدوا على أدبارهم أي رجعوا كفارا وفيهم قولان أحدهما أنهم المنافقون قاله ابن عباس والسدي وابن زيد والثاني أنهم اليهود قاله قتادة ومقاتل من بعد ما تبين لهم الهدى أي من بعد ما وضح لهم الحق ومن قال هم اليهود قال من بعد أن

تبين لهم وصف رسول الله صلى الله عليه و سلم ونعته في كتابهم و سول بمعنى زين وأملى لهم قرأ أبو عمرو وزيد عن يعقوب وأملي لهم بضم الهمزة وكسر اللام وبعدها ياء مفتوحة وقرا يعقوب إلا زيدا وأبان عن عاصم كذلك إلا أنهما أسكنا الياء وقرأ الباقون بفتح الهمزة واللام وقد سبق معنى الإملاء آل عمران 178 الأعراف 183
قوله تعالى ذلك قال الزجاج المعنى الأمر ذلك أي ذلك الإضلال بقولهم للذين كرهوا ما نزل الله وفي الكارهين قولان
أحدهما أنهم المنافقون فعلى هذا في معنى قوله سنطيعكم في بعض الأمر ثلاثة أقوال أحدها في القعود عن نصرة محمد صلى الله عليه و سلم قاله السدي والثاني في الميل إليكم والمظاهرة على محمد صلى الله عليه و سلم والثالث في الارتداد بعد الإيمان حكاهما الماوردي
والثاني أنهم اليهود فعلى هذا في الذي أطاعوهم فيه قولان أحدهما في أن لا يصدقوا شيئا من مقالة رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله الضحاك والثاني في كتم ما علموه من نبوته قاله ابن جريج
والله يعلم إسرارهم قرأ حمزة والكسائي وخلف وحفص عن عاصم والوليد عن يعقوب بكسر الألف على أنه مصدر أسررت وقرأ الباقون بفتحها على أنه جمع سر والمعنى أنه يعلم ما بين اليهود والمنافقين من السر

قوله تعالى فكيف إذا توفتهم الملائكة أي فكيف يكون حالهم حينئذ وقد بينا في الأنفال 50 معنى قوله يضربون وجوهم وأدبارهم
قوله تعالى وكرهوا رضوانه أي كرهوا ما فيه الرضوان وهو الإيمان والطاعة
أم حسب الذين في قلوبهم مرض أن لن يخرج الله أضغانهم ولو نشاء لأريناكهم فلعرفتهم بسيماهم ولتعرفنهم في لحن القول والله يعلم أعمالكم ولنبلونكم حتى نعلم المجاهدين منكم والصابرين ونبلوا أخباركم إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله وشاقوا الرسول من بعد ما تبين لهم الهدى لن يضروا الله شيئا وسيحبط أعمالهم يا أيها الذين آمنوا أطيعوا الله واطيعوا الرسول ولا تبطلوا أعمالكم إن الذين كفروا وصدوا عن سبيل الله ثم ماتوا وهم كفار فلن يغفر الله لهم
قوله تعالى أم حسب الذين في قلوبهم مرض أي نفاق أن لن يخرج الله أضغانهم قال الفراء أي لن يبدي الله عداوتهم وبغضهم لمحمد صلى الله عليه و سلم وقال الزجاج أي لن يبدي عداوتهم لرسوله صلى الله عليه و سلم ويظهره على نفاقهم

ولو نشاء لأريناكهم أي لعرفنا كهم تقول قد أريتك هذا الأمر أي قد عرفتك إياه المعنى لو نشاء لجعلنا على المنافقين علامة وهي السماء فلعرفتهم بسيماهم أي بتلك العلامة ولتعرفنهم في لحن القول أي في فحوى القول فدل بهذا على أن قول القائل وفعله يدل على نيته وقول الناس قد لحن فلان تأويله قد أخذ في ناحية عن الصواب وعدل عن الصواب إليها وقول الشاعر ... منطق صائب وتلحن أحيانا ... وخير الحديث ما كان لحنا ...
تأويله خير الحديث من مثل هذه ما كان لا يعرفه كل أحد إنما يعرف قولها في أنحاء قولها قال المفسرون ولتعرفنهم في فحوى الكلام ومعناه ومقصده فإنهم يتعرضون بتهجين أمرك والاستهزاء بالمسلمين قال ابن جرير ثم عرفه الله إياهم
قوله تعالى ولنبلونكم أي ولنعاملنكم معاملة المختبر بأن نأمركم بالجهاد حتى نعلم العلم الذي هو علم وجود وبه يقع الجزاء وقد شرحنا هذا في العنكبوت 3
قوله تعالى ونبلو أخباركم أي نظهرها ونكشفها باباء من يأبى القتال ولا يصبر على الجهاد وقرأ أبو بكر عن عاصم وليبلونكم بالياء حتى يعلم بالياء ويبلو بالياء فيهن وقرأ معاذ القارئ

وأيوب السختياني أخياركم بالياء جمع خير
قوله تعالى إن الذين كفروا الآية اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال
أحدها أنها في المطعمين يوم بدر قاله ابن عباس والثاني أنها نزلت في الحارث بن سويد ووحوح الأنصاري أسلما ثم ارتدا فتاب الحارث ورجع إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وأبى صاحبه أن يرجع حتى مات قاله السدي
والثالث أنها في اليهود قاله مقاتل
والرابع أنها في قريظة والنضير ذكره الواحدي
قوله تعالى ولا تبطلوا أعمالكم اختلفوا في مبطلها على أربعة أقوال أحدها المعاصي والكبائر قاله الحسن والثاني الشك والنفاق قاله عطاء والثاث الرياء والسمعة قاله ابن السائب والرابع بالمن وذلك

أن قوما من الأعراب قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا أتيناك طائعين فلنا عليك حق فنزلت هذه الآية ونزل قوله يمنون عليك أن أسلموا الحجرات 17 هذا قول مقاتل قال القاضي أبو يعلى وهذا يدل على أن كل من دخل في قربة لم يجز له الخروج منها قبل إتمامها وهذا على ظاهره في الحج فأما في الصلاة والصيام فهو على سبيل الاستحباب
فلا تهنوا وتدعوا إلى السلم وأنتم الأعلون والله معكم ولن يتركم أعمالكم إنما الحياةالدنيا لعب ولهو وإن تؤمنوا وتتقوا يؤتكم أجوركم ولا يسئلكم أموالكم إن يسئلكموها فيحفكم تبخلوا ويخرج أضغانكم ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه والله الغني وأنتم الفقراء وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم
قوله تعالى فلا تهنوا أي فلا تضعفوا وتدعوا إلى السلم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وحفص عن عاصم إلى السلم بفتح السين وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم بكسر السين والمعنى لا تدعوا الكفار إلى الصلح ابتداءا وفي هذا دلالة على أنه لا يجوز طلب الصلح من المشركين و دلالة على أن النبي صلى الله عليه و سلم لم يدخل مكة صلحا لأنه نهاه عن الصلح

قوله تعالى وأنتم الأعلون أي أنتم أعز منهم والحجة لكم وآخر الأمر لكم وإن غلبوكم في بعض الأوقات والله معكم بالعون والنصرة ولن يتركم قال ابن قتيبة أي لن ينقصكم ولن يظلمكم يقال وترتني حقي أي بخستنيه قال المفسرون المعنى لن ينقصكم من ثواب أعمالكم شيئا
قوله تعالى ولا يسألكم أموالكم أي لن يسألكموها كلها
قوله تعالى فيحفكم قال الفراء يجهدكم وقال ابن قتيبة يلح عليكم بما يوجبه في أموالكم تبخلوا يقال أحفاني بالمسألة وألحف إذا ألح وقال السدي إن يسألكم جميع ما في أيديكم تبخلوا
ويخرج أضغانكم وقرأ سعد بن أبي وقاص وابن عباس وابن يعمر ويخرج بياء مرفوعه وفتح الراء أضغانكم بالرفع وقرأ أبي بن كعب وأبو رزين وعكرمة وابن السميفع وابن محيصن والجحدري وتخرج بتاء مفتوحة ورفع الراء أضغانكم بالرفع وقرأ ابن مسعود والوليد عن

يعقوب ونخرج بنون مرفوعة وكسر الراء أضغانكم بنصب النون أي يظهر بغضكم وعداوتكم لله ولرسوله صلى الله عليه و سلم ولكنه فرض عليكم يسيرا
وفيمن يضاف إليه هذا الإخراج وجهان
أحدهما إلى الله عز و جل والثاني البخل حكاهما الفراء وقد زعم قوم أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة وليس بصحيح لأنا قد بينا أن معنى الآية إن يسألكم جميع أموالكم والزكاة لا تنافي ذلك
قوله تعالى ها أنتم هؤلاء تدعون لتنفقوا في سبيل الله يعني ما فرض عليكم في أمولكم فمنكم من يبخل بما فرض عليه من الزكاة ومن يبخل فانما يبخل عن نفسه أي على نفسه بما ينفعها في الآخرة والله الغني عنكم وعن أموالكم وأنتم الفقراء إليه إلى ما عنده من الخير والرحمة وإن تتولوا عن طاعته يستبدل قوما غيركم أطوع له منكم ثم لا يكونوا أمثالكم بل خيرا منكم وفي هؤلاء القوم ثمانية أقوال
احدها أنهم العجم قاله الحسن وفيه حديث يرويه ابو هريرة قال لما نزلت وإن تتولوا يستبدل قوما غيركم كان سلمان إلى جنب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا يا رسول الله من هؤلاء الذين إذا تولينا استبدلوا بنا فضرب رسول الله صلى الله عليه و سلم يده على منكب سلمان فقال هذا وقومه والذي نفسي بيده لو أن الدين معلق بالثريا لتناوله رجال من فارس والثاني فارس والروم قاله

عكرمة والثالث من يشاء من جميع الناس قاله مجاهد والرابع يأتي بخلق جديد غيركم وهو معنى قول قتادة والخامس كندة والنخع قاله ابن السائب والسادس أهل اليمن قاله راشد بن سعد وعبد الرحمن بن جبير وشريح ابن عبيد والسابع الأنصار قاله مقاتل والثامن أنهم الملائكة حكاه الزجاج وقال فيه بعد لأنه لا يقال للملائكة قوم إنما يقال ذلك

للآدميين قال وقد قيل إن تولى أهل مكة استبدل الله بهم أهل المدينة وهذا معنى ما ذكرنا عن مقاتل

سورة الفتح وهي مدنية كلها باجماعهم بسم الله الرحمن الرحيم
إنا فتحنا لك فتحا مبينا ليغفر لك الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر ويتم نعمته عليك ويهديك صراطا مستقيما وينصرك الله نصرا عزيزا
قوله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا الآية سبب نزولها أنه لما نزل قوله وما أدري ما يفعل بي ولا بكم الأحقاف 9 قال اليهود كيف نتبع رجلا لا يدري ما يفعل به فاشتد ذلك على رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية رواه عطاء عن ابن عباس
وفي المراد بالفتح أربعة أقوال
أحدها أنه كان يوم الحديبية قاله الأكثرون قال البراء بن عازب نحن نعد الفتح بيعة الرضوان وقال الشعبي هو فتح الحديبية غفر له

ما تقدم من ذنبه وما تأخر وأطعموا نخل خيبر وبلغ الهدي محله وظهرت الروم على فارس ففرح المؤمنون بظهور أهل الكتاب على المجوس قال الزهري لم يكن فتح أعظم من صلح الحديبية وذلك أن المشركين اختلطوا بالمسلمين فسمعوا كلامهم فتمكن الإسلام في قلوبهم وأسلم في ثلاث سنين خلق كثير وكثر بهم سواد الإسلام قال مجاهد يعني بالفتح ما قضى الله له من نحر الهدي

بالحديبية وحلق رأسه وقال ابن قتيبة إنا فتحنا لك فتحا مبينا أي قضينا لك قضاء عظيما ويقال للقاضي الفتاح قال الفراء والفتح قد يكون صلحا ويكون أخذ الشيء عنوة ويكون بالقتال وقال غيره معنى الفتح في اللغة فتح المنغلق والصلح الذي جعل مع المشركين بالحديبية كان مسدودا متعذرا حتى فتحه الله تعالى
الإشارة إلى قصة الحديبية
روت عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم رأى في النوم كأن قائلا يقول له لتدخلن المسجد الحرام أن شاء الله آمنين فأصبح فحدث الناس برؤياه وأمرهم بالخروج للعمرة فذكر أهل العلم بالسير أنه خرج واستنفر أصحابه للعمرة وذلك في سنة ست ولم يخرج بسلاح إلا السيوف في القرب وساق هو وأصحابه البدن فصلى الظهر ب ذي الحليفة ثم دعا بالبدن فجللت ثم أشعرها وقلدها فعل ذلك أصحابه وأحرم ولبى فبلغ المشركين خروجه فاجمع رأيهم على صده عن المسجد الحرام

وخرجوا حتى عسكروا ب بلدح وقدموا مائتي فارس إلى كراع الغميم وسار رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى دنا من الحديبية قال الزجاج وهي بئر فسمي المكان باسم البئر قالوا وبينها وبين مكة تسعة أميال فوقفت يدا راحلته فقال المسلمون حل حل يزجرونها فأبت فقالوا خلأت القصواء والخلاء في الناقة مثل الحران في الفرس فقال ما خلأت ولكن حبسها حابس الفيل أما والله لا يسألوني خطة فيها تعظيم حرمة الله إلا أعطيتهم إياها ثم جرها فقامت فولى راجعا عوده على بدئه حتى نزل على ثمد من أثماد الحديبية قليل الماء فانتزع سهما من كنانته فغرزه فيها فجاشت لهم بالرواء وجاءه بديل بن ورقاء في ركب فسلموا وقالوا جئناك من

عند قومك وقد استنفروا لك الأحابيش ومن أطاعهم يقسمون لا يخلون بنيك وبين البيت حتى تبيد خضراءهم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم لم نأت لقتال أحد إنما جئنا لنطوف بهذا البيت فمن صدنا عنه قاتلناه فرجع بديل فأخبر قريشا فبعثوا عروة بن مسعود فكلمه بنحو ذلك فأخبر قريشا فقالوا نرده من عامنا هذا ويرجع من قابل فيدخل مكة ويطوف بالبيت فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم عثمان بن عفان قال اذهب إلى قريش فأخبرهم أنا لم نأت لقتال أحد وإنما جئنا زوارا لهذا البيت معنا الهدي ننحره وننصرف فأتاهم فاخبرهم فقالوا لا كان هذا أبدا ولا يدخلها العام وبلغ رسول الله صلى الله عليه و سلم أن عثمان قد قتل فقال لا نبرح حتى نناجزهم فذاك حين دعا المسلمين إلى بيعة الرضوان فبايعهم تحت الشجرة
وفي عددهم يومئذ أربعة أقوال
أحدها ألف وأربعمائة قاله البراء وسلمة بن الأكوع وجابر ومعقل بن يسار
والثاني ألف وخمسمائة روي عن جابر أيضا وبه قال قتادة
والثالث ألف وخمسمائة وخمس وعشرون رواه العوفي عن ابن عباس
والرابع ألف وثلاثمائة قاله عبد الله بن أبي أوفى قال وضرب يومئذ رسول الله صلى الله عليه و سلم بشماله على يمينه لعثمان وقال إنه ذهب في حاجة الله ورسوله

وجعلت الرسل تختلف بينهم فأجمعوا على الصلح فبعثوا سهيل بن عمرو في عدة رجال فصالحه كما ذكرنا في براءة 7 فأقام بالحديبية بضعة عشر يوما ويقال عشرين ليلة ثم انصرف فلما كان ب ضجنان نزل عليه إنا فتحنا لك فتحا مبينا فقال جبريل يهنيك يا رسول الله وهنأه المسلمون
والقول الثاني أن هذا الفتح فتح مكة رواه مسروق عن عائشة وبه قال السدي وقال بعض من ذهب إلى هذا إنما وعد بفتح مكة بهذه الآية
والثالث أنه فتح خيبر قاله مجاهد والعوفي وعن أنس بن مالك كالقولين
والرابع أنه القضاء له بالإسلام قاله مقاتل وقال غيره حكمنا لك باظهار دينك والنصرة على عدوك
قوله تعالى ليغفر لك الله قال ثعلب اللام لام كي والمعنى لكي يجتمع لك مع المغفرة تمام النعمة في الفتح فلما انضم إلى المغفرة شيء حادث حسن معنى كي وغلط من قال ليس الفتح سبب المغفرة قوله تعالى ما تقدم من ذنبك وما تأخر قال ابن عباس والمعنى ما تقدم في الجاهلية وما تأخر ما لم تعلمه وهذا على سبيل التأكيد كما تقول فلان يضرب من يلقاه ومن لا يلقاه
قوله تعالى ويتم نعمته عليك فيه أربعة أقوال
أحدها أن ذلك في الجنة والثاني أنه بالنبوة والمغفرة رويا عن ابن عباس والثالث بفتح مكة والطائف وخيبر حكاه الماوردي والرابع باظهار دينك على سائر الأديان قاله أبو سليمان الدمشقي قوله تعالى ويهديك صراطا مستقيما أي ويثبتك عليه وقيل

ويهدي بك وينصرك الله على عدوك نصرا عزيزا قال الزجاج أي نصرا ذا عز لا يقع معه ذل
هو الذي أنزل السكينة في قلوب المؤمنين ليزدادوا إيمانا مع إيمانهم ولله جنود السموات والأرض وكان الله عليما حكيما ليدخل المؤمنين والمؤمنات جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ويكفر عنهم سيآتهم وكان ذلك عند الله فوزا عظيما ويعذب المنافقين والمنافقات والمشركين والمشركات الظانين بالله ظن السوء عليهم دائرة السوء وغضب الله عليهم ولعنهم وأعد لهم جهنم وساءت مصيرا ولله جنود السموات والأرض وكان الله عزيزا حكيما إنا أرسلناك

شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة وأصيلا إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فانما ينكث على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه الله أجرا عظيما
قوله تعالى هو الذي أنزل السكينة أي السكون والطمأنينة في قلوب المؤمنين لئلا تنزعج قلوبهم لما يرد عليهم فسلموا لقضاء الله وكانوا قد اشتد عليهم صد المشركين لهم عن البيت حتى قال عمر علام نعطي الدنية في ديننا فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنا عبد الله ورسوله لن أخالف أمره ولن يضيعني ثم أوقع الله الرضى بما جرى في قلوب المسلمين فسلموا وأطاعوا
ليزدادوا إيمانا وذلك أنه كلما نزلت فريضة زاد إيمانهم
ولله جنود السموات والأرض يريد أن جميع أهل السموات والأرض ملك له لو أراد نصرة نبيه بغيركم لفعل ولكنه اختاركم لذلك فاشكروه
قوله تعالى ليدخل المؤمنين الآية سبب نزولها أنه لما نزل قوله إنا فتحنا لك قال أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم هنيئا لك يا رسول الله بما أعطاك الله فما لنا فنزلت هذه الآية قاله أنس بن مالك قال مقاتل

فلما سمع عبد الله بن أبي بذلك انطلق في نفر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا ما لنا عند الله فنزلت ويعذب المنافقين الآية
قال ابن جرير كررت اللام في ليدخل على اللام في ليغفر فالمعنى إنا فتحنا لك ليغفر لك الله ليدخل المؤمنين ولذلك لم يدخل بينهما واو العطف والمعنى ليدخل وليعذب
قوله تعالى عليهم دائرة السوء قرأ ابن كثير وأبو عمرو بضم السين والباقون بفتحها
قوله تعالى وكان ذلك أي ذلك الوعد بادخالهم الجنة وتكفير سيئاتهم عند الله أي في حكمه فوزا عظيما والمعنى أنه حكم لهم بالفوز فلذلك وعدهم إدخال الجنة
قوله تعالى الظانين بالله ظن السوء فيه خمسة أقوال
أحدها أنهم ظنوا أن لله شريكا والثاني أن الله لا ينصر محمدا وأصحابه والثالث أنهم ظنوا به حين خرج إلى الحديبية أنه سيقتل أويهزم ولا يعود ظافرا والرابع أنهم ظنوا أنهم ورسول الله صلى الله عليه و سلم بمنزلة واحدة عند الله والخامس ظنوا أن الله لا يبعث الموتى وقد بينا معنى دائرة السوء في براءة 98
وما بعد هذا قد سبق بيانه الفتح 4 الاحزاب 45 إلى قوله ليؤمنوا

بالله ورسوله قرأ ابن كثير وأبو عمرو ليؤمنوا بالياء ويعزروه ويوقروه ويسبحوه كلهن بالياء والباقون بالتاء على معنى قل لهم إنا أرسلناك لتؤمنوا وقرا علي بن أبي طالب وابن السميفع ويعززوه بزاءين وقد ذكرنا في الأعراف 157 معنى ويعزروه عند قوله وعزروه ونصرون
قوله تعالى ويوقروه أي يعظموه ويبجلوه واختار كثير من القراء الوقف هاهنا لاختلاف الكناية فيه وفيما بعده
قوله تعالى ويسبحوه هذه الهاء ترجع إلى الله عز و جل والمراد بتسبيحه هاهنا الصلاة له قال المفسرون والمراد بصلاة البكرة الفجر وبصلاة الأصيل باقي الصلوات الخمس
قوله تعالى إن الذين يبايعونك يعني بيعة الرضوان بالحديبية وعلى ماذا بايعوه فيه قولان
أحدهما أنهم بايعوه على الموت قاله عبادة بن الصامت
والثاني على أن لا يفروا قاله جابر بن عبد الله ومعناهما متقارب لانه أراد على أن لا تفروا ولو متم وسميت بيعة لأنهم باعوا أنفسهم من الله بالجنة وكان العقد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم فكأنهم بايعوا الله عز و جل لأنه ضمن لهم الجنة بوفائهم
يد الله فوق أيديهم فيه أربعة أقوال
أحدها يد الله في الوفاء فوق أيديهم والثاني يد الله في الثواب فوق أيديهم والثالث يد الله عليهم في المنة بالهداية فوق أيديهم بالطاعة ذكر هذه

الأقوال الزجاج والرابع قوة الله ونصرته فوق قوتهم ونصرتهم ذكره ابن جرير وابن كيسان
قوله تعالى فمن نكث أي نقض ما عقده من هذه البيعة فانما ينكث على نفسه أي يرجع ذلك النقض عليه ومن أوفى بما عاهد عليه الله من البيعة فسنؤتيه قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبان عن عاصم فسنؤتيه بالنون وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي بالياء أجرا عظيما وهو الجنة قال ابن السائب فلم ينكث العهد منهم غير رجل واحد يقال له الجد بن قيس وكان منافقا
سيقول لك المخلفون من الأعراب شغلتنا أوموالنا وأهلونا فاستغفر لنا يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم قل فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا أو أراد بكم نفعا بل كان الله بما تعملون خبيرا بل ظننتم أن لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أبدا وزين ذلك في قلوبكم وظننتم ظن السوء وكنتم قوما بورا ومن لم يؤمن بالله ورسوله فانا أعتدنا للكافرين سعيرا ولله ملك السموات

والأرض يغفر لمن يشاء ويعذب من يشاء وكان الله غفورا رحيما
قوله تعالى سيقول لك المخلفون من الأعراب قال ابن إسحاق لما أراد العمرة استنفر من حول المدينة من أهل البوادي والأعراب ليخرجوا معه خوفا من قومه أن يعرضوا له بحرب أو بصد فتثاقل عنه كثير منهم فهم الذين عنى الله بقوله سيقول لك المخلفون من الأعراب قال أبو صالح عن ابن عباس وهم غفار ومزينة وجهينة وأشجع والديل وأسلم قال يونس النحوي الديل في عبد القيس ساكن الياء والدول من حنيفة ساكن الواو والدئل في كنانة رهط أبي الأسود الدؤلي فأما المخلفون فانهم تخلفوا مخافة القتل شغلتنا أموالنا وأهلونا أي خفنا عليهم الضيعة فاستغفر لنا أي ادع الله أن يغفر لنا تخلفنا عليهم الضيعة فاستغفر لنا أي ادع الله أن يغفر لنا تخلفنا عنك يقولون بألسنتهم ما ليس في قلوبهم أي ما يبالون استغفرت لهم أم لم تستغفر لهم
قوله تعالى فمن يملك لكم من الله شيئا إن أراد بكم ضرا قرأ حمزة والكسائي وخلف ضرا بضم الضاد والباقون بالفتح قال أبو علي الضر بالفتح خلاف النفع وبالضم سوء الحال ويجوز أن يكونا لغتين كالفقر والفقر وذلك أنهم ظنوا أن تخلفهم يدفع عنهم الضر ويعجل لهم النفع بسلامة أنفسهم وأموالهم فأخبرهم الله تعالى أنه إن أراد بهم شيئا لم يقدر أحد على دفعه عنهم بل كان الله بما تعملون خبيرا من تخلفهم وقولهم عن المسلمين أنهم سيهلكون وذلك قوله بل ظننتم أي توهمتم أن

لن ينقلب الرسول والمؤمنون إلى أهليهم أي لا يرجعون إلى المدينة لاستئصال العدو إياهم وزين ذلك في قلوبكم وذلك من تزيين الشيطان
قوله تعالى وكنتم قوما بورا قد ذكرناه في الفرقان 18
سيقول المخلفون إذا انطلقتم إلى مغانم لتأخذوها ذرونا نتبعكم يريدون أن يبدلوا كلام الله قل لن تتبعونا كذلكم قال الله من قبل فسيقولون بل تحسدوننا بل كانوا لا يفقهون إلا قليلا
وما بعد هذا ظاهر إلى قوله سيقول المخلفون الذين تخلفوا عن الحديبية إذا انطلقتم إلى مغانم وذلك أنهم لما انصرفوا عن الحديبية بالصلح وعدهم الله فتح خيبر وخص بها من شهد الحديبية فانطلقوا إليها فقال هؤلاء المخلفون ذرونا نتبعكم قال الله تعالى يريون أن يبدلوا كلام الله وقرأ حمزة والكسائي وخلف أن يبدلوا كلم الله بكسر اللام وفي المعنى قولان
أحدهما أنه مواعيد الله بغنيمة خيبر لأهل الحديبية خاصة قاله ابن عباس والثاني أمر الله نبيه أن لا يسير معه منهم أحد وذلك أن الله وعده وهو بالحديبية أن يفتح عليه خيبر ونهاه أن يسير معه أحد من المتخلفين قاله مقاتل
وعلى القولين قصدوا أن يجيز لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يخالف أمر الله فيكون تبديلا لأمره
قوله تعالى كذلكم قال الله من قبل فيه قولان

أحدهما قال إن غنائم خيبر لمن شهد الحديبية وهذا على القول الأول
والثاني قال لن تتبعونا وهذا قول مقاتل
فسيقولون بل تحسدوننا أي يمنعكم الحسد من أن نصيب معكم الغنائم
قل للمخلفين من الأعراب ستدعون إلى قوم أولي بأس شديد تقاتلونهم أو يسلمون فان تطيعوا يؤتكم الله أجرا حسنا وإن تتولوا كما توليتم من قبل يعذبكم عذابا أليما ليس على الأعمى حرج ولا على الأعرج حرج ولا على المريض حرج ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار ومن يتول يعذبه عذابا أليما
قوله تعالى ستدعون إلى قوم المعنى إن كنتم تريدون الغزو والغنيمة فستدعون إلى جهاد قوم أولي بأس شديد وفي هؤلاء القوم ستة أقوال
أحدها أنهم فارس رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال عطاء ابن أبي رباح وعطاء الخراساني وابن أبي ليلى وابن جريج في آخرين والثاني فارس والروم قاله الحسن و رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد والثالث أنهم أهل الأوثان رواه ليث عن مجاهد والرابع أنهم الروم قاله كعب والخامس أنهم هوازن وغطفان وذلك يوم حنين قاله سعيد بن جبير وقتادة والسادس بنو حنيفة يوم اليمامة وهم أصحاب مسيلمة الكذاب قاله الزهري وابن السائب ومقاتل قال مقاتل خلافة أبي بكر في هذه بينة مؤكدة

وقال رافع بن خديج كنا نقرأ هذه الآية ولا نعلم من هم حتى دعي أبو بكر إلى قتال بني حنيفة فعلمنا أنهم هم وقال بعض أهل العلم لا يجوز أن تكون هذه الآية إلا في العرب لقوله تقاتلونهم أو يسلمون وفارس والروم إنما يقاتلون حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية وقد استدل جماعة من العلماء على صحة إمامة أبي بكر وعمر بهذه الآية لأنه إن أريد بها بنو حنيفة فأبو بكر دعا إلى قتالهم وإن أريد بها فارس والروم فعمر دعا إلى قتالهم والآية تلزمهم اتباع من يدعوهم وتتوعدهم على التخلف بالعقاب قال القاضي أبو يعلى وهذا يدل على صحة إمامتها إذا كان المتولي عن طاعتهما مستحقا للعقاب
قوله تعالى فان تطيعوا قال ابن جريج فان تطيعوا أبا بكر وعمر وإن تتولوا عن طاعتهما كما توليتم عن طاعة محمد صلى الله عليه و سلم في المسير إلى الحديبية وقال الزجاج المعنى إن تبتم وتركتم نفاقكم وجاهدتم يؤتكم الله أجرا حسنا وإن توليتم فأقمتم على نفاقكم وأعرضتم عن الإيمان والجهاد كما توليتم على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم يعذبكم عذابا أليما

قوله تعالى ليس على الأعمى حرج قال المفسرون عذر الله أهل الزمانة الذين تخلفوا عن المسير إلى الحديبية بهذه الآية
قوله تعالى يدخله جنات قرأ نافع وابن عامر ندخله ونعذبه بالنون فيهما والباقون بالياء
لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم وأثابهم فتحا قريبا ومغانم كثيرة يأخذونها وكان الله عزيزا حكيما وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم ولتكون آية للمؤمنين ويهديكم صراطا مستقيما وأخرى لم تقدروا عليها قد أحاط الله بها وكان الله على كل شيء قديرا ولو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبرا ثم لا يجدون وليا ولا نصيرا سنة الله التي قد خلت من قبل ولن تجد لسنة الله تبديلا وهو الذي كف أيديهم عنكم وأيدكم عنهم ببطن مكة من بعد أن أظفركم عليهم وكان الله بما تعملون بصيرا

ثم ذكر الذين أخلصوا نيتهم وشهدوا بيعة الرضوان بقوله لقد رضي الله عن المؤمنين وقد ذكرنا سبب هذه البيعة آنفا وإنما سميت بيعة الرضوان لقوله لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة روى إياس بن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال بينما نحن قائلون زمن الحديبية نادى منادي رسول الله صلى الله عليه و سلم أيها الناس البيعة البيعة نزل روح القدس قال فثرنا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم وهو تحت شجرة سمرة فبايعناه وقال عبد الله بن مغفل كان رسول الله صلى الله عليه و سلم تحت الشجرة يبايع الناس وإني لأرفع أغصانها عن رأسه وقال بكير بن الأشج كانت الشجرة بفج نحو مكة قال نافع كان الناس يأتون تلك الشجرة فيصلون عندها فبلغ ذلك عمر بن الخطاب فأوعدهم فيها وأمر بها فقطعت
قوله تعالى فعلم ما في قلوبهم أي من الصدق والوفاء والمعنى علم أنهم مخلصون فأنزل السكينة عليهم يعني الطمأنينة والرضى حتى

بايعوا على أن يقاتلوا ولا يفروا وأثابهم أي عوضهم على الرضى بقضائه والصبر على أمره فتحا قريبا وهو خيبر ومغانم كثيرة يأخذونها أي من خيبر لأنها كانت ذات عقار وأموال فأما قوله بعد هذا وعدكم الله مغانم كثيرة تأخذونها فقال المفسرون هي الفتوح التي تفتح على المسلمين إلى يوم القيامة
فعجل لكم هذه فيها قولان أحدهما أنها غنيمة خيبر قاله مجاهد وقتادة والجمهور والثاني أنه الصلح الذي كان بين رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين قريش رواه العوفي عن ابن عباس
قوله تعالى وكف أيدي الناس عنكم فيهم ثلاثة أقوال
أحدها أنهم اليهود هموا أن يغتالوا عيال المسلمين الذين خلفوهم في المدينة فكفهم الله عن ذلك قاله قتادة
والثاني أنهم أسد وغطفان جاؤوا لينصروا أهل خيبر فقذف الله في قلوبهم الرعب فانصرفوا عنهم قاله مقاتل وقال الفراء كانت أسد وغطفان مع أهل خيبر فقصدهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فصالحوه وخلوا بينه وبين خيبر وقال غيرهما بل همت أسد وغطفان باغتيال أهل المدينة فكفهم الله عن ذلك
والثالث أنهم أهل مكة كفهم الله بالصلح حكاهما الثعلبي وغيره

ففي قوله عنكم قولان أحدهما أنه على أصله قاله الأكثرون والثاني عن عيالكم قاله ابن قتيبة وهو مقتضى قول قتادة
ولتكون آية للمؤمنين في المشار إليها قولان
احدهما أنها الفعلة التي فعلها بكم من كف أيديهم عنكم كانت آية اللمؤمنين فعلموا أن الله تعالى متولي حراستهم في مشهدهم ومغيبهم
والثاني أنها خيبر كان فتحها علامة للمؤمنين في تصديق رسول الله صلى الله عليه و سلم فيما وعدهم به
قوله تعالى ويهديكم صراطا مستقيما فيه قولان
أحدهما طريق التوكل عليه والتفويض إليه وهذا على القول الأول
والثاني يزيدكم هدى بالتصديق بمحمد صلى الله عليه و سلم فيما جاء به من وعد الله تعالى بالفتح والغنيمة
قوله تعالى وأخرى المعنى وعدكم الله مغانم أخرى وفيها أربعة أقوال
أحدها أنها ما فتح للمسلمين بعد ذلك روى سماك الحنفي عن ابن عباس وأخرى لم تقدروا عليها قال ما فتح لكم من هذه الفتوح وبه قال مجاهد
والثاني أنها خيبر رواه عطية والضحاك عن ابن عباس وبه قال ابن زيد
والثالث فارس والروم روي عن ابن عباس أيضا وبه قال الحسن وعبد الرحمن بن أبي ليلى
والرابع مكة ذكره قتادة وابن قتيبة
قوله تعالى قد أحاط الله بها فيه قولان أحدهما أحاط بها علما

أنها ستكون من فتوحكم والثاني حفظها لكم ومنعها من غيركم حتى فتحتموها
قوله تعالى ولو قاتلكم الذين كفروا هذا خطاب لأهل الحديبية قاله قتادة والذين كفروا مشركو قريش فعلى هذا يكون المعنى لو قاتلوكم يوم الحديبية لولوا الأدبار لما في قلوبهم من الرعب ثم لا يجدون وليا لأن لله قد خذلهم قال الزجاج المعنى لو قاتلك من لم يقاتلك لنصرت عليه لأن سنة الله النصرة لأوليائه وسنة الله منصوبة على المصدر لأن قوله لولوا الأدبار معناه سن الله عز و جل خذلانهم سنة وقد مر مثل هذا في قوله كتاب الله عليكم النساء 24 وقوله صنع الله النمل 88
قوله تعالى وهو الذي كف أيديهم عنكم روى أنس بن مالك أن ثمانين رجلا من أهله مكة هبطوا على رسول الله صلى الله عليه و سلم من جبل التنعيم متسلحين يريدون غرة النبي صلى الله عليه و سلم وأصحابه فأخذهم سلما فاستحياهم وأنزل الله

هذه الآية وروى عبد الله بن مغفل قال كنا مع رسول الله صلى الله عليه و سلم بالحديبة في أصل الشجرة فبينا نحن كذلك إذ خرج علينا ثلاثون شابا فثاروا في وجوهنا فدعا عليهم رسول الله صلى الله عليه و سلم فأخذ الله بأبصارهم فقمنا إليهم فأخذناهم فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم هل جئتم في عهد أو هل جعل لكم أحد أمانا قالوا اللهم لا فخلى سبيلهم ونزلت هذه الآية وذكر قتادة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث خيلا فأتوه باثني عشر فارسا من الكفار فأرسلهم وقال مقاتل خرجوا يقاتلون رسول الله صلى الله عليه و سلم فهزمهم النبي صلى الله عليه و سلم بالطعن والنبل حتى أدخلهم بيوت مكة قال المفسرون ومعنى الآية أن الله تعالى ذكر منته إذ حجز بين الفريقين فلم يقتتلا حتى تم الصلح بينهم وفي بطن مكة ثلاثة أقوال أحدها أنه الحديبية قاله أنس والثاني وادي مكة قاله السدي والثالث التنعيم حكاه أبو سليمان الدمشقي فأما مكة فقال الزجاج مكة لا تنصرف لأنها مؤنثة وهي معرفة ويصلح أن يكون اشتقاقها كاشتقاق بكة والميم تبدل من الباء يقال ضربة لازم ولازب ويصلح أن يكون اشتقاقها من قولهم امتك الفصيل مافي ضرع الناقة إذا مص مصا شديدا حتى لا يبقى فيه شيئا فيكون سميت

بذلك لشدة الازدحام فيها قال والقول الأول أحسن وقال قطرب مكة من تمككت المخ إذا أكلته وقال ابن فارس تمككت العظم إذا أخرجت مخه والتمكك الاستقصاء وفي الحديث لا تمككوا على غرمائكم
وفي تسمية مكة أربعة أقوال
أحدها لأنها مثابة يؤمها الخلق من كل فج وكأنها هي التي تجذبهم إليها وذلك من قول العرب امتك الفصيل ما في ضرع الناقة
والثاني أنها سميت مكة من قولك بككت الرجل إذا وضعت منه ورددت نخوته فكأنها تمك من ظلم فيها أي تهلكه وتنقصه وأنشدوا ... يا مكة الفاجر مكي مكا ... ولا تمكي مذحجا وعكا ...
والثالث أنها سميت بذلك لجهد أهلها
والرابع لقلة الماء بها
وهل مكة وبكة واحد قد ذكرناه في آل عمران 96
قوله تعالى من بعد أن أظفركم عليهم أي بهم يقال ظفرت بفلان وظفرت عليه
قوله تعالى وكان الله بما تعلمون بصيرا قرأ أبو عمرو يعملون بالياء والباقون بالتاء

هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات لم تعلموهم أن تطؤهم فتصيبكم منهم معرة بغير علم ليدخل الله في رحمته من يشاء لو تزيلوا لعذبنا الذين كفروا منهم عذابا أليما إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى وكانوا أحق بها وأهلها وكان الله بكل شيء عليما
قوله تعالى هم الذين كفروا يعني أهل مكة وصدوهم عن المسجد الحرام أن تطوفوا به وتحلوا من عمرتكم والهدي قال الزجاج أي وصدوا الهدي معكوفا أي محبوسا أن يبلغ أي عن أن يبلغ محله قال المفسرون محله منحره وهو حيث يحل نحره ولولا رجال مؤمنون ونساء مؤمنات وهم المستضعفون بمكة لم تعلموهم أي لم تعرفوهم أن تطؤوهم بالقتل ومعنى الآية لولا أن تطؤوا رجالا مؤمنين ونساء مؤمنات بالقتل وتوقعوا بهم ولا تعرفونهم فتصيبكم منهم معرة وفيها أربعة أقوال أحدهما إثم قاله ابن زيد والثاني غرم الدية قاله ابن إسحاق والثالث كفارة قتل الخطأ قاله ابن السائب والرابع عيب بقتل من هو على دينكم حكاه جماعة من المفسرين وفي الآية محذوف تقديره لادخلتكم من عامكم هذا وإنما حلت بينكم وبينهم ليدخل الله في رحمته أي في دينه من يشاء من أهل مكة وهم الذين أسلموا بعد الصلح لو تزيلوا قال ابن عباس لو تفرقوا وقال ابن قتيبة والزجاج لو تميزوا

قال المفسرون لو انماز المؤمنون من المشركين لعذبنا الذين كفروا بالقتل والسبي بأيديكم وقال قوم لو تزيل المؤمنون من أصلاب الكفار لعذبنا الكفار وقال بعضهم قوله لعذبنا جواب لكلامين أحدهما لولا رجال والثاني لو تزيلوا وقوله اذ جعل من صلة قوله لعذبنا والحمية الانفعة والجبرية قال المفسرون وانما أخذتهم الحمية حين أراد رسول الله صلى الله عليه و سلم دخول مكة فقالوا يدخلون علينا وقد قتلوا ابناءنا واخواننا فتتحدث العرب بذلك والله لا يكون ذلك فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين فلم يدخلهم ما دخل أولئك فيخالفوا الله في قتالهم وقيل الحمية ما تداخل سهيل بن عمرو من الانفة ان يكتب في كتاب الصلح ذكر الرحمن الرحيم وذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم
قوله تعالى وألزمهم كلمة التقوى فيه خمسة أقوال
أحدهما لا اله الا الله قاله ابن عباس ومجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة وقتادة والضحاك والسدي وابن زيد في آخرين وقد روي مرفوعا الى النبي صلى الله عليه و سلم فعلى هذا يكون معنى الزمهم حكم لهم بها وهي التي تنفي الشرك

والثاني لا إله إلا الله والله أكبر قاله ابن عمر وعن علي بن أبي طالب كالقولين
والثالث لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير قاله عطاء بن أبي رباح
والرابع لا إله إلا الله محمد رسول الله قاله عطاء الخرساني
والخامس بسم الله الرحمن الرحيم قاله الزهري
فعلى هذا يكون المعنى أنه لما أبى المشركون أن يكتبوا هذا في كتاب الصلح ألزمه الله المؤمنين وكانوا أحق بها من المشركين و كانوا أهلها في علم الله تعالى
لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين محلقين رؤسكم ومقصرين لا تخافون فعلم ما لم تعلموا فجعل من دون ذلك فتحا قريبا هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا
قوله تعالى لقد صدق الله رسوله الرؤيا بالحق قال المفسرون سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان أري في المنام قبل خروجه إلى الحديبية قائلا يقول له لتدخلن المسجد الحرام إلى قوله لا تخافون ورأى كأنه هو وأصحابه يدخلون مكة وقد حلقوا وقصروا فأخبر بذلك أصحابه ففرحوا فلما خرجوا إلى الحديبية حسبوا أنهم يدخلون مكة في عامهم ذلك فلما رجعوا

ولم يدخلوا قال المنافقون أين رؤياه التي رأى فنزلت هذه الآية فدخلوا في العام المقبل
وفي قوله إن شاء الله ستة أقوال
أحدها أن إن بمعنى إذ قاله أبو عبيدة وابن قتيبة
والثاني أنه استثناء من الله وقد علمه والخلق يستثنون فيما لا يعلمون قاله ثعلب فعلى هذا يكون المعنى أنه علم أنهم سيدخلونه ولكن استثنى على ما أمر الخلق به من الاستثناء
والثالث أن المعنى لتدخلن المسجد الحرام إن أمركم الله به قاله الزجاج
والرابع أن الاستثناء يعود إلى دخول بعضهم أو جميعهم لأنه علم أن بعضهم يموت حكاه الماوردي
والخامس أنه على وجه الحكاية لما رآه النبي صلى الله عليه و سلم في المنام أن قائلا يقول لتدخلن المسجد الحرام إن شاء الله آمنين حكاه القاضي أبو يعلى

والسادس أنه يعود إلى الأمن والخوف فأما الدخول فلا شك فيه حكاه الثعلبي
قوله تعالى آمنين من العدو محلقين رؤوسكم ومقصرين من الشعر لا تخافون عدوا
فعلم ما لم تعلموا فيه ثلاثة أقوال
أحدها علم أن الصلاح في الصلح والثاني أن في تأخير الدخول صلاحا والثالث فعلم أن يفتح عليكم خيبر قبل ذلك
قوله تعالى فجعل من دون ذلك فتحا قريبا فيه قولان
أحدهما فتح خيبر قاله أبو صالح عن ابن عباس وبه قال عطاء وابن زيد ومقاتل
والثاني صلح الحديبية قاله مجاهد والزهري وابن إسحاق وقد بينا كيف كان فتحا في أول السورة
وما بعد هذا مفسر في براءة 33 وكفى بالله شهيدا وفيه قولان

أحدهما أنه شهد له على نفسه يظهره على الدين كله قاله الحسن
والثاني كفى به شيهدا أن محمدا رسوله قاله مقاتل
محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطئه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما
قوله تعالى محمد رسول الله وقرأ الشعبي وأبو رجاء وأبو المتوكل والجحدري محمدا رسول الله بالنصب فيهما قال ابن عباس شهد له بالرسالة
قوله تعالى والذين معه يعني أصحابه والأشداء جمع شديد قال الزجاج والأصل أشدداء نحو نصيب وأنصباء ولكن الدالين تحركتا فأدغمت الأولى في الثانية ومثله من يرتد منكم المائدة 54
قوله تعالى رحماء بينهم الرحماء جمع رحيم والمعنى أنهم يغلظون على الكفار ويتوادون بينهم تراهم ركعا سجدا يصف كثرة

صلاتهم يبتغون فضلا من الله وهو الجنة ورضوانا وهو رضى الله عنهم وهذا الوصف لجميع الصحابة عند الجمهور وروى مبارك بن فضاله عن الحسن البصري أنه قال والذين معه أبو بكر أشداء على الكفار عمر رحماء بينهم عثمان تراهم ركعا سجدا علي بن أبي طالب يبتغون فضلا من الله ورضوانا طلحة والزبير وعبد الرحمن وسعد وسعيد وأبو عبيدة
قوله تعالى سيماهم أي علامتهم في وجوههم وهل هذه العلامة في الدنيا أم في الآخرة فيه قولان
أحدهما في الدنيا ثم فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنها السمت الحسن قاله ابن عباس في رواية ابن أبي طلحة وقال في رواية مجاهد أما إنه ليس بالذي ترون ولكنه سيما الإسلام وسمته وخشوعه وكذلك قال مجاهد ليس بندب التراب في الوجه ولكنه الخشوع والوقار والتواضع
والثاني أنه ندى الطهور وثرى الأرض قاله سعيد بن جبير وقال أبو العالية لأنهم يسجدون على التراب لا على الأثواب وقال الأوزاعي بلغني أنه ما حملت جباههم من الأرض

والثالث أنه السهوم فاذا سهم وجه الرجل من الليل أصبح مصفارا قال الحسن البصري سيماهم في وجوههم الصفرة وقال سعيد بن جبير أثر السهر وقال شمر بن عطية هو تهيج في الوجه من سهر الليل
والقول الثاني أنها في الآخرة ثم فيه قولان
أحدهما أن مواضع السجود من وجوههم يكون أشد وجوههم بياضا يوم القيامة قاله عطية العوفي وإلى نحو هذا ذهب الحسن والزهري وروى العوفي عن ابن عباس قال صلاتهم تبدو في وجوههم يوم القيامة
والثاني أنهم يبعثون غرا محجلين من أثر الطهور ذكره الزجاج
قوله تعالى ذلك مثلهم أي صفتهم والمعنى أن صفة محمد صلى الله عليه و سلم وأصحابه في التوراة هذا
فأما قوله ومثلهم في الإنجيل ففيه ثلاثة أقوال

أحدها أن هذا المثل المذكور أنه في التوراة هو مثلهم في الإنجيل قال مجاهد مثلهم في التوراة والإنجيل واحد
والثاني أن المتقدم مثلهم في التوراة فأما مثلهم في الإنجيل فهو قوله كزرع وهذا قول الضحاك وابن زيد
والثالث أن مثلهم في التوراة والإنجيل كزرع ذكر هذه الأقوال أبو سليمان الدمشقي
قوله تعالى أخرج شطأه وقرأ ابن كثير وابن عامر شطأه بفتح الطاء والهمزة وقرأ نافع وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي شطأة بسكون الطاء وكلهم يقرأ بهمزة مفتوحة وقرأ أبي بن كعب وأبو العالية وابن أبي عبلة شطاءه بفتح الطاء وبالمد والهمزة وبألف قال أبو عبيدة أي فراخه يقال أشطأ الزرع فهو مشطئ إذا أفرخ فآزره أي ساواه وصار مثل الأم وقرأ ابن عامر فأزره مقصورة الهمزة مثل فعله وقال ابن قتيبة آزره أعانه وقواه فاستغلظ أي غلظ فاستوى على سوقه وهي جمع ساق وهذا مثل ضربه الله عز و جل للنبي صلى الله عليه و سلم إذ خرج وحده فأيده بأصحابه كما قوى الطاقة من الزرع بما نبت منها حتى كبرت وغلظت واستحكمت وقرأ ابن كثير على سؤقه مهموزة والباقون بلا همزة وقال قتادة في الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع

وفيمن أريد بهذا المثل قولان
أحدهما أن أصل الزرع عبد المطلب أخرج شطأه أخرج محمدا صلى الله عليه و سلم فآزره بأبي بكر فاستغلظ بعمر فاستوى بعثمان على سوقه علي بن أبي طالب رواه سعيد ابن جبير عن ابن عباس
والثاني أن المراد بالزرع محمد صلى الله عليه و سلم أخرج شطاه أبو بكر فآزره بعمر فاستغلظ بعثمان فاستوى على سوقه بعلي يعجب الزراع يعني المؤمنين ليغيظ بهم الكفار وهو قول عمر لأهل مكة لا يعبد الله سرا بعد اليوم رواه الضحاك عن ابن عباس ومبارك عن الحسن
قوله تعالى ليغيظ بهم الكفار أي إنما كثرهم وقواهم ليغيظ بهم الكفار وقال مالك بن أنس من أصبح وفي قلبه غيظ على أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقد أصابته هذه الآية وقال ابن إدريس لا آمن ان يكونوا قد ضاعوا الكفار يعني الرافضة لأن الله تعالى يقول ليغيظ بهم الكفار

قوله تعالى وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما قال الزجاج في من قولان
أحدهما أن يكون تخليصا للجنس من غيره كقوله فاجتنبوا الرجس من الأوثان الحج 30 ومثله أن تقول أنفق من الدراهم أي اجعل نفقتك من هذا الجنس قال ابن الأنباري معنى الآية وعد الله الذين آمنوا من هذا الجنس أي من جنس الصحابة
والثاني أن يكون هذا الوعد لمن أقام منهم على الإيمان والعمل الصالح

سورة الحجرات وهي مدنية باجماعهم
روى ثوبان عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال إن الله أعطاني السبع الطول مكان التوراه وأعطاني المئين مكان الإنجيل وأعطاني مكان الزبور المثاني وفضلني ربي بالمفصل أما السبع الطول فقد ذكرناها عند قوله

ولقد آتيناك سبعا من المثاني الحجر 87 وأما المئون فقال ابن قتيبة هي ماولي الطول وإنما سميت بالمئين لأن كل سورة تزيد على مائة آية أو تقاربها والمثاني ما ولي المئين من السور التي دون المائة كأن المئين مباد وهذه مثان وأما المفصل فهو ما يلي المثاني من قصار السور وإنما سميت مفصلا لقصرها وكثرة الفصول فيها بسطر بسم الله الرحمن الرحيم
وقد ذكر الماوردي في أول تفسيره في المفصل ثلاثة أقوال أحدها أنه من أول سورة محمد إلى آخر القرآن قاله الأكثرون والثاني من سورة قاف إلى آخره حكاه عيسى بن عمر عن كثير من الصحابة والثالث من الضحى إلى آخره قاله ابن عباس

بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله واتقوا الله إن الله سميع عليم يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر

بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى لهم مغفرة وأجر عظيم
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله في سبب نزولها أربعة أقوال
أحدها أن ركبا من بني تميم قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال أبو بكر أمر القعقاع بن معبد وقال عمر أمر الأقرع بن حابس فقال أبو بكر ما أردت إلا خلافي وقال عمر ما أردت خلافك فتماريا حتى ارتفعت أصواتها فنزل قوله يا ايها الذين آمنوا لا تقدموا بين يدي الله ورسوله إلى قوله ولو أنهم صبروا فما كان عمر يسمع رسول الله صلى الله عليه و سلم بعد هذه الآية حتى يستفهمه رواه عبد الله بن الزبير
والثاني أن قوما ذبحوا قبل أن يصلي رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم النحر فأمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يعيدوا الذبح فنزلت الآية قاله الحسن

والثالث أنها نزلت في قوم كانوا يقولون لو أنزل الله في كذا وكذا فكره الله ذلك وقدم فيه قاله قتادة
والرابع أنها نزلت في عمرو بن أمية الضمري وكان قد قتل رجلين من بني سليم قبل أن يستأذن رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله ابن السائب وروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس قال لا تقولوا خلاف الكتاب والسنة وروى العوفي عنه قال نهو أن يتكلموا بين يدي كلامه وروي عن عائشة رضي الله عنها في هذه الآية قالت لا تصوموا قبل أن يصوم نبيكم ومعنى الآية على جميع الأقوال لا تعجلوا بقول أو فعل قبل أن يقول رسول الله صلى الله عليه و سلم أو يفعل قال ابن قتيبة يقال فلان يقدم بين يدي الإمام وبين يدي أبيه أي يعجل بالأمر والنهي دونه
فأما تقدموا فقرأ ابن مسعود وأبو هريرة وأبو رزين وعائشة وأبو عبد الرحمن السلمي وعكرمة والضحاك وابن سيرين وقتادة وابن يعمر ويعقوب بفتح التاء والدال وقرأ الباقون بضم التاء وكسر الدال قال الفراء

كلاهما صواب يقال قدمت وتقدمت وقال الزجاج كلاهما واحد فأما بين يدي الله ورسوله فهو عبارة عن الأمام لأن ما بين يدي الإنسان أمامه فالمعنى لا تقدموا قدام الأمير
قوله تعالى لا ترفعوا أصواتكم في سبب نزولها قولان
أحدهما أن أبا بكر وعمر رفعا أصواتهما فيما ذكرناه آنفا في حديث ابن الزبير وهذا قول ابن أبي مليكة
والثاني أنها نزلت في ثابت بن قيس بن شماس وكان جهوري الصوت فربما كان إذا تكلم تأذى رسول الله صلى الله عليه و سلم بصوته قاله مقاتل

قوله تعالى ولا تجهر له بالقول فيه قولان
أحدهما أن الجهر بالصوت في المخاطبة قاله الأكثرون
والثاني لا تدعوه باسمه يا محمد كما يدعو بعضكم بعضا ولكن قولوا يا رسول الله ويا نبي الله وهو معنى قول سعيد بن جبير والضحاك ومقاتل
قوله تعالى أن تحبط قال ابن قتيبة لئلا تحبط وقال الأخفش مخافة أن تحبط قال أبو سليمان الدمشقي وقد قيل معنى الإحباط هاهنا نقص المنزلة لا إسقاط العمل من أصله كما يسقط بالكفر
قوله تعالى إن الذين يغضون أصواتهم قال ابن عباس لما نزل قوله لا ترفعوا أصواتكم تألى أبو بكر أن لا يكلم رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا كأخي السرار فأنزل الله في أبي بكر إن الذين يغضون أصواتهم والغض النقص كما بينا عند قوله قل للمؤمنين يغضوا النور 30

أولئك الذين امتحن الله قلوبهم قال ابن عباس أخلصها للتقوى من المعصية وقال الزجاج اختبر قلوبهم فوجدهم مخلصين كما تقول قد امتحنت هذا الذهب والفضة أي اختبرتهما بأن أذبتهما حتى خلصا فعلمت حقيقة كل واحد منهما وقال ابن جرير اختبرها بامتحانه إياها فاصطفاها وأخلصها للتقوى
إن الذين ينادونك من وراء الحجرات أكثرهم لا يعقلون ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم والله غفور رحيم
قوله تعالى إن الذين ينادونك من وراء الحجرات في سبب نزولها ثلاثة أقوال
أحدها أن بني تميم جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فنادوا على الباب يا محمد اخرج إلينا فان مدحنا زين وإن ذمنا شين فخرج وهو يقول إنما ذلكم الله فقالوا ما بالشعر بعثت ولا بالفخار أمرت ولكن هاتوا فقال الزبرقان بن بدر لشاب منهم قم فاذكر فضلك وفضل قومك فقام فذكر ذلك فأمر رسول الله صلى الله عليه و سلم ثابت بن قيس فأجابه وقام شاعرهم فأجابه حسان فقال الأقرع بن حابس والله ما أدري ما هذا الأمر تكلم خطيبنا فكان خطيبهم أحسن قولا وتكلم شاعرنا فكان شاعرهم أشعر ثم دنا فأسلم فأعطاهم رسول الله صلى الله عليه و سلم وكساهم وارتفعت الأصوات وكثر اللغط عند رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية هذا قول جابر بن عبد الله في آخرين وقال ابن اسحاق نزلت في جفاة بني تميم وكان فيهم الأقرع

ابن حابس وعيينة بن حصن والزبرقان بن بدر وقيس بن عاصم المنقري وخالد بن مالك وسويد بن هشام وهما نهشليان والقعقاع بن معبد وعطاء ابن حابس ووكيع بن وكيع
والثاني أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث سرية إلى بني العنبر وأمر عليهم عيينة بن حصن الفزاري فلما علموا بذلك هربوا وتركوا عليالهم فسباهم عيينة فجاء رجالهم يفدون الذاراري فقدموا وقت الظهيرة ورسول الله صلى الله عليه و سلم قائل فجعلوا ينادون يا محمد اخرج إلينا حتى أيقظوه فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس
والثالث أن ناسا من العرب قال بعضهم لبعض انطلقوا بنا إلى هذا الرجل فان يكن نبيا نكن أسعد الناس به وإن يكن ملكا نعش في جناجه فجاؤوا فجعلوا ينادون يا محمد يا محمد فنزلت هذه الآية قاله زيد بن أرقم
فأما الحجرات فقرأ أبي بن كعب وعائشة وأبو عبد الرحمن السلمي ومجاهد وأبو العالية وابن يعمر وأبو جعفر وشيبة بفتح الجيم وأسكنها أبو رزين وسعيد بن المسيب وابن أبي عبلة وضمها الباقون قال الفراء وجه

الكلام أن تضم الحاء والجيم وبعض العرب يقول الحجرات والركبات وربما خففوا فقالوا الحجرات والتخفيف في تميم والتثقيل في أهل الحجاز وقال ابن قتيبة واحد الحجرات حجرة مثل ظلمة وظلمات قال المفسرون وإنما نادوا من وراء الحجرات لأنهم لم يعلموا في أي الحجر رسول الله
قوله تعالى ولو أنهم صبروا حتى تخرج إليهم لكان خيرا لهم قال الزجاج أي لكان الصبر خيرا لهم وفي وجه كونه خيرا لهم قولان
أحدهما لكان خيرا لهم فيما قدموا له من فداء ذراريهم فلو صبروا خلى سبيلهم بغير فداء قاله مقاتل
والثاني لكان أحسن لآدابهم في طاعة الله ورسوله ذكره الماوردي
قوله تعالى والله غفور رحيم أي لمن تاب منهم
يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة فتصبحوا على ما فعلتم نادمين واعلموا أن فيكم رسول الله لو يطيعكم في كثير من الأمر لعنتم ولكن الله حبب إليكم الإيمان وزينه في قلوبكم وكره إليكم الكفر والفسوق والعصيان أولئك هم الراشدون فضلان من الله ونعمة والله عليم حكيم
قول تعالى إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا نزلت في الوليد بن عقبة بعثه رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى بني المصطلق ليقبض صدقاتهم وقد كانت بينه وبينهم عداوة في الجاهلية فسار بعض الطريق ثم خاف فرجع فقال إنهم قد منعوا

الصدقة وأرادوا قتلي فصرف رسول الله صلى الله عليه و سلم البعث إليهم فنزلت هذه الآية وقد ذكرت القصد في كتاب المغني وفي الحدائق مستوفاة وذكرت معنى فتبينوا في سورة النساء 94 والنبأ الخبر وأن بمعنى لئلا والجهالة هاهنا أن يجهل حال القوم فتصبحوا على ما فعلتم من إصابتهم بالخطأ نادمين
ثم خوفهم فقال واعلموا أن فيكم رسول الله أي إن كذبتموه أخبره الله فافتضحتم ثم قال لو يطيعكم في كثير من الأمر أي مما تخبرونه فيه بالباطل لعنتم أي لوقعتم في عنت قال ابن قتيبة وهو الضرر والفساد وقال غيره هو الإثم والهلاك وذلك أن المسلمين لم سمعوا أن أولئك القوم قد كفروا قالوا ابعث إليهم يا رسول الله واغزهم واقتلهم ثم خاطب المؤمنين فقال ولكن الله حبب إليكم الإيمان إلى قوله والعصيان ثم عاد إلى الخبر عنهم فقال أولئك هم الراشدون

أي المهتدون إلى محاسن الأمور فضلا من الله قال الزجاج المعنى ففعل بكم ذلك فضلا أي للفضل والنعمة
وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فان بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون
قوله تعالى وإن طائفتان الآية في سبب نزولها قولان
أحدهما ما روي البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أنس بن مالك قال قيل لرسول الله صلى الله عليه و سلم لو أتيت عبد الله بن أبي فركب حمارا وانطلق معه المسلمون يمشون فلما أتاه النبي صلى الله عليه و سلم قال إليك عني فوالله لقد آذاني نتن حمارك فقال رجل من الأنصار والله لحمار رسول الله أطيب ريحا منك فغضب لعبد الله رجل من قومه وغضب لكل واحد منهما أصحابه فكان بينهم ضرب بالجريد والأيدي والنعال فبلغنا أنه أنزلت فيهم وإن طائفتان الآية وقد أخرجا جميعا من حديث أسامة بن زيد أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج يعود سعد بن عبادة فمر بمجلس فيهم عبد الله بن أبي وعبد الله بن رواحة فخمر ابن أبي وجهه بردائه وقال لا تغبروا علينا فذكر الحديث وأن

المسلمين والمشركين واليهود استبوا وقد ذكرت الحديث بطوله في المغني والحدائق وقال مقاتل وقف رسول الله صلى الله عليه و سلم على الأنصار وهو على حمار له فبال الحمار فقال عبد الله بن أبي أف وأمسك على أنفه فقال عبد الله بن رواحة والله لهو أطيب ريحا منك فكان بين قوم ابن أبي وابن رواحة والله لهو أطيب ريحا منك فكان بين قوم ابن أبي وابن رواحة ضرب بالنعال والأيدي والسعف ونزلت هذه الآية
والقول الثاني أنها نزلت في رجلين من الأنصار كانت بينهما مماراة في حق بينهما فقال أحدهما لآخذن حقي عنوة وذلك لكثرة عشيرته ودعاه الآخر ليحاكمه إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يزل الأمر بينهما حتى تناول بعضهم بعضا بالأيدي والنعال قاله قتادة وقال مجاهد المراد بالطائفتين الأوس والخزرج اقتتلوا بالعصي بينهم وقرأ أبي بن كعب وابن مسعود وأبو عمران الجوني اقتتلا على فعل اثنين مذكرين وقرأ أبو المتوكل الناجي وأبو الجون وابن أبي عبلة اقتتلتا بتاء وألف بعد اللام على فعل اثنين مؤنثتين وقال الحسن وقتادة والسدي فأصلحوا بينهما بالدعاء إلى حكم كتاب الله عز و جل والرضى بما فيه لهما وعليها فان بغت إحداهما طلبت ما ليس لها ولم ترجع إلى الصلح فقاتلوا التي تبغي حتى تفيء أي ترجع إلى أمر الله أي إلى طاعته في الصلح الذي أمر به

قوله تعالى وأقسطوا أي اعدلوا في الإصلاح بينهما
قوله تعالى إنما المؤمنون إخوة قال الزجاج إذا كانوا متفقين في دينهم رجعوا باتفاقهم إلى أصل النسب لأنهم لآدم وحواء فاذا اختلفت أديانهم افترقوا في النسب
قوله تعالى فأصلحوا بين أخويكم قرأ الأكثرون بين أخويكم بياء على التثنية وقرأ أبي بن كعب ومعاوية وسعيد بن المسيب وابن جبير وقتادة وأبو العالية وابن يعمر وابن أبي عبلة ويعقوب بين إخوتكم بتاء مع كسر الهمزة على الجمع وقرأ علي بن أبي طالب وأبو رزين وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن والشعبي وابن سيرين بين إخوانكم بالنون وألف قبلها قال قتادة ويعني بذلك الأوس والخزرج

يا أيها الذين آمنوا لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الأسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون
قوله تعالى لا يسخر قوم من قوم هذه الآية نزلت على ثلاثة أسباب فأما أولها إلى قوله تعالى خيرا منهم فنزلت على سبب وفيه قولان أحدهما أن ثابت بن قيس بن شماس جاء يوما يريد الدنو من رسول الله صلى الله عليه و سلم وكان به صمم فقال لرجل بين يديه افسح فقال له الرجل قد أصبت مجلسا فجلس مغضبا ثم قال للرجل من أنت قال أنا فلان فقال ثابت أنت ابن فلانة فذكر أما له كان يعير بها في الجاهلية فأغضى الرجل ونكس رأسه ونزل قوله تعالى لا يسخر قوم من قوم عسى أن يكونوا خيرا منهم قاله أبو صالح عن ابن عباس
والثاني أن وفد تميم استهزؤوا بفقراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم لما رأوا من رثاثة حالهم فنزلت هذه الآية قاله الضحاك ومقاتل
وأما قوله تعالى ولا نساء من نساء فنزلت على سبب وفيه ثلاثة أقوال

أحدها أن نساء رسول الله صلى الله عليه و سلم عيرن أم سلمة بالقصر فنزلت هذه الآية قاله أنس بن مالك وزعم مقاتل أن عائشة استهزأت من قصر أم سلمة
والثاني أن امرأتين من أزواج رسول الله صلى الله عليه و سلم سخرتا من أم سلمة زوج رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانت أم سلمة قد خرجت ذات يوم وقد ربطت أحد طرفي جلبابها على حقوها وأرخت الطرف الآخر خلفها ولا تعلم فقالت إحداهما للأخرى انظري ما خلف أم سلمة كأنه لسان كلب قال أبو صالح عن ابن عباس
والثالث أن صفية بنت حيي بن أخطب أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالت إن النساء يعيرنني ويقلن يا يهودية بنت يهوديين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم هلا قلت إن أبي هارون وإن عمي موسى وإن زوجي محمد فنزلت هذه الآية رواه عكرمة عن ابن عباس
وأما قوله تعالى ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب فنزلت على سبب وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قدم المدينة ولهم ألقاب يدعون بها فجعل الرجل يدعو الرجل بلقبه فقيل له يا رسول الله إنهم يكرهون هذا فنزل

قوله تعالى ولا تنابزوا بالألقاب قاله أبو جبيرة بن الضحاك
والثاني أن أبا ذر كان بينه وبين رجل منازعة فقال له الرجل يا ابن اليهودية فنزلت ولا تنابزوا بالألقاب قاله الحسن
والثالث أن كعب بن مالك الأنصاري كان بينه وبين عبد الله بن أبي حدرد الأسلمي كلام فقال له يا أعرابي فقال له عبد الله يا يهودي فنزلت فيهما ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب قاله مقاتل
وأما التفسير فقوله تعالى لا يسخر قوم من قوم أي لا يستهزئ غني بفقير ولا مستور عليه ذنبه بمن لم يستر عليه ولا ذو حسب بلئيم الحسب وأشباه ذلك مما ينقصه به عسى أن يكون عند الله خيرا منه وقد بينا في البقرة 54 أن القوم اسم الرجال دون النساء ولذلك قال ولا نساء من نساء وتلمزوا بمعنى تعيبوا وقد سبق بيانه التوبة 58 والمراد بالأنفس هاهنا الإخوان والمعنى لا تعيبوا إخوانكم من المسلمين لأنهم كأنفسكم والتنابز التفاعل من النبز وهو مصدر والنبز الاسم والألقاب جمع لقب وهو اسم يدعى به الإنسان سوى الإسم الذي سمي به قال ابن قتيبة ولا تنابزوا بالألقاب أي لا تتداعوا بها والألقاب والأنباز واحد ومنه

الحديث نبزهم الرافضة أي لقبهم وللمفسرين في المراد بهذه الألقاب أربعة أقوال
أحدها تعيير التائب بسيئات قد كان عملها رواه عطية العوفي عن ابن عباس
والثاني أنه تسميته بعد إسلامه بدينه قبل الإسلام كقوله لليهودي إذا أسلم يا يهودي وهذا مروي عن ابن عباس أيضا وبه قال الحسن وسعيد بن جبير وعطاء الخراساني والقرظي
والثالث أنه قول الرجل للرجل يا كافر يا منافق قاله عكرمة
والرابع أنه تسميته بالأعمال السيئة كقوله يا زاني يا سارق يا فاسق قاله ابن زيد قال أهل العلم والمراد بهذه الألقاب ما يكرهه المنادى به أو يعد ذما له فأما الألقاب التي تكسب حمدا وتكون صدقا فلا تكره كما قيل لأبي بكر عتيق ولعمر فاروق ولعثمان ذو النورين ولعلي أبو تراب

ولخالد سيف الله ونحو ذلك وقوله بئس الاسم الفسوق أي تسميته فاسقا أو كافرا وقد آمن ومن لم يتب من التنابز فأولئك هم الظالمون وفيه قولان
أحدهما الضارون لأنفسهم بمعصيتهم قاله ابن عباس والثاني هم أظلم من الذين قالوا لهم ذلك قاله ابن زيد
يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا فكرهمتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم
قوله تعالى اجتنبوا كثيرا من الظن قال ابن عباس نهى الله تعالى المؤمن أن يظن بالمؤمن شرا وقال سعيد بن جبير هو الرجل يسمع من أخيه كلاما لا يريد به سوءا أو يدخل مدخلا لا يريد به سوءا فيراه أخوه المسلم فيظن به سوءا وقال الزجاج هو أن يظن بأهل الخير سوءا فأما أهل السوء والفسق فلنا أن نظن بهم مثل الذي ظهر منهم قال القاضي أبو يعلى هذه الآية تدل على أنه لم ينه عن جميع الظن والظن على أربعة أضرب محظور ومأمور به ومباح ومندوب إليه فأما المحظور فهو سوء الظن بالله تعالى والواجب حسن الظن بالله وكذلك سوء الظن بالمسلمين الذين ظاهرهم العدالة محظور وأما الظن المأمور به فهو ما لم ينصب عليه

دليل يوصل إلى العلم به وقد تعبدنا بتنفيذ الحكم فيه والاقتصار على غالب الظن وإجراء الحكم عليه واجب وذلك نحو ما تعبدنا به من قبول شهادة العدول وتحري القبلة وتقويم المستهلكات وأروش الجنايات التي لم يرد بمقاديرها توقيف فهذا وما كان من نظائره قد تعبدنا فيه بأحكام غالب الظنون فأما الظن المباح فكالشاك في الصلاة إذا كان إماما أمره النبي صلى الله عليه و سلم بالتحري والعمل على ما يغلب في ظنه وإن فعله كان مباحا وإن عدل عنه إلى البناء على اليقين كان جائزا وروى أبو هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم إذا ظننتم فلا تحققوا وهذا من الظن الذي يعرض في قلب الإنسان في أخيه فيما يوجب الريبة فلا ينبغي له أن يحققه وأما الظن المندوب إليه فهو إحسان الظن بالأخ المسلم يندب إليه ويثاب عليه فأما ما روي في الحديث احترسوا من الناس بسوء الظن فالمراد الإحتراس بحفظ المال مثل أن يقول إن تركت بابي مفتوحا خشيت السراق

قوله تعالى إن بعض الظن إثم قال المفسرون هو ما تكلم به مما ظنه من السوء بأخيه المسلم فإن لم يتكلم به فلا بأس وذهب بعضهم إلى أنه يأثم بنفس ذلك الظن وإن لم ينطق به
قوله تعالى ولا تجسسوا وقرأ أبو رزين والحسن والضحاك وابن سيرين وأبو رجاء وابن يعمر بالحاء قال أبو عبيدة التجسس والتحسس واحد وهو التبحث ومنه الجاسوس وروي عن يحيى بن أبي كثير أنه قال التجسس بالجيم البحث عن عورات الناس وبالحاء الاستماع لحديث القوم قال المفسرون التجسس البحث عن عيب المسليمن وعوراتهم فالمعنى لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه ليطلع عليه إذ ستره الله وقيل لابن مسعود هذا الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمرا فقال إنا نهينا عن التجسس فان يظهر لنا شيء نأخذه به
قوله تعالى ولا يغتب بعضكم بعضا أي لا يتناول بعضكم بعضا ليظهر الغيب بما يسوؤه وقد روى أبو هريرة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سئل ما الغيبة قال ذكرك أخاك بما يكره قال أرأيت إن كان في أخي ما أقول قال إن كان في أخيك ما تقول فقد اغتبته وإن لم يكن فيه فقد بهته

ثم ضرب الله للغيبة مثلا فقال أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتا وقرأ نافع ميتا بالتشديد قال الزجاج وبيانه أن ذكرك بسوء من لم يحضر بمنزلة أكل لحمه وهو ميت لا يحس بذلك قال القاضي أبو يعلى وهذا تأكيد لتحريم الغيبة لأن أكل لحم المسلم محظور ولأن النفوس تعافه من طريق الطبع فينبغي أن تكون الغيبة بمنزلته في الكراهة
قوله تعالى فكرهتموه وقرأ الضحاك وعاصم الجحدري فكرهتموه برفع الكاف وتشديد الراء قال الفراء أي فقد بغض إليكم والمعنى واحد قال الزجاج والمعنى كما تكرهون أكل لحمه ميتا فكذلك تجنبوا ذكره بالسوء غائبا
قوله تعالى واتقوا الله أي في الغيبة إن الله تواب على من تاب رحيم به
يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير

قوله تعالى يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى في سبب نزولها ثلاثة أقوال
أحدها نزلت في ثابت بن قيس وقوله في الرجل الذي لم يفسح له أنت ابن فلانة وقد ذكرناه عن ابن عباس في قوله لا يسخر قوم من قوم الحجرات 11
والثاني أنه لما كان يوم الفتح أمر رسول الله صلى الله عليه و سلم بلالا فصعد على ظهر الكعبة فأذن وأراد أن يذل المشركين بذلك فلما أذن قال عتاب بن أسيد الحمد لله الذي قبض أسيدا قبل اليوم وقال الحارث بن هشام أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا وقال سهيل بن عمرو إن يكره الله شيئا يغيره وقال أبو سفيان أما أنا فلا أقول شيئا فاني إن قلت شيئا لتشهدن علي السماء ولتخبرن عني الأرض فنزلت هذه الآية قاله مقاتل
والثالث أن عبدا أسود مرض فعاده رسول الله صلى الله عليه و سلم ثم قبض فتولى غسله وتكفينه ودفنه فأثر ذلك عند الصحابة فنزلت هذه الآية قاله يزيد بن شجرة فأما المراد بالذكر والأنثى فآدم وحواء والمعنى إنكم تتساوون في النسب وهذا زجر عن التفاخر بالأنساب فأما الشعوب فهي جمع شعب وهو الحي العظيم مثل مضر وربيعة والقبائل دونها كبكر من ربيعة وتميم من

مضر هذا قول الجمهور من المفسرين وأهل اللغة وروى عطاء عن ابن عباس قال يريد بالشعوب الموالي وبالقبائل العرب وقال أبو رزين الشعوب أهل الجبال الذين لا يعتزون لأحد والقبائل قبائل العرب وقال أبو سليمان الدمشقي وقد قيل إن القبائل هي الأصول والشعوب هي البطون التي تتشعب منها وهذا ضد القول الأول
قوله تعالى لتعارفوا أي ليعرف بعضكم بعضا في قرب النسب وبعده قال الزجاج المعنى جعلناكم كذلك لتعارفوا لا لتفاخروا ثم أعلمهم أن أرفعهم عنده منزلة أتقاهم وقرأ أبي بن كعب وابن عباس والضحاك وابن يعمر وأبان عن عاصم لتعرفوا باسكان العين وكسر الراء من غير ألف وقرأ مجاهد وأبو المتوكل وابن محيصن لتعارفوا بتاء واحدة مشددة وبألف مفتوحة الراء مخففة وقرأ أبو نهيك والأعمش لتتعرفوا بتاءين مفتوحة الراء وبتشديدها من غير ألف
قوله تعالى إن أكرمكم وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي ومجاهد وأبو الجوزاء أن بفتح الهمزة قال الفراء من فتح أن فكأنه قال لتعارفوا أن الكريم التقي ولو كان كذلك لكانت لتعرفوا غير أنه يجوز لتعارفوا على معنى ليعرف بعضكم بعضا أن أكرمكم عند الله أتقاكم

قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم وإن تطيعوا الله ورسوله لا يلتكم من أعمالكم شيئا إن الله غفور رحيم إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون قل أتعلمون الله بدينكم والله يعلم ما في السموات وما في الأرض والله بكل شيء عليم يمنون عليك أن أسلموا قل لا تمنوا علي إسلامكم بل الله يمن عليكم أن هداكم للايمان إن كنتم صادقين إن الله يعلم غيب السموات والأرض والله بصير بما تعملون
قوله تعالى قالت الأعراب آمنا قال مجاهد نزلت في أعراب بني أسد ابن خزيمة ووصف غيره حالهم فقال قدموا المدينة في سنة مجدبة فأظهروا

الإسلام ولم يكونوا مؤمنين وأفسدوا طرق المدينة بالعذرات وأغلوا أسعارهم وكانوا يمنون على رسول الله صلى الله عليه و سلم فيقولون أتيناك بالأثقال والعيال ولم نقاتلك فنزلت فيهم هذه الآية وقال السدي نزلت في أعراب مزينة وجهينة وأسلم وأشجع وغفار وهم الذين ذكرهم الله تعالى في سورة الفتح وكانوا يقولون آمنا بالله ليأمنوا على أنفسهم فلما استنفروا إلى الحديبية تخلفوا فنزلت فيهم هذه الآية وقال مقاتل كانت منازلهم بين مكة والمدينة فكانوا إذا مرت بهم سرية من سرايا رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا آمنا ليأمنوا على دمائهم وأموالهم فلما سار رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى الحديبية استنفرهم فلم ينفروا معه
قوله تعالى قل لم تؤمنوا أي لم تصدقوا ولكن قولوا أسلمنا قال ابن قتيبة أي استسلمنا من خوف السيف وانقدنا قال الزجاج الإسلام إظهار الخضوع والقبول لما أتى به رسول الله صلى الله عليه و سلم وبذلك يحقن الدم فان كان معه اعتقاد وتصديق بالقلب فذلك الإيمان فأخرج الله هؤلاء من الإيمان بقوله ولما يدخل الإيمان في قلوبكم أي لم تصدقوا إنما أسلمتم تعوذا من القتل وقال مقاتل ولما بمعنى ولم يدخل التصديق في قلوبكم

قوله تعالى وإن تطيعوا الله ورسوله قال ابن عباس إن تخلصوا الإيمان لا يألتكم قرأ أبو عمرو يألتكم بالف وهمز وروي عنه بألف ساكنة مع ترك الهمزة وقرأ الباقون يلتكم بغير ألف ولا همز فقراءة أبي عمرو من ألت يألت وقراءة الباقين من لات يليت قال الفراء وهما لغتان قال الزجاج معناهما واحد والمعنى لا ينقصكم وقال أبو عبيدة فيها ثلاث لغات ألت يألت تقديرها أفك يأفك وألات يليت تقديرها أقال يقيل ولات يليت قال رؤبة ... وليلة ذات ندى سريت ... ولم يلتني عن سراها ليت ...
قوله تعالى من أعمالكم أي من ثوابها ثم نعت الصادقين في إيمانهم بالآية التي تلي هذه ومعنى يرتابوا يشكوا وإنما ذكر الجهاد لأن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه و سلم كان فرضا في ذلك الوقت أولئك هم الصادقون في إيمانهم فلما نزلت هاتان الآيتان أتو رسول الله صلى الله عليه و سلم يحلفون أنهم مؤمنون صادقون فنزلت هذه الآية
قوله تعالى قل أتعلمون الله بدينكم وعلم بمعنى أعلم ولذلك دخلت الباء في قوله بدينكم والمعنى أتخبرون الله بالدين الذي أنتم عليه

أي هو عالم بذلك لا يحتاج إلى أخباركم وفيهم نزل قوله تعالى يمنون عليك أن أسلموا قالوا أسلمنا ولم نقاتلك والله أعلم

سورة ق ويقال لها سورة الباسقات
روى العوفي وغيره عن ابن عباس أنها مكية وكذلك قال الحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة والجمهور وحكي عن ابن عباس وقتادة أن فيها آية مدنية وهي قوله تعالى ولقد خلقنا السموات والأرض الآية ق 38 بسم الله الرحمن الرحيم ق والقرآن المجيد بل عجبوا أن جاءهم منذر منهم فقال الكافرون هذا شيء عجيب أإذا متنا وكنا ترابا ذلك رجع بعيد قد علمنا ما تنقص الأرض منهم وعندنا كتاب حفيظ بل كذبوا بالحق لما جاءهم فهم في أمر مريج
قوله تعالى ق قرأ الجمهور باسكان الفاء وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي

وأبو المتوكل وأبو رجاء وأبو الجوزاء قاف بنصب الفاء وقرأ أبو رزين وقتادة قاف برفع الفاء وقرأ الحسن وأبو عمران قاف بكسر الفاء وفي ق خمسة أقوال
أحدها أنه قسم أقسم الله به وهو من أسمائه رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
والثاني أنه جبل من زبر جدة خضراء قاله أبو صالح عن ابن عباس وروى عكرمة عن ابن بعاس قال خلق الله جبلا يقال له ق محيط بالعالم وعروقه إلى الصخرة التي عليها الأرض فإذا أراد الله عز و جل أن يزلزل قرية أمر ذلك الجبل فحرك العرق الذي يلي تلك القرية وقال مجاهد هو جبل محيط بالأرض وروي عن الضحاك أنه من زمردة خضراء وعليه كنفا السماء وخضرة السماء منه
والثالث أنه جبل من نار في النار قاله الضحاك في رواية عنه عن ابن عباس
والرابع أنه اسم من أسماء القرآن قاله قتادة
والخامس أنه حرف من كلمة ثم فيه خمسة أقوال أحدها أنه افتتاح اسمه قدير قاله أبو العالية والثاني أنه افتتاح أسمائه القدير والقاهر والقريب ونحو ذلك قاله القرظي والثالث أنه افتتاح قضي الأمر وأنشدوا ... قلنا لها قفي فقالت قاف ...
معناه أقف فاكتفت بالقاف من أقف حكاه جماعة منهم الزجاج والرابع

قف عند أمرنا ونهينا ولا تعدهما قاله أبو بكر الوراق والخامس قل يا محمد حكاه الثعلبي
قوله تعالى والقرآن المجيد قال ابن عباس وابن جبير المجيد الكريم وفي جواب هذا القسم أربعة أقوال
أحدها أنه مضمر تقديره ليبعثن بعد الموت قاله الفراء وابن قتيبة ويدل عليه قول الكفار هذا هذا شيء عجيب
والثاني أنه قوله قد علمنا ما تنقص الأرض منهم فيكون المعنى قاف والقرآن المجيد لقد علمنا فحذفت اللام لأن ما قبلها عوض منها كقوله والشمس وضحاها قد أفلح أي لقد أفلح أجاز هذا القول الزجاج

والثالث أنه قوله ما يلفظ من قول حكي عن الأخفش
والرابع أنه في سورة أخرى حكاه أبو سليمان الدمشقي ولم يبين في أي سورة
قوله تعالى بل عجبوا مفسر في ص 4 إلى قوله شيء عجيب أي معجب
أئا متنا قال الأخفش هذا الكلام على جواب كأنه قيل لهم إنكم ترجعون فقالوا أئذا متنا وكنا ترابا وقال غيره تقدير الكلام ق والقرآن ليبعثن فقال أئذا متنا وكنا ترابا والمعنى أنبعث إذا كنا كذلك وقال ابن جرير لما تعجبوا من وعيد الله على تكذيبهم بمحمد صلى الله عليه و سلم الله عليه وسلم فقالوا هذا شيء عجيب كان كأنه قال لهم ستعلمون إذا بعثتم ما يكون حالكم في تكذيبكم محمدا فقالوا أئذا متنا وكنا ترابا
قوله تعالى ذلك رجع أي رد إلى الحياة بعيد قال ابن قتيبة أي لا يكون
قد علمنا ما تنقص الأرض منهم أي ما تأكل من لحومهم ودمائهم واشعارهم إذا ماتوا يعني أن ذلك لا يعزب عن علمه وعندنا مع علمنا بذلك كتاب حفيظ أي حافظ لعددهم وأسمائهم ولما تنقص الأرض منهم وهو اللوح المحفوظ قد أثبت فيه ما يكون
بل كذبوا بالحق وهو القرآن والمريج المختلط قال ابن قتيبة يقال مرج أمر الناس ومرج الدين وأصل هذا أن يقلق الشيء ولا يستقر يقال مرج الخاتم في يدي إذا قلق للهزال قال المفسرون ومعنى اختلاط أمرهم أنهم كانوا يقولون للنبي صلى الله عليه و سلم مرة ساحر ومرة شاعر

ومرة معلم يوقولون للقرآن مرة سحر ومرة مفترى ومرة رجز فكان أمرهم ملتبسا مختلطا عليهم
أفلم ينظروا إلى المساء فوقهم كيف بنيناها وزيناها ولما لها من فروج والأرض مددناها والقينا فيها رواسي وأنبتنا فيها من كل زوج بهيج تبصرة وذكرى لكل عبد منيب ونزلنا من السماء ماء مباركا فأنبتنا به جنات وحب الحصيد والنخل باسقات لها طلع نضيد رزقا للعباد وأحيينا به بلدة ميتا كذلك الخروج كذبت قبلهم قوم نوح وأصحاب الرس وثمود وعاد وفرعون وإخوان لوط وأصحاب الأيكة وقوم تبع كل كذب الرسل فحق وعيد أفعيينا بالخلق الأول بل هم في لبس من خلق جديد
ثم دلهم على قدرته على البعث بقوله أفلم ينظروا إلى المساء فوقهم كيف بنيناها بغير عمد وزيناها بالكواكب وما لها من فروج أي من صدوع وشقو والزوج الجنس والبهيج الحسن قاله أبو عبيدة وقال ابن قتيبة البهيج الذي يبتهج به
قوله تعالى تبصرة وذكرى لكل عبد منيب قال الزجاج أي فعلنا ذلك لنبصر وندل على القدرة والمنيب الذي يرجع إلى الله ويفكر في قدرته
قوله تعالى ونزلنا من السماء ماء وهو المطر مباركا أي كثير

الخير فيه حياة كل شيء فأنبتتا به جنات وهي البساتين وحب الحصيد أراد الحب الحصيد فأضافه إلى نفسه كقوله لهو حق اليقين الواقعة 95 وقوله من حبل الوريد ق 16 فالحبل هو الوريد وكما يقال صلاة الأولى يراد الصلاة الأولى ويقال مسجد الجامع يراد المسجد الجامع وإنما تضاف هذه الأشياء إلى أنفسها لاختلاف لفظ اسمها وهذا قول الفراء وابن قتيبة وقال غيرهما أراد حب النبت الحصيد والنخل أي وأنبتنا النخل باسقات وبسوقها طولها قال ابن قتيبة يقال بسق الشيء يبسق بسوقا إذا طال والنضيد المنضود بعضه فوق بعض وذلك قبل أن يتفتح فاذا انشق جف طلعه وتفرق لبس بنضيد
قوله تعالى زرقا للعباد أي أنبتنا هذه الأشياء للرزق وأحيينا به أي بالمطر بلدة ميتا كذلك الخروج من القبور
ثم ذكر الأمم المكذبة بما بعد هذا وقد سبق بيانه إلى قوله فحق وعيد أي وجب عليهم عذابي
أفعيينا بالخلق الأول هذا جواب لقولهم ذلك رجع بعيد والمعنى أعجزنا عن ابتداء الخلق وهو الخلق الأول فنعيا بالبعث وهو الخلق الثاني وهذا تقرير لهم لأنهم اعرتفوا أنه الخالق وأنكروا البعث بل هم في لبس أي في شك من خلق جديد وهو البعث
ولقد خلقنا الإنسان ونعلم ما توسوس به نفسه ونحن أقرب إليه من حبل الوريد إذ يتلقى المتلقيان عن اليمين وعن الشمال قعيد ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد وجاءت سكرة الموت بالحق ذلك ما كنت منه تحيد ونفخ

في الصور ذلك يوم الوعيد وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد لقد كنت في غفلة من هذا فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد
ولقد خلقنا الإنسان يعني ابن آدم ونعلم ما توسوس به نفسه أي ما تحدثه به نفسه وقال الزجاج نعلم ما يكنه في نفسه
قوله تعالى ونحن أقرب إليه أي بالعلم من حبل الوريد الحبل هو الوريد وإنما أضافه إلى نفسه لما شرحناه آنفا في قوله وحب الحصيد ق 9 قال العراء والوريد عرق بين الحلقوم والعباوين وعنه أيضا قال عرق بين اللبة والعلباوين وقال الزجاج الوريد عرق في باطن العنق وهما وريدان والعلباوان العصبتان الصفراوان في متن العنق واللبتان مجرى القرط في العنق وقال ابن الأنباري اللبة حيث يتذبذب القرط مما يقرب من شحمة الأذن وحكى بعض العلماء أن الوريد عرق متفرق في البدن مخالط لجميع الأعضاء فلما كانت أبعاض الإنسان يحجب بعضها بعضها أعلم أن علمه لا يحجبه شيء والمعنى ونحن أقرب إليه حين يتلقى المتلقيان وهما الملكان الموكلان بابن آدم يتلقيان علمه وقوله إذا يتلقى المتلقيان

أي يأخذان ذلك ويثبتانه عن اليمين كاتب الحسنان وعن الشمال كاتب السيئات قال الزجاج والمعنى عن اليمين قعيد وعن الشمال قعيد فدل أحدهما على ا لآخر فحذف المدلول عليه قال الشاعر ... نحن بما عندنا وأنت بما عن ... دك راض والرأي مختلف ...
وقال آخر ... رماني بأمر كنت منه ووالدي ... بريئا ومن أجل الطوى رماني ...
المعنى كنت منه بريئا وقال ابن قتيبة القعيد بمعنى قاعد كما يقال قدير بمعنى قادر ويكون القعيد بمعنى مقاعد كالأكيل والشريب بمنزلة المؤاكل والمشارب
قوله تعالى ما يلفظ يعني الانسان أي ما يتلكم من كلام فيلفظه أي يرميه من فمه إلا لديه رقيب أي حافظ وهو الملك الموكل به إما صاحب اليمين وإما صاحب الشمال عتيد قال الزجاج العتيد

الثابت اللازم وقال غيره العتيد الحاضر معه أينما كان وروى أبو أمامة قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كاتب الحسنات على يمين الرجل وكاتب السيئات على يساره فكاتب الحسنات أمين على كاتب السيئات فإذا عمل حسنة كتبها له صاحب اليمين عشرا وإذا عمل سيئة وأراد صاحب الشمال أن يكتبها قال صاحب اليمين أمسك فيمسك عنه سبع ساعات فإن استغفر منها لم يكتب عليه شيء وإن لم يستغفر كتب عليه سيئة واحدة وقال ابن عباس جعل الله على ابن آدم حافظين في الليل وحافظين في النهار واختلوا هل يكتبان جميع أفعاله وأقواله على قولين
أحدهما أنهما يكتبانا عليه كل شيء حتى أنينه في مرضه قاله مجاهد
والثاني أنهما لا يكتبان إلا ما يؤجر عليه أو يوزر قاله عكرمة فأما مجلسهما فقد نطق القرآن بأنهما عن اليمين وعن الشمال وكذلك ذكرنا في حديث أبي أمامة وقد روى علي كرم الله وجهه عن النبي صلى الله عليه و سلم قال إن مقعد ملكيك على ثنيتيك ولسانك قلمهما وريقك مدادهما وأنت تجري فيما

لا يعنيك وروي عنا لحسن والضحاك قالا مجلسهما تحت الشعر على الحنك
قوله تعالى وجاءت سكرة الموت وهي غمرته وشدته التي تغشى الإنسان وتغلب على عقله وتدله على أنه ميت بالحق وفيه وجهان
أحدهما أن معناه جاءت بحقيقة الموت
والثاني بالحق من أمر الآخرة فأبانت للإنسان ما لم يكن بينا له من أمر الآخرة ذكر الوجهين الفراء وابن جرير
وقرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه وجاءت سكرة الحق بالموت قال ابن جرير ولهذه القراءة وجهان
أحدهما أن يكون الحق هو الله تعالى فيكون المعنى وجاءت سكرة الله بالموت
والثاني أن تكون السكرة هي الموت أضيفت إلى نفسها كقوله إن هذا لهو حق اليقين الواقعة 95 فيكون المعنى وجاءت السكرة الحق بالموت بتقديم الحق وقرأ ابن مسعود وأبو عمران وجاءت سكرات على الجمع الحق بالموت بتقديم الحق وقرأ ابي ابن كعب وسعيد بن جبير وجاءت سكرات الموت على الجمع بالحق بتأخير الحق

قوله تعالى ذلك أي فيقال للإنسان حينئذ ذلك أي ذلك الموت ما كنت منه تحيد أي تهرب وتفر وقال ابن عباس تكره
قوله تعالى ونفخ في الصور يعني نفخة البعث ذلك اليوم يوم الوعيد أي يوم وقوع الوعيد
قوله تعالى معها سائق فيه قولان
أحدهما أن السائق ملك يسوقها إلى محشرها قاله أبو هريرة
والثاني أنه قرينها من الشياطين سمي سائقا لأنه يتبعها وإن لم يحثها
وفي الشهيد ثلاثة أقوال
أحدها أنه ملك يشهد عليها بعملها قاله عثمان بن عفان والحسن وقال مجاهد الملكان سائق وشهيد وقال ابن السائب السائق الذي كان يكتب عليه السيئات والشهيد الذي كان يكتب الحسنات
والثاني أنه العمل يشهد على الإنسان قاله أبو هريرة
والثالث الأيدي والأرجل تشهد عليه بعمله قاله الضحاك
وهل هذه الآيات عامة أم خاصة فيها قولان أحدهما أنها عامة قاله الجمهور الثاني خاصة في ا لكافر قاله الضحاك ومقاتل
قوله تعالى لقد كنت أي ويقال له لقد كنت في غفلة من هذا اليوم وفي المخاطب بهذه الآيات ثلاثة أقوال
أحدها أنه الكافر قاله ابن عباس وصالح بن كيسان في آخرين

والثاني أنه عام في البر والفجر قاله حسين بن عبد الله بن عبيد الله بن عباس واختاره ابن جرير
والثالث أنه النبي صلى الله عليه و سلم وهذا قول ابن زيد فعلى القول الأول يكون المعنى لقد كنت في غفلة من هذا اليوم في الدنيا بكفرك به وعلى الثاني كنت غافلا عن أهوال القيامة فكشفنا عنك غطاءك الذي كان في الدنيا يغشى قلبك وسمعك وبصرك وقيل معناه أريناك ما كان مستورا عنك وعلى الثالث لقد كنت قبل الوحي في غفلة عما أوحي إليك فكشفنا عنك غطاءك بالوحي فبصرك اليوم حديد وفي المراد بالبصر قولان
أحدهما البصر المعروف قاله الضحاك والثاني العلم قاله الزجاج
وفي قوله اليوم قولان
أحدهما أنه يوم القيامة قاله الأكثرون والثاني أنه في الدنيا وهذا على قول ابن زيد فأما قوله حديد فقال ابن قتيبة الحديد بمعنى الحاد أي فأنت ثاقب البصر ثم فيه ثلاثة أقوال
أحدها فبصرك حديد إلى لسان الميزان حين توزن حسناتك وسيئاتك قاله مجاهد والثاني أنه شاخص لا يطرف لمعاينة الأخرة قاله مقاتل والثالث أنه العلم النافذ قاله الزجاج

وقال قرينه هذا ما لدي عتيد ألقيا في جهنم كل كفار عنيد مناع للخير معتد مريب الذي جعل مع الله إلها آخر فألقياه في العذاب الشديد قال قرينه ربنا ما أطغيته ولكن كان في ضلال بعيد قال لاتختصموا لدي وقد قدمت إليكم بالوعيد ما يبدل القول لدي وما أنا بظلام للعبيد
قوله تعالى وقال قريبنه قال مقاتل هو ملكه الذي كان يكتب عمله السيء في دار الدنيا يقول لربه قد كتبت ما وكلتني به فهذا عندي معد حاضر من عمله الخبيث فقد أتيتك به وبعمله وفي ما قولان أحدهما أنها بمعنى من قاله مجاهد
والثاني أنها بمعنى الشيء فتقديره هذا شيء لدي عتيد قاله الزجاج وقد ذكرنا معنى العتيد في هذه السورة ق 18 فيقول الله تعالى ألقيا في جهنم وفي معنى هذا الخطاب ثلاثة أقوال
أحدها أنه مخاطبة للواحد بلفظ الخطاب للاثنين قال الفراء والعرب تأمر الواحد والقوم بأمر الاثنين فيقولون للرجل ويلك ارحلاها وازجراها سمعتها من العرب وأنشدني بعضهم ... فقلت لصاحبي لا تحبسانا ... بنزع أصوله واجتز شيحا ...
وأنشدني أبو ثروان

فان تزجراني يابن عفان أنزجر ... وإن تدعاني أحم عرضا ممنعا ...
ونرى أن كل منهم لأن أدنى أعوان الرجل في إبله وغنمه اثنان وكذلك الرفقة أدنى ما تكون ثلاثة فجرى الكلام على صاحبيه ألا ترىالشعر أكثر شيء قيلا يا صاحبي ويا خليلي قال المرؤ القيس ... خليلي مرا بي على أم جندب ... نقضي لبانات الفؤاد المعذب ...
ثم قال ... ألم تر أني كلما جئت طارقا ... وجدت بها طيبا وإن لم تطيب ... فرجع إلى الواحد وأول كلامه اثنان وإلى هذا المعنى ذهب مقاتل وقال ألقيا خطاب للخازن يعني خازن النار
والثاني أنه فعل ثني توكيدا كأنه لما قال ألقيا ناب عن ألق ألق وكذلك قفا نبك معناه قف قف فلما ناب عن فعلين ثني قاله المبرد
والثالث أنه أمر للملكين يعني السائق والشهيد وهذا اختيار الزجاج

فأما الكفار فهو أشد مبالغة من الكافر والعنيد قد فسرناه في هود 59
قوله تعالى مناع للخير في المراد بالخير ها هنا ثلاثة أقوال
أحدها الزكاة المفروضة قاله قتادة
والثاني أنه الإسلام يمنع الناس من الدخول فيه قاله الضحاك ومقاتل وذكر أنها نزلت في الوليد بن المغيرة منع بني أخيه عن الإسلام
والثالث أنه عام في كل خير من قول أو فعل حكاه الماوردي
قوله تعالى معتد أي ظالم لا يقر بالتوحيد مريب أي شاك في الحق من قولهم أراب الرجل إذا صار ذا ريب
قوله تعالى قال قرينه فيه قولان
أحدهما شيطانه قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والجمهور وفي الكلام اختصار تقديره إن الإنسان ادعى على قرينه من الشياطين أنه أضله

فقال ربنا ما أطغيته أي لم يكن لي قوة على إضلاله بالإكراه وإنما طغى هو بضلاله
والثاني أنه الملك الذي كان يكتب السيئات
ثم فيما يدعيه الكافر على الملك قولان
أحدهما أنه يقول زاد علي فيما كتب فيقول الملك ما أطغيته أي ما زدت عليه قاله سعيد بن جبير
والثاني أنه يقول كان يعجلني عن التوبة فيقول ربنا ما أطغيته هذا قول الفراء
قوله تعالى ولكن كان في ضلال بعيد أي بعيد من الهدى فيقول الله تعالى لا تختصموا لدي في هذا الخصام قولان أحدهما أنه اعتذارهم بغير عذر قاله ابن عباس
والثاني أنه خصامهم مع قرنائهم الذين أ غووهم قاله أبو العالية فأما اختصامهم فيما كان بينهم من المظالم في الدنيا فلا يجوز أن يهمل لأنه يوم التناصف
قوله تعالى وقد قدمت إليكم بالوعيد أي قد أخبرتكم على ألسن الرسل بعذابي في الآخرة لمن كفر
ما يبدل القول لدي فيه قولان
أحدهما ما يبدل القول فيما وعدته من ثواب وعقاب قاله الأكثرون
والثاني ما يكذب عندي ولا يغير القول عن جهته لأني أعلم الغيب وأعلم كيف ضلوا وكيف أضللتموهم هذا قول ابن السائب واختيار الفراء وابن قتيبة ويدل عليه أنه قال تعالى ما يبدل القول لدي ومل يقل

ما يبدل قولي وما أنا بظلام للعبيد فأزيد على إساءة المسيء أو أنقص من إحسان المحسن يوم نقول لجهنم هل امتلأت وتقول هل من مزيد وأزلفت الجنة للمتقين غير بعيد هذا ما توعدون لكل أواب حفيظ من خشي الرحمن بالغيب وجاء بقلب منيب أدخلوها بسلام ذلك يوم الخلود لهم ما يشاؤن فيها ولدينا مزيد وكم أهلكنا قبلهم من قرن هم أشد منهم بطشا فنقبوا في البلاد هل من محيص إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد ولقد خلقنا السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام وما مسنا من لغوب فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود
يوم نقول لجهنم قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي يوم نقول بالنون المفتوحة وضم القاف وقرأ نافع وابو بكر والمفضل عن عاصم يوم يقول بالياء المفتوحة وضم القاف وقرأ أبي بن كعب والحسن وعبد الوارث عن أبي عمرو يوم يقال بياء مضمومة وفتح القاف وإثبات ألف قال الزجاج وانتصاب يوم على وجهين أحدهما على معنى ما يبدل القول لدي في ذلك اليوم والثاني على معنى وأنذرهم يوم نقول لجهنم
فأما فائدة سؤاله إياها وقد علم هل امتلأت أم لا فإنه توبيخ لمن أدخلها وزيادة في مكروهه ودليل على تصديق قوله لأملأن جهنم
وفي قولها هل من مزيد قولان عند أهل اللغة

أحدهما أنها تقول ذلك بعد امتلائها فالمعنى هل بقي في موضع لم يمتلئ أي قد امتلأت
والثاني أنها تقول تغيظا على من عصى الله تعالى وجعل الله فيها أن تميز وتخاطب كما جعل في النملة أن قالت أدخلوا مساكنكم وفي المخلوقات أن تسبح بحمده
قوله تعالى وأزلفت الجنة للمتقين أي قربت للمتقين الشرك غير بعيد أي جعلت عن يمين العرش حيث يراها أهل الموقف ويقال لهم هذا ا لذي ترونه ما توعدون وقرأ عثمان بن عفان وابن عمر ومجاهد وعكرمة وابن محيصن يوعدون بالياء لكل أواب وفيه أقوال قد ذكرناها في بني إسرائيل 25 وفي حفيظ قولان
أحدهما الحافظ لذنوبه حتى يرجع عنها قاله ابن عباس
والثاني الحافظ لأمر الله تعالى قاله مقاتل
قوله تعالى من خشي الرحمن بالغيب قد بيناه في الأنبياء 9 وجاء بقلب منيب أي راجع إلى طاعة الله عن معصيته
أدخلوها أي يقال لهم أدخلوا الجنة بسلام وذلك أنهم سلموا من عذاب الله وسلموا فيها من الغموم والتغير والزوال وسلم الله وملائكته عليهم ذلك يوم الخلود في الجنة لأنه لا موت فيها ولا زوال
لهم ما يشاؤون فيها وذلك أنهم يسألون الله حتى تنتهي مسائلهم

فيعطون ما شاؤوا ثم يزيدهم ما لم يسألوا فذلك قوله ولدينا مزيد وللمفسرين في المراد بهذا المزيد ثلاثة أقوال
أحدها أنه النظر إلى الله عزل وجل روى علي رضي الله عنه عن النبي عليه السلام في قوله ولدينا مزيد قال يتجلى لهم وقال أنس بن مالك في قوله ولدينا مزيد يتجلى لهم الرب تعالى في كل جمعة
والثاني أن السحاب يمر بأهل الجنة فيمطرهم الحور فتقول الحور نحن اللواتي قال الله عزل وجل ولدينا مزيد حكاه الزجاج والثالث أن الزيادة على ما تمنوه وسألوا مما لم تسمع به أذن ولم يخطر على قلب بشر ذكره أبول سليمان الدمشقي
ثم خوف كفار مكة بما بعد هذا إلى قوله فنقبوا في البلاد قرأ الجمهور فنقبوا بفتح النون والقاف مع تشديدها وقرأ أبي بن كعب وابن عباس والحسن وابن السميفع ويحيى بن يعمر كذلك إلا أنهم كسروا القاف على جهة الأمر تهددا وقرأ عمر بن الخطاب وعمر بن عبد العزيز وقتادة وابن أبي عبلة وعبيد عن أبي عمر فنقبوا بفتح القاف وتخفيفها قال الفراء ومعنى فنقبوا ساروا في البلاد فهل كان لهم من الموت من محيص فأضمرت كان ها هنا كقوله أهلكناهم فلا ناصر لهم أي فلم يكن لهم ناصر ومن قرأ فنقبوا بكسر القاف فإنه

كالوعيد والمعنى اذهبوا في البلاد وجيئوا فهل من الموت من محيص وقال الزجاج نقبوا طوقوا وفتشوا فلم تروا محيصا من الموت قال امرؤ القيس ... لقد نقبت في الآفاق حتى رضيت من الغنيمة ...
فأما المحيص فهو المعدل وقد استوفينا شرحه في سورة النساء 121
قوله تعالى إن في ذلك يعني الذي ذكره من إهلاك القرى لذكرى أي تذكرة وعظة لمن كان له قلب قال ابن عباس أي عقل قال الفراء وهذا جائز في اللغة أن تقول ما لك قلب وما معك قلبك تريد العقل وقال ابن قتيبة لما كان القلب موضعا للعقل كنى به عنه وقال الزجاج المعنى لمن صرف قلبه إلى التفهم أو ألقى السمع أي استمع مني وهو شهيد أي وقلبه فيما يسمع وقال الفراء وهو شهيد أي شاهد ليس بغائب
قوله تعالى ولقد خلقنا السموات والأرض ذكر المفسرون أن اليهود قالت خلق الله السموات والأرض وما بينهما في ستة أيام آخرها يوم الجمعة واستراح يوم السبت فلذلك لا نعمل فيه شيئا فنزلت هذه الآيات فأكذبهم الله عز و جل بقوله وما مسنا من لغوب قال الزجاج واللغوب التعب والإعياء

قوله تعالى فاصبر على ما يقولون أي من بهتهم وكذبهم قال المفسرون ونسخ معنى قوله فاصبر بآية السيف وسبح بحمد ربك أي صل بالثناء على ربك والتنزيه له مما يقول المبطلون قبل طلوع الشمس وهي صلاة الفجر وقبل الغروب فيها قولان
أحدهما صلاة الظهر والعصر قاله ابن عباس
والثاني صلاة العصر قالة قتادة وروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث جرير بن عبد الله قال كنا عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلة البدر فقال إنكم سترون ربكم عيانا كما ترون هذا القمر لا تضامون في رؤيته فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل الغروب فافعلوا وقرأ فسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب
قوله تعالى ومن الليل فسبحه فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنها صلاة الليل كله أي وقت صلى منه قاله مجاهد
والثاني صلاة العشاء قاله ابن زيد
والثالث صلاة المغرب والعشاء قاله مقاتل
قوله تعالى وأدبار السجود قرأ ابن كثير ونافع وحمزة وخلف

بكسر الهمزة وقرأ الباقون بفتحها قال الزجاج من فتح ألف أدبار فهو جمع دبر ومن كسرها فهو مصدر أدبر يدبر إدبارا
وللمفسرين في هذا التسبيح ثلاثة أقوال
أحدها أنه الركعتان بعد صلاة المغرب روي عن عمر وعلي والحسن بن علي رضي الله عنهم وأبي هريرة والحسن ومجاهد والشعبي والنخعي وقتادة في آخرين وهو رواية العوفي عن ابن عباس
والثاني أنه النوافل بعد المفروضات قاله ابن زيد
والثالث أنه التسبيح باللسان في أدبار الصلوات المكتوبات رواه مجاهد عن ابن عباس وروي عن أبي الأحوص أنه قال في جميع التسبيح المذكور في هاتين الآيتين كذلك واستمع يوم يناد المناد من مكان قريب يوم يسمعون الصيحة بالحق ذلك يوم الخروج إنا نحن نحيي ونميت وإلينا ا لمصير يوم تشقق الأرض عنهم سراعا ذلك حشر علينا يسير نحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد
قوله تعالى واستمع يوم ينادي المنادي قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ينادي المنادي بياء في الوصل ووقف ابن كثير بياء ووقف نافع وأبو عمرو بغير ياء ووقف الباقون ووصلوا بياء قال أبو سليمان الدمشقي المعنى واستمع حديث يوم ينادي المنادي قال المفسرون والمنادي إسرافيل يقف على صخرة بيت المقدس فينادي يا أيها الناس هلموا إلى الحساب إن الله يأمركم أن تجتمعوا لفصل القضاء وهذه هي النفخة

الأخيرة والمكان القريب صخرة بيت المقدس قال كعب ومقاتل هي أقرب الأرض إلى السماء بثمانية عشر ميلا وقال ابن السائب باثني عشر ميلا قال الزجاج ويقال إن تلك الصخرة في وسط الأرض
قوله تعالى يوم يسمعون الصيحة وهي هذه النفخة الثانية بالحق أي بالبعث الذي لا شك فيه ذلك يوم الخروج من القبور
إنا نحن نحيي ونميت أي نميت في الدنيا ونحيي للبعث وإلينا المصير بعد البعث وهو قوله يوم تشقق الأرض عنهم قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر تشقق بتشديد الشين وقرأ الباقون بتخفيفها سراعا أي فيخرجون منها سراعا ذلك حشر علينا يسير أي هين
ثم عزى نبيه فقال نحن أعلم بما يقولون في تكذيبك يعني كفار مكة وما أنت عليهم بجبار قال ابن عباس لم تبعث لتجبرهم على الاسلام إنما بعثت مذكرا وذلك قبل أن يؤمر بقتالهم وأنكر الفراء هذا القول فقال العرب لا تقول فعال من أفعلت لا يقولون خراج يريدون مخرج ولا دخال يريدون مدخل إنما يقولون فعال من فعلت وإنما الجبار هنا في موضع السلطان من الجبرية وقد قالت العرب في حرف واحد دراك من أدركت وهو شاذ فإن جعل هذا على هذه الكلمة فهو وجه وقال ابن قتيبة بجبار أي بمسلط والجبار الملك سمي بذلك لتجبره يقول لست عليهم بملك مسلط

قال اليزيدي لست بمسلط فتقهرهم على الإسلام وقال مقاتل لتقتلهم وذكر المفسرون أن قوله وما أنت عليهم بجبار منسوخ بآية السيف
قوله تعالى فذكر بالقرآن أي فعظ به من يخاف وعيد وقرأ يعقوب وعيدي بياء في الحالين أي ما أوعدت من عصاني من العذاب

سورة الذاريات
مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم والذاريات ذروا فالحاملات وقرا فالجاريات يسرا فالمقسمات أمرا إنما توعدون لصادق وإن الدين لواقع والسماء ذات الحبك إنكم لفي قول مختلف يؤفك عنه من أفك قتل الخراصون الذين هم في غمرة ساهون يسئلون أيان يوم الدين يوم هم على النار يفتنون ذوقوا فتنتكم هذا الذي كنتم به تستعجلون إن المتقين في جنات وعيون آخذين ما آتهم ربهم إنهم كانوا قبل ذلك محسنين كانوا قليلا من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم وفي الأرض آيات للموقنين وفي أنفسكم أفلا تبصرون وفي السماء رزقكم وما توعدون فورب السماء والأرض إنه لحق مثل ما أنكم تنطقون
قوله تعالى والذاريات ذروا يعني الرياح يقال ذرت الريح التراب تذروه ذروا إذا فرقته قال الزجاج يقال ذرت فهي ذارية وأذرت فهي مذرية بمعنى واحد
والذاريات مجرورة على القسم المعنى أحلف بالذاريات وهذه الأشياء والجواب إنما توعدون لصادق قال قوم المعنى ورب الذاريات ورب الجاريات

قوله تعالى فالحاملات وقرا يعني السحاب التي تحمل وقرها من الماء
فالجاريات يسرا يعني السفن تجري ميسرة في الماء جريا سهلا
فالمقسمات أمرا يعني الملائكة تقسم الأمور على ما أمر الله به قال ابن السائب والمقسمات أربعة جبريل وهو صاحب الوحي والغلظة وميكائيل وهو صاحب الرزق والرحمة وإسرافيل وهو صاحب الصور واللوح وعزرائيل وهو قابض الأرواح وإنما أقسم بهذه الأشياء لما فيها من الدلالة على صنعه وقدرته
ثم ذكر المقسم عليه فقال إنما توعدون أي من الثواب والعقاب يوم القيامة لصادق أي لحق
وإن الدين فيه قولان
أحدهما الحساب والثاني الجزاء لواقع أي لكائن
ثم ذكر قسما آخر فقال والسماء ذات الحبك وقرأ عمر بن الخطاب وأبو رزين الحبك بكسر الحاء والباء جميعا وقرأ عثمان بن عفان والشعبي وأبو العالية وأبو حيوة الحبك بكسر الحاء وإسكان الباء وقرأ أبي ابن كعب وابن عباس وأبو رجاء وابن أبي عبلة ا لحبك برفع الحاء وإسكان الباء وقرأ ابن مسعود وعكرمة الحبك بفتح الحاء والباء جميعا

وقرأ أبو الدرداء وأبو الجوزاء وأبو المتوكل وأبو عمران الجوني وعاصم الجحدري الحبك بفتح الحاء وكسر الباء
ثم في معنى الحبك أربعة أقوال أحدها ذات الخلق الحسن رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال قتادة والثاني البنيان المتقن قاله مجاهد والثالث ذات الزينة قاله سعيد بن جبير وقال الحسن حبكها نجومها والرابع ذات الطرائق قاله الضحاك واللغويون وقال الفراء الحبك تكسر لكل شيء كالرمل إذا مرت به الريح الساكنة والماء القائم إذا مرت به الريح والشعرة الجعدة تكسرها حبك وواحد الحبك حباك وحبيكة وقال الزجاج أهل اللغة يقولون الحبك الطرائق الحسنة والمحبوك في اللغة ما أجيد عمله وكل ما تراه من الطرائق في الماء وفي الرمل إذا اصابته الريح فهو حبك وروي عن عبد الله بن عمرو أنه قال هذه هي السماء السابعة
ثم ذكر جواب القسم الثاني قال إنكم يعني أهل مكة لفي قول مختلف في أمر محمد صلى الله عليه و سلم بعضكم يقول شاعر وبعضكم يقول مجنون وفي القرآن بعضكم يقول سحر وبعضكم يقول كهانة ورجز إلى غير ذلك
يؤفك عنه من أفك أي يصرف عن الإيمان به من صرف فحرمه والهاء في عنه عائدة إلى القرآن وقيل يصرف عن هذا

القول أي من أجله وسببه عن الإيمان من صرف وقرأ قتادة من أفك بفتح الألف والفاء وقرأ عمرو بن دينار من أفك بفتح الأف وكسر الفاء
قتل الخراصون قال الفراء يعني لعن الكذابون الذين قالوا إن النبي صلى الله عليه و سلم ساحر وكذاب وشاعر خرصوا ما لا علم لهم به وفي رواية العوفي عن ابن عباس أنهم الكهنة وقال ابن الأنباري والقتل إذ أخبر عن الله به فهو بمعنى اللعنة لأن من لعنه الله فهو بمنزلة المقتول الهالك
قوله تعالى الذين هم في غمرة أي في عمى وجهالة بأمر الآخرة ساهون أي غافلون والسهو الغفلة عن الشيء وذهاب القلب عنه
يسألون أيان يوم الدين أي يقولون يا محمد متى يوم الجزاء تكذيبا منهم واستهزاءا
ثم أخبر عن ذلك اليوم فقال يوم هم على النار قال الزجاج اليوم منصوب على معنى يقع الجزاء يوم هم على النار يفتنون أي يحرقون ويعذبون ومن ذلك يقال للحجارة السود التي كأنها قد أحرقت بالنار الفتين
قوله تعالى ذوقوا المعنى يقال لهم ذوقوا فتنتكم وفيها قولان
أحدهما تكذيبكم قاله ابن باس والثاني حريقكم قاله مجاهد قال أبو عبيدة ها هنا تم الكلام ثم ائتنف فقال هذا الذي كنتم به تستعجلون قال المفسرون يعني الذي كنتم تستعجلونه في الدنيا استهزاءا ثم ذكر ما وعد الله لأهل الجنة فقال إن المتقين في جنات وعيون وقد سبق شرح هذا البقرة 25 الحجر 45
قوله تعالى آخذين قال الزجاج هو منصوب على الحال فالمعنى

في جنات وعيون في حال أخذ ما آتاهم ربهم قال المفسرون أي ما أعطاهم الله من الكرامة إنهم كانوا قبل ذلك محسنين في أعمالهم وفي الآية وجه آخر آخذين ما آتاهم ربهم أي عاملين بما أمرهم به من الفرائض إنهم كانوا قبل أن تفرض الفرائض عليهم محسنين أي مطيعين وهذا معنى قول ابن عباس في رواية مسلم البطين
ثم ذكر إحسانهم فقال كانوا قليلا من الليل ما يهجعون والهجوع النوم بالليل دون النهار
وفي ما قولان أحدهما النفي ثم في المعنى قولان أحدهما كانوا يسهرون قليلا من الليل قال أنس بن مالك وأبو العالية هو ما بين المغرب والعشاء
والثاني كانوا ما ينامون قليلا من الليل واختار قوم الوقف على قوله قليلا على معنى كانوا من الناس قليلا ثم ابتدأ فقال من الليل ما يهجعون على معنى نفي النوم عنهم البتة وهذا مذهب الضحاك ومقاتل

والقول الثاني أن ما بمعنى الذي فاللمعنى كانوا قليلا من الليل الذي يهجعونه وهذا مذهب الحسن والأحنف بن قيس والزهري وعلى هذا يحتمل أن تكون ما زائدة
قوله تعالى وبالأسحار هم يستغفرون وقد شرحناه في آل عمران 17
قوله تعالى وفي أموالهم حق أي نصيب وفيه قولان
أحدهما أنه ما يصلون به رحما أو يقرون به ضيفا أو يحملون به كلا أو يعينون به محروما وليس بالزكاة قاله ابن عباس
والثاني أنه الزكاة قاله قتادة وابن سيرين
قوله تعالى للسائل وهو الطالب
وفي المحروم ثمانية أقوال
أحدها أنه الذي ليس له سهم في فيء المسلمين وهو المحارف قاله ابن عباس وقال إبراهيم هو الذي لا سهم له في الغنيمة
والثاني أنه الذي لا ينمى له شيء قاله مجاهد وكذلك قال عطاء هو المحروم في الرزق والتجارة
والثالث أنه المسلم الفقير قاله محمد بن علي
والرابع أنه المتعفف الذي لا يسأل شيئا قاله قتادة والزهري
والخامس أنه الذي يجيء بعد الغنيمة وليس له فيها سهم قاله الحسن ابن محمد بن الحنفية

والسادس أنه المصاب ثمرته وزرعه أو نسل ماشيته قاله ابن زيد
والسابع أنه المملوك حكاه الماوردي
والثامن أنه الكلب روي عن عمر بن عبد العزيز وكان الشعبي يقول أعياني أن أعلم ما المحروم وأظهر الأقوال قول قتادة والزهري لأنه قرنه بالسائل والمتعفف لا يسأل ولا يكاد الناس يعطون من لا يسأل ثم يتحفظ بالتعفف من ظهور أثر الفاقة عليه فيكون محروما من قبل نفسه حين لم يسأل ومن قبل الناس حي لا يعطونه وإنما يفطن له متيقظ وقد ذكر المفسرون أن هذه الآية منسوخة بآية الزكاة ولا يصح
قوله تعالى وفي الأرض آيات كالجبال والأنهار والأشجار والثمار وغير ذلك للموقنين بالله عز و جل الذين يعرفونه بصنعه
وفي أنفسكم آيات إذ كنتم نطفا ثم عظاما ثم علقا ثم مضغا إلى غير ذلك من أحوال الاختلاف ثم اختلاف الصور والألوان والطبائع وتقويم الأدوات والسمع والبصر والعقل وتسهيل سبيل الحدث إلى غير ذلك من العجائب المودعة في ابن آدم وتم الكلام عند قوله وفي أنفسكم ثم قال أفلا تبصرون قال مقاتل أفلا تبصرون كيف خلقكم فتعرفوا قدرته على البعث
قوله تعالى وفي السماء رزقكم وقرأ أبي بن كعب وحميد

وأبو حصين الأسدي أرزاقكم براء ساكنة وبألف بين الزاي والقاف وقرأ ابن معسود والضحاك وأبو نهيك رازقكم بفتح الراء وكسر الزاي وبألف بينهما وعن ابن محيصن كهاتين القراءتين وفيه قولان
أحدهما أنه المطر رواه أبو صالح عن ابن عباس وليث عن مجاهد وهو قول الجمهور
والثاني الجنة رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد
وفي قوله ما توعدون قولان
أحدهما أنه الخير والشر كلاهما يأتي من السماء قاله أبو صالح عن ابن عباس وابن أبي نجيح عن مجاهد
والثاني الجنة رواه ليث عن مجاهد قال أبو عبيدة في هذه الآية مضمر مجازه عند من في السماء رزقكم وعنده ما توعدون والعرب تضمر قال نابغة ذبيان ... كأنك من جمال بني أقيش ... يقعقع خلف رجليه بشن
أراد كأنك جمل من جمال بني أقيش
قوله تعالى إنه لحق قال الزجاج يعني ما ذكره من أمر الآيات والرزق وما توعدون وأمر النبي صلى الله عليه و سلم مثل ما أنكم تنطقون قرأ حمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم مثل برفع اللام وقرأ البقاون بنصب اللام قال الزجاج فمن رفع مثل فهي من صفة الحق والمعنى إنه لحق مثل نطقكم ومن نصب فعلى ضربين

أحدهما أن يكون في موضع رفع إلا أنه لما أضيف إلى أن فتح
والثاني أن يكون منصوبا على التأكيد على معنى إنه لحق حقا مثل نطقكم وهذا الكلام كما تقول إنه لحق كما أنك تتكلم هل أتك حديث ضيف إبرهيم المكرمين إذ دخلوا عليه فقالوا سلاما قال سلام قوم منكرون فراغ إلى أهله فجاء بعجل سمين فقربه إليهم قال ألا تأكلون فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم فأقبلت امرأته في صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم قال فما خطبكم أيها المرسلون قالوا إنا أرسلنا إلى قوم مجرمين لنرسل عليهم حجارة من طين مسومة عند ربك للمسرفين فأخرجنا من كان فيها من المؤمنين فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وتركنا فيها آية للذين يخافون العذاب الأليم
قوله تعالى هل أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين هل بمعى قد في قول ابن عباس ومقاتل فيكون المعنى قد أتاك فاستمع نقصصه عليك وضيفه هم الذين جاؤوا بالبشرى وقد ذكرنا عددهم في هود 70 وذكرنا هناك معنى الضيف
وفي معنى المكرمين أربعة أقوال
أحدهما لأنه أكرمهم بالعجل قاله أبو صالح عن ابن عباس وبه قال مجاهد
والثاني بأن خدمهم هو وامرأته بأنفسهما قاله السدي
والثالث أنهم مكرمون عند الله قاله عبد العزيز بن يحيى
والرابع لأنهم أضياف والأضياف مكرمون قاله أبو بكر الوراق

قوله تعالى فقالوا سلاما قد ذكرناه في هود 70
قوله تعالى قوم منكرون قال الزجاج ارتفع على معنى أنتم قوم منكرون
وللمفسرين في سبب إنكارهم أربعة أقوال
أحدها لأنه لم يعرفهم قاله ابن عباس
والثاني لأنهم سلموا عليه فأنكر سلامهم في ذلك الزمان وفي تلك الأرض قاله أبو العالية
والثالث لأنهم دخلوا عليه من غير استئذان
والرابع لأنه رأى فيم صورة البشر وصورة الملائكة
قوله تعالى فراغ إلى أهله قال ابن قتيبة أي عدل إليهم في خفية ولا يكون الرواغ إلى أن تخفي ذهابك ومجيئك
قوله تعالى فجاء بعجل سمين وكان مشويا فقربه إليهم قال الزجاج والمعنى فقربه إليهم ليأكلوا منه فلم يأكلوا فقال ألا تأكلون على النكير أي أمركم في ترك الأكل مما أنكره

قوله تعالى فأوجس منهم خيفة قد شحرناه في هود 70 وذكرنا معنى غلام عليم في الحجر 54
فأقبلت امرأته وهي سارة قال الفراء وابن قتيبة لم تقبل من موضع إلى موضع وإنما هو كقولك أقبل يشتمني وأقبل يصيح ويتكلم أي أخذ في ذلك والصرة الصيحة وقال أبو عبيدة الصرة شدة الصوت
وفيما قالت في صيحتها قولان
أحدهما أنها تأوهت قال قتادة
والثاني أنها قالت يا ويلتا ذكره الفراء
قوله تعالى فصكت وجهها فيه قولان
أحدهما لطمت وجهها قاله ابن عباس
والثاني ضربت جبينها تعجبا قاله مجاهد ومعن الصك ضرب الشيء بالشيء العريض
وقالت عجوز قال الفراء هذا مرفوع بإضمار أتلد عجوز وقال الزجاج المعنى أنا عجوز عقيم فكيف ألد وقد ذكرنا معنى العقيم في هود 72
قالوا كذلك قال ربك أنك ستلدين غلاما والمعنى إنما نخبرك

عن الله عز و جل وهو حكيم عليم يقدر أن يجعل العقيم ولودا فعلم حينئذ إبراهيم أنهم ملائكة
قال فما خطبكم مفسر في الحجر 57
قوله تعالى حجارة من طين قال ابن عباس هو الآجر
قوله تعالى مسومة عند ربك قد شرحناه في هود 83 قوله تعالى للمسرفين قال ابن عباس للمشركين
قوله تعالى فأخرجنا 4من كان فيها أي من قرى لوط من المؤمنين وذلك قوله تعالى فأسر بأهلك الآية هود 82
فما وجدنا فيها غير بيت من المسلمين وهو لوط وابنتاه وصفهم الله عز و جل بالإيمان والإسلام لأنه ما من مؤمن إلا وهو مسلم
وتركنا فيها آية أي علامة للخائفين من عذاب الله تدلهم على أن الله أهلكهم وقد شرحنا هذا في العنكبوت 35 وبينا المكني عنها وفي موسى إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين فتولى بركنه وقال ساحر أو مجنون فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم وهو مليم وفي عاد إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم ما تذر من شيء أتت عليه إلا جعلته كالرميم وفي ثمود إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فعتوا عن أمر ربهم فأخذتهم الصاعقة وهم ينظرون فما استطاعوا من قيام وما كانوا منتصرين وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوا فاسقين والسماء بنيناها بأيد وإنا لموسعون والأرض فرشناها فنعم الماهدون ومن كل شيء خلقنا زوجين لعلكم تذكرون ففروا إلى الله إني لكم منه نذير مبين ولا تجعلوا مع الله إلها آخر إني لكم منه نذير مبين

قوله تعالى وفي موسى أي وفيه أيضا آية إذ أرسلناه إلى فرعون بسلطان مبين أي بحجة ظاهرة فتولى أي أعرض بركنه قال مجاهد بأصحابه وقال أبو عبيدة بركنه وبجانبه سواء إنما هي ناحيته وقال ساحر أي وقال لموسى هذا ساحر أو مجنون وكان أبو عبيدة يقول أو بمعنى الواو فأما اليم فقد ذكرناه في الأعراف 136 ومليم في الصافات 142
قوله تعالى وفي عاد أي في إهلاكهم آية أيضا إذ أرسلنا عليهم الريح العقيم وهي التي لا خير فيها ولا بركة لا تلقح شجرا ولا تحمل مطرا وإنما هي للإهلاك وقال سعيد بن المسيب هي الجنوب
ما تذر من شيء أتت عليه أي من أنفسهم وأوالهم إلا جعلته كالرميم أي كالشيء الهالك البالي قال الفراء الرميم نبات الأرض إذا يبس وديس وقال الزجاج الرميم الورق الجاف المتحطم مثل الهشيم
وفي ثمود آية أيضا إذ قيل لهم تمتعوا حتى حين فيه قولان
أحدهما أنه قيل لهم تمتعوا في الدنيا إلى وقت انقضاء آجالكم تهددا لهم
والثاني أن صالحا قال لهم بعد عقر الناقة تمتعوا ثلاثة أيام فكان الحين وقت فناء آجالهم فعتوا عن أمر ربهم قال مقاتل عصوا أمره فأخذتهم الصاعقة يعني العذاب وهو الموت من صيحة جبريل

وقرأ الكسائي وحده الصعقة بسكون العين من غير ألف وهي الصوت الذي يكون عن الصاعقة
قوله تعالى وهم ينظرون فيه قولان
أحدهما يرون ذلك عيانا والثاني وهم ينتظرون العذاب فأتاهم صيحة يوم السبت
قوله تعالى فما استطاعوا من قيام فيه قولان
أحدهما ما استطاعوا نهوضا من تلك الصرعة
والثاني ما أطاقوا ثبوتا لعذاب الله وما كانوا منتصرين أي ممتنعين من العذاب قوله تعالى وقوم نوح من قبل قرأ أبو عمرو إلا عبد الوارث وحمزة والكسائي بخفض الميم وروى عبد الوارث رفع الميم والباقون بنصبها قال الزجاج من خفض القوم فالمعنى وفي قوم نوح آية ومن نصب فهو عطف على معنى قوله فأخذتهم الصاعقة فإن معناه أهلكناهم فيكون المعنى وأهلكنا قوم نوح والأحسن والله أعلم أن يكون محمولا على قوله فأخذناه وجنوده فنبذناهم في اليم لأن المعنى أغرقناه وأغرقنا قوم نوح
والسماء بنيناها المعنى وبنينا السماء بنيناها بأيد أي بقوة وكذلك قال ابن عباس ومجاهد وقتادة وسائر المفسرين واللغويين بأيد أي بقوة
وفي قوله وإنا لموسعون خمسة أقوال

أحدها لموسعون الرزق بالمطر قاله الحسن والثاني لموسعون السماء قاله ابن زيد والثالث لقادرون قاله ابن قتيبة والرابع لموسعون ما بين السماء والأرض قاله الزجاج والخامس لذو سعة لا يضيق عما يريد حكاه الماوردي
قوله تعالى والأرض فرشناها فنعم الماهدون قال الزجاج هذا عطف على ما قبله منصوب بفعل مضمر محذوف يدل عليه قوله فرشناها فالمعنى فرشنا الأرض فرشناها فنعم الماهدون أي فنعم الماهدون نحن قال مقاتل فرشناها أي بسطناها مسيرة خمسمائة عام وهذا بعيد وقد قال قتادة الأرض عشرون ألف فرسخ والله تعالى أعلم
قوله تعالى ومن كل شيء خلقنا زوجين أي صنفين ونوعين كالذكر والأنثى والبر والبحر والليل والنهار والحلو والمر والنور والظلمة وأشباه ذلك لعلكم تذكرون فتعلموا أن خالق الأزواج واحد
ففروا إلى الله بالتوبة من ذنوبكم والمعنى اهربوا مما يوجب العقاب من الكفر والعصيان إلى ما يوجب الثواب من الطاعة والإيمان كذلك ما أتى الذين من قبلهم من رسول إلا قالوا ساحر أو مجنون أتواصوا به بل هم قوم طاغون فتول عنهم فما أنت بملوم وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين فإن للذين ظلموا ذنبوا مثل ذنوب أصحابهم فلا يستعجلون فويل للذين كفروا من يومهم الذي يوعدون

قوله تعالى كذلك أي كما كذبك قومك وقالوا ساحر أو مجنون كانوا من قبلك يقولون للأنبياء
قوله تعالى أتواصوا به أي أوصى أولهم آخرهم بالتكذيب وهذا استفهام توبيخ وقال أبو عبيدة أتواطؤوا عليه فأخذه بعضهم من بعض
قوله تعالى بل هم قوم طاغون أي يحملهم الطغيان فيا أعطوا من الدنيا على التكذيب والمشار إليهم أهل مكة
فتول عنهم فقد بلغتهم فما أنت عليهم بملوم لأنك قد أديت الرسالة ومذهب أكثر المفسرين أن هذه الآية منسوخة ولهم في ناسخها قولان
أحدهما أنه قوله وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين والثاني آية السيف وفي قوله وذكر قولان أحدهما عظ قاله مقاتل والثاني ذكرهم بأيام الله وعذابه ورحمته قاله الزجاج
قوله تعالى وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون أثبت الياء في يعبدون ويطعمون ولا يستعجلون في الحالين يعقوب واختلفوا في هذه الآية على أربعة أقوال
أحدها إلا لآمرهم أن يعبدوني قاله علي بن أبي طالب واختاره الزجاج
والثاني إلا ليقروا بالعبودية طوعا وكرها قاله ابن عباس وبيان هذا قوله ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله الزخرف 87
والثالث أنه خاص في حق المؤمنين قال سعيد بن المسيب ما خلقت من يعبدني إلا ليعبدني وقال الضحاك والفراء وابن قتيبة هذا خاص لأهل طاعته وهذا اختيار القاضي ابي يعلى فإنه قال معنى هذا الخصوص لا العموم لأن البله والأطفال والمجانين لا يدخلون تحت الخطاب وإن كانوا

من الإنس فكذلك الكفار يخرجون من هذا بدليل قوله ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس الأعراف 179 فمن خلق للشقاء ولجهنم لم يخلق للعبادة
والرابع إلا ليخضعوا إلي ويتذللوا ومعنى العبادة في اللغة الذل والانقياد وكل الخلق خاضع ذليل لقضاء الله عز و جل لا يملك خروجا عما قضاه الله عز و جل هذا مذهب جماعة من أهل المعاني
قوله تعالى ما أريد منهم من رزق أي ما أريد أن يرزقوا أنفسهم وما أريد أن يطعمون أي أن يطعموا أحدا من خلقي لأني أنا الرزاق وإنما أسند الإطعام إلى نفسه لأن الخلق عيال الله ومن أطعم عيال أحد فقد أطعمه وقد جاء في اللحديث الصحيح عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال يقول الله عز و جل يوم القيامة يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني أي لم تطعم عبدي
فأما الرزاق فقرأ الضحاك وابن محيصن الرازق بوزن العالم قال الخطابي هو المتكفل بالرزق القائم على كل نفس بما يقيمها

من قوتها والمتين الشديد القوة الذي لا تنقطع قوته ولا يلحقه في أفعاله مشقة وقد روى قتيبة عن الكسائي أنه قرأ المتين بكسر النون وكذا قرأ أبو رزين وقتادة وأبو العالية والأعمش قال الزجاج ذو القوة المتين أي ذو الاقتدار الشديد ومن رفع المتين فهو صفة الله عز و جل ومن خفضه جعله صفة للقوة لأن تأنيث القوة كتأنيث الموعظة فهو كقوله فمن جاءه موعظة من ربه البقرة 275
قوله تعالى فإن للذين ظلموا يعني مشركي مكة ذنوبا أي نصيبا من العذاب مثل ذنوب أصحابهم الذين أهلكوا كقوم نوح وعاد وثمود قال الفراء الذنوب في كلام العرب الدلو العظيمة ولكن العرب تذهب بها إلى النصيب والحظ قال الشاعر ... لنا ذنوب ولكم ذنوب ... فإن أبيتم فلما القليب ...
والذنوب يذكر ويؤنث وقال ابن قتيبة أصل الذنوب الدلو العظيمة وكانوا يستقون فيكون لكل واحد ذنوب فجعل الذنوب مكان الحظ والنصيب قوله تعالى فلا يستعجلون أي بالعذاب إن أخروا إلى يوم القيامة وهو يومهم الذي يوعدون ويقال هو يوم بدر

سورة الطور
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم والطور وكتاب مسطور في رق منشور والبيت المعمور والسقف المرفوع والبحر المسجور إن عذاب ربك لواقع ما له من دافع يوم تمور السماء مورا وتسير الجبال سيرا فويل يومئذ للمكذبين الذين هم في خوض يلعبون يوم يدعون إلى نار جهنم دعا هذه النار التي كنتم بها تكذبون أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون إصلوها فاصبروا أو لا تصبروا سواء عليكم إنما تجزون ما كنتم تعملون
قوله تعالى والطور هذا قسم بالجبل الذي كلم الله عز و جل عليه موسى عليه السلام و هو بأرض مدين واسمه زبير
وكتاب مسطور أي مكتوب وفي أربعة أقوال
أحدها أنه اللوح المحفوظ قاله أبو صالح عن ابن عباس

والثاني كتب أعمال بني آدم قاله مقاتل والزجاج
والثالث التوراة
والرابع القرآن حكاهما الماوردي
قوله تعالى في رق قال أبو عبيدة الرق الورق فأما المنشور فهو المبسوط
قوله تعالى والبيت المعمور فيه قولان
أحدهما أنه بيت في السماء وفي أي سماء هو فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه في السماء السابعة رواه أنس عن النبي صلى الله عليه و سلم وحديث مالك بن صعصعة الذي أخرج في الصحيحين يدل عليه
والثاني أنه في السماء السادس قاله علي رضي الله عنه

والثالث أنه في السماء الدنيا روا أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال ابن عباس هو حيال الكعبة يحجه كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون فيه حتى تقوم الساعة يسمى الضراح وقال الربيع بن أنس كان البيت المعمور مكان الكعبة في زمان آدم فلما كان زمن نوح أمر الناس بحجه فعصوه فلما طغى الماء رفع فجعل بحذاء البيت في السماء الدنيا
والثاني أنه البيت الحرام قاله الحسن وقال أبو عبيدة ومعنى المعمور الكثير الغاشية
قوله تعالى والسقف المرفوع فيه قولان
أحدهما أنه السماء قاله علي رضي الله عنه والجمهور
والثاني العرض قاله الربيع
قوله تعالى والبحر فيه قولان
أحدهما أنه بحر تحت العرش ماؤه غليظ يمطر العباد منه بعد النفخة الأولى أربعين صباحا فينبتون في قبوهم قاله علي رضي الله عنه
والثاني أنه بحر الأرض ذكره الماوردي
وفي المسجور أربعة أقوال
أحدها المملوء قاله الحسن وأبو صالح وابن السائب وجميع اللغويين

والثاني أنه الموقد قاله مجاهد وابن زيد وقال شمر بن عطية هو بمنزلة التنور المسجور
والثالث أنه اليابس الذي قد ذهبل ماؤه ونضب قاله أبو العالية وروي عن الحسن قال تسجر يعني البحار حتى يذهب ماؤها فلا يبقى فيها قطرة وقول هذين يرجع إلى معنى قول مجاهد وقد نقل في الحديث أن الله تعالى يجعل البحار كلها نارا فتزاد في نار جهنم
والرابع أن المسجور المختلط عذبه بملحه قاله الربيع بن أنس فأقسم الله تعالى بهذه الأشياء للتنبيه على ما فيها من عظيم قدرته على أن تعذيب المشركين حق فعال إن عذاب ربك لواقع أي لكائن في الآخرة ثم بين متى يقع فقال يوم تمور السماء مورا وفيه ثلاثة أقوال
أحدها تدور دورا رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال مجاهد وهو اختيار الفراء وابن قتيبة والزجاج
والثاني تحرك تحركا رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال قتادة وقال أبو عبيدة تمور أي تكفأ وقال الأعشى ... كأن مشيتها من بيت جارتها ... مرو السحابة لا ريث ولا عجل ...
والثالث يموج بعضها في بعض لأمر الله تعالى قاله الضحاك وما بعد هذا قد سبق بيانه النمل 88 إلى قوله الذين هم في خوض يلعبون

أي يخوضون في حديث محمد صلى الله عليه و سلم بالتكذيب والاستهزاء ويلهون بذكره فالويل لهم
ويوم يدعون قال ابن قتيبة أي يدفعون يقال دععته أدعه أي دفعته ومنه قوله يدع اليتيم الماعون 2 قال ابن عباس يدفع في أعناقهم حتى يردوا النار وقال مقاتل تغل أيديهم إلى أعناقهم وتجمع نواصيهم إلى أقدامهم ثم يدفعون إلى جهنم على وجوههم حتى إذا دنوا منها قالت لهم خزنتها هذه النار التي كنتم بها تكذبون في الدنيا فأسحر هذا العذاب الي ترون فإنكم زعمتم أن الرسل سحرة أم أنتم لا تبصرون النار فلما ألقوا فيها قال لهم خزنتها إصلوها وقال غيره لما نسبوا محمد صلى الله عليه و سلم إلى أنه ساحر يغطي على الأبصار بالسحر وبخوا عند رؤية النار بهذا التوبيخ وقيل إصلوها أي قاسوا شدتها فاصبوا على العذاب أو لا تصبروا سواء عليكم الصبر والجزع إنما تجزون جزاء ما كنتم تعملون من الكفر والتكذيب إن المتقين في جنات ونعيم فاكهين بما آتهم ربهم ووقاهم ربهم عذاب الجحيم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون متكئين على سرر مصفوفة وزوجناهم بحور عين
ثم وصف ما للمؤمنين بما بعد هذا وقوله فاكهين قرئت بألف وبغير ألف وقد شرحناها في يس 55 ووقاهم أي صرف عنهم والجحيم مذكور في البقرة 119
كلوا أي يقال لهم كلوا واشربوا هنيئا تأمنون حدوث المرض

عنه قال الزجاج المعنى ليهنكم ما صرتم إليه وقد شرحنا هذا في سورة النساء 4 ثم ذكر حالهم عند أكلهم وشربهم فقال متكئين على سرر وقال ابن جرير فيه محذوف تقديره على نمارق على سرر وهي جمع سرير مصفوفة قد وضع بعضها إلى جنب بعض وباقي الآية مفسر في سورة الدخان 54 والذين آمنوا واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذريتهم وما ألتناهم من عملهم من شيء كل امريء بما كسب رهين وأمددناهم بفاكهة ولحم مما يشتهون يتنازعون فيها كأسا لا لغو فيها ولا تأثيم ويطوف عليهم غلمان لهم كأنهم لؤلؤ مكنون وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قالوا إنا كنا قبل في أهلنا مشفقين فمن الله علينا ووقنا عذاب السموم إنا كنا من قبل ندعوه إنه هو البر الرحيم
قوله تعالى وأتبعناهم ذرياتهم قرأ ابن كثير وعاصم وحمزة والكسائي واتبعتهم بالتاء ذريتهم واحدة بهم ذريتهم واحدة أيضا وقرأ نافع واتبعتهم ذريتهم واحد بهم ذرياتهم جمعا وقرأ ابن عامر وأتبعناهم ذرياتهم بهم ذرياتهم جمعا في الموضعين واختلفوا في تفسيرها على ثلاثة أقوال
أحدها أن معناها واتبعتهم ذريتهم بإيمان ألحقنا بهم ذرياتهم من المؤمنين في الجنة وإن كانوا لم يبلغوا أعمال آبائهم تكرمة من الله تعالى لآبائهم المؤمنين باجتماع أولادهم معهم روى هذا المعنى سعيد بن جبير عن ابن عباس

والثاني واتبعتهم ذريتهم بإيمان أي بلغت أن آمنت ألحقنا بهم ذريتهم الصغار الذين لم يبلغوا الإيمان وروى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس وبه قال الضحاك ومعنى هذا القول أن أولادهم الكبار تبعوهم بإيمان منهم وأولادهم الصغار تبعوهم بإيمان الآباء لأن الولد يحكم له بالإسلام تبعا لوالده
والثالث وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان الآباء فأدخلناهم الجنة وهذا مروي عن ابن عباس أيضا
قوله تعالى وما ألتناهم قرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي وما ألتناهم بالهمزة وفتح اللام وقرأ ابن كثير وما ألتناهم بكسر اللام وروى ابن شنبوذ عن قنبل عنه ومالتناهم بإسقاط الهمزة مع كسر اللام وقرأ أبو العالية وأبو نهيك ومعاذ القارئ باسقاط الهمزة مع فتح اللام وقرأ ابن السميفع وما آلتناهم بمد الهمزة وفتحها وقرأ الضحاك وعاصم الجحدري وما ولتناهم بواو مفتوحة من غير همة وبنصب اللام وقرأ ابن مسعود وأبو المتوكل وما ألتهم مثل جعلتهم وقد ذكرنا هذه الكلمة في الحجرات 140 والمعنى ما نقصنا الآباء بما أعطينا الذرية
كل امريء بما كسب رهين أي مرتهن بعمله لا يؤاخذ أحد بذنب أحد وقيل هذا الكلام يختص بصفة أهل النار وذلك الكلام قد تم
قوله تعالى وأمددناهم قال ابن عباس هي الزيادة على الذي كان لهم

قوله تعالى يتنازعون قال أبو عبيدة أي يتعاطون ويتداولون وأنشد الأخطل ... نازعته طيب الراح الشمول وقد ... صاح الدجاج وحانت وقعة الساري ...
قال الزجاج يتناول هذا الكأس من يد هذا وهذا من يد هذا فأما الكأس فقد شرحناها في الصافات 45
قوله تعالى لا لغو فيها ولا تأثيم قرأ ابن كثير وأبو عمرو لا لغو فيها ولا تأثيم نصبا وقرأ الباقون لا لغو فيها ولا تأثيم رفعا منونا قال ابن قتيبة أي لا تذهب بعقولهم فيلغوا ويرفثوا فيأثموا كما يكون ذلك في خمر الدنيا وقال غيره التأثيم تفعيل من الإثم يقال آثمه إذا جعله ذا إثم والمعنى أن تلك الكأس لا تجعلهم آثمين
ويطوف عليهم للخدمة غلمان لهم كأنهم في الحسن والبياض لؤلؤ مكنون أي مصون لم تمسه الأيدي وسئل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقيل يا نبي الله هذا الخادم فكيف المخدوم فقال إن فضل المخدوم على الخادم كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب
وقوله تعالى وأقبل بعضهم على بعض يتساءلون قال ابن عباس

يتذاكرون ما كانوا فيه في الدنيا من الخوف والتعب وهو قوله قالوا إنا كنا قبل في أهلنا أي في دار الدنيا مشفقين أي خائفين من العذاب فمن الله علينا بالمغفرة ووقانا عذاب السموم أي عذاب النار وقال الحسن السموم من أسماء جهنم وقال غيره سموم جهنم وهو ما يوجد من نفحها وحرها إنا كنا من قبل ندعوه أي نوحده ونخلص له إنه هو البر وقرأ نافع والكسائي أنه بفتح الهمزة وفي معنى البر ثلاثة أقوال
أحدها الصادق فيما وعد رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثاني اللطيف رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
والثالث العطوف على عباده المحسن إليهم الذي عم ببره جميع خلقه قاله أبو سليمان الخطابي فذكر فما أنت بنعمت ربك بكاهن ولا مجنون أم يقولون شاعر نتربص به ريب المنون قل تربصوا فإني معكم من المتربصين أم تأمرهم أحلامهم بهذا أم هم قوم طاغون أم يقولون تقوله بل لا يؤمنون فليأتوا بحديث مثله إن كانوا صادقين
قوله تعالى فذكر أي فعظ بالقرآن فما أنت بنعمة ربك أي بإنعامه عليك بالنبوة بكاهن وهو الذي يوهم أنه يعلم الغيب ويخبر عما في غد من غير وحي والمعنى إنما تنطق بالوحي لا كما يقول فيك كفار مكة
أم يقولون شاعر أي هو شاعر وقال أبو عبيدة أم بمعنى بل قال الأخطل

كذبتك عينك أم رأيت بواسط ... غلس الظلام من الرباب خيالا ...
لم يستفهم إنما أوجب أنه رأى
قوله تعالى نتربص به ريب المنون فيه قولان
أحدهما أنه الموت قاله ابن عباس
والثاني حوادث الدهر قاله مجاهد قال ابن قتيبة حوادث الدهر وأوجاعه ومصائبه والمنون الدهر قال أبو ذؤيب ... أمن المنون وريبه تتوجع ... والدهر ليس بمعتب من يجزع ...
هكذا أنشدناه أصحاب الأصمعي عنه وكان يذهب إلى أن المنون الدهر قال وقوله والدهر ليس بمعتب يدل على ذلك كأنه قال أمن الدهر وريبه تتوجع قال الكسائي العرب تقول لا أكلمك آخر المنون أي آخر الدهر
قوله تعالى قل تربصوا أي انتظروا بي ذلك فإني معكم من المتربصين أي من المنتظرين عذابكم فعذبوا يوم بدر بالسيف وبعض المفسرين يقول هذا منسوخ بآية السيف ولا يصح إذ لا تضاد بين الآيتين
قوله تعالى أم تأمرهم أحلامهم بهذا قال المفسرون كانت عظماء قريش توصف بالأحلام وهي العقول فأزرى الله بحلومهم إذ لم تثمر لهم معرفة الحق من الباطل وقيل لعمرو بن العاص ما بال قومك لم يؤمنوا

وقد وصفهم الله تعالى بالعقول فقال تلك عقول كادها بارئها أي لم يصحبها التوفيق
وفي قوله أم تأمرهم وقوله أم هم قولان
أحدهما أنهما بمعنى بل قاله أبو عبيدة
والثاني بمعنى ألف الاستفهام قاله الزجاج قال والمعنى أتأمرهم أحلامهم بترك القبول ممن يدعوهم إلى التوحيد ويأتيهم على ذلك بالدلائل أم يكفرون طغيانا وقد ظهر لهم الحق وقال ابن قتيبة المعنى أم تدلهم عقولهم على هذا لأن الحلم يكون بالعقل فكنى عنه به
قوله تعالى أم يقولون تقوله أي افتعل القرآن من تلقاء نفسه والتقول تكلف القول ولا يستعمل إلا في الكذب بل أي ليس الأمر كما زعموا لا يؤمنون بالقرآن استكبارا
فليأتوا بحديث مثله في نظمه وحسن بيانه وقرأ أبو رجاء وأبو نهيك ومورق العجلي وعاصم الجحدري بحديث مثله بغير تنوين إن كانوا صادقين أن محمدا تقوله أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون أم عندهم خزائن ربك أم هم المصيطرون أم لهم سلم يستمعون فيه فليأت مستمعهم بسلطان مبين أم له البنات ولكم البنون أم تسئلهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون أم يريدون كيدا فالذين كفروا هم الميكدون أم لهم إله غير الله سبحان الله عما يشركون
قوله تعالى أم خلقوا من غير شيء فيه أربعة أقوال

أحدها أم خلقوا من غير رب خالق
والثاني أم خلقوا من غير آباء ولا أمهات فهم كالجماد لا يعقلون
والثالث أم خلقوا من غير شيء كالسماوات والأرض أي إنهم ليبسوا بأشد خلقا من السماوات والأرض لأنها خلقت من غير شيء وهم خلقوا من آدم وآدم من تراب
والرابع أم خلقوا لغير شيء فتكون من بمعنى اللام والمعنى ما خلقوا عبثا فلا يؤمرون ولا ينهون
قوله تعالى أم هم الخالقون فلذلك لا يأتمرون ولا ينتهون لأن الخالق لا يؤمر ولا ينهى
قوله تعالى بل لا يوقنون بالحق وهو توحيد الله وقدرته على البعث قوله تعالى أم عندهم خزائن ربك فيه ثلاثة أقوال أحدها المطر والرزق قاله ابن عباس والثاني النبوة قاله عكرمة والثالث علم ما يكون من الغيب ذكره العثلبي وقال الزجاج المعنى أعندهم ما في خرائن ربك من العلم وقيل من الرزق فهم معرضون عن ربهم لاستغنائهم
قوله تعالى أم هم المصيطرون قرأ ابن كثير المسيطرون بالسين وقال ابن عباس المسلطون قال أبو عبيدة المصيطرون الأرباب يقال تسيطرت علي أي اتخذتني خولا قال ولم يأت في كلام العرب اسم على مفيعل إلا خمسة أسماء مهيمن ومجيمر ومسيطر ومبيطر ومبيقر فالمهيمن الله الناظر المحصي الذي لا يفوته

شيء ومجيمر جبل والمسيطر المسلط ومبيطر بيطار والمبيقر الذي يخرج من أرض إلى أرض يقال بيقر إذا خرج من بلد إلى بلد قال امرؤ القيس ... ألا هل أتاها والحوادث جمة ... بأن امرأ القيس بن تملك بيقرا ...
قال الزجاج المسيطرون الأرباب المسلطون يقال قد تسيطر علينا وتصيطر بالسين والصاد والأصل السين وكل سين بعدها طاء فيجوز أن تقلب صادا تقول سطر وصطر وسطا علينا وصطا قال المفسرون معنى الكلام أم هم الأرباب فيفعلون ما شاؤوا ولا يكونون تحت أمر ولا نهى
قوله تعالى أم لهم سلم أي مرقى ومصعد إلى السماء يستمعون فيه أي عليه الوحي كقوله في جذوع النخل طه 71 فالمعنى يستمعون الوحي فيعلمون أن ما هم عليه حق فليات مستمعهم إن ادعى ذلك بسلطان مبين أي بحجة واضحة كما أتى محمد بحجة على قوله
أم له البنات ولكم البنون هذا إنكار عليهم حين جعلوا لله البنات
أم تسألهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أي هل سألتهم أجرا على ما جئت به فأثقلهم ذلك الذي تطلبه منهم فمنعهم عن الاسلام والمغرم بمعنى الغرم وقد شرحناه في براءة 98
قوله تعالى أم عندهم الغيب هذا جواب لقولهم نتربص به ريب المنون والمعنى أعندهم الغيب وفيه قولان
أحدهما أنه اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه ويخبرون الناس قاله ابن عباس

والثاني أعندهم علم الغيب فيعلمون أن محمدا يموت قبلم فهم يكتبون أي يحكمون فيقولون سنقهرك والكتاب الحكم ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم سأقضي بينكما بكتاب الله أي بحكم الله عز و جل وإلى هذا المعنى ذهب ابن قتيبة
قوله تعالى أم يريدون كيدا وهو ما كانوا عزموا عليه في دار الندوة وقد شرحنا ذلك في قوله وإذ يمكر بك الذين كفروا الأنفال 30 ومعنى هم المكيدون هم المجزيون بكيدهم لأن ضرر ذلك عاد عليهم فقتلوا ببدر وغيرها
أم لهم إله غير الله أي ألهم إله يرزقهم ويحفظهم غير الله والمعنى أن الأصنام ليست بآلهة لأنها لا تنفع ولا تدفع ثم نزه نفسه عن شركهم بباقي الآية وإن يروا كسفا من السماء ساقطا يقولوا سحاب مركوم فذرهم حتى يلاقوا يومهم الذي فيه يصعقون يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا ولا هم ينصرون

وإن للذين ظلموا عذابا دون ذلك ولكن أكثرهم لا يعلمون واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم
ثم ذكر عنادهم فقال وإن يروا كسفا من السماء ساقطا والمعنى لو سقط بعض السماء عليهم لما انتهوا عن كفرهم ولقالوا هذه قطعة من السحاب قدركم بعضه على بعض
فذرهم أي خل عنهم حتى يلاقوا قرأ أبو جعفر يلقوا بفتح الياء والقاف وسكون اللام من غير ألف يومهم وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه يوم موتهم والثاني يوم القيامة والثالث يوم النفخة الأولى
قوله تعالى يصعقون قرأ عاصم وابن عامر يصعقون برفع الياء من أصعقهم غيرهم والباقون بفتحها من صعقوهم
وفي قوله يصعقون قولان
أحدهما يموتون والثاني يغشى عليهم كقوله وخر موسى صعقا الأعراض 143 وهذا يخرج على قول من قال هو يوم القيام فإنهم يغشى عليهم من الأهوال وذكر المفسرون أن هذه الآية منسوخة بآية السيف ولا يصح لأن معنى الآية الوعيد
قوله تعالى يوم لا يغني عنهم كيدهم شيئا هذا اليوم الأول والمعنى لا ينفعهم مركهم ولا يدفع عنهم العذاب ولا هم ينصرون أي يمنعون من العذاب
قوله تعالى وإن للذين ظلموا أي أشركوا عذابا دون ذلك أي قبل ذلك اليوم وفيه أربعة أقوال

أحدها أنه عذاب القبر قاله البراء وابن عباس والثاني عذاب القتل يوم بدر وروي عن ابن عباس أيضا وبه قال مقاتل والثالث مصائبهم في الدنيا قاله الحسن وابن زيد والرابع عذاب الجوع قاله مجاهد
قوله تعالى ولكن أكثرهم لا يعلمون أي لا يعلمون ما هو نازل بهم
واصبر لحكم ربك أي لما يحكم به عليك فإنك بأعيننا قال الزجاج فإنك بحيث نراك ونحفظك ونرعاك فلا يصلون إلى مكروهك وذكر المفسرون أن معنى الصبر نسخ بآية السيف ولا يصح لأنه لا تضاد
وسبح بحمد ربك حين تقوم فيه ستة أقوال
أحدها صل لله حين تقوم من منامك قاله ابن عباس
والثاني قل سبحانك اللهم وبحمدك حين تقوم من مجلسك قاله عطاء وسعيد بن جبير ومجاهد في آخرين
والثالث قل سبحانك الله وبحمدك وتبارك اسمك وتعالى جدك ولا إله غيرك حين تقوم في الصلاة قاله الضحاك
والرابع سبح الله إذا قمت من نومك قاله حسان بن عطية
والخامس صل صلاة الظهر إذا قمت من نوم القائلة قاله زيد بن أسلم
والسادس اذكر الله بلسانك حين تقوم من فراشك إلى أن تدخل في الصلاة قاله ابن السائب
قوله تعالى ومن الليل فسبحه قال مقاتل صل المغرب وصل العشاء وإدبار النجوم قرأ زيد عن يعقوب وهارون عن أبي عمرو والجعفي

عن أبي بكر وأدبار النجوم بفتح الهمزة وقرأ الباقون بكسرها وقد شرحناها في ق40 والمعنى صل له في إدبار النجوم أي حين تدبر أي تغيب بضوء الصبح وفي هذه الصلاة قولان
أحدهما أنها الركعتان قبل صلاة الفجر رواه علي رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه و سلم وهو قول الجمهور
والثاني أنها صلاة الغداة قاله الضحاك وابن زيد

سورة النجم
وهي مكية بإجماعهم
إلا أنه قد حكي عن ابن عباس وقتادة أنهما قالا إلا آية منها وهي الذين يجتنبون كبائر الإثم النجم 32 وكذلك قال مقاتل قال وهذه أول سورة أعلنها رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة
بسم الله الرحمن الرحيم والنجم إذى هوى ما ضل صاحبكم وما غوى وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحى
قوله تعالى والنجم إذا هوى هذا قسم وفي المراد بالنجم خمسة أقوال
أحدها أنه الثريا رواه العوفي عن ابن عباس وابن أبي نجيح عن مجاهد قال ابن قتيبة والعرب تسمي الثريا وهي ستة أنجم نجما وقال غيره هي سبعة فستة ظاهرة وواحد خفي يمتحن به الناس أبصارهم
والثاني الرجوم من النجوم يعني ما يرمى به الشياطين رواه عكرمة عن ابن عباس
والثالث أنه القرآن نزل نجوما متفرقة قاله عطاء عن ابن عباس

والأعمش عن مجاهد وقال مجاهد كان ينزل نجوما ثلاث آيات وأربع آيات ونحو ذلك
والرابع نجوم السماء كلها وهو مروي عن مجاهد أيضا والخامس أنها الزهرة قاله السدي
فعلى قول من قال النجم الثريا يكون هوى بمعنى غاب ومن قال هو الرجوم يكون هويها في رمي الشياطين ومن قال القرآن يكون معنى هوى نزل ومن قال نجوم السماء كلها ففيه قولان
أحدهما أن هويها أن تغيب والثاني أن تنتثر يوم القيامة
قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر هذه السورة كلها بفتح أواخر آياتها وقرأ أبو عمرو ونافع بين الفتح والكسر وقرأ حمزة والكسائي ذلك كله بالإمالة
قوله تعالى ما ضل صاحبكم هذا جواب القسم والمعنى ما ضل عن طريق الهدى والمراد به رسول الله صلى الله عليه و سلم
وما ينطق عن الهوى أي ما يتكلم بالباطل وقال أبو عبيدة عن بمعنى الباء وذلك أنهم قالوا إنه يقول القرآن من تلقاء نفسه
إن هو أي ما القرآن إلا وحي من الله يوحى وهذا مما يحتج به من لا يجيز للنبي أن يجتهد وليس كما ظنوا لأن اجتهاد الرأي إذا صدر عن الوحي جاز أن ينسب إلى الوحي علمه شديد القوى ذو مرة فاستوى وهو بالأفق الأعلى ثم دنا فتدلى فكان قاب قوسين أو أدنى فأوحى إلى عبده ما أوحى ما كذب الفؤاد ما رأى أفتمارونه على ما يرى ولقد رآه نزلة أخرى عند سدرة

المنتهى عندها جنة المأوى إذ يغشى السدرة ما يغشى ما زاغ البصر وما طغى لقد رأى من آيات ربه الكبرى
قوله تعالى علمه شديد القوى وهو جبريل عليه السلام علم النبي صلى الله عليه و سلم قال ابن قتيبة وأصل هذا من قوى الحبل وهي طاقاته الواحدة قوة ذو مرة أي ذو قوة وأصل المرة الفتل قال المفسرون وكان من قوته أنه قلع قريات لوط وحملها على جناحه فقلبها وصاح بثمود فأصبحوا خامدين
قوله تعالى فاستوى وهو بالأفق الأعلى فيه قولان
أحدهما فاستوى جبريل وهو يعني النبي صلى الله عليه و سلم والمعنى أنهما استويا بالأفق الأعلى لما أسري برسول الله صلى الله عليه و سلم قاله الفراء

والثاني فاستوى جبريل وهو يعني جبريل بالأفق الأعلى على صورته الحقيقية لأنه كان يتمثل لرسول الله صلى الله عليه و سلم إذا هبط عليه بالوحي في صورة رجل وأحب رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يراه على حقيقته فاستوى في أفق المشرق فملأ الأفق فيكون المعنى فاستوى جبريل بالأفق الأعلى في صورته هذا قول الزجاج قال مجاهد والأفق الأعلى هو مطلع الشمس وقال غيره إنما قيل له الأعلى لأنه فوق جانب المغرب في صعيد الأرض لا في الهواء
قوله تعال ثم دنا فتدلى قال الفراء المعنى ثم تدلى فدنا ولكنه جائز أن تقدم أي الفعلين شئت إذا كان المعنى فيهما واحدا فتقول قد دنا فقرب وقرب فدنا وشتم فأساء وأساء فشتم ومنه قوله اقتربت الساعة وانشق القمر المر 1 المعنى والله أعلم انشق القمر واقتربت الساعة قال ابن قتيبة المعنى تدلى فدنا لأنه تدلى للدنو ودنا بالتدلي وقال الزجاج دنا بمعنى قرب وتدلى زاد في القرب ومعنى اللفظتين واحد وقال غيرهم أصل التدلي النزول إلى الشيء حتى يقرب منه فوضع موضع القرب
وفي المشار إليه بقوله ثم دنا ثلاثة أقوال
أحدها أنه الله عز و جل روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث شريك بن أبي نمر عن أنس بن مالك قال دنا الجبار رب العزة فتدلى حتى كان منه قاب قوسين أو أدنى وروى أبو سلمة عن ابن عباس ثم دنا

قال دنا ربه فتدلى وهذا اختيار مقاتل قال دنا الرب من محمد ليلة أسري به فكان منه قاب قوسين أو أدنى وقد كشفت هذا الوجه في كتاب المغني وبينت أنه ليس كما يخطر بالبال من قرب الأجسام وقطع المسافة لأن ذلك يختص بالأجسام والله منزه عن ذلك
والثاني أنه محمد دنا من ربه قاله ابن عباس والقرظي
والثالث أنه جبريل ثم في الكلام قولان
أحدهما دنا جبريل بعد استوائه بالأفق الأعلى من الأرض فنزل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله الحسن وقتادة والثاني دنا جبريل من ربه عز و جل فكان منه قاب قوسين أو أدنى قاله مجاهد
قوله تعالى فكان قاب قوسين أو أدنى وقرأ ابن مسعود وأبو رزين فكان قاد قوسين بالدال قوال أبو عبيدة القاب والقاد القدر وقال

ابن فارس القاب القدر ويقال بل القاب ما بين المقبض والسية ولكل قوس قابان وقال ابن قتيبة سية القوس ما عطف من طرفيها
وفي المراد بالقوسين قولان
أحدهما أنها القوس التي يرمى بها قاله ابن عباس واختاره ابن قتيبة فقال قدر قوسين وقال الكسائي اراد بالقوسين قوسا واحد
والثاني أن القوس الذراع فالمعنى كان بينهما قدر ذراعين حكاه ابن قتيبة وهو قول ابن مسعود وسعيد بن جبير والسدي قال ابن مسعود دنا جبريل منه حتى كان قدر ذراع أو ذراعين
قوله تعالى أو أدنى في قولان
أحدهما أنها بمعنى بل قاله مقاتل والثاني أنهم خوطبوا على لغتهم والمعنى كان على ما تقدرونه أنتم قدر قوسين أو أقل هذا اختيار الزجاج
قوله تعالى فأوحى إلى عبده ما أوحى فيه ثلاثة أقوال
أحدها أوحى الله إلى محمد كفاحا بلا واسطة وهذا على قول من يقول إنه كان في ليلة المعراج
والثاني أوحى جبريل إلى النبي صلى الله عليه و سلم ما أوحى الله إليه رواه عطاء عن ابن عباس
والثالث أوحى الله إلى جبريل ما يوحيه روي عن عائشة رضي الله عنها والحسن وقتادة

قوله تعالى ما كذب الفؤاد ما رأى قرأ أبو جعفر وهشام عن ابن عامر وأبان عن عاصم ما كذب بتشديد الذال وقرأ الباقون بالتخفيف فمن شدد أراد ما أنكر فؤاده ما رأته عينه ومن خفف أراد ما أوهمه فؤاده أنه رأى ولم ير بل صدق الفؤاد رؤيته
وفي الذي رأى قولان
أحدهما أنه رأى ربه عز و جل قاله ابن عباس وأنس والحسن وعكرمة
والثاني أنه رأى جبريل في صورته التي خلق عليها قاله ابن مسعود وعائشة
قوله تعالى أفتمارونه وقرأ حمزة والكسائي والمفضل وخلف ويعقوب أفتمرونه قال ابن قتيبة معنى أفتمارونه أفتجادلونه من المراء ومعنى أفتمرونه أفتجحدونه
قوله تعالى ولد رآه نزلة أخرى قال الزجاج أي رآه مرة أخرى قال ابن عباس رأى محمد ربه وبيان هذا أنه تردد لأجل الصلوات مرارا فرأى ربه في بعض تلك المرات مرة أخرى قال كعب إن الله تعالى قسم كلامه ورؤيته بين محمد وموسى فرآه محمد مرتين وكلمه موسى مرتين وقد

روي عن ابن مسعود أن هذه الرؤية لجبريل أيضا رآه على صورته التي خلق عليها
فأما سدرة المنتهى فالسدرة شجرة النبق وقد صح في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال نبقها مثل قلال هجر وورقها مثل آذان الفيلة وفي مكانها قولان
أحدهما أنها فوق السماء السابعة وهذا مذكور في الصحيحين من حديث مالك بن صعصعة قال مقاتل وهي عن يمين العرش
والثاني أنها في السماء السادسة أخرجه مسلم في أفراده عن ابن مسعود وبه قال الضحاك قال المفسرون وإنما سميت سدرة المنتهى لأنه إليها منتهى ما يصعد به من الأرض فيقبض منها وإليها ينتهي ما يهبط به من فوقها فيقبض منها وإليها ينتهي علم جميع الملائكة
قوله تعالى عندها وقرأ معاذ القارئ وابن يعمر وأبو نهيك عنده بهاء مرفوعة على ضمير مذكر جنة المأوى قال ابن عباس هي جنة يأوي إليها جبريل والملائكة وقال الحسن هي التي يصير إليها أهل الجنة وقال مقاتل هي جنة إليها تأوي أرواح الشهداء وقرأ سعيد بن المسيب والشعبي وأبو المتوكل وأبو الجوزاء وأبو العالية جنة المأوى بهاء

صحيحة مرفوعة قال ثعلب يريدون أجنه وهي شاذة وقيل معنى عندها أدركه المبيت يعني رسول الله صلى الله عليه و سلم
قوله تعالى إن يغشى السدرة ما يغشى روى مسلم في أفراده من حديث ابن مسعود قال غشيها فراش من ذهب وفي حديث مالك بن صعصعة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال لما غشيها من أمر الله ما غشيها تغيرت فما أحد من خلق الله يستطيع أن يصفها من حسنها وقال الحسن ومقاتل تغشاها الملائكة أمثلا الغربان حين يقعن على الشجرة وقال الضحاك غشيها نور رب العالمين
قوله تعالى ما زاغ البصر أي ما عدل بصر رسول الله صلى الله عليه و سلم يمينا ولا شمالا وما طغى أي ما زاد ولا جاوز ما رأى وهذا وصف أدبه صلى الله عليه و سلم في ذلك المقام
لقد رأى من آيات ربه الكبرى فيه قولان أحدهما لقد رأى من آيات ربه العظام والثاني لقد رأى من آيات ربه الآية الكبرى

وللمفسرين في المراد بما رأى من الآيات ثلاثة أقوال
أحدها أنه رأى رفرفا أخضر من الجنة قد سد الأفق قاله ابن مسعود
والثاني أنه رأى جبريل في صورته التي يكون عليها في السماوات قاله ابن زيد
والثالث أنه رأى من أعلام ربه وأدلته الأعلام والأدلة الكبرى قاله ابن جرير أفرأيتم اللات والعزى ومنوة الثالثة الأخرى ألكم الذكر وله الأنثى تلك إذا قسمة ضيزى إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى أم للإنسان ما تمنى فلله الآخرة والأولى وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا إلا من بعد أن يأذن الله لمن يشاء ويرضى
قال الزجاج فلما قص الله تعالى هذه الأقاصيص قال أفرأيتم اللات والعزى المعنى أخبرونا عن هذه الآلهة التي تعبدونها هل لها من القدرة والعظمة التي وصف بها رب العزة شيء
فأما اللات فقرأ الجمهور بتخفف التاء وهو اسم صنم كان لثقيف اتخذوه من دون الله وكانوا يشتقون لأصنامهم من أسماء الله تعالى فقالوا من الله اللات ومن العزيز العزى قال أبو سليمان الخطابي كان

المشركون يتعاطون الله اسما لبعض أصنامهم فصرفه الله إلى اللات صيانة لهذا الاسم وذبا عنه وقرأ ابن عباس وأبو رزين وأبو عبد الرحمن السلمي والضحاك وابن السميفع ومجاهد وابن يعمر والأعمش وورش عن يعقوب اللات بتشديد التاء ورد في تفسير ذلك عن ابن عباس ومجاهد أن رجلا كان يلت السويق للحاج فلما مات عكفوا على قبره فعبدون وقال الزجاج زعموا أن رجلا كا يلت السويق ويبيعه عند ذلك الصنم فسمي الصنم اللات وكان الكسائي يقف عليه بالهاء فيقول اللاه وهذا قياس والأجود الوقوف بالتاء لاتباع المصحف
وأما العزى ففيها قولان
أحدهما أنها شجرة لغطفان كانوا يعبدونها قاله مجاهد
والثاني صنم لهم قاله الضحاك قال وأما مناة فهو صنم لهذيل وخزاعة يعبده أهل مكة وقال قتادة بل كانت للأنصار وقال أبو عبيدة كانت اللات والعزى ومناة أصناما من حجارة في جوف الكعبة يعبدونها وقرأ ابن كثر ومناءة ممدودة مهموزة
فأما قوله الثالثة فإنه نعت ل مناة هي ثالثة الصنمين في الذكر والأخرى نعت لها قال الثعلبي العرب لا تقول للثالثة الأخرى وإنما الأخرى نعت للثانية فيكون في المعنى وجهان
أحدهما أن ذلك لوفاق رؤوس الآي كقوله مآرب أخرى طه 18 ولم يقل أخر قاله الخليل

والثاني أن في الآية تقديما وتأخيرا تقديره أفرأيتم اللات والعزى الأخرى ومناة الثالثة قاله الحسين بن الفضل
قوله تعالى ألكم الذكر قال ابن السائب إن مشركي قريش قالوا للأصنام والملائكة بنات الله وكان الرجل منهم إذا بشر بالأنثى كره فقال الله تعالى منكرا عليهم ألكم الذكر وله الأنثى يعني الأصنام وهي إناث في أسمائها
تلك إذا قسمة ضيزى قرأ عاصم ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي ضيزى بكسر الضاد من غير همز وافقهم ابن كثير في كسر الضاد لكنه همز وقرأ أبي بن كعب ومعاذ القارئ ضيزى بفتح الضاد من غير همز قال الزجاج الضيزى في كلام العرب الناقصة الجائرة يقال ضازه يضيزه إذا نقصه حقه ويقال ضأزه يضأزه بالهمز وأجمع النحويون أن أصل ضيزى ضوزى وحجتهم أنها نقلت من فعلى من ضوزى إلى ضيزى لتسلم الياء كما قالوا أبيض وبيض وأصله بوض فنقلت الضمة إلى الكسرة وقرأت على بعض العلماء باللغة في ضيزى لغات يقال ضيزى وضوزى وضؤزى وضأزى على فعلى مفتوحة ولا يجوز في القرآن إلا ضيزى بياء غير مهموزة وإنما لم يقل النحويون إنها على أصلها لأنهم لا يعرفون في الكلام فعلى صفة إنما يعرفون الصفات على فعلى بالفتح نحو سكرى وغضبى أو بالضم نحو حبلى وفضلى
قوله تعالى إن هي يعني الأوثان إلا أسماء والمعنى إن هذه الأوثان

التي سموها بهذه الأسامي لا معنى تحتها لأنها لا تضر ولا تنفع فهي تسميات ألقيت على جمادات ما أنزل الله بها من سلطان أي لم ينزل كتابا فيه حجة بما يقولون إنها آلهة ثم رجع إلى الإخبار عنهم بعد الخطاب لهم فقال إن يتبعون في أنها آلهة إلا الظن وما تهوى الأنفس وهو ما زين لهم الشيطان ولقد جاءهم من ربهم الهدى وهو البيان بالكتاب والرسول وهذا تعجيب من حالهم إذ لم يتركوا عبادتها بعد وضوح البيان
ثم أنكر عليهم تمنيهم شفاعتها فقال أم للإنسان يعني الكافر ما تمنى من شفاعة الأصنام فلله الآخرة والأولى أي لا يملك فيهما أحد شيئا إلا بإذنه ثم أكد هذا بقوله وكم من ملك في السموات لا تغني شفاعتهم شيئا فجمع في الكناية لأن معنى الكلام الجمع إلا من بعد أن يأذن الله في الشفاعة لمن يشاء ويرضى والمعنى أنهم لا يشفعون إلا لمن رضي الله عنهم إن الذين لا يؤمنون بالآخرة ليسمون الملئكة تسمية الأنثى وما لهم به من علم إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا فأعرض عن من تولى عن ذكرنا ولم يرد إلا الحيوة الدنيا ذلك مبلغهم من العلم إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بمن اهتدى
قوله تعالى إن الذين لا يؤمنون بالآخرة أي بالبعث ليسمون الملائكة تسمية الأنثى وذلك ين زعموا أنها بنات الله وما لهم بذلك من علم أي ما يستيقنون أنها إناث إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا أي لا يقوم مقام العلم فالحق ها هنا بمعنى العلم

فأعرض عمن تولى عن ذكرنا يعني القرآن وهذا عند المفسرين منسوخ بآية السيف
قوله تعالى ذلك مبلغهم من العلم قال الزجاج إنما يعلمون ما يحتاجون إليه في معايشهم وقد نبذوا أمر الآخرة
قوله تعالى هو أعلم بمن ضل عن سبيله الآية والمعنى أنه عالم بالفريقين فيجازيهم
ولله ما في السموات وما في الأرض ليجزي الذين أساؤا بما عملوا ويجزي الذين أحسنوا بالحسنى الذين يتجتنبون كبائر الإثم والفواحش إلا اللمم إن ربك واسع المغفرة هو أعلم بكم إذ أنشأكم من الأرض وإذ أنتم أجنة في بطون أمهاتكم فلا تزكوا أنفسكم هو أعلم بمن اتقى
قوله تعالى ولله ما في السموات وما في الأرض هذا إخبرا عن قدرته وسعة ملكه وهو كلام معترض بين الآية الأولى وبين قوله ليجزي الذين أساؤوا لأن اللام في ليجزي متعلقة بمعنى الآية الأولى لأنه إذا كان أعلم بهما جازى كلا بما يستحقه وهذه لام العاقبة وذلك أن علمه بالفريقين أدى إلى جزائهم باستحقاقهم وإنما يقدر على مجازاة الفريقين إذا كان واسع الملك فلذلك أخبر به في قوله ولله ما في السموات وما في الأرض قال المفسرون وأساؤوا بمعنى أشركوا وأحسنوا بمعنى وحدوا والحسنى الجنة والكبائر مذكورة في سورة النساء 31 وقيل كبائر الإثم كل ذنب ختم بالنار والفواحش كل ذنب فيه الحد وقرأ حمزة والكسائي والمفضل وخلف يجتنبون كبير الإثم واللمم في كلام العرب المقاربة للشيء وفي المراد به ها هنا ستة أقوال

أحدها ما ألموا به من الإثم والفواحش في الجاهلية فإنه يغفر في الإسلام قاله زيد بن ثابت
والثاني أن يلم بالذنب مرة ثم يتوب ولا يعود قاله ابن عباس والحسن والسدي
والثالث أنه صغار الذنوب كالنظرة والقبلة وما كان دون الزنا قاله ابن مسعود وأبو هريرة والشعبي ومسروع ويؤيد هذا حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا فزنا العينين النظر وزنا اللسان النطق والنفس تشتهي وتتمنى ويصدق ذلك ويكذبه الفرج فإن تقدم بفرجه كان الزنا وإلا فهو اللمم
والرابع أنه ما يهم به الإنسان قاله محمد بن الحنفية
والخامس أنه ألم بالقلب أي خطر قاله سعيد بن المسيب
والسادس أنه النظر من غير تعمد قاله الحسين بن الفضل فعلى القولين الأولين يكون الاستثناء من الجنس وعلى باقي الأقوال ليس من الجنس
قوله تعالى إن ربك واسع المغفرة قال ابن عباس لمن فعل ذلك ثم تاب وها هنا تم الكلام ثم قال هو أعلم بكم يعني قبل خلقكم إذ أنشأكم من الأرض يعني آدم عليه ا لسلام وإذ أنتم أجنة جمع جنين والمعنى أنه علم ما تفعلون وإلى ماذا تصيرون فلا تزكوا أنفسكم أي لا تشهدوا لها أنها زكية بريئة من المعاصي وقيل لا تمدحوها بحسن أعمالها وفي سبب نزول هذه الآية قولان

أحدهما أن اليهود كانوا إذا هلك لهم صبي قالوا صديق فنزلت هذه الآية هذا قول عائشة رضي الله عنها
والثاني أن ناسا من المسلمين قالوا قد صلينا وصمنا وفعلنا يزكون أنفسهم فنزلت هذه الآية قاله مقاتل
قوله تعالى وهو أعلم بمن اتقى فيه ثلاثة أقوال
أحدها عمل حسنة و أرعوى عن معصية قاله علي رضي الله عنه
والثاني أخلص العمل لله قاله الحسن والثالث اتقى الشرك فآمن قاله الثعلبي
أفرأيت الذي تولى وأعطى قليلا وأكدى أعنده علم الغيب فهو يرى أم لم ينبأ بما في صحف موسى وإبرهيم الذي وفى ألا تزر وازرة وزر أخرى وأن ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يرى ثم يجزاه الجزاء الأوفى
قوله تعالى أفرأيت الذي تولى اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال
أحدها أنه الوليد بن المغيرة وكان قد تبع رسول الله صلى الله عليه و سلم على دينه فعيره بعض المشركين وقال تركت دين الأشياخ وضللتهم قال إني خشيت عذاب الله فضمن له إن هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شركه أن يتحمل عنه عذاب الله عز و جل ففعل فأعطاه بعض الذي ضمن له ثم بخل ومنعه فنزلت هذه الآية قاله مجاهد وابن زيد

والثاني أنه النضر بن الحارث أعطى بعض الفقراء المسلمين خمس قلائص حتى ارتد عن إسلامه وضمن له أن يحمل عنه إثمه قاله الضحاك
والثالث أنه أبو جهل وذلك أنه قال والله ما يأمرنا محمد إلا بمكارم الأخلاق قاله محمد بن كعب القرظي
والرابع أنه العاص بن وائل السهمي وكان ربما وافق رسول الله صلى الله عليه و سلم في بعض الأمور قاله السدي
ومعنى تولى أعرض عن الإيمان وأعطى قليلا فيه أربعة أقوال
أحدها أطاع قليلا ثم عصى قاله ابن عباس والثاني أعطى قليلا من نفسه بالاستماع ثم أكدى بالانقطاع قاله مجاهد والثالث أعطى قليلا من ماله ثم منع قاله الضحاك والرابع أعطى قليلا من الخير بلسانه ثم قطع قاله مقاتل قال ابن قتيبة ومعنى أكدى قطع وهو من كدية الركية وهي الصلابة فيها وإذا بلغها الحافر يئس من حفرها فقطع الحفر فقيل لكل من طلب شيئا فلم يبلغ آخره أو أعطى ولم يتم أكدى
قوله تعالى أعنده علم الغيب فهو يرى فيه قولان
أحدهما فهو يرى حاله في الآخرة قاله الفراء والثاني فهو يعلم ما غاب عنه من أمر الآخرة وغيرها قاله ابن قتيبة
قوله تعالى أم لم ينبأ بما في صحف موسى يعني التوراة وإبراهيم أي وصحف إبراهيم وفي حديث أبي ذر عن النبي صلى الله عليه و سلم أن الله تعالى أنزل

على إبراهيم عشر صحائف وأنزل على موسى قبل التوراة عشر صحائف
قوله تعالى الذي وفى قرأ سعيد بن جبير وأبو عمران الجوني وابن السميفع اليماني وفي بتخفيف الفاء قال الزجاج قوله وفى أبلغ من وفى لأن الذي امتحن به من أعظم المحن وللمفسرين في الذي وفي عشرة أقوال
أحدها أنه وفى عمل يومه بأربع ركعات في أول النهار رواه أبوأمامة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
والثاني أنه وفي في كلمات كان يقولها روى سهل بن معاذ بن أنس الجهني عن أبيه عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ألا أخبركم لم سمى الله إبراهيم خليله الذي وفى لأنه كان يقول كلما أصبح وكلما أمسى فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون الروم 17 وختم الآية

والثالث أنه وفى الطاعة فيما فعل بابنه رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال القرظي
والرابع أنه وفى ربه جميع شرائع الإسلام روى هذا المعنى عكرمة عن ابن عباس
والخامس أنه وفى ما أمر به من تبليغ الرسالة روي عن ابن عباس أيضا
والسادس أنه عمل بما أمر به قاله الحسن وسعيد بن جبير وقتادة وقال مجاهد وفى ما فرض عليه
والسابع أنه وفى بتبليغ هذه الآيات وهي ألا تزر وازرة وزر أخرى وما بعدها وهذا مروى عن عكرمة ومجاهد والنخعي
والثامن وفي شأن المناسك قاله الضحاك
والتاسع أنه عاهد أن لا يسأل مخلوقا شيئا فلما قذف في النار قال له جبريل ألك حاجة فقال أما إليك فلا فوفى بما عاهد ذكره عطاء بن السائب
والعاشر أنه أدى الأمانة قاله سفيان بن عيينة
ثم بين ما في صحفهما فقال ألا تزر وازرة وزر أخرى أي لا تحمل نفس حاملة حمل أخرى والمعنى لا تؤخذ بإثم غيرها
وأن ليس للإنسان إلا ما سعى قال الزجاج هذا في صحفهما أيضا ومعناه ليس للإنسان إلا جزاء سعيه إن عمل خيرا جزي عليه خيرا وإن عمل شرا جزي شرا واختلف العلماء في هذه الآية على ثمانية أقوال

أحدها أنها منسوخة بقوله وأتبعناهم ذرياتهم بإيمان الطور 21 فأدخل الأبناء الجنة بصلاح الآباء قاله ابن عباس ولا يصح لأن لفظ الآيتين لفظ خبر والأخبار لا تنسخ
والثاني أن ذلك كان لقوم إبراهيم وموسى وأما هذه الأمة فلهم ما سعوا وما سعى غيرهم قاله عكرمة واستدل بقول النبي صلى الله عليه و سلم للمرأة التي سألته إن أبي مات ولم يحج فقال حجي عنه
والثالث أن المراد بالإنسان ها هنا الكافر فأما المؤمن فله ما سعى وما سعي له قاله الربيع بن أنس
والرابع أنه ليس للإنسان إلا ما سعى من طريق العدل فأما من باب الفضل فجائز أن يزيده الله عز و جل ما يشاء قاله الحسين بن الفضل
والخامس أن معنى ما سعى ما نوى قاله أبو بكر الوراق
والسادس ليس للكافر من الخير إلى ما عمله في الدنيا فيثاب عليه فيها حتى لا يبقى له في الآخرة خير ذكره الثعلبي
والسابع أن اللام بمعنى على فتقديره ليس على الإنسان إلا ما سعى
والثامن أنه ليس له إلا سعيه غير أن الأسباب مختلفة فتارة يكون سعيه في تحصيل قرابة وولد يترحم عليه وصديق وتارة يسعى في خدمة الدين

والعبادة فيكتسب محبة أهل الدين فيكون ذلك سببا حصل بسعيه حكى القولين شيخنا علي بن عبيد الله الزاغوني
قوله تعالى وأن سعيه سوف يرى فيه قولان
أحدهما سوف يعلم قاله ابن قتيبة
والثاني سوف يرى العبد سعيه يوم القيامة أي يرى عمله في ميزانه قاله الزجاج
قوله تعالى يجزاه الهاء عائدة على السعي الجزاء الأوفى أي الأكمل الأتم
وأن إلى ربك المنتهى وأنه هو أضحك وأبكى وأنه هو أمات وأحيا وأنه خلق الزوجين الذكر والأنثى من نطفة إذا تمنى وأن عليه النشأة الأخرى وأنه هو أغنى وأقنى وأنه هو رب الشعرى وأنه أهلك عادا الأولى وثمود فما أبقى وقوم نوح من قبل إنهم كانوا هم أظلم وأطغى والمؤتفكة أهوى فغشها ما غشى فبأي آلاء ربك تتمارى
وأن إلى ربك المنتهى أي منتهى العباد ومرجعهم قال الزجاج هذا كله في صحف إبراهيم وموسى
قوله تعالى وأنه هو أضحك وأبكى قالت عائشة مرة رسول الله صلى الله عليه و سلم بقوم يضحكون فقال لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا فنزل جبريل عليه السلام بهذه الآية فرجع إليهم فقال

ما خطوت أربعين خطوة حتى أتاني جبريل فقال إئت هؤلاء فقل لهم إن الله يقول وأنه هو أضحك وأبكى وفي هذا تنبيه على أن جميع الأعمال بقضاء الله وقدره حتى الضحك والبكاء وقال مجاهد أضحك أهل الجنة وأبكى أهل النار وقال الضحاك أضحك الأرض بالنبات وأبكى السماء بالمطر
قوله تعالى وأنه هو أمات في الدنيا وأحيا للبعث
وأنه خلق الزوجين أي الصنفين الذكر والأنثى من جميع الحيوانات من نطفة إذا تمنى فيه قولان
أحدهما إذا تراق في الرحم قاله ابن السائب
والثاني إذا تخلق وتقدر وأن عليه النشأة الأخرى وهي الخلق الثاني للبعث يوم القيامة
وأنه هو أغنى فيه أربعة أقوال
أحدها أغنى بالكفاية قاله ابن عباس والثاني بالمعيشة قاله الضحاك والثالث بالأموال قاله أبو صالح والرابع بالقناعة قاله سفيان
وفي قوله أقنى ثلاثة أقوال
أحدها أرضى بما أعطى قاله ابن عباس
والثاني أخدم قاله الحسن وقتادة وعن مجاهد كالقولين
والثالث جعل للإنسان قنية وهو أصل مال قاله أبو عبيدة

قوله تعالى وأنه هو رب الشعرى قال ابن قتيبة هو الكوكب الذي يطلع بعد الجوزاء وكان ناس من العرب يعبدونها
قوله تعالى وأنه أهلك عادا الأولى قرأ ابن كثير وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي عادا الأولى منونة وقرأ نافع وأبو عمرو عادا لولى موصولة مدغمة ثم فيهم قولان
أحدهما أنهم قوم هود وكان لهم عقب فكانوا عادا الأخرى هذا قول الجمهور
والثاني أن قوم هود هم عاد الأخرى وهم من أولاد عاد الأولى قاله كعب الأحبار وقال الزجاج وفي الأولى لغات أجودها سكون اللام وإثبات الهمزة والتي تليها في الجودة ضم اللام وطرح الهمزة ومن العرب من يقول لولى يريد الأولى فتطرح الهمزة لتحرك اللام
قوله تعالى وقوم نوح من قبل أي من قبل عاد وثمود إنهم كانوا هم أظلم وأطغى من غيرهم لطول دعوة نوح إياهم وعتوهم
والمؤتفكة قرى قوم لوط أهوى أي أسقط وكان الذي تولى ذلك جبريل بعد أن رفعها وأتبعهم الله بالحجارة فذلك قوله فغشاها أي ألبسها ما غشى يعني الحجارة فبأي آلاء ربك تتمارى هذا خطاب للإنسان لما عدد الله ما فعله مما يدل على وحدانيته قال فبأي نعم ربك التي تدل على وحدانيته تتشكك وقال ابن عباس فبأي آلاء ربك تكذب يا وليد يعني الوليد بن المغيرة

هذا نذير من النذر الأولى أزفت الآزفة ليس لها من دون الله كاشفة أفمن هذا الحديث تعجبون وتضحكون ولا تبكون وأنتم سامدون فاسجدوا لله واعبدوا
قوله تعالى هذا نذير فيه قولان
أحدهما أنه القرآن نذير بما أنذرت الكتب المتقدمة قاله قتادة
والثاني أنه رسول الله صلى الله عليه و سلم نذير بما أنذرت به الأنبياء قاله ابن جريج
قوله تعالى أزفت الآزفة أي دنت القيامة ليس لها من دون الله كاشفة فيه قولان
أحدهما إذا غشيت الخلق شدائدها وأهوالها لم يكشفها أحد ولم يردها قاله عطاء وقتادة والضحاك
والثاني ليس لعلمها كاشف دون الله أي لا يعلم علمها إلا الله قاله الفراء قال وتأنيث كاشفة كقوله هل ترى لهم من باقية الحاقة 8 يريد من بقاء والعافية والباقية والناهية كله في معنى المصدر وقال غيره تأنيث كاشفة على تقدير نفس كاشفة
قوله تعالى أفمن هذا الحديث قال مقاتل يعني القرآن تعجبون تكذيبا به وتضحكون استهزاء ولا تبكون مما فيه من الوعيد ويعني بهذا كفار مكة وأنتم سامدون فيه خمسة أقوال

أحدها لاهون رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال الفراء والزجاج قال أبو عبيدة يقال دع عنك سمودك أي لهوك
والثاني معرضون قاله مجاهد
والثالث أنه الغناء وهي لغة يمانية يقولون اسمد لنا أي تغن لنا رواه عكرمة عن ابن عباس وقال عكرمة هو الغناء بالحميرية
والرابع غافلون قاله قتادة
والخامس أشرون بطرون قاله الضحاك
قوله تعالى فاسجدوا لله فيه قولان
أحدهما أنه سجود التلاوة قاله ابن مسعود
والثاني سجود الفرض في الصلاة
قال مقاتل يعني بقوله فاسجدوا الصلوات الخمس
وفي قوله واعبدوا قولان
أحدهما أنه التوحيد والثاني العبادة

سورة القمر
بسم الله الرحمن الرحيم
إقتربت الساعة وانشق القمر وإن يروا آية يعرضوا ويقولوا سحر مستمر وكذبوا واتبعوا أهواءهم وكل أمر مستقر ولقد جاءهم من الأنباء ما فيه مزدجر حكمة بالغة فما تغن النذر
وهي مكية بإجماعهم وقال مقاتل مكية غير آية سيهزم الجمع القمر 45 وحكي عنه أنه قال إلا ثلاث آيات أولها أم يقولون نحن جميع منتصر إلى قوله وأمر القمر 44 46 قال ابن عباس اجتمع المشركون إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا إن كت صادقا فشق لنا القمر فرقتين فقال لهم رسول الله صلى الله عليه و سلم إن فعلت تؤمنون قالوا نعم فسأل رسول الله صلى الله عليه و سلم ربه أن يعطيه ما قالوا فانشق القمر فرقتين ورسول الله صلى الله عليه و سلم ينادي يا فلان يا فلان اشهدوا وذلك بمكة قبل الهجرة وقد روى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث ابن مسعود قال انشق القمر على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم شقتين فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم

اشهدوا وقد روى حديث الانشقاق جماعة منهم عبد الله بن عمر وحذيفة وجبير بن مطعم وابن عباس وأنس بن مالك وعلى هذا جميع المفسرين إلا أن قوما شذوا فقالوا سينشق يوم القيامة وقد روى عثمان بن عطاء عن أبيه نحو ذلك وهذا القول الشاذ لا يقاوم الإجماع ولأن قوله وانشق لفظ ماض وحمل لفظ الماضي على المستقبل يفتقر إلى قرينة تنقله ودليل وليس ذلك موجودا وفي قوله وإن يروا آية يعرضوا دليل على أنه قد كان ذلك ومعنى اقتربت دنت والساعة القيامة وقال الفراء فيه تقديم وتأخير تقديره انشق القمر واقتربت الساعة وقال مجاهد انشق القمر فصار فرقتين فثبتت فرقة وذهبت فرقة وراء الجبل وقال ابن زيد لما انشق القمر كان يرى نصفه على قعيقعان والنصف الآخر على أبي قبيس قال ابن مسعود لما انشق القمر قالت قريش سحركم ابن أبي كبشة فاسألوا السفار فسألوهم فقالوا نعم قد رأيناه فأنزل الله عز و جل اقتربت الساعة وانشق القمر

قوله تعالى وإن يروا آية أي آية تدلهم على صدق الرسول والمراد بها ها هنا انشقاق القمر يعرضوا عن التصديق ويقولوا سحر مستمر فيه ثلاثة أقوال
أحدها ذاهب من قولهم مر الشيء واستمر إذا ذهب قاله مجاهد وقتادة والكسائي والفراء فعلى هذا يكون المعنى هذا سحر والسحر يذهب ولا يثبت
والثاني شديد قوي قاله أبو العالية والضحاك وابن قتيبة قال وهو مأخوذ من المرة والمرة الفتل والثالث دائم حكاه الزجاج
قوله تعالى وكذبوا يعني كذبوا النبي صلى الله عليه و سلم وما عاينوا من قدرة الله تعالى واتبعوا أهواءهم ما زين لهم الشيطان وكل أمر مستقر فيه ثلاثة أقوال
أحدها أن كل أمر مستقر بأهله فالخير يستقر بأهل الخير والشر يستقر بأهل الشر قاله قتادة
والثاني لكل حديث منتهى وحقيقة قاله مقاتل
والثالث أن قرار تكذيبهم مستقر وقرار تصديق المصدقين مستقر حتى يعلموا حقيقته بالثواب والعقاب قاله الفراء
قوله تعالى ولقد جاءهم يعني أهل مكة من الأنباء أي من أخبار الأمم المكذبة في القرآن ما فيه مزدجر قال ابن قتيبة أي متعظ ومنتهى
قوله تعالى حكمة بالغة قال الزجاج هي مرفوعة لأنها بدل من

ما فالمعنى ولقد جاءهم حكمة بالغة وإن شئت رفعتهما بإضمار هو حكمة بالغة وما في قوله فما تغن النذر جائز أن يكون استفهاما بمعنى التوبيخ فيكون المعنى أي شيء تغني النذر وجائز أن يكون نفيا على معنى فليست تغني النذر قال المفسرون والمعنى جاءهم القرآن وهو حكمة تامة قد بلغت الغاية فما تغني النذر إذا لم يؤمنوا فتول عنهم يوم يدع الداع إلى شيء نكر خشعا أبصارهم يخرجون من الأجداث كأنهم جراد منتشر مهطعين إلى الداع يقول الكافرون هذا يوم عسر
فتول عنهم قال الزجاج هذا وقف التمام ويوم منصوب بقوله يخرجون من الأجداث وقال مقاتل فتول عنهم إلى يوم يدع الداعي أثبت هذه الياء في الحالين يعقوب وافقه أبو جعفر وأبو عمرو في الوصل وحذفها الأكثرون في الحالين والداعي إسرافيل ينفخ النفخة الثانية إلى شيء نكر وقرأ ابن كثير نكر خفيفة أي إلى أمر فظيع وقال مقاتل النكر بمعنى المنكر وهو القيامة وإنما ينكرونه إعظاما له والتولي المذكور في الآية منسوخ عند المفسرين بآية السيف
قوله تعالى خشعا أبصارهم قرأ أهل الحجاز وابن عامر وعاصم خشعا بضم الخاء وتشديد الشين من غير ألف وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي خاشعا بفتح الخاء وألف بعدها وتخفيف الشين قال الزجاج المعنى يخرجون خشعا وخاشعا منصوب على الحال وقرأ ابن مسعود خاشعة ولك في أسماء الفاعلين إذا تقدمت على الجماعة التوحيد والتأنيث

والجمع تقول مررت بشبان حسن أوجههم وحسان أوجههم وحسنة أوجههم قال الشاعر ... وشباب حسن أوجههم ... من إياد بن نزار بن معد ...
قال المفسرون والمعنى أن أبصارهم ذليلة خاضعة عند رؤية العذاب والأجداث القبور وإنما شبههم بالجراد المنتشر لأن الجراد لا جهة له يقصدها فهو أبدا مختلف بعضه في بعض فهم يخرجون فزعين ليس لأحد منهم جهة يقصدها والداعي إسرافيل وقد أثبت ياء الداعي في الحالين ابن كثير ويعقوب تابعهما في الوصل نافع وأبو عمرو والباقون بحذفها في الحالين وقد بينا معنى مهطعين في سورة إبراهيم 43 والعسر الصعب الشديد
كذبت قبلهم قوم نوح فكذبوا عبدنا وقالوا مجنون وازد جر فدعا ربه أني مغلوب فانتصر ففتحنا أبواب السماء بماء منهمر وفجرنا الأرض عيونا فالتقى الماء على أمر قد قدر وحملناه على ذات ألواح ودسر تجري بأعيننا جزاء لمن كان كفر ولقد تركناها آية فهل من مدكر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر كذبت عاد فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم ريحا صرصرا في يوم نحس مستمر تنزع الناس كأنهم أعجاز نخل منقعر فكيف كان عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر

قوله تعالى كذبت قبلهم أي قبل أهل مكة قوم نوح فكذبوا عبدنا نوحا وقالوا مجنون وازدجر قال أبو عبيدة افتعل من زجر قال المفسرون زجروه عن مقالته فدعا عليهم نوح ربه ب أني مغلوب فانتصر أي فانتقم لي ممن كذبني قال الزجاج وقرأ عيسى بن عمر النحوي إني بكسر الألف وفسرها سيبويه فقال هذا على إرادة القول فالمعنى قال إني مغلوب ومن فتح وهو الوجه فالمعنى دعا ربه أني مغلوب
قوله تعالى ففتحنا أبواب المساء قرأ ابن عامر ففتحنا بالتشديد فأما المنهمر فقال ابن قتيبة هو الكثير السريع الانصباب ومنه يقال همر الرجل إذا أكثر من الكلام وأسرع وروى علي رضي الله عنه أن أبواب السماء فتحت بالماء من المجرة وهي شرج السماء وعلى ما ذكرنا من القصة في هود 44 أن المطر جاءهم يكون هو المراد بقوله ففتحنا أبواب السماء قال المفسرون جاءهم الماء من فوقهم أربعين يوما وفجرت الأرض من تحتهم عيونا أربعين يوما
فالتقى الماء وقرأ أبي بن كعب وأبو رجاء وعاصم الجحدري المآءان بهمزة وألف ونون مكسورة وقرأ ابن مسعود المايان بياء وألف ونون مكسورة من غير همز وقرأ الحسن وأبو عمران الماوان بواو وألف وكسر النون قال الزجاج يعني بالماء ماء السماء وماء الأرض ويجوز الماءان لأن اسم الماء اسم يجمع ماء الأرض وماء السماء
قوله تعالى على أمر قد قدر فيه قولان
أحدهما كان قدر ماء السماء كقدر ماء الأرض قاله مقاتل

والثاني قد قدر في اللوح المحفوظ قاله الزجاج فيكون المعنى على أمر قد قضي عليهم وهو الغرق قوله تعالى وحملناه يعني نوحا على ذات ألواح ودسر قال الزجاج أي على سفينة ذات ألواح قال المفسرون ألواحها خشباتها العريضة التي منها جمعت وفي الدسر أربعة أقوال
أحدها أنها المسامير رواه الوالبي عن ابن عباس وبه قال قتادة والقرظي وابن زيد وقال الزجاج الدسر المسامير والشرط التي تشد بها الألواح وكل شيء نحو السمر أو إدخال شيء في شيء بقوة وشدة قهر فهو دسر يقال دسرت المسمار أدسره وأدسره والدسر واحدها دسار نحو حمار وحمر
والثاني أنه صدر السفينة سمي بذلك لأنه يدسر الماء أي يدفعه رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال الحسن وعكرمة ومنه الحديث في العنبر أنه شيء دسره البحر أي دفعه
والثالث أن الدسر أضلاع السفينة قاله مجاهد
والرابع أن الدسر طرفاها وأصلها والألواح جانباها قاله الضحاك
قوله تعالى تجري بأعيننا أي بمنظر ومرأى منا جزاء قال الفراء فعلنا به وبهم ما فعلنا من إنجائه وإغراقهم ثوابا لمن كفر به
وفي المراد ب من ثلاثة أقوال
أحدها أنه الله عز و جل وهو مذهب مجاهد فيكون المعنى عوقبوا لله ولكفرهم به

والثاني أنه نوح كفر به وجحد أمره قاله الفراء
والثالث أن من بمعنى ما فالمعنى جزاء لما كان كفر من نعم الله عند الذين أغرقهم حكاه ابن جرير وقرأ قتادة لمن كان كفر بفتح الكاف والفاء
قوله تعالى ولقد تركناها في المشار إليها قولان
أحدهما أنها السفينة قال قتادة أبقاها الله على الجودي حتى أدركها أوائل هذه الأمة
والثاني أنها الفعلة فالمعنى تركنا هذه الفعلة وأمر سفينة نوح آية أي علامة ليعتبر بها فهل من مدكر وأصله مدتكر فأبدلت التاء دالا على ما بينا في قوله وادكر بعد أمة يوسف 45 قال ابن قتيبة أصله مذتكر فأدغمت التاء في الذال ثم قلبت دالا مشددة قال المفسرون والمعنى هل من متذكر يعتبر بذلك فكيف كان عذابي ونذر وفي هذه السورة ونذر ستة مواضع أثبت الياء فيهن في الحالين يعقوب تابعه في الوصل ورش والباقون بحذفها في الحالين وقوله فكيف كان عذابي استفهام عن تلك الحالة ومعناه التعظيم لذلك العذاب قال ابن قتيبة والنذر ها هنا جمع نذير وهو بمعنى الإنذار ومثله النكير بمعنى الإنكار قال المفسرون وهذا تخويف لمشركي مكة
ولقد يسرنا القرآن أي سهلناه للذكر أي للحفظ والقراءة فهل من مدكر أي من ذاكر يذكره ويقرؤه والمعنى هو الحث على

قراءته وتعلمه قال سعيد بن جبير ليس من كتب الله كتاب يقرأ كله ظاهرا إلا القرآن وأما الريح الصرصر فقد ذكرناها في حم السجدة 160
قوله تعالى في يوم نحس مستمر قرأ الحسن في يوم بالتنوين على أن اليوم منعوت بالنحس والمستمر الدائم الشؤم استمر عليهم بنحوسه وقال ابن عباس كانوا يتشاءمون بذلك اليوم وقيل إنه كان يوم أربعاء في آخر الشهر
تنزع الناس أي تقلعهم من الأرض من تحت أقدامهم فتصرعهم على رقابهم فتدق رقابهم فتبين الرأس عن الجسد ف كأنهم أعجاز نخل وقرأ أبي بن كعب وابن السميفع أعجز نخل برفع الجيم من غير ألف بعد الجيم وقرأ ابن مسعود وأبو مجلز وأبو عمران كأنهم عجز نخل بضم العين والجيم ومعنى الكلام كأنهم أصول نخل منقعر أي منقلع وقال الفراء المنقعر المنصرع من النخل قال ابن قتيبة يقال قعرته فانقعر أي قلته فسقط قال أبو عبيدة والنخل يذكر ويؤنث فهذه الآية على لغة من ذكر وقوله أعجاز نخل خاوية الحاقة 8 على

لغة من أنث وقال مقاتل شبههم حين وقعوا من شدة العذاب بالنخل الساقطة التي لا رؤوس لها وإنما شبههم بالنخل لطولهم وكان طول كل واحد منهم اثني عشر ذراعا
كذبت ثمود بالنذر فقالوا أبشرا منا واحدا نتبعه إنا إذا لفي ضلال وسعر ءألقي الذكر عليه من بيننا بل هو كذاب أشر سيعلمون غدا من الكذاب الأشر إنا مرسلوا الناقة فتنة لهم فارتقبهم واصطبر ونبئهم أن الماء قسمة بينهم كل شرب محتضر فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر فكيف كان عذابي ونذر إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة فكانوا كهشيم المحتظر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر
قوله تعالى كذبت ثمود بالنذر فيه قولان
أحدهما أنه جمع نذير وقد بينا أن من كذب نبيا واحدا فقد كذب الكل
والثاني أن النذر بمعنى الإنذار كما بينا في قوله فكيف كان عذابي ونذر فكأنهم كذبوا الإنذار الذي جاءهم به صالح قالوا أبشرا منا قال الزجاج هو منصوب بفعل مضمر والذي ظهر تفسيره المعنى أنتبع بشرا منا واحدا قال المفسرون قالوا هو آدمي مثلنا وهو واحد فلا نكون له تبعا إنا إذا إن فعلنا ذلك لفي ضلال أي خطأ وذهاب عن الصواب وسعر قال ابن عباس أي جنون قال ابن قتيبة هو من تسعرت النار إذا التهبت يقال ناقة مسعورة أي كأنها مجنونة من النشاط وقال غيره لفي شقاء وعناء لأجل ما يلزمنا من طاعته

ثم أنكروا أن يكون الوحي يأتيه فقالوا أألقي الذكر أي أنزل الوحي عليه من بيننا أي كيف خص من بيننا بالنبوة والوحي بل هو كذاب أشر وفيه قولان
أحدهما أنه المرح المتكبر قاله ابن قتيبة
والثاني البطر قاله الزجاج
قوله تعالى سيعلمون غدا قرأ ابن عامر وحمزة ستعلمون بالتاء غدا فيه قولان
أحدهما يوم القيام قاله ابن السائب
والثاني عند نزول العذاب بهم قاله مقاتل
قوله تعالى إنا مرسلو الناقة وذلك أنهم سألوا صالحا أن يظهر لهم ناقة من صخرة فقال الله تعالى إنا مرسلو الناقة أي مخرجوها كما أرادوا فتنة لهم أي محنة واختبارا فارتقبهم أي فانتظر ما هم صانعون واصطبر على ما يصيبك من الأذى ونبئهم أن الماء قسمة بينهم أي بين ثمود وبين الناقة يوم لها ويوم لهم فذلك قوله كل شرب محتضر يحضره صاحبه ويستحقه
قوله تعالى فنادوا صاحبهم واسمه قدار بن سالف فتعاطى قال ابن قتيبة تعاطى عقر الناقة فعقر أي قتل وقد بينا هذا في الأعراف 77
قوله تعالى إنا أرسلنا عليهم صيحة واحدة وذلك أن جبريل عليه

السلام صاح بهم وقد أشرنا إلى قصتهم في هود 61 فكانوا كهشيم المحتظر قال ابن عباس هو الرجل يجعل لغنمه حظيرة بالشجر والشوك دون السباع فما سقط من ذلك وداسته الغنم فهو الهشيم وقد بينا معنى الهشيم في الكهف 45 وقال الزجاج الهشيم ما يبس من الورق وتكسر وتحطم والمعنى كانوا كالهشيم الذي يجمعه صاحب الحظيرة بعد أن بلغ الغاية في الجفاف فهو يجمع ليوقد وقرأ الحسن المحتظر بفتح الظاء وهو اسم الحظيرة والمعنى كهشيم المكان الذي يحتظر فيه الهشيم من الحطب وقال سعيد بن جبير هو التراب الي يتناثر من الحيطان وقال قتادة كالعظام النخرة المحترقة والمراد من جميع ذلك أنهم بادوا وهلكوا حتى صاروا كالشيء المتحطم
كذبت قوم لوط بالنذر إنا أرسلنا عليهم حاصبا إلا آل لوط نجيناهم بسحر نعمة من عندنا كذلك نجزي من شكر ولقد أنذرهم بطشتنا فتماروا بالنذر ولقد راودوه عن ضيفه فطمسنا أعينهم فذوقوا عذابي ونذر ولقد صبحهم بكرة عذاب مستقر فذوقوا عذابي ونذر ولقد يسرنا القرآن للذكر فهل من مدكر
قوله تعالى إنا أرسلنا عليهم حاصبا قال المفسرون هي الحجارة التي قذفوا بها إلا آل لوط يعني لوط وابنتيه نجيناهم من ذلك العذاب بسحر قال الفراء سحر ها هنا يجري لأنه نكرة كقوله نجيناهم بليل فإذا ألقت العرب منه الباء لم يجر لأن لفظهم به بالألف واللام يقولون ما زال عندنا منذ السحر لا يكادون يقولون غيره فإذا حذفت منه الألف واللام لم يصرف وقال الزجاج إذا كان السحر نكرة يراد به سحر من الأسحار انصرف فإذا أردت سحر يومك لم ينصرف

قوله تعالى كذلك نجزي من شكر قال مقاتل من وحد الله تعالى لم يعذب مع المشركين
قوله تعالى ولقد راودوه عن ضيفه أي طلبوا أن يسلم إليهم أضيافه وهم الملائكة فطمسنا أعينهم وهو أن جبريل ضرب أعينهم بجناحه فأذهبا وقد ذكرنا القصة في سورة هود 81 وتم الكلام ها هنا ثم قال فذوقوا أي فقلنا لقوط لوط لما جاءهم العذاب ذوقوا عذابي ونذر أي ما أنذركم به لوط ولقد صبحهم بكرة أي أتاهم صباحا عذاب مستقر أي نازل بهم قال مقاتل استقر بهم العذاب بكرة قال الفراء والعرب تجري غدوة وبكرة ولا تجريهما وأكثر الكلام في غدوة ترك الإجراء وأكثر في بكرة أن تجري فمن لم يجرها جعلها معرفة لأنها اسم يكون أبدا في وقت واحد بمنزلة أمس وغد وأكثر ما تجري العرب غدوة إذا قرنت بعشية يقولون إني لآتيهم غدوة وعشية وبعضهم يقول غدوة فلا يجريها وعشية فيجريها ومنهم من لا يجري عشية لكثرة ما صحبت غدوة وقال الزجاج الغدوة والبكرة إذا كانتا نكرتين نونتا وصرفتا فإذا أردت بهما بكرة يومك وغداة يومك لم تصرفهما والبكرة ها هنا نكرة فالصرف أجود لأنه لم يثبت رواية في أنه كان في يوم كذا في شهر كذا
ولقد جاء آل فرعون النذر كذبوا بآياتنا كلها فأخذناهم أخذ عزيز مقتدر أكفاركم خير من أولئكم أم لكم براءة في الزبر أم يقولون نحن جميع منتصر سيهزم الجمع ويولون الدبر بل الساعة موعدهم والساعة أدهى وأمر

قوله تعالى ولقد جاء آل فرعون يعني القبط النذر فيهم قولان
أحدهما أنه جمع نذير وهي الآيات التي أنذرهم بها موسى
والثاني أن النذر بمعنى الإنذار وقد بيناه آنفا فأخذناهم بالعذاب أخذ عزيز أي غالب في انتقامه مقتدر قادر على هلاكهم
ثم خوف أهل مكة فقال أكفاركم يا معشر العرب خير أي أشد وأقوى من أولئكم وهذا استفهام معناه الإنكار والمعنى ليسوا بأقوى من قوم نوح وعاد وثمود وقد أهلكناهم أم لكم براءة من العذاب أنه لا يصيبكم ما أصابهم في الزبر أي في الكتب المتقدمة أم يقولون نحن جميع منتصر المعنى أيقولون نحن يد واحدة على من خالفنا فننتصر منهم وإنما وحد المنتصر للفظ الجميع فإنه على لفظ واحد وإن كان اسما للجماعة سيهزم الجمع وروى أبو حاتم بن يعقوب سنهزم بالنون الجمع بالنصب وتولون بالتاء ويعني بالجمع جمع كفار مكة ويولون الدبر ولم يقل الأدبار وكلاهما جائز قال الفراء مثله أن يقول إن فلانا لكثير الدينار والدرهم وهذا مما أخبر الله به نبيه من علم الغيب فكانت الهزيمة يوم بدر
قوله تعالى والساعة أدهى قال مقاتل هي أفظع وأمر من القتل قال الزجاج ومعنى الداهية الأمر الشديد الذي لا يهتدى لدوائه ومعنى أمر أشد مرارة من القتل والأسر
إن المجرمين في ضلال وسعر يوم يسحبون في النار على وجوههم ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر وما أمرنا إلا واحدة كلمح بالبصر ولقد أهلكنا أشياعكم فهل من مدكر وكل شيء فعلوه في الزبر وكل صغير وكبير مستطر إن المتقين في جنات ونهر في مقعد صدق عند مليك مقتدر

قوله تعالى إن المجرمين في ضلال وسعر في سبب نزولها قولان
أحدهما أن مشركي مكة جاؤوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم يخاصمون في القدر فنزلت هذه الآية إلى قوله خلقناه بقدر انفرد بإخراجه مسلم من حديث أبي هريرة وروى أبو أمامة أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إن هذه الآية نزلت في القدرية
والثاني أن أسقف نجران جاء إلى النبي صلى الله عليه و سلم الله عليه وسلم فقال يا محمد تزعم أن المعاصي بقدر وليس كذلك فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم أنتم خصماء الله فنزلت إن المجرمين إلى قوله بقدر قاله عطاء
قوله تعالى وسعر فيه ثلاثة أقوال
أحدها الجنون والثاني العناء وقد ذكرناهما في صدر السورة
والثالث أنه نار تستعر عليهم قاله الضحاك
فأما سقر فقال الزجاج هي اسم من أسماء جهنم لا ينصرف لأنها معرفة وهي مؤنثة وقرأت على شيخنا أبي منصور قال سقر اسم لنار الأخرة أعجمي ويقال بل هو عربي من قولهم سقرته الشمس إذا أذابته سميت بذلك لأنها تذيب الأجسام وروى عمر بن الخطاب رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا جمع الله الخلائق يوم القيامة أمر مناديا

فنادى نداء يسمعه الأولون والآخرون أين خصماء الله فتقوم القدرية فيؤمر بهم إلى النار يقول الله تعالى ذوقوا مس سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر وإنما قيل لهم خصماء الله لأنهم يخاصمون في أنه لا يجوز أن يقدر المعصية على العبد ثم يعذبه عليها وروى هشام بن حسان عن الحسن قال والله لو أن قدريا صام حتى يصير كالحبل ثم صلى حتى يصير كالوتر ثم أخذ ظلما وزورا حتى ذبح بين الركن والمقام لكبه الله على وجهه في سقر إنا كل شيء خلقناه بقدر وروى مسلم في أفراده من حديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم كل شيء بقدر حتى العجز والكيس وقال ابن عباس كل شيء بقدر حتى وضع يدك على خدك وقال الزجاج معنى بقدر أي كل شيء خلقناه بقدر مكتوب في اللوح المحفوظ قبل وقوعه ونصب كل شيء بفعل مضمر المعنى إنا خلقنا كل شيء خلقناه بقدر
قوله تعالى وما أمرنا إلا واحدة قال الفراء أي إلا مرة واحدة وكذلك قال مقاتل مرة واحدة لا مثنوية لها وروى عطاء عن ابن عباس قال يريد إن قضائي في خلقي أسرع من لمح البصر وقال ابن السائب المعنى وما أمرنا بمجيء الساعة في السرعة إلا كلمح البصر ومعنى اللمح بالبصر النظر بسرعة
ولقد أهلكنا أشياعكم أي أشباهكم ونظراءكم في الكفر من الأمم الماضية فهل من مدكر أي متعظ وكل شيء فعلوه يعني الأمم

وفي الزبر قولان
أحدهما أنه كتب الحفظة والثاني اللوح المحفوظ
وكل صغير وكبير أي من الأعمال المتقدمة مستطر أي مكتوب قال ابن قتيبة هو مفتعل من سطرت إذا كتبت وهو مثل مسطور
قوله تعالى في جنات ونهر قال الزجاج المعنى في جنات وأنهار والاسم الواحد يدل على الجميع فيجتزأ به من الجميع أنشد سيبويه والخليل ... بها جيف الحسرى فأما عظامها ... فبيض وأما جلدها فصليب ...
يريد وأما جلودها ومثله ... في حلقكم عظم وقد شجينا ...
ومثله ... كلوا في نصف بطنكم تعيشوا ...
وحكى ابن قتيبة عن الفراء أنه وحد لأنه رأس آية فقابل بالتوحيد رؤوس الآي قال ويقال النهر الضياء والسعة من قولك أنهرت الطعنة إذا وسعتها قال قيس بن الخطيم يصف طعنة ... ملكت بها كفي فأنهرت فتقها ... يرى قائم من دونها ما وراءها

أي أوسعت فتقها قلت وهذا قول الضحاك وقرأ الأعمش ونهر
قوله تعالى في مقعد صدق أي مجلس حسن وقد نبهنا على هذا المعنى في قوله أن لهم قدم صدق يونس 2 فأما المليك فقال الخطابي المليك هو المالك وبناء فعيل للمبالغة في الوصف ويكون المليك بمعنى الملك ومنه هذه الآية والمقتدر مشروح في الكهف 45

سورة الرحمن
وفي نزولها قولان
أحدهما أنها مكية رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال الحسن وعطاء ومقاتل والجمهور إلا أن ابن عباس قال سوى آية وهي قوله يسأله من في السموات والأرض الرحمن 29
والثاني أنها مدنية رواه عطية عن ابن عباس وبه قال ابن مسعود
بسم الله الرحمن الرحيم
الرحمن علم القرآن خلق الإنسان علمه البيان الشمس والقمر بحسبان والنجم والشجر يسجدان والسماء رفعها ووضع الميزان ألا تطغوا في الميزان وأقيموا الوزن بالقسط ولا تخسروا الميزان والأرض وضعها للأنام فيها فاكهة والنخل ذات الأكمام والحب ذو العصف والريحان فبأي آلاء ربكما تكذبان
قوله تعالى الرحمن علم القرآن قال مقاتل لما نزل قوله اسجدوا للرحمن الفرقان 60 قال كفار مكة وما الرحمن فأنكروه وقالوا لا نعرف الرحمن فقال تعالى الرحمن الذي أنكروه هو الذي علم القرآن

وفي قوله علم القرآن قولان أحدهما علمه محمدا وعلم محمد أمته قاله ابن السائب والثاني يسر القرآن قاله الزجاج
قوله تعالى خلق الإنسان فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه اسم جنس فالمعنى خلق الناس جميعا قاله الأكثرون فعلى هذا في البيان ستة أقوال أحدها النطق والتمييز قاله الحسن والثاني الحلال والحرام قاله قتادة والثالث ما يقول وما يقال له قاله محمد بن كعب والرابع الخير والشر قاله الضحاك والخامس طرق الهدى قاله ابن جريج والسادس الكتابة والخط قاله يمان
والثاني أنه آدم قاله ابن عباس وقتادة فعلى هذا في البيان ثلاثة أقوال أحدها أسماء كل شيء والثاني بيان كل شيء والثالث اللغات
والقول الثالث أنه محمد صلى الله عليه و سلم علمه بيان ما كان وما يكون قاله ابن كيسان قوله تعالى الشمس والقمر بحسبان أي بحساب ومنازل لا يعدوانها وقد كشفنا هذا المعنى في الأنعام 96 قال الأخفش أضمر الخبر وأظنه والله أعلم أراد يجريان بحسبان

قوله تعالى والنجم والشجر يسجدان في النجم قولان أحدهما أنه كل نبت ليس له ساق وهو مذهب ابن عباس والسدي ومقاتل واللغويين والثاني أنه نجم السماء والمراد به جميع النجوم قاله مجاهد فأما الشجر فكل ما له ساق قال الفراء سجودهما أنهما يستقبلان الشمس إذ أشرقت ثم يميلان معها حتى ينكسر الفيء وقد أشرت في النحل 49 إلى معنى سجود ما لا يعقل قال أبو عبيدة وإنما ثني فعلهما على لفظهما
قوله تعالى والسماء رفعها وإنما فعل ذلك ليحيا الحيوان وتمتد الأنفاس وأجرى الريح بينها وبين الأرض كيما يتروح الخلق ولولا ذلك لماتت الخلائق كربا
قوله تعالى ووضع الميزان فيه ثلاثة أقوال أحدها أنه العدل قاله الأكثرون منهم مجاهد والسدي واللغويون قال الزجاج وهذا لأن المعادلة موازنة الأشياء والثاني أنه الميزان المعروف ليتناصف الناس في الحقوق قاله الحسن وقتادة والضحاك والثالث أنه القرآن قاله الحسين بن الفضل
قوله تعالى ألا تطغوا ذكر الزجاج في أن وجهين أحدهما أنها بمعنى اللام والمعنى لئلا تطغوا والثاني أنها للتفسير فتكون لا للنهي والمعنى أي لا تطغوا أي لا تجاوزوا العدل قوله تعالى ولا تخسروا الميزان قال ابن قتيبة أي لا تنقصوا الوزن
فأما الأنام ففيهم ثلاثة أقوال أحدها أنهم الناس رواه عكرمة عن ابن عباس والثاني كل ذي روح رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال

مجاهد والشعبي وقتادة والسدي والفراء والثالث الإنس والجن قاله الحسن والزجاج
قوله تعالى فيها فاكهة أي ما يتفكه به من ألوان الثمار والنخل ذات الأكمام والأكمام الأوعية والغلف وقد استوفينا شرح هذا في حم السجدة 47
قوله تعالى والحب يريد جميع الحبوب كالبر والشعير وغير ذلك وقرأ ابن عامر والحب بنصب الباء ذا العصف بالألف والريحان بنصب النون وقرأ حمزة والكسائي إلا ابن أبي سريج وخلف والحب و العصف والريحان بخفض النون وقرأ الباقون بضم النون
وفي العصف قولان أحدهما أنه تبن الزرع وورقه الذي تعصفه الرياح قاله ابن عباس وكذلك قال مجاهد هو ورق الزرع قال ابن قتيبة العصف ورق الزرع ثم يصير إذا جف ويبس وديس تبنا والثاني أن العصف المأكول من الحب حكاه الفراء
وفي الريحان أربعة أقوال
أحدها أنه الرزق رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال مجاهد وسعيد بن جبير والسدي قال الفراء الريحان في كلام العرب الرزق تقول خرجنا نطلب ريحان الله وأنشد الزجاج للنمر بن تولب ... سلام الإله وريحانه ... ورحمته وسماء درر

والثاني أنه خضرة الزرع رواه الوالبي عن ابن عباس قال أبو سليمان الدمشقي فعلى هذا سمي ريحانا لاستراحة النفس بالنظر إليه
والثالث أنه ريحانكم هذا الذي يشم روى العوفي عن ابن عباس قال الريحان ما أنبتت الأرض من الريحان وهذا مذهب الحسن والضحاك وابن زيد
والرابع أنه ما لم يؤكل من الحب والعصف المأكول منه حكاه الفراء
قوله تعالى فبأي آلاء ربكما تكذبان فإن قيل كيف خاطب اثنين وإنما ذكر الإنسان وحده فعنه جوابان ذكرهما الفراء أحدهما أن العرب تخاطب الواحد بفعل الاثنين كما بينا في قوله ألقيا في جهنم ق24 والثاني أن الذكر أريد به الإنسان والجان فجرى الخطاب لهما من أول السورة إلى آخرها قال الزجاج لما ذكر الله تعالى في هذه السورة ما يدل على وحدانيته من خلق الإنسان وتعليم البيان وخلق الشمس والقمر والسماء والأرض خاطب الجن والإنس قال فبأي ألاء ربكما تكذبان أي فبأي نعم ربكما تكذبان من هذه الأشياء المذكورة لأنها كلها منعم بها عليكم في دلالتها إياكم على وحدانيته وفي رزقه إياكم ما به قوامكم وقال ابن قتيبة الآلاء النعم واحدها ألا مثل قفا وإلا مثل معى
خلق الإنسان من صلصال كالفخار وخلق الجان من مارج من نار فبأي آلاء ربكما تكذبان رب المشرقين ورب المغربين فبأي آلاء ربكما تكذبان مرج البحرين يلتقيان بينهما برزخ لا يبغيان

فبأي آلاء ربكما تكذبان يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان فبأي آلاء ربكما تكذبان وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام فبأي آلاء ربكما تكذبان
قوله تعالى خلق الإنسان يعني آدم من صلصال قد ذكرنا في الحجر 26 27 الصلصال والجان فأما قوله كالفخار فقال أبو عبيدة خلق من طين يابس لم يطبخ فله صوت إذا نقر فهو من يبسه كالفخار والفخار ما طبخ بالنار
فأما المارج فقال ابن عباس هو لسان النار الذي يكون في طرفها إذا التهبت وقال مجاهد هو المختلط بعضه ببعض من اللهب الأحمر والأصفر والأخضر الذي يعلو النار إذا أوقدت وقال مقاتل هو لهب النار الصافي من غير دخان وقال أبو عبيدة المارج خلط من النار وقال ابن قتيبة المارج لهب النار من قولك قد مرج الشيء إذا اضطرب ولم يستقر وقال الزجاج هو اللهب المختلط بسواد النار
فإن قيل قد أخبر الله تعالى عن خلق آدم عليه السلام بألفاظ مختلفة فتارة يقول خلقه من تراب آل عمران 59 وتارة من صلصال وتارة من طين لازب الصافات 11 وتارة كالفخار الرحمن 14 وتارة من حمأ مسنون الحجر 29 فالجواب أن الأصل التراب فجعل طينا ثم صار كالحمإ المسنون ثم صار صلصالا كالفخار هذه أخبار عن حالات أصله فإن قيل ما الفائدة في تكرار قوله فبأي آلاء ربكما تكذبان الجواب أن ذلك التكرير لتقرير النعم وتأكيد التذكير بها قال ابن قتيبة من مذاهب العرب التكرار للتوكيد

والإفهام كما أن من مذاهبهم الاختصار للتخفيف والإيجاز لأن افتنان المتكلم والخطيب في الفنون أحسن من اقتصاره في المقام على فن واحد يقول القائل منهم والله لا أفعله ثم والله لا أفعله إذا أراد التوكيد وحسم الأطماع من أن يفعله كما يقول والله أفعله بإضمار لا إذا أراد الاختصار ويقول القائل المستعجل اعجل اعجل وللرامي ارم ارم قال الشاعر ... كم نعمة كانت له وكم وكم ...
وقال الآخر ... هلا سألت جموع كن ... دة يوم ولوا أين أينا ...
وربما جاءت الصفة فأرادوا توكيدها واستوحشوا من إعادتها ثانية لأنها كلمة واحدة فغيروا منها حرفا ثم أتبعوها الأولى كقولهم عطشان نطشان وشيطان ليطان وحسن بسن قال ابن دريد ومن الإتباع جائع نائع ومليح قريح وقبيح شقيح وشحيح نحيح وخبيث نبيث وكثير بثير وسيغ ليغ وسائغ لائغ وحقير نقير وضئيل بئيل وخضر مضر وعفريت نفريت وثقة نقة وكن إن وواحد فاحد وحائر بائر وسمح لمح قال ابن قتيبة فلما عدد الله تعالى في هذه السورة نعماءه

وأذكر عباده آلاءه ونبههم على قدرته جعل كل كلمة من ذلك فاصلة بين كل نعمتين ليفهمهم النعم ويقررهم بها كقولك للرجل ألم أبوئك منزلا وكنت طريدا أفتنكر هذا ألم أحج بك وأنت صرورة أفتنكر هذا وروى الحاكم أبو عبد الله في صحيحه من حديث جابر بن عبد الله قال قرأ علينا رسول الله صلى الله عليه و سلم سورة الرحمن حتى ختمها ثم قال مالي أراكم سكوتا للجن كانوا أحسن منكم ردا ما قرأت عليهم هذه الآية من مرة فباي آلاء ربكما تكذبان إلا قالوا ولا بشيء من نعمك ربنا نكذب فلك الحمد
قوله تعالى رب المشرقين قرأ أبو رجاء وابن أبي عبلة رب المشرقين ورب المغربين بالخفض وهما مشرق الصيف ومشرق الشتاء ومغرب الصيف ومغرب الشتاء للشمس والقمر جميعا
قوله تعالى مرج البحرين أي أرسل العذب والملح وخلاهما وجعلهما يلتقيان بينهما برزخ أي حاجز من قدرة الله تعالى لا يبغيان أي لا يختلطان فيبغي أحدهما على الآخر وقال ابن عباس بحر السماء وبحر الأرض يلتقيان كل عام قال الحسن مرج البحرين يعني بحر فارس والروم بينهما برزخ يعني الجزائر وقد سبق بيان هذا في الفرقان 53

قوله تعالى يخرج منهما اللؤلؤ والمرجان قال الزجاج إنما يخرج من البحر الملح وإنما جمعهما لأنه إذا خرج من أحدهما فقد أخرج منهما ومثله وجعل القمر فيهن نورا نوح 16 قال أبو علي الفارسي أراد يخرج من أحدهما فحذف المضاف وقال ابن جرير إنما قال منهما لأنه يخرج من أصداف البحر عن قطر السماء
فأما اللؤلؤ والمرجان ففيهما قولان
أحدهما أن المرجان ما صغر من اللؤلؤ واللؤلؤ العظام قاله الأكثرون منهم ابن عباس وقتادة والضحاك والفراء وقال الزجاج اللؤلؤ اسم جامع للحب الذي يخرج من البحر والمرجان صغاره
والثاني أن اللؤلؤ الصغار والمرجان الكبار قاله مجاهد والسدي ومقاتل قال ابن عباس إذا أمطرت السماء فتحت الأصداف أفواهها فما وقع فيها من مطر فهو لؤلؤ قال ابن جرير حيث وقعت قطرة كانت لؤلؤة وقرات على شيخنا أبي منصور اللغوي قال ذكر بعض أهل اللغة أن المرجان أعجمي معرب قال أبو بكر يعني ابن دريد ولم أسمع فيه بفعل منصرف وأحر به أن يكون كذلك قال ابن مسعود المرجان الخرز الأحمر وقال الزجاج المرجان أبيض شديد البياض وحكى القاضي أبو يعلى أن المرجان ضرب من اللؤلؤ كالقضبان
قوله تعالى وله الجوار يعني السفن المنشآت قال مجاهد هو ما قد رفع قلعه من السفن دون ما لم يرفع قلعه قال ابن قتيبة هن اللواتي أنشئن أي ابتدئ بهن في البحر وقرأ حمزة المنشئات فجعلهن

اللواتي ابتدأن يقال أنشأت السحابة تمطر إذا ابتدأت وأنشأ الشاعر يقول والأعلام الجبال وقد سبق هذا الشورى 32
كل من عليها فان ويبقى وجه ربك و الجلال والإكرام فبأي آلاء ربكما تكذبان يسئله من في السموات والأرض كل يوم هو في شأن فبأي آلاء ربكما تكذبان
قوله تعالى كل من عليها فان أي على الأرض وهي كناية عن غير المذكور فان أي هالك
ويبقى وجه ربك أي ويبقى ربك ذو الجلال والإكرام قال أبو سليمان الخطابي الجلال مصدر الجليل يقال جليل بين الجلالة والجلال والإكرام مصدر أكرم يكرم إكراما والمعنى أن الله تعالى مستحق أن يجل ويكرم ولا يجحد ولا يكفر به وقد يحتمل أن يكون المعنى أنه يكرم أهل ولايته ويرفع درجاتهم وقد يحتمل أن يكون أحد الأمرين وهو الجلال مضافا إلى الله تعالى بمعنى الصفة له والآخر مضافا إلى العبد بمعنى الفعل منه كقوله تعالى هو أهل التقوى وأهل المغفرة المدثر 56 فانصرف أحد الأمرين إلى الله وهو المغفرة والآخر إلى العباد وهو التقوى
قوله تعالى يسأله من في السموات والأرض لا المعنى أن الكل يحتاجون إليه فيسألونه وهو غني عنهم كل يوم هو في شأن مثل أن يحيي ويميت ويعز ويذل ويشفي مريضا ويعطي سائلا إلى غير ذلك من أفعاله وقال الحسين بن الفضل هو سوق المقادير إلى المواقيت قال مقاتل وسبب نزول هذه الآية أن اليهود قالت إن الله لا يقضي في يوم السبت شيئا فنزلت كل يوم هو في شأن

سنفرغ لكم أيه الثقلان فبأي آلاء ربكما تكذبان يا معشر الجن والإنس إن استطعتم أن تنفوا من أقطار السموات والأرض فانفذوا لا تنفذون إلا بسلطان فبأي آلاء ربكما تكذبان يرسل عليكما شواظ من نار ونحاس فلا تنتصران فبأي آلاء ربكما تكذبان
قوله تعالى سنفرغ لكم قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر سنفرغ بنون مفتوحة وقرأ ابن مسعود وعكرمة والأعمش وحمزة والكسائي وعبد الوارث سيفرغ بياء مفتوحة وقرأ ابن السميفع وابن يعمر وابن أبي عبلة وعاصم الجحدري عن عبد الوارث سيفرغ بضم الياء وفتح الراء قال الفراء هذا وعيد من الله تعالى لأنه لا يشغله شيء عن شيء تقول للرجل الذي لا شغل له قد فرغت لي قد فرغت تشتمني أي قد أخذت في هذا وأقبلت عليه قال الزجاج الفراغ في اللغة على ضربين أحدهما الفراغ من شغل والآخر القصد للشيء تقول قد فرغت مما كنت فيه أي قد زال شغلي به وتقول سأتفرغ لفلان أي سأجعله قصدي ومعنى الآية سنقصد لحسابكم فأما الثقلان فهما الجن والإنس سميا بذلك لأنهما ثقل الأرض
قوله تعالى أن تنفذوا أي تخرجوا يقال نفذ الشيء من الشيء إذا خلص منه كالسهم ينفذ من الرمية والأقطار النواحي والجوانب وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال
أحدها إن استطعتم أن تعلموا ما في السموات والأرض فاعلموا قاله ابن عباس

والثاني إن استطعتم أن تهربوا من الموت بالخروج من أقطار السموات والأرض فاهربوا واخرجوا منها والمراد أنكم حيثما كنتم أدرككم الموت هذا قول الضحاك ومقاتل في آخرين
والثالث إن استطعتم أن تجوزوا أطراف السموات والأرض فتعجزوا ربكم حتى لا يقدر عليكم فجوزوا وإنما يقال لهم هذا يوم القيامة ذكره ابن جرير
قوله تعالى لا تنفذون إلا بسلطان فيه ثلاثة أقوال أحدها لا تنفذون إلا في سلطان الله وملكه لأنه مالك كل شيء قاله ابن عباس والثاني لا تنفذون إلا بحجة قاله مجاهد والثالث لا تنفذون إلا بملك وليس لكم ملك قاله قتادة
قوله تعالى يرسل عليكما فثنى على اللفظ وقد جمع في قوله إن استطعتم على المعنى
فأما الشواظ ففيه ففيه ثلاثة أقوال أحدها أنه لهب النار قاله ابن عباس وقال مجاهد هو اللهب الأخضر المنقطع من النار والثاني الدخان قاله سعيد بن جبير والثالث النار المحضة قاله الفراء وقال أبو عبيدة هي النار التي تأجج لا دخان فيها ويقال شواظ وشواظ وقرأ ابن كثير بكسر الشين وقرأ أيضا هو وأهل البصرة ونحاس بالخفض والباقون برفعهما
وفي النحاس قولان
أحدهما أنه دخان النار رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير والفراء وابو عبيدة وابن قتيبة والزجاج ومنه قول الجعدي يذكر امرأة

تضيء كضوء سراج السلي ... ط لم يجعل الله فيه نحاسا
وذكر الفراء في السليط ثلاثة أقوال أحدها أنه دهن السنام وليس له دخان إذا استصبح به والثاني أنه دهن السمسم والثالث الزيت
والثاني أنه الصفر المذاب يصب على رؤوسهم رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقتادة قال مقاتل والمراد بالآية كفار الجن والإنس يرسل عليهما في الآخرة لهب النار والصفر الذائب وهي خمسة أنهار تجري من تحت العرش على رؤوس أهل النار ثلاثة أنهار على مقدار الليل ونهران على مقدار نهار الدنيا فلا تنتصران أي فلا تمتنعان من ذلك
فإذا انشقت السماء فكانت وردة كالدهان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيؤمئذ لا يسئل عن ذنبه إنس ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان يعرف المجرمون بسيمهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام فبأي آلاء ربكما تكذبان هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يطوفون بينها وبين حميم آن فبأي آلاء ربكما تكذبان
قوله تعالى فإذا انشقت السماء أي انفرجت من المجرة لنزول من فيها يوم القيامة فكانت وردة وفيها قولان
أحدهما كلون الفرس الوردة قاله أبو صالح والضحاك وقال الفراء الفرس الوردة تكون في الربيع وردة إلى الصفرة فإذا اشتد الحر

كانت وردة حمراء فإذا كان بعد ذلك كانت وردة إلى الغبرة فشبه تلون السماء بتلون الوردة من الخيل وكذلك قال الزجاج فكانت وردة أي كلون فرس وردة والكميت الورد يتلون فيكون لونه في الشتاء خلاف لونه في الصيف ولونه في الصيف خلاف لونه في الشتاء فالسماء تتلون من الفزع الأكبر وقال ابن قتيبة المعنى فكانت حمراء في لون الفرس الورد
والثاني أنها وردة النبات وقد تختلف ألوانها إلا أن الأغلب عليها الحمرة ذكره الماوردي
وفي الدهان قولان أحدهما أنه واحد وهو الأديم الأحمر قاله ابن عباس والثاني أنه جمع دهن والدهن تختلف ألوانه بخضرة وحمرة وصفرة حكاه اليزيدي وإلى نحوه ذهب مجاهد وقال الفراء شبه تلون السماء بتلون الوردة من الخيل وشبه الوردة في اختلاف ألوانها بالدهن
قوله تعالى فيؤمئذ لا يسأل عن ذنبه إنس ولا جان فيه ثلاثة أقوال
أحدها لا يسألون ليعلم حالهم لأن الله تعالى أعلم منهم بذلك
والثاني لا يسأل بعضهم بعضا عن حاله لاشتغال كل واحد منهم بنفسه روي القولان عن ابن عباس
والثالث لا يسألون عن ذنوبهم لأنهم يعرفون بسيماهم فالكافر أسود الوجه والمؤمن أغر محجل من أثر وضوئه قاله الفراء قال الزجاج لا يسأل أحد عن ذنبه ليستفهم ولكنه يسأل سؤال توبيخ
قوله تعالى يعرف المجرمون بسيماهم قال الحسن بسواد الوجوه وزرق الأعين فيؤخذ بالنواصي والأقدام فيه قولان أحدهما أن خزنة جهنم تجمع بين نواصيهم إلى أقدامهم من وراء ظهورهم ثم يدفعونهم على وجوههم

في النار قاله مقاتل والثاني يؤخذ بالنواصي والأقدام فيسحبون إلى النار ذكره الثعلبي وروى مردويه الصائغ قال صلى بنا الإمام صلاة الصبح فقرأ سورة الرحمن ومعنا علي بن الفضيل بن عياض فلما قرأ يعرف المجرمون بسيماهم خر علي مغشيا عليه حتى فرغنا من الصلاة فلما كان بعد ذلك قلنا له أما سمعت الإمام يقرأ حور مقصورات في الخيام قال شغلني عنها يعرف المجرمون بسيماهم فيؤخذ بالنواصي والأقدام قوله تعالى هذه جهنم أي يقال لهم هذه جهنم التي يكذب بها المجرمون يعني المشركين يطوفون بينها وقرأ أبو العالية وأبو عمران الجوني يطوفون بياء مضمومة مع تشديد الواو وقرأ الأعمش مثله إلا أنه بالتاء
قوله تعالى وبين حميم آن قال ابن قتيبة الحميم الماء الحار والآني الذي قد انتهت شدة حره قال المفسرون المعنى أنهم يسعون بين عذاب الجحيم وبين الحميم إذا استغاثوا من النار جعل غياثهم الحميم الشديد الحرارة
ولمن خاف مقام ربه جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان ذواتا أفنان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان تجريان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما من كل فاكهة زوجان فبأي آلاء ربكما تكذبان
قوله تعالى ولمن خاف مقام ربه جنتان فيه قولان أحدهما قيامه بين يدي ربه عز و جل يوم الجزاء والثاني قيام الله على عبده بإحصاء ما اكتسب وجاء في التفسير أن العبد يهم بمعصية فيتركها خوفا من الله عز

وجل فله جنتان وهما بستانان
ذواتا أفنان فيه قولان
أحدهما أنها الأغصان وهي جمع فنن وهو الغصن المستقيم طولا وهذا قول مجاهد وعكرمة وعطية والفراء والزجاج
والثاني أنها الألوان والضروب من كل شيء وهي جمع فنن وهذا قول سعيد بن جبير وقال الضحاك ذواتا ألوان من الفاكهة
وجمع عطاء بين القولين فال في كل غصن فنون من الفاكهة
قوله تعالى فيهما عينان تجريان قال ابن عباس تجريان بالماء الزلال إحداهما السلسبيل والأخرى التسنيم وقال عطية إحداهما من ماء غير آسن والأخرى من خمر وقال أبو بكر الوراق فيهما عينان تجريان لمن كانت له في الدنيا عينان تجريان من البكاء
قوله تعالى فيهما من كل فاكهة زوجان أي صنفان ونوعان قال المفسرون فيهما من كل ما يتفكه به نوعان رطب ويابس لا يقصر أحدهما عن الآخر في فضله
متكئين على فرش بطائنها من إستبرق وجنى الجنتين دان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن قاصرات الطرف لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء ربكما تكذبان كأنهن الياقوت والمرجان فبأي

آلاء ربكما تكذبان هل جزاء الإحسان إلا الإحسان فبأي آلاء ربكما تكذبان
متكئين هذا حال المذكورين على فرش جمع فراش بطائنها جمع بطانة وهي التي تحت الظهارة وقال أبو هريرة هذه البطائن فما ظنكم بالظهائر وقال ابن عباس إنما ترك وصف الظواهر لأنه ليس أحد يعلم ما هي وقال قتادة البطائن هي الظواهر بلغة قوم وكان الفراء يقول قد تكون البطانة ظاهرة والظاهرة بطانة لأن كل واحد منهما قد يكون وجها والعرب تقول هذا ظهر السماء وهذا بطن السماء لظاهرها وهو الذي نراه وقال ابن الزبير يعيب قتلة عثمان خرجوا عليه كاللصوص من وراء القرية فقتلهم الله كل قتلة ونجا منهم من نجا تحت بطون الكواكب يعني هربوا ليلا فجعلوا ظهور الكواكب بطونا وذلك جائز في العربية وأنكر هذا القول ابن قتيبة جدا وقال إنما أراد الله أن يعرفنا من حيث نفهم فضل هذه الفرش وأن ما ولي الأرض منها إستبرق وإذا كانت البطانة كذلك فالظهارة أعلى وأشرف وهل يجوز لأحد أن يقول لوجه مصل هذا بطانته ولما ولي الأرض منه هذا ظهارته وإنما يجوز هذا في ذي الوجهين المتساوين تقول لما وليك من الحائط هذا ظهر الحائط ويقول جارك لما وليه هذا ظهر الحائط وكذلك السماء ما ولينا منها ظهر وهي لمن فوقها بطن وقد ذكرنا الإستبرق في سورة الكهف 31

قوله تعالى وجنى الجنتين دان قال أبو عبيدة أي ما يجتنى قريب لا يعني الجاني
قوله تعالى فيهن قاصرات الطرف قد شرحناه في الصافات 48
وفي قوله فيهن قولان
أحدهما أنها تعود إلى الجنتين وغيرهما مما أعد لصاحب هذه القصة قاله الزجاج والثاني أنها تعود إلى الفرش ذكره علي بن أحمد النيسابوري قوله تعالى لم يطمثهن قرأ الكسائي بضم الميم والباقون بكسرها وهما لغتنان يطمث ويطمث مثل يعكف ويعكف وفي معناه قولان
أحدهما لم يقتضضهن والطمث النكاح بالتدمية ومنه قيل للحائض طامث قاله الفراء
والثاني لم يمسسهن يقال ما طمث هذا البعير حبل قط أي ما مسه قاله أبو عبيدة قال مقاتل وذلك لأنهن خلقن من الجنة فعلى قوله هذا صفة الحور وقال الشعبي هن من نساء الدنيا لم يمسسهن مذ أنشئن خلق وفي الآية دليل على أن الجني يغشى المرأة كالإنسي
قوله تعالى كأنهن الياقوت والمرجان قال قتادة هن في صفاء الياقوت وبياض المرجان وذكر الزجاج أن أهل التفسير وأهل اللغة قالوا هن في صفاء الياقوت وبياض المرجان والمرجان صغار اللؤلؤ وهو أشد بياضا وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال الياقوت فارسي

معرب والجمع اليواقيت وقد تكلمت به العرب قال مالك بن نويرة اليربوعي ... لن يذهب اللؤم تاج قد حبيت به ... من الزبرجد والياقوت والذهب ...
قوله تعالى هل جزاء الإحسان إلا الإحسان قال الزجاج أي ما جزاء من أحسن في الدنيا إلا ان يحسن إليه في الآخرة وقال ابن عباس هل جزاء من قال لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد صلى الله عليه و سلم إلى الجنة وروى أنس بن مالك قال قرأ رسول الله صلى الله عليه و سلم هذه الآية وقال هل تدرون ما قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال فإن ربكم يقول هل جزاء من أنعمنا عليه بالتوحيد إلا الجنة
ومن دونهما جنتان فبأي آلاء ربكما تكذبان مدهامتان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما عينان نضاختان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهما فاكهة ونخل ورمان فبأي آلاء ربكما تكذبان فيهن خيرات حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان حور مقصورات في الخيام فبأي آلاء ربكما تكذبان لم يطمثهن إنس قبلهم ولا جان فبأي آلاء

ربكما تكذبان متكئين على رفرف خضر وعبقري حسان فبأي آلاء ربكما تكذبان تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام
قوله تعالى ومن دونهما جنتان قال الزجاج المعنى ولمن خاف مقام ربه جنتان وله من دونهما جنتان
وفي قوله ومن دونهما قولان
أحدهما دونهما في الدرج قاله ابن عباس
والثاني دونهما في الفضل كما روى أبو موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال جنتان من ذهب وجنتان من فضة وإلى نحو هذا ذهب ابن زيد ومقاتل
قوله تعالى مدهامتان قال ابن عباس وابن الزبير خضراوان من الري وقال أبو عبيدة من خضرتهما قد اسودتا قال الزجاج يعني أنهما خضراوان تضرب خضرتهما إلى السواد وكل نبت أخضر فتمام خضرته وريه أن يضرب إلى السواد
قوله تعالى نضاختان قال أبو عبيدة فوارتان وقال ابن قتيبة تفوران والنضخ أكثر من النضح وفيما يفوران به أربعة أقوال
أحدها بالمسك والكافور قاله ابن مسعود والثاني بالماء قاله ابن عباس والثالث بالخير والبركة قاله الحسن والرابع بأنواع الفاكهة قاله سعيد بن جبير
قوله تعالى ونخل ورمان قال ابن عباس نخل الجنة جذوعها

زمرد أخضر وكربها ذهب أحمر وسعفها كسوة أهل الجنة منها مقطعاتهم وحللهم وقال سعيد بن جبير نخل الجنة جذوعها من ذهب وعروقها من ذهب وكرانيفها من زمرد ورطبها كالدلاء أشد بياضا من اللبن وألين من الزبد و أحلى من العسل ليس له عجم قال أبو عبيدة الكرانيف أصول السعف الغلاظ الواحدة كرنافة وإنما أعاد ذكر النخل والرمان وقد دخلا في الفاكهة لبيان فضلهما كما ذكرنا في قوله وملائكته ورسله وجبريل وميكال البقرة 98 هذا قول جمهور المفسرين واللغويين وحكى الفراء والزجاج أن قوما قالوا ليسا من الفاكهة قال الفراء وقد ذهبوا مذهبا ولكن العرب تجعلهما فاكهة قال الأزهري ما علمت أحدا من العرب قال في النخيل والكروم وثمارها إنها ليست من الفاكهة وإنما قال من قال لقلة علمه بكلام العرب فالعرب تذكر أشياء جملة ثم تخص شيئا منها بالتسمية تنبيها على فضل فيه كقوله وجبريل وميكال البقرة 98 فمن قال ليسا من الملائكة كفر ومن قال ثمر النخل والرمان ليسا من الفاكهة جهل
قوله تعالى فيهن يعني في الجنان الأربع خيرات يعني الحور وقرأ معاذ القارئ وعاصم الجحدري وابو نهيك خيرات بتشديد الياء قال اللغويون أصله خيرات بالتشديد فخفف كما

قيل هين لين وهين لين وروت أم سلمة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال خيرات الأخلاق حسان الوجوه
قوله تعالى حور مقصورات قد بينا في سورة الدخان 54 معنى الحور
وفي المقصورات قولان
أحدهما المحبوسات في الحجال قاله ابن عباس وهو مذهب الحسن وأبي العالية والقرظي والضحاك وابي صالح
والثاني المقصورات الطرف على أزواجهن فلا يرفعن طرفا إلى غيرهم قاله الربيع وعن مجاهد كالقولين والأول أصح فإن العرب تقول امرأة مقصورة وقصيرة وقصورة إذا كانت ملازمة خدرها قال كثير ... لعمري لقد حببت كل قصيرة ... إلي وما تدري بذاك القصائر ... عنيت قصيرات الحجال ولم أرد ... قصار الخطى شر النساء البحاتر ...
وبعضهم ينشده قصورة وقصورات والبحاتر القصار
وفي الخيام قولان
أحدهما أنها البيوت
والثاني خيام تضاف إلى القصور وقد روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن للمؤمن في الجنة لخيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها في السماء ستون ميلا للمؤمن فيها أهلون

يطوف عليهم المؤمن فلا يرى بعضهم بعضا وقال عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس الخيام در مجوف وقال ابن عباس الخيمة لؤلؤة واحدة أربعة فراسخ في أربعة فراسخ لها أربعة آلاف مصراع من ذهب
قوله تعالى متكئين على رفرف وقرأ عثمان بن عفان وعاصم الجحدري وابن محيصن على رفارف جمع غير مصروف وقرأ الضحاك وأبو العالية وأبو عمران الجوني مثلهم إلا أنهم صرفوا رفارف قال ثعلب إنما لم يقل أخضر لأن الرفرف جمع واحدته رفرفة كقوله الذي جعل لكم من الشجر الأخضر نارا يس 80 ولم يقل الخضر لأن الشجر جمع تقول هذا حصى أبيض وحصى أسود قال الشاعر ... أحقا عباد الله أن لست ماشيا ... بهرجاب ما دام الأراك به خضرا ...
واختلف المفسرون في المراد بالرفرف على ثلاثة أقوال
أحدها أنها فضول المحابس والبسط رواه العوفي عن ابن عباس وقال أبو عبيدة هي الفرش والبسط وحكى الفراء وابن قتيبة أنها المحابس وقال النقاش الرفرف المحابس الخضر فوق الفرش
والثاني أنها رياض الجنة رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير
والثالث أنها الوسائد قاله الحسن

قوله تعالى وعبقري حسان فيه قولان
أحدهما أنها الزرابي قاله ابن عباس وعطاء وقتادة والضحاك وابن زيد وكذلك قال ابن قتيبة العبقري الطنافس الثخان قال أبو عبيدة يقال لكل شيء من البسط عبقري
والثاني أنه الديباج الغليظ قاله مجاهد قال الزجاج أصل العبقري في اللغة أنه صفة لكل ما بولغ في وصفه وأصله أن عبقر بلد كان يوشى فيه البسط وغيرها فنسب كل شيء جيد إليه قال زهير ... بخيل عليها جنة عبقرية ... جديرون يوما أن ينالوا فيستعلوا ...
وقرأ عثمان بن عفان وعاصم الجحدري وابن محيصن وعباقري بألف مكسورة القاف مفتوحة الياء من غير تنويه قال الزجاج ولا وجه لهذه القراءة في العربية لأن الجمع الذي بعد ألفه حرفان نحو مساجد ومفاتح لا يجوز أن يكون فيه مثل عباقري لأن ما جاوز الثلاثة لا يجمع بياء النسب فلو جمعت عبقري كان جمعه عباقرة كما أنك لو جمعت مهلبي كان جمعه مهالبة ولم تقل مهالبي قال فإن قيل عبقري واحد وحسان جمع فكيف جاز هذا فالأصل أن واحد هذا عبقرية والجمع عبقري كما تقول تمرة وتمر ولوزة ولوز ويكون أيضا عبقري اسما للجنس
وقرأ الضحاك وابو العالية وأبو عمران وعباقري بألف مع التنوين

قوله تعالى تبارك اسم ربك فيه قولان
أحدهما أن ذكر الاسم صلة والمعنى تبارك ربك
والثاني أنه أصل قال ابن الأنباري المعنى تفاعل من البركة أي البركة تنال وتكتسب بذكر اسمه وقد بينا معنى تبارك في الأعراف 54 وذكرنا في هذه السورة معنى ذي الجلال والإكرام الرحمن 27 وكان ابن عامر يقرأ ذو الجلال وكذلك هي في مصاحف أهل الشام والباقون ذي الجلال وكذلك هي في مصاحف أهل الحجاز والعراق وهم متفقون على الموضوع الأول أنه ذو

سورة الواقعة
وفيها قولان
أحدهما أنها مكية قاله الأكثرون منهم ابن عباس والحسن وعطاء وعكرمة وقتادة وجابر ومقاتل وحكي عن ابن عباس أن فيها آية مدنية وهي قوله وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون الواقعة 83
والثاني أنها مدنية رواه عطية عن ابن عباس
بسم الله الرحمن الرحيم إذا وقعت الواقعة ليس لوقعتها كاذبة خافضة رافعة إذا رجت الأرض رجا وبست الجبال بسا فكانت هباء منبثا وكنتم أزواجا ثلاثة فأصحاب الميمنة ما أصحاب الميمنة وأصحاب المشئمة ما أصحاب المشئمة والسابقون السابقون أولئك المقربون في جنات النعيم
قوله تعالى إذا وقعت الواقعة قال أبو سليمان الدمشقي لما قال المشركون متى هذا الوعد متى هذا الفتح نزل قوله إذا وقعت الواقعة فالمعنى يكون إذا وقعت الواقعة قال المفسرون والواقعة القيامة وكل آت يتوقع يقال له إذا كان قد وقع والمراد بها ها هنا النفخة في الصور لقيام الساعة

ليس لوقعتها أي لظهورها ومجيئها كاذبة أي كذب كقوله لا تسمع فيها لاغية الغاشية 11 أي لغوا قال الزجاج وكاذبة مصدر كقولك عافاه الله عافية وكذب كاذبة فهذه أسماء في موضع المصدر وفي معنى الكلام قولان
أحدهما لا رجعة لها ولا ارتداد قاله قتادة والثاني ليس الإخبار عن وقوعها كذبا حكاه المواردي
قوله تعالى خافضة أي هي خافضة رافعة وقرأ أبو رزين وابو عبد الرحمن وأبو العالية والحسن وابن أبي عبلة وأبو حيوة واليزيدي في اختياره خافضة رافعة بالنصب فيهما وفي معنى الكلام قولان
أحدهما أنها خفضت فأسمعت القريب ورفعت فأسمعت البعيد رواه العوفي عن ابن عباس وهذا يدل على أن المراد بالواقعة صيحة القيامة
والثاني أنها خفضت ناسا ورفعت آخرين رواه عكرمة عن ابن عباس قال المفسرون تخفض أقواما إلى أسفل السافلين في النار وترفع أقواما إلى عليين في الجنة
قوله تعالى إذا رجت الأرض رجا أي حركة حركة شديدة وزلزلت وذلك أنها ترتج حتى ينهدم ما عليها من بناء ويتفتت ما عليها من جبل وفي ارتجاجها قولان
أحدهما أنه لإماتة من عليها من الأحياء والثاني لإخراج من في بطنها من الموتى
قوله تعالى وبست الجبال بسا فيه قولان

أحدهما فتتت فتا رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال مجاهد قال ابن قتيبة فتتت حتى صارت كالدقيق والسويق المبسوس
والثاني لتت قاله قتادة وقال الزجاج خلطت ولتت قال الشاعر ... لا تخبزوا خبزا وبسا بسا ...
وفي الهباء أقوال قد ذكرناها في الفرقان 23 وذكر ابن قتيبة أن الهباء المنبث ما سطع من سنابك الخيل وهو من الهبوة والهبوة الغبار والمعنى كانت ترابا منتشرا
قوله تعالى وكنتم أزواجا أي أصنافا ثلاثة
فأصحاب الميمنة فيهم ثمانية أقوال
أحده أنهم الذين كانوا على يمين آدم حين أخرجت ذريته من صلبه قاله ابن عباس
والثاني أنهم الذين يعطون كتبهم بأيمانهم قاله الضحاك والقرظي
والثالث أنهم الذين كانوا ميامين على أنفسهم أي مباركين قاله الحسن والربيع
والرابع أنهم الذين أخذوا من شق آدم الأيمن قاله زيد بن أسلم
والخامس أنهم الذين منزلتهم علن اليمين قاله ميمون بن مهران
والسادس أنهم أهل الجنة قاله السدي
والسابع أنهم أصحاب المنزلة الرفيعة قاله الزجاج

والثامن أنهم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين إلى الجنة ذكره علي بن أحمد النيسابوري
قوله تعالى ما أصحاب الميمنة قال الفراء عجب نبيه صلى الله عليه و سلم منهم والمعنى أي شيء هم قال الزجاج وهذا اللفظ في العربية مجراه مجرى التعجب ومجراه من الله عز و جل في مخاطبة العباد ما يعظم به الشأن عندهم ومثله ما الحاقة الحاقة 2 ما القارعة القارعة 2 قال ابن قتيبة ومثله أن يقول زيد ما زيد أي أي رجل هو واصحاب المشأمة ما أصحاب المشأمة أي أصحاب الشمال والعرب تسمي اليد اليسرى الشؤمى والجانب الأيسر الأشأم ومنه قيل اليمن والشؤم فاليمن كأنه ما جاء عن اليمين والشؤم ما جاء عن الشمال ومنه سميت اليمن والشأم لأنها عن يمين الكعبة وشمالها قال المفسرون أصحاب الميمنة هم الذين يؤخذ بهم ذات اليمين ويعطون كتبهم بأيمانهم وتفسير أصحاب المشأمة على ضد تفسر أصحاب الميمنة سواء والمعنى أي قوم هم ماذا أعد لهم من العذاب
قوله تعالى والسابقون السابقون فيهم خمسة أقوال
أحدها أنهم السابقون إلى الإيمان من كل أمة قاله الحسن وقتادة والثاني أنهم الذين صلوا إلى القبلتين قاله ابن سيرين والثالث أهل القرآن قاله كعب والرابع الأنبياء قاله محمد بن كعب والخامس السابقون إلىالمساجد وإلى الخروج في سبيل الله قاله عثمان بن أبي سودة
وفي إعادة ذكرهم قولان

أحدهما أن ذلك للتوكيد
والثاني أن المعنى السابقون إلى طاعة الله هم السابقون إلى رحمة الله ذكرهما الزجاج
قوله تعالى أولئك المقربون قال أبو سليمان الدمشقي يعني عند الله في ظل عرشه وجواره
ثلة من الأولين وقليل من الآخرين على سرر موضونة متكئين عليها متقابلين يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب وأباريق وكأس من معين لا يصدعون عنها ولا ينزفون وفاكهة مما يتخيرون ولحم طير مما يشتهون وحور عين كأمثال اللؤلؤ المكنون جزاء بما كانوا يعملون لا يسمعون فيها لغوا ولا تأثيما إلا قيلا سلاما سلاما
قوله تعالى ثلة من الأولين الثلة الجماعة غير محصورة العدد
وفي الأولين والآخرين ها هنا ثلاثة أقوال
أحدها أن الأولين الذين كانوا من زمن آدم إلى زمن نبينا صلى الله عليه و سلم والآخرون هذه الأمة
والثاني أن الأولين أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم والآخرين التابعون
والثالث أن الأولين والآخرين من أصحاب نبينا محمد صلى الله عليه و سلم
فعلى الأول يكون المعنى إن الأولين السابقين جماعة من الأمم المتقدمة الذين سبقوا بالتصديق لأنبيائهم من جاء بعدهم مؤمنا وقليل من أمة محمد صلى الله عليه و سلم لأن الذين عاينوا الأنبياء أجمعين وصدقوا بهم أكثر ممن عاين نبينا وصدق به

وعلى الثاني أن السابقين جماعة من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم وهم الأولون من المهاجرين والأنصار وقليل من التابعين وهم الذين اتبعوهم باحسان
وعلى الثالث أن السابقين الأولون من المهاجرين والأنصار وقليل ممن جاء بعدهم لعجز المتأخرين أن يلحقوا الأولين فقليل منهم من يقاربهم في السبق
وأما الموضونة فقال ابن قتيبة هي المنسوجة كأن بعضها أدخل في بعض أو نضد بعضها على بعض ومنه قيل للدرع موضونة ومنه قيل وضين الناقة وهو بطان من سيور يدخل بعضه في بعض قال الفراء سمعت بعض العرب يقول الآجر موضون بعضه على بعض أي مشرج
وللمفسرين في معنى موضونة قولان
أحدهما مرمولة بالذهب رواه مجاهد عن ابن عباس وقال عكرمة مشبكة بالدر والياقوت وهذا معنى ما ذكرناه عن ابن قتيبة وبه قال الأكثرون
والثاني مصفوفة رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
وما بعد هذا قد تقدم بيانه الكهف 30 إلى قوله ولدان مخلدون الولدان الغلمان وقال الحسن البصري هؤلاء أطفال لم يكن لهم حسنات فيجزون بها ولا سيئات فيعاقبون عليها فوضعوا بهذا الموضع
وفي المخلدين قولان
أحدهما أنه من الخلد والمعنى أنهم مخلوقون للبقاء لا يتغيرون وهم على سن واحد قال الفراء والعرب تقول للإنسان إذا كبر ولم يشمط أو لم تذهب أسنانه عن الكبر إنه لمخلد هذا قول الجمهور

والثاني أنهم المقرطون ويقال المسورون ذكره الفراء وابن قتيبة وانشدوا في ذلك ... ومخلدات باللجين كأنما ... أعجازهن أقاوز الكثبان ...
قوله تعالى بأكواب وأباريق الكوب إناء لا عروة له ولا خرطوم وقد ذكرناه في الزخرف 72 والأباريق آنية لها عرى وخراطيم وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال الإبريق فارسي معرب وترجمته من الفارسية أحد شيئين إما أن يكون طريق الماء أو صب الماء على هينة وقد تكلمت به العرب قديما قال عدي بن زيد ... ودعا بالصبوح ويوما فجاءت ... قينة في يمينها إبريق ...
وباقي الآيات في الصافات 46
قوله تعالى لا يصدعون عنها ولا ينزفون فيه قولان
أحدهما لا يلحقهم الصداع الذي يلحق شاربي خمر الدنيا وعنها كفاية عن الكأس المذكور والمراد بها الخمر وهذا قول الجمهور
والثاني لا يتفرقون عنها من قولك صدعته فانصدع حكاه ابن قتيبة ولا ينزفون مفسر في الصافات 47

قوله تعالى مما يتخيرون أي يختارون تقول تخيرت الشيء إذا أخذت خيره
قوله تعالى ولحم طير قال ابن عباس يخطر على قلبه الطير فيصير ممثلا بين يديه على ما اشتهى وقال مغيث بن سمي تقع على أغصان شجرة طوبى طير كأمثال البخت فإذا اشتهى الرجل طيرا دعاه فيجيء حتى يقع على خوانه فيأكل من أحد جانبيه قديدا والآخر شواء ثم يعود طيرا فيطير فيذهب
قوله تعالى وحور عين قرأ ابن كثير وعاصم ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحور عين بالرفع فيهما وقرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي والمفضل عن عاصم بالخفض فيهما وقرأ أبي بن كعب وعائشة وأبو العالية وعاصم الجحدري وحورا عينا بالنصب فيهما قال الزجاج والذين رفعوا كرهوا الخفض لأنه معطوف على قوله يطوف عليهم قالوا والحور ليس مما يطاف به ولكنه مخفوض على غير ما ذهب إليه هؤلاء لأن المعنى يطوف عليهم ولدان مخلدون بأكواب ينعمون بها وكذلك ينعمون بلحم طير فكذلك ينعمون بحور عين والرفع أحسن والمعنى ولهم حور عين ومن قرأ وحورا عينا حمله على المعنى لأن المعنى يعطون هذه الأشياء ويعطون حورا عينا إلا أنها تخالف المصحف فتكره ومعنى كأمثال اللؤلؤ أي صفاؤهن وتلألؤهن كصفاء اللؤلؤ وتلألئه والمكنون الذي لم يغيره الزمان واختلاف أحوال الاستعمال فهن كاللؤلؤ حين يخرج من صدفه

جزاء منصوب مفعول له والمعنى يفعل بهم ذلك جزاء بأعمالهم ويجوز أن يكون منصوبا على أنه مصدر لأن معنى يطوف عليهم ولدان مخلدون يجازون جزاء بأعمالهم وأكثر النحويين على هذا الوجه
وقوله تعالى لا يسمعون فيها لغوا قد فسرنا معنى اللغو والسلام في سورة مريم 62 ومعنى التأثيم في الطور 23 ومعنى ما أصحاب اليمين في اول هذه السورة الواقعة 9
فإن قيل التأثيم لا يسمع فكيف ذكره مع المسموع
فالجواب أن العرب يتبعون آخر الكلام أوله وإن لم يحسن في أحدهما ما يحسن في الآخر فيقولون أكلت خبزا ولبنا واللبن لا يؤكل إنما حسن هذا لأنه كان مع ما يؤكل قال الفراء أنشدني بعض العرب ... إذا ما الغانيات برزن يوما ... وزججن الحواجب والعيونا ...
قال والعين لا تزجج إنما تكحل فردها على الحاجب لأن المعنى يعرف وأنشدني آخر ... ولقيت زوجك في الوغى ... متقلدا سيفا ورمحا ...
وأنشدني آخر ... علفتها تبنا وماء باردا ...
والماء لا يعلف وإنما يشرب فجعله تابعا للتبن قال الفراء وهذا هو

وجه قراءة من قرأ وحور عين بالخفض لإتباع آخر الكلام أوله وهو وجه العربية
وأصحاب اليمين ما أصحاب اليمين في سدر مخضود وطلح منضود وظل ممدود وماء مسكوب وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة وفرش مرفوعة إنا أنشأناهن إنشاء فجعلناهن أبكارا عربا أترابا لأصحاب اليمين ثلة من الأولين وثلة من الآخرين
وقد شرحنا معنى قوله واصحاب اليمين في قوله فأصحاب الميمنة الواقعة 9 وقد روي عن علي رضي الله عنه أنه قال أصحاب اليمين أطفال المؤمنين
قوله تعالى في سدر مخضود سبب نزولها أن المسلمين نظروا إلى وج وهو واد بالطائف مخصب فأعجبهم سدره فقالوا يا ليت لنا مثل هذا فنزلت هذه الآية قاله أبو العالية والضحاك
وفي المخضود ثلاثة أقوال
أحدها أنه الذي لا شوك فيه رواه أبو طلحة عن ابن عباس وبه قال عكرمة وقسامة بن زهير قال ابن قتيبة كأنه خضد شوكه أي قلع ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم في المدينة لا يخضد شوكها

والثاني أنه الموقر حملا رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد والضحاك
والثالث أنه الموقر الذي لاشوك فيه ذكره قتادة
وفي الطلح قولان
أحدهما أنه الموز قاله علي وابن عباس وأبو هريرة وأبو سعيد الخدري والحسن وعطاء وعكرمة ومجاهد وقتادة
والثاني أنه شجر عظام كبار الشوك قال أبو عبيدة هذا هو الطلح عند العرب قال الحادي ... بشرها دليلها وقالا ... غدا ترين الطلح والجبالا ...
فإن قيل ما الفائدة في الطلح
فالجواب أن له نورا وريحا طيبة فقد وعدهم ما يعرفون ويميلون إليه وإن لم يقع التساوي بينه وبين ما في الدنيا وقال مجاهد كانوا يعجبون ب وج وظلاله من طلحه وسدره فأما المنضود فقال ابن قتيبة هو الذي قد نضد بالحمل أو بالورق والحمل من أوله إلىآخره فليس له ساق بارزة وقال مسروق شجر الجنة نضيد من أسفلها إلى أعلاها
قوله تعالى وظل ممدود أي دائم لا تنسخه الشمس
وماء مسكوب أي جار غير منقطع

قوله تعالى لا مقطوعة ولا ممنوعة فيه ثلاثة أقوال
أحدها لا مقطوعة في حين دون حين ولا ممنوعة بالحيطان والنواطير إنما هي مطلقة لمن أرادها هذا قول ابن عباس والحسن ومجاهد وقتادة ولخصه بعضهم فقال لا مقطوعة بالأزمان ولا ممنوعة بالأثمان
والثاني لا تنقطع إذا جنيت ولا تمنع من أحد إذا أريدت روي عن ابن عباس
والثالث لا مقطوعة بالفناء ولا ممنوعة بالفساد ذكره الماوردي
قوله تعالى وفرش مرفوعة فيها قولان
أحدهما أنها الحشايا المفروشة للجلوس والنوم وفي رفعها قولان أحدهما أنها مرفوعة فوق السرر والثاني أن رفعها زيادة حشوها ليطيب الاستمتاع بها
والثاني أن المراد بالفراش النساء والعرب تسمي المرأة فراشا وإزارا ولباسا وفي معنى رفعهن ثلاثة أقوال أحدها أنهن رفعن بالجمال على نساء أهل الدنيا والثاني رفعن عن الأدناس والثالث في القلوب لشدة الميل إليهن
قوله تعالى إنا أنشأناهن إنشاء يعني النساء قال ابن قتيبة اكتفى بذكر الفرش لأنها محل النساء عن ذكرهن وفي المشار إليهن قولان
أحدهما أنهن نساء أهل الدنيا المؤمنات ثم في إنشائهن قولان أحدهما أنه إنشاؤهن من القبور قاله ابن عباس والثاني إعادتهن بعد الشمط والكبر أبكارا صغارا قاله الضحاك

والثاني أنهن الحور العين وإنشاؤهن إيجادهن عن غير ولادة قاله الزجاج والصواب أن يقال إن الإنشاء عمهن كلهن فالحور أنشئن ابتداء والمؤمنات أنشئن بالإعادة وتغيير الصفات وقد روى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال إن من المنشآت اللاتي كن في الدنيا عجائز عمشا رمصا
قوله تعالى جعلناهن أبكارا أي عذارى وقال ابن عباس لا يأتيها زوجها إلا وجدها بكرا
قوله تعالى عربا قرأ الجمهور بضم الراء وقرأ حمزة وخلف بإسكان الراء قال ابن جرير هي لغة تميم وبكر
وللمفسرين في معنى عربا خمسة أقوال
أحدها أنهن المتحببات إلى أزواجهن رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير وابن قتيبة والزجاج
والثاني أنهن العواشق رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال الحسن وقتادة ومقاتل والمبرد وعن مجاهد كالقولين
والثالث الحسنة التبعل رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال أبو عبيدة
والرابع الغنجات قاله عكرمة

والخامسة الحسنة الكلام قاله ابن زيد
فأما الأتراب فقد ذكرناهن في ص 52
قوله تعال ثلة من الأولين وثلة من الآخرين هذا من نعت أصحاب اليمين وفي الأولين والآخرين خلاف وقد سبق شرحه الواقعة 13 وقد زعم مقاتل أنه لما نزلت الآية الأولى وهي قوله وقليل من الآخرين وجد المؤمنون من ذلك وجدا شديدا حتى أنزلت وثلة من الآخرين فنسختها وروي عن عروة بن رويم نحو هذا المعنى
قلت وادعاء النسخ ها هنا لا وجه له لثلاثة أوجه
أحدها أن علماء الناسخ والمنسوخ لم يوافقوا على هذا
والثاني أن الكلام في الآيتين خبر والخبر لا يدخله النسخ فهو ها هنا لا وجه له
والثالث أن الثلة بمعنى الفرقة والفئة قال الزجاج اشتقاقهما من القطعة والثل الكسر والقطع فعلى هذا قد يجوز أن تكون الثلة في معنى القليل
وأصحاب الشمال ما أصحاب الشمال في سموم وحميم وظل من يحموم لا بارد ولا كريم إنهم كانوا قبل ذلك مترفين وكانوا يصرون على الحنث العظيم وكانوا يقولون أئذا متنا وكنا ترابا وعظاما ءإنا لمبعوثون أو آباؤنا الأولون قل إن الأولين والآخرين لمجموعون إلى ميقات يوم معلوم ثم إنكم أيها الضالون المكذبون لآكلون من شجر من زقوم فمالؤن منها البطون فشاربون عليه من الحميم فشاربون شرب الهيم هذا نزلهم يوم الدين

قوله تعالى ما أصحاب الشمال قد بينا أنه بمعنى التعجب من حالهم والمعنى ما لهم وما أعد لهم من الشر ثم بين لهم سوء منقلبهم فقال في سموم قال ابن قتيبة هو حر النار
قوله تعالى وظل من يحموم قال ابن عباس ظل من دخان قال الفراء اليحموم الدخان الأسود لا بارد ولا كريم فوجه الكلام الخفض تبعا لما قبله ومثله زيتونة لا شرقية ولا غربية النور 35 وكذلك قوله وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ولو رفعت ما بعد لا كان صوابا والعرب تجعل الكريم تابعا لكل شيء نفت عنه فعلا ينوي به الذم فتقول ما هذه الدار بواسعة ولا كريمة وما هذا بسمين ولا كريم قال ابن عباس لا بارد المدخل ولا كريم المنظر
قوله تعالى إنهم كانوا قبل ذلك أي في الدنيا مترفين أي متنعمين في ترك أمر الله فشغلهم ترفهم عن الاعتبار والتعبد
وكانوا يصرون أي يقيمون على الحنث وفيه أربعة أقوال
أحدها أنه الشرك قاله ابن عباس والحسن والضحاك وابن زيد
والثاني الذنب العظيم الذي لا يتوبون منه قاله مجاهد وعن قتادة كالقولين
والثالث أنه اليمين الغموس قاله الشعبي
والرابع الشرك والكفر بالبعث قاله الزجاج
قوله تعالى أو آباؤنا الأولون قال أبو عبيدة الواو متحركة لأنها ليست بواو أو إنما هي وآباؤنا فدخلت عليها ألف الاستفهام فتركت مفتوحة وقرأ أهل المدينة وابن عامر أو آباؤنا بإسكان الواو

وقد سبق بيان ما لم يذكر ها هنا هود 1903 الصافات 62 الأنعام 70 إلى قوله فشاربون شرب الهيم قرأ أهل المدينة وعاصم وحمزة شرب بضم الشين والباقون بفتحها قال الفراء والعرب تقوم شربته شربا وأكثر أهل نجد يقولون شربا بالفتح أنشدني عامتهم ... تكفيه حزة فلذ إن ألم بها ... من الشواء ويكفي شربه الغمر ...
وزعم الكسائي أن قوما من بني سعسد بن تميم يقولون شرب الهيم بالكسر وقال الزجاج الشرب المصدر والشرب بالضم الاسم قال وقد قيل إنه مصدر أيضا
وفي الهيم قولان
أحدهما الإبل العطاش رواه ابن أبي طلحة والعوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة وعطاء والضحاك وقتادة قال ابن قتيبة هي الإبل يصيبها داء فلا تروى من الماء يقال بعير أهيم وناقة هيماء
والثاني أنها الأرض الرملة التي لا تروى من الماء وهو مروي عن ابن عباس أيضا قال أبو عبيدة الهيم ما لا يروى من رمل أو بعير
قوله تعالى هذا نزلهم أي رزقهم ورواه عباس عن أبي عمرو

نزلهم بسكون الزاى أي رزقهم و طعامهم و فى الدين قولان قد ذكرناهما فى الفاتحة
نحن خلقناكم فلولا تصدقون أفرأيتم ما تمنون ءأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون نحن قدرنا بينكم الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم وننشئكم في ما لا تعلمون ولقد علمتم النشأة الأولى فلولا تذكرون
قوله تعالى نحن خلقناكم أي أوجدناكم ولم تكونوا شيئا وأنتم تقرون بهذا فلولا أي فهلا تصدقون بالبعث
ثم احتج على بعثهم بالقدرة على ابتدائهم فقال أفرأيتم ما تمنون قال الزجاج أي ما يكون منكم من المني يقال أمنى الرجل يمنى ومنى يمني فيجوز على هذا تمنون بفتح التاء إن ثبتت به رواية
قوله تعالى أأنتم تخلقونه أم نحن الخالقون أي تخلقون ما تمنون بشرا وفيه تنبيه على شيئين
أحدهما الامتنان إذا خلق من الماء المهين بشرا سويا
والثاني أن من قدر على خلق ما شاهدتموه من أصل وجودكم كان أقدر على خلق ما غاب عنكم من إعادتكم
قوله تعالى نحن قدرنا بينكم الموت وقرأ ابن كثير قدرنا بتخفيف الدال وفي معنى الكلام قولان
أحدهما قضينا عليكم بالموت
والثاني سوينا بينكم في الموت وما نحن بمسبوقين على أن نبدل أمثالكم قال الزجاج المعنى إن أردنا أن نخلق خلقا غيركم لم يسبقنا

سابق ولا يفوتنا ذلك وقال ابن قتيبة لسنا مغلوبين على أن نستبدل بكم أمثالكم
قوله تعالى وننشئكم في ما لا تعلمون وفيه أربعة أقوال
أحدها نبدل صفاتكم ونجعلكم قردة وخنازير كما فعلنا بمن كان قبلكم قاله الحسن
والثاني ننشئكم في حواصل طير سود تكون ب برهوت كأنها الخطاطيف قاله سعيد بن المسيب
والثالث نخلقكم في أي خلق شئنا قاله مجاهد
والرابع نخلقكم في سوى خلقكم قاله السدي قال قاتل نخلقكم سوى خلقكم في ما لا تعلمون من الصور
قوله تعالى ولد علمتم النشأة الأولى وهي ابتداء خلقكم من نطفة وعلقة فلولا تذكرون أي فهلا تعتبرون فتعلموا قدرة الله فتقروا بالبعث
أفرأيتم ما تحرثون ءأنتم تزرعونه أم نحن الزراعون لم نشاء لجعلناه حطاما فظلتم تفكهون إنا لمغرمون بل نحن محرومون أفرأيتم الماء الذي تشربون ءأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون لو نشاء جعلناه أجاجا فلولا تشكرون أفرأيتم النار التي تورون ءأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين فسبح باسم ربك العظيم
أفرأيتم ما تحرثون أي ما تعملون في الأرض من إثارتها وإلقاء

البذور فيه أأنتم تزرعونه أي تنبتونه وقد نبه هذا الكلام على أشياء منها إحياء الموتى ومنها الامتنان بإخراج القوت ومنها القدرة العظيمة الدالة على التوحيد
قوله تعالى لجعلناه يعني الزرع حطاما قال عطاء تبنا لا قمح فيه وقال الزجاج أبطلناه حتى يكون محتطما لا حنطة فيه ولا شيء
قوله تعالى فظلتم وقرأ الشعبي وابو العالية وابن أبي عبلة فظلتم بكسر الظاء وقد بيناه في قوله ظلت عليه عاكفا طه 97
قول تعالى تفكهون وقرأ أبي بن كعب وابن السميفع والقاسم بن محمد وعروة تفكنون بالنون وفي المعنى أربعة أقوال
أحدها تعحبون قاله ابن عباس ومجاهد وعطاء ومقاتل قال الفراء تتعجبون مما نزل بكم في زرعكم
والثاني تندمون قاله الحسن والزجاج وعن قتادة كالقولين قال ابن قتيبة يقال تفكهون تندمون ومثلها تفكنون وهي لغة لعكل
والثالث تتلاومون قاله عكرمة
والرابع تتفجعون قاله ابن زيد
قوله تعالى إنا لمغرمون قال الزجاج أي تقولون قد غرمنا وذهب زرعنا وقال ابن قتيبة لمغرمون أي لمعذبون

قوله تعالى بل نحن محرومون أي حرمنا ما كنا نطلبه من الريع في الزرع وقد نبه بهذا على أمرين
أحدهما إنعامه عليهم إذ لم يجعل زرعهم حطاما
والثاني قدرته على إهلاكهم كما قدر على إهلاك الزرع فأما المزن فهي السحاب واحدته مزنة
وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تورون قال أبو عبيدة تستخرجون من أوريت وأكثر ما يقال وريت وقال ابن قتيبة التي تستخرجون من الزنود قال الزجاج تورون أي تقدحون تقول أوريت النار إذا قدحتها
قوله تعالى أأنتم أنشأتم شجرتها في المراد بشجرتها ثلاثة أقوال
أحدها أنها الحديد رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثاني أنها الشجرة التي تتخذ منها الزنود وهو خشب يحك بعضه ببعض فتخرج منه النار هذا قول ابن قتيبة والزجاج
والثالث أن شجرتها أصلها ذكره الماوردي
قوله تعالى نحن جعلناها تذكرة قال المفسرون إذا رآها الرائي ذكر نار جهنم وما يخاف من عذابها فاستجار بالله منها ومتاعا أي منفعة للمقوين وفيهم أربعة أقوال
أحدها أنهم المسافرون قاله ابن عباس وقتادة والضحاك قال ابن قتيبة سموا بذلك لنزلهم القوى وهو القفر وقال بعض العلماء المسافرون أكثر حاجة إليها من المقيمين لأنهم إذا أوقدوها هربت منهم السباع واهتدى به الضال

والثاني أنهم المسافرون والحاضرون قاله مجاهد
والثالث أنهم الجائعون قال ابن زيد المقوي الجائع في كلام العرب
والرابع أنهم الذين لا زاد معهم ولا مرد لهم قاله أبو عبيدة
قوله تعالى فسبح باسم ربك العظيم قال الزجاج لما ذكر ما يدل على توحيده وقدرته وإنعامه قال فسبح أي برء الله ونزهه عما يقولون في وصفه وقال الضحاك معناه فصل باسم ربك أي استفتح الصلاة بالتكبير وقال ابن جرير سبح بذكر ربك وتسميته وقيل الباء زائدة والاسم يكون بمعنى الذات والمعنى فسبح ربك
فلا أقسم بمواقع النجوم وإنه لقسم لو تعلمون عظيم إنه لقرآن كريم في كتاب مكنون لا يمسه إلى المطهرون تنزيل من رب العالمين أفبهذا الحديث أنتم مدهنون وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون قوله تعالى فلا أقسم في لا قولان
أحدهما أنها دخلت توكيدا والمعنى فأقسم ومثله لئلا يعلم أهل الكتاب الحشر 29 قال الزجاج وهو مذهب سعيد بن جبير
والثاني أنها على أصلها ثم في معناها قولان
أحدهما أنها ترجع إلى ما تقدم ومعناها النهي تقدير الكلام فلا تكذبوا ولا تجحدوا ما ذكرته من النعم والحجج قاله الماوردي

والثاني أن لا رد لما يقوله الكفار في القرآن إنه سحر وشعر وكهانة ثم استأنف القسم على أنه قرآن كريم قاله علي بن أحمد النيسابوري وقرأ الحسن فلأقسم بغير ألف بين اللام والهمزة
قوله تعالى بمواقع وقرأ حمزة والكسائي بموقع على التوحيد قال أبو علي مواقعها مساقطها ومن أفرد فلأنه اسم جنس ومن جمع فلاختلاف ذلك وفي النجوم قولان
أحدهما نجوم السماء قاله الأكثرون فعلى هذا في مواقعها ثلاثة أقوال
أحدها انكدارها وانتثارها يوم القيامة قاله الحسن
والثاني منازلها قاله عطاء وقتادة
والثالث مغيبها في المغرب قاله أبو عبيدة
والثاني أنها نجوم القرآن رواه ابن جبير عن ابن عباس فعلى هذا سميت نجوما لنزولها متفرقة ومواقعها نزولها وإن لقسم الهاء كناية عن القسم وفي الكلام تقديم وتأخير تقديره وإنه لقسم عظيم لو تعلمون عظمه ثم ذكر المقسم عليه فقال تعالى إنه لقرآن كريم والكريم اسم جامع لما يحمد وذلك أن فيه البيان والهدى والحكمة وهو معظم عند الله عز و جل
قوله تعالى في كتاب فيه قولان
أحدهما أنه اللوح المحفوظ قاله ابن عباس والثاني أنه المصحف الذي بأيدينا قاله مجاهد وقتادة
وفي المكنون قولان
أحدهما مستور عن الخلق قاله مقاتل وهذا على القول الأول
والثاني مصون قاله الزجاج

قوله تعالى لا يمسه إلا المطهرون من قال إنه اللوح المحفوظ فالمطهرون عنده الملائكة وهذا قول ابن عباس وعكرمة ومجاهد وسعيد بن جبير فعلى هذا يكون الكلام خبرا ومن قال هو المصحف ففي المطهرين أربعة أقوال
أحدها أنهم المطهرون من الأحداث قاله الجمهور فيكون ظاهر الكلام النفي ومعناه النهي
والثاني المطهرون من الشرك قاله ابن السائب
والثالث المطهرون من الذنوب والخطايا قاله الربيع بن أنس
والرابع أن معنى الكلام لا يجد طعمه ونفعه إلا من آمن به حكاه الفراء

قوله تعالى تنزيل أي هو تنزيل والمعنى هو منزل فسمي المنزل تنزيلا في اتساع اللغة كما تقول للمقدور قدر وللمخلوق خلق
قوله تعالى أفبهذا الحديث يعني القرآن أنتم مدهنون فيه قولان
أحدهما مكذبون قاله ابن بعاس والضحاك والفراء
والثاني ممالئون الكفار على الكفر به قاله مجاهد قال أبو عبيدة المدهن المداهن وكذلك قال ابن قتيبة مدهنون أي مداهنون يقال أدهن في دينه وداهن وتجعلون رزقكم أنكم تكذبون روى مسلم في صحيحه من حديث ابن عباس قال مطر الناس على عهد رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال النبي صلى الله عليه و سلم أصبح من الناس شاكر ومنهم كافر قالوا هذه رحمة وضعها الله حيث شاء وقال بعضهم لقد صدق نوء كذا وكذا فنزلت هذه الآية فلا أقسم بمواقع النجوم حتى بلغ أنكم تكذبون وروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث زيد بن خالد الجهني قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم صلاة بالحديبية على إثر سماء كانت من الليل فلما انصرف أقبل على الناس فقال هل تدرون ماذا قال ربكم قالوا الله ورسوله أعلم قال قال أصبح من عبادي مؤمن بي وكافر فأما المؤمن فقال مطرنا بفضل الله وبرحمته فذلك مؤمن بي كافر بالكواكب وأما من قال مطرنا بنوء كذا وكذا فذاك كافر بي مؤمن بالكواكب

وللمفسرين في معنى هذه الآية ثلاثة أقوال
أحدها أن الرزق ها هنا بمعنى الشكر روت عائشة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال وتجعلون رزقكم قال شكركم وهذا قول علي بن أبي طالب وابن عباس وكان علي يقرأ وتجعلون شكركم
والثاني أن المعنى وتجعلون شكر رزقكم تكذيبكم قاله الأكثرون وذلك أنهم كانوا يمطرون فيقولون مطرنا بنوء كذا
والثالث أن الرزق بمعنى الحظ فالمعنى وتعجعلون حظكم ونصيبكم من القرآن أنكم تكذبون ذكره الثعلبي وقرأ أبي بن كعب والمفضل عن عاصم تكذبون بفتح التاء وإسكان الكاف مخففة الذال
فلولا إذا بلغت الحلقوم وأنتم حينئذ تنظرون ونحن أقرب إليه منكم ولكن لا تبصرون فلولا إن كنتم غير مدينين ترجعونها إن كنتم صادقين فأما إن كان من المقربين فروح وريحان وجنت نعيم وأما إن

كان من أصحاب اليمين فسلام لك من أصحاب اليمين وأما إن كان من المكذبين الضالين فنزل من حميم وتصلية جحيم إن هذا لهو حق اليقين فسبح باسم ربك العظيم
قوله تعالى فلولا أي فهلا إذا بلغت الحلقوم يعني النفس فترك ذكرها لدلالة الكلام وأنشدوا من ذلك ... إذا حشرجت يوما وضاق بها الصدر ...
قوله تعالى وأنتم يعني أهل الميت تنظرون إلى سلطان الله وأمره والثاني تنظرون إلى الإنسان في تلك الحالة ولا تملكون له شيئا ونحن أقرب إليه منكم فيه قولان
أحدهما ملك الموت أدنى إليه من أهله ولكن لا تبصرون الملائكة رواه أبو صالح عن ابن عباس والثاني ونحن أقرب إليه منكم بالعلم والقدرة والرؤية ولكن لا تبصرون أي لا تعلمون والخطاب للكفار ذكره الواحدي
قوله تعالى غير مدينين فيه خمسة أقوال
أحدها محاسبين رواه الضحاك عن ابن عباس وبه قال الحسن وابن جبير وعطاء وعكرمة والثاني موقنين قاله مجاهد والثالث

مبعوثين قاله قتادة والرابع مجزيين ومنه يقال دنته وكما تدين تدان قاله أبو عبيدة والخامس مملوكين أذلاء من قولك دنت له بالطاعة قاله ابن قتيبة
قوله تعالى ترجعونها أي تردون النفس والمعنى إن جحدتم الإله الذي يحاسبكم ويجازيكم فهلا تردون هذه النفس فإذا لم يمكنكم ذلك فاعلموا أن الأمر لغيركم
قال الفراء وقوله تعالى ترجعونا هو جواب لقوله تعالى فلولا إذا بلغت الحلقوم ولقوله تعالى فلولا إن كنتم غير مدينين فإنهما أجيبتا بجواب واحد ومثله قوله تعالى فإما يأتينكم مني هدى فمن تبع هداي فلا خوف عليهم البقرة 38 ثم ذكر طبقات الخلق عند الموت فقال تعالى فأما إن كان يعني الذي بلغت نفسه الحلقوم من المقربين عند الله قال أبو العالية هم السابقون فروح أي فله روح والجمهور يفتحون الراء وفي معناها ستة أقوال
أحدها الفرح رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس والثاني الراحة رواه أبو طلحة عن ابن عباس والثالث المغفرة والرحمة رواه العوفي عن ابن عباس والرابع الجنة قاله مجاهد والخامس روح من الغم الذي كانوا فيه قاله محمد بن كعب والسادس روح في القبر أي طيب نسيم قاله ابن قتيبة وقرأ أبو بكر الصديق وابو رزين والحسن وعكرمة

وابن يعمر وقتادة ورويس عن يعقوب وابن أبي سريج عن الكسائي فروح برفع الراء وفي معنى هذه القراءة قولان
أحدهما أن معناها فرحمة قاله قتادة
والثاني فحياة وبقاء قاله ابن قتيبة وقال الزجاج معناه فحياة دائمة لا موت معها وفي الريحان أربعة أقوال
أحدها أنه الرزق رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثاني أنه المستراح رواه ابن أبي طلحة عن ابن بعاس
والثالث أنه الجنة قاله مجاهد وقتادة
والرابع أنه الريحان المشموم وقال أبو العالية لا يخرج أحد من

المقربين من الدنيا حتى يؤتى بغصن من ريحان الجنة فيشمه ثم تقبض فيه روحه وإلى نحو هذا ذهب الحسن وقال أبو عمران الجوني بلغنا أن المؤمن إذا قبض روحه تلقى بضبائر الريحان من الجنة فتجعل روحه فيه
قوله تعالى فسلام لك من أصحاب اليمين فيه ثلاثة أقوال
أحدها فسلامة لك من العذاب قاله أبو صالح عن ابن عباس
والثاني تسلم عليه الملائكة وتخبره أنه من أصحاب اليمين قاله عطاء والثالث أن المعنى أنك ترى فيهم ما تحب من السلامة وقد علمت ما أعد لهم من الجزاء قاله الزجاج
قوله تعالى وأما إن كان من المكذبين أي بالبعث الضالين عن الهدى فنزل وقد بيناه في هذه السورة الواقعة 56
قوله تعالى إن هذا يعني ما ذكر في هذه السورة لهو حق اليقين أي هو اليقين حقا فأضافه إلى نفسه كقولك صلاة الأولى وصلاة العصر ومثله ولدار الآخرة يوسف 109 وقد سبق هذا المعنى وقال قوم معناه وإنه للمتقين حقا وقيل للحق اليقين

قوله تعالى فسبح باسم ربك قد ذكرناه في هذه السورة الواقعة 74

سورة الحديد
وفيها قولان
أحدهما أنها مدنية رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال الحسن ومجاهد وعكرمة وجابر بن زيد وقتادة ومقاتل
والثاني أنها مكية قاله ابن السائب
بسم الله الرحمن الرحيم
سبح لله ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم له ملك السموات والأرض يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير هو الأول والآخر والظاهر والباطن وهو بكل شيء عليم هو الذي خلق السموات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور
قوله تعالى سبح لله ما في السموات والأرض أما تسبيح ما يعقل فمعلوم وتسبيح ما لا يعقل قد ذكرنا معناه في قوله تعالى وإن من شيء إلا يسبح بحمده الإسراء 44

قوله تعالى هو الأول قال أبو سليمان الخطابي هو السابق للأشياء والآخر الباقي بعد فناء الخلق والظاهر بحججه الباهرة وبراهينه النيرة وشواهده الدالة على صحة وحدانيته ويكون الظاهر فوق كل شيء بقدرته وقد يكون الظهور بمعنى العلو ويكون بمعنى الغلبة والباطن هو المحتجب عن أبصار الخلق الذي لا يستولي عليه توهم الكيفية وقد يكون معنى الظهور والبطون احتجابه عن أبصار الناظرين وتجليه لبصائر المتفكرين ويكون معناه العالم بما ظهر من الأمور والمطلع على ما بطن من الغيوب هو الذي خلق السموات والأرض مفسر في الأعراف 54 إلى قوله تعالى يعلم ما يلج في الأرض وهو مفسر في سبأ 2 إلى قوله تعالى وهو معكم أينما كنتم أي بعلمه وقدرته وما بعده ظاهر إلى قوله تعالى آمنوا بالله ورسوله

قال المفسرون هذا الخطاب لكفار قريش وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه يعني المال الذي كان بأيدي غيرهم فأهلكهم الله وأعطى قريشا ذلك المال فكانوا فيه خلفاء من مضى
آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير وما لكم لا تؤمنون بالله والرسول يدعوكم لتؤمنوا بربكم وقد أخذ ميثاقكم إن كنتم مؤمنين هو الذي ينزل على عبده آيات بينات ليخرجكم من الظلمات إلى النور وإن الله بكم لرؤف رحيم وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات و الأرض لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وقاتل أولئك أعظم درجة من الذين أنفقوا من بعد وقاتلوا وكلا وعد الله الحسنى والله بما تعملون خبير من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له وله أجر كريم
قوله تعالى وما لكم لا تؤمنون بالله هذا استفهام إنكار والمعنى أي شيء لكم من الثواب في الآخرة إذا لم تؤمنوا بالله وقد أخذ ميثاقكم قرأ أبو عمرو أخذ بالرفع وقرأ الباقون أخذ بفتح الخاء ميثاقكم بالفتح

والمراد به حين أخرجتم من ظهر آدم إن كنتم مؤمنين بالحجج والدلائل
قوله تعالى هو الذي ينزل على عبده يعني محمدا صلى الله عليه و سلم آيات بينات يعني القرآن ليخرجكم من الظلمات يعني الشرك إلى نور الإيمان وإن الله بكم لرؤوف رحيم حين بعث الرسول ونصب الأدلة ثم حثهم على الإنفاق فقال وما لكم ألا تنفقوا في سبيل الله ولله ميراث السموات و الأرض أي أي شيء لكم في ترك الإنفاق مما يقرب إلى الله عز و جل وأنتم ميتون تاركون أموالكم ثم بين فضل من سبق بالإنفاق فقال لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح وفيه قولان
أحدهما أنه فتح مكة قاله ابن عباس والجمهور
والثاني أنه فتح الحديبية قاله الشعبي والمعنى لا يستوي من أنفق قبل ذلك وقاتل ومن فعل ذلك بعد الفتح قال المفسرون نزلت هذه الآية في أبي بكر الصديق أولئك أعظم درجة قال ابن عباس أعظم

منزلة عند الله قال عطاء درجات الجنة تتفاضل فالذين أنفقوا من قبل الفتح في أفضلها قال الزجاج لأن المتقدمين كانت بصائرهم أنفذ ونالهم من المشقة أكثر وكلا وعد الله الحسنى أي وكلا الفرقين وعده الله الجنة وقرأ ابن عامر وكل بالرفع
قوله تعالى من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له قرأ ابن كثير وابن عامر فيضعفه مشددة بغير ألف إلا أن ابن كثير يضم الفاء وابن عامر يفتحها وقرأ نافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي فيضاعفه بالألف وضم الفاء وافقهم عاصم إلا أنه فتح الفاء قال أبو علي يضاعف ويضعف بمعنى واحد إلا أن الرفع في يضاعف هو الوجه لأنه محمول على يقرض أو على الانقطاع من الأول كأنه قال فهو يضاعف ويحمل قول الذي نصب على المعنى لأنه إذا قال من ذا الذي يقرض الله معناه أيقرض الله أحد قرضا فيضاعفه والآية مفسرة في البقرة 245 والأجر الكريم الجنة

يوم ترى المؤمنين والمؤمنات يسعى نورهم بين أيديهم وبأيمانهم بشراكم اليوم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها ذلك هو الفوز العظيم يوم يقول المنافقون والمنافقات للذين آمنوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا فضرب بينهم بسور له باب باطنه فيه الرحمة وظاهره من قبله العذاب ينادونهم ألم نكن معكم قالوا بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم وتربصتم وارتبتم وغرتكم الأماني حتى جاء أمر الله وغركم بالله الغرور فاليوم لا يؤخذ منكم فدية ولا من الذين كفروا مأوكم النار هي مولكم وبئس المصير
قوله تعالى يسعى نورهم قال المفسرون يضيء لهم نور عملهم على الصراط على قدر أعمالهم قال ابن مسعود منهم من نوره مثل الجبل وأدناهم نورا نوره على إبهامه يطفئ مرة ويتقد أخرى وفي قوله تعالى وبأيمانهم قولان
أحدهما أنه كتبهم يعطونها بأيمانهم قاله الضحاك
والثاني أنه نورهم يسعى أي يمضي بين أيديهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم والباء بمعنى في وفي بمعنى عن هذا قول الفراء
قوله تعالى بشراكم اليوم هذا قول الملائكة لهم
قوله تعالى انظرونا نقتبس وقرأ حمزة أنظرونا بقطع الهمزة وفتحها وكسر الظاء قال المفسرون يغشى الناس يوم القيامة ظلمة شديدة فيعطى المؤمنون النور فيمشي المنافقون في نور المؤمنين فإذا سبقهم المؤمنون قالوا انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم في القائل قولان
أحدهما أنهم المؤمنون قاله ابن عباس

والثاني الملائكة قاله مقاتل وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال
أحدها ارجعوا إلى المكان الذي قبستم فيه النور فيرجعون فلا يرون شيئا
والثاني ارجعوا فاعملوا عملا يجعله الله لكم نورا
والثالث أن المعنى لا نور لكم عندنا فضرب بينهم بسور قال ابن عباس هو الأعراف وهو سور بين الجنة والنار باطنه فيه الرحمة وهي الجنة وظاهره يعني من وراء السور من قبله العذاب وهو جهنم وقد ذهب قوم إلى أن هذا السور يكون ببيت المقدس في مكان السور الشرقي بين الوادي الذي يسمى وادي جهنم وبين الباب الذي يسمى باب الرحمة وإلى نحو هذا ذهب عبادة بن الصامت وعبد الله بن عمرو وكعب
قوله تعالى ينادونهم أي ينادي المنافقون المؤمنين من وراء السور الم نكن معكم أي على دينكم نصلي بصلاتكم ونغزو معكم فيقول لهم المؤمنون بلى ولكنكم فتنتم أنفسكم قال الزجاج استعملتموها في الفتنة وقال غيره آثمتموها بالنفاق وتربصتم فيه قولان

أحدهما تربصتم بالتوبة
والثاني تربصتم بمحمد الموت وقلتم يوشك أن يموت فنستريح وارتبتم شككتم في الحق وغرتكم الأماني يعني ما كانوا يتمنون من نزول الدوائر بالمؤمنين حتى جاء أمر الله وفيه قولان
أحدهما أنه الموت
والثاني إلقاؤهم في النار وغركم بالله الغرور أي غركم الشطيان بحكم الله وإمهاله فاليوم لا يؤخذ منكم فدية وقرأ أبو جعفر وابن عامر ويعقوب لا تؤخذ بالتاء أي بدل وعوض عن عذابكم وهذا خطاب للمنافقين ولهذا قال تعالى ولا من الذين كفروا
قوله تعالى هي مولاكم قال أبو عبيدة أي أولى بكم
ألم يأن للذين آمنوا أن تخشع قلبوهم لذكر الله وما نزل من الحق ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون إعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها قد بينا لكم الآيات لعلكم تعقلون
قوله تعالى ألم يأن للذين آمنوا اختلفوا فيمن نزلت على قولين
أحدهم أنها نزلت في المؤمنين قال ابن مسعود ما كان بين إسلامنا وبين أن عوتبنا بهذه الآية إلا أربع سنين فجعل المؤمنون يعاتب بعضهم بعضا
والثاني أنها نزلت في المنافقين قاله أبو صالح عن ابن عباس قال

مقاتل سأل المنافقون سلمان الفارسي فقالوا حدثنا عن التوراة فإن فيها العجائب فنزلت هذه الآية وقال الزجاج نزلت هذه الآية في طائفة من المؤمنين حثوا على الرقة والخشوع فأما من كان وصفه الله عز و جل بالخشوع والرقة فطبقة من المؤمنين فوق هؤلاء فعلى الأول يكون الإيمان حقيقة وعلى الثاني يكون المعنى ألم يأن للذين آمنوا بألسنتهم قال ابن قتيبة المعنى ألم يحن تقول أنى الشيء إذا حان
قوله تعالى أن تخشع قلوبهم أي ترق وتلين لذكر الله المعنى أنه يجب أن يورثهم الذكر خشوعا وما نزل من الحق قرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة والكسائي وما نزل بفتح النون والزاي مع تشديد الزاي وقرأ نافع وحفص والمفضل عن عاصم نزل بفتح النون وتخفيف الزاي وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو العالية وابن يعمر ويونس بن حبيب عن أبي عمرو وأبان عن عاصم نزل برفع النون وكسر الزاي مع تشديدها وقرأ ابن مسعود وأبو رجاء وما أنزل بهمزة مفتوحة وفتح الزاي وقرأ أبو مجلز وعمرو بن دينار مثله إلا أنه بضم الهمزة وكسر الزاي والحق القرآن ولا يكونوا قرأ رويس عن يعقوب لا تكونوا بالتاء كالذين أوتوا الكتاب يعني اليهود والنصارى

فطال عليهم الأمد وهو الزمان وقال ابن قتيبة الأمد الغاية والمعنى أنه بعد عهدهم بالأنبياء والصالحين فقست قلبوهم وكثير منهم فاسقون وهم الذين لم يؤمنوا بعيسى ومحمد عليهما السلام إعلموا أن الله يحيي الأرض بعد موتها أي يخرج منها النبات بعد يبسها فكذلك يقدر على إحياء الأموات قد بينا لكم الآيات الدالة على وحدانيته وقدرته لعلكم تعقلون أي لكي تتأملوا إن المصدقين والمصدقات وأقرضوا الله قرضا حسنا يضاعف لهم ولهم أجر كريم والذين آمنوا بالله ورسله أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم لهم أجرهم ونورهم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم
قوله تعالى إن المصدقين والمصدقات قرأ ابن كثير وعاصم إلا حفصا بتخفيف الصاد فيهما على معنى التصديق وقرأ الباقون بالتشديد على معنى الصدقة

قوله تعالى أولئك هم الصديقون والشهداء عند ربهم اختلفوا في نظم الآية على قولين
أحدهما أن تمام الكلام عند قوله تعالى أولئك هم الصديقون ثم ابتدأ فقال تعالى والشهداء عند ربهم هذا قول ابن عباس ومسروق والفراء في آخرين
والثاني أنها على نظمها والواو في والشهداء واو النسق ثم في معناها قولان
أحدهما أن كل مؤمن صديق شهيد قاله ابن مسعود ومجاهد
والثاني أنها نزلت في قوم مخصوصين وهم ثمانية نفر سبقوا إلى الإسلام أبو بكر وعمر وعثمان وعلي وحمزة بن عبد المطلب وطلحة والزبير وسعد وزيد قاله الضحاك وفي الشهداء قولان
أحدهما أنه جمع شاهد ثم فيهم قولان أحدهما أنهم الأنبياء خاصة

قاله ابن عباس والثاني أنهم الشاهدون عند ربهم على أنفسهم بالإيمان لله قاله مجاهد
والقول الثاني أنه جمع شهيد قاله الضحاك ومقاتل
إعلموا أنما الحيوة الدنيا لعب ولهو وزينة وتفاخر بينكم وتكاثر في الأموال والأولاد كمثل غيث أعجب الكفار نباته ثم يهيج فتراه مصفرا ثم يكون حطاما وفي الآخرة عذاب شديد ومغفرة من الله ورضوان وما الحيوة الدنيا إلا متاع الغرور سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض أعدت للذين آمنوا بالله ورسله ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
قوله تعالى إعلموا أنما الحياة الدنيا يعني الحياة في هذه الدار لعب ولهو أي غرور ينقضي عن قليل وذهب بعض المفسرين إلى أن المشار بهذا إلى حال الكافر في دنياه لأن حياته تنقضي على لهو ولعب وتزين الدنيا ويفاخر قرناءه وجيرانه ويكاثرهم بالأموال والأولاد فيجمع من غير حله ويتطاول على أولياء الله بماله وخدمه وولده فيفنى عمره في هذه الأشياء ولا يتلفت إلى العمل للآخرة ثم بين لهذه الحياة شبها فقال كمثل غيث يعني مطرا أعجب الكفار وهم الزراع وسموا كفارا لأن الزارع إذا ألقى البذر في الأرض كفره أي غطاه نباته أي ما نبت من ذلك الغيث ثم يهيج أي ييبس فتراه مصفرا بعد خضرته وريه ثم يكون حطاما أي ينحطم وينكسر بعد يبسه وشرح هذا المثل قد تقدم في يونس عند قوله تعالى

إنما مثل الحياة الدنيا آية 24 وفي الكهف عند قوله تعالى واضرب لهم مثل الحياة الدنيا آية 45
قوله تعالى وفي الآخرة عذاب شديد أي لأعداء الله ومغفرة من الله ورضوان لأوليائه وأهل طاعته وما بعد هذا مذكور في آل عمران 185 إلى قوله ذلك فضل الله فبين أنه لا يدخل الجنة أحد إلا بفضل الله
ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها إن ذلك على الله يسير لكيلا تأسوا على ما فاتكم ولا تفرحوا بما آتاكم والله لا يحب كل مختال فخور الذين يبخلون ويأمرون الناس بالبخل ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد

قوله تعالى ما أصاب من مصيبة في الأرض يعني قحط المطر وقلة النبات ونقص الثمار ولا في أنفسكم من الأمراض وفقد الأولاد إلا في كتاب وهو اللوح المحفوظ من قبل أن نبراها أن نخلقها يعني الأنفس إن ذلك على الله يسير أي إثبات ذلك على كثرته هين على الله عز و جل لكيلا تأسوا أي تحزنوا على ما فاتكم من الدنيا ولا تفرحوا بما آتاكم وقرأ أبو عمرو الا اختيار اليزيدي بالقصر على معنى جاءكم من الدنيا وقرأ الباقون بالمد على معنى أعطاكم الله منها وأعلم أنه من علم أن ما قضي لا بد أن يصيبه قل حزنه وفرحه وقد روى قتيبة بن سعيد قال دخلت بعض أحياء العرب فإذا بفضاء من الأرض فيه من الإبل ما لا يحصى عدده كلها قد مات فسألت عجوزا لمن كانت هذه الإبل فأشارت إلى شيخ على تل يغزل الوف فقلت له يا شيخ ألك كانت هذه الإبل قال كانت باسمي قلت فما أصابها قال ارتجعها الذي أعطاها قلت فهل قلت في ذلك شيئا قال نعم قلت ... لا والذي أنا عبد في عبادته ... والمرء في الدهر نصب الرزء والحزن ... ما سرني أن إبلي في مباركها ... وما جرى في قضا رب الورى يكن ...
وما بعد هذا قد ذكرناه في سورة النساء 37 والذي قيل في البخل هناك هو الذي قيل ها هنا إلى قوله ومن يتول أي عن الإيمان فإن الله هو الغني عن عباده الحميد إلى أوليائه وقد سبق معنى الاسمين في البقرة 267

وقرأ نافع وابن عامر فإن الله الغني الحميد ليس فيها هو وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة والشام
لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط وأنزلنا الحديد فيه بأس شديد ومنافع للناس وليعمل الله من ينصره ورسله بالغيب إن الله قوي عزيز
قوله تعالى لقد أرسلنا رسلنا بالبينات أي بالآيات والحجج وأنزلنا معهم الكتاب ببيان الشرائع والأحكام وفي الميزان قولان
أحدهما أنه العدل قاله ابن عباس وقتادة
والثاني أنه الذي يوزن به قاله ابن زيد ومقاتل فعلى القول الأول يكون المعنى وأمرنا بالعدل وعلى الثاني ووضعنا الميزان أي أمرنا به ليقوم الناس بالقسط أي لكي يقوموا بالعدل
قوله تعالى وأنزلنا الحديد فيه قولان
أحدهما أن الله تعالى أنزل مع آدم السندان والكلبتين والمطرقة قاله ابن عباس
والثاني أن معنى أنزلنا أنشأنا وخلقنا كقوله تعالى وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج الزمر 6
قوله تعالى فيه بأس شديد قال الزجاج وذلك أنه يمتنع به ويحارب به ومنافع للناس في أدواتهم وما ينتفعون به من آنية وغيرها

قوله تعالى وليعلم الله هذا معطوف على قوله تعالى ليقوم الناس والمعنى ليتعامل الناس بالعدل وليعلم الله من ينصره بالقتال في سبيله ونصرة دينه وذلك أنه أمر في الكتاب الذي أنزل بذلك وقد سبق معنى قوله تعالى وليعلم الله في مواضع وقوله تعالى بالغيب أي ولم يرى الله ولا أحكام الآخرة وإنما يجهد ويثاب من أطاع بالغيب
ولقد أرسلنا نوحا وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب فمنهم مهتد وكثير منهم فاسقون ثم قفينا على آثارهم برسلنا وقفينا بعيسى ابن مريم وآتيناه الإنجيل وجعلنا في قلوب الذين اتبعوه رأفة ورحمة ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون
قوله تعالى وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب يعني الكتب فمنهم يعني من الذرية مهتد وكثير منهم فاسقون فيه قولان
أحدهما كافرون قاله ابن عباس والثاني عاصون قاله مقاتل
قوله تعالى ثم قفينا على آثارهم أي أتبعنا على آثار نوح وإبراهيم وذريتهما بعيسى وكان آخر أنبياء بني إسرائيل وجعلنا في قلوب الذين

اتبعوه يعني الحواريين وغيرهم من أتباعه على دينه رأفة وقد سبق بيانها النور 2 متوادين كما وصف الله تعالى أصحاب نبينا عليه الصلاة و السلام فقال تعالى رحماء بينهم الفتح 29
قوله تعالى ورهبانية ابتدعوها ليس هذا معطوفا على ما قبله وإنما انتصب بفعل مضمر يدل عليه ما بعده تقديره وابتدعوا رهبانية ابتدعوها أي جاؤوا بها من قبل أنفسهم وهي غلوهم في العبادة وحمل المشاق على أنفسهم في الامتناع عن المطعم والمشرب والملبس والنكاح والتعبد في الجبال ما كتبناها عليهم أي ما فرضناها عليهم وفي قوله تعالى إلا ابتغاء رضوان الله قولان
أحدهما أنه يرجع إلى قوله تعالى ابتدعوها وتقديره ما كتبناها عليهم إلا أنهم ابتدعوها ابتغاء رضوان الله ذكره علي بن عيسى والرماني عن قتادة وزيد بن أسلم
والثاني أنه راجع إلى قوله تعالى ما كتبناها ثم في معنى الكلام قولان أحدهما ما كتبناها عليهم بعد دخولهم فيها تطوعا إلا ابتغاء رضوان الله قال الحسن تطوعوا بابتداعها ثم كتبها الله عليهم وقال الزجاج لما ألزموا أنفسهم ذلك التطوع لزمهم إتمامه كما أن الإنسان إذا جعل على نفسه صوما لم يفترض عليه لزمه أن يتمه قال القاض ابو يعلى والابتداع قد يكون بالقول

وهو ما ينذره ويوجبه على نفسه وقد يكون بالفعل بالدخول فيه وعموم الآية تتضمن الأمرين فاقتضى ذلك أن كل من ابتدع قربة قولا أو فعلا فعليه رعايتها وإتمامها والثاني أن المعنى ما أمرناهم منها إلا بما يرضي الله عز و جل لا غير ذلك قاله ابن قتيبة
قوله تعالى فما رعوها حق رعايتها في المشار إليم قولان
أحدهما أنهم الذين ابتدعوا الرهبانية قاله الجمهور ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال أحدها أنهم ما رعوها لتبديل ديدنهم وتغييرهم له قاله عطية العوفي والثاني لتقصيرهم فيما ألزموه أنفسهم والثالث لكفرهم برسول الله صلى الله عليه و سلم لما بعث ذكر القولين الزجاج
والثاني أنهم الذين ابتعوا مبتدعي الرهبانية في رهبانيتهم ما رعوها بسلوك طريق أوليهم روى هذا المعنى سعيد بن جبير عن ابن عباس
قوله تعالى فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم فيهم ثلاثة أقوال
أحدها الذين آمنوا بمحمد وكثير منهم فاسقون وهم الذين لم يؤمنوا به
والثاني أن الذين آمنوا المؤمنون بعيسى والفاسقون المشركون
والثالث أن الذين آمنوا مبتدعو الرهبانية والفاسقون متبعوهم على غير القانون الصحيح

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به ويغفر لكم والله غفور رحيم لئلا يعلم أهل الكتاب ألا يقدرون على شيء من فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله عامة المفسرين على أن هذا الخطاب لليهود والنصارى والمعنى يا أيها الذين آمنوا بموسى وعيسى اتقوا الله وآمنوا برسوله محمد صلى الله عليه و سلم يؤتكم كفلين أي نصيبين وحظين من رحمته قال الزجاج الكفل كساء يمنع الراكب أن يسقط فالمعنى يؤتكم نصيبين يحفظانكم من هلكة المعاصي وقد بينا معنى الكفل في سورة النساء 85 وفي المراد بالكفلين ها هنا قولان
أحدهما لإيمانهم بمن تقدم من الأنبياء والآخر لإيمانهم بمحمد صلى الله عليه و سلم قاله ابن عباس
والثاني أن أحدهما أجر الدنيا والثاني أجر الآخرة قاله ابن زيد
قوله تعالى ويجعل لكم نورا فيه أربعة أقوال

أحدها القرآن رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس والثاني نورا تمشون به على الصراط رواه أبو صالح عن ابن عباس والثالث الهدى قاله مجاهد والرابع الإيمان قاله ابن السائب
قوله تعالى لئلا يعلم لا زائدة قاله الفراء والعرب تجعل لا صلة في كل كلام دخل في آخره أو أوله جحد فهذا مما جعل في آخره جحد والمعنى ليعلم أهل الكتاب الذين لم يؤمنوا بمحمد ألا يقدرون أي أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله والمعنى أنه جعل الأجرين لمن آمن بمحمد صلى الله عليه و سلم ليعلم من لم يؤمن به أنه لا أجر لهم ولا نصيب في فضل الله وأن الفضل بيد الله يؤتيه من يشاء فآتاه المؤمنين هذا تلخيص قول الجمهور في هاتين الآيتين وقد ذهب قوم إلى أنه لما نزل في مسلمة أهل الكتاب الذين آتيناهم الكتاب من قبله هم به يؤمنون إلى قوله تعالى أولئك يؤتون أجرهم مرتين القصص 52 54 افتخروا على المسلمين بزيادة الآجر فشق ذلك على المسلمين فنزلت هاتان الآيتان وهذا المعنى في رواية أبي صالح عن ابن عباس وبه قال قاتل فعلى هذا يكون الخطاب للمسلمين ويكون المعنى يؤتكم أجرين ليعلم مؤمنو أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على شيء من فضل الله الذي خصكم فإنه فضلكم على جميع الخلائق وقال قتادة لما نزل قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وآمنوا برسوله الآية حسد أهل الكتاب المسلمين علهيا فأنزل الله تعالى لئلا يعلم أهل الكتاب الآية

سورة المجادلة
وهي مدنية في قول ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة والجمهور وروي عن عطاء أنه قال العشر الأول منها مدني والباقي مكي وعن ابن السائب أنها مدنية سوى آية وهي قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة
بسم الله الرحمن الرحيم
قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها وتشتكي إلى الله والله يسمع تحاوركما إن الله سميع بصير
قوله تعالى قد سمع الله قول التي تجادلك في زوجها أما سبب نزولها فروي عن عائشة أنها قالت تبارك الذي وسع سمعه الأصوات لقد جاءت المجادلة فكلمت رسول الله صلى الله عليه و سلم وأنا في جانب البيت أسمع كلامها ويخفى علي بعضه وهي تشتكي زوجها وتقول يا رسول الله أبلى شبابي ونثرت له بطني حتى إذا كبر سني وانقطع ولدي ظاهر مني اللهم إني أشكو إليك قالت فما برحت حتى نزل جبريل بهذه الآيات

فأما تفسيرها فقوله تعالى قد سمع الله قال الزجاج إدغام الدال في السين حسن لقرب المخرجين لأنهما من حروف طرف اللسان وإظهار الدال جائز لأنه وإن قرب من مخرج السين فله حيز على حدة ومن موضع الدال الطاء والتاء فهذه الأحرف الثلاثة موضعها واحد والسين والزاي والصاد من موضع واحد وهي تسمى حروف الصغير وفي اسم هذه المجادلة ونسبتها أربعة أقوال
أحدها خولة بنت ثعلبة رواه مجاهد عن ابن عباس وبه قال عكرمة وقتادة والقرظي
والثاني خولة بنت خويلد رواه عكرمة عن ابن عباس
والثالث خولة بنت الصامت رواه العوفي عن ابن عباس
والرابع خولة بنت الدليج قاله أبو العالية واسم زوجها أوس بن الصامت وكانا من الأنصار
قال ابن عباس كان الرجل إذا قال لامرأته في الجاهلية أنت علي كظهر أمي حرمت عليه فكان أول من ظاهر في الإسلام أوس ثم ندم وقال لامرأته انطلقي إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فسليه فأتته فنزلت هذه الآيات فأما مجادلتها رسول الله صلى الله عليه و سلم فإنه كان كلما قال لها قد حرمت عليه تقول والله ما ذكر طلاقا فقال ما أوحي إلي في هذا شيء فجعلت تشتكي إلى الله وتشتكي بمعنى تشكو يقال اشتكيت ما بي وشكوته وقالت إن لي

صبية صغارا إن ضممتهم إليه ضاعوا وإن ضممتهم إلي جاعوا فأما التحاور فهو مراجعة الكلام قال عنترة في فرسه ... لو كان يدري ما المحاورة اشتكى ... ولكان لو علم الكلام مكلمي ...
الذين يظاهرون منكم من نسائهم ما هن أمهاتهم إن أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم وإنهم ليقولون منكرا من القول وزورا وإن الله لعفو غفور والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لم قالوا فتحرير رقبة من قبل أن يتماسا ذلكم توعظون به والله بما تعملون خبير فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين من قبل أن يتماسا فمن لم يستطع فإطعا ستين مسكينا ذلك لتؤمنوا بالله ورسوله وتلك حدود الله وللكافرين عذاب أليم
قوله تعالى الذين يظاهرون منكم من نسائهم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو يظهرون بفتح الياء وتشديد الظاء والهاء وفتحهما من غير ألف وقرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي بفتح الياء وتشديد الظاء وبألف وتخفيف الهاء وقرأ عاصم يظاهرون بضم الياء وتخفيف الظاء والهاء وكسر الهاء في الموضعين مع إثبات الألف وقرأ ابن مسعود يتظاهرون بياء وتاء وألف وقرأ أبي بن كعب يتظهرون بياء وتاء وتخفيف الياء وتشديد الهاء من غير ألف وقرأ الحسن وقتادة والضحاك يظهرون بفتح الياء وفتح الظاء مخففة مكسورة الهاء مشددة والمعنى تقولون لهن أنتن كظهور أمهاتنا ما هن أمهاتهم قرأ الأكثرون بكسر التاء وروى المفضل عن عاصم رفعها والمعنى ما اللواتي تجعلن كالأمهات بأمهات له إن أمهاتهم

أي ما أمهاتهم إلا اللائي ولدنهم قال الفراء وانتصاب الأمهات ها هنا بإلقاء الباء وهي قراءة عبد الله ما هن بأمهاتهم ومثله ما هذا بشرا يوسف 31 المعنى ما هذا ببشر فلما ألقيت الباء أبقي أثرها وهو النصب وعلى هذا كلام أهل الحجاز فأما أهل نجد فإنهم إذا ألقوا الباء رفعوا وقالوا ما هن أمهاتهم وما هذا بشر أنشدني بعض العرب ... ركاب حسيل آخر الصيف بدن ... وناقة عمرو ما يحل لها رحل ... ويزعم حسل أنه فرع قومه ... وما أنت فرع يا حسيل ولا أصل ...
قوله تعالى وإنهم يعني المظاهرين ليقولون منكرا من القول لتشبيههم الزوجات بالأمهات والأمهات محرمات على التأبيد بخلاف الزوجات وزورا أي كذبا وإن الله لعفو غفور إذ شرع الكفارة لذلك
قوله تعالى ثم يعودون لما قالوا اللام في لما بمعنى إلى والمعنى ثم يعودون إلى تحليل ما حرموا على أنفسهم من وطء الزوجة بالعزم على الوطء قال الفراء معنى الآية يرجعون عما قالوا وفي نقض ما قالوا وقال سعيد بن جبير المعنى يريدون أن يعودوا إلى الجماع الذي قد حرموه على

أنفسهم وقال الحسن وطاووس والزهري العود هو الوطء وهذا يرجع إلى ما قلناه وقال الشافعي هو أن يمسكها بعد الظهار مدة يمكنه طلاقها فيه فلا يطلقها فإذا وجد هذا استقرت عليه الكفارة لأنه قصد بالظهار تحريمها فإن وصل ذلك بالطلاق فقد جرى على ما ابتدأه وان سكت عن الطلاق فقد ندم على ما ابتدأ به فهو عود إلى ما كان عليه فحينئذ تجب الكفارة وقال داود هو إعادة اللفظ ثانيا لأن ظاهر قوله تعالى يعودون يدل على تكرير اللفظ قال الزجاج وهذا قول من لا يدري اللغة وقال أبو علي الفارسي ليس في هذا كما ادعوا لأن العود قد يكون إلى شيء لم يكن الإنسان عليه قبل وسميت الآخرة معادا ولم يكن فيها أحد ثم عاد إليه قال الهذلي ... وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل ... سوى الحق شيئا واستراح العواذل ...
وقد شرحنا هذا في قوله تعالى وإلى الله ترجع الأمور البقرة 210 قال ابن قتيبة من توهم أن الظهار لا يقع حتى يلفظ به ثانية فليس بشيء لأن الناس قد أجمعوا ان الظهار يقع بلفظ واحد وإنما تأويل الآية أن أهل الجاهلية كانوا يطلقوا بالظهار فجعل الله حكم الظهار في الإسلام خلاف حكمه عندهم في

الجاهلية وأنزل قوله تعالى والذين يظاهرون من نسائهم يريد في الجاهلية ثم يعودون لما قالوا في الإسلام أي يعودون لما كانوا يقولونه من هذا الكلام فتحرير رقبة قال المفسرون المعنى فعليهم أو فكفارتهم تحرر رقبة أي عتقها وهل يشترط أن تكون مؤمنة فيه عن أحمد روايتان
قوله تعالى من قبل أن يتماسا وهو كناية عن الجماع على أن العلماء قد اختلفوا هل يباح للمظاهر الاستمتاع باللمس والقبلة وعن أحمد روايتان وقال أبو الحسن الأخفش تقدير الآية والذين يظاهرون من نسائهم فتحرير رقبة لما قالوا ثم يعودون إلى نسائهم

فصل
إذا وطئ المظاهر قبل أن يكفر أثم واستقرت الكفارة وقال أبو حنيفة يسقط الظهار والكفارة واختلف العلماء فيما يجب عليه إذا فعل ذلك فقال الحسن وسعيد بن المسيب وطاووس ومجاهد وإبراهيم وابن سيرين عليه كفارة واحدة وقال الزهري وقتادة في آخرين عليه كفارتان فإن قال أنت علي كظهر أمي اليوم بطل الظهار بمضي اليوم هذا قول أصحابنا وابي حنيفة والثوري والشافعي وقال ابن أبي ليلى ومالك والحسن بن صالح هو مظاهر أبدا
واختلفوا في الظهار من الأمة فقال ابن عباس ليس من أمة ظهار وبه قال سعيد بن المسيب والشعبي والنخعي وابو حنيفة والشافعي وقال سعيد بن جبير وطاووس وعطاء والأوزاعي والثوري ومالك هو ظهار ونقل أبو طالب عن أحمد أنه قال لا يكون مظاهرا من أمته ولكن تلزمه كفارة الظهار كما قال في المرأة إذا ظاهرت من زوجها لم تكن مظاهرة وتلزمها كفارة الظهار
واختلفوا فيمن ظاهر مرارا فقال أبو حنيفة و الشافعي إن كان في مجالس فكفارات وإن كان في مجلس واحد فكفارة قال القاضي أبو يعلى وعلى قول أصحابنا يلزمه كفارة واحدة سواء كان في مجلس أو في مجالس ما لم يكفر وهذا قول مالك
قوله تعالى ذلكم توعظون به قال الزجاج ذلكم التغليظ توعظون به والمعنى أن غلظ الكفارة وعظ لكم حتى تتركوا الظهار

قوله تعالى فمن لم يجد يعني الرقبة فصيام شهرين أي فعليه صيام شهرين متتابعين فمن لم يستطع الصيام ف كفارته إطعام ستين مسكينا ذلك أي الفرض ذلك الذي وصفنا لتؤمنوا بالله ورسوله أي تصدقوا بأن الله أمر بذلك وتصدقوا بما أتى به الرسول وتلك حدود الله يعني ما وصفه الله من الكفارات في الظهار وللكافرين عذاب أليم قال ابن عباس لمن جحد هذا وكذب به
إن الذين يحادون الله ورسوله كبتوا كما كبت الذين من قبلهم وقد أنزلنا آيات بينات وللكافرين عذاب مهين يوم يبعثهم الله جميعا فينبئهم بما عملوا أحصاه الله ونسوه والله على كل شيء شهيد ألم تر أن الله يعلم ما في السموات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم ولا خمسة إلا هو سادسهم ولا أدنى من ذلك ولا أكثر إلى هو معهم أين ما كانوا ثم ينبئهم بما عملوا يوم القيامة إن الله بكل شيء عليم
قوله تعالى إن الذين يحادون الله ورسوله قد ذكرنا معنى المحادة في التوبة 63 ومعنى كبتوا في آل عمران عند قوله تعالى أو يكبتهم آية 127 وقال ابن عباس أخزوا يوم الخندق بالهزيمة كما أخزي الذين من قبلهم ممن قاتل الرسل
قوله تعالى يوم يبعثهم الله جميعا أي من قبورهم فينبئهم بما عملوا من معاصيه وتضييع فرائضه أحصاه الله أي حفظه الله عليهم ونسوه والله على كل شيء من أعمالهم في السر والعلانية شهيد ألم تر أي ألم تعلم
قوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة وقرأ أبو جعفر ما تكون بالتاء قال ابن قتيبة النجوى السرار وقال الزجاج ما يكون من خلوة

ثلاثة يسرون شيئا ويتناجون به إلا هو رابعهم أي عالم به ونجوى مشتق من النجوة وهو ما ارتفع وقرأ يعقوب ولا أكثر بالرفع وقال الضحاك إلا هو معهم أي علمه معهم
ألم تر إلى الذين نهوا عن النجوى ثم يعودون لما نهوا عنه ويتناجون بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وإذا جاؤك حيوك بما لم يحيك به الله ويقولون في أنفسهم لولا يعذبنا الله بما نقول حسبهم جهنم يصلونها فبئس المصير يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فلا تتناجوا بالإثم والعدوان ومعصيت الرسول وتناجوا بالبر والتقوى واتقوا الله الذي إليه تحشرون إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا وليس بضارهم شيئا إلا بإذن الله وعلى الله فليتوكل المؤمنون
قوله تعالى ألم ترى إلى الذين نهوا عن النجوى في سبب نزولها قولان
أحدهما نزلت في اليهود والمنافقين وذلك أنهم كانوا يتناجون فيما بينهم دون المؤمنين وينظرون إلى المؤمنين ويتغامزون بأعينهم فإذا رأى المؤمنون نجواهم قالوا ما نراهم إلا قد بلغهم عن أقربائنا وإخواننا الذين خرجوا في السرايا قتل أو موت أو مصيبة فيقع ذلك في قلبوهم ويحزنهم فلا يزالون كذلك حتى تقدم أصحابهم فلما طال ذلك وكثر شكا المؤمنون إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأمرهم أن لا يتناجوا دون المسلمين فلم ينتهوا عن ذلك فنزلت هذه الآية قاله ابن عباس
والثاني نزلت في اليهود قاله مجاهد قال مقاتل وكان بين اليهود وبين رسول الله موادعة فإذا رأوا رجلا من المسلمين وحده تناجوا بينهم فيظن

المسلم أنهم يتناجون بقتله أو بما يكره فيترك الطريق من المخافة فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فنهاهم عن النجوى فلم ينتهوا وعادوا إليها فنزلت هذه الآية وقال ابن السائب نزلت في المنافقين والنجوى بمعنى المناجاة ثم يعودون إلى المناجاة التي نهوا عنها ويتناجون قرأ حمزة ويعقوب إلا زيدا وروحا ويتنجون وقرأ الباقون ويتناجون بألف وفي معنى تناجيهم بالإثم والعدوان وجهان
أحدهما يتناجون بما يسوء المسلمين فذلك الإثم والعدوان ويوصي بعضهم بعضا بمعصية الرسول
والثاني يتناجون بعد نهي الرسول ذلك هو الاثم والعدوان ومعصية الرسول
قوله تعالى وإذا جاؤوك حيوك بما لم يحيك به الله اختلفوا فيمن نزلت على قولين
أحدهما نزلت في اليهود قالت عائشة رضي الله عنها جاء ناس من اليهود إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالوا السام عليك يا أبا القاسم فقلت السام عليكم وفعل الله بكم فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم مه يا عائشة فإن الله لا يحب الفحش ولا التفحش فقلت يا رسول الله ترى ما يقولون فقا ألست تريني أرد عليهم ما يقولون وأقول وعليكم قالت فنزلت هذه الآية في ذلك قال الزجاج والسام الموت

والثاني أنها نزلت في المنافقين رواه عطية عن ابن عباس
قال المفسرون ومعنى حيوك سلموا عليك بغير سلام الله عليك وكانوا يقولون سام عليك فإذا خرجوا يقولون في أنفسهم أو يقول بعضهم لبعض لو كان نبيا عذبنا بقولنا له ما نقول
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا تناجيتم فيها قولان
أحدهما نزلت في المنافقين فالمعنى يا أيها الذين آمنوا بزعمهم وهذا قول عطاء ومقاتل
والثاني أنها في المؤمنين والمعنى أنه نهاهم عن فعل المنافقين واليهود وهذا مذهب جماعة منهم الزجاج
قوله تعالى تتناجوا هكذا قرأ الجماعة بألف وقرأ يعقوب وحده فلا تتنجوا فأما البر فقال مقاتل هو الطاعة والتقوى ترك المعصية وقال أبو سليمان الدمشقي البر الصدق والتقوى ترك الكذب ثم ذكر أن ما يفعله اليهود والمنافقون من الشطيان فقال تعالى إنما النجوى من الشيطان أي من تزيينه والمعنى إنما يزين لهم ذلك ليحزن الذين آمنوا وقد بينا اتقاء ما كان يحزن المؤمنين من هذه النجوى وليس بضارهم شيئا أي وليس الشيطان بضار المؤمنين شيئا إلا بإذن الله أي بإرادته وعلى الله فليتوكل المؤمنون أي فليكلوا أمورهم إليه

يا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس فافسحوا يفسح الله لكم وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا منكم والذين أوتوا العلم درجات والله بما تعملون خبير
قوله تعالى إذا قيل لكم تفسحوا في المجلس وقرأ عاصم في المجالس على الجمع وذلك لأن كل جالس له مجلس فالمعنى ليفسح كل رجل منكم في مجلسه قال المفسرون نزلت في نفر من المؤمنين كانوا يسابقون إلى مجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا أقبل المهاجرون وأهل السابقة لم يجدوا موضعا وكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب أن يليه أولو الفضل ليحفظوا عنه فبينما رسول الله صلى الله عليه و سلم يوم جمعة جالس في صفة ضيقة في المسجد جاء نفر من أهل بدر فيهم ثابت بن قيس ابن شماس فسلموا وانتظروا أن يوسعوا لهم فأوسعوا لبعضهم وبقي بعضهم فشق ذلك على رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال قم يا فلان قم يا فلان حتى أقام من المجلس على عدة من هو قائم من أهل السابقة فرأى رسول الله صلى الله عليه و سلم في وجوه من أقامهم الكراهة وتكلم المناقون في ذلك وقالوا والله ما عدل فنزلت هذه الآية وقال قتادة كانوا يتنافسون في مجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم فإذا أقبل مقبل ضنوا بمجلسهم فأمرهم الله أن يفسح بعضهم لبعض قال المفسرون ومعنى تفسحوا توسعوا وذلك أنهم كانوا يجلسون متضايقين حول رسول الله صلى الله عليه و سلم فلا يجد غيرهم مجلسا عنده فأمرهم أن يوسعوا لغيرهم ليتساوي الناس في الحظ منه ويظهر فضلة المقربين إليه من أهل بدر وغيرهم
وفي المراد بالمجلس ها هنا ثلاثة أقوال
أحدها أنه مجلس الحرب ومقاعد القتال كان الرجل يأتي القوم في

الصف فيقول لهم توسعوا فيأبون عليه لحرصهم على القتال وهذا قول ابن عباس والحسن وأبي العالية والقرظي
والثاني أنه مجلس رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله مجاهد وقال قتادة كان هذا للنبي صلى الله عليه و سلم ومن حوله خاصة
والثالث مجالس الذكر كلها روي عن قتادة أيضا وقرأ علي ابن أبي طالب وأبو رزين وأبو عبد الرحمن ومجاهد والحسن وعكرمة وقتادة وابن أبي عبلة والأعمش تفسحوا في المجالس بألف على الجمع
قوله تعالى يفسح الله لكم أي يوسع الله لكم الجنة والمجالس فيا وإذا قيل انشزوا قرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم انشزوا فانشزوا برفع الشين وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وحمزة والكسائي بكسر الشين فيهما ومعنى انشزوا قوموا قال الفراء وهما لغتنان وفي المراد بهذا القيام خمسة أقوال
أحدها أنه القيام إلى الصلاة وكان رجال يتثاقلون عنها فقيل لهم إذا نودي للصلاة فانهضوا هذا قول عكرمة والضحاك
والثاني أنه القيام إلى قتال العدو قاله الحسن
والثالث أنه القيام إلى كل خير من قتال أو أمر بمعروف ونحو ذلك قاله مجاهد

والرابع أنه الخروج من بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم وذلك أنهم كانوا إذا جلسوا في بيت رسول الله صلى الله عليه و سلم أطالوا ليكون كل واحد منهم آخرهم عهدا به فأمروا أن ينشزوا إذا قيل لهم انشزوا قاله ابن زيد
والخامس أن المعنى قوموا وتحركوا وتوسعوا لإخوانكم قاله الثعلبي
قوله تعالى يرفع الله الذين آمنوا منكم أي يرفعهم بإيمانهم على من ليس بمنزلتهم من الإيمان و يرفع الذين أوتوا العلم على من ليس بعالم وهل هذا الرفع في الدنيا ام في الآخرة فيه وجهان
أحدهما أنه إخبار عن ارتفاع درجاتهم في الجنة والثاني أنه ارتفاع مجالسهم في الدنيا فيكون ترتيبهم فيها بحسب فضائلهم في الدين والعلم وكان

ابن مسعود يقول أيها الناس افهموا هذه الآية ولترغبكم في العلم فإن الله يرفع المؤمن العالم فوق من لا يعلم درجات
يا أيها الذين آمنوا إذا ناجيتم الرسول فقدموا بين يدي نجواكم صدقة ذلك خير لكم وأظهر فإن لم تجدوا فإن الله غفور رحيم ءأشفقتم أن تقدموا بين يدي نجوكم صدقات فإذ لم تفعلوا وتاب الله عليكم فأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة وأطيعوا الله ورسوله والله خبير بما تعملون
قوله تعالى إذا ناجيتم الرسول في سبب نزولها قولان
أحدهما أن الناس سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم حتى شقوا عليه فأراد الله أن يخفف عن نبيه فأنزل هذه الآية قاله ابن عباس

والثاني أنها نزلت في الأغنياء وذلك أنهم كانوا يكثرون مناجاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ويغلبون الفقراء على المجالس حتى كره رسول الله ص - ذلك فنزلت هذه الآية فأما أهل العسرة فلم يجدوا شيئا وأما أهل الميسرة فبخلوا واشتد ذلك على اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزلت الرخصة قاله مقاتل بن حيان وإلى نحوه ذهب مقاتل بن سليمان إلا أنه قال فقدر الفقراء حينئذ على مناجاة رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يقدم أحد من أهل الميسرة صدقة غير علي بن أبي طالب
وروى مجاهد عن علي رضي الله عنه قال آية في كتاب الله لم يعمل بها أحد قبلي ولن يعمل بها أحد بعدي آية النجوى كان لي دينار فبعته بعشرة دراهم فكلما أردت أن أناجي رسول الله صلى الله عليه و سلم قدمت درهما فنسختها الآية الأخرى أأشفقتم أن تقدموا الآية
قوله تعالى ذلك خير لكم وأظهر أي تقديم الصدقة على المناجاة خير لكم لما فيه من طاعة الله وأطهر لذنوبكم فإن لم تجدوا يعني الفقراء فإن الله غفور رحيم إذ عفا عمن لا يجد
قوله تعالى أأشفقتم أي خفتم بالصدقة الفاقة وتاب الله عليكم أي فتجاوز عنكم وخفف بنسخ إيجاب الصدقة قال مقاتل بن حيان إنما كان ذلك عشر ليال قال قتادة ما كان إلا ساعة من نهار
ألم تر إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم ما هم منكم ولا منهم ويحلفون على الكذب وهم يعلمون أعد الله لهم عذابا شديدا إنهم ساء ما كانوا يعملون إتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله فلهم عذاب مهين لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئا أولئك أصحاب النار هم فيها خالدون يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون له كما يحلفون لكم ويحسبون أنهم على شيء

ألا إنهم هم الكاذبون إستحوذ عليهم الشيطان فأنسهم ذكر الله أولئك حزب الشطيان ألا إن حزب الشيطان هم الخاسرون
قوله تعالى ألم ترى إلى الذين تولوا قوما غضب الله عليهم نزلت في المنافين الذين تولوا اليهود ونقولوا إليهم أسرار المؤمنين وقال السدي ومقاتل نزلت في عبد الله بن نبتل المنافق وذلك أنه كان يجالس رسول الله ص - ويرفع حديثه إلى اليهود فدخل عليه يوما وكان أزرق فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم علام تشتمني أنت وأصحابك فحلف بالله ما فعل فقال له النبي صلى الله عليه و سلم فعلت فانطلق فجاء بأصحابه فحلفوا بالله ما سبوه فأنزل الله هذه الآيات وروى الحاكم أبو عبد الله في صحيحه من حديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان في ظل حجرة من حجره وعنده نفر من المسلمين فقال إنه سيأتيكم إنسان ينظر إليكم بعيني شيطان فإذا أتاكم فلا تكلموه فجاء رجل أزرق فدعاه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال علام تشتمني أنت وفلان وفلان فانطلق الرجل فدعاهم فحلفوا بالله واعتذروا إليه فأنزل الله تعالى يوم يبعثهم الله جميعا فيحلفون الآية
فأما التفسير الذين تولوا هم المنافقون والمغضوب عليهم هم اليهود ما هم منكم يعني المنافين ليسوا من المسلمين ولا من اليهود ويحلفون على الكذب وهو ما ذكرنا في سبب نزولها وقال بعضهم حلفوا أنهم ما سبوا رسول الله صلى الله عليه و سلم ولا تولوا اليهود وهم يعلمون انهم كذبة اتخذوا أيمانهم

جنة أي سترة يتقون بها القتل قال ابن قتيبة المعنى استتروا بالحلف فكلما ظهر لهم شيء يوجب معاقبتهم حلفوا كاذبين فصدوا عن سبيل الله فيه قولان
أحدهما صدوا الناس عن دين الإسلام قاله السدي
والثاني صدوا عن جهادهم بالقتل وأخذ مالهم
قوله تعالى فيحلفون له قال مقاتل وقتادة يحلفون لله في الآخرة أنهم كانوا مؤمنين كما حلفوا لأوليائه في الدنيا ويحسبون أنهم على شيء من أيمانهم الكاذبة ألا إنهم هم الكاذبون في قولهم وأيمانهم
قوله تعالى استحوذ عليهم الشيطان قال أبو عبيدة غلب عليهم وحاذهم وقد بينا هذا في سورة النساء عند قوله تعالى نستحوذ عليكم آية 141 وما بعد هذا ظاهرا إلى قوله تعالى أولئك في الأذلين أي في المغلوبين فلهم في الدنيا ذل وفي الآخرة خزي إن الذين يحادون الله ورسوله أولئك في الأذلين كتب الله لأغلبن أنا ورسلي إن الله قوي عزيز لا تجد قوما يؤمنون بالله واليوم الآخر يوادون من حاد الله ورسوله ولو كانوا آباءهم أو أبناءهم أو إخوانهم أو عشيرتهم ألولئك كتب في قلوبهم الإيمان وأيدهم بروح منهم ويدخلهم جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها رضي الله عنهم ورضوا عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون
قوله تعالى كتب الله أي قضى الله لأغلبن أنا ورسلي وفتح الياء نافع وابن عامر

قال المفسرون من بعث من الرسل بالحرب فعاقبة الأمر له ومن لم يبعث بالحرب فهو غالب بالحجة إن الله قوي عزيز أي مانع حزبه من أن يذل
قوله تعالى لا تجد قوما الآية اختلفوا فيمن نزلت على أربعة أقوال
أحدها نزلت في أبي عبيدة بن الجراح قتل أباه يوم أحد وفي أبي بكر دعا ابنه يوم بدر إلى البراز فقال يا رسول الله دعني أكون في الرعلة الأولى فقال متعنا بنفسك يا أبا بكر وفي مصعب بن عمير قتل أخاه عبيد بن حمنة يوم أحد وفي عمرو قتل خاله العاص بن هشام يوم بدر وفي علي وحمزة قتلا عتبة وشيبة يوم بدر قاله ابن مسعود
والثاني أنها نزلت في أبي بكر الصديق وذلك أن أبا قحافة سب رسول الله صلى الله عليه و سلم فصكه ابو بكر الصديق صكة شديدة سقط منها ثم ذكر ذلك لرسول الله صلى الله عليه و سلم فقال له رسول الله صلى الله عليه و سلم أو فعلته قال نعم قال فلا تعد إليه فقال أبو بكر والله لو كان السيف قريبا مني لقتلته فنزلت هذه الآية قاله ابن جريج

والثالث نزلت في عبد الله بن عبد الله بن أبي وذلك أنه كان جالسا إلى جنب رسول الله فشرب رسول الله ماء فقال عبد الله يا رسول الله أبق فضلة من شرابك قال وما تصنع بها قال أسقيها أبي لعل الله سبحانه يطهر قلبه ففعل فأتى بها أباه فقال ما هذا قال فضلة من شراب رسول الله جئتك بها لتشربها لعل الله يطهر قلبك فقا لهلا جئتني ببول أمك فرجع لى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا رسول الله ائذن لي في قتل أبي قال فال رسول الله صلى الله عليه و سلم ارفق به وأحسن إليه فنزلت هذه الآية قاله السدي
والرابع أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة حين كتب إلى أهل مكة يخبرهم أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد عزم على قصدهم قاله مقاتل واختاره الفراء والزجاج
وهذه الآية قد بينت أن مودة الكفار تقدح في صحة الإيمان وأن من كان مؤمنا لم يوال كافرا وإن كان أباه أو ابنه أو أحدا من عشيرته
قوله تعالى أولئك الذين يعني الذين لا يوادون من حاد الله ورسوله كتب في قلوبهم الإيمان وقرأ المفضل عن عاصم كتب برفع الكاف والنون من الإيمان وفي معنى كتب خمسة أقوال
أحدها أثبت في قلوبهم الإيمان قاله الربيع بن أنس
والثاني جعل قاله مقاتل
والثالث كتب في اللوح المحفوظ أن في قلوبهم الإيمان حكاه الماوردي والرابع حكم لهم بالإيمان وإنما ذكر القلوب لأنها موضع الإيمان ذكره الثعلبي

والخامس جمع في قلوبهم الإيمان حى استكملوه قاله الواحدي
قوله تعالى وأيدهم أي قواهم بروح منه وفي المراد بالروح ها ها خمسة أقوال
أحدها أنه النصر قاله ابن عباس والحسن فعلى هذا سمي النصر روحا لأن أمرهم يحيا به والثاني الإيمان قاله السدي والثالث القرآن قاله الربيع والرابع الرحمة قاله مقاتل والخامس جبريل عليه السلام أيدهم به يوم بدر ذكره الماوردي فأما حزب الله فقال الزجاج هم الداخلون في الجمع الذين اصطفاهم وارتضاهم وألا كلمة تنبيه وتوكيد للقصة

سورة الحشر
وهي مدنية كلها بإجماعهم
وذكر المفسرون أن جميعها أنزلت في بني النضير وكان ابن عباس يسمي هذه السورة سورة بني النضير وهذه الإشارة إلى قصتهم
ذكر أهل العلم بالتفسير والسير أن رسول الله صلى الله عليه و سلم خرج إلى مسجد قباء ومعه نفر من أصحابه فصلى فيه ثم أتى بني النضير فكلمهم أن يعينوه في دية رجلين كان قد آمنهما فقتلهما عمرو بن أمية الضمري وهو لا يعلم فقالوا نفعل وهموا بالغدر به وقال عمرو بن جحاش أنا أظهر على البيت فأطرح عليه صخرة فقال سلام بن مشكم لا تفعلوا والله ليخبرن بما هممتهم به وجاء رسول الله صلى الله عليه و سلم الخبر فنهض سريعا فتوجه إلى المدينة فلحقه أصحابه فقالوا قمت ولم نشعر فقال همت يهود بالغدر فأخبرني الله بذلك فقمت وبعث إليهم رسول الله محمد بن مسلمة أن اخرجوا من بلدتي

فلا تساكنوني وقد هممتم بما هممتم به وقد أجلتكم عشرا فمن رئي بعد ذلك ضربت عنقه فمكثوا أياما يتجهزون فأرسل إليهم ابن أبي لا تخرجوا فإن معي ألفين من قومي وغيرهم وتمدكم قريظة وحلفاؤكم من غطفان وطمع حيي فيما قال ابن أبي فأرسل إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم إنا لا نخرج فاصنع ما بدا لك فكبر رسول الله صلى الله عليه و سلم وكبر المسلمون لتكبيره وقال حاربت يهود ثم سار إليهم في أصحابه فلما رأوه قاموا على حصونهم معهم النبل والحجارة فاعتزلتهم قريظة وخذلهم ابن أبي وحلفاؤهم من غطفان وكان رئيسهم كعب بن الأشرف قد خرج إلى مكة فعاقد المشركين على التظاهر على رسول الله فأخبر الله رسوله بذلك فبعث محمد بن مسلمة فاغتره فقتله وحاصرهم رسول الله وقطع نخلهم فقالوا نحن نخرج عن بلادك فأجلاهم عن المدينة فمضى بعضهم إلى الشام وبعضهم إلى خيبر وقبض سلاحهم وأموالهم فوجد خمسين درعا وخمسين بيضة وثلاثمائة وأربعين سيفا
فأما التفسير فقد ذكرنا فاتحة هذه السورة في الحديد 1

بسم الله الرحمن الرحيم
سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب من ديارهم لأول الحشر ما ظننتم أن يخرجوا وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله فأتهم الله من حيث لم يحتسبوا وقذف في قلوبهم الرعب يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين فاعتبروا يا أولي الأبصار ولولا أن كتب الله عليهم الجلاء لعذبهم في الدنيا ولهم في الآخرة عذاب النار ذلك بأنهم شقوا الله ورسوله ومن يشاق الله فإن الله شديد العقاب ما قطعتم من لينة أو تركتموها قائمة على أصولها فبإذن الله وليخزي الفاسقين

قوله تعالى هو الذي أخرج الذين كفروا من أهل الكتاب يعني يهود بني النضير من ديارهم أي من منازلهم لأول الحشر فيه أربعة أقوال
أحدها أنهم أول من حشر وأخرج من داره قاله ابن عباس وقال ابن السائب هم أول من نفي من أهل الكتاب
والثاني أن هذا كان أول حشرهم والحشر الثاني إلى أرض المحشر يوم القيامة قاله الحسن قال عكرمة من شك أن المحشر إلى الشام فليقرأ هذه الآية وأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لهم يومئذ اخرجوا فقالوا إلى أين قال إلى أرض المحشر
والثالث أن هذا كان أول حشرهم والحشر الثاني نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب قاله قتادة
والرابع أن هذا كان أول حشرهم من المدينة والحشر الثاني من خيبر

وجميع جزيرة العرب إلى أذرعات وأريحا من أرض الشام في أيام عمر بن الخطاب قاله مرة الهمداني
قوله تعالى ما ظننتم يخاطب المؤمنين أن يخرجوا من ديارهم لعزهم ومنعتهم وحصونهم وظنوا يعني بني النضير أن حصونهم تمنعهم من سلطان الله فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا وذلك أنه أمر نبيه بقتالهم وإجلائهم ولم يكونوا يظنون أن ذلك يكون ولا يحسبونه وقذف في قلوبهم الرعب لخوفهم من رسول الله وقيل ص - لقتل سيدهم كعب بن الأشرف يخربون بيوتهم بأيديهم وأيدي المؤمنين قرأ أبو عمرو يخربون بالتشديد وقرأ البقاون يخربون وهل بينهما فرق أم لا فيه قولان
أحدهما أن المشددة معناها النقض والهدم والمخففة معناها يخرجون منها ويتركونها خرابا معطلة حكاه ابن جرير روي عن أبي عمرو أنه قال إنما اخترت التشديد لأن بني النضير نقضوا منازلهم ولم يرتحلوا عنها وهي معمورة
والثاني أن القراءتين بمعنى واحد والتخريب والإخراب لغتنان بمعنى حكاه ابن جرير عن أهل اللغة وللمفسرين فيما فعلوا بمنازلهم أربعة أقوال
أحدها أنه كان المسلمون كلما ظهروا على دار من دورهم هدموها ليتسع

لهم مكان القتال وكانوا هم ينقبون دورهم فيخرجون إلى ما يليها قاله ابن عباس
والثاني أنه كان المسلمون كلما هدموا شيئا من حصونهم نقضوا ما يبنون به الذي خربه المسلمون قاله الضحاك
والثالث أنهم كانوا ينظرون إلى الخشبة في منازلهم أو العمود أو الباب فيستحسنونه فيهدمون البيوت وينزعون ذلك منها ويحملونه معهم ويخرب المؤمنون باقيها قاله الزهري
والرابع أنهم كانوا يخربونها لئلا يسكنها المؤمنون حسدا منهم وبغيا قاله ابن زيد
قوله تعالى فاعتبروا يا أولي الأبصار الاعتبار النظر في الأمور ليعرف بها شيء آخر من جنسها والأبصار العقول والمعنى تدبروا ما نزل بهم ولولا أن كتب الله أي قضى عليهم الجلاء وهو خروجهم من أوطانهم وذكر الماوردي بين الإخراج والجلاء فرقين
أحدهما أن الجلاء ما كان مع الأهل والولد والإخراج قد يكون مع بقاء الأهل والولد
والثاني أن الجلاء لا يكون إلا لجماعة والإخراج قد يكون لواحد ولجماعة والمعنى لولا أن الله قضى عليهم بالخروج لعذبهم في الدنيا بالقتل والسبي كما فعل بقريظة ولهم في الآخرة مع ما حل بهم في الدنيا عذاب النار ذلك الذي أصابهم بأنهم شاقوا الله وقد سبق بيان الآية الأنفال 13 ومحمد 32 قال القاضي أبو يعلى فقد دلت هذه الآية على جواز مصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم من غير سبي ولا استرقاق

ولا جزية ولا دخول في ذمة وهذا حكم منسوخ إذا كان في المسلمين قوة على قتالهم لأن الله تعالى أمر بقتال الكفار حتى يسلموا أو يؤدوا الجزية وإنما يجوز هذا الحكم إذا عجز المسلمون عن مقاومتهم فلم يقدروا على إدخالهم في الإسلام أو الذمة فيجوز له حينئذ مصالحتهم على الجلاء من بلادهم وفي هذه القصة دلالة على جواز مصالحتهم على مجهول من المال لأن النبي صلى الله عليه و سلم صالحهم على أرضهم وعلى الحلقة وترك لهم ما أقلت الإبل وذلك مجهول
قوله تعالى ما قطعتم من لينة سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم حرق نخل بني النضير وقطع فنزلت هذه الآية أخرجه البخاري ومسلم من حديث ابن عمر وذكر المفسرون أنه لما نزلت ببني النضير تحصنوا في حصونهم فأمر بقطع نخيلهم وإحراقها فجزعوا وقالوا يا محمد زعمت أنك تريد الصلاح أفمن الصلاح عقر الشجر وقطع النخل وهل وجدت فيما أنزل عليك الفساد في الأرض فشق ذلك على رسول الله ص - ووجد المسلمون في أنفسهم من قولهم واختلف المسلمون فقال بعضهم لا تقطعوا فإنه مما أفاء الله علينا وقال بعضهم بل نغيظهم بقطعها فنزلت هذه الآية بتصديق من نهى عن قطعه وتحليل من قطعه من الإثم وأخبر أن قطعه وتركه بإذن الله تعالى
وفي المراد باللينة ستة أقوال
أحدها أنه النخل كله ما خلا العجوة رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال عكرمة وقتادة والفراء

والثاني أنه النخل والشجر رواه عطاء عن ابن عباس
والثالث أنه ألوان النخل كلها إلا العجوة والبرنية قاله الزهري وأبو عبيدة وابن قتيبة وقال الزجاج أهل المدينة يسمون جميع النخيل الألوان ما خلا البرني والعجوة وأصل لينة لونة فقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها
والرابع أنها النخل كله قاله مجاهد وعطية وابن زيد قال ابن جرير معنى الآية ما قطعتم من ألوان النخيل
والخامس أنها كرام النخل قاله سفيان والسادس أنها ضرب من النخل يقال لتمرها اللون وهي شديد الصفرة ترى نواه من خارخ وكان أعجب ثمرهم إليهم قاله مقاتل وفي عدد ما قطع المسلمون ثلاثة أقوال
أحدها أنهم قطعوا وأحرقوا ست نخلات قاله الضحاك والثاني أحرقوا نخلة وقطعوا نخلة قاله ابن إسحاق والثالث قطعوا أربع نخلات قاله مقاتل
قوله تعالى فبإذن الله قال يزيد بن رومان ومقاتل بأمر الله
قوله تعالى وليخزي الفاسقين يعني اليهود وخزيهم أن يريهم أموالهم يتحكم فيها المؤمنون كيف أحبوا والمعنى وليخزي الفاسقين أذن في ذلك ودل على المحذوف قوله فبإذن الله

وما أفاء الله على رسوله منهم فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب ولكن الله يسلط رسله على من يشاء والله على كل شيء قدير ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى فلله وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم وما آتكم الرسول فخذوه وما نهكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب للفقراء المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم وأموالهم يبتغون فضلا من الله ورضوانا وينصرون الله ورسوله أولئك هم الصادقون والذين تبوؤا الدار والإيمان من قبلهم يحبون من هاجر إليهم ولا يجدون في صدورهم حاجة مما أوتوا ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون والذين جاؤوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين آمنوا ربنا إنك رؤوف رحيم
قوله تعالى وما أفاء الله على رسوله أي ما رد عليهم منهم يعني من بني النضير فما أوجفتم عليه من خيل ولا ركاب قال أبو عبيدة الإيجاف الإيضاع والركاب الإبل قال ابن قتيبة يقال وجف الفرس والبعير وأوجفته ومثله الإيضاع وهو الإسراع في السير وقال الزجاج معنى الآية أنه لا شيء لكم في هذا إنما هو لرسول الله صلى الله عليه و سلم خاصة
قال المفسرون طلب المسلمون من رسول الله صلى الله عليه و سلم أن يخمس أموال بني النضير لما أجلوا فنزلت هذه الآية تبين أنها فيئ لم تحصل لهم بمحاربتهم وإنما هو بتسليط رسول الله صلى الله عليه و سلم فهو له خاصة يفعل فيه ما يشاء فقسمه رسول الله صلى الله عليه و سلم بين المهاجرين ولم يعط الأنصار منه شيئا إلا ثلاثة نفر كانت

بهم حاجة وهم أبو دجانة وسهل بن حنيف والحارث بن الصمة ثم ذكر حكم الفيء فقال تعالى ما أفاء الله على رسوله من أهل القرى أي من أموال كفار أهل القرى فلله أي يأمركم فيه بما أحب ولرسوله بتحليل الله إياه وقد ذكرنا ذوي القرى واليتامى في الأنفال 41 وذكرنا هناك الفرق بين الفيء والغنيمة
فصل
واختلف العلماء في حكم هذه الآية فذهب قوم أن المراد بالفيء ها هنا الغنيمة التي يأخذها المسلمون من أموال الكافرين عنوة وكانت في بدو الإسلام للذين سماهم الله ها هنا دون الغالبين الموجفين عليها ثم نسخ ذلك بقوله تعالى في الأنفال 41 واعلموا أنما غنمتم من شيء الآية هذا قول قتادة ويزيد بن رومان وذهب قوم إلى أن هذا الفيئ ما أخذ من أموال المشركين ما لم يوجف بخيل ولا ركاب كالصلح والجزية والعشور ومال من مات منهم في دار الإسلام ولا وارث له فهذا كان يقسم في زمن رسول الله صلى الله عليه و سلم خمسة أخماس فأربعة لرسول الله صلى الله عليه و سلم يفعل بها ما يشاء والخمس الباقي للمذكورين في هذه الآية
واختلف العلماء فيما يصنع بسهم رسول الله ص - بعد موته على ما بينا في الأنفال 41 فعلى هذا تكون هذه الآية مثبتة لحكم الفيء والتي في الأنفال 41 مثبتة لحكم الغنيمة فلا يتوجه النسخ

قوله تعالى كي لا يكون يعني الفيء دولة وهو اسم للشيء يتداوله القوم والمعنى لئلا يتداوله الأغنياء بينهم فيغلبوا الفقراء عليه قال الزجاج الدولة اسم الشيء يتداول والدولة بالفتح الفعل والانتقال من حال إلى حال وما آتاكم الرسول من الفيئ فخذوه وما نهاكم عن أخذه فانتهوا وهذا نزل في أمر الفيئ وهو عام في كل ما أمر به ونهى عنه قال الزجاج ثم بين من المساكين الذي لهم الحق فقال تعالى للفقراء

المهاجرين الذين أخرجوا من ديارهم قال المفسرون يعني بهم المهاجرين يبتغون فضلا من الله أي رزقا يأتيهم ورضوانا رضي ربهم حين خرجوا إلى دار الهجرة أولئك هم الصادقون في إيمانهم ثم مدح الأنصار حين طابت أنفسهم عن الفيء فقال تعالى والذين تبوؤا الدار يعني دار الهجرة وهي المدينة والإيمان من قبلهم فيها تقديم وتأخير تقديره والذين تبوؤوا الدار من قبلهم أي من قبل المهاجرين والإيمان عطف على الدار في الظاهر لا في المعنى لأن الإيمان ليس بمكان يتبوأ وإنما تقديره وآثروا الإيمان وإسلام المهاجرين قبل الأنصار وسكنى الأنصار المدينة قبل المهاجرين وقيل الكلام على ظاهره والمعنى تبوؤوا الدار والإيمان قبل الهجرة يحبون من هاجر إليهم وذلك أنهم شاركوهم في منازلهم وأموالهم ولا يجدون في صدورهم حاجة أي حسدا وغيظا مما أوتي المهاجرون
وفيما أوتوه قولان
أحدهما مال الفيء قاله الحسن وقد ذكرنا آنفا أن النبي صلى الله عليه و سلم قسم أموال بني النضير بين المهاجرين ولم يعط من الأنصار غير ثلاثة نفر

والثاني الفضل والتقدم ذكره الماوردي
قوله تعالى ويؤثرون على أنفسهم بأموالهم ومنازلهم ولو كان بهم خصاصة أي فقر وحاجة فبين الله عز و جل أن إيثارهم لم يكن عن غنى وفي سبب نزول هذا الكلام قولان
أحدهما أن رجلا أتى رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد أصابه الجهد فقال يا رسول الله إني جائع فأطعمني فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى أزواجه هل عندكن شيء فكلهن قلن والذي بعثك بالحق ما عندنا إلا الماء فقال ما عند رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يطعمك هذه الليلة ثم قال من يضيف هذا هذه الليلة ي
C فقام رجل فقال أنا يا رسول الله فأتى به منزله فقال لأهله هذا ضيف رسول الله صلى الله عليه و سلم فأكرميه ولا تدخري عنه شيئا فقالت ما عندنا إلا قوت الصبية فقال قومي فعلليهم عن قوتهم حتى يناموا ولا يطعموا شيئا ثم أصبحي سراجك فإذا أخذ الضيف ليأكل فقومي كأنك تصلحين السراج فأطفئيه وتعالي نمضغ ألسنتنا لأجل ضيف رسول الله

صلى الله عليه و سلم حتى يشبع ففعلت ذلك وظن الضيف أنهما يأكلان معه فشبع هو وباتا طاويين فلما أصبحا غدوا إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فلما نظر إليهما تبسم ثم قال ضحك الله الليلة أو عجب من فعالكما فأنزل الله تعالى ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة الآية أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي هريرة وفي بعض الألفاظ عن أبي هريرة أن الضيف كان من أهل الصفة والمضيف كان من الأنصار وأن النبي صلى الله عليه و سلم قال لقد عجب من فعالكما أهل السماء
والثاني أن رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أهدي له رأس شاة فقال إن أخي فلانا وعياله أحوج إلى هذا منا فبعث به إليه فلم يزل يبعث به واحد إلى واحد حتى تداولها سبعة أهل أبيات حتى رجعت إلى أولئك فنزلت هذه الآية قاله ابن عمر وروي نحو هذه القصة عن أنس بن مالك

قال أهدي لبعض الصحابة رأس شاة مشوي وكان مجهودا فوجه به إلى جار له فتناوله تسعة أنفس ثم عاد إلى الأول فنزلت هذه الآية قوله تعالى ومن يوق شح نفسه وقرأ ابن السميفع وأبو رجاء ومن يوق بتشديد القاف قال المفسرون هو أن لا يأخذ شيئا مما نهاه الله عنه ولا يمنع شيئا أمره الله بأدائه والمعنى أن الأنصار ممن وقي شح نفسه حين طابت أنفسهم بترك الفيئ للمهاجرين
فصل
وقد اختلف العلماء في الشح والبخل هل بينهما فرق أم لا فقال ابن جرير الشح في كلام العرب هو منع الفضل من المال وقال أبو سليمان الخطابي الشح أبلغ في المنع من البخل وإنما الشح بمنزلةالجنس والبخل بمنزلة النوع وأكثر ما يقال في البخل إنما هو في أفراد الأمور وخواص الأشياء والشح عام فهو كالوصف اللازم للإنسان من قبل الطبع والجبلة وحكى الخطابي عن بعضهم أنه قال البخل أن يضن بماله والشح أن يبخل بماله ومعروفه وقد روى أبو الشعثاء أن رجلا أتى ابن مسعود فقال إني أخاف أن أكون قد هلكت قال وما ذاك قال أسمع الله يقول ومن يوق

شح نفسه وأنا رجل شحيح لا يكاد يخرج من يدي شيء فقال ليس ذلك بالشح الذي ذكره الله في القرآن الشح أن تأكل مال أخيك ظلما إنما ذلك البخل وبئس الشيء البخل وروى أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم قال برئ من الشح من أدى الزكاة وقرى الضيف وأعطى في النائبة
قوله تعالى والذين جاؤوا من بعدهم يعني التابعين إلى يوم القيامة قال الزجاج والمعنى ما أفاء الله على رسوله فلله وللرسول ولهؤلاء المسلمين وللذين يجيئون من بعدهم إلى يوم القيامة ما أقاموا على محبة أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ودليل هذا قوله تعالى والذين جاؤوا من بعدهم أي الذين جاؤوا في حال قولهم ربنا اغفر لنا ولإخواننا فمن ترحم على أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم ولم يكن في قلبه غل لهم فله حظ من فيئ المسلمين ومن شتمهم ولم يترحم عليهم وكان في قلبه غل لهم فما جعل الله له حقا في شيء من فيئ المسلمين بنص الكتاب وكذلك روي عن مالك بن أنس رضي الله عنه أنه قال من تنقص اصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم أو كان في قلبه عليهم غل فليس له حق في فيئ المسلمين ثم تلا هذه الآيات

ألم تر إلى الذين نافقوا يقولون لإخوانهم الذين كفروا من أهل الكتاب لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أحدا أبدا وإن قوتلتم لننصرنكم والله يشهد إنهم لكاذبون لئن أخرجوا لا يخرجون معهم ولئن قوتلوا لا ينصرونهم ولئن نصروهم ليؤولن الأدبار ثم لا ينصرون لأنتم أشد رهبة في صدورهم من الله ذلك بأنهم قوم لا يفقهون لا يقاتلونكم جميعا إلا في قرى محصنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى ذلك بأنهم قوم لا يعقلون كمثل الذين من قبلهم قريبا ذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان أكفر فلما كفر قال إني بريء منك إني أخاف الله رب العالمين فكان عاقبتهما أنهما في النار خالدين فيها وذلك جزاؤا الظالمين
قوله تعالى ألم تر إلى الذين نافقوا يعني عبد الله بن أبي وأصحابه يقولون لإخوانهم في الدين لأنهم كفار مثلهم وهم اليهود لئن أخرجتم من المدينة لنخرجن معكم ولا نطيع فيكم أي في خذلانكم أحدا أبدا فكذبهم الله تعالى في ذلك بقوله والله يشهد إنهم لكاذبون ثم ذكر أنهم يخلفونهم ما وعدوهم من الخروج والنصر بالآية التي تلي هذه فكان الأمر على ما ذكره الله تعالى لأنهم أخرجوا فلم يخرج معهم المنافقون وقوتلوا فلم ينصورهم ومعنى ولئن نصروهم لئن قدر وجود نصرهم لأن الله نفى نصرهم فلا يجوز وجوده وقوله تعالى ثم لا ينصرون يعني بني النضير
قوله تعالى لأنتم أشد يعني المؤمنين أشد رهبة في صدورهم وفيهم قولان

أحدهما أنهم المنافقون قاله مقاتل والثاني بنو النضير قاله الفراء
قوله تعالى لا يقاتلونكم جميعا فيهم قولان
أحدهما أنهم اليهود قاله الأكثرون
والثاني اليهود والمنافقون قاله أبو سليمان الدمشقي والمعنى أنهم لا يبرزون لحربكم إنما يقاتلون متحصنين في قرى محصنة أو من وراء جدر وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وأبان جدار بألف وقرأ نافع وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي جدر بضم الجيم والدال وقرأ أبو بكر الصديق وابن أبي عبلة جدر بفتح الجيم والدال جميعا وقرأ عمر بن الخطاب ومعاوية وعاصم الجحدري جدر بفتح الجيم وسكون الدال وقرأ علي بن أبي طالب وأبو عبد الرحمن السلمي وعكرمة والحسن وابن سيرين وابن يعمر جدر بضم الجيم وإسكان الدال بأسهم بينهم شديد فيما وراء الحصون شديد وإذا خرجوا إليكم فهم أجبن خلق الله
قوله تعالى تحسبهم جميعا فيهم قولان
أحدهما أنهم اليهود والمنافقون قاله مقاتل
والثاني بنو النضير قاله الفراء
قوله تعالى وقلوبهم شتى قال الزجاج أي هم مختلفون لا تستوي قلوبهم ولا يتعاونون بنيات مجتمعة لأن الله تعالى ناصر حزبه وخاذل أعدائه
قوله تعالى ذلك يعني ذلك الاختلاف بأنهم قوم لا يعقلون ما فيه الحظ لهم ثم ضرب لليهود مثلا فقال تعالى كمثل الذين من قبلهم قريبا وفيه ثلاثة أقوال

أحدها بنو قينقاع وكانوا وادعوا رسول الله ثم غدروا فحصروهم ثم نزلوا على حكمه أن له أموالهم ولهم النساء والذرية فالمعنى مثل بني النضير فيما فعل بهم كبني قينقاع فيما فعل بهم
والثاني أنهم كفار قريش يوم بدر قاله مجاهد والمعنى مثل هؤلاء اليهود كمثل المشركين الذين كانوا من قبلهم قريبا وذلك لقرب غزاة بني النضير من غزاة بدر والثالث أنهم بنو قريظة فالمعنى مثل بني النضير كبني قريظة ذاقوا وبال أمرهم بأن قتلت مقاتلتهم وسبيت ذراريهم وهؤلاء أجلوا عن ديارهم فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم في الآخرة ثم ضرب لليهود والمنافقين مثلا فقال تعالى كمثل الشيطان والمعنى مثل المنافقين في غرورهم بني النضير وقولهم لئن أخرجتم لنخرجن معكم ولئن قوتلتم لننصرنكم كمثل الشيطان إذ قال للإنسان اكفر وفيه قولان
أحدهما أنه مثل ضربه الله تعالى للكافر في طاعة الشيطان وهو عام في جميع الناس قاله مجاهد
والثاني أنه مثل ضربه الله لشخص معين وعلى هذا جمهور المفسرين وهذا شرح قصته
ذكر أهل التفسير أن عابدا من بني إسرائيل كان يقال له برصيصا تعبد في صومعة له أربعين سنة لا يقدر عليه الشيطان فجمع إبليس يوما مردة الشياطين فقال ألا أحد منكم يكفيني برصيصا فقال الأبيض وهو صاحب الأنبياء أنا أكفيكه فانطلق على صفة الرهبان وأتى صومعته فناداه فلم

يجبه وكان لا ينفتل عن صلاته إلا في كل عشرة أيام ولا يفطر إلا في كل عشرة أيام فلما رأى أنه لا يجيبه أقبل على العبادة في أصل صومعته فلما انفتل برصيصا اطلع فرآه منتصبا يصلي على هيئة حسنة فناداه ما حاجتك فقال إني أحببت أن أكون معك أقتبس من عملك وأتأدب بأدبك ونجتمع على العبادة فقال برصيصا إني لفي شغل عنك ثم أقبل على صلاته وأقبل الأبيض يصلي فلم يقبل إليه برصيصا أربعين يوما ثم انفتل فرآه يصلي فلما رأى شدة اجتهاده قال ما حاجتك فأعاد عليه القول فأذن له فصعد إليه فأقام معه حولا لا يفطر إلا كل أربعين يوما ولا ينفتل من صلاته إلا في كل أربعين يوما وربما زاد على ذلك فلما رأى برصيصا اجتهاده أعجبه شأنه وتقاصرت إليه نفسه فلما حال الحول قال الأبيض لبرصيصا إني منطلق عنك فإن لي صاحبا غيرك ظننت أنك أشد اجتهادا مما أرى وكان يبلغنا عنك غير الذي أرى فاشتد ذلك على برصيصا وكره مفارقته فلما ودعه قال له الأبيض إن عندي دعوات أعلمكها يشفي الله بها السقيم ويعافي بها المبتلي فقال برصيصا إني أكره هذه المنزلة لأن لي في نفسي شغلا فأخاف أن يعلم الناس بهذا فيشغلوني عن العبادة فلم يزل به حتى علمه إياها ثم انطلق إلى إبليس فقال قد والله أهلكت الرجل فانطلق الأبيض فتعرض لرجل فخنقه ثم جاءه في صورة رجل متطبب فقال لأهله إن بصاحبكم جنونا فأعالجه قالوا نعم فقال لهم إني لا أقوى على جنيه ولكن سأرشدكم إلى من يدعو له فيعافى فقالوا له دلنا قال انطلقوا إلى برصيصا العابد فإن عنده اسم الله الأعظم فانطلقوا إليه فدعا بتلك الكلمات فذهب عنهم الشيطان وكان الأبيض يفعل بالناس ذلك ثم يرشدهم إلى برصيصا فيعافون فلما طال ذلك

عليه انطلق إلى جارية من بنات ملوك بني إسرائيل لها ثلاثة إخوة فخنقها ثم جاء إليهم في صورة متطبب فقال أعالجها قالوا نعم فقال إن الذي عرض لها مارد لا يطاق ولكن سأرشدكم إلى رجل تدعونها عنده فإذا جاء شيطانها دعا لها قالوا ومن هو قال بريصصا قالوا فكيف لنا أن يقبلها منا وهو أعظم شأنا من ذلك قال إن قبلها والا فضعوها في صومعته وقولوا له هي أمانة عندك فانطلقوا إليه فأبى عليهم فوضعوها عنده وفي بعض الروايات أنه قال ضعوها في ذلك الغار وهو غار إلى جنب صومعته فوضعوها فجاء الشيطان فقال له انزل إليها فامسحها بيدك تعافى وتنصرف إلى أهلها فنزل فلما دنا إلى باب الغار دخل الشيطان فيها فإذا هي تركض فسقطت عنها ثيابها فنظر العابد إلى شيء لم ير مثله حسنا وجمالا فلم يتمالك أن وقع عليها وضرب على أذنه فجعل يختلف إليها إلى أن حملت فقال له الشيطان ويحك يا برصيصا قد افتضحت فهل لك أن تقتل هذه وتتوب فإن سألوك عنها فقل جاء شيطانها فذهب بها فلم يزل بها حتى قتلها ودفنها ثم رجع إلى صومعته فأقبل على صلاته إذ جاء إخوتها يسألون عنها فقالوا يا برصيصا ما فعلت أختنا قال جاء شيطانها فذهب بها ولم أطقه فصدقوه وانصرفوا وفي بعض الروايات أنه قال دعوت لها فعافاها الله ورجعت إليكم فتفرقوا ينظرون لها أثرا فلما أمسوا جاء الشيطان إلى كبيرهم في منامه فقال ويحك إن برصيصا فعل بأختك كذا وكذا وإنه دفنها في موضع كذا من جبل كذا فقال هذا حلم وبرصيصا خير من ذلك فتتابع عليه ثلاث ليال ولا يكترث فانطلق إلى الأوسط كذلك ثم إلى الأصغر مثل ذلك فقال الأصغر لإخوته لقد رأيت كذا وكذا فقال

الأوسط وأنا والله فقال الأكبر وأنا والله فأتوا برصيصا فسألوه عنها فقال قد أعلمتكم بحالها فكأنكم اتهمتموني قالوا لا والله واستحيوا وانصرفوا فجاءهم الشيطان فقال ويحكم إنها لمدفونة في موضع كذا وكذا وإن إزارها لخارج من التراب فانطلقوا فحفروا عنها فرأوها فقالوا يا عدو الله لم قتلتها اهبط فهدموا صومعته ثم أوثقوه وجعلوا في عنقه حبلا ثم قادوه إلى الملك فأقر على نفسه وذلك أن الشطيان عرض له فقال تقتلها ثم تكابر فاعترف فأمر الملك بقتله وصلبه فعرض له الأبيض فقال أتعرفني قال لا قال أنا صاحبك الذي علمتك الدعوات ويحك ما اتقيت الله في أمانة خنت أهلها أما استحييت من الله ألم يكفك ذلك حتى أقررت ففضحت نفسك وأشباهك بين الناس فإن مت على هذه الحالة لم تفلح ولا أحد من نظرائك قال فكيف أصع قال تطيعني في خصلة حتى أنجيك وآخذ بأعينهم وأخرجك من مكانك قال ما هي قال تسجد لي فسجد له فقال هذا الذي أردت منك صارت عاقبة أمرك أن كفرت إني بريء منك ثم قتل فضرب الله هذا المثل لليهود حين غرهم المنافقون ثم أسلموهم

قوله تعالى إني أخاف الله ونصب ابن كثير ونافع وأبو عمرو ياء إني وأسكنها الباقون وقد بينا المعنى في الأنفال 48 فكان عاقبتهما يعني الشيطان وذلك الكافر

يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون ولا تكونوا كالذين نسوا الله فأنسهم أنفسهم أولئك هم الفاسقون لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون
قوله تعالى ولتنظر نفس ما قدمت لغد أي لينظر أحدكم أي شيء قدم أعملا صالحا ينجيه أم سيئا يوبقه ولا تكونوا كالذين نسوا الله أي تركوا أمره فأنساهم أنفسه أي أنساهم حظوظ أنفسهم فلم يعملوا بالطاعة ولم يقدموا خيرا قال ابن عباس يريد قريظة والنضير وبني قينقاع
لو أنزلنا هذا القرآن على جبل لرأيته خاشعا متصدعا من خشية الله وتلك الأمثال نضربها للناس لعلهم يتفكرون هو الله الذي لا إله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم هو الله الذي لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون هو الله الخالق البارىء المصور له الأسماء الحسنى يسبح له ما في السموات والأرض وهو العزيز الحكيم
قوله تعالى لو أنزلنا هذا القرآن على جبل أخبر الله بهذا عن تعظيم شأن القرآن وأنه لو جعل في جبل على قساوته وصلابته تمييزا كما جعل في بني آدم ثم أنزل عليه القرآن لتشقق من خشية الله وخوفا أن لا يؤدي حق الله في تعظيم القرآن والخاشع المتطاطىء الخاضع والمتصدع المتشقق وهذا توبيخ لمن لا يحترم القرآن ولا يؤثر في قلبه مع الفهم والعقل ويدلك على هذا المثل قوله تعالى وتلك الأمثال نضربها للناس ثم أخبر بعظمته وربوبيته فقال تعالى هو الله الذي لا إله إلا هو قال الزجاج قوله

تعالى هو الله رد على قوله تعالى في أول السورة سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم
فأما هذه الأسماء فقد سبق ذكر الله والرحمن والرحيم في الفاتحة وذكرنا معنى عالم الغيب والشهادة في الأنعام 73 والملك في سورة المؤمنين 116
فأما القدوس فقرأ أبو الأشهب وأبو نهيك ومعاذ القارىء بفتح القاف قال أبو سليمان الخطابي القدوس الطاهر من العيوب المنزه عن الأنداد والأولاد والقدس الطهارة ومنه سمي بيت المقدس ومعناه المكان الذي يتطهر فيه من الذنوب وقيل للجنة حظيرة القدس لطهارتها من آفات الدنيا والقدس السطل الذي يتطهر فيه ولم يأت من الأسماء على فعول بضم الفاء إلا قدوس وسبوح وقد يقال أيضا قدوس وسبوح بالفتح فيهما وهو القياس في الأسماء كقولهم سفود وكلوب
فأما السلام فقال ابن قتيبة سمى نفسه سلاما لسلامته مما يلحق الخلق من العيب والنقص والفناء وقال الخطابي معناه ذو السلام والسلام في صفة الله سبحانه هو الذي سلم من كل عيب وبرىء من كل آفة ونقص يلحق المخلوقين قال وقد قيل هو الذي سلم الخلق من ظلمه
فأما المؤمن ففيه ستة أقوال
أحدها أنه الذي أمن الناس ظلمه وأمن من آمن به عذابه قاله ابن عباس ومقاتل
والثاني أنه المجير قاله القرظي

والثالث الذي يصدق المؤمنين إذا وحدوه قاله ابن زيد
والرابع أنه الذي وحد نفسه لقوله تعالى شهد الله أنه لا إله إلا هو آل عمران 18 ذكره الزجاج
والخامس أنه الذي يصدق عباده وعده قاله ابن قتيبة
والسادس أنه يصدق ظنون عباده المؤمنين ولا يخيب آمالهم كقول النبي عليه الصلاة و السلام فيما يحكيه عن ربه عز و جل أنا عند ظن عبدي بي حكاه الخطابي
فأما المهيمن ففيه أربعة أقوال
أحدها أنه الشهيد قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والكسائي قال الخطابي ومنه قوله تعالى ومهيمنا عليه المائدة 48 فالله الشاهد على خلقه بما يكون منهم من قول أو فعل
والثاني أنه الأمين قاله الضحاك قال الخطابي وأصله مؤيمن فقلبت الهمزة هاء لأن الهاء أخف عليهم من الهمزة ولم يأت مفيعل في غير التصغير إلا في ثلاثة أحرف مسيطر ومبيطر ومهيمن وقد ذكرنا في سورة الطور 37 عن أبي عبيدة أنها خمسة أحرف
والثالث المصدق فيما أخبر قاله ابن زيد
والرابع أنه الرقيب على الشيء والحافظ له قاله الخليل قال الخطابي وقال بعض أهل اللغة الهيمنة القيام على الشيء والرعاية له وأنشد ... ألا إن خير الناس بعد نبيه ... مهيمنه التاليه في العرف والنكر

يريد القائم على الناس بعده بالرعاية لهم وقد زدنا هذا شرحا في المائدة 48 وبينا معنى العزيز في البقرة 129
فأما الجبار ففيه أربعة أقوال
أحدها أنه العظيم قاله ابن عباس
والثاني أنه الذي يقهر الناس ويجبرهم على ما يريد قاله القرظي والسدي وقال قتادة جبر خلقه على ما شاء وحكى الخطابي أنه الذي جبر الخلق على ما أراد من أمره ونهيه يقال جبره السلطان وأجبره
والثالث أنه الذي جبر مفاقر الخلق وكفاهم أسباب المعاش والرزق
والرابع أنه العالي فوق خلقه من قولهم تجبر النبات إذا طال وعلا ذكر القولين الخطابي
فأما المتكبر ففيه خمسة أقوال
أحدها أنه الذي تكبر عن كل سوء قاله قتادة
والثاني أنه الذي تكبر عن ظلم عباده قاله الزجاج

والثالث أنه ذو الكبرياء وهو الملك قاله ابن الأنباري
والرابع أنه المتعالي عن صفات الخلق
والخامس أنه الذي يتكبر على عتاة خلقه إذا نازعوه العظمة فقصمهم ذكرهما الخطباي قال والتاء في المتكبر تاء التفرد والتخصص لأن التعاطي والتكلف والكبر لا يليق بأحد من المخلوقين وإنما سمة العبد الخضوع والتذلل وقيل إن المتكبر من الكبرياء الذي هو عظمة الله لا من الكبر الذي هو مذموم في الخلق
وأما الخالق فقال الخطابي هو المتبدىء للخلق المخترع لهم على غير مثال سبق فأما في نعوت الآدميين فمعنى الخلق كقول زهير ... ولأنت تفري ما خلقت وبع ... ض القوم يخلق ثم لا يفري ...
يقول إذا قدرت شيئا قطعته وغيرك يقدر ما لا يقطعه أي يتمنى ما لا يبلغه والبارئ الخالق يقال برأ الله الخلق يبرؤهم والمصور

الذي أنشأ خلته على صور مختلفة ليتعارفوا بها ومعنى التصوير التخطيط والتشكيل وقرأ الحسن وأبو الجوزاء وأبو عمران وابن السميفع البارئ المصور بفتح الواو والراء جميعا يعني آدم عليه السلام وما بعد هذا قد تقدم بيانه الأعراف 180 والإسراء 110 إلى آخر السورة

سورة الممتحنة
وهي مدينة كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء تلقون إليهم بالمودة وقد كفروا بما جاءكم من الحق يخرجون الرسول وإياكم أن تؤمنوا بالله ربكم إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي تسرون إليهم بالمودة وأنا أعلم بما أخفيتم وما أعلنتم ومن يفعله منكم فقد ضل سواء السبيل إن يثقفوكم يكونوا لكم أعداء ويبسطوا إليكم أيديهم وألسنتهم بالسوء وودوا لو تكفرون لن تنفعكم أرحامكم ولا أولادكم يوم القيامة يفصل بينكم والله بما تعملون بصير
قوله تعالى أيها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء أهل التفسير أنها نزلت في حاطب بن أبي بلتعة وذلك أن سارة مولاة أبي عمرو ابن صيفي بن هاشم أتت رسول الله صلى الله عليه و سلم من مكة إلى المدينة ورسول الله صلى الله عليه و سلم يتجهز لفتح مكة فقال لها أمسلمة جئت قالت لا قال فما جاء بك قالت أنتم الأهل والعشيرة والموالي وقد احتجت حاجة شديدة فقدمت إليكم لتعطوني قال لها رسول الله صلى الله عليه و سلم فأين أنت من شباب أهل مكة وكانت مغنية فقالت ما طلب مني شيء بعد وقعة بدر

فحث رسول الله صلى الله عليه و سلم بني عبد المطلب فكسوها وحملوها وأعطوها فأتاها حاطب بن أبي بلتعة فكتب معها كتابا إلى أهل مكة وأعطاها عشرة دنانير على أن توصل الكتاب إلى أهل مكة وكتب في الكتاب من حاطب إلى أهل مكة إن رسول الله صلى الله عليه و سلم يريدكم فخذوا حذركم فخرجت به سارة ونزل جبريل فأخبر رسول الله صلى الله عليه و سلم بما فعل حاطب فبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم عليا وعمارا والزبير وطلحة والمقداد وأبا مرثد وقال انطلقوا حتى تأتوا روضة خاخ فإن فيها ظعينة معها كتاب من حاطب إلى المشركين فخذوه منها وخلوا سبيلها فإن لم تدفعه إليكم فاضربوا عنقها فخرجوا حتى أدركوها فقالوا لها أين الكتاب فحلفت بالله ما معها من كتاب ففتشوا متاعها فلم يجدوا شيئا فهموا بالرجوع فقال علي والله ما كذبنا ولا كذبنا وسل سيفه وقل أخرجي الكتاب وإلا ضربت عنقك فلما رأت الجد أخرجته من فؤابتها فخلوا سبيلها ورجعوا بالكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فأرسل إلى حاطب فأتاه فقال له هل تعرف الكتاب قال نعم قال فما حملك على ما صنعت فقال يا رسول الله والله ما كفرت منذ أسلمت ولا غششتك منذ نصحتك ولا أحببتهم منذ فارقتهم ولكن لم يكن أحد من المهاجرين إلا وله بمكة من يمنع عشيرته وكنت غريبا فيهم وكان أهلي بين ظهرانيهم فخشيت على أهلي فأردت أن أتخذ عندهم يدا وقد علمت أن الله ينزل بهم بأسه وكتابي لا يغني عنهم شيئا فصدقه رسول الله

صلى الله عليه و سلم وعذره ونزلت هذه السورة تنهى حاطبا عما فعل وتنهى المؤمنين أن يفعلوا كفعله فقام عمر بن الخطاب فقال يا رسول الله دعني أضرب عنق هذا المنافق فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم وما يدريك يا عمر لعل الله اطلع على أهل بدر فقال اعملوا ما شئتم فقد غفرت لكم وقد أخرج هذا الحديث في الصحيحين مختصرا وفيه ذكر علي وابن الزبير وأبي مرثد فقط
قوله تعالى تلقون إليهم بالمودة وفيه قولان
أحدهما أن الباء زائدة والمعنى تلقون إليهم المودة ومثله ومن يرد فيه بإلحاد بظلم الحج 25 هذا قول الفراء وأبي عبيدة وابن قتيبة والجمهور
والثاني تلقون إليهم أخبار النبي صلى الله عليه و سلم وسره بالمودة التي بينكم وبينه قاله الزجاج

قوله تعالى وقد كفروا الواو للحال وحالهم أنهم كفروا بما جاءكم من الحق وهو القرآن يخرجون الرسول وإياكم من مكة أن تؤمنوا بالله إن كنتم خرجتم هذا شرط جوابه متقدم وفي الكلام تقديم وتأخير قال الزجاج معنى الآية إن كنتم خرجتم جهادا في سبيلي وابتغاء مرضاتي فلا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء
قوله تعالى تسرون إليهم بالمودة الباء في المودة حكمها حكم الأولى قال المفسرون والمعنى تسرون إليهم النصيحة وأنا أعلم بما أخفيتم من المودة للكفار وما أعلنتم أي أظهرتم بألسنتكم وقال ابن قتيبة المعنى كيف تستسرون بمودتكم لهم مني وأنا أعلم بما تضمرون وما تظهرون
قوله تعالى ومن يفعله منكم يعني الإسرار والإلقاء إليهم فقد ضل سواء السبيل أي أخطأ طريق الهدى ثم أخبر بعداوة الكفار فقال تعالى إن يثقفوكم أي يظفروا بكم يكونوا لكم أعداء لا موالين ويبسطوا إليكم أيديهم بالضرب والقتل وألسنتهم بالسوء وهو الشتم وودوا لو تكفرون فترجعون إلى دينهم والمعنى أنه لا ينفعكم التقرب إليهم بنقل أخبار رسول الله صلى الله عليه و سلم
قوله تعالى لن تنفعكم أرحامكم أي قراباتكم والمعنى ذوو أرحامكم أراد لن ينفعكم الذين عصيتم الله لأجلهم يوم القيامة يفصل بينكم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو يفصل برفع الياء وتسكين الفاء ونصب الصاد وقرأ ابن عامر يفصل بينكم برفع الياء والتشديد وفتح الصاد وافقه حمزة والكسائي وخلف إلا أنهم كسروا الصاد وقرأ عاصم غير المفضل ويعقوب بفتح الياء وسكون الفاء وكسر الصاد وتخفيفها وقرأ أبي بن كعب

وابن عباس وأبو العالية نفصل بنون مرفوعة وفتح الفاء مكسورة الصاد مشددة وقرأ أبو رزين وعكرمة والضحاك نفصل بنون مفتوحة ساكنة الفاء مكسورة الصاد خفيفة أي نفصل بين المؤمن والكافر وإن كان ولده قال القاضي أبو يعلى في هذه القصة دلالة على أن الخوف على المال والولد لا يبيح التقية في إظهار الكفر كما يبيح في الخوف على النفس ويبين ذلك أن الله تعالى فرض الهجرة ولم يعذرهم في التخلف لأجل أموالهم وأولادهم وإنما ظن حاطب أن ذلك يجوز له ليدفع به عن ولده كما يجوز له أن يدفع عن نفسه بمثل ذلك عند التقية وإنما قال عمر دعني أضرب عنق هذا المنافق لأنه ظن أنه فعل ذلك عن غير تأويل
قد كانت لكم أسوة حنسة في إبراهيم والذين معه إذ قالوا لقومهم إنا برآؤا منكم ومما تعبدون من دون الله كفرنا بكم وبدا بيننا وبينكم العداوة والبغضاء أبدا حتى تؤمنوا بالله وحده إلا قول إبراهيم لأبيه لأستغفرن لك وما أملك لك من الله من شيء ربنا عليك توكلنا وإليك أنبنا وإليك المصير ربنا لا تجعلنا فتنة للذين كفروا واغفر لنا ربنا إنك أنت العزيز الحكيم لقد كان لكم فيهم أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر ومن يتول فإن الله هو الغني الحميد عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم مودة والله قدير والله غفور رحيم لا ينهكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين إنما ينهكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم ومن يتولهم فأولئك هم الظالمون

قوله تعالى قد كانت لكم إسوة حسنة في إبراهيم وقرأ عاصم أسوة بضم الألف وهما لغتان أي اقتداء حسن به وبمن معه وفيهم قولان
أحدهما أنهم الأنبياء
والثاني المؤمنون إذ قالوا لقومهم إنا برءاء منكم قال الفراء يقول أفلا تأسيت يا حاطب بإبراهيم وقومه فتبرأت من أهلك كما تبرؤوا من قومهم
قوله تعالى إلا قول إبراهيم لأبيه قال المفسرون والمعنى تأسوا بإبراهيم الا في استغفار إبراهيم لأبيه فلا تأسوا به في ذلك فإنه كان عن موعدة وعدها إياه وما أملك لك من الله من شيء أي ما أدفع عنك عذاب الله إن أشركت به وكان من دعاء إبراهيم وأصحابه ربنا عليك توكلنا إلى قوله تعالى العزيز الحكيم قال الفراء قولوا أنتم ربنا عليك توكلنا وقد بينا معنى قوله تعالى لا تجعلنا فتنة للذين كفروا في يونس آية 85 ثم أعاد الكلام في ذكر الأسوة فقال تعالى لقد كان لكم فيهم أي في إبراهيم ومن معه وذلك أنهم كانوا يبغضون من خالف الله وقوله تعالى لمن كان يرجو الله بدل من قوله تعالى لكم وبيان أن هذه الأسوة لمن يخاف الله ويخشى عقاب الآخرة
قوله تعالى ومن يتول أي يعرض عن الإيمان ويوال الكفار فإن الله هو الغني عن خلقه الحميد إلى أوليائه فلما أمر الله المؤمنين بعداوة الكفار عادوا أقرباءهم فأنزل الله تعالى عسى الله أن يجعل بينكم وبين الذين عاديتم منهم أي من كفار مكة مودة ففعل ذلك بأن أسلم كثير منهم يوم الفتح وتزوج رسول الله صلى الله عليه و سلم أم حبيبة بنت أبي سفيان فانكسر أبو سفيان

عن كثير مما كان عليه حتى هداه الله للإسلام والله قدير على جعل المودة والله غفور لهم رحيم بهم بعدما أسلموا
قوله تعالى لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال
أحدها أنها في أسماء بنت أبي بكر وذلك أن أمها قتيلة بنت عبد العزى قدمت عليها المدينة بهدايا فلم تقبل هداياها ولم تدخلها منزلها فسألت لها عائشة رسول الله صلى الله عليه و سلم فنزلت هذه الآية فأمرها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تدخلها منزلها وتقبل هديتها وتكرمها وتحسن إليها قاله عبد الله بن الزبير والثاني أنها نزلت في خزاعة وبني مدلج وكانوا صالحوا رسول الله صلى الله عليه و سلم على أن لا يقاتلوه ولا يعينوا عليه أحدا قاله ابن عباس وروي عن الحسن

البصري أنها نزلت في خزاعة وبني الحارث بن عبد مناف وكان بينهم وبين رسول الله صلى الله عليه و سلم عهد فداموا على الوفاء به
والثالث نزلت في قوم من بني هاشم منهم العباس قاله عطية العوفي ومرة والرابع أنها عامة في جميع الكفار وهي منسوخة بقوله تعالى فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم التوبة 5 قاله قتادة
والخامس نزلت في النساء والصبيان حكاه الزجاج
قال المفسرون وهذه الآية رخصة في صلة الذين لم ينصبوا الحرب للمسلمين وجواز برهم وإن كانت الموالاة منقطعة منهم
قوله تعالى ولم يخرجوكم من دياركم أي من مكة أن تبروهم وتقسطوا إليهم أي تعاملوهم بالعدل فيما بينكم وبينهم
قوله تعالى وظاهروا على أخراجكم أي عاونوا على ذلك أن تولوهم والمعنى إنما ينهاكم عن أن تولوا هؤلاء لأن مكاتبتهم بإظهار ما اسره رسول الله صلى الله عليه و سلم موالاة وذكر بعض المفسرين أن معنى الآية والتي قبلها منسوخ بآية السيف قال ابن جرير لا وجه لادعاء النسخ لأن بر المؤمنين للمحاربين سواء كانوا قرابة أو غير قرابة غير محرم إذا لم يكن في ذلك تقوية لهم على الحرب بكراع أو سلاح أو دلالة لهم على عورة أهل الإسلام ويدل على ذلك حديث أسماء وأمها الذي سبق
ياأيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن الله أعلم بإيمانهن فإن علمتموهن مؤمنات فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن وآتوهم ما أنفقوا ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن ولا تمسكوا بعصم الكوافر وسئلوا ما أنفقتم وليسئلوا ما أنفقوا ذلكم

حكم الله يحكم بينكم والله عليم حكيم وإن فاتكم شيء من أزواجكم إلى الكفار فعاقبتم فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون
قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إذا جاءكم المؤمنات مهاجرات فامتحنوهن قال ابن عباس إن مشركي مكة صالحوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عام الحديبية على أن من أتاه من أهل مكة رده إليهم ومن أتى أهل مكة من أصحابه فهو لهم وكتبوا بذلك الكتاب وختموه فجاءت سبيعة بنت الحارث الأسلمية بعد الفراغ من الكتاب والنبي بالحديبية فأقبل زوجها وكان كافرا فقال يا محمد اردد علي امرأتي فإنك قد شرطت لنا أن ترد علينا من أتاك منا وهذه طينة الكتاب لم تجف بعد فنزلت هذه الآية وذكر جماعة من العلماء منهم محمد ابن سعد كاتب الواقدي أن هذه الآية نزلت في أم كلثوم بنت عقبة بن أبي

معيط وهي أول من هاجر من النساء إلى المدينة بعد هجرة رسول الله صلى الله عليه و سلم فقدمت المدينة في هدنة الحديبية فخرج في أثرها أخواها الوليد وعمارة ابنا عقبة فقالا يا محمد أوف لنا بشرطنا وقالت أم كلثوم يا رسول الله أنا امرأة وحال النساء إلى الضعف ما قد علمت فتردني إلى الكفار يفتنوني عن ديني ولا صبر لي فنقض الله عز و جل العهد في النساء وأنزل فيهن المحنة وحكم فيهن بحكم رضوه كلهم ونزل في أم كلثوم فامتحنوهن فامتحنها رسول الله صلى الله عليه و سلم وامتحن النساء بعدها يقول والله ما أخرجكن إلا حب الله ورسوله وما خرجتن لزوج ولا مال فإذا قلن ذلك تركن فلم يرددن إلى أهليهن
وقد اختلف العلماء في المرأة التي كانت سببا لنزول هذه الآية على ثلاثة أقوال
أحدها أنها سبيعة وقد ذكرناه عن ابن عباس والثاني أم كلثوم بنت عقبة بن أبي معيط وقد ذكرناه عن جماعة من أهل العلم وهو المشهور
والثالث أميمة بنت بشر من بني عمرو بن عوف ذكره أبو نعيم الأصبهاني قال الماوردي وقد اختلف أهل العلم هل دخل رد النساء في عقد الهدنة لفظا أو عموما

فقالت طائفة قد كان شرط ردهن في لفظ الهدنة لفظا صريحا فنسخ الله تعالى ردهن من العقد ومنع منه وأبقاها في الرجال على ما كان وقالت طائفة لم يشرط ردهن في العقد صريحا وإنما أطلق العقد وكان ظاهر العموم اشتماله مع الرجال فبين الله عز و جل خروجهن عن عمومه وفرق بينهن وبين الرجال لأمرين
أحدهما أنهن ذوات فروج تحرمن عليهم
والثاني أنهن أرق قلوبا وأسرع تقلبا منهم فأما المقيمة على شركها فمردودة عليهم وقال القاضي أبو يعلى وإنما لم يرد النساء عليهم لأن النسخ جائز بعد التمكين من الفعل وإن لم يقع الفعل
قال المفسرون والمراد بقوله تعالى يا أيها الذين آمنوا رسول الله صلى الله عليه و سلم لأنه هو الذي تولى امتحانهن ويراد به سائر المؤمنين عند غيبته صلى الله عليه و سلم قال ابن زيد وإنما أمرنا بامتحانهن لأن المرأة كانت إذا غضبت على زوجها بمكة قال لألحقن بمحمد وفيما كان يمتحنهن به ثلاثة أقوال

أحدها أنه كان يمتحنهن ب شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله رواه العوفي عن ابن عباس
والثاني أنه كان يستحلف المرأة بالله ما خرجت من بغض زوج ولا رغبة عن أرض إلى أرض ولا التماس دنيا وما خرجت إلا حبا لله ولرسوله روي عن ابن عباس أيضا
والثالث أنه كان يمتحنهن بقوله تعالى إذا جاءك المؤمنات يبايعنك فمن أقرت بهذا الشرط قالت قد بايعتك هذا قول عائشة
قوله تعالى الله أعلم بإيمانهن أي إن هذا الامتحان لكم والله أعلم بهن فإن علمتموهن مؤمنات وذلك يعلم بإقرارهن فحينئذ لا يحل ردهن إلى الكفار لأن الله تعالى لم يبح مؤمنة لمشرك وآتوهم يعني أزواجهن الكفار ما أنفقوا يعني المهر قال مقاتل هذا إذا تزوجها مسلم فإن لم يتزوجها أحد فليس لزوجها الكافر شيء ولا جناح عليكم أن تنكحوهن إذا آتيتموهن أجورهن وهي المهور

فصل
عندنا إذا هاجرت الحرة بعد دخول زوجها بها وقعت الفرقة على انقضاء عدتها فإن أسلم الزوج قبل انقضاء عدتها فهي امرأته وهذا قول الأوزاعي والليث ومالك والشافعي وقال أبو حنيفة تقع الفرقة باختلاف الدارين
قوله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي تمسكوا بضم التاء والتخفيف وقرأ أبو عمرو ويعقوب تمسكوا بضم التاء وبالتشديد وقرأ ابن عباس وعكرمة والحسن وابن يعمر وابو حيوة تمسكوا بفتح التاء والميم والسين مشددة والكوافر جمع كافرة والمعنى إن الله تعالى نهى المؤمنين عن المقام على نكاح الكافر وأمرهم بفراقهن وقال الزجاج المعنى أنها إذا كفرت فقد زالت العصمة بينها وبين المؤمن أي قد انبت عقد النكاح وأصل العصمة الحبل وكل ما أمسك شيئا فقد عصمه
قوله تعالى واسألوا ما أنفقتم أي إن لحقت امرأة منكم بأهل العهد من الكفار مرتدة فاسألوهم ما أنفقتم من المهر إذا لم يدفعوها إليكم وليسألوا ما أنفقوا يعني المشركين الذين لحقت أزواجهم بكم مؤمنات إذا تزوجن منكم فليسأل أزواجهن الكفار من تزوجهن ما أنفقوا وهو المهر والمعنى عليكم أن تغرموا لهم الصداق كما يغرمون لكم

قال أهل السير وكانت أم كلثوم حين هاجرت عاتقا لم يكن لها زوج فيبعث إليه قدر مهرها فلما هاجرت تزوجت زيد بن حارثة
قوله تعالى ذلكم حكم الله يعني ما ذكر في هذه الآية
فصل
وذكر بعضهم في قوله تعالى ولا تمسكوا بعصم الكوافر أنه نسخ ذلك في حرائر أهل الكتاب بقوله تعالى والمحصنات من الذين اوتوا الكتاب المائدة 5 وهذا تخصيص لا نسخ
قوله تعالى وإن فاتكم شيء من أزواجدكم إلى الكفار فعاقبتم قال الزجاج أي أصبتموهم في القتال بعقوبة حتى غنمتم وقرأ ابن مسعود والأزهري والنخعي فعقبتم بغير ألف وبفتح العين والقاف وبتخفيفها وقرأ ابن عباس وعائشة وحميد والأعمش مثل ذلك إلا أن القاف مشددة قال الزجاج المعنى في التشديد والتخفيف واحد فكانت العقبى لكم بأن غلبتم وقرأ أبي بن كعب وعكرمة ومجاهد فأعقبتم بهمزة ساكنة العين مفتوحة القاف خفيفة وقرأ معاذ القارئ وأبو عمران الجوني فعقبتم بفتح العين وكسر القاف وتخفيفها من غير ألف فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا أي أعطوا الأزواج من رأس الغنيمة ما أنفقوا من المهر
وذكر بعض المفسرين أن هذه الآية نزلت في عياض بن غنم كانت زوجته

مسلمة وهي أم الحكم بنت أبي سفيان فارتدت فلحقت بمكة فأمر الله المسلمين أن يعطوا زوجها من الغنيمة بقدر ما ساق إليها من المهر ثم نسخ ذلك بقوله تعالى براءة من الله ورسوله التوبة 1 إلى رأس الخمس
قال القاضي أبو يعلى وهذه الأحكام في أداء المهر وأخذه من الكفار وتعويض الزوج من الغنيمة أو من صداق قد وجب رده على أهل الحرب منسوخة عند جماعة من أهل العلم وقد نص أحمد على هذا قلت وكذا قال مقاتل كل هؤلاء الآيات نسختها آية السيف
يا أيها ا لنبي إذا جاءك المؤمنات يبايعنك على أن لا يشركن بالله شيئا ولا يسرقن ولا يزنين ولا يقتلن أولادهن ولا يأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن ولا يعصينك في معروف فبايعهن واستغفر لهن الله إن الله غفور رحيم
قوله تعالى إذا جاءك المؤمنات يبايعنك قال المفسرون لما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة جاءته النساء يبايعنه فنزلت هذه الآية وشرط في مبايعتهن الشرائط المذكورة في الآية فبايعهن وهو على الصفا فلما قال ولا يزنين قالت هند أوتزني الحرة فقال ولا يقتلن أولادهن فقال ربيناهم صغارا فقتلتموهم كبارا فأنتم وهم أعلم وقد صح في الحديث أن النبي صلى الله عليه و سلم

لم يصافح في البيعة امرأة وإنما بايعهن بالكلام وقد سمينا من أحصينا من

المبايعات في كتاب التلقيح على حروف المعجم وهن أربعمائة وسبع وخمسون امرأة والله الموفق
قوله تعالى ولا يقتلن أولادهن قال المفسرون هو الوأد الذي كانت الجاهلية تفعله
قوله تعالى ولا يتأتين ببهتان يفترينه بين أيديهن وأرجلهن فيه ثلاثة أقوال
أحدها لا يلحقن بأزواجهن غير أولادهم قاله ابن عباس والجمهور وذلك أن المرأة كانت تلتقط المولود فتقول لزوجها هذا ولدي منك فذلك البهتان المفترى وإنما قال بين أيديهن وأرجلهن لأن الولد إذا وضعته الأم سقط بين يديها ورجليها وقيل معنى يفترينه بين أيديهن يأخذنه لقيطا وارجلهن ما ولدنه من زنى
السحر
والثالث المشي بالنميمة والسعي في الفساد ذكرهما الماوردي
قوله تعالى ولا يعصينك في معروف فيه ثلاثة أقوال

أحدها أنه النوح قاله ابن عباس وروي مرفوعا عن النبي صلى الله عليه و سلم
والثاني أنه لا يدعين ويلا ولا يخدشن وجها ولا ينشرن شعرا ولا يشققن ثوبا قاله زيد بن أسلم
والثالث جميع ما يأمرهن به رسول الله صلى الله عليه و سلم من شرائع الإسلام وآدابه قاله أبو سليمان الدمشقي وفي هذه الآية دليل على أن طاعة الولاة إنما تلزم في المباح دون المحظور
قوله تعالى فبايعهن المعنى إذا بايعنك على هذه الشرائط فبايعهن
يا أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوما غضب الله عليهم قد يئسوا من الآخرة كما يئس الكفار من أصحاب القبور
قوله تعالى أيها الذين آمنوا لا تتولوا قوا غضب الله عليهم اليهود وذلك أن ناسا من فقراء المسلمين كانوا يخبرون اليهود أخبار المسلمين يتقربون إليهم بذلك ليصيبوا من ثمارهم وطعامهم فنزلت هذه الآية

قوله تعالى قد يئسوا من الآخرة وذلك أن اليهود بتكذيبهم محمدا وهم يعرفون صدقه قد يئسوا من أن يكون لهم في الآخرة خير والمعنى قد يئسوا من ثواب الآخرة هذا قول الجمهور وهو الصحيح وقال قتادة قد يئسوا أن يبعثوا كما يئس الكفار فيه قولان
أحدهما كما يئس الكفار من بعث من في القبور قاله ابن عباس
والثاني كما يئس الكفار الذين ماتوا من ثواب الآخرة لأنهم أيقنوا بالعذاب قاله مجاهد

سورة الصف
ويقال لها سورة الحواريين
وفيها قولان
أحدهما مدنية قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة والجمهور
والثاني مكية قاله ابن يسار
بسم الله الرحمن الرحيم
سبح لله ما في السموات وما في الأرض وهو العزيز الحكيم يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص
قوله تعالى لم تقولون ما لا تفعلون في سبب نزولها خمسة أقوال
أحدها ما روى أبو سلمة عن عبد الله بن سلام قال قعدنا نفرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلنا لو نعلم أي الأعمال أحب إلى الله عز و جل عملناه فأنزل الله سبح لله ما في السموات إلى آخر السورة

والثاني أن الرجل كان يجيء إلى النبي صلى الله عليه و سلم فيقول فعلت كذا وكذا وما فعل فنزلت لم تقولون ما لا تفعلون رواه عكرمة عن ابن عباس وكذلك قال الضحاك كان الرجل يقول قاتلت ولم يقاتل وطعنت ولم يطعن وصبرت ولم يصبر فنزلت هذه الآية
والثالث أن ناسا من المسلمين كانوا يقولون قبل أن يفرض الجهاد لوددنا أن الله تعالى دلنا على أحب الأعمال إليه فلما نزل الجهاد كرهه ناس من المؤمنين فنزلت هذه الآية رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس
والرابع أن صهيبا قتل رجلا يوم بدر فجاء رجل فادعى أنه قتله وأخذ سلبه فقال صهيب أنا قتلته يا رسول الله فأمره أن يدفع سلبه إلى صهيب ونزلت هذه الآية رواه سعيد بن المسيب عن صهيب
والخامس أن المنافقين كانوا يقولون للنبي وأصحابه لو قد خرجتم خرجنا معكم ونصرناكم فلما خرج النبي صلى الله عليه و سلم نكصوا عنه فنزلت هذه الآية قاله ابن زيد

قول تعالى كبر مقتا عند الله قال الزجاج مقتا منصوب على التمييز والمعنى كبر قولكم ما لا تفعلون مقتا عند الله ثم أعلم عز و جل ما الذي يحبه فقال تعالى إن الله يحب الذين يقاتلون في سبيله صفا كأنهم بنيان مرصوص أي بنيان لاصق بعضه ببعض فأعلم أنه يحب من يثبت في الجهاد ويلزم مكانه كثبوت البنيان المرصوص ويجوز أن يكون عنى أن يستوي ثباتهم في حرب عدوهم حتى يكونوا في اجتماع الكلمة كالبنيان المرصوص وللمفسرين في المراد ب المرصوص قولان
أحدهما أنه الملتصق بعضه ببعض فلا يرى فيه خلل لإحكامه قاله الأكثرون
والثاني أنه المبني بالرصاص وإلى نحو هذا ذهب الفراء وكان أبو بحرية

يقول كانوا يكرهون القتال على الخيل ويستحبون القتال على الأرض لهذه الآية اسم أبي بحرية عبد الله بن قيس الترغمي يروي عن معاذ وكأنه أشار بذلك إلى أن الفرسان لا يصطفون في الغالب إنما يصطف الرجالة
وإذ قال موسى لقومه يا قوم لم تؤذونني وقد تعلمون أني رسول الله إليكم فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم والله لا يهدي القوم الفاسقين وإذ قال عيسى ابن مريم يا بني إسرائيل إني رسول الله إليكم مصدقا لما بين يدي من التوراة ومبشرا برسول يأتي من بعدي اسمه أحمد فلما جاءهم بالبينات قالوا هذا سحر مبين ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وهو يدعى إلى الإسلام والله لا يهدي القوم الظالمين يريدون ليطفؤا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون

قوله تعالى وإذ قال موسى المعنى اذكر لمن يؤذيك من المنافقين ما صنعت بالذين آذوا موسى وقد ذكرنا ما آذوا به موسى في الأحزاب 69
قوله تعالى فلما زاغوا أي مالوا عن الحق أزاغ الله قلبوهم أي أمالها عن الحق جزاء لما ارتكبوه وما بعد هذا ظاهر إلى قول تعالى يأتي من بعدي قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم من بعدي اسمه بفتح الياء وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم من بعدي اسمه بإسكان الياء ومن أظلم ممن افترى على الله الكذب وفيهم قولان
أحدهما أنهم اليهود قاله مقاتل
والثاني النصارى حين قالوا عيسى ابن الله قاله أبو سليمان الدمشقي وقرأ ابن مسعود وعاصم الجحدري وطلحة بن مصرف يدعي إلى الإسلام بفتح الياء والدال وتشديدها وبكسر العين وما بعد هذا في براءة 32 إلى قوله تعالى متم نوره قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي وحفص عن عاصم وخلف متم نوره مضاف وقرأ نافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم متم رفع منون

يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون في سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون يغفر لكم ذنوبكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار ومساكن طيبة في جنات عدن ذلك الفوز العظيم وأخرى تحبونها نصر من الله وفتح قريب وبشر المؤمنين يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله كما قال عيسى ابن مريم للحواريين من أنصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله فآمنت طائفة من بني إسرائيل وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا على عدوهم فأصبحوا ظاهرين
قوله تعالى هل أدلكم على تجارة قال المفسرون نزلت هذه الآية حين قالوا لو علمنا أي الأعمال أحب إلى الله لعملنا به أبدا فدلهم الله على ذلك وجعله بمنزلة التجارة لمكان ربحهم فيه
قوله تعالى تنجيكم قرأ ابن عامر تنجيكم بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف ثم بين التجارة فقال تعالى تؤمنون بالله إلى قوله تعالى يغفر لكم قال الزجاج وقوله يغفر لكم جواب قوله وتجاهدون لأن معناه معنى الأمر والمعنى آمنوا بالله وجاهدوا يغفر لكم أي إن فعلتم ذلك يغفر لكم وقد غلط بعض النحويين فقال هذا جواب هل وهذا غلط بين لأنه ليس إذا دلهم على ما ينفعهم غفر لهم إنما يغفر لهم إذا عملوا بذلك ومن قرأ يغفر لهم بإدغام الراء في اللام فغير جائز عند سيبويه

والخليل لأنه لا تدغم الراء في اللام في قولهم وقد رويت عن ابي عمرو بن العلاء وهو إمام عظيم ولا أحسبه قرأها إلا وقد سمعها من العرب وقد زعم سيبويه والخليل وجميع البصريين ما خلا أبا عمرو أن اللام تدغم في الراء وأن الراء لا تدغم في اللام وحجتهم أن الراء حرف مكرر قوي فإذا أدغمت في اللام ذهب التكرير منها وما بعد هذا قد سبق إلى قوله تعالى وأخرى تحبونها قال الفراء والمعنى ولكم في العاجل مع ثواب الآخرة أخرى تحبونها ثم فسرها فقال تعالى نصر من الله وفتح قريب وفيه قولان
أحدهما أنه فتح مكة قاله ابن عباس
والثاني فتح فارس والروم قاله عطاء
قوله تعالى وبشر المؤمنين أي بالنصر في الدنيا والجنة في الآخرة ثم حضهم على نصر دينه بقوله تعالى كونوا أنصار الله قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو كونوا أنصارا لله منونة وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي أنصار الله ومعنى الآية دوموا على ما أنتم عليه وانصروا دين الله مثل نصرة الحواريين لما قال لهم عيسى من أنصاري إلى الله وحرك نافع ياء من أنصاري إلى الله وقد سبق تفسير هذا الكلام آل عمران 52 فآمنت طائفة من بني إسرائيل بعيسى وكفرت طائفة فأيدنا الذين

آمنوا بعيسى على عدوهم وهم مخالفو عيسى كذلك قال ابن عباس ومجاهد والجمهور وقال مقاتل تم الكلام عند قوله تعالى وكفرت طائفة فأيدنا الذين آمنوا بمحمد على عدوهم فأصبحوا ظاهرين بمحمد على الأديان وقال إبراهيم النخعي أصبح من آمن بعيسى ظاهرين بتصديق محمد صلى الله عليه و سلم أن عيسى كلمة الله وروحه بتعليم الحجة قال ابن قتيبة فأصبحوا ظاهرين أي غالبين عليهم بمحمد من قولك ظهرت على فلان إذا علوته وظهرت على السطح إذا صرت فوقه

سورة الجمعة
وهي مدنية كلها بإجماعهم
وقد سبق شرح فاتحتها وقرأ أبو الدرداء وأبو عبد الرحمن السلمي وعكرمة والنخعي والوليد عن يعقوب الملك القدوس العزيز الحكيم بالرفع فيهن
فإن قيل فما الفائدة في إعادته ذكر التسبيح في هذه السورة
فالجواب أن ذلك لاستفتاح السور بتعظيم الله عز و جل كما تستفتح ب بسم الله الرحمن الرحيم وإذا جل المعنى في تعظيم الله حسن الاستفتاح به
بسم الله الرحمن الرحيم
يسبح لله ما في السموات وما في الأرض الملك القدوس العزيز الحكيم هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم يتلوا عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم
قوله تعالى هو الذي بعث في الأميين يعني العرب وكانوا لا يكتبون وقد شرحنا هذا المعنى في البقرة 78 رسولا يعني محمدا صلى الله عليه و سلم منهم أي من جنسهم ونسبهم

فإن قيل فما وجه الامتنان في أنه بعث نبيا أميا
فعنه ثلاثة أجوبة
أحدها لموافقة ما تقدمت البشارة به في كتب الأنبياء
والثاني لمشاكلة حاله لأحوالهم فيكون أقرب لموافقتهم
والثالث لئلا يظن به أنه يعلم كتب من قبله وما بعد هذا في سورة البقرة 129 إلى قوله تعالى وإن كانوا من قبل أي وما كانوا قبل بعثته إلا في ضلال مبين بين وهو الشرك

قوله تعالى وآخرين منهم فيه قولان
أحدهما وبعث محمدا في آخرين منهم أي من الأميين
والثاني ويعلم آخرين منهم ويزكيهم وفي المراد بالآخرين أربعة أقوال
أحدها أنهم العجم قاله ابن عمر وسعيد بن جبير وهي رواية ليث عن مجاهد فعلى هذا إنما قال منهم لأنهم إذا أسلموا صاروا منهم إذ المسلمون يد واحدة وملة واحدة
والثاني أنهم التابعون قاله عكرمة ومقاتل
والثالث جميع من دخل في الإسلام إلى يوم القيامة قاله ابن زيد وهي رواية ابن أبي نجيح عن مجاهد

والرابع أنهم الأطفال حكاه الماوردي
قوله تعالى لما يلحقوا بهم أي لم يلحقوا بهم
قوله تعالى ذلك فضل الله يعني الإسلام والهدى والله ذو الفضل العظيم بإرسال محمد صلى الله عليه و سلم
مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها كمثل الحمار يحمل أسفارا بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله لا يهدي القوم الظالمين قل يا أيها الذين هادوا إن زعمتم أنكم أولياء لله من دون الناس فتمنوا الموت إن كنتم صادقين ولا يتمنونه أبدا بما قدمت أيديهم والله عليم بالظالمين قل إن الموت الذي تفرون منه فإنه ملاقيكم ثم تردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبئكم بما كنتم تعملون
ثم ضرب لليهود الذين تركوا العمل بالتوارة مثلا فقال تعالى مثل الذين حملوا التوراة أي كلفوا العمل بما فيها ثم لم يحملوها أي لم يعملوا بموجبها ولم يؤدوا حقها كمثل الحمار يحمل أسفارا وهي جمع سفر والسفر الكتاب فشبههم بالحمار لا يعقل ما يحمل إذ لم ينتفعوا بما في التوارة وهي دالة على الإيمان بمحمد وهذا المثل يلحق من لم يعمل بالقرآن ولم يفهم معانيه بئس مثل القوم ذم مثلهم والمراد ذمهم واليهود كذبوا بالقرآن وبالتوارة حين لم يؤمنوا بمحمد والله لا يهدي القوم الظالمين أنفسهم بتكذيب الأنبياء

قوله تعالى إن زعمتم أنكم أولياء لله وذلك أن اليهود قالوا نحن ولد إسرائيل الله بن ذبيح الله بن خليل الله ونحن أولى بالله عز و جل من سائر الناس وإنما تكون النبوة فينا فقال الله عز و جل لنبيه عليه الصلاة و السلام قل لهم إن كنتم أولياء لله فتمنوا الموت لأن الموت خير لأولياء الله من الدنيا وقد بينا هذا وما بعده في البقرة 94 إلى قوله تعالى قل إن الموت الذي تفرون منه وذلك أن اليهود علموا أنهم أفسدوا على أنفسهم أمر الآخرة بتكذيبهم محمدا وكانوا يكرهون الموت فقيل لهم لابد من نزوله بكم بقوله تعالى فإنه ملاقيكم قال الفراء العرب تدخل الفاء في كل خبر كان اسمه مما يوصل مثل من و الذي فمن فمن أدخل الفاء ها هنا ذهب بالذي إلى تأويل الجزاء وفي قراءة عبد الله إن الموت الذي تفرون منه ملاقيكم وهذا على القياس لأنك تقول إن أخاك قائم ولا تقول فقائم ولو قلت إن ضاربك فظالم لجاز لأن تأويله إن من يضربك فظالم وقال الزجاج إنما جاز دخول الفاء لأن في الكلام معنى الشرط والجزاء ويجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله تعالى تفرون منه كأنه قيل إن فررتم من أي موت كان من قتل أو غيره فإنه ملاقيكم وتكون فإنه اسئنافا بعد الخبر الأول
يا أيها الذين آمنوا إذا نودي للصلوة من يوم الجمعة فاسعوا إلى ذكر الله وذروا البيع ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون فإذا قضيت الصلوة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون
قوله تعالى إذا نودي للصلاة وهذا هو النداء الذي ينادى به إذا جلس الإمام على المنبر ولم يكن في عهد رسول الله نداء سواه كان إذا

جلس على المنبر أذن بلال على باب المسجد وكذلك كان على عهد أبي بكر وعمر فلما كثر الناس على عهد عثمان أمر بالتأذين على دار له بالسوق يقال لها الزوراء وكان إذا جلس أذن أيضا
قوله تعالى للصلاة أي لوقت الصلاة وفي الجمعة ثلاث لغات ضم الجيم والميم وهي قراءة الجمهور وضم الجيم مع إسكان الميم وبها قرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو رجاء وعكرمة والزهري وابن أبي ليلى وابن أبي عبلة والأعمش وبضم الجيم مع فتح الميم وبها قرأ ابو مجلز وأبو العالية والنخعي وعدي بن الفضل عن أبي عمرو قال الزجاج من قرأ بتسكين الميم فهو تخفيف الجمعة لثقل الضمتين وأما فتح الميم فمعناها الذي يجمع الناس كما تقول رجل لعنة يكثر لعنة الناس وضحكة يكثر الضحك

وفي تسمية هذا اليوم بيوم الجمعة ثلاثة أقوال
أحدها لأن فيه جمع آدم روى سلمان قال قال لي رسول الله صلى الله عليه و سلم أتدري ما الجمعة قلت لا قال فيه جمع أبوك يعني تمام خلقه في يوم

والثاني لاجتماع الناس فيه للصلاة
والثالث لاجتماع المخلوقات فيه لأنه اليوم الذي منه فرغ من خلق الأشياء
وفي أول من سماها بالجمعة قولان
أحدهما أنه كعب بن لؤي سماها بذلك وكان يقال ليوم الجمعة العروبة قاله أبو سلمة وقيل إنما سماها بذلك لاجتماع قريش فيه
والثاني أول من سماها بذلك الأنصار قاله ابن سيرين
قوله تعالى فاسعوا إلى ذكر الله وفي هذا السعي ثلاثة أقوال
أحدها أنه المشي قاله ابن عباس وكان ابن سمعود يقرؤها فامضوا ويقول لو قرأتها فاسعوا لسعيت حتى يقسط ردائي وقال عطاء هو الذهاب والمشي إلى الصلاة

والثاني أن المراد بالسعي العمل قاله عكرمة والقرظي والضحاك فيكون المعنى فاعملوا على المضي إلى ذكر الله بالتفرغ له والاشتغال بالطهارة ونحوها
والثالث أنه النية بالقلب قاله الحسن وقال ابن قبيبة هو المبادرة بالنية والجد
وفي المراد بذكر الله قولان
أحدهما أنه الصلاة قاله الأكثرون والثاني موعظة الإمام قاله سعيد بن المسيب
قوله تعالى وذروا البيع أي دعوا التجارة في ذلك الوقت وعندنا أنه لا يجوز البيع في وقت النداء ويقع البيع باطلا في حق من يلزمه فرض

الجمعة وبه قال مالك فلافا للأكثرين
فصل
تجب الجمعة على من سمع النداء من المصر إذا كان المؤذن صيتا والريح سانكة وقد حده مالك بفرسخ ولم يحده الشافعي وعن أحمد في التحديد نحوهما وتجب الجمعة على أهل القرى وقال أبو حنيفة لا تجب إلا على أهل الأمصار ويجوز لأهل المصر أن يقيموا الجمعة في الصحراء القريبة من المصر خلافا للشافعي ولا تنعقد الجمعة بأقل من أربعين وعن أحمد أقله خمسون وعنه أقله ثلاثة وقال أبو حنيفة تنعقد بثلاثة والإمام والعدد شرط في

الجمعة وقال أبو حنيفة في إحدى الروايتين يصح أن يخطب منفردا وهل تجب الجمعة على العبيد فيه عن أحمد روايتان وعندنا تجب على الأعمى إذا وجد قائدا خلافا لأبي حنيفة ولا تنعقد الجمعة بالعبيد والمسافرين خلافا لأبي حنيفة وهل تجب الجمعة والعيدان من غير إذن سلطان فيه عن أحمد روايتان وتجوز الجمعة في موضعين في البلد مع الحاجة وقال مالك والشافعي وأبو يوسف لا تجوز إلا في موضع واحد وتجوز إقامة الجمعة قبل الزوال خلافا لأكثرهم وإذا وقع العيد يوم الجمعة أجزأ حضوره عن يوم الجمعة وبه قال الشعبي والنخعي خلافا للأكثرين والمستحب لأهل الأعذار أن يصلوا الظهر في جماعة وقال أبو حنيفة يكره ولا يجوز السفر يوم الجمعة بعد الزوال وقال أبو حنيفة يجوز وهل يجوز السفر بعد طلوع الفجر فيه عن أحمد روايتان ونقل عن أحمد أنه لا يجوز الخروج في الجمعة إلا للجهاد وقال أبو حنيفة يجوز لكل سفر وقال الشافعي لا يجوز أصلا
والخطبة شرط في الجمعة وقال داود هي مستحبة والطهارة لا تشترط في الخطبة خلافا للشافعي في أحد قوليه والقيام ليس بشرط في الخطبة خلافا للشافعي ولا تجب القعدة بين الخطبتين خلافا له أيضا

ومن شرط الخطبة التحميد والصلاة على النبي صلى الله عليه و سلم وقراءة آية والموعظة وقال أبو حنيفة يجوز أن يخطب بتسبيحة
والخطبتان واجبتان وأما القراءة في الخطبة الثانية فهي شرط خلافا للشافعي
والسنة للإمام إذا صعد المنبر واستقبل الناس أن يسلم خلافا لأبي حنيفة ومالك وهل يحرم الكلام في حال سماع الخطبة فيه عن أحمد روايتان ويحرم على المستمع دون الخاطب خلافا للأكثرين ولا يكره الكلام قبل الابتداء بالخطبة وبعد الفراغ منها خلافا لأبي حنيفة
ويستحب له أن يصلي تحية المسجد والإمام يخطب خلافا لأبي حنيفة ومالك
وهل يجوز أن يخطب واحد ويصلي آخر فيه عن أحمد روايتان
قوله تعالى ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون أي إن كان لكم علم بالأصلح فإذا قضيت الصلاة أي فرغتم منها فانتشروا في الأرض هذا أمر إباحة وابتغوا من فضل الله إباحة لطلب الرزق بالتجارة بعد المنع منها بقوله تعالى وذروا البيع وقال الحسن وابن جبير هو طلب العلم

وإذا رأوا تجارة أو لهوا انفضوا إليها وتركوك قائما قل ما عند الله خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين
قوله تعالى وإذا رأوا تجارة سبب نزولها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم كان يخطب يوم الجمعة إذ أقبلت عير قد قدمت فخرجوا إليها حتى لم يبق معه إلا إثنا عشر رجلا فنزلت هذه الآية أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث جابر بن عبد الله قاله الحسن وذلك أنهم أصابهم جوع وغلاء سعر فلما سمعوا بها خرجوا إليها فقال النبي صلى الله عليه و سلم لو اتبع آخرهم أولهم التهب عليهم الوادي نارا قال المفسرون كان الذي قدم بالتجارة دحية بن خليفة الكلبي قال مقاتل وذلك قبل أن يسلم قالوا قدم بها من الشام وضرب لها طبل يؤذن الناس بقدومها وهذه كانت عادتهم إذا قدمت عير قال جابر بن عبد الله كانت التجارة طعاما وقال أبو مالك كانت زيتا والمراد باللهو ضرب الطبل وانفضوا بمعنى تفرقوا عنك فذهبوا إليها والضمير للتجارة وإنما خصت برد الضمير إليها لأنها كانت أهم إليهم هذا قول الفراء والمبرد وقال الزجاج المعنى وإذا رأوا

تجارة انفضوا إليها أو لهوا انفضوا إليه فحذف خبر أحدهما لأن الخبر الثاني يدل على الخبر المحذوف وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة انفضوا إليهما على التثنية وعن ابن مسعود وابن أبي عبلة انفضوا إليه على ضمير مذكر وتركوك قائما وهذا القيام كان في الخطبة قل ما عند الله من ثواب الصلاة والثبات مع رسول الله صلى الله عليه و سلم خير من اللهو ومن التجارة والله خير الرازقين لأنه يرزق من يؤمن به ويعبده ومن يكفر به ويجحده فهو يعطي من سأل ويبتدئ من لا يسأل وغيره إنما يرزق من يرجو منفعته ويقبل على خدمته

سورة المنافقون
وهي مدنية بإجماعهم
وذكر أهل التفسير أنها نزلت في عبد الله بن أبي ونظرائه وكان السبب أن عبد الله خرج مع النبي صلى الله عليه و سلم في خلق كثير من المنافقين إلى المريسيع وهو ماء لبني المصطلق طلبا للغنيمة لا للرغبة في الجهاد لأن السفر قريب فلما قضى رسول الله صلى الله عليه و سلم غزوه أقبل رجل من جهينة يقال له سنان وهو حليف لعبد الله بن أبي ورجل من بني غفار يقال له جهجاه بن سعيد وهو أجير لعمر بن الخطاب لاستقاء الماء فدار بينهما كلام فرفع الغفاري يده فلطم الجهني فأدماه فنادى الجهني يا آل الخزرج فأقبلوا ونادى الغفاري يا آل قريش فأقبلوا فأصلح الأمر قوم من المهاجرين فبلغ الخبر عبد الله ابن أبي فقال وعنده جماعة من المنافقين والله ما مثلكم ومثل هؤلاء الرهط من قريش إلا مثل ما قال الأول سمن كلبك يأكلك ولكن هذا فعلكم بأنفسكم آويتموهم في منازلكم وأنفقتم عليهم أموالكم فقووا وضعفتم وايم الله لو أمسكتم أيديكم لتفرقت عن هذا جموعه ولئن ردجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل وكان في القوم زيد بن أرقم وهو غلام يومئذ لا يؤبه له فقال لعبد الله أنت والله الذليل القليل فقال إنما كنت ألعب فأقبل زيد بالخبر إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال دعني أضرب عنقه فقال إذن ترعد له آنف كبيرة قال فإن كرهت أن يقتله رجل من المهاجرين فمر سعد بن عبادة أو محمد بن مسلمة أو عباد بن بشر فليقتله فقال إذن يتحدث

الناس أن محمدا يقتل أصحابه فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم إلى عبد الله بن أبي فأتاه فقال أنت صاحب هذا الكلام فقال والذي أنزل عليك ما قلت شيئا من هذا وإن زيدا لكذاب فقال من حضر لا يصدق عليه كلام غلام عسى أن يكون قد وهم فعذره رسول الله صلى الله عليه و سلم وفشت الملامة من الأنصار لزيد وكذبوه وقال له عمه ما أردت إلا أن كذبك رسول الله صلى الله عليه و سلم والمسلمون ومقتوك فاستحيا زيد وجلس في بيته فبلغ عبد الله بن عبد الله بن أبي ما كان من أمر أبيه فأتى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال بلغني أنك تريد قتل عبد الله بن أبي لما بلغك عنه فإن كنت فاعلا فمرني فأنا أحمل إليك راسه فإني أخشى أن يقتله غيري فلا تدعني نفسي حتى أقتل قاتله فأدخل النار فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم بل تحسن صحبته ما بقي معنا وأنزل الله سورة المنافقين في تصديق زيد وتكذيب عبد الله فأرسل رسول الله صلى الله عليه و سلم فقرأها عليه فقال إن الله قد صدقك ولما أراد عبد الله بن أبي أن يدخل المدينة جاء ابنه فقال ما وراءك قال مالك ويلك قال والله لا تدخلها أبدا إلا بإذن رسول الله صلى الله عليه و سلم ليعلم اليوم من الأعز ومن الأذل فشكا عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه و سلم ما صنع فأرسل إليه رسول الله صلى الله عليه و سلم أن خل عنه حتى يدخل فلما نزلت السورة وبان كذبه قيل له يا أبا حباب إنه قد نزلت فيك آيات شداد فاذهب إلى رسول الله ليستغفر لك فلوى به راسه فذلك قوله تعالى لووا رؤوسهم وقيل الذي قال له هذا

عبادة بن الصامت
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكذابون إتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله إنهم ساء ما كانوا يعملون ذلك بأنهم آمنوا ثم كفروا فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم وإن يقولوا تسمع لقولهم كأنهم خشب مسندة يحسبون كل صيحة عليهم هم العدو فاحذرهم قاتلهم الله أنى يؤفكون==

8.  زاد المسير في علم التفسير
المؤلف : عبد الرحمن بن علي بن محمد الجوزي

قوله تعالى إذا جاءك المنافقون يعني عبد الله بن أبي وأصحابه قالوا نشهد إنك لرسول الله وها هنا تم الخبر عنهم ثم ابتدأ فقال تعالى والله يعلم إنك لرسوله والله يشهد إن المنافقين لكاذبون وإنما جعلهم كاذبين لأنهم أضمروا غير ما أظهروا قال الفراء إنما كذب ضميرهم اتخذوا أيمانهم جنة فصدوا عن سبيل الله قد ذكرناه في المجادلة 16 قال القاضي أبو يعلى وهذه الآية تدل على أن قول القائل أشهد يمين لأنهم قالوا نشهد فجعله يمينا بقوله تعالى اتخذوا أيمانهم جنة وقد قال أحمد والأوزاعي والثوري وأبو حنيفة أشهد وأقسم وأعزم وأحلف كلها أيمان وقال الشافعي أقسم ليس بيمين وإنما قوله أقسم بالله يمين إذا أراد اليمين
قوله تعالى ذلك أي ذلك الكذب بأنهم آمنوا باللسان ثم كفروا في السر فطبع على قلوبهم فهم لا يفقهون الإيمان والقرآن وإذا رأيتهم تعجبك أجسامهم يعني أن لهم أجساما ومناظر قال ابن عباس كان

عبد الله بن أبي جسيما فصيحا ذلق اللسان فإذا قال سمع النبي صلى الله عليه و سلم قوله وقال غيره المعنى تصغي إلى قولهم فتحسب أنه حق كأنهم خشب قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة خشب بضم الخاء والشين جميعا وهو جمع خشبة مثل ثمرة وثمر وقرأ الكسائي بضم الخاء وتسكين الشين مثل بدنة وبدن وأكمة وأكم وعن ابن كثير وأبي عمرو مثله وقرأ أبو بكر الصديق وعروة وابن سيرين خشب بفتح الخاء والشين جميعا وقرأ أبو نهيك وأبو المتوكل وأبو عمران بفتح الخاء وتسكين الشين فوصفهم الله بحسن الصورة وإبانة المنطق ثم أعلم أنهم في ترك التفهم والاستبصار بمنزلة الخشب والمسندة الممالة إلى الجدار والمراد أنها ليست بأشجار تثمر وتنمي بل خشب مسندة إلى حائط ثم عابهم بالجبن فقال تعالى يحسبون كل صيحة عليهم أي لا يسمعون صوتا إلا ظنوا أنهم قد أتوا لما في قلوبهم من الرعب أن يكشف الله أسرارهم وهذه مبالغة في الجبن وأنشدوا في هذا المعنى ... ولو أنها عصفورة لحسبتها ... مسومة تدعو عبيدا وأزنما ...
أي لو طارت عصفورة لحسبتها من جبنك خيلا تدعو هاتين القبيلتين
قوله تعالى هم العدو فاحذرهم أي لا تأمنهم على سرك لأنهم

عيون لأعدائك من الكفار قاتلهم الله أنى يؤفكون مفسر في براءة 30
وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله لووا رؤوسهم ورأيتهم يصدون وهم مستكبرون سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم لن يغفر الله لهم إن الله لا يهدي القوم الفاسقين هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله حتى ينفضوا ولله خزائن السموات والأرض ولكن المنافقين لا يفقهون يقولون لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين ولكن المنافقين لا يعلمون
قوله تعالى وإذا قيل لهم تعالوا يستغفر لكم رسول الله قد بينا سببه في نزول الصورة لووا رؤوسهم وقرأ نافع والمفضل عن عاصم ويعقوب لووا بالتخفيف واختار أبو عبيدة التشديد وقال لأنهم فعلوا ذلك مرة بعد مرة قال مجاهد لما قيل لعبد الله بن أبي تعال يستغفر لك رسول الله لوى رأسه قال ماذا قلت وقال مقاتل عطفوا رؤوسهم رغبة عن الاستغفار وقال الفراء حركوها استهزاء بالنبي وبدعائه
قوله تعالى ورأيتهم يصدون أي يعرضون عن الاستغفار وهم مستكبرون أي متكبرون عن ذلك ثم ذكر أن استغفاره لهم لا ينفعهم بقوله تعالى سواء عليهم أستغفرت لهم وقرأ أبو جعفر آستغفرت بالمد
قوله تعالى هم الذين يقولون لا تنفقوا على من عند رسول الله قد بينا أنه قول ابن أبي وينفضوا بمعنى يتفرقوا ولله خزائن السموات والأرض قال المفسرون خزائن السموات المطر وخزائن الأرض النبات والمعنى أنه هو الرزاق لهؤلاء المهاجرين لا أولئك ولكن المنافقين

لا يفقهون أي لا يعلمون أن الله رازقهم في حال إنفاق هؤلاء عليهم يقولون لئن رجعنا من هذه الغزوة وقد تقدم ذكرها وهذا قول ابن أبي ليخرجن الأعز يعني نفسه وعنى ب الأذل رسول الله صلى الله عليه و سلم وقرأ الحسن لنخرجن بالنون مضمومة وكسر الراء الأعز بنصب الزاي والأذل منصوب على الحال بناء على جواز تعريف الحال أو زيادة أل فيه أو بتقدير مثل المعنى لنخرجنه ذليلا على أي حال ذل والكل نصبوا الأذل فرد الله عز و جل عليه فقال ولله العزة وهي المنعة والقوة ولرسوله وللمؤمنين بإعزاز الله ونصره إياهم ولكن المنافقين لا يعلمون ذلك
يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتي أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتني إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ولن يؤخر الله نفسا إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون
قوله تعالى لا تلهكم أي لا تشغلكم وفي المراد بذكر الله ها هنا أربعة أقوال
أحدها طاعة الله في الجهاد قاله أبو صالح عن ابن عباس
والثاني الصلاة المكتوبة قاله عطاء ومقاتل
والثالث الفرائض من الصلاة وغيرها قاله الضحاك
والرابع أنه على إطلاقه قال الزجاج حضهم بهذا على إدامة الذكر
قوله تعالى وأنفقوا مما رزقناكم في هذه النفقة ثلاثة أقوال
أحدها أنه زكاة الأموال قاله ابن عباس
والثاني أنها النفقة في الحقوق الواجبة بالمال كالزكاة والحج ونحو ذلك وهذا المعنى مروي عن الضحاك

والثالث أنه صدقة التطوع ذكره الماوردي فعلى هذا يكون الأمر ندبا وعلى ما قبله يكون أمر وجوب
قوله تعالى من قبل أن يأتي أحدكم الموت قال الزجاج أي من قبل أن يعاين ما يعلم منه أنه ميت
قوله تعالى لولا أخرتني أي هلا أخرتني إلى أجل قريب يعني بذلك الاستزادة في أجله ليتصدق ويزكي وهو قوله تعالى فأصدق قال أبو عبيدة فأصدق نصب لأن كل جواب بالفاء للاستفهام منصوب تقول من عندك فآتيك هلا فعلت كذا فأفعل كذا ثم تبعتها وأكن من الصالحين بغير واو وقال أبو عمرو إنما هي وأكون فذهبت الواو من الخط كما يكتب أبو جاد أبجد هجاء وهكذا يقرؤها أبو عمرو وأكون بالواو ونصب النون والباقون يقرؤون وأكن بغير واو قال الزجاج من قرأ وأكون فهو على لفظ فأصدق ومن جزم أكن فهو على موضع فأصدق لأن المعنى إن أخرتني أصدق وأكن وروى أبو صالح عن ابن عباس فأصدق أي أزكي مالي وأكن من الصالحين أي أحج مع المؤمنين وقال في قوله تعالى والله خبير بما تعملون والمعنى بما تعملون من التكذيب بالصدقة قال مقاتل يعني المنافقين وروى الضحاك عن ابن عباس ما من أحد يموت وقد كان له مال لم يزكه وأطاق الحج فلم يحج إلا سأل الله الرجعة عند الموت فقالوا له إنما يسأل الرجعة الكفار فقال أنا أتلو عليكم به قرآنا ثم قرأ هذه الآية

سورة التغابن
وفيها قولان
أحدهما أنها مدنية قاله الجمهور منهم ابن عباس والحسن ومجاهد وعكرمة وقتادة
والثاني أنها مكية قاله الضحاك وقال عطاء بن يسار هي مكية إلا ثلاث آيات منها نزلن بالمدنية قوله تعالى يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم واللتان بعدها
بسم الله الرحمن
الرحيم يسبح لله ما في السموات وما في الأرض له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير هو الذي خلقكم فمنكم كافر ومنكم مؤمن والله بما تعملون بصير خلق السموات والأرض بالحق وصوركم فأحسن صوركم وإليه المصير يعلم ما في السموات والأرض ويعلم ما تسرون وما تعلنون والله عليم بذات الصدور ألم يأتكم نبؤ الذين كفروا من قبل فذاقوا وبال أمرهم ولهم عذاب أليم ذلك بأنه كانت تأتيهم رسلهم بالبينات فقالوا أبشر يهدوننا فكفروا واستغنى الله والله غني حميد
وقد سبق تفسير فاتحتها إلى قوله تعالى فمنكم كافر ومنكم مؤمن وفيه قولان
أحدهما أن الله خلق بني آدم مؤمنا وكافرا رواه الوالبي عن ابن عباس

والأحاديث تعضد هذ القول كقوله عليه الصلاة و السلام خلق فرعون في بطن أمه كافرا وخلق يحيى بن زكريا في بطن أمه مؤمنا وقوله فيؤمر الملك بأربع كلمات بكتب رزقه وأجله وعمله وشقي أم سعيد
والثاني أن تمام الكلام عند قوله تعالى خلقكم ثم وصفهم فقال تعالى فمنكم كافر ومنكم مؤمن واختلف أرباب هذا القول فيه على أربعة أقوال
أحدها فمنكم كافر يؤمن ومنكم مؤمن يكفر قاله أبو الجوزاء عن ابن عباس
والثاني فمنكم كافر في حياته مؤمن في العاقبة ومنكم مؤمن في حياته كافر في العاقبة قاله أبو سعيد الخدري
والثالث فمنكم كافر بالله مؤمن بالكواكب ومنكم مؤمن بالله كافر

بالكواكب قاله عطاء بن أبي رباح وعنى بذلك شأن الأنواء
والرابع فمنكم كافر بالله خلقه ومؤمن بالله خلقه حكاه الزجاج والكفر بالخلق مذهب الدهرية وأهل الطبائع وما بعد هذا قد سبق إلى قوله تعالى وصوركم فأحسن صوركم قال الزجاج أي خلقكم أحسن الحيوان كله وقرأ الأعمش صوركم بكسر الصاد ويقال في جمع صورة صور وصور كما يقال في جمع لحية لحى ولحى وذكر ابن السائب أن معنى فأحسن صوركم أحكمها وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى ويعلم ما تسرون وروى المفضل عن عاصم يسرون ويعلنون بالياء فيهما ألم يأتكم نبأ الذين كفروا من قبل هذا خطاب لأهل مكة خوفهم ما نزل بالكفار قبلهم فذلك قوله تعالى فذاقوا وبال أمرهم أي جزاء أعمالهم وهو ما أصابهم من العذاب في الدنيا ولهم عذاب أليم في الآخرة ذلك الذي اصباهم بأنه كانت تاتيهم رسلهم بالبينات فينكرون ذلك ويقولون أبشر أي ناس مثلنا يهدوننا والبشر اسم جنس معناه الجمع وإن كان لفظه واحد فكفروا وتولوا أي أعرضوا عن الإيمان واستغنى الله عن إيمانهم وعبادتهم زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن ثم لتنبؤن بما علمتم وذلك على الله يسير فآمنوا بالله ورسوله والنور الذي أنزلنا والله بما ت عملون خبير يوم يجمعكم ليوم الجمع ذلك يوم التغابن ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيآته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين

فيها أبدا ذلك الفوز العظيم والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب النار خالدين فيها وبئس المصير ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله ومن يؤمن بالله يهد قلبه والله بكل شيء عليم وأطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين الله لا إله إلا هو وعلى الله فليتوكل المؤمنون يا أيها الذين آمنوا إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم فاحذروهم وإن تعفوا وتصفحوا وتغفروا فإن الله غفور رحيم إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم ومن يوق شح نفسه فأولئك هم المفلحون إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفه لكم ويغفر لكم والله شكور حليم عالم الغيب والشهادة العزيز الحكيم
قوله تعالى زعم الذين كفروا كان ابن عمر يقول زعموا كناية الكذب وكان مجاهد يكره أن يقول الرجل زعم فلان
قوله تعالى وذلك على الله يسير يعني البعث والنور هو القرآن وفيه بيان أمر البعث والحساب والجزاء
قوله تعالى يوم يجمعكم هو منصوب بقوله تعالى لتبعثن ثم لتنبؤن بما عملتم يوم يجمعكم ليوم الجمع وهو يوم القيامة وسمي بذلك لأن الله تعالى يجمع فيه الجن والإنس وأهل السموات وأهل الأرض ذلك يوم التغابن تفاعل من الغبن وهو فوت الحظ والمراد في تسميته يوم القيامة بيوم التغابن فيه أربعة أقوال
أحدها أنه ليس من كافر إلا وله منزل وأهل في الجنة فيرث ذلك المؤمن فيغبن حينئذ الكافر ذكر هذا المعنى أبو صالح عن ابن عباس

والثاني غبن أهل الجنة أهل النار قاله مجاهد والقرظي والثالث أنه يوم غبن المظلوم الظالم لأن المظلوم كان في الدنيا مغبونا فصار في الآخرة غابنا ذكره الماوردي
والرابع أنه يوم يظهر فيه غبن الكافر بتركه للإيمان وغبن المؤمن بتقصيره في الإحسان ذكره الثعلبي قال الزجاج وإنما ذكر ذلك مثلا للبيع والشراء كقوله تعالى فما ربحت تجارتهم البقرة 16 وقوله تعالى هل أدلكم على تجارة الصف 10 وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى يكفر عنه سيئاته قرأ نافع وابن عامر والمفضل عن عاصم نكفر وندخله بالنون فيهما والباقون بالياء ما أصاب من مصيبة إلا بإذن الله قال ابن عباس بعلمه وقضائه ومن يؤمن بالله يهد قلبه فيه ستة أقوال
أحدها يهد قلبه لليقين فيعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وقال علقمة هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من قبل الله تعالى فيسلم ويرضى
والثاني يهد قلبه للاسترجاع وهو أن يقول إنا لله وإنا إليه راجعون قاله مقاتل
والثالث أنه إذا ابتلي صبر وإذا أنعم عليه شكر وإذا ظلم غفر قاله ابن السائب وابن قتيبة
والرابع يهد قلبه أي يجعله مهتديا قاله الزجاج والخامس يهد وليه بالصبر والرضى قاله أبو بكر الوراق والسادس يهد قلبه لاتباع السنة إذا صح إيمانه قاله أبو عثمان الحيري وقرأ أبو بكر الصديق وعاصم الجحدري وابو نهيك يهد بياء مفتوحة

ونصب الدال قلبه بالرفع قال الزجاج هذا من هدأ يهدأ إذا سكن فالمعنى إذا سلم لأمر الله سكن قلبه وقرأ عثمان بن عفان والضحاك وطلحة بن مصرف والأزرق عن حمزة نهد بالنون وقرأ علي بن أبي طالب وأبو عبد الرحمن يهد بضم الياء وفتح الدال قلبه بالرفع وما بعد هذا ظاهر إلى قوله تعالى إن من أزواجكم وأولادكم عدوا لكم سبب نزولها أن الرجل كان يسلم فإذا أراد الهجرة منعه أهله وولده وقالوا ننشدك الله أن تذهب وتدع أهلك وعشيرتك وتصير إلى المدينة بلا أهل ولا مال فمنهم من يرق لهم ويقيم فلا يهاجر فنزلت هذه الآية فلما هاجر أولئك ورأوا الناس قد فقهوا في الدين هموا أن يعاقبوا أهلهم الذين منعوهم فأنزل الله تعالى وإن تعفوا وتصفحوا إلى آخر الآية هذا قول ابن عباس وقال الزجاج لما أرادوا الهجرة قال لهم أزواجهم وأولادهم قد صبرنا لكم على مفارقة الدين ولا نصبر لكم على مفارقتكم ومفراقة الأموال والمساكن فأعلم الله عز و جل أن من كان بهذه الصورة فهو عدو وإن كان ولدا أو كانت زوجة وقال مجاهد كان حب الرجل ولده وزوجته يحمله على قطيعة رحمه ومعصية ربه وقال قتادة كان من أزواجهم وأولادهم من ينهاهم عن الإسلام ويثبطهم عنه فخرج في قوله تعالى عدوا لكم ثلاثة أقوال

أحدها بمنعه من الهجرة وهذا على قول ابن عباس والثاني بكونهم سببا للمعاصي وعلى هذا قول مجاهد والثالث بنهيهم عن الإسلام وهذا على قول قتادة
قوله تعالى فاحذروهم قال الفراء لا تطيعوهم في التخلف
قوله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة أي بلاء وشغل عن الآخرة فالمال والأولاد يوقعان في العظائم إلا من عصمه الله وقال ابن قتيبة أي إغرام يقال فتن فلان بالمرأة وشغف بها أي أغرم بها وقال الفراء قال أهل المعاني إنما دخل من في قوله تعالى إن من أزواجكم لأنه ليس كل الأزواج والأولاد أعداء ولم يذكر من في قوله تعالى إنما أموالكم وأولادكم فتنة لأنها لا تخلو من الفتنة واشتغال القلب بها وقد روى بريدة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه كان يخطب فجاء الحسن والحسين عليهما قميصان أحمران يمشيان ويعثران فنزل من المنبر فحملهما فوضعهما بين يديه ثم قال صدق الله عز و جل إنما أموالكم وأولادكم فتنة نظرت إلى هذين الصبيين يمشيان ويعثران فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما
قوله تعالى والله عنده أجر عظيم أي ثواب جزيل وهو الجنة

والمعنى لا تعصوه بسبب الأولاد ولا تؤثروهم على ما عند الله من الأجر العظيم فاتقوا الله ما استطعتم أي ما أطقتم واسمعوا ما تؤمرون به وأطيعوا وأنفقوا خيرا لأنفسكم وفي هذه النفقة ثلاثة أ قوال
أحدها الصدقة قاله ابن عباس
والثاني نفقة المؤمن على نفسه قاله الحسن
والثالث النفقة في الجهاد قاله الضحاك ومن يوق شح نفسه حتى يعطي حق الله في ماله وقد تقدم بيان هذا في الحشر 9 وما بعده قد سبق بيانه إلى آخر السورة البقرة 254 والحديد 11 18 والحشر 23 24

سورة الطلاق
وتسمى سورة النساء القصرى وهي مدنية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها النبي إذا طلقتم النساء فطلقوهن لعدتهن وأحصوا العدة واتقوا الله ربكم لا تخرجوهن من بيوتهن ولا يخرجن إلا أن يأتين بفاحشة مبينة وتلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا
قوله تعالى يا أيها النبي إذا طلقتم النساء قال الزجاج هذا خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم والمؤمنون داخلون معه فيه ومعناه إذا أردتم طلاق النساء كقوله تعالى إذا قمتم إلى الصلاة المائدة 6 وفي سبب نزول هذه الآية قولان
أحدهما أنها نزلت حين طلق رسول الله صلى الله عليه و سلم حفصة وقيل له راجعها فإنها صوامة قوامة وهي من إحدى زوجاتك في الجنة قاله أنس بن مالك
والثاني أنها نزلت في عبد الله بن عمر وذلك أنه طلق امرأته حائضا

فأمره النبي صلى الله عليه و سلم أن يراجعها ثم يمسكها حتى تطهر قاله السدي
قوله تعالى لعدتهن أي لزمان عدتهن وهو الطهر وهذا للمدخول بها لأن غير المدخول بها لا عدة عليها
والطلاق على ضربين سني وبدعي
فالسني أن يطلقها في طهر لم يجامعها فيه وذلك هو الطلاق للعدة لأنها تعتد بذلك الطهر من عدة وتقع في العدة عقيب الطلاق فلا يطول عليها زمان العدة
والطلاق البدعي أن يقع في حال الحيض أو في طهر قد جامعها فيه فهو واقع وصاحبه آثم وإن جمع الطلاق الثلاث في طهر واحد فالمنصور من مذهبنا أنه بدعة
قوله تعالى وأحصوا العدة أي زمان العدة وفي إحصائها فوائد منها مراعاة زمان الرجعة وأوان النفقة والسكنى وتوزيع الطلاق على الإقرار إذا أراد أن يطلق ثلاثا وليعلم أنها قد بانت فيتزوج بأختها وأربع سواها

قوله تعالى واتقوا الله ربكم أي فلا تعصوه فيما أمرمكم به ولا تخرجوهن من بيوتهن فيه دليل على وجوب السكنى ونسب البيوت إليهن لسكناهن قبل الطلاق فيهن ولا يجوز لها أن تخرج في عدتها إلا لضرورة ظاهرة فإن خرجت أثمت إلا أن يأتين بفاحشة وفيها أربعة أقوال
أحدها المعنى إلا أن يخرجن قبل انقضاء المدة فخروجهن هو الفاحشة المبينة وهذا قول عبد الله بن عمر والسدي وابن السائب
والثاني أن الفاحشة الزنا رواه مجاهد عن ابن عباس وبه قال مجاهد والشعبي وعكرمة والضحاك فعلى هذا يكون المعنى إلا أن يزنين فيخرجن لإقامة الحد عليهن
والثالث الفاحشة أن تبذؤ على أهلها فيحل لهم إخراجها رواه محمد ابن إبراهيم عن ابن عباس
والرابع أنها إصابة حد فتخرج لإقامة الحد عليها قاله سعيد ابن المسيب
قوله تعالى وتلك حدود الله يعني ما ذكر من الأحكام ومن يتعد

حدود الله التي بينها وأمر بها فقد ظلم نفسه أي أثم فيما بينه وبين الله تعالى لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا أي يوقع في قلب الزوج المحبة لرجعتها بعد الطلقة و الطلقتين وهذا يدل على أن المستحب في الطلاق تفريقه وأن لا يجمع الثلاث
فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ذلكم يوعظ به من كان يؤمن بالله واليوم الآخر ومن يتق الله يجعل له مخرجا ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكل على الله فهو حسبه إن الله بالغ أمره قد جعل الله لكل شيء قدرا
قوله تعالى فإذا بلغن أجلهن أي قاربن انقضاء العدة فأمسكوهن بمعروف وهذا مبين في البقرة 231 وأشهدوا ذوي عدل منكم قال المفسرون أشهدوا على الطلاق أو المراجعة واختلف العلماء هل الإشهاد على المراجعة واجب أم مستحب وفيه عن أحمد روايتان وعن الشافعي قولان ثم قال للشهداء وأقيموا الشهادة لله أي اشهدوا بالحق وأدوها على الصحة طلبا لمرضاة الله وقياما بوصيته وما بعده قد سبق بيانه البقرة 232 إلى قوله تعالى ومن يتق الله يجعل له مخرجا فذكر أكثر

المفسرين أنها نزلت في عوف بن مالك الأشجعي أسر العدو ابنا له فذكر ذلك للنبي صلى الله عليه و سلم وشكا إليه الفاقة فقال اتق الله واصبر وأكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله ففعل الرجل ذلك فغفل العدو عن ابنه فساق غنمهم وجاء بها إلى أبيه وهي أربعة آلاف شاة فنزلت هذه الآية وفي معناها للمفسرين خمسة أقوال
أحدها ومن يتق الله ينجه من كل كرب في الدنيا والآخرة قاله ابن عباس
والثاني بأن مخرجه علمه بأن ما أصابه من عطاء أو منع من قبل الله وهو معنى قول ابن مسعود
والثالث ومن يتق الله فيطلق للسنة ويراجع للسنة يجعل له مخرجا قاله السدي
والرابع ومن يتق الله بالصبر عند المصيبة يجعل له مخرجا من النار إلى الجنة قاله ابن السائب
والخامس يجعل له مخرجا من الحرام إلى الحلال قاله الزجاج والصحيح أن هذا عام فإن الله تعالى يجعل للتقي مخرجا من كل ما يضيق عليه ومن لا يتقي يقع في كل شدة قال الربيع بن خثيم يجعل له مخرجا من كل ما يضيق

على الناس ويرزقه من حيث لا يحتسب أي من حيث لا يأمل ولا يرجو قال الزجاج ويجوز أن يكون إذا اتقى الله في طلاقه وجرى في ذلك على السنة رزقه الله أهلا بدل أهله ومن يتوكل على الله فهو حسبه أي من وثق به فيما نابه كفاه الله ما أهمه إن الله بالغ أمره وروى حفص والمفضل عن عاصم بالغ أمره مضاف والمعنى يقضي ما يريد قد جعل الله لكل شيء قدرا أي أجلا ومنتهى ينتهي إليه قدر الله ذلك كله فلا يقدم ولا يؤخر قال مقاتل قد جعل الله لكل شيء من الشدة والرخاء قدرا فقدر متى يكون هذا الغني فقيرا وهذا الفقير غنيا
واللائي يئسن من المحيض من نسائكم إن ارتبتم فعدتهن ثلثة أشهر واللائي لم يحضن وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن ومن يتق الله يجعل له من أمره يسرا ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله يكفر عنه سيآته ويعظم له أجرا
قوله تعالى واللائي يئسن من المحيض في سبب نزولها قولان

أحدهما أنها لما نزلت عدة المطلقة والمتوفى عنها زوجها في البقرة 227 232 قال أبي بن كعب يا رسول الله إن نساء من أهل المدينة يقلن قد بقي من النساء ما لم يذكر فيه شيء قال وما هو قال الصغار والكبار وذوات الحمل فنزلت هذه الآية قاله عمرو بن سالم
والثاني أنه لما نزل قوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن الآية البقرة 228 قال خلاد بن النعمان الأنصاري يا رسول الله فما عدة التي لا تحيض وعدة التي لم تحض وعدة الحبلى فنزلت هذه الآية قاله مقاتل ومعنى الآية إن ارتبتم أي شككتم فلم تدروا ما عدتهن فعدتهن ثلاثة أشهر واللائي لم يحضن كذلك
فصل
قال القاضي أبو يعلى والمراد بالارتياب ها هنا ارتياب المخاطبين في مقدار عدة الآيسة والصغيرة كما هو وليس المراد به ارتياب المعتدات في اليأس من المحيض أو اليأس من الحمل للسبب الذي ذكر في نزول الآية ولأنه لو أريد

بذلك النساء لتوجه الخطاب إليهن فقيل إن ارتبتن أو ارتبن لأن الحيض إنما يعلم من جهتهن
وقد اختلف في المرأة إذا تأخر حيضها لا لعارض كم تجلس فمذهب أصحابنا أنها تجلس غالب مدة الحمل وهو تسعة أشهر ثم ثلاثة والعدة هي الثلاثة التي بعد التسعة فإن حاضت قبل السنة بيوم استأنفت ثلاث حيض وإن تمت السنة من غير حيض حلت وبه قال مالك وقال أبو حنيفة والشافعي في الجديد تمكث أبدا حتى يعلم براءة رحمها قطعا وهي أن تصير في حد لا يحيض مثلها فتعتد بعد ذلك ثلاثة اشهر
قوله تعالى واللائي لم يحضن يعني عدتهن ثلاثة أشهر أيضا لأنه كلام لا يستقل بنفسه فلابد له من ضمير وضميره تقدم ذكره مظهرا وهو العدة بالشهور وهذا على قول أصحابنا محمول على من لم يأت عليها زمان الحيض أنها تعتد ثلاثة أشهر فأما من أتى عليها زمان الحيض ولم تحض فإنها تعتد سنة
قوله تعالى وأولات الأحمال أجلهن أن يضعن حملهن عام في المطلقات والمتوفى عنهن أزواجهن وهذا قول عمر وابن عمر وابن مسعود وأبي مسعود البدري وأبي هريرة وفقهاء الأمصار وقد روي عن ابن عباس أنه قال تعتد آخر الأجلين ويدل على قولنا عموم الآية وقول ابن مسعود من شاء لاعنته ما نزلت وأولات الأحمال إلا بعد آية المتوفى عنها زوجها

وقول أم سلمة إن سبيعة وضعت بعد وفاة زوجا بأيام فأمرها رسول الله صلى الله عليه و سلم أن تتزوج
قوله تعالى ومن يتق الله أي فيما أمر به يجعل له من أمره يسرا يسهل عليه أمر الدنيا والآخرة وهذا قول الأكثرين وقال الضحاك ومن يتق الله في طلاق السنة يجعل الله له من أمره يسرا في الرجعة ذلك أمر الله أنزله إليكم ومن يتق الله بطاعته يكفر عنه سيآته أي يمح عنه خطاياه ويعظم له أجرا في الآخرة
أسكنوهن من حيث سكنتم من وجدكم ولا تضاروهن لتضيقوا عليهن وإن كن أولات حمل فأنفقوا عليهن حتى يضعن حملهن فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن وائتمروا بينكم بمعروف وإن تعاسرتم فسترضع له أخرى لينفق ذو سعة من سعته ومن قدر عليه رزقه فلينفق مما آتاه الله لا يكلف الله نفسا إلا ما آتها سيجعل الله بعد عسر يسرا
أسكنوهن من حيث سكنتم ومن صلة قوله من وجدكم

قرأ الجمهور بضم الواو وقرأ أبو هريرة وأبو عبد الرحمن وأبو رزين وقتادة وروح عن يعقوب بكسر الواو وقرأ ابن يعمر وابن أبي عبلة وأبو حيوة بفتح الواو قال ابن قتيبة أي بقدر وسعكم والوجد المقدرة والغنى يقال افتقر فلان بعد وجد قال الفراء يقول على ما يجد فإن كان موسعا عليه وسع عليها في المسكن والنفقة وإن كان مقترا عليه فعلى قدر ذلك
قوله تعالى ولا تضاروهن بالتضييق عليهن في المسكن والنفقة وأنتم تجدون سعة قال القاضي أبو يعلى المراد بهذا الملطقة الرجعية دون المبتوتة بدليل قوله تعالى لا تدري لعل الله يحدث بعد ذلك أمرا الطلاق 1 وقوله فإذا بلغن أجلهن فأمسكوهن بمعروف أو فارقوهن بمعروف الطلاق 2 فدل ذلك على أنه أراد الرجعية
وقد اختلف الفقهاء في المبتوتة هل لها سكنى ونفقة في مدة العدة أم لا فالمشهور عند أصحابنا أنه لا سكنى لها ولا نفقة وهو قول ابن أبي ليلى وقال أبو حنيفة لها السكنى والنفقة وقال مالك والشافعي لها السكنى دون النفقة وقد رواه الكوسج عن أحمد ويدل على الأول حديث فاطمة بنت قيس أن النبي صلى الله عليه و سلم قال لها إنما النفقة للمرأة على زوجها ما كانت له عليها الرجعة فإذا لم يكن له عليها فلا نفقة ولا سكنى ومن حيث المعنى إن النفقة إنما تجب لأجل التمكين من الاستمتاع بدليل أن الناشز لا نفقة لها

واختلفوا في الحامل والمتوفى عنها زوجها فقال ابن مسعود وابن عمر وأبو العالية والشعبي وشريح وإبراهيم نفقتها من جميع المال وبه قال مالك وابن ابي ليلى والثوري وقال ابن عباس وابن الزبير والحسن وسعيد بن المسيب وعطاء نفقتها في مال نفسها وبه قال أبو حنيفة وأصحابه وعن أحمد كالقولين
قوله تعالى فإن أرضعن لكم فآتوهن أجورهن يعني أجرة الرضاع وفي هذا دلالة على أن الأم إذا رضيت أن ترضعه بأجرة مثله لم يكن للأب أن يسترضع غيرها وأتمروا بينكم بمعروف أي لا تشتط المرأة على الزوج فيما تطلبه من أجرة الرضاع ولا يقصر الزوج عن المقدار المستحق وإن تعاسرتم في الأجرة ولم يتراض الوالدان على شيء فسترضع له أخرى لفظه لفظ الخبر ومعناه الأمر أي فليسترضع الوالد غير والدة الصبي
لينفق ذو سعة من سعته أمر أهل التوسعة أن يوسعوا على نسائهم المرضعات أولادهن على قدر سعتهم وقرأ ابن السميفع لينفق بفتح القاف ومن قدر عليه رزقه أي ضيق عليه من المطلقين وقرأ ابي بن كعب وحميد قدر بضم القاف وتشديد الدال وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة قدرة بفتح القاف وتشديد الدال رزقه بنصب القاف فلينفق مما آتاه الله على قدر ما أعطاه لا يكلف الله نفسا إلا ما آتاها أي على قدر ما أعطاها من المال سيجعل الله بعد عسر يسرا أي بعد ضيق وشدة غنى وسعة وكان الغالب عليهم حنيئذ الفقر فأعلمهم أنه سيفتح عليهم بعد لك

وكأين من قرية عتت عن أمر ربها ورسله فحاسبناها حسابا شديدا وعذبناها عذاب نكرا فذاقت وبال أمرها وكان عاقبة أمرها خسرا أعد الله لهم عذابا شديدا فاتقوا الله يا أولي الألباب الذين آمنوا قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا يتلوا عليكم آيات الله مبينات ليخرج الذين آمنوا وعملوا الصالحات من الظلمات إلى النور ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يدخله جنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا قد أحسن الله له رزقا
قوله تعالى وكأين أي وكم من قرية عتت عن أمر ربها ورسله أي عن أمر رسله والمعنى عتا أهلها قال ابن زيد عتت أي كفرت وتركت أمر بها فلم تقبله وفي باقي الآية قولان
أحدهما أن فيها تقديما وتأخيرا والمعنى عذبناها عذاب نكرا في الدنيا بالجوع والسيف والبلايا وحسبناها حسابا شديدا في الآخرة قاله ابن عباس والفراء في آخرين
والثاني أهنا على نظمها والمعنى حاسبناها بعملها في الدنيا فجازيناها بالعذاب على مقدار عملها فذلك قوله تعالى وعذبناها فجعل المجازاة بالعذاب محاسبة والحساب الشديد الذي لا عفو فيه والنكر المنكر فذاقت وبال أمرها أي جزاء ذنبها وكان عاقبة أمرها خسرا في الدنيا والآخرة وقال ابن قتيبة الخسر الهلكة
قوله تعالى قد أنزل الله إليكم ذكرا أي قرآنا رسولا أي وبعثه رسولا قاله مقاتل وإلى نحوه ذهب السدي وقال ابن السائب الرسول ها هنا جبرائيل فعلى هذا يكون الذكر والرسول جميعا منزلين وقال ثعلب الرسول هو الذكر وقال غيره معنى الذكر ها هنا الشرف

وما بعده قد تقدم البقرة 257 والأحزاب 43 والتغابن 9 إلى قوله تعالى قد أحسن الله له رزقا يعني الجنة التي لا ينقطع نعيمها
الله الذي خلق سبع سموات ومن الأرض مثلهن يتنزل الأمر بينهن لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما
قوله ومن الأرض مثلهن أي وخلق الأرض بعددهن وجاء في الحديث كثافة كل سماء مسيرة خمسمائة عام وما بينها وبين الأخرى كذلك وكثفاة كل أرض خمسمائة عام وما بينها وبين الأرض الأخرى كذلك وقد

روى أبو الضحى عن ابن عباس قال في كل أرض آدم مثل آدمكم ونوح مثل نوحكم وإبراهيم مثل إبراهيمكم وعيسى كعيسى فهذا الحديث تارة يرفع إلى ابن عباس وتارة يوقف على أبي الضحى وليس له معنى إلا ما حكى أبو سليمان الدمشقي قال سمعت أن معناه إن في كل أرض خلقا من خلق الله لهم سادة يقوم كبيرهم ومتقدمهم في الخلق مقام آدم فينا وتقوم ذريته في السن والقدم كمقام نوح وعلى هذا المثال سائرهم وقال كعب ساكن الأرض الثانية البحر العقيم وفي الثالثة حجارة جهنم والرابعة كبريت جهنم والخامسة حيات جهنم والسادسة عقارب جهنم والسابعة فيها إبليس
قوله تعالى يتنزل الأمر بينهن في الأمر قولان
أحدهما قضاء الله وقدره قاله الأكثرون قال قتادة في كل أرض

من أرضه وسماء من سمائه خلق من خلقه وأمر من أمره وقضاء من قضائه
والثاني أنه الوحي قاله مقاتل
قوله تعالى لتعلموا أن الله على كل شيء قدير وأن الله قد أحاط بكل شيء علما أعلمكم بهذا لتعلموا قدرته على كل شيء وعلمه بكل شيء

سورة التحريم
وهي مدنية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك تبتغي مرضات أزواجك والله غفور رحيم قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم والله مولكم وهو العليم الحكيم وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا فلما نبأت به وأظهره الله عليه عرف بعضه وأعرض عن بعض فلما نبأها به قالت من أنبأك هذا قال نبأني العليم الخبير إن تتوبا إلى الله فقد صغت قلوبكما وإن تظاهرا عليه فإن الله هو موله وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير عسى ربه إن طلقكن أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات مؤمنات قانتات تائبات عابدات سائحات ثيبات وأبكارا
قوله تعالى لم تحرم ما أحل الله لك في سبب نزولها قولان
أحدهما أن حفصة ذهبت إلى أبيها تتحدث عنده فأرسل النبي صلى الله عليه و سلم إلى جاريته فظلت معه في بيت حفصة وكان اليوم الذي يأتي فيه عائشة

فرجعت حفصة فوجدتها في بيتها فجعلت تنتظر خروجها وغارت غيرة شديدة فلما دخلت حفصة قالت قد رأيت من كان عندك والله لقد سؤتني فقال النبي صلى الله عليه و سلم والله لأرضينك وإني مسر إليك سرا فاحفظيه قالت وما هو قال إني أشهدك أن سريتي هذه علي حرام رضى لك وكانت عائشة وحفصة متظاهرتين على نساء النبي صلى الله عليه و سلم فانطلقت حفصة إلى عائشة فقالت لها أبشري إن النبي صلى الله عليه و سلم قد حرم عليه فتاته فنزلت هذه الآية رواه العوفي عن ابن عباس وقد روي عن عمر نحو هذا المعنى وقال فيه فقالت حفصة كيف تحرمها عليك وهي جاريتك فحلف لها أن لا يقربها فقال لها لا تذكريه لأحد فذكرته لعائشة فآلى أن لا يدخل على نسائه شهرا فنزلت هذه الآية وقال الضحاك قال لها لا تذكري لعائشة ما رأيت فذكرته فغضبت عائشة ولم تزل بنبي الله حتى حلف أن لا يقربها فنزلت هذه الآية وإلى هذا المعنى ذهب سعيد بن جبير ومجاهد وعطاء والشعبي ومسروق ومقاتل والأكثرون

والثاني ما روى عروة عن عائشة قالت كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يحب الحلواء والعسل وكان إذا انصرف من صلاة العصر دخل على نسائه فدخل على حفصة بنت عمر واحتبس عندها فسألت عن ذلك فقيل أهدت لها امرأة من قومها عكة من عسل فسقت رسول الله صلى الله عليه و سلم فقلت أما والله لنحتالن له فقلت لسودة إنه سيدنوا منك إذا دخل عليك فقولي له يا رسول الله أكلت مغافير فإنه سيقول لك سقتني حفصة شربة عسل فقولي جرست نحلة العرفط وسأقول ذلك وقولي أنت يا صفية ذلك فلما دار إلى حفصة قالت له يا رسول الله أسقيك منه قال لا حاجة لي فيه قالت تقول سودة سبحان الله والله لقد حرمناه قلت لها اسكتي أخرجه البخاري ومسلم في الصحيحين وفي رواية ابن ابي ملكية عن ابن عباس

أن التي شرب عندها العسل سودة فقالت له عائشة إني لأجد منك ريحا ثم دخل على حفصة فقالت إني أجد منك ريحا فقال إني أراه من شراب شربته عند سودة والله لا أشربه فنزلت هذه الآية وفي حديث عبيد بن عمير عن عائشة ان التي شرب عندها العسل زيتب بنت جحش فتواطأت حفصة وعائشة أن تقولا له ذلك القول قال أبو عبيد المغافير شيء شبيه بالصمغ فيه حلاوة وخرج الناس يتمغفرون إذا خرجوا يجتنونه ويقال المغاثير بالثاء مثل جدث وجدف وقال الزجاج المغافير صمغ متغير الرائحة فخرج في المراد بالذي أحل الله له قولان

أحدهما أنه جاريته والثاني العسل
قوله تعالى تبتغي مرضات أزواجك أي تطلب رضاهن بتحريم ذلك والله غفور رحيم غفر الله لك التحريم قد فرض الله لكم قال مقاتل قد بين الله لكم تحلة أيمانكم أي كفارة أيمانكم وذلك البيان في المائدة 89 قال المفسرون وأصل تحلة تحلله على وزن تفعلة فأدغمت والمعنى قد بين الله لكم تحليل أيمانكم بالكفارة فأمره الله أن يكفر يمينه فأعتق رقبة

واختلفوا هل حرم مارية على نفسه بيمين أم لا على قولين
أحدهما حرمها من غير ذكر يمين فكان التحريم موجبا لكفارة اليمين قاله ابن عباس
والثاني أنه حلف يمينا حرمها بها قاله الحسن والشعبي وقتادة والله مولاكم أي وليكم وناصركم
قوله تعالى وإذ أسر النبي إلى بعض أزواجه حديثا يعني حفصة من غير خلاف علمناه
وفي هذا السر ثلاثة أقوال
أحدها أنه قال لها إني مسر إليك سرا فاحفظيه سريتي هذه علي حرام رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال عطاء والشعبي والضحاك وقتادة وزيد بن أسلم وابنه والسدي

والثاني أنه قال لها أبوك وأبو عائشة واليا الناس من بعدي فإياك أن تخبري أحدا رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثالث أنه أسر إليها أن أبا بكر خليفتي من بعدي قاله ميمون بن مهران

قوله تعالى فلما نبأت به أي أخبرت به عائشة وأظهره الله عليه أي أطلع الله نبيه على قوله حفصة لعائشة فغضب رسول الله صلى الله عليه و سلم غضبا شديدا لأنه استكتم حفصة ذلك ثم دعاها فأخبرها ببعض ما قالت فذلك قوله تعالى عرف بعضه وأعرض عن بعض وفي الذي عرفها إياه قولان
أحدهما أنه حدثها ما حدثتها عائشة من شأن أبي بكر وعمر وسكت عما أخبرت عائشة من تحريم مارية لأنه لم يبال ما أظهرت من ذلك رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثاني أن الذي عرف تحريم مارية والذي أعرض عنه ذكر الخلافة لئلا ينتشر قاله الضحاك وهذا اختيار الزجاج قال ومعنى عرف بعضه عرف حفصة بعضه وقرأ الكسائي عرف بالتخفيف قال الزجاج على هذه القراءة قد عرف كل ما أسره غير أن المعنى جاري على بعضه كقوله تعالى وما تفعلوا من خير يعلمه الله البقرة 179 أي يعلمه ويجاز عليه وكذلك فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره الزلزلة 7 أي ير جزاءه فقيل إن النبي صلى الله عليه و سلم طلق حفصة تطليقة فكان ذلك جزاءها عنده فأمره الله أن يراجعها وقال مقاتل بن حيان لم يطلقها وإنما هم بطلاقها فقال له جبريل لا تطلقها فإنها صوامة قوامة وقال الحسن ما استقصى كريم قط ثم قرأ عرف

بعضه وأعرض عن بعض وقرأ ابن مسعود وأبي بن كعب وابن السميفع عراف برفع العين وتشديد الراء وبألف بعضه بالخفض
قوله تعالى فلما نبأها به أي أخبر حفصة بإفشائها السر قالت من أنبأك هذا أي من أخبرك بأني أفشيت سرك قال نبأني العليم الخبير ثم خاطب عائشة وحفصة فقال إن تتوبا إلى الله أي من التعاون على رسول الله صلى الله عليه و سلم بالإيذاء فقد صغت قلبوكما قال ابن عباس زاغت وأثمت قال الزجاج عدلت وزاغت عن الحق قال مجاهد كنا نرى قوله تعالى فقد صغت قلوبكما شيئا هينا حتى وجدناه في قراءة ابن مسعود فقد زاغت قلبوكما وإنما جعل القلبين جماعة لأن كل اثنين فما فوقهما جماعة وقد أشرنا إلى هذا في قوله تعالى فإن كان له إخوة النساء 11 وقوله تعالى إذ تسوروا المحراب ص11 قال المفسرون وذلك أنهما أحبا ما كره رسول الله صلى الله عليه و سلم من اجتاب جاريته وإن تظاهرا وقرأ ابن مسعود وأبو عبدالرحمن ومجاهد والأعمش تظاهرا بتخفيف الظاء أي تعاونا على النبي صلى الله عليه و سلم بالإيذاء فإن الله هو مولاه أي وليه في العون والنصرة وجبريل وليه وصالح المؤمنين وفي المراد بصالح المؤمنين ستة اقوال
أحدها أنهم أبو بكر وعمر قاله ابن مسعود وعكرمة والضحاك
والثاني أبو بكر رواه مكحول عن أبي أمامة
والثالث عمر قاله ابن جبير ومجاهد
والرابع خيار المؤمنين قاله الربيع بن أنس

والخامس أنهم الأنبياء قاله قتادة والعلاء بن زياد العدوي وسفيان
والسادس أنه علي رضي الله عنه حكاه الماوردي قاله الفراء وصالح المؤمنين موحد في مذهب جميع كما تقول لا يأتيني إلا سائس الحرب فمن كان ذا ساسة للحرب فقد أمر بالمجيء ومثله قوله تعالى والسارق السارقة المائدة 38 وقوله تعالى واللذان يأتيانها منكم النساء 16 وقوله تعالى إن الإنسان خلق هلوعا المعارج 19 في كثير من القرآن يؤدي معنى الواحد عن الجميع
قوله تعالى والملائكة بعد ذلك ظهير أي ظهرا وهذا مما لفظه لفظ الواحد ومعناه الجميع ومثله يخرجكم طفلا غافر 67 وقد شرحناه هناك ثم خوف نساءه فقال تعالى عسى ربه إن طلقكن وسبب نزولها ما روى أنس عن عمر بن الخطاب قال بلغني بعض ما آذى به رسول الله نسؤاه فدخلت عليهن فجعلت أستقرئهن واحدة واحدة فقلت والله لتنتهن أو ليبدلنه الله أزواجا خيرا منكن فنزلت هذه الآية والمعنى واجب من الله إن طلقكن رسوله أن يبدله أزواجا خيرا منكن مسلمات أي خاضعات لله بالطاعة مؤمنات مصدقات بتوحيد الله قانتات أي طائعات سائحات فيه قولان

أحدهما صائمات قاله ابن عباس والجمهور وقد شرحنا هذا المعنى عند قوله تعالى السائحون التوبة 112
والثاني مهاجرات قاله زيد بن أسلم وابنه والثيبات جمع ثيب وهي المرأة التي قد تزوجت ثم ثابت إلى بيت أبويها فعادت كما كانت غير ذات زوج والأبكار العذارى
يا أيها الذين آمنوا قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقودها الناس والحجارة عليها ملئكة غلاظ شداد لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما ؤمرون يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم إنما تجزون ما كنتم تعملون يا أيها الذين آموا توبوا إلى الله توبة نصوحا عسى ربكم أن يكفر عنكم سيآتكم ويدخلكم جنات تجري من تحتها الأنهار يوم لا يخزي الله النبي والذين آمنوا معه نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم يقولون ربمنا أتمم لنا نورنا واغفر لنا إنك على كل شيء قدير
قوله تعالى قوا أنفسكم وأهليكم نارا وقاية النفس بامتثال الأوامر واجتاب النواهي ووقاية الأهل بأن يؤمروا بالطاعة وينهوا عن المعصية وقال علي رضي الله عنه علموهم وأدبوهم وقودها الناس والحجارة وقد

ذكرناه في البقرة 24 عليها ملائكة غلاظ على أهل النار شداد عليهم وقيل غلاظ القلوب شداد الأبدان وروى أبو صالح عن ابن عباس قال خزنة النار تسعة عشر ما بين منكبي أحدهم مسيرة سنة وقوته أن يضرب بالمقمعة فيدفع بتلك الضربة سبعين ألفا فيهوون في قعر جهنم لا يعصون الله ما أمرهم أي لا يخافون فيما يأمر ويفعون ما يؤمرون فيه قولان
أحدهما لا يتجاوزون ما يؤمرون والثاني يفعلونه في وقته لا يؤخرونه ولا يقدمونه ويقال لأهل النار يا أيها الذين كفروا لا تعتذروا اليوم
قوله تعالى توبوا إلى الله توبة نصوحا قرأ أبو بكر عن عاصم وخارجة عن نافع نصوحا بضم النون والبقاون بفتحها قال الزجاج فمن فتح فعلى صفة التوبة ومعناه توبة بالغة في النصح وفعول من أسماء الفاعلين التي تستعمل للمبالغة في الوصف تقول رجل صبور وشكور ومن قرأ بالضم فمعناه ينصحون فيها نصوحا يقال نصحت له نصحا ونصاحة ونصوحا وقال غيره من ضم أراد توبة نصح لأنفسكم وقال

عمر بن الخطاب التوبة النصوح أن يتوب العبد من الذنب وهو يحدث نفسه أنه لا يعود وسئل الحسن البصري عن التوبة النصوح فقال دم بالقلب واستغفار باللسان وترك بالجوارح وإضمار أن لا يعود وقال ابن مسعود التوبة النصوح تكفر كل سيئة ثم قرأ هذه الآية
قوله تعالى يوم لا يخزي الله النبي قد بينا معنى الخزي في آل عمران 192 وبينا معنى قوله تعالى نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم في الحديد 12 يقولون ربنا أتمم لنا نورنا وذلك إذا رأى المؤمنون نور المنافقين يطفأ سألوا الله تعالى أن يتمم لهم نورهم ويبلغهم به الجنة قال ابن عباس ليس أحد من المسلمين إلا يعطى نورا يوم القيامة فأما المنافق فيطفأ نوره والمؤمن مشفق مما رأى من إطفاء نور المنافق فهم يقولون ربنا أتمم لنا نورنا
يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأوهم جنهم وبئس المصير ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتاهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين وضرب الله الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين
قوله تعالى جاهد الكفار والمنافين قد شرحناه في براءة 73
قوله تعالى ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأة نوح قال المفسرون منهم مقال هذا المثل يتضمن تخويف عائشة وحفصة أنهما إن عصيا ربهما لم يغن

رسول الله صلى الله عليه و سلم عنهما شيئا قال مقاتل اسم امرأة نوح والهة وامرأة لوط والغة
قوله تعالى كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين يعني نوحا ولوطا عليهما السلام فخانتاهما قال ابن عباس ما بغت امرأة نبي قط إنما كانت خيانتهما في الدين كانت امرأة نوح تخبر الناس أنه مجنون وكانت امرأة لوط تدل على الأضياف فإذا نزل بلوط ضيف بالليل أوقدت النار وإذا نزل بالنهار دخنت ليعلم قومه أنه قد نزل به ضيف وقال السدي كانت خيانتهما كفرهما وقال الضحاك نميمتهما وقال ابن السائب نفاقهما
قوله تعالى فلم يغنيا عنهما من الله شيئا أي فلم يدفعا عنهما من عذاب الله شيئا وهذه الآية تقطع طمع من ركب المعصية ورجا أن ينفعه صلاح غيره ثم أخبر أن معصية الغير لا تضر المطيع بقوله تعالى وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون وهي آسية بنت مزاحم رضي الله عنها وقال يحيى بن سلام ضرب الله المثل الأول يحذر به عائشة وحفصة رضي الله عنهما ثم ضرب لهما هذا المثل يرغبهما في التمسك بالطاعة وكانت آسية قد آمنت بموسى قال أبو هريرة ضرب فرعون لامرأته أوتادا في يديها ورجليها وكانوا إذا تفرقوا عنها أظلتها الملائكة فقالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة فكشف الله لها عن بيتها في الجنة حتى رأته قبل موتها ونجني من فرعون وعمله فيه قولان

أحدهما أن عمله جماعه والثاني أنه دينه رويا عن ابن عباس ونجني من القوم الظالمين يعني أهل دين المشركين
قوله تعالى والتي أحصنت فرجها قد ذكرنا فيه قولين في سورة الأنبياء 92 فمن قال هو فرج ثوبها قال الهاء في قوله تعالى فنفخنا فيه يرجع إليه وذلك أن جبريل مد جيب درعها فدخل فيه ومن قال هو مخرج الولد قال الهاء كناية عن غير مذكور لأنه إنما نفخ في درعها لا في فرجها
قوله تعالى وصدقت بكلمات ربها وفيه قولان
أحدهما أنها قول جبريل إنما أنا رسول ربك مريم 19
والثاني أن الكلمات هي التي تضمنتها كتب الله المنزلة وقرأ أبي ابن كعب وأبو مجلز وعاصم الجحدري بكلمة ربها على التوحيد وكتبه قرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم وكتابه على التوحيد وقرأ أبو عمرو وحفص عن عاصم وخارجة عن نافع وكتبه

جماعة وهي التي أنزلت على الأنبياء ومن قرأ وكتابه فهو اسم جنس على ما بينا في خاتمة البقرة 285 وقد بينا فيها القنوت مشروحا البقرة 116 ومعنى الآية وكانت من القانتين ولذلك لم يقل من القانتات

سورة الملك
وهي مكية بإجماعهم
قال ابن مسعود هي المانعة من عذاب القبر
بسم الله الرحمن الرحيم
تبارك الذي بيده الملك وهو على كل شيء قدير الذي خلق الموت والحيوة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وهو العزيز الغفور الذي خلق سبع سموات طباقا ما ترى في خلق الرحمن من تفاوت فارجع البصر هل ترى من فطور ثم ارجع البصر كرتين ينقلب إليك البصر خاسئا وهو حسير ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وجعلناها رجوما للشياطين وأعتدنا لهم عذاب السعير وللذين كفروا بربهم عابا جهنم وبئس المصير إذا ألقوا فيها سمعوا لها شهيقا وهي تفور تكاد تميز من الغيظ كلما ألقي فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا وقلنا ما نزل الله من شيء إن أنتم إلا في ضلال كبير وقالوا لو كنا نسمع أو نعقل ما كنا في أصحاب السعير فاعترفوا بذنبهم فسحقا لأصحاب السعير

قوله تعالى تبارك قد شرحناه في الأعراف 54
قوله تعالى الذي بيده الملك قال ابن عباس يعني السلطان يعز ويذل
قوله تعالى الذي خلق الموت والحياة قال الحسن خلق الموت المزيل للحياة والحياة التي هي ضد الموت ليبلوكم أيكم أحسن عملا قد شرحناه في هود 7 قال الزجاج والمعلق ب أيكم مضمر تقديره ليبلوكم فيعلم أيكم أحسن عملا وهذا علم وقوع وارتفعت أي بالابتداء ولا يعمل فيها ما قبلها لأنها على أصل الاستفهام ومثله أي الحزبين أحصى الكهف 12 والمعنى خلق الحياة ليختبركم فيها وخلق الموت ليبعثكم ويجازيكم وقال غيره اللام في ليبلوكم متعلق بخلق الحياة دون خلق الموت لأن الابتلاء بالحياة الذي خلق سبع سموات طباقا أي خلقهن مطابقات أي بعضها فوق بعض ما ترى يا ابن آدم في خلق الرحمن من تفاوت قرأ حمزة والكسائي من تفوت بتشديد الواو من غير ألف وقرأ الباقون بألف قال الفراء وهما بمنزلة واحدة كما تقول تعاهدت الشيء وتعهدته والتفاوت الاختلاف وقال ابن قتيبة التفاوت الاضطراب والاختلاف وأصله من الفوت وهو أن يفوت شيء شيئا فيقع الخلل ولكنه متصل بعضه ببعض
قوله تعالى فارجع البصر أي كرر البصر هل ترى من فطور

وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي هل ترى بإدغام اللام في التاء أي هل ترى فيها فروجا وصدوعا
قوله تعالى ثم ارجع البصر كرتين أي مرة بعد مرة ينقلب إليك البصر خاسئا قال ابن قتيبة أي مبعدا من قولك خسأت الكلب إذا باعدته وهو حسير أي كليل منقطع عن أن يلحق ما نظر إليه وقال الزجاج قد أعيا من قبل أن يرى في المساء خللا
قوله تعالى ولقد زينا السماء الدنيا بمصابيح وقد شرناه في حم السجد 12 وجعلناها رجوما للشياطين أي يرجم بها مسترقوا السمع وقد سبق بيان هذا المعنى الحجر 18 وأعتدنا لهم أي في الآخرة عذاب السعير وهذا وما بعده قد سبق بيانه إلى قوله تعالى سمعوا لها شهيقا أي صوتا مثل صوت الحمار وقد بينا معنى الشهيق في هود 106 وهي تفور أي تغلي بهم كغلي المرجل تكاد تميز أي تتقطع من تغيظها عليهم كلما ألقي فيها فوج أي جماعة منهم سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير وهذا سؤال توبيخ
قوله تعالى إن أنتم أي قلنا للرسل إن أنتم إلا في ضلال أي في ذهاب عن الحق بعيد قال الزجاج ثم اعترفوا بجهلهم فقالوا لو كنا نسمع أي سماع من يعي ويفكر أو نعقل عقل من يميز وينظر ما كنا من أهل النار فسحقا أي بعدا وهو منصوب على المصدر المعنى أسحقهم الله سحقا أي باعدهم الله من رحمته مباعدة والسحيق البعيد وكذلك روى ابن أبي طلحة عن ابن عباس فسحقا أي بعدا وقال سعيد بن جبير وأبو صالح السحق واد في جهنم يقال له سحق

إن الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة وأجر كبير واسروا قولكم أو اجهروا به إنه عليم بذات الصدور ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور
قوله تعالى إن الذين يخشون ربهم بالغيب قد شرحناه في سورة الأنبياء 49 لهم مغفرة لذنوبهم وأجر كبير وهو الجنة ثم عاد إلى خطاب الكفار فقال تعالى وأسروا قولكم أو اجهروا به قال ابن عباس نزلت في المشركين كانوا ينالون من رسول الله صلى الله عليه و سلم فيخبره جبرائيل بما قالوا فيقول بعضهم أسروا قولكم حتى لا يسمع إله محمد
قوله تعالى ألا يعلم من خلق أي ألا يعلم ما في الصدور خالقها واللطيف مشروح في الأنعام 103 والخبير في البقرة 234
قوله تعالى هو الذي جعل لكم الأرض ذلولا أي مذللة سهلة لم يجعلها ممتنعة بالحزونة والغلظ
قوله تعالى فامشوا في مناكبها فيه ثلاثة اقوال
أحدها طرقاتها رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد
والثاني جبالها رواه ابن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال قتادة واختاره الزجاج قال لأن المعنى سهل لكم السلوك فيها فإذا أمكنكم السلوك في جبالها فهو أبلغ في التذليل

والثالث في جوانبها قاله مقاتل والفراء وأبو عبيدة واختاره ابن قتيبة قال ومنكبا الرجل جانباه
قوله تعالى وإليه النشور أي إليه تبعثون من قبوركم
ءأمنتم من في السماء أن يخسف بكم الأرض فإذا هي تمور أم أمنتم من في السماء أن يرسل عليكم حاصبا فستعلمون كيف نذير ولقد كذب الذين من قبلهم فكيف كان نكير أولم يروا إلى الطير فوقهم صافات ويقبضن ما يمسكهن إلا الرحمن إنه بكل شيء بصير
ثم خوف الكفار فقال أأمتم قرأ ابن كثير وإليه النشور وأمنتم وقرأ نافع وأبو عمرو النشرو آمنتم بهمزة ممدودة وقرأ عاصم وابن عامر وحمزة والكسائي أأمنتم بهمزتين من في السماء قال ابن عباس أمنتم عذاب من في السماء وهو الله عز و جل وتمور بمعنى تدور قال مقاتل والمعنى تدور بكم إلى الأرض السفلى
قوله تعالى أن يرسل عليكم حاصبا وهي الحجارة كما أرسل على قوم لوط فستعلمون كيف نذير أي كيف كانت عاقبة إنذاري لكم في الدنيا إذا نزل بكم العذاب ولقد كذب الذين من قبلهم يعني كفار الأمم فكيف كان نكير أي إنكاري عليهم بالعذاب
أو لم يروا إلى الطير فوقهم صافات أي تصف أجنحتها في الهواء وتقبض أجنحتها بعد البسط وهذا معنى الطيران وهو بسط الجناح وقبضه بعد البسط ما يمسكهن أن يقعن إلا الرحمن

أمن هذا الذي هو جند لكم ينصركم من دون الرحمن إن الكافرون إلا في غرور أمن هذا الذي يرزقكم إن أمسك رزقه بل لجوا في عتو ونفور أفمن يمشي مكبا على وجهه أهدى أمن يمشي سويا على صراط مستقيم قل هو الذي أنشأكم وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة قليلا ما تشكرون قل هو الذي ذرأكم في الأض وإليه تحشرون ويقولون متى هذ الوعد إن كنتم صادقين قل إنما العلم عند الله وإنما أنا نذير مبين فلما رأوه زلفة سيئت وجوه الذين كفروا وقيل هذا الذي كنتم به تدعون
قوله تعالى أمن هذا الذي هو جند لكم هذا استفهام إنكار ولفظ الجند موحد فلذلك قال تعالى هذا الذي هو والمعنى لا جند لكم ينصركم أي يمنعكم من عذاب الله إن أراده بكم إن الكافرون إلا في غرور وذلك أن الشيطان يغرهم فيقول إن العذاب لا ينزل بكم أمن هذا الذي يرزقكم المطر وغيره إن أمسك الله ذلك عنكم بل لجوا في عتوا أي تماد في كفر ونفور عن الإيمان
ثم ضرب مثلا فقال تعالى أفمن يمشي مكبا على وجهه قال ابن قتيبة أي لا يبصر يمينا ولا شمالا ولا من بين يديه يقال أكب فلان على وجهه بالأف وكبه الله لوجهه وأراد الأعمى قال المفسرون هذا مثل للمؤمن والكافر والسوي المعتدل أي الذي يبصر الطريق وقال قتادة هذا في الآخرة يحشر الله الكافر مكبا على وجهه والمؤمن يمشي سويا
قوله تعالى قليلا ما تشكرون فيه قولان

أحدهما أنهم لا يشكرون قاله مقاتل والثاني يشركون قليلا قاله أبو عبيد
قوله تعالى ذرأكم أي خلقكم ويقولون متى هذا الوعد يعنون بالوعد العذاب فلما رأوه زلفة أي رأوا العذاب قريبا منهم سيئت وجوه الذين كفروا قال الزجاج أي تبين فيها السوء وقال غيره قبحت بالسواد وقيل هذا الذي كنتم به تدعون فيه قولان
أحدهما أن تدعون بالتشديد بمعنى تدعون بالتخفيف وهو تفتعلون من الدعاء يقال دعوت وادعيت كما يقال خبرت واختبرت ومثله يدكرون ويدكرون هذا قول الفراء وابن قتيبة
والثاني أن المعنى هذا الذي كنتم من أجله تدعون الأباطيل والأكاذيب تدعون أنكم إذا متم لا تبعثون وهذا اختيار الزجاج وقرأ أبو رزين والحسن وعكرمة وقتادة والضحاك وابن أبي عبلة ويعقوب تدعون بتخفيف الدال وسكونها بمعنى تفعلون من الدعاء وقال قتادة كانوا يدعون بالعذاب
قل أرأيتم إن أهلكني الله ومن معي أو رحمنا فمن يجير الكافرين من عذاب أليم قل هو الرحمن آمنا به وعليه توكلنا فستعلمون من هو في ضلال مبين قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين
قوله تعالى قل ارأيتم إن أهلكني الله بعذابه ومن معي من المؤمنين قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحفص عن عاصم معي بفتح الياء وقرأ أبو بكر عن عاصم والكسائي معي بالإسكان أو رحمنا فلم يعذبنا فمن يجير الكافرين أي يمنعهم ويؤمنهم من

عذاب أليم ومعنى الآية إنا مع إيماننا بين الخوف الرجاء فمن يجيبركم مع كفركم من العذاب أي لأنه لا رجاء لكم كرجاء المؤمنين قل هو الرحمن الذي نعبد فستعلمون وقرأ الكسائي فسيعلمون بالياء عند معاينة العذاب من الضال نحن أم أنتم
قوله تعالى إن أصبح ماؤكم غورا قد بيناه في الكهف 41 فمن يأتيكم بماء معين أي بماء ظاهر تراه العيون وتناله الأرشية

سورة القلم
وهي مكية كلها بإجماعهم
إلا ما حكي عن ابن عباس وقتادة أن فيها من المدني قوله تعالى إنا بلوناهم إلى قوله تعالى لو كانوا يعلمون
بسم الله الرحم الرحيم
ن والقلم وما يسطرون ما أنت بنعمة ربك بمجنون وإن لك لأجرا غير ممنون وإنك لعلى خلق عظيم فستبصر ويبصرون بأيكم المفتون إن ربك هوأعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين
قوله تعالى ن قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة وحفص ن والقلم النون في آخر الهجاء من نون ظاهرة عندالواو وهذا اختيار الفراء وروى أبو بكر عن عاصم أنه كان لا يبين النون من نون وبها قرأ الكسائي وخلف ويعقوب وهو اختيار الزجاج وقرأ ابن عباس وأبو رزين وقتادة والأعمش نون والقلم بكسر النون وقرأ الحسن وأبو عمران وأبو نهيك ن والقلم برفع النون
وفي معنى نون سبعة أقوال
أحدها أنها الدواة روى أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال

أول ما خلق الله القلم ثم خلق النون وهي الدواة وهذا قول ابن عباس في رواية سعيد بن جبير وبه قال الحسن وقتادة
والثاني أنه آخر حروف الرحمن رواه عكرمة عن ابن عباس
والثالث أنه الحوت الذي على ظهر الأرض وهذا المعنى في رواية أبي ظبيان عن ابن عباس وهو مذهب مجاهد والسدي وابن السائب ومقاتل
والرابع أنه لوح من نور قاله معاوية بن قرة
والخامس أنه افتتاح اسمه نصير وناصر قاله عطاء
والسادس أنه قسم بنصرة الله للمؤمنين قاله القرظي
والسابع أنه نهر في الجنة قاله جعفر الصادق

وفي القلظم قولان
أحدهما أنه الذي كتب به في اللوح المحفوظ
والثاني أنه الذي يكتب به الناس وإنما أقسم به الأن كتبه إنما تكتب ويسطرون بمعنى يكتبون وفي المشار إليهم قولان
أحدهما أنهم الملائكة وفيما أرادوا بما يكتبونه قولان أحدهما أنه الذكر قاله مجاهد والسدي والثاني أعمال بني آدم قاله مقاتل
والقول الثاني أنهم جميع الكتبة حكاه الثعلبي ما أنت بنعمة ربك بمجنون أي ما أنت بإنعام ربك عليكم بالإيمان والنبوة بمجنون قال الزجاج هذا جواب قولهم إنك لمجنون وتأويله فارقك الجنون بنعمة الله
قوله تعالى وإن لك بصبرك على افترائهم عليك ونسبتهم إياك إلى الجنون لأجرا غير ممنون أي غير مقطوع ولا منقوص وإنك لعلى خلق عظيم فيه ثلاثة اقوال
أحدها دين الإسلام قاله ابن عباس
والثاني أدب القرآن قاله الحسن
والثالث الطبع الكريم وحقيقة الخلق ما يأخذ به الإنسان نفسه من الآداب فسمي خلقا لأنه يصير كالخلقة في صاحبه فأما ما طبع عليه فيسمى الخيم فيكون الخيم الطبع الغريزي والخلق الطبع المتكلف هذا قول الماوردي وقد سئلت عائشة رضي الله عنها عن خلق رسول الله صلى الله عليه و سلم

فقالت كان خلقه القرآن تعني كان على ما أمره الله به في القرآن
قوله تعالى فستبصر ويبصرون يعني أهل مكة وهذا وعيد لهم بالعذاب والمعنى سترى ويرون إذا نزل بهم العذاب ببدر بأيكم المفتون وفيه أربعة أقوال
أحدها الضال قاله الحسن والثاني الشيطان قاله مجاهد والثالث المجنون قاله الضحاك والمعنى الذي قد فتن بالجنون والرابع المعذب حكاه الماوردي
وفي الباء قولان
أحدهما أنها زائدة قاله أبو عبيدة وابن قتيبة وأنشدوا ... نحن بنو جعدة أصحاب الفلج ... نضرب بالسيف ونرجو بالفرج

والثاني أنها أصلية وهذا قول الفراء والزجاج قال الزجاج ليس كونها لغوا بجائز في العربية في قول أحد من اهلها
وفي الكلام قولان للنحويين
أحدهما أن المفتون ها هنا الفتون والمصادر تجيئ على المفعول تقول العرب ليس هذا معقود رأي أي عقد رأي وتقول دعه إلى ميسوره أي يسره والمعنى بأيكم الجنون
والثاني بأيكم المفتون بالفرقة التي أنت فيها أم بفرقة الكفار فيكون المعنى في أي الفرقتين المجنون وقد ذكر الفراء نحو ما شرحه الزجاج وقد قرأ أبي بن كعب وأبو عمران وابن أبي عبلة في أي المفتون ثم أخبر أنه عالم بالفريقين بما بعد هذا
فلا تطع المكذبين ودوا لو تدهن فيدهنون ولا تطع كل حلاف مهين هماز مشاء بنميم مناع للخير معتد أثيم عتل بعد ذلك زنيم أن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين سنسمه على الخرطوم
قوله تعالى فلا تطع المكذبين وذلك أن رؤساء أهل مكة دعوه إلى دين آبائه فنهاه الله أن يطيعهم ودوا لو تدهن فيدهنون فيه سبعة أقوال
أحدها لو ترخص فيرخصون قاله ابن عباس
والثاني لو تصانعهم في دينك فيصانعون في دينهم قاله الحسن

والثالث لو تكفر فيكفرون قاله عطية والضحاك ومقاتل
والرابع لو تلين فيلينون لك قاله ابن السائب
والخامس لو تنافق وترائي فينافقون ويراؤون قاله زيد بن أسلم
والسادس ودوا لو تداهن في دينك فيداهنون في أديانهم وكانوا أرادوه على أن يعبد آلهتهم مدة ويعبدوا الله مدة قاله ابن قتيبة وقال أبو عبيدة هو من المداهنة
والسابع لو تقاربهم فيقاربونك قاله ابن كيسان
قوله تعالى ولا تطع كل كلاف وهو كثير الحلف بالباطل مهين وهو الحقير الدنيء وروى العوفي عن ابن عباس قال المهين الكذاب
واختلفوا فيمن نزل هذا على ثلاثة أقوال
أحدها أنه الوليد بن الغيرة قاله ابن عباس ومقاتل والثاني الأخنس بن شريق قاله عطاء واسلدي والثالث الأسود بن عبد يغوث قاله مجاهد

قوله تعالى هماز قال ابن عباس هو المغتاب وقال ابن قتيبة هو العياب
قوله تعالى مشاء بنميم أي يمشي بين الناس بالنميمة وهو نقل الكلام السيء من بعضهم إلى بعض ليفسد بينهم مناع للخير فيه قولان
أحدهما أنه منع ولده وعشيرته الإسلام قاله ابن عباس
والثاني مناع للحقوق في ماله ذكره الماوردي
قوله تعالى معتد أي ظلوم أثيم فاجر عتل بعد ذلك أي مع ما وصفناه به وفي العتل سبعة أقوال
أحدها أنه العاتي الشديد المنافق قاله ابن عباس والثاني أنه المتوفر الجسم قاله الحسن والثالث الشديد الأشر قاله مجاهد والرابع القوي في كفره قاله عكرمة والخامس الأكول الشروب القوي الشديد قاله عبيد بن عمير والسادس الشديد الخصومة بالباطل قاله الفراء والسابع أنه الغليظ الجافي قاله ابن قتيبة

وفي الزنيم أربعة أقوال
أحدها أنه الدعي في قريش وليس منهم رواه عطاء عن ابن عباس وهذا معروف في اللغة أن الزنيم هوالملتصق في القوم وليس منهم وبه قال الفراء وأبو عبيدة وابن قتيبة قال حسان ... وأنت زنيم نيط في آل هاشم ... كما نيط خلف الراكب القدح الفرد ...
والثاني أنه الذي يعرف بالشر كما تعرف الشاة بزنمتها رواه سعيد بن جبير عن ابن عباس
والثالث أنه الذي له زنمة مثل زنمة الشاة وقال ابن عباس نعت فلم يعرف حتى قيل زنيم فعرف وكانت له زنمة في عنقه يعرف بها ولا نعلم أن الله تعالى بلغ من ذكر عيوب أحد ما بلغه من ذكر عيوب الوليد لأنه وصفه بالحلف والمهانة والعيب للناس والمشي بالنميمة والبخل والظلم والإثم والجفاء والدعوة فألحق به عارا لا يفارقه في الدنيا والآخرة والزنمتان المعلقتان عند حلوق المعزى وقال ابن فارس يعني التي تتعلق من أذنها
والرابع أنه الظلوم رواه الوالبي عن ابن عباس
قوله تعالى أن كان ذا مال وبنين قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي وحفص عن عاصم أن كان على الخبر أي لأن كان والمعنى لا تطعه لماله وبنيه وقرأ ابن عباس بهمزتين الأولى مخففة والثانية ملينة وفصل بينهما بألف أبو جعفر وقرأ حمزة أأن كان بهمزتين مخففتين على الاستفهام وله وجهان

أحدهما لأن كان ذا مال تطيعه
والثاني ألأن كان ذا مال وبنين إذا تتلى عليه آياتنا يكفر بها فيقول أساطير الأولين ذكر القولين الفراء وقرأ ابن مسعود أن كان بهمزة واحدة مقصورة ثم أوعده فقال تعالى سنسمه علىالخرطوم الخرطوم الأنف وفي هذه السمة ثلاثة أقوال
أحدها سنسمه بالسيف فنجعل ذلك علامة على أنفه ما عاش فقاتل يوم بدر فخطم بالسيف قاله ابن عباس
والثاني سنلحق به شيئا لا يفارقه قاله قتادة واختاره ابن قتيبة
والثالث أن المعنى سنسود وجهه قال الفراء والخرطوم وإن كان قد خص بالسمة فإنه في مذهب الوجه لأن بعض الوجه يؤدي عن البعض وقال الزجاج سنجعل له في الآخرة العلم الذي يعرف به أهل النار من اسوداد وجوههم وجائز والله أعلم أن يفرد بسمة لمبالغته في عداوته لرسول الله صلى الله عليه و سلم يتبين بها عن غيره
إنا بلوناهم كما بلونا أصحاب الجنة إذ أقسموا ليصرمها مصبحين ولا يستثنون فطاف عليها طائف من ربك وهم نائمون فأصبحت كالصريم فتنادوا مصبحين أن اغدوا على حرثكم إن كنتم صارمين فانطلقوا وهم يتخافتون أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد قادرين فلما رأوها قالوا إنا لضالون بل نحن محرومون قال أوسطهم ألم أقل لكم لولا تسبحون قالوا سبحان ربنا إنا كنا ظالمين فاقبل بعضهم على بعض يتلاومون قالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها إنا إلى ربنا راغبون كذلك العذاب ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون

إن للمتقين عند ربهم جنات النعيم أفنجعل المسملمين كالمجرمين ما لكم كيف تحكمون أم لكم كتاب فيه تدرسون إن لكم فيه لما تخيرون أم لكم أيمان علينا بالغة إلى يوم القيمة إن لكم لما تحكمون سلهم أيهم بذلك زعيم أم لهم شركاء فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين
قوله تعالى إنا بلوناهم يعني أهل مكة أي ابتليناهم بالجوع والقحط كما بلونا أصحاب الجنة حين هلكت جنتهم
وهذه الإشارة إلى قصتهم
ذكر أهل التفسر أن رجلا كان بناحية اليمن له بستان وكان مؤمنا وذلك بعد عيسى بن مريم عليهما السلام وكان يأخذ منه قدر قوته وكان يتصدق بالباقي وقيل كان يترك للمساكين ما تعداه المنجل وما يسقط من رؤوس النخل وما ينتثر عند الدراس فكان يجتمع من هذا شيء كثير فمات الرجل عن ثلاث بنين فقالوا والله إن المال لقليل وإن العيال لكثير وإنما كان أبونا يفعل هذا إذ كان المال كثيرا والعيال قليلا وأما الآن فلا نستطيع أن نفعل هذا فعزموا على حرمان المساكين وتحالفوا بينهم ليغدن قبل خروج الناس فليصرمن نخلهم فذلك قوله تعالى إذ أقسموا أي حلفوا ليصرمنها أي ليقطعن نخلهم مصبحين أي في أول الصباح وقد بقيت من الليل ظلمة لئلا يبقى للمساكين شيء
وفي قوله تعالى ولا يستثنون قولان
أحدهما لا يقولون إن شاء الله قاله الأكثرون

والثاني لا يستثنون حق المساكين قاله عكرمة فطاف عليها طائف من ربك أي من أمر ربك قال الفراء الطائف لا يكون إلا بالليل قال المفسرون بعث الله عليها نارا بالليل فاحترقت فصارت سوداء فذلك قوله تعالى فأصبحت كالصريم وفيه ثلاثة أقوال
أحدها كالرماد الأسود قاله ابن عباس
والثاني كالليل المسود قاله الفراء وكذلك قال ابن قتيبة أصبحت سوداء كالليل محترقة والليل هو الصريم والصبح أيضا صريم لأن كل واحد منهما ينصرم عن صاحبه
والثالث أصبحت وقد ذهب ما فيها من الثمر فكأنه قد صرم أي قطع وجذ حكاه ابن قتيبة أيضا
قوله تعالى فتنادوا مصبحين أي نادى بعضهم بعضا لما أصبحوا ان اغدوا على حرثكم يعني الثمار والزروع والأعناب إن كنتم صارمين أي قاطعين للنخل فانطلقوا أي ذهبوا إلى جنتهم وهم يتخافتون قال ابن قتيبة يتساررون ب أن لا يدخلنها اليوم عليكم مسكين وغدوا على حرد فيه ثمانية أقوال
أحدهما على قدرة قاله ابن عباس
والثاني على فاقة قاله الحسن في رواية
والثالث على جد قاله الحسن في رواية وقتادة وأبو العالية والفراء ومقاتل
والرابع على أمر مجمع قد أسسوه بينهم قاله مجاهد وعكرمة
والخامس أن الحرد اسم الجنة قاله السدي

والسادس أنه الحنق والغضب على المساكين قاله الشعبي وسفيان وأنشد أبو عبيدة ... أسود شرى لاقت أسود خفية ... تساقوا على حرد دماء الأساود ...
والسابع أه المنع مأخوذ من حاردت السنة فليس فيها مطر وحاردت الناقة فليس لها لبن قاله أبو عبيدة وابن قتيبة
والثامن أنه القصد يقال حردت حردك أي قصدت قصدك حكاه الفراء وأبو عبيدة وابن قتيبة وأنشدوا ... قد جاء سيل كان من أمر الله ... يحرد حرد الجنة المغلة ...
أي يقصد قصدها قال ابن قتيبة وفيها لغتان حرد وحرد كما يقال الدرك والدرك

وفي قوله تعالى قادرين ثلاثة أقوال
أحدها قادرين على جنتهم عند أنفسهم قاله قتادة
والثاني قادرين على المساكين قاله الشعبي 3والثالث أن المعنى منعوا وهم قادرون أي واجدون قاله ابن قتيبة قالوا فلما رأوها محترقة قالوا إنا لضالون أي قد ضللنا طريق جنتنا فليست هذه ثم علموا أنها عقوبة فقالوا بل نحن محرومون أي حرمنا ثمر جنتنا بمنعنا المسكين قال أوسطهم أي أعدلهم وأفضلهم لولا أي هلا تسبحون وفيه ثلاثة أقوال
أحدها هلا تستثنون عند قولكم ليصرمنها مصبحين قاله ابن جريج والجمهور والمعنى هلا قلتم إن شاء الله قال الزجاج وإنما قيل للاستثناء تسبيح لأن التسبيح في اللغة تنزيه الله عز و جل عن السوء والاستثناء تعظيم لله وإقرار بأنه لا يقدر أحد أن يفعل فعلا إلا بمشيئة الله
والثاني أنه كان استثناؤهم قول سبحان الله قاله أبو صالح
والثالث هلا تسبحون الله وتشكرونه على ما أعطاكم حكاه الثعلبي وقوله تعالى قالوا سبحان ربنا فنزهوه أن يكون ظالما فيما صنع وأقروا على أنفسهم بالظلم فقالوا إنا كنا ظالمين بمنعنا المساكين فأقبل بعضهم على بعض يتلاومون أي يلوم بعضهم بعضا في منع المساكين حقوقهم يقول هذا

لهذا أنت أشرت علينا ويقول الآخر أنت فعلت ثم نادوا على أنفسهم بالويل فقالوا يا ويلنا إنا كنا طاغين حين لم نصنع ما صنع آباؤنا ثم رجعوا إلى الله تعالى فسألوه أن يبدلهم خيرا منها فذلك قوله عسى ربنا أن يبدلنا خيرا منها وقرأ قوم يبدلنا بالتخفيف وهما لغتنان وفرق قوم بينهما فقالوا التبديل تغيير حال الشيء وصفته والعين باقية والإبدال إزالة الشيء ووضع غيره مكانه ونقل أن القوم أخلصوا فبدلهم الله جنة العنقود منها وقر بغل
قوله تعالى كذلك العذاب ما فعلنا بهم نفعل بمن تعدى حدودنا وها هنا انتهت قصة أهل الجنة ثم قال تعالى ولعذاب الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون يعني المشركين ثم ذكر ما للمتقين عنده بما بعد هذا فقال المشركون إنا لنعطى في الآخرة أفضل مما تعطون فقال تعالى مكذبا لهم فأنجعل المسلمين كالمجرمين قال الزجاج هذه ألف الاستفهام مجازها ها هنا مجاز التوبيخ والتقرير
قوله تعالى كيف تحكمون أي كيف تقضون بالجور أم لكم كتاب أنزل من عند الله فيه هذا تدرسون أي تقرؤون ما فيه إن لكم في ذلك الكتاب لما تخيرون أي ما تختارون وتشتهون وقرأ أبو الجوزاء وعاصم الجحدري وأبو عمران أن لكم بفتح الهمزة وهذا تقريع لهم وتوبيخ على ما يتمنون من الباطل سلهم أيهم بذلك زعيم أم لكم أيمان علينا بالغة أي ألكم عهود على الله تعالى حلف لك على ما تدعون بأيمان بالغة أي مؤكدة وكل شيء متناه في الجودة والصحة فهو بالغ ويجوز أن يكون المعنى بالغة إلى يوم القيامة أي تبلغ تلك الأيمان إلى يوم القيامة في لزومها وتوكيدها إن لكم لما تحكمون لأنفسكم به من الخير والكرامة عند

الله تعالى قال الفراء والقراء على رفع بالغة إلا الحسن فإنه نصبها على مذهب المصدر كقوله تعالى حقا الروم 47 ومعنى الآية هل لكم أيمان علينا بالغة بأن لكم ما تحكمون فلما كانت اللام في جواب إن كسرتها
قوله تعالى سلهم أيهم بذلك زعيم فيه قولان
أحدهما أنه الكفيل قاله ابن عباس وقتادة والمعنى أيهم كفل بأن لهم في الآخرة ما للمسلمين من الخير
والثاني أنه الرسول قاله الحسن
قوله تعالى أم لهم شركاء يعني الأصنام التي جعلوها شركاء لله تعالى والمعنى ألهم أرباب يفعلون بهم هذا الذي زعموا وقيل يشهدون لهم بصدق ما ادعوا فليأتوا بشركائهم إن كانوا صادقين في أنها شركاء الله وإنما أضيف الشركاء إليهم لادعائهم أنهم شركاء الله
يوم يكشف عن ساق ويدعون إلى السجود فلا يستطيعون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة وقد كانوا يدعون إلى السجود وهم سالمون فذرني ومن يكذب بهذا الحديث سنستدرجهم من حيث لا يعلمون وأملي لهم إن كيدي متين أم تسئلهم أجرا فهم من مغرم مثقلون أم عندهم الغيب فهم يكتبون
يوم يكشف المعنى فليأتوا بها يوم يكشف عن ساق قرأ الجمهور يكشف بضم الياء وفتح الشين وقرأ ابن أبي عبلة وعاصم الجحدري وأبو الجوزاء بفتح الياء وبكسر الشين وقرأ أبي بن كعب وابن عباس تكشف بتاء مفتوحة وكسر الشين وقرأ ابن مسعود وأبو مجلز وابن يعمر والضحاك نكشف بنون

مفتوحة مع كسر الشين وهذا اليوم هو يوم القيامة وقد روى عكرمة عن ابن عباس يوم يكشف عن ساق قال يكشف عن شدة وأنشد ... وقامت الحرب بنا على ساق ...
وهذا قول مجاهد وقتادة
قال ابن قتيبة وأصل هذا أن الرجل إذا وقع في أمر عظيم يحتاج إلى معاناته والجد فيه شمر عن ساقه فاستعيرت الساق في موضع الشدة هذا قول الفراء وأبي عبيدة واللغويين وقد أضيف هذا الأمر إلى الله تعالى فروي في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه يكشف عن ساقه وهذا إضافة إليه لأن الكل له وفعله وقال أبو عمر الزاهد يراد بها النفس ومنه قول علي رضي الله عنه أقاتلهم ولو تلفت ساقي أي نفسي فعلى هذا يكون المعنى يتجلى لهم
قوله تعالى ويدعون إلى السجود يعني المنافقين فلا يستطيعون كأن في ظهورهم سفافيد الحديد قال النقاش وليس ذلك بتكليف لهم أن

يسجدوا وهم عجزة ولكنه توبيخ لهم بتركهم السجود خاشعة أبصارهم أي خاضعة ترهقهم ذلة أي تغشاهم وقد كانوا يدعون إلى السجود يعني بالأذان في دار الدنيا ويؤمرون بالصلاة المكتوبة وهم سالمون أي معافون ليس في أصلابهم مثل سفافيد الحديد وفي هذا وعيد لمن ترك صلاة الجماعة وكان كعب يقول والله ما نزلت هذه الآية إلا في الذين يتخلفون عن الجماعات فذرني ومن يكذب بهذا الحديث يعني القرآن والمعنى خل بيني وبينه قال الزجاج أي لا تشغل قلبك به كله إلي فأنا أكفيك أمره وذكر بعض المفسرين أن هذا القدر من الآية إلى قوله الحديث منسوخ بآية السيف وما بعد هذا مفسر في الأعراف 182 183 إلى قوله تعالى أم تسألهم أجرا فإنها مفسرة والتي قبلها في الطور 39 40
فاصبر لحكم ربك ولا تكن كصاحب الحوت إذ نادى وهو مكظوم لولا أن تداركه نعمة من ربه لنبذ بالعراء وهو مذموم فاجتبه ربه فجعله من الصالحين وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم لما سمعوا الذكر ويقولون إنه لمجنون وما هو إلا ذكر للعالمين
قوله تعالى فاصبر لحكم ربك أي اصبر على أذاهم لقضاء ربك الذي هو آت وقيل معنى الأمر بالصبر منسوخ بآية السيف
قوله تعالى ولا تكن كصاحب الحوت وهو يونس وفيماذا نهي أن يكون مثله قولان
أحدهما أنه العجلة والغضب قاله قتادة
والثاني الضعف عن تبليغ الرسالة قاله ابن جرير
قال ابن الأنباري وهذا لا يخرج يونس من أولي العزم لأنها خطيئة

ولو قلنا إن كل مخطئ من النبياء ليس من أولي العزم خرجوا كلهم إلا يحيى ثم أخبر عن عقوبته إذ لم يصبر فقال تعالى إذ نادى وهو مكظوم قال الزجاج مملوء غما وكربا
قوله تعالى لولا أن تداركه وقرأ ابن مسعود وابن عباس وابن أبي عبلة لولا أن تداركته بتاء خفيفة وبتاء ساكنة بعد الكاف مع تخفيف الدال وقرأ أبو هريرة وأبو المتوكل تداركه بتاء واحدة خفيفة مع تشديد الدال وقرأ أبي بن كعب تتداركه بتاءين خفيفتين نعمة من ربه فرحمه بها وتاب عليه من معاصيه لنبذ بالعراء وهو مذموم وقد بينا معنى العراء في الصافات 145 ومعنى الآية أنه نبذ غير مذموم لنعمة الله عليه بالتوبة والرحمة وقال ابن جريج نبذ بالعراء وهي أرض المحشر فالمعنى أنه كان يبقى مكانه إلى يوم القيامة فاجتباه ربه أي استخلصه واصطفاه وخلصه مم الذم فجعله من الصالحين فرد عليه الوحي وشفعه في قومه ونفسه وإن يكاد الذين كفروا ليزلقونك بأبصارهم قرأ الأكثرون بضم الياء من أزلقته وقرأ أهل المدينة وأبان بفتحها من زلقته أزلقه وهما لغتنان مشهورتان في العرب قال الزجاج يقال زلق الرجل رأسه وأزلقه إذا حلقه وفي معنى الآية للمفسرين قولان
أحدهما أن الكفار قصدوا ان يصيبوا رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعين وكان فيهم رجل يمكث اليومين والثلاثة لا يأكل شيئا ثم يرفع جانب خبائه فتمر به النعم فيقول لم أر كاليوم إبلا ولا غنما أحسن من هذه فما تذهب إلا قليلا حتى يسقط منها عدة فسأل الكفار هذا الرجل أن يصيب رسول الله صلى الله عليه و سلم بالعين فعصم الله نبيه وأنزل هذه الآية هذا قول الكلبي وتابعه قوم من المفسرين

تلقفوا ذلك من تفسيره منهم الفراء
والثاني أنهم كانوا ينظرون إليه بالعداوة نظرا شديدا يكاد يزلقه من شدته أي يلقيه إلى الأرض وهذا مستعمل في كلام العرب يقول القائل نظر إلي فلان نظرا كاد يصرعني وأنشدوا ... يتقارضون إذا التقوا في موطن ... نظرا يزيل مواطن الأقدام ...
أي ينظر بعضهم إلى بعض نظرا شديدا بالعداوة يكاد يزيل الأقدام وإلى هذا ذهب المحققون منهم ابن قتيبة والزجاج ويدل على صحته أن الله تعالى قرن هذا النظر بسماع القرآن وهو قوله تعالى لما سمعوا الذكر والقوم كانوا يكرهون ذلك أشد الكراهة فيحدون النظر إليه بالبغضاء وإصابة العين إنما تكون مع الإعجاب والاستحسان لا مع البغض فلا يظن بالكلبي أنه فهم معنى الآية وما هو يعني القرآن إلا ذكر أي موعظة

سورة الحاقة
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
الحاقة ما الحاقة وما أدراك ما الحاقة كذبت ثمود وعاد بالقارعة فأما ثمود فأهلكوا بالطاغية وأما عاد فأهلكوا بريح صرصر عاتية سخرها عليهم سبع ليال وثمانية أيام حسوما فترى القوم فيها صرعى كأنهم أعجاز نخل خاوية فهل ترى لهم من باقية وجاء فرعون ومن قبله والؤتفكات بالخاطئة فعصوا رسول ربهم فأخذهم أخذة رابية إنا لما طغا الماء حملناكم في الجارية لنجعلها لكم تذكرة وتعيها أذن واعية
الحاقة القيامة قال الفراء إنما قيل لها حاقة لأن فيها حواق الأمور وقال الزجاج إنما سميت الحاقة لأنها تحق كل إنسان بعمله من خير وشر
قوله تعالى ما الحاقة هذا استفهام معناه التفخيم لشأنها كما تقول زيد وما زيد على التعظيم لشأنه ثم زاد في التهويل بأمرها فقال تعالى وما أدراك ما الحاقة أي لأنك لم تعاينها ولم تدر ما فيها من الأهوال ثم أخبر عن المكذبين بها فقال تعالى كذبت ثمود وعاد بالقارعة قال ابن عباس القارعة اسم من أسماء يوم القيامة قال مقاتل وإنما سميت

بالقارعة لأن الله تعالى يقرع أعداءه بالعذاب وقال ابن قتيبة القارعة القيامة لأنها تقرع يقال أصابتهم قوارع الدهر وقال الزجاج لأنها تقرع بالأهوال وقال غيرهم لأنها تقرع القلوب بالفزع فأما الطاغية ففيها ثلاثة أقوال
أحدها أنها طغيانهم وكفرهم قاله ابن عباس ومجاهد ومقاتل وأبو عبيدة وابن قتيبة قال الزجاج ومعنى الطاغية عند أهل اللغة طغيانهم وفاعلة قد يأتي بمعنى المصادر نحو عاقبة وعافية
والثاني بالصيحة الطاغية قاله قتادة وذلك أنها جاوزت مقدار الصياح فأهلكتهم
والثالث أن الطاغية عاقر الناقة قاله ابن زيد والريح الصرصر قد فسرناها في حم السجد 16 والعاتية التي جاوزت المقدار وجاء في التفسير أنها عتت على خزانها يومئذ فلم يكن لهم عليها سبيل
قوله تعالى سخرها عليهم أرسلها وسلطها والتسخير استعمال الشيء بالاقتدار وفي قوله تعالى حسوما ثلاثة أقوال
أحدها تباعا قاله ابن عباس قال الفراء الحسوم التباع يقال في الشيء إذا تتابع فلم ينقطع أوله عن آخره حسوم وإنما أخذ والله أعلم من حسم الداء إذا كوي صاحبه لأنه يحمى ثم يكوى ثم يتابع الكي عليه
والثاني كاملة قاله الضحاك فيكون المعنى أنها حسمت الليالي والأيام فاستوفتها علىالكمال لأنها ظهرت مع طلوع الشمس وذهبت مع غروبها قال مقاتل هاجت الريح غدوة وسكنت بالعشي في اليوم الثامن

وقبضت أرواحهم في ذلك اليوم ثم بعث الله طيرا أسود فالتقطهم حتى ألقاهم في البحر
والثالث أنها حسمتهم فلم تبق منهم أحدا أي أذهبتهم وأفنتهم هذا قول ابن زيد
قوله تعالى فترى القوم فيها أي في تلك الليالي والأيام صرعى وهو جمع صريع لأنهم صرعوا بموتهم كأنهم أعجاز نخل أي أصول نخل خاوية أي بالية وقد بينا هذا في سورة القمر 20
قوله تعالى فهل ترى لهم من باقية فيه ثلاثة اقوال
أحدها من بقاء قاله الفراء
والثاني من بقية قاله أبو عبيدة قال وهو مصدر كالطاغية
والثالث هل ترى لهم من أثر قاله ابن قتيبة وجاء فرعون ومن قبله قرأ أبو عمرو ويعقوب والكسائي وابان بكسر القاف وفتح الباء والباقون بفتح القاف وإسكان الباء فمن كسر القاف أراد من يليه ويحف به من جنوده وأتباعه ومن فتحها أراد من كان قبله من الأمم الكافرة وفي المؤتفكات ثلاثة أقوال
أحدها قرى قوم لوط والمعنى وأهل المؤتفكات قاله الأكثرون
والثاني أنهم الذين ائتفكوا بذنوبهم أي هلكوا بالذنوب التي معظمها الإفك وهو الكذب قاله الزجاج
والثالث أنه قارون وقومه حكاه الماوردي
قوله تعالى بالخاطئة قال ابن قتيبة أي بالذنوب وقال الزجاج

الخاطئة الخطأ العظيم فعصوا رسول ربهم أي كذبوا رسلهم فأخذهم أخذة رابية أي زائدة على الأحداث إنا لما طغى الماء أي تجاوز حده حتى علا على كل شيء في زمن نوح حملناكم يعني حملنا آباءكم وأنتم في أصلابهم في الجارية وهي السفينة التي تجري في الماء لنجعلها أي لنجعل تلك الفعلة التي فعلنا من إغراق قوم نوح ونجاة من حملنا معه تذكرة أي عبرة وموعظة وتعيها أذن واعية أي أذن تحفظ ما سمعت وتعمل به وقال الفراء لتحفظها كل أذن فتكون عظة لمن يأتي بعده
فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وحملت الأرض والجبال فدكتا دكة واحدة فيؤمئذ وقعت الواقعة وانشقت السماء فهي يؤمئذ واهية والملك على أرجائها ويحمل عرش ربك فوقهم يؤمئذ ثمانية يومئذ تعرضون لا تخفى منكم خافية فأما من أوتي كتابه بيمينه فيقول هاؤم اقرؤا كتابيه إني ظننت أني ملاق حسابيه فهو في عيشة راضية في جنة عالية قطوفها دانية كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم في الأيام الخالية وأما من أوتي كتابه بشماله فيقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه يا ليتها كانت القاضية ما أغنى عني ماليه هلك عني سلطانيه خذوه فغلوه ثم الححيم صلوه ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعا فاسلكوه إنه كان لا يؤمن بالله العظيم ولا يحض على طعام المسكين فيلس له اليوم ههنا حميم ولا طعام إلا من غسلين لا يأكله إلا الخاطئون
قوله تعالى فإذا نفخ في الصور نفخة واحدة وفيها قولان
أحدهما أنها النفخة الأولى قاله عطاء
والثاني الأخيرة قاله ابن السائب ومقاتل وحملت الأرض

والجبال أي حملت الأض والجبال وما فيها فدكتا دكة واحدة أي كسرتا ودقتا دقة واحدة لا يثنى عليها حتى تستوي بما عليها من شيء فتصير كالأديم الممدود وقد أشرنا إلى هذا المعنى في الأعراف عند قوله تعالى جعله دكا آية 143 قال الفراء وإنما قال فدكتا ولم يقل فدككن لأنه جعل الجبال كالشيء الواحد كقوله تعالى أن السموات والأرض كانتا رتقا الأنبياء 30 وانشدوا ... هما سيدانا يزعمان وإنما ... يسوداننا أن يسرت غنماهما ...
والعرب تقول قد يسرت الغنم إذا ولدت أو تهيأت للولادة
قوله تعالى فيومئذ وقعت الواقعة أي قامت القيامة وانشقت السماء لنزول من فيها من الملائكة فهي يومئذ واهية فيه قولان
أحدهما أن وهيها ضعفها وتمزقها من الخوف قاله مقاتل
والثاني أنه تشققها قاله الفراء والملك عني الملائكة فهو اسم جنس على أرجائها أي على جوانبها قال الزجاج ورجاء كل شيء ناحيته مقصور والتثنية رجوان والجمع أرجاء وأكثر المفسرين على أن

المشار إليها السماء قال الضحاك إذ انشقت السماء كانت الملائكة على حافتها حتى يأمرهم الله تعالى فينزلون إلى الأرض فيحيطون بها ومن عليها وروي عن سعيد بن جبير أنه قال على أرجاء الدنيا
قوله تعالى ويحمل عرش ربك فوقهم فيه ثلاثة أقوال
أحدها فوق رؤوسهم أي العرش على رؤوس الحملة قاله مقاتل
والثاني فوق الذين على أرجائها أي أن حملة العرش فوق الملائكة الذيي هم على أرجائها
والثالث أنهم فوق أهل القيامة حكاهما الماوردي يومئذ أي يوم القيامة ثمانية فيه ثلاثة أقوال
أحدها ثمانية أملاك وجاء في الحديث أنهم اليوم أربعة فإذا كان يوم القيامة أمدهم الله بأربعة أملاك آخرين هذا قول الجمهور
والثاني ثمانية صفوف من الملائكة لا يعلم عدتهم إلا الله عزل وجل قاله ابن عباس وابن جبير وعكرمة

والثالث ثمانية أجزاء من الكروبيين لا يعلم عددهم إلا الله قاله مقاتل وقد روى أبو داود في سننه من حديث جابر بن عبد الله عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش أن ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام
قوله تعالى يومئذ تعرضون على الله لحسابكم لا تخفى عليه قرأ حمزة والكسائي لا يخفى بالياء وقرأ الباقون بالتاء والمعنى لا يخفى عليه منكم خافية أي نفس خافية أو فعلة خافية وفي حديث أبي موسى عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال يعرض الناس يوم القيامة ثلاث عرضات فأما عرضتان فجدال ومعاذير وأما الثالثة فعندها تتطاير الصحف في الأيدي فآخذ بيمينه وآخذ بشماله وكان عمر بن الخطاب يقول حاسبوا أنفسكم قل أن تحاسبوا وزنوها قبل أن توزنوا وتزينوا للعرض الأكبر يومئذ لا تخفى منكم خافية فيقول هاؤم قال الزجاج هاؤم أمر من الجماعة بمنزلة هاكم تقول للواحد ها يا رجل وثلاثين هاؤما يا رجلان وللثلاثة هاؤم يا رجال

قال المفسرون إنما يقول هذا ثقة بسلامته وسرورا بنجاته وذكر مقاتل أنها نزلت في أبي سلمة بن عبد الأسد
قوله تعالى إني ظننت أي علمت وأيقنت في الدنيا أني ملاق حسابيه أي أبعث وأحساب في الآخرة فهو في عيشة أي حالة من العيش راضية قال الفراء أي فيها الرضى وقال الزجاج أي ذات رضى يرضاها من يعيش فيها وقال أبو عبيدة مجازها مجاز مرضية في جنة عالية أي عالية المنازل قطوفها أي ثمارها جانية أي قريبة ممن يتناولها وهي جمع قطف والقطف ما يقطف من الثمار قال البراء بن عازب يتناول الثمرة وهو نائم
قوله تعالى كلوا أي يقال لهم كلوا واشربوا هنيئا بما أسلفتم أي قدمتم من الأعمال الصالحة في الأيام الخالية الماضية وهي أيام الدنيا وأما من أوتي كتابه بشماله قال مقاتل نزلت في الأسود بن عبد الأسود قتله حمزة ببدر وهو أخو أبي سلمة وقيل نزلت في أبي جهل
قوله تعالى يا ليتني لم أوت كتابيه وذلك لما يرى فيه من القباحج ولم أدر ما حسابيه لأنه لا حاصل له في ذلك الحساب إنما كله عليه وكان ابن مسعود وقتادة ويعقوب يحذفون الهاء من كتابيه وحاسبيه في الوصل قال الزجاج والوجه أن يوقف على هذه الهاآت ولا توصل لأنها أدخلت للوقف وقد حذفها قوم في الوصل ولا أحب مخالفة المصحف وكذلك قوله تعالى وما أدراك ما هيه القارعة 10
قوله تعالى يا ليتها يعني الموتة التي ماتها في الدنيا كانت القاضية

أي القاطعة للحياة فكأنه تمنى دوام الموت وانه لم يبعث للحساب هلك عني سلطانيه فيه قولان
أحدهما ضلت عني حجتي قاله مجاهد وعكرمة والضحاك والسدي
والثاني زال عني ملكي قاله ابن زيد
قوله تعالى خذوه أي يقول الله تعالى خذوه فغلوه أي اجمعوا يده إلى عنقه ثم الجحيم صلوه أي أدخلوه النار وقال الزجاج اجعلوه يصلى النار ثم في سلسلة وهي حلق منتظمة ذرعها سبعون ذراعا قال ابن عباس بذراع الملك وقال نوف الشامي كل ذراع سبعون باعا الباع أبعد مما بينك وبين مكة وكان في رحبة الكوفة وقال سفيان كل ذراع سبعون ذراعا وقال مقاتل ذرعها سبعون ذراعا بالذراع الأول ويقال إن جميع أهل النار في تلك السلسلة
قوله تعالى فاسلكوه أي أدخلوه قال الفراء وذكر أنها تدخل في دبر الكافر فتخرج من رأسه فذلك سلكه فيها والمعنى ثم اسكلوا فيه السلسلة ولكن العرب تقول أدخلت رأسي في القلنسوة وأدخلتها في رأسي ويقال الخاتم لا يدخل في يدي وإنما اليد تدخل في الخاتم وإنما استجازوا ذلك لأن معناه معروف
قوله تعالى إنه كان لا يؤمن بالله العظيم أي لا يصدق بوحدانيته وعظمته ولا يحض على طعام المسكين أي لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه

فليس له اليوم ها هنا حميم أي قريب ينفعه أي يشفع له ولا طعام إلا من غسلين فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه صديد أهل النار قاله ابن عباس قال مقاتل إذا سال القيح والدم بادروا أكله قبل أن تأكله النار
والثاني شجر يأكله أهل النار قاله الضحاك والربيع
والثالث أنه غسالة أجوافهم قاله يحيى بن سلام قال ابن قتيبة وهو فعلين من غسلت كأنه غسالة
وقوله تعالى إلا الخاطئون يعني الكافرين
فلا أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون إنه لقول رسول كريم وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون ولا بقول كاهن قليلا ما تذكرون تنزيل من رب العالمين
قوله تعالى فلا أقسم لا رد لكلام المشركين كأنه قيل ليس الأمر كما يقول المشركون أقسم بما تبصرون وما لا تبصرون وقال قوم لا زائدة مؤكدة والمعنى أقسم بما ترون وما لا ترون فأراد جميع الموجودات وقيل الأجسام والأرواح إنه يعني القرآن لقول رسول كريم فيه قولان
أحدهما محمد صلى الله عليه و سلم قاله الأكثرون
والثاني جبريل قاله ابن السائب ومقاتل قال ابن قتيبة لم يرد أنه قول الرسول وإنما أراد أنه قول الرسول عن الله تعالى وفي الرسول ما يدل على ذلك فاكتفى به من أن يقول عن الله وما هو بقول شاعر قليلا ما تؤمنون

وقرأ ابن كثير يؤمنون ويذكرون بالياء فيهما قال الزجاج ما مؤكدة وهي لغو في باب الإعراب والمعنى قليلا تؤمنون وقال غيره أراد نفي إيمانهم أصلا وقد بينا معنى الكاهن في الطور 29 قال الزجاج وقوله تعالى تنزيل مرفوع ب هو مضمرة يدل عليها قوله تعالى وما هو بقول شاعر هو تنزيل
ولو تقول علينا بعض الأقاويل لأخذنا منه باليمين ثم لقطعنا منه الوتين فما منكم من أحد عنه حاجزين وإنه لتذكرة للمتقين وإنا لنعلم أن منكم مكذبين وإنه لحسرة على الكافرين وإنه لحق اليقين فسبح باسم ربك العظيم
قوله تعالى ولو تقول علينا أي لو تكلف محمد أن يقول علينا ما لم نقله لأخذنا منه باليمين أي لأخذناه بالقوة والقدرة قاله الفراء والمبرد والزجاج قال ابن قتيبة إنما أقام اليمين مقام القوة لأن قوة كل شيء في ميامنه
قوله تعالى ثم لقطعنا منه الوتين وهو عرق يجري في الظهر حتى يتصل بالقلب فإذا انقطع بطلت القوى ومات صاحبه قال أبو عبيدة الوتين نياط القلب وأنشد الشماخ ... إذا بلغتني وحملت رحلي ... عرابة فاشرقي بدم الوتين ...
وقال الزجاج الوتين عرق أبيض غليظ كأنه قصبة

قوله تعالى فما منكم من أحد عنه حاجزين أي ليس منكم أحد يحجزنا عنه وإنما قال تعالى حاجزين لأن أحدا يقع على الجمع كقوله تعالى لا نفرق بين أحد من رسله البقرة 285 هذا قول الفراء وابي عبيدة والزجاج ومعنى الكلام أنه لا يتكلف الكذب لأجلكم مع علمه أنه لو تكلف ذلك لعاقبناه ثم لم يقدر على دفع عقوبتنا عنه وإنه يعني القرآن لحسرة على الكافرين في يوم القيامة يندمون إذ لم يؤمنوا به وإنه لحق اليقين إضافة إلى نفسه لاختلاف اللفظين كقوله تعالى ولدار الأخرة يوسف 109 وقال الزجاج المعنى وإنه لليقين حق اليقين وقد شرحنا هذا المعنى وما بعده في الواقعة 95 96

سورة المعارج
سورة سأل سائل ويقال لها سورة المعارج ويقال لها سورة الواقع وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
سأل سائل بعذاب واقع للكافرين ليس له دافع من الله ذي المعارج تعرج الملئكة والروح إليه في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فاصبر صبرا جميلا إنهم يرونه بعيدا ونراه قريبا يوم تكون السماء كالمهل وتكون الجبال كالعهن ولا يسئل حميم حميما يبصرونهم يود المجرم لو يفتدي من عذاب يومئذ ببنيه وصاحبته وأخيه وفصيلته التي تؤيه ومن في الأرض جميعا ثم ينجيه كلا إنها لظى نزاعة للشوى تدعوا من أدبر وتولى وجمع فأوعى
قوله تعالى سأل سائل قال المفسرون نزلت في النضر بن الحارث حين قال اللهم إن كان هذا هو الحق من عندك فأمطر علينا حجارة من السماء الأنفال 32 وهذا مذهب الجمهور منهم ابن عباس ومجاهد وقال الربيع بن أنس هو أبو جهل قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر

سال بغير همز والباقون بالهمز فمن قرأ سأل بالهمز ففيه ثلاثة أقوال
أحدها دعا داع على نفسه بعذاب واقع
والثاني سأل سائل عن عذاب واقع لمن هو وعلى من ينزل ومتي يكون وذلك على سبيل الاستهزاء فتكون الباء بمعنى عن وأنشدوا ... فإن تسألوني بالنساء فإنني ... خبير بأدواء النساء طبيب ...
والثالث سأل سائل عذابا واقعا والباء زائدة
ومن قرأ بلا همز ففيه قولان
أحدهما أنه من السؤال أيضا وإنما لين الهمزة يقال سأل وسال وأنشد الفراء ... تعالوا فسالوا يعلم الناس أينا ... لصاحبه في أول الدهر تابع ...
والثاني المعنى سال واد في جهنم بالعذاب للكافرين وهذا قول زيد بن ثابت وزيد بن أسلم وابنه عبد الرحمن وكان ابن عباس في آخرين يقرؤون سال سيل بفتح السين وسكون الياء من غير ألف ولا همز

وإذا قلنا إنه من السؤال فقوله تعالى للكافرين جواب للسؤال كأنه لما سأل لمن هذا العذاب قيل للكافرين والواقع الكائن والمعنى أن العذاب للذي سأله هذا الكافر كائن لا محالة في الآخرة للكافرين ليس له دافع من الله قال الزجاج المعنى ذلك العذاب واقع من الله للكافرين
قوله تعالى ذي المعارج فيه قولان
أحدهما أنها السموات قاله ابن عباس وقال مجاهد هي معارج الملائكة قال ابن قتيبة واصل المعارج الدرج وهي من عرج إذا صعد قال الفراء لما كانت الملائكة تعرج إليه وصف نفسه بذلك قال الخطابي المعارج الدرج واحداه معرج وهو المصعد فهو الذي يصعد إليه بأعمال العباد وبأرواح المؤمنين فالمعارج الطرائق التي يصعد فيها
والثاني أن المعارج الفواضل والنعم قاله قتادة
قوله تعالى تعرج الملائكة قرأ الكسائي يعرج بالياء
والروح في الروح قولان
أحدهما جبريل قاله الأكثرون
والثاني روح الميت حين تقبض قاله قبيصة بن ذؤيب
قوله تعالى إليه أي إلى الله عز و جل في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فيه قولان
أحدهما أنه يوم القيامة قاله ابن عباس والحسن وقتادة والقرظي وهذا هو مقدار يوم القيامة من وقت البعث إلى أن يفصل بين الخلق وفي

الحديث إنه ليخفف على المؤمن حتى يكون أخف عليه من صلاة مكتوبة وقيل بل لو ولي حساب الخلق سوى الله عز و جل لم يفرغ منه في خمسين ألف سنة والحق يفرغ منه في ساعة من نهار وقال عطاء يفرغ الله من حساب الخلق في مقدار نصف يوم من أيام الدنيا فعلى هذا يكون المعنى ليس دافع من الله في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة وقيل المعنى سأل سائل بعذاب واقع في يوم كان مقداره خمسين ألف سنة فعلى هذا يكون في الكلام تقديم وتأخير
والثاني أن مقدار صعود الملائكة من أسفل الأرض إلى العرش لو صعده غيرهم قطعه في خسين ألف سنة وهذا معنى قول مجاهد
قوله تعالى فاصبر أي اصبر على تكذيبهم إياك صبرا جميلا لا جزع فيه وهذا قبل أن يؤمر بقتالهم ثم نسخ بآية السيف إنهم يرونه يعني العذاب بعيدا غير كائن ونراه قريبا كائنا لأن كل ما هو آت قريب ثم أخبر متى يكون فقال تعالى يوم تكون السماء كالمهل وقد شرحناه في الكهف 29 وتكون الجبال كالعهن أي كالصوف فشبهها في ضعفها ولينها بالصوف وقيل شبهها به في خفتها وسيرها لأنه قد نقل أنها تسير على صورها وهي كالهباء قال الزجاج العهن الصوف واحدته عهنة ويقال عهنة وعهن مثل صوفة وصوف وقال ابن قتيبة العهن الصوف المصبوغ

وقوله تعالى ولا يسأل حميم حميما قرأ الأكثرون سأل بفتح الياء والمعنى لا يسأل قريب عن قرابته لاشتغاله بنفسه وقال مقاتل لا يسأل الرجل قرابته ولا يكلمه من شدة الأهوال وقرأ معاوية وأبو رزين والحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وعكرمة وابن محيصن وابن أبي عبلة وأبو جعفر بضم الياء والمعنى لا يقال للحميم أين حميمك
قوله تعالى يبصرونهم أي يعرف الحميم حميمه حتى يعرفه وهو مع ذلك لا يسأل عن شأنه ولا يكلمه اشتغالا بنفسه يقال بصرت زيدا كذا إذا عرفته إياه قال ابن قتيبة معنى الآية لا يسأل ذو قرابة عن قرابته ولكنهم يبصرونهم أي يعرفونهم وقرأ قتادة وأبو المتوكل وأبو عمران يبصرونهم بإسكان الباء وتخفيف الصاد وكسرها
قوله تعالى يود المجرم يعني يتمنى المشرك لو قبل منه الفداء يومئذ ببنيه وصاحبته وهي الزوجة وفصيلته قال ابن قتيبة أي عشيرته وقال الزجاج هي أدنى قبيلته منه ومعنى تؤويه تضمه فيود أن يفتدي بهذه المذكورات ثم ينجيه ذلك الفداء كلا لا ينجيه ذلك إنها لظى قال الفراء هو اسم من أسماء جهنم فلذلك لم يجر وقال غيره معناها في اللغة اللهب الخالص وقال ابن الانباري سميت لظى لشدة توقدها وتلهبها يقال هو يتلظى أي يتلهب ويتوقد وكذلك النار تتلظى يراد بها هذا المعنى وأنشدوا ... جحيما تلظى لا تفتر ساعة ... ولا الحر منها غابر الدهر يبرد ...
نزاعة للشوى قرأ الجمهور نزاعة للشوى بالرفع على معنى هي نزاعة

وقرأ عمر بن الخطاب وأبو رزين وأبو عبد الرحمن ومجاهد وعكرمة وابن أبي عبلة وحفص عن عاصم نزاعة بالنصب قال الزجاج وهذا على أنها حال مؤكدة كما قال تعالى هو الحق مصدقا فاطر 31 ويجوز أن ينصب على معنى إنها تتلظى نزاعة
وفي المراد ب الشوى أربعة أقوال
أحدها جلدة الرأس قاله مجاهد والثاني محاسن الوجه قاله الحسن وابو العالية والثالث العصب والعقب قاله ابن جبير والرابع الأطراف اليدان والرجلان والرأس قاله الفراء والزجاج
قوله تعالى تدعو من أدبر عن الإيمان وتولى عن الحق قال المفسرون تقول إلي يا مشرك إلي يا منافق وجمع فأوعى قال الفراء أي جمع المال في وعاء فلم يؤد منه زكاة ولم يصل منه رحما
إن الإنسان خلق هلوعا إذا مسه الشر جزوعا وإذا مسه الخير منوعا إلا المصلين الذين هم على صلاتهم دائمون والذين في أموالهم حق معلوم للسائل والمحروم والذين يصدقون بيوم الدين والذين هم من عذاب ربهم مشفقون إن عذاب ربهم غير مأمون والذين هم لفروجهم حافظون إلا على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم فإنهم غير ملومين فمن ابتغى وراء ذلك فأولئك هم العادون والذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون والذين هم بشهاداتهم قائمون والذين هم على صلاتهم يحافظون أولئك في جنات مكرمون فمال الذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم كلا إنا خلقناهم مما يعلمون فلا أقسم برب المشارق والمغارب إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم وما نحن بمسبوقين فذرهم

يخوضوا ويلعبوا حتى يلاقوا يومهم الذي يوعدون يوم يخرجون من الأجداث سراعا كأنهم إلى نصب يوفضون خاشعة أبصارهم ترهقهم ذلة ذلك اليوم الذي كانوا يوعدون
قوله تعالى إن الإنسان خلق هلوعا قال مقاتل عنى به أمية بن خلف الجمحي وفي الهلوع سبعة أقوال
أحدها أنه الموصوف بما يلي هذه الآية رواه عطية عن ابن عباس وبه قال أبو عبيدة والزجاج
والثاني أنه الحريص على ما لا يحل له رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثالث البخيل قاله الحسن والضحاك
والرابع الشحيح قاله ابن جبير
والخامس الشره قاله مجاهد
والسادس الضجور قاله عكرمه وقتادة ومقاتل والفراء
والسابع الشديد الجزع قاله ابن قتيبة
قوله تعالى إذا مسه الشر أي اصابه الفقر جزوعا لا يصبر ولا يحتسب وإذا مسه الخير أصابه المال منوعا بمنعه من حق الله عز و جل إلا المصلين وهم أهل الإيمان بالله وإنما استثنى الجمع من الإنسان لأنه اسم جنس الذين هم على صلاتهم دائمون وفيهم ثلاثة أقوال
أحدها أنهم الذين يحافظون على المكتوبات وهو معنى قول ابن مسعود
والثاني أنهم لا يلتفتون عن أيمانهم وشمائلهم في الصلاة قاله عقبة بن عامر واختاره الزجاج قال ويكون اشتقاقه من الدائم وهو الساكن كما جاء

في الحديث أنه نهى عن البول في الماء الدائم
والثالث أنهم الذين يكثرون فعل التطوع قاله ابن جريج والذين في أموالهم حق معلوم قد سبق شرح هذه الآية والتي بعدها في الذاريات 19 وبينا معنى يوم الدين في الفاتحة وما بعد هذا قد شرحناه في المؤمنين 7 8 إلى قوله تعالى لأماناتهم قرأ ابن كثير وحده لأمانتهم والذين هم بشهاداتهم قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم بشهادتهم على التوحيد وقرأ حفص عن عاصم بشهاداتهم جمعا قائمون أي يقومون فيها بالحق ولا يكتمونها فمال الذين كفروا قبلك مهطعين نزلت في جماعة من الكفار جلسوا حول رسول الله صلى الله عليه و سلم يستهزؤون بالقرآن ويكذبون به قال الزجاج والمهطع المقبل ببصره على الشيء لا يزايله وكانوا ينظرون إلى النبي نظر عداوة وقد سبق الخلاف في قوله تعالى مهطعين إبراهيم 43 والقمر 8
قوله عن اليمين وعن الشمال عزين قال الفراء العزون الحلق الجماعات واحدتها عزة وكانوا يجتمعون حول النبي صلى الله عليه و سلم فيقولون إن دخل هؤلاء الجنة كما يقول محمد صلى الله عليه و سلم فلندخلنها قبلهم فنزل قوله تعالى أيطمع كل امرئ منهم أن يدخل جنة نعيم وقرأ ابن مسعود والحسن وطلحة بن مصرف والأعمش والمفضل عن عاصم أن يدخل بفتح الياء وضم الخاء وقال أبو عبيدة عزين جمع عزة مثل ثبة وثبين فهي

جماعات في تفرقة
قوله تعالى كلا أي لا يكون ذلك إنا خلقناهم مما يعلمون فيه قولان
أحدهما من نطفة ثم من علقة ثم من مضغة فالمعنى لا يستوجب الجنة أحد بما يدعيه من الشرف على غيره إذ الأصل واحد وإنما يستوجبها بالطاعة
والثاني إنا خلقناهم من أقذار فبماذا يستحقون الجنة ولم يؤمنوا وقد روى بشر بن جحاش عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه تلا هذه الآية إنا خلقناهم ما يعلمون ثم بزق قال يقول الله عز و جل أنى تعجزني وقد خلقتك من مثل هذه حتى إذا سويتك وعدلتك مشيت بين بردين وللأرض منك

وئيد فجمعت ومنعت حتى إذا بلغت التراقي قلت أتصدق وأنى أوان الصدقة
قوله تعالى فلا أقسم قد تكلمنا عليه في الحاقة 38 والمراد بالمشارق والمغارب شرق كل يوم ومغربه إنا لقادرون على أن نبدل خيرا منهم أي نخلق أمثل منهم وأطوع لله حين عصوا وما نحن بمسبوقين مفسر في الواقعة 60 فذرهم يخوضوا في باطلهم ويلعبوا أي يلهوا في دنياهم حتى يلاقوا وقرأ ابن محيصن يلقوا يومهم الذي يوعدون وهو يوم القيامة وهذا لفظ أمر معناه الوعيد وذكر المفسرون أنه منسوخ بآية السيف وإذا قلنا إنه وعيد بلقاء يوم القيامة فلا وجه للنسخ يوم يخرجون من الأجداث سراعا أي يخرجون بسرعة كأنهم يستبقون
قوله تعالى كأنهم إلى نصب قرأ ابن عامر وحفص عن عاصم بضم النون والصاد وقال ابن جرير وهو واحد الأنصاب وهي آلهتهم التي كانوا يعبدونها فعلى هذا يكون المعنى كأنهم إلى آلهتهم التي كانوا يعبدونها يسرعون وقرأ ابن كثير وعاصم ونافع وأبو عمرو وحمزة والكسائي بفتح النون وسكون الصاد وهي في معنى القراءة الأولى إلا أنه مصدر كقول القائل نصبت الشيء أنصبه نصبا قال قتادة معناه كأنهم إلى شيء منصوب يسرعون وقال ابن جرير تأويله كأنهم إلى صنم منصوب يسرعون وقرأ ابن عباس

وأبو مجلز والنخعي نصب برفع النوه وإسكان الصاد وقرأ الحسن وأبو عثمان النهدي وعاصم الجحدري إلى نصب بفتح النون والصاد جميعا قال ابن قتيبة النصب حجر ينصب أو صنم يقال نصب ونصب ونصب وقال الفراء النصب والنصب واحد وهو مصدر والجمع الأنصاب وقال الزجاج النصب والنصب العلم المنصوب قال الفراء والإيفاض الإسراع
قوله تعالى ترهقهم ذلة قرا أبو المتوكل وأبو الجوزاء وعمرو ابن دينار ذلة ذلك اليوم بغير تنوين وبخفض الميم وباقي السورة قد تقدم بيانه المعارج 42

سورة نوح
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أرسلنا نوحا إلى قومه أن أنذر قومك من قبل أن يأتيهم عذاب أليم قال يا قوم إني لكم نذير مبين أن اعبدوا الله واتقوه وأطيعون يغفر لكم من ذنوبكم ويؤخركم إلى أجل مسمى إن أجل الله إذا جاء لا يؤخر لو كنتم تعلمون
قوله تعالى أن أنذر قومك أي بأن أنذر قومك والعذاب الأليم الغرق
قوله تعالى أن اعبدوا الله قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وعلي بن نصر عن أبي عمرو أن اعبدوا الله بضم النون وقرأ عاصم وحمزة وعبد الوارث عن ابي عمرو أن اعبدوا الله بكسر النون قال أبو علي من ضم كره الكسر
قوله تعالى وأطيعون أثبت الياء في الحالين يعقوب
قوله تعالى من ذنوبكم من ها هنا صلة والمعنى يغفر لكم ذنوبكم قاله السدي ومقاتل وقال الزجاج إنما دخلت من ها هنا لتختص الذنوب من سائر الأشياء ولم تدخل لتبعيض الذنوب ومثله فاجتنبوا الرجس من

الأوثان الحج 30 وذهب بعض أهل المعاني إلى أنها للتبعيض والمعنى يغفر لكم من ذنوبكم إلى وقت الإيمان ويؤخركم أي عن العذاب إلى أجل مسمى وهو منتهى آجالهم والمعنى فتموتوا عند منتهى آجالكم غير ميتة المعذبين إن أجل الله فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه أجل الموت قاله مجاهد فيكون المعنى إن أجل الله الذي أجلكم إليه لا يؤخر إذا جاء فلا يمكنكم حينئذ الإيمان
والثاني أنه أجل البعث قاله الحسن
والثالث أجل العذاب قاله السدي ومقاتل
قال رب إني دعوت قومي ليلا ونهارا فلم يزدهم دعائي إلا فرارا وإني كلما دعوتهم لتغفر لهم جعلوا أصابعهم في آذانهم واستغشوا ثيابهم وأصروا واستكبروا استكبارا ثم إني دعوتهم جهارا ثم إني أعلنت لهم وأسررت لهم إسرارا فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفارا يرسل السماء عليكم مدرارا ويمددكم بأموال وبنين ويجعل لكم جنات ويجعل لكم أنهار ما لكم لا ترجون لله وقارا وقد خلقكم أطوارا ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وجعل القمر فيهن نورا وجعل الشمس سراجا والله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا والله جعل لكم الأرض بساطا لتسلكوا منها سبلا فجاجا قال نوح رب إنهم عصوني واتبعوا من لم يزده ماله وولده إلا خسارا ومكروا مكرا كبارا وقالوا لا تذرن آلهتكم ولا تذرن ودا ولا سواعا ولا يغوث ويعوق ونسرا وقد أضلوا كثيرا ولا تزد الظالمين إلا ضلالا

قوله تعالى فلم يزدهم دعائي إلا فرارا أي تباعدا من الإيمان وإني كلما دعوتهم إلى الإيمان والطاعة جعلوا أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا صوتي واستغشوا ثيابهم أي غطوا بها وجوههم لئلا يروني وأصروا على كفرهم واستكبروا عن الإيمان بك واتباعي ثم إني دعوتهم جهارا أي معلنا لهم بالدعاء قال ابن عباس بأعلى صوتي ثم إني أعلنت لهم أي كررت الدعاء معلنا وأسررت لهم إسرارا قال ابن عباس يريد أكلم الرجل بعد الرجل في السر وأدعوه إلى توحيدك وعبادتك فقلت استغفروا ربكم قال المفسرون منع الله عنهم القطر وأعقم أرحام نسائهم أربعين سنة فقال لهم نوح استغفروا ربكم من الشرك أي استدعوا مغفرته بالتوحيد يرسل السماء عليكم مدرارا قد شرحناه في أول الأنعام 6 ومعنى الكلام أنه أخبرهم أن الإيمان يجمع لهم خير الدنيا والآخرة
قوله تعالى ما لكم لا ترجون لله وقارا فيه أربعة أقوال
أحدها لا ترون لله عظمة قال الفراء وابن قتيبة
والثاني لا تخافون عظمة الله قاله الفراء وابن قتيبة
والثالث لا ترون لله طاعة قاله ابن زيد
والرابع لا ترجون عاقبة الإيمان والتوحيد قاله الزجاج

وقد خلقكم أطوارا أي وقد جعل لكم في أنفسكم آية تدل على توحيده من خلقه إياكم من نطفة ثم من علقة شيئا بعد شيء إلى آخر الخلق قال ابن الأنباري الطور الحال وجمعه أطوار وقال ابن فارس الطور التارة طورا بعد طور أي تارة بعد تارة وقيل أراد بالأطوار اختلاف المناظر والأخلاق من طويل وقصير وغير ذلك ثم قررهم فقال تعالى ألم تروا كيف خلق الله سبع سموات طباقا وقرأ ابن مسعود وابن أبي عبلة طباق بتنوين القاف وكسرها من غير ألف وقد بينا هذا في سورة الملك 3
قوله تعالى وجعل القمر فيهن نورا فيه قولان
أحدهما أن وجه القمر قبل السموات وظهره قبل الأرض يضيء لأهل السموات كما يضيء لأهل الأرض وكذلك الشمس هذا قول عبد الله ابن عمرو
والثاني أن القمر في السماء الدنيا وإنما قال فيهن لأنهن كالشيء الواحد ذكره الأخفش والزجاج وغيرهما وهذا كما تقول أتيت بني تميم وإنما أتيت بعضهم وكركبت السفن وجعل الشمس سراجا يستضيء بها العالم والله أنبتكم من الأرض يعني أن مبتدأ خلقكم من الأرض هو

آدم نباتا قال الخليل معناه فنبتم نباتا وقال الزجاج نباتا محمول في المصدر على المعنى لأن معنى أنبتكم جعلكم تنبتون نباتا قال ابن قتيبة هذا مما جاء فيه المصدر على غير المصدر لأنه جاء في نبت ومثله وتبتل إليه تبتيلا المزمل 8 فجاء على بتل
قال الشاعر ... وخير الأمر ما استقبلت من ... ه وليس بأن تتبعه اتباعا ...
فجاء على اتبعت
وقال الآخر ... وإن شئتم تعاودنا عوادا ...
فجاء على عوادنا وإنما تجيء المصادر مخالفة الأفعال لأن الأفعال وإن اختلفت أبنيتها واحدة في المعنى
قوله تعالى سبلا فجاجا قال الفراء هي الطرق الواسعة
قوله تعالى واتبعوا من لم يزده ماله وولده قرأ أهل المدينة وابن عامر وعاصم وولده بفتح اللام والواو وقرأ الباقون ولده بضم الواو

وسكون اللام قال الزجاج وهما بمعنى واحد مثل العرب والعرب والعجم والعجم وقرأ الحسن وأبو العالية وابن يعمر والجحدري وولده بكسر الواو وإسكان اللام قال المفسرون المعنى ان الأتباع والفقراء اتبعوا رأي الرؤساء والكبراء
قوله تعالى ومكروا مكرا كبارا قرأ أبو رجاء وأبو عمران كبارا برفع الكاف وتخفيف الباء وقرأ ابن يعمر وأبو الجوزاء وابن محيصن كبارا بكسر الكاف مع تخفيف الباء والمعنى كبيرا يقال كبير وكبار وقد شرحنا هذا في أول ص ومعنى المكر السعي في الفساد وذلك أن الرؤساء منعوا أتباعهم من الإيمان بنوح وقالوا لا تذرن آلهتكم أي لا تدعن عبادتها ولا تذرن ودا قرأ أبو جعفر ونافع بضم الواو والباقون بفتحها وهذا الاسم وما بعده أسماء آلهتهم وجاء في التفسير أن هذه أسماء قوم صالحين كانوا بين آدم ونوح ونشأ قوم بعدهم يأخذون بأخذهم في العبادة فقال لهم إبليس لو صورتم صورهم كان أنشط لكم وأشوق للعبادة ففعلوا ثم نشأ قوم بعدهم فقال لهم إبليس إن الذين من قبلكم كانوا يعبدونهم فعبدوهم وكان ابتداء عبادة الأوثان من ذلك الوقت وسميت تلك الصور بهذه الأسماء لأنهم صوروها على صور أولئك القوم المسمين بهذه الأسماء وقيل إنما هي أسماء لأولاد آدم مات منهم واحد فجاء الشيطان فقال هل لكم أن أصور لكم صورته فتذكرونه بها فصورها ثم مات آخر فصور لهم صورته إلى أن صور صورا خمسة ثم طال الزمان وتركوا عبادة الله فقال لهم الشيطان ما لكم لا تعبدون شيئا فقالوا لمن نعبد قال هذه آلهتكم وآلهة آبائكم ألا ترونها مصورة في مصلاكم فعبدوها

وقال الزجاج هذه الأصنام كانت لقوم نوح ثم صارت إلى العرب فكان ود لكلب و سواع لهمدان و يغوث لبني غطيف وهم حي من مراد وقيل لما جاء الطوفان غطى على هذه الأصنام وطمها التراب فلما ظهرت بعد الطوفان صارت إلى هؤلاء المذكورين قال الواقدي كان ود على صورة رجل وسواع على صورة امرأة ويغوث على صورة أسد و يعوق على صورة فرس و نسر على صورة النسر من الطير
قوله تعالى وقد أضلوا كثيرا فيه قولان
أحدهما وقد أضلت الأصنام كثيرا من الناس أي ضلوا بسببها
والثاني وقد أضل الكبراء كثيرا من الناس ولا تزد الظالمين يعني الكافرين إلا ضلالا وهذا دعاء من نوح عليهم لما أعلمه الله أنهم لا يؤمنون
مما خطيئاتهم أغرقوا فأدخلوا نارا فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا وقال نوح رب لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا إنك إن تذرهم يضلوا عبادك ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا رب اغفر لي ولوالدي ولمن دخل بيتي مؤمنا وللمؤمنين والمؤمنات ولا تزد الظالمين إلا تبارا
قوله تعالى مما خطيآتهم ما صلة والمعنى من خطيآتهم أي من أجلها وسببها وقرأ أبو عمرو مما خطاياهم وقرأ أبو الجوزاء والجحدري خطيأتهم من غير ألف أغرقوا فأدخلوا نارا قال ابن السائب المعنى سيدخلون في الآخرة نارا فجاء لفظ الماضي بمعنى الاستقبال لأن الوعد حق هذا قول الأكثرين وقال الضحاك فأدخلوا نارا في الدنيا وذلك أنهم كانوا يغرقون من جانب ويحترقون في الماء من جانب

قوله تعالى فلم يجدوا لهم من دون الله أنصارا أي لم يجدوا أحدا يمنعهم من عذاب الله
قوله تعالى ديارا قال ابن قتيبة أي أحدا يقال ما بالمنازل ديار أي ما بها أحد وهو من الدار أي ليس بها نازل دارا وقال الزجاج أصلها ديوار فيعال فقلبت الواو ياء وأدغمت إحداهما في الأخرى وإنما دعا عليهم نوح لأن الله تعالى أوحى إليه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن هود 36
قوله تعالى يضلوا عبادك وذلك أن الرجل منهم كان ينطلق بابنه إلى نوح فيحذره تصديقه
وقوله تعالى ولا يلدوا إلا فاجرا كفارا قال المفسرون إن الله تعالى أخبر نوحا أنهم لا يلدون مؤمنا فلذلك علم الفاجر الخارج عن الطاعة
قوله تعالى رب اغفر لي ولوالدي قال الحسن وذلك أنهما كانا مؤمنين وقرأ أبو بكر الصديق وسعيد بن المسيب وابن جبير والجحدري والجوني ولوالدي ساكنة الياء على التوحيد وقرأ ابن مسعود وأبو العالية وابن يعمر والزهري والنخعي ولولدي من غير ألف على التثنية ولمن دخل بيتي وقرا حفص عن عاصم بيتي بفتح الياء وفيه ثلاثة اقوال
أحدها منزله قاله ابن عباس والثاني مسجده قاله الضحاك والثالث سفينته حكاه الثعلبي
قوله تعالى وللمؤمنين والمؤمنات هذا عام في كل من آمن ولا تزد الظالمين يعني الكافرين إلا تبارا أي هلاكا ومنه قوله تعالى تبرنا تتبيرا الفرقان 39

سورة الجن
كلها مكية بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن فقالوا إنا سمعنا قرآنا عجبا يهدي إلى الرشد فآمنا به ولن نشرك بربنا أحدا وأنه تعالى جد ربنا ما اتخذ صاحبة ولا ولدا وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن فزادوهم رهقا وأنهم ظنوا كما ظننتم أن لن يبعث الله أحدا وأنا لمسنا السماء فوجدناها ملئت حرسا شديدا وشهبا وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع فمن يستمع الآن يجد له شهابا رصدا وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض أم أراد بهم ربهم رشدا وأنا منا الصالحون ومنا دون ذلك كنا طرائق قددا وأنا ظننا أن لن نعجز الله في الأرض ولن نعجزه هربا وأنا لما سمعنا الهدى آمنا به فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا ولا رهقا وأنا منا المسلمون ومنا القاسطون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا وأما القاسطون فكانوا لجهنم حطبا وأن لو استقاموا على الطريقة لأسقيناهم ماء غدقا لنفتنهم فيه ومن يعرض عن ذكر ربه يسلكه عذابا صعدا

قوله تعالى قل أوحي إلي أنه استمع نفر من الجن قد ذكرنا سبب نزول هذه الآية في الأحقاف 29 وبينا هنالك سبب استماعهم ومعنى النفر وعددهم فأما قوله تعالى قرآنا عجبا فمعناه بليغا يعجب منه لبلاغته يهدي إلى الرشد أي يدعو إلى الصواب من التوحيد والإيمان ولن نشرك بربنا أي لن نعدل بربنا أحدا من خلقه وقيل عنوا إبليس أي لا نطيعه في الشرك بالله
قوله تعالى وأنه تعالى جد ربنا اختلف القراء في اثنتي عشرة همزة في هذه السورة وهي وأنه تعالى وأنه كان يقول وأنا ظننا وأنه كان رجال وأنهم ظنوا وأنا لمسنا وأنا كنا وأنا لا ندري وأنا منا وأنا ظننا أن لن نعجز الله وأنا لما سمعنا وأنا منا ففتح الهمزة في هذه المواضع ابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وحفص عن عاصم ووافقهم أبو جعفر في ثلاثة مواضع و أنه تعالى وأنه كان يقول وأنه كان رجال وكسر الباقيات وقرأ الباقون بكسرهن وقال الزجاج والذي يختاره النحويون في هذه السورة أن ما كان من الوحي قيل فيه أن بالفتح وما كان من قول الجن قيل إن بالكسر معطوف على قوله تعالى إنا سمعنا قرآنا عجبا وعلى هذا يكون المعنى وقالوا إنه تعالى جد ربنا وقالوا إنه كان يقول سفيهنا فأما من فتح فذكر بعض النحويين يعني الفراء أنه معطوف على الهاء في قوله تعالى فآمنا به وبأنه تعالى جد ربنا وكذلك ما بعد هذا وهذا رديء في القياس لا يعطف على الهاء المتمكنة المخفوضة إلا بإظهار الخافض ولكن وجهه

أن يكون محمولا على معنى أمنا به فيكون المعنى وصدقنا أنه تعالى جد ربنا وللمفسرين في معنى تعالى جد ربنا سبعة أقوال
أحدها قدرة ربنا قاله ابن عباس والثاني غنى ربنا قاله الحسن والثالث جلال ربنا قاله مجاهد وعكرمة والرابع عظمة ربنا قاله قتادة والخامس أمر ربنا قاله السدي والسادس ارتفاع ذكره وعظمته قاله مقاتل والسابع ملك ربنا وثناؤه وسلطانه قاله أبو عبيدة وأنه كان يقول سفيهنا فيه قولان
أحدهما أنه إبليس قاله مجاهد وقتادة
والثاني أنه كفارهم قاله مقاتل والشطط الجور والكذب وهو وصفه بالشريك والولد ثم قالت الجن وأنا ظننا أن لن تقول الإنس والجن على الله كذبا وقرأ يعقوب أن لن تقول بفتح القاف وتشديد الواو والمعنى ظنناهم صادقين في قولهم لله صاحبة وولد وما ظنناهم يكذبون حتى سمعنا القرآن يقول الله عز و جل وأنه كان رجال من الإنس يعوذون برجال من الجن وذلك أن الرجل في الجاهلية كان إذا سافر فأمسى في قفر من الأرض قال أعوذ بسيد هذا الوادي من شر سفهاء قومه فيبيت في جوار منهم حتى يصبح ومنه حديث كردم بن أبي السائب الأنصاري قال خرجت مع أبي إلى المدينة في حاجة وذلك أول ما ذكر رسول الله صلى الله عليه و سلم بمكة فآوانا المبيت إلى راعي غنم فلما انتصف الليل جاء ذئب فأخذ حملا من الغنم فوثب الراعي فنادى يا عامر الوادي جارك فنادى مناد لا نراه

يا سرحان أرسله فإذا الحمل يشتد حتى دخل في الغنم لم تصبه كدمة فأنزل الله على رسوله ص - وأنه كان رجال من الإنس الآية
وفي قوله تعالى فزادوهم رهقا قولان
أحدهما أن الإنس زادوا الجن رهقا لتعوذهم بهم قاله مقاتل والمعنى أنهم لما استعاذوا بسادتهم قالت السادة قد سدنا الجن والإنس
والثاني أن الجن زادوا الإنس رهقا ذكره الزجاج قال أبو عبيدة زادوهم سفها وطغيانا وقال ابن قتيبة زادوهم ضلالا واصل الرهق العيب ومنه يقال فلان يرهق في دينه
قوله تعالى وأنهم ظنوا يقول الله عز و جل ظن الجن كما ظننتم

أيها الإنس المشركون أنه لا بعث وقالت الجن وأنا لمسنا السماء أي أتيناها فوجناها ملئت حرسا شديدا وهم الملائكة الذين يحرسونها من استراق السمع وشهبا جمع شهاب وهو النجم المضيء وأنا كنا نقعد منها مقاعد للسمع أي كنا نستمع فالآن حين حاولنا الاستماع بعد بعث محمد ص - رمينا بالشهب ومعنى رصدا قد أرصد له المرمى به وأنا لا ندري أشر أريد بمن في الأرض بإرسال محمد إليهم فيكذبونه فيهلكون أم أراد بهم ربهم رشدا وهو أن يؤمنوا فيهتدوا قاله مقاتل والثاني أنه قول كفرة الجن والمعنى لا ندري أشر أريد بمن في الأرض بحدوث الرجم بالكواكب أم صلاح قاله الفراء ثم أخبروا عن حالهم فقالوا وأنا منا الصالحون وهم المؤمنون المخلصون ومنا دون ذلك فيه قولان
أحدهما أنهم المشركون
والثاني أنهم أهل الشر دون الشرك كنا طرائق قددا قال الفراء أي فرقا مختلفة أهواؤنا وقال أبو عبيدة واحد الطرائق طريقة وواحد القدد قدة أي ضروبا وأجناسا ومللا قال الحسن والسدي الجن مثلكم فمنهم قدرية ومرجئة ورافضة
قوله تعالى وأنا ظننا أي أيقنا أن لن نعجز الله في الأرض أي لن نفوته إذا أراد بنا أمرا ولن نعجزه هربا أي أنه يدركنا حيث كنا وأنا لما سمعنا الهدى وهو القرآن الذي أتى به محمد ص - آمنا به أي صدقنا أنه من عند الله عز و جل فمن يؤمن بربه فلا يخاف بخسا أي نقصا من الثواب ولا رهقا أي ولا ظلما ومكروها يغشاه وأنا منا المسلمون قال مقاتل المخلصون لله ومنا القاسطون وهم المردة قال

ابن قتيبة القاسطون الجائرون يقال قسط إذا جار وأقسط إذا عدل قال المفسرون هم الكافرون فمن أسلم فأولئك تحروا رشدا أي توخوه وأموه ثم انقطع كلام الجن قال مقاتل ثم رجع إلى كفار مكة فقال تعالى وأن لو استقاموا على الطريقة يعني طريقة الهدى وهذا قول ابن عباس وسعيد بن المسيب والحسن ومجاهد وقتادة والسدي واختاره الزجاج قال لأن الطريقة ها هنا بالألف واللام معرفة فالأوجب أن تكون طريقة الهدى وذهب قوم إلى أن المراد بها طريقة الكفر قاله محمد بن كعب والربيع والفراء وابن قتيبة وابن كيسان فعلى القول الأول يكون المعنى لو آمنوا لوسعنا عليهم لنفتنهم أي لنختبرهم فيه فننظر كيف شكرهم والماء الغدق الكثير وإنما ذكر الماء مثلا لأن الخير كله يكون بالمطر فأقيم مقامه إذ كان سببه وعلى الثاني يكون المعنى لو استقاموا على الكفر فكانوا كفارا كلهم لأكثرنا لهم المال لنفتنهم فيه عقوبة واستدارجا ثم نعذبهم على ذلك وقيل لأكثرنا لهم الماء فأغرقناهم كقوم نوح ومن يعرض عن ذكر ربه يعني القرآن يسلكه قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر نسلكه بالنون وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالياء عذابا صعدا قال ابن قتيبة أي عذابا شاقا يقال تصعدني الأمر إذا شق علي ومنه قول عمر ما تصعدني شيء ما تصعدني خطبة النكاح ونرى أصل هذا كله من الصعود لأنه شاق فكني به عن المشقات وجاء في التفسير أنه جبل في النار يكلف صعوده وسنذكره عند قوله تعالى سأرهقه

صعودا المدثر 17 إن شاء الله تعالى
وأن المساجد لله فلا تدعوا مع الله أحدا وأنه لما قام عبد الله يدعوه كادوا يكونون عليه لبدا قل إنما أدعوا ربي ولا أشرك به أحدا قل إني لا أملك لكم ضرا ولا رشدا قل إني لن يجيرني من الله أحد ولن أجد من دونه ملتحدا إلا بلاغا من الله ورسالاته ومن يعص الله ورسوله فإن له نار جهنم خالدين فيها أبدا حتى إذا رأوا ما يوعدون فسيعلمون من أضعف ناصرا واقل عددا قل إن أدري أقريب ما توعدون أم يجعل له ربي أمدا عالم الغيب فلا يظهر على غيبه أحدا إلا من ارتضى من رسول فإنه يسلك من بين يديه ومن خلفه رصدا ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربهم وأحاط بما لديهم وأحصى كل شيء عددا
قوله تعالى وأن المساجد لله فيها أربعة أقوال
أحدها أنها المساجد التي هي بيوت الصلوات قاله ابن عباس قال قتادة كانت اليهود والنصارى إذا دخلوا كنائسهم وبيعهم أشركوا فأمر الله عز و جل المسلمين أن يخلصوا له إذا دخلوا مساجدهم
والثاني الأعضاء التي يسجد عليها العبد قاله سعيد بن جبير وابن الأنباري وذكره الفراء فيكون المعنى لا تسجدوا عليها لغيره

والثالث أن المراد بالمساجد ها هنا البقاع كلها قاله الحسن فيكون المعنى أن الأرض كلها مواضع للسجود فلا تسجدوا عليها لغير خالقها
والرابع أن المساجد السجود فإنه جمع مسجد يقال سجدت سجودا ومسجدا كما يقال ضربت في الأرض ضربا ومضربا ثم يجمع فيقال المساجد والمضارب قال ابن قتيبة فعلى هذا يكون واحدها مسجدا بفتح الجيم والمعنى أخلصوا له ولا تسجدا لغيره ثم رجع إلى ذكر الجن فقال تعالى وأنه لما قام عبد الله يعني محمدا ص - يدعوه أي يعبده وكان يصلي ببطن نخلة على ما سبق بيانه في الأحقاف 29 كادوا يكونون عليه لبدا قرأ الأكثرون لبدا بكسر اللام وفتح الباء وقرأ هشام عن ابن عامر وابن محيصن لبدا بضم اللام وفتح الباء مع تخفيفها قال الفراء ومعنى القراءتين واحد يقال لبدة ولبدة قال الزجاج والمعنى كاد يركب بعضهم بعضا ومنه اشتقاق اللبد الذي يفترش وكل شيء أضفته إلى شيء فقد لدبته وقرأ قوم منهم الحسن والجحدري لبدا بضم اللام مع تشديد الباء قال الفراء فعلى هذه القراءة يكون صفة للرجال كقولك ركعا وركوعا وسجدا وسجودا قال الزجاج هو جمع لابد مثل راكع وركع وفي معنى الآية ثلاثة أقوال
أحدها أنه إخبار الله تعالى عن الجن يحكي حالهم والمعنى أنه لما قام يصلي كاد الجن لازدحامهم عليه يركب بعضهم بعضا حرصا على سماع القرآن رواه عطية عن ابن عباس
والثاني أنه من قول الجن لقومهم لما رجعوا إليهم فوصفوا لهم طاعة أصحاب محمد رسول الله صلى الله عليه و سلم وائتمامهم به في الركوع والسجود فكأنهم قالوا

لما قام يصلي كاد أصحابه يكونون عليه لبدا وهذا المعنى في رواية ابن جبير عن ابن عباس
والثالث أن المعنى لما قام رسول الله ص - بالدعوة تلبدت الإنس والجن وتظاهروا عليه ليبطلوا الحق الذي جاء به قاله الحسن وقتادة وابن زيد
قوله تعالى قل إنما أدعو ربي قرأ عاصم وحمزة قل إنما أدعو ربي بغير ألف وقرأ الباقون قال على الخبر عن النبي صلى الله عليه و سلم قال مقاتل إن كفار مكة قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم إنك جئت بأمر عظيم لم يسمع بمثله فارجع عنه فنزلت هذه الآية
قوله تعالى قل لا أملك لكم ضرا أي لا أدفعه عنكم ولا أسوق إليكم رشدا أي خيرا أي إن الله تعالى يملك ذلك لا أنا قل إني لن يجيرني من الله أحد أي إن عصيته لم يمنعني منه أحد وذلك أنهم قالوا اترك ما تدعو إليه ونحن نجيرك ولن أجد من دونه ملتحدا وقد بيناه في الكهف 27 إلا بلاغا من الله فيه وجهان ذكرهما الفراء
أحدهما أنه استثناء من قوله تعالى لا أملك لكم ضرا ولا رشدا إلا أن أبلغكم
والثاني لن يجيرني من الله أحد إن لم أبلغ رسالته وبالأول قال ابن السائب

وبالثاني قال مقاتل وقال بعضهم المعنى لن يجيرني من عذاب الله إلا أن أبلغ عن الله ما أرسلت فذلك البلاغ هو الذي يجيرني ومن يعص الله ورسوله بترك الإيمان والتوحيد
قوله تعالى حتى إذا رأوا يعني الكفار ما يوعدون من العذاب في الدنيا وهو القتل وفي الآخرة فسيعلمون من أضعف ناصرا وأقل عددا أي جندا ونصرا أهم أم المؤمنون قل إن أدري أي ما أدري أقريب ما توعدون من العذاب أم يجعل له ربي أمدا أي غاية وبعدا وذلك لأن علم الغيب لله وحده فلا يظهر أي فلا يطلع على غيبه الذي يعلمه أحدا من الناس إلا من ارتضى من رسول لأن من الدليل على صدق الرسل إخبارهم بالغيب والمعنى أن من ارتضاه للرسالة أطلعه على ما شاء من غيبه وفي هذا دليل على أن من زعم أن النجوم تدل على الغيب فهو كافر ثم ذكر أنه يحفظ ذلك الذي يطلع عليه الرسول فقال تعالى فإنه يسلك من بين يديه أي

من بين يدي الرسول ومن خلفه رصدا أي يجعل له حفظة من الملائكة يحفظون الوحي من أن تسترقه الشياطين فتلقيه إلى الكهنة فيتكلون به قبل أن يخبر النبي صلى الله عليه و سلم الناس وقال الزجاج يسلك من بين يدي الملك ومن خلفه رصدا وقيل يسلك من بين يدي الوحي فالرصد من الملائكة يدفعون الشياطين عن أن تستمع ما ينزل من الوحي
قوله تعالى ليعلم فيه خمسة أقوال
أحدها ليعلم محمد صلى الله عليه و سلم أن جبرائيل قد بلغ إليه قاله ابن جبير
والثاني ليعلم محمد صلى الله عليه و سلم أن الرسل قبله قد أبلغوا رسالات ربهم وأن الله قد حفظها فدفع عنها قاله قتادة
والثالث ليعلم مكذبوا الرسل أن الرسل قد أبلغوا رسالات ربهم قاله مجاهد
والرابع ليعلم الله عز و جل ذلك موجودا ظاهرا يجب به الثواب فهو كقوله تعالى ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم آل عمران 142 قاله ابن قتيبة
والخامس ليعلم النبي أن الرسل قد أتته ولم تصل إلى غيره ذكره الزجاج وقرأ رويس عن يعقوب ليعلم بضم الياء على ما لم يسم فاعله وقال ابن قتيبة ويقرأ لتعلم بالتاء يريد لتعلم الجن أن الرسل قد بلغت عن آلههم بما رجوا من استراق السمع وأحاط بما لديهم أي علم الله ما عند الرسل وأحصى كل شيء عددا فلم يفته شيء حتى الذر والخردل

سورة المزمل
وهي مكية كلها بإجماعهم
إلا أنه قد روي عن ابن عباس أنه قال سوى آيتين منها قوله تعالى واصبر على ما يقولون والتي بعدها المزمل 10 1 وقال ابن يسار ومقاتل فيها آية مدنية وهي قوله تعالى إن ربك يعلم أنك تقوم المزمل 20 بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا نصفه أو انقص منه قليلا أو زد عليه ورتل القرآن ترتيلا إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا إن ناشئة الليل هي أشد وطأ وأقوم قيلا إن لك في النهار سبحا طويلا واذكر اسم ربك وتبتل إليه تبتيلا رب المشرق والمغرب لا إله إلا هو فاتخذه وكيلا واصبر على ما يقولون واهجرهم هجرا جميلا وذرني والمكذبين أولي النعمة ومهلهم قليلا إن لدينا أنكالا وجحيما وطعاما ذا غصة وعذابا أليما يوم ترجف الأرض والجبال وكانت الجبال كثيبا مهيلا إنا أرسلنا إليكم رسولا شاهدا عليكم كما أرسلنا إلى فرعون رسولا فعصى فرعون الرسول فأخذناه أخذا وبيلا فكيف تتقون إن كفرتم يوما يجعل الولدان شيبا السماء منفطر به كان وعده مفعولا

قوله تعالى يا أيها المزمل وقرأ أبي بن كعب وأبو العالية وأبو مجلز وأبو عمران والأعمش المتزمل بإظهار التاء وقرأ عكرمة وابن يعمر المزمل بحذف التاء وتخفيف الزاي قال اللغويون المزمل المتلف في ثيابه واصله المتزمل فأدغمت التاء في الزاي فثقلت وكل من التف بثوبه فقد تزمل قال الزجاج وإنما أدغمت فيها لقربها منها قال المفسرون وكان النبي صلى الله عليه و سلم يتزمل في ثياه في أول ما جاء جبريل فرقا منه حتى أنس به وقال السدي كان قد تزمل للنوم وقال مقاتل خرج من البيت وقد لبس ثياه فناداه جبريل يا أيها المزمل وقيل أريد به متزمل النبوة قال عكرمة في معنى هذه الآية زملت هذا الأمر فقم به وقيل إنما لم يخاطب بالنبي والرسول ها هنا لأنه لم يكن قد بلغ وإنما كان في بدء الوحي
قوله تعالى قم الليل أي للصلاة وكان قيام الليل فرضا عليه إلا قليلا نصفه هذا بدل من الليل كا تقول ضربت زيدا رأسه فإنا ذكرت زيدا لتوكيد الكلام لأنه أوكد من قولك ضربت رأس زيد والمعنى قم من الليل النصف إلا قليلا أو انقص منه قليلا أي من النصف أو زد عليه أي على النصف قال المفسرون انقص من النصف إلى الثلث أو زد عليه إلى الثلثين فجعل له سعة في مدة قيامه إذ لم تكن محدودة فكان يقوم ومعه طائفة من المؤمنين فشق ذلك عليه وعليهم فكان الرجل لا يدري كم صلى وكم بقي من الليل فكان يقوم الليل كله مخافة أن لا يحفظ القدر الواجب فنسخ ذلك عنه وعنهم بقوله تعالى إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل الآية هذا مذهب جماعة من المفسرين وقالوا ليس في القرآن

سورة نسخ آخرها أولها سوى هذه السورة وذهب قوم إلى أنه نسخ قيام الليل في حقه بقوله تعالى ومن الليل فتهجد به نافلة لك الإسراء 79 ونسخ في حق المؤمنين بالصلوات الخمس وقيل نسخ عن الأمة وبقي عليه فرضه أبدا وقيل إنما كان مفروضا عليه دونهم وفي مدة فرضه قولان
أحدهما سنة قال ابن عباس كان بين أول المزمل وآخرها سنة
والثاني ستة عشر شهرا حكاه الماوردي
قوله تعالى ورتل القرآن قد ذكرنا الترتيل في الفرقان 32
قوله تعالى إنا سنلقي عليك قولا ثقيلا وهو القرآن وفي معنى ثقله ستة أقوال
أحدها أنه كان يثقل عليه إذا أوحي إليه وهذا قول عائشة قالت ولقد رأيته ينزل عليه في اليوم الشديد البرد فيفصم عنه يعني يتخلص عنه

وإن جبينه ليتفصد عرقا
والثاني أن العمل به ثقيل في فروضه وأحكامه قاله الحسن وقتادة
والثالث أنه يثقل في الميزان يوم القيامة قاله ابن زيد
والرابع أنه المهيب كما يقال للرجل العاقل هو رزين راجح قاله عبد العزيز بن يحيى
والخامس أنه ليس بالخفيف ولا السفساف لأنه كلام الرب عز و جل قاله الفراء
والسادس أنه قول له وزن في صحته وبيانه ونفعه كما تقول هذا كلام رصين وهذا قول وزن إذا استجدته ذكره الزجاج
قوله تعالى إن ناشئة الليل قال ابن مسعود وابن عباس هي قيام الليل بلسان الحبشة وهل هي في وقت مخصوص من الليل أم في جميعه فيه قولان
أحدهما أنها في جميع الليل وروى ابن أبي مليكة عن ابن عباس أنه قال الليل كله ناشئة وإلى هذا ذهب اللغويون قال ابن قتيبة ناشئة الليل

ساعاته الناشئة من نشأت إذا ابتدأت وقال الزجاج ناشئة الليل ساعات الليل كل ما نشأ منه أي كل ما حدث وقال أبو علي الفارسي كأن المعنى إن صلاة ناشئة أو عمل ناشئة الليل
والثاني أنها في وقت مخصوص من الليل ثم فيه خمسة أقوال
أحدها أنها ما بين المغرب والعشاء قاله أنس بن مالك
والثاني أنها القيام بعد النوم وهذا قول عائشة وابن الأعرابي وقد نص عليه أحمد في رواية المرودي
والثالث أنها ما بعد العشاء قاله الحسن ومجاهد وقتادة وأبو مجلز
والرابع أنها بدء الليل قاله عطاء وعكرمة
والخامس أنها القيام من آخر الليل قاله يمان وابن كيسان
قوله تعالى هي أشد وطا قرأ ابن عامر وأبو عمرو وطاء بكسر الواو مع المد وهو مصدر واطأت فلانا على كذا مواطأة ووطاء واراد أن القراءة في الليل يتواطأ فيها قلب المصلي ولسانه وسمعه على التفهم للقرآن والإحكام لتأويله ومنه قوله تعالى ليواطئوا عدة ما حرم الله التوبة 37 وقرأ الباقون وطأ بفتح الواو مع القصر والمعنى إنه أثقل على المصلي من ساعات النهار من قول العرب اشتدت على القوم وطأة السلطان إذا ثقل عليهم ما يلزمهم ومنه قول النبي صلى الله عليه و سلم اللهم اشدد وطأتك على مضر ذكر معنى القراءتين ابن قتيبة وقرأ ابن محيصن أشد وطاء بفتح الواو والطاء وبالمد

قوله تعالى وأقوم قيلا أي أخلص للقول وأسمع له لأن الليل تهدأ فيه الأصوات فتخلص القراءة ويفرغ القلب لفهم التلاوة فلا يكون دون سمعه وتفهمه حائل
قوله تعالى إن لك في النهار سبحا طويلا أي فراغا لنومك وراحتك فاجعل ناشئة الليل لعبادتك قاله ابن عباس وعطاء وقرأ علي وابن مسعود وابو عمران وابن أبي عبلة سبخا بالخاء المعجمة قال الزجاج ومعناها في اللغة صحيح يقال قد سبخت القطن بمعنى نفشته ومعنى نفشته وسعته فيكون المعنى إن لك في النهار توسعا طويلا
قوله تعالى واذكر اسم ربك أي بالنهار أيضا وتبتل إليه تبتيلا قال مجاهد أخلص له إخلاصا وقال ابن قتيبة انقطع إليه من قولك بثلت الشيء إذا قطعته وقال الزجاج انقطع إليه في العبادة ومنه قيل لمريم البتول لأنها انقطعت إلى الله تعالى في العبادة وكذلك صدقة بتلة منقطعة من مال المصدق والأصل في مصدر تبتل تبتلا وإنما قوله تعالى تبتيلا محمول على معنى تبتل رب المشرق قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وحفص عن عاصم رب بالرفع وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم بالكسر وما بعد هذا قد سبق الشعراء 28 إلى قوله تعالى واصبر على ما يقولون من التكذيب لك والأذى واهجرهم هجرا جميلا لا جزع فيه وهذه الآية عند المفسرين منسوخة بآية السيف وذرني والمكذبين أي لا تهتم بهم فأنا أكفيكهم أولي النعمة يعني التنعم وفيمن عني بهذا ثلاثة أقوال
أحدها أنهم المطعمون ببدر قاله مقاتل بن حيان

والثاني أنهم بنو المغيرة بن عبد الله قاله مقاتل بن سليمان
والثالث أنهم المستهزئون وهم صناديد قريش حكاه الثعلبي
قوله تعالى ومهلهم قليلا قالت عائشة فلم يكن إلا اليسير حتى كانت وقعة بدر وذهب بعض المفسرين إلى أن هذه الآية منسوخة بآية السيف وليس بصحيح
قوله تعالى إن لدينا أنكالا وهي القيود واحدها نكل وقد شرحنا معنى الجحيم في البقرة 119 وطعاما ذا غصة وهو الذي لا يسوغ في الحلق وفيه للمفسرين أربعة أقوال
أحدها أنه شوك يأخذ الحلق فلا يدخل ولا يخرج قاله ابن عباس وعكرمة والثاني الزقوم قاله مقاتل والثالث الضريع قاله الزجاج والرابع الزقوم والغسلين والضريع حكاه الثعلبي
قوله تعالى يوم ترجف الأرض قال الزجاج هو منصوب بقوله تعالى إن لدينا أنكالا والمعنى ينكل الكافرين ويعذبهم يوم ترجف الأرض أي تزلزل وتحرك أغلظ حركة
قوله تعالى وكانت الجبال قال مقاتل المعنى وصارت بعد الشدة والقوة كثيبا قال الفراء الكثيب الرمل والمهيل الذي ترحك أسفله فينهال عليكم من أعلاه والعرب تقول مهيل ومهيول ومكيل ومكيول وقال الزجاج الكثيب جمعه كثبان وهي القطع العظام من الرمل والمهيل السائل
قوله تعالى إنا أرسلنا إليكم يعني أهل مكة رسولا يعني محمدا صلى الله عليه و سلم

شاهدا عليكم بالتبليغ وإيمان من آمن وكفر من كفر كما أرسلنا إلى فرعون رسولا وهو موسى عليه السلام والوبيل الشديد قال ابن قتيبة هو من قولك استوبلت المكان إذا استوخمته ويقال كلأ مستوبل أي لا يستمرأ قال الزجاج الوبيل الثقيل الغليظ جدا ومنه قيل للمطر العظيم وابل قال مقاتل والمراد بهذا الأخذ الوبيل الغرق وهذا تخويف لكفار مكة أن ينزل بهم العذاب لتكذيبهم كما نزل بفرعون
قوله تعالى فكيف تتقون إن كفرتم يوما أي عذاب ويوم قال الزجاج المعنى بأي شيء تتحصنون من عذاب يوم من هوله يشيب الصغير من غير كبر وقرأ أبي بن كعب وأبو عمران نجعل الولدان بالنون
قوله تعالى السماء منفطر به قال الفراء السماء تذكر وتؤنث وهي ها هنا في وجه التذكير قال الشاعر ... فلو رفع السماء إليه قوما ... لحقنا بالسماء مع السحاب ...
قال الزجاج وتذكير السماء على ضربين
أحدهما على أن معنى السماء معنى السقف
والثاني على قولهم امرأة مرضع على جهة النسب فالمعنى السماء ذات انفطار كما أن المرضع ذات الرضاع وقال ابن قتيبة ومعنى الآية السماء منشق به أي فيه يعني في ذلك اليوم

قوله تعالى كان وعده مفعولا وذلك أنه وعد بالبعث فهو كائن لا محالة
إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وطائفة من الذين معك والله يقدر الليل والنهار علم أن لن تحصوه فتاب عليكم فاقرؤا ما تيسر من القرآن علم أن سيكون منكم مرضى وآخرون يضربون في الأرض يبتغون من فضل الله وآخرون يقاتلون في سبيل الله فاقرؤا ما تيسر منه وأقيموا الصلوة وآتوا الزكوة وأقرضوا الله قرضا حسنا وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله هو خيرا وأعظم أجرا واستغفروا الله إن الله غفور رحيم
إن هذه يعني آيات القرآن تذكرة أي تذكير وموعظة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا بالإيمان والطاعة
قوله تعالى إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى أي أقل من ثلثي الليل ونصفه وثلثه وقرأ ابن كثير وأهل الكوفة بفتح الفاء والثاء والباقون بكسرهما
قوله تعالى وطائفة من الذين معك يعني المؤمنين والله يقدر الليل والنهار يعلم مقاديرهما فيعلم القدر الذي تقومون به من الليل علم أن لن تحصوه وفيه قولان
أحدهما لن تطيقوا قيام ثلثي الليل ولا ثلث الليل ولا نصف الليل قاله مقاتل

والثاني لن تحفظوا مواقيت الليل قاله الفراء فتاب عليكم أي عاد عليكم بالمغفرة والتخفيف فاقرؤوا ما تيسر عليكم من القرآن يعني في الصلاة من غير أن يوقت وقتا وقال الحسن هو ما يقرأ في صلاة المغرب والعشاء ثم ذكر أعذارهم فقال تعالى علم أن سيكون منكم مرضى فلا يطيقون قيام الليل وآخرون يضربون في الأرض وهم المسافرون للتجارة يبتغون من فضل الله أي من رزقه فلا يطيقون قيام الليل وآخرون يقاتلون في سبيل الله وهم المجاهدون فلا يطيقون قيام الليل وفاقرؤوا ما تيسر من القرآن وذكروا أن هذا نسخ عن المسلمين بالصلوات الخمس فذلك قوله تعالى وأقيموا الصلاة أي الصلوات الخمس في أوقاتها وأقرضوا الله قرضا حسنا وقد سبق بيانه الحديد 18 قال ابن عباس يريد سوى الزكاة في صلة الرحم وقرى الضيف وما تقدموا لأنفسكم من خير تجدوه عند الله أي تجدوا ثوابه في الآخرة هو خيرا قال أبو عبيدة المعنى تجدوه خيرا قال الزجاج ودخلت هو فصلا وقال المفسرون ومعنى خيرا أي

أفضل مما أعطيتم وأعظم أجرا من الذي تؤخرونه إلى وقت الوصية عند الموت

سورة المدثر
وهي مكية بإجماعهم
وقال مقاتل فيها من المدني آية وهي قوله تعالى وما جعلنا عدتهم إلا فتنة المدثر 31
بسم الله الرحمن الرحيم
يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر ولا تمنن تستكثر ولربك فاصبر فإذا نقر في الناقور فذلك يومئذ يوم عسير على الكافرين غير يسير ذرني ومن خلقت وحيدا وجعلت له مالا ممدودا وبنين شهودا ومهدت له تمهيدا ثم يطمع أن أزيد كلا إنه كان لآياتنا عنيدا سأرهقه صعودا إنه فكر وقدر ثم قتل كيف قدر ثم نظر ثم عبس وبسر ثم أدبر واستكبر فقال إن هذا إلا سحر يؤثر إن هذا إلا قول البشر سأصليه سقر وما أدرك ما سقر لا تبقي ولا تذر لواحة للبشر عليها تسعة عشر وما جعلنا أصحاب النار إلا ملئكة وما جعلنا عدتهم إلا فتنة للذين كفروا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب ويزداد الذين آمنوا إيمانا ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون وليقول الذين في قلوبهم مرض والكافرون ماذا أراد الله بهذا مثلا كذلك يضل الله من

يشاء ويهدي من يشاء وما يعلم جنود ربك إلا هو وما هي إلا ذكرى للبشر كلا والقمر والليل إذ أدبر والصبح إذا أسفر إنها لإحدى الكبر نذيرا للبشر لمن شاء منكم أن يتقدم أو يتأخر
فأما سبب نزولها فروى البخاري ومسلم في صحيحيهما من حديث جابر بن عبد الله قال حدثنا رسول الله صلى الله عليه و سلم قال جاورت بحراء شهرا فلما قضيت جواري نزلت فاستبطنت بطن الوادي فنوديت فنظرت أمامي وخلفي وعن يميني وعن شمالي فلم أر أحدا ثم نوديت فرفعت رأسي فإذا هو في الهواء يعني جبريل عليه السلام فأقبلت إلى خديجة فقلت دثروني دثروني فأنزل الله عز و جل يا أيها المدثر قم فأنذر قال المفسرون فلما رأى جبريل وقع مغشيا عليه فلما أفاق دخل إلى خديجة ودعا بماء فصبه عليه وقال دثروني فدثروه بقطيفة فأتاه جبريل فقال يا أيها المدثر وقرأ أبي بن كعب وابو عمران والأعمش المتدثر بإظهار التاء وقرأ أبو رجاء وعكرمة وابن يعمر المدثر بحذف التاء وتخفيف الدال قال اللغويون وأصل المدثر المتدثر فأدغمت التاء كما ذكرنا في المتزمل وهذا في قول الجمهور من التدثير بالثياب وقيل المعنى يا أيها المدثر بالنبوة وأثقالها قال عكرمة دثرت هذا الأمر فقم به

قوله تعالى قم فأنذر كفار مكة العذاب إن لم يوحدوا وربك فكبر أي عظمه عما يقول عبدة الأوثان وثيابك فطهر فيه ثمانية أقوال
أحدها لا تلبسها على معصية ولا على غدر قال غيلان بن سلمة الثقفي ... وإني بحمد الله لا ثوب فاجر ... لبست ولا من غدرة أتقنع ...
روى هذا المعنى عكرمة عن ابن عباس
والثاني لا تكن ثيابك من مكسب غير طاهر روي عن ابن عباس أيضا
والثالث طهر نفسك من الذنب قاله مجاهد وقتادة ويشهد له قول عنترة ... فشككت بالرمح الأصم ثيابه ... ليس الكريم على القنا بمحرم ...
أي نفسه وهذا مذهب ابن قتيبة قال المعنى طهر نفسك من الذنوب فكنى عن الجسم بالثياب لأنها تشتمل عليه قالت ليلى الأخيلية وذكرت إبلا ... رموها بأثواب خفاف فلا ترى ... لها شبها إلا النعام المنفرا ...
أي ركبوها فرموها بأنفسهم والعرب تقول للعفاف إزار لأن العفيف كأنه استتر لما عف

والرابع وعملك فأصلح قاله الضحاك
والخامس خلقك فحسن قاله الحسن والقرظي
والسادس وثيابك فقصر وشمر قاله طاووس
والسابع قلبك فطهر قاله سعيد بن جبير ويشهد له قول امرئ القيس ... فإن يك قد ساءتك مني خليقة ... فسلي ثيابي من ثيابك تنسل ...
أي قلبي من قلبك
والثامن اغسل ثيابك بالماء ونقها قاله ابن سيرين وابن زيد
قوله تعالى والرجز فاهجر قرأ الحسن وأبو جعفر وشيبة وعاصم إلا أبا بكر ويعقوب وابن محصين وابن السميفع والرجز بضم الراء والبقاون بكسرها ولم يختلفوا في غير هذا الموضع قال الزجاج ومعنى القراءتين واحد وقال أبو علي قراءة الحسن بالضم وقال هو اسم صنم وقال قتادة صنمان إساف ونائلة ومن كسر فالوجز العذاب فالمعنى ذو العذاب فاهجر
وفي معنى الرجز للمفسرين ستة أقوال
أحدها أنه الأصنام والأوثان قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة وقتادة والزهري والسدي وابن زيد

والثاني أنه الإثم روي عن ابن عباس أيضا
والثالث الشرك قاله ابن جبير والضحاك
والرابع الذنب قاله الحسن
والخامس العذاب قاله ابن السائب قال الزجاج الرجز في اللغة العذاب ومعنى الآية اهجر ما يؤدي إلى عذاب الله
والسادس الشيطان قاله ابن كيسان ولا تمنن تستكثر فيه أربعة أقوال
أحدها لا تعط عطية تلتمس بها أفضل منها قاله ابن عباس وعكرمة وقتادة قال المفسرون معناه أعط لربك وأرد به الله فأدبه بأشرف الآداب ومعنى لا تمنن لا تعط شيئا من مالك لتعطى أكثر منه وهذا الأدب للنبي صلى الله عليه و سلم خاصة وليس على أحد من أمته إثم أن يهدي هدية يرجو بها ثوابا أكثر منها
والثاني لا تمنن بعملك تستكثره على ربك قاله الحسن
والثالث لا تضعف عن الخير أن تستكثر منه قاله مجاهد
والرابع لا تمنن على الناس بالنبوة لتأخذ عليها منهم أجرا قاله ابن زيد

ولربك فيه أربعة أقوال
أحدها لأجل ربك والثاني لثواب ربك والثالث لأمر ربك والرابع لوعد ربك فاصبر فيه قولان
أحدهما على طاعته وفرائضه والثاني على الأذى والتكذيب
قوله تعالى فإذا نقر في الناقور أي نفخ في الصور وهل هذه النفخة هي الأولى أو الثانية فيه قولان فذلك يومئذ يوم عسير أي يعسر الأمر فيه على الكافرين غير يسير غير هين ذرني قد شرحناه في المزمل 11 ومن خلقت أي ومن خلقته وحيدا فيه قولان
أحدهما خلقته وحيدا في بطن أمه لا مال له ولا ولد قاله مجاهد
والثاني خلقته وحدي لم يشركني في خلقه أحد قاله الزجاج قال ابن عباس جاء الوليد بن المغيرة إلى النبي صلى الله عليه و سلم فقرأ عليه القرآن فكأنه رق له فبلغ ذلك أبا جهل فأتاه فقال يا عم إن قومك يريدون أن يجمعوا لك مالا فإنك أتيت محمدا تتعرض لما قبله فقال قد علمت قريش أني من أكثرها مالا قال فقل فيه قولا يبلغ قومك أنك منكر له قال وماذا أقول فوالله ما فيكم رجل أعلم بالأشعار مني فوالله ما يشبهها الذي يقول والله إن لقوله حلاوة وإن عليه طلاوة وإنه لمثمر أعلاه مغدق أسفله وإنه ليعلوا ولا يعلى قال لا يرضى عنك قومك حتى تقول فيه قال فدعني حتى أفكر فيه فقال هذا سحر يؤثر يأثره عن غيره فنزلت ذرني ومن خلقت وحيدا الآيات كلها وقال مجاهد قال الوليد لقريش إن لي إليكم

حاجة فاجتمعوا في دار الندوة فقال إنكم ذوو أحساب وأحلام وإن العرب يأتونكم وينطلقون من عندكم على أمر مختلف فأجمعوا على شيء واحد ما تقولون في هذا الرجل قالوا نقول إنه شاعر فعبس عندها وقال قد سمعنا الشعر فما يشبه قوله الشعر فقالوا نقول إنه كاهن قال إذن يأتونه فلا يجدونه يحدث بما يحدث به الكهنة قالوا نقول إنه مجنون قال إذن يأتونه فلا يجدونه مجنونا فقالوا نقول إنه ساحر قال وما الساحر قالوا بشر يحببون بين المتباغضين ويبغضون بين المتحابين قال فهو ساحر فخرجوا لا يلقى أحد منهم النبي إلا قال يا ساحر فاشتد ذلك عليه فأنزل الله عز و جل يا أيها المدثر إلى قوله تعالى إن هذا إلا سحر يؤثر وذكر بعض المفسرين أن قوله تعالى ذرني ومن خلقت وحيدا منسوخ بآية السيف ولا يصح
قوله تعالى وجعلت له مالا ممدودا في معنى الممدود ثلاثة أقوال
أحدها كثيرا قاله أبو عبيدة والثاني دائما قاله ابن قتيبة والثالث غير منقطع قاله الزجاج
وللمفسرين في مقداره أربعة أقوال
أحدها غلة شهر بشهر قاله عمر بن الخطاب
والثاني ألف دينار قاله ابن عباس ومجاهد وابن جبير قال الفراء

نرى أن الممدود جعل غاية للعدد لأن ألف غاية للعدد يرجع في أول العدد من الألف
والثالث أربعة آلاف قاله قتادة
والرابع أنه بستان كان له بالطائف لا ينقطع خيره شتاء ولا صيفا قاله قاتل
قوله تعالى وبنين شهودا أي حضروا معه لا يحتاجون إلى التصرف والسفر فيغيبوا عنه وفي عددهم أربعة أقوال
أحدها عشرة قاله مجاهد وقتادة والثاني ثلاثة عشر قاله ابن جبير والثالث اثنا عشر قاله السدي والرابع سبعة قاله مقاتل ومهدت له تمهيدا أي بسطت له العيش وطول العمر ثم يطمع أن أزيد فيه قولان أحدهما يطمع أن أدخله الجنة قاله الحسن والثاني أن أزيده من المال والولد قاله مقاتل
قوله تعالى كلا أي لا أفعل فمنعه الله المال والولد حتى مات فقيرا إنه كان لآياتنا عنيدا أي معاندا
وفي المراد بالآيات هنا ثلاثة أقوال
أحدها أنه القرآن قاله ابن جبير والثاني الحق قاله مجاهد والثالث رسول الله صلى الله عليه و سلم قاله السدي
وقوله تعالى سأرهقه صعودا قال الزجاج سأحمله على مشقة من العذاب وقال غيره سأكلفه مشقة من العذاب لا راحة له منها وقال ابن قتيبة الصعود

العقبة الشاقة وكذلك الكؤود وفي حديث أبي سعيد عن نبي الله صلى الله عليه و سلم في قوله تعالى سأرهقه صعودا قال جبل من نار يكلف أن يصعده فإذا وضع رجله عليها ذابت فإذا رفعها عادت يصعد سبعين خريفا ثم يهوي فيه كذلك أبدا وذكر ابن السائب أنه جبل من صخرة ملساء في النار يكلف أن يصعدها حتى إذا بلغ أعلاها أحدر إلى أسفلها ثم يكلف أن يصعدها فذلك دأبه أبدا يجذب من أمامه سلاسل الحديد ويضرب من خلفه بمقامع الحديد فيصعدها في أربعين سنة
قوله تعالى إنه فكر أي تفكر ماذا يقول في القرآن وقدر القول في نفسه فقتل أي لعن كيف قدر ثم قتل كيف قدر أي لعن على أي حال قدر ما قدر من الكلام وقيل كيف ها هنا بمعنى التعجب والإنكار والتوبيخ وإنما كرر تأكيدا ثم نظر في طلب ما يدفع به القرآن ويرده ثم عبس وبسر قال اللغويون أي كره وجهه وقطب يقال بسر الرجل وجهه أي قبضه وأنشدوا لتوبة

وقد رابني منها صدود رأيته ... وإعراضها عن حاجتي وبسورها ...
قال المفسرون كره وجهه ونظر بكراهية شديدة كالمهتم المتفكر في الشيء ثم أدبر عن الإيمان واستكبر أي تكبر حين دعي إليه فقال إن هذا أي ما هذا القرآن إلا سحر يؤثر أي يروى عن السحرة إن هذا إلا قول البشر أي من كلام الإنس وليس من كلام الله تعالى فقال الله تعالى سأصليه سقر أي سأدخله النار وقد ذكر سقر في سورة القمر 48 وما أدراك ما سقر لعظم شأنها لا تبقي ولا تذر أي لا تبقي لهم لحما إلا أكلته ولا تذرهم إذا أعيدوا خلقا جديدا لواحة أي مغيرة يقال لاحته الشمس أي غيرته وأنشدوا ... يا ابنة عمي لاحني الهواجر ...
ابن مسعود وابن السميفع وابن أبي عبلة لواحة بالنصب وفي البشر قولان
أحدهما أنه جمع بشرة وهي جلدة الإنسان الظاهرة وهذا قول مجاهد والفراء والزجاج
والثاني أنهم الإنس من أهل النار قاله الأخفش وابن قتيبة في آخرين
قوله تعالى عليها تسعة عشر وهم خزانها مالك ومعه ثمانية عشر أعينهم كالبرق الخاطف وأنيابهم كالصياصي يخرج لهب النار من أفواههم ما بين

منكبي أحدهم مسيرة سنة يسع كف أحدهم مثل ربيعة ومضر قد نزعت منهم الرحمة فلما نزلت هذه الآية قال أبو جهل يخوفكم محمد بتسعة عشر أما له من الجنود إلا هؤلاء أيعجز كل عشرة منكم أن يبطش بواحد منهم ثم يخرجون من النار فقال أبو الأشدين قال مقاتل اسمه أسيد بن كلدة وقال غيره كلدة بن خلف الجمحي يا معشر قريش أنا أمشي بين أيديكم فأرفع عشرة بمنكبي الأيمن وتسعة بمنكبي الأيسر فندخل الجنة فأنزل الله تعالى وما جعلنا أصحاب النار إلا ملائكة لا أدميين فمن يطيقهم ومن يغلبهم وما جعلنا عدتهم في هذه القلة إلا فتنة أي ضلالة للذين كفروا حتى قالوا ما قالوا ليستيقن الذين أوتوا الكتاب أن ما جاء به محمد حق لأن عدتهم في التوارة تسعة عشر ويزداد الذين آمنوا من أهل الكتاب إيمانا أي تصديقا بمحمد صلى الله عليه و سلم إذ وجدوا ما يخبرهم موافقا لما في كتابهم ولا يرتاب الذين أوتوا الكتاب والمؤمنون أي ولا يشك هؤلاء في عدد الخزنة وليقول الذين في قلوبهم مرض وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه النفاق ذكره الأكثرون
والثاني أنه الشك قاله مقاتل وزعم أنهم يهود أهل المدينة وعنده أن هذه الآية مدنية

والثالث أنه الخلاف قاله الحسين بن الفضل وقال لم يكن بمكة نفاق وهذه مكية فأما الكافرون فهم مشركو العرب ماذا أراد الله أي أي شيء أراد الله بهذا الحديث والخبر مثلا والمثل يكون بمعنى الحديث نفسه ومعنى الكلام يقولون ما هذا من الحديث كذلك أي كما أضل من انكر عدد الخزنة وهدى من صدق يضل الله من يشاء ويهدي من يشاء وأنزل في قول ابي جهل أما لمحمد من الجنود إلا تسعة عشر وما يعلم جنود ربك إلا هو يعني من الملائكة الذين خلقهم لتعذيب أهل النار وذلك أن لكل واحد من هؤلاء التسعة عشر من الأعوان ما لا يعلمه إلا الله وذكر الماوردي في وجه الحكمة في كونهم تسعة عشر قولا محتملا فقال التسعة عشر عدد يجمع أكثر القليل وأقل الكثير لأن الآحاد أقل الأعداد وأكثرها تسعة وما سوى الآحاد كثير وأقل الكثير عشرة فوقع الاقتصار على عدد يجمع أقل الكثير وأكثر القليل ثم رجع إلى ذكر النار فقال تعالى وما هي إلا ذكرى أي ما النار في الدنيا إلا مذكرة لنار الآخرة كلا أي حقا والقمر والليل إذ أدبر قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم إذا أدبر وقرأ نافع وحمزة وحفص والفضل عن عاصم ويعقوب إذ بسكون الذال من غير ألف بعدها أدبر بسكون الدال وبهمزة قبلها وهل عنى القراءتين واحد أم لا فيه قولان
أحدهما أنهما لغتان بمعنى واحد يقال دبر الليل وأدبر ودبر الصيف وأدبر هذا قول الفراء والأخفش وثعلب

والثاني أن دبر بمعنى خلف وأدبر بمعنى ولى يقال دبرني فلان جاء خلفي وإلى هذا المعنى ذهب أبو عبيدة وابن قتيبة
قوله تعالى إذا أسفر أي أضاء وتبين إنها يعني سقر لإحدى الكبر قال ابن قتيبة الكبر جمع كبرى مثل الأول والأولى والصغر والصغرى وهذا كما يقال إنها لإحدى العظائم قال الحسن والله ما أنذر الله بشيء أوهى منها
وقال ابن السائب ومقاتل أراد بالكبر دركات جهنم السبعة
قوله تعالى نذيرا للبشر قال الزجاج نصب نذيرا على الحال والمعنى إنها لكبيرة في حالة الإنذار وذكر النذير لأن معناه معنى العذاب ويجوز أن يكون نذيرا منصوبا متعلقا بأول السورة على معنى قم نذيرا للبشر
قوله تعالى لمن شاء منكم بدل من قوله تعالى للبشر أن يتقدم أو يتأخر فيه أربعة أقوال
أحدها أن يتقدم في طاعة الله أو يتأخر عن معصيته قاله ابن جريج
والثاني أن يتقدم إلى النار أو يتأخر عن الجنة قاله السدي
والثالث أن يتقدم في الخير أو يتأخر إلى الشر قاله يحيى بن سلام
والرابع أن يتقدم في الإيمان أو يتأخر عنه والمعنى أن الإنذار قد حصل لكل أحد ممن أقر أو كفر

كل نفس بما كسبت رهينة إلا أصحاب اليمين في جنات يتساءلون عن المجرمين ما سلككم في سقر قالوا لم نك من المصلين ولم نك نطعم المسكين وكنا نخوض مع الخائضين وكنا نكذب بيوم الدين حتى أتنا اليقين فما تنفعهم شفاعة الشافعين فما لهم عن التذكرة معرضين كأنهم حمر مستنفرة فرت من قسورة بل يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة كلا بل لا يخافون الآخرة كلا إنه تذكرة فمن شاء ذكره وما يذكرون إلا أن يشاء الله هو أهل التقوى وأهل المغفرة
قوله تعالى كل نفس بما كسبت رهينة فيه ثلاثة أقوال
أحدها كل نفس بالغة مرتهنة بعملها لتحاسب عليه إلا أصحاب اليمين وهم أطفال المسلمين فإنه لا حساب عليهم لأنه لا ذنوب لهم قاله علي واختاره الفراء
والثاني كل نفس من أهل النار مرتهنة في النار إلا أصحاب اليمين وهم المؤمنون فإنهم في الجنة قاله الضحاك
والثالث كل نفس مرتهنة بعملها لتحاسب عليه إلا أصحاب اليمين فإنهم لا يحاسبون قاله ابن جريج
قوله تعالى يتساءلون عن المجرمين قال مقاتل إذا خرج أهل التوحيد من النار قال المؤمنون لمن بقي في النار ما سلككم في سقر قال المفسرون سلككم بمعنى أدخلكم وقال مقاتل ما حبسكم فيها قالوا لم نك من المصلين لله في دار الدنيا ولم نك نطعم المسكين أي لم نتصدق لله وكنا نخوض مع الخائضين أهل الباطل والتكذيب وكنا نكذب بيوم الدين أي بيوم الجزاء والحساب حتى أتانا اليقين وهو الموت يقول الله تعالى فما تننعهم

شفاعة الشافعين وهذا إنما جرى بعد شفاعة الأنبياء والملائكة والشهداء والمؤمنين وهذا يدل على نفع الشفاعة لمن آمن فما لهم عن التذكرة معرضين يعني كفار قريش حين نفروا من القرآن والتذكير بمواعظه والمعنى لا شيء لهم في الآخرة إذ أعرضوا عن القرآن فلم يؤمنوا به ثم شبههم في نفورهم عنه بالحمر فقال تعالى كأنهم حمر مستنفرة قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر والمفضل عن عاصم بفتح الفاء والباقون بكسرها قال أبو عبيدة وابن قتيبة من قرأ بفتح الفاء أراد مذعورة استنفرت فنفرت ومن قرأ بكسر الفاء أراد نافرة قال الفراء أهل الحجاز يقولون حمر مستنفرة وناس من العرب يكسرون الفاء والفتح أكثر في كلام العرب وقراءتنا بالكسر أنشدني الكسائي ... احبس حمارك إنه مستنفر ... في إثر أحمرة عمدن لغرب ...
وغرب موضع
وفي القسورة سبعة أقوال
أحدها أنه الأسد رواه يوسف بن مهران عن ابن عباس وبه قال أبو هريرة وزيد بن أسلم وابنه قال ابن عباس الحمر الوحشية إذا عاينت الأسد هربت منه فكذلك هؤلاء المشركون إذا سمعوا النبي صلى الله عليه و سلم هربوا منه

وإلى هذا ذهب أبو عبيدة والزجاج قال ابن قتيبة كأنه من القسر والقهر فالأسد يقهر السباع
والثاني أن القسورة الرماة رواه عطاء عن ابن عباس وبه قال أبو موسى الأشعري ومجاهد وقتادة والضحاك ومقاتل وابن كيسان
والثالث أن القسروة حبال الصيادين رواه عكرمة عن ابن عباس
والرابع أنهم عصب الرجال رواه أبو همزة عن ابن عباس واسم ابي حمزة نصر بن عمران الضبعي
والخامس أنه ركز الناس وهذا في رواية عطاء أيضا عن ابن عباس وركز الناس حسهم وأصواتهم
والسادس أنه الظلمة والليل قاله عكرمة
والسابع أنه النبل قاله قتادة
قوله تعالى يريد كل امرئ منهم أن يؤتى صحفا منشرة ثلاثة أقوال
أحدها أنهم قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم إن سرك أن نتبعك فليصبح عند رأس كل رجل منا كتاب منشور من الله تعالى إلى فلان بن فلان يؤمر فيه باتباعك قاله الجمهور
والثاني أنهم أرادوا براءة من النار أن لا يعذبوا بها قاله أبو صالح
والثالث أنهم قالوا كان الرجل إذا أذنب في بني إسرائيل وجده مكتوبا إذا أصبح في رقعة فما بالنا لا نرى ذلك فنزلت هذه الآية قاله الفراء فقال الله تعالى كلا أي لا يؤتون الصحف بل لا يخافون الآخرة أي لا يخشون عذابها والمعنى أنهم لو خافوا النار لما اقترحوا الآيات بعد قيام

الدلالة كلا أي حقا وقيل معنى كلا ليس الأمر كما يريدون ويقولون إنه تذكرة أي تذكير وموعظة فمن شاء ذكره الهاء عائدة على القرآن فالمعنى فمن شاء أن يذكر القرآن ويتعظ به ويفهمه ذكره ثم رد المشيئة إلى نفسه فقال تعالى وما يذكرون إلا أن يشاء الله أي إلا أن يريد لهم الهدى هو أهل التقوى أي أهل أن يتقى وأهل المغفرة أي أهل أن يغفر لمن تاب روى أنس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه تلا هذه الآية فقال قال ربكم عز و جل أنا أهل أن أتقى فلا يشرك بي غيري وأنا أهل لمن اتقى أن يشرك بي غيري أن أغفر له

سورة القيامة
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
لا أقسم بيوم القيمة ولا أقسم بالنفس اللوامة أيحسب الإنسان ألن نجمع عظامه بلى قادرين على أن نسوي بنانه بل يريد الإنسان ليفجر أمامه يسئل أيان يوم القيمة فإذا برق البصر وخسف القمر وجمع الشمس والقمر يقول الإنساني يومئذ أين المفر كلا لا وزر إلى ربك يومئذ المستقر ينبؤا الإنسان يومئذ بما قدم وأخر بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره
قوله تعالى لا أقسم اتفقوا على أن المعنى أقسم واختلفوا في لا فجعلها بعضهم زائدة كقوله تعالى لئلا يعلم أهل الكتاب الحديد 29 وجعلها بعضهم ردا على منكري البعث ويدل عليه أنه أقسم على كون البعث قال ابن قتيبة زيدت لا على نية الرد على المكذبين كما تقول لا والله ما ذاك ولو حذفت جاز ولكنه أبلغ في الرد وقرأ ابن كثير إلا ابن فليح لأقسم بغير ألف بعد اللام فجعلت لاما دخلت على أقسم وهي قراءة ابن عباس وأبي عبد الرحمن والحسن ومجاهد وعكرمة

وابن محيصن قال الزجاج من قرأ لأقسم فاللام لام القسم والتوكيد وهذه القراءة بعيدة في العربية لأن لام القسم لا تدخل على الفعل المستقبل إلا مع النون تقول لأضربن زيدا ولا يجوز لأضرب زيدا
قوله تعالى ولا أقسم بالنفس اللوامة قال الحسن أقسم بالأولى ولم يقسم بالثانية وقال قتادة حكمها حكم الأولى
وفي النفس اللوامة ثلاثة اقوال
أحدها أنها المذمومة قاله ابن عباس فعلى هذا هي التي تلوم نفسها حين لا ينفعها اللوم
والثاني أنها النفس المؤمنة قاله الحسن قال لا يرى المؤمن إلا يلوم نفسه على كل حال
والثالث أنها جميع النفوس قال الفراء ليس من نفس برة ولا فاجرة إلا وهي تلوم نفسها إن كانت عملت خيرا قال هلا زدت وإن كانت عملت سوءا قال ليتني لم أفعل
قوله تعالى أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه المراد بالإنسان ها هنا الكافر وقال ابن عباس يريد أبا جهل وقال مقاتل عدي بن ربيعة وذلك أنه قال أيجمع الله هذه العظام فقال النبي صلى الله عليه و سلم له نعم فاستهزأ

منه فنزلت هذه الآية قال ابن الأنباري وجواب القسم محذوف كأنه لتبعثن لتحاسبن فدل قوله تعالى أيحسب الإنسان أن لن نجمع عظامه على الجواب فحذف
قوله تعالى بلى وقف حسن ثم يبتدأ قادرين على معنى بلى نجمعها قادرين ويصلح نصب قادرين على التكرير بل فليحسبنا قادرين على أن نسوي بنانه وفيه قولان
أحدهما أن نجعل أصابع يديه ورجليه شيئا واحد كخف البعير وحافر الحمار فيعدم الاتفاق بالأعمال اللطيفة كالكتابة والخياطة هذا قول الجمهور

والثاني نقدر على أن نسوي بنانه كما كانت وإن صغرت عظامها ومن قدر على جمع صغار العظام كان على جمع كبارها أقدر هذا قول ابن قتيبة والزجاج وقد بينا معنى البنان في الأنفال 12
قوله تعالى بل يريد الإنسان ليفجر أمامه فيه قولان
أحدهما يكذب بما أمامه من البعث والحساب قاله ابن عباس
والثاني يقدم الذنب ويؤخر التوبة ويقول سوف أتوب قاله سعيد بن جبير فعلى هذا يكون المراد بالإنسان المسلم وعلى الأول الكافر
قوله تعالى يسأل أيان يوم القيامة أي متى هو تكذيبا به وهذا هو الكافر فإذا برق البصر قرأ أهل المدينة وأبان عن عاصم برق بفتح الراء والباقون بكسرها قال الفراء العرب تقول برق البصر يبرق وبرق يبرق إذا رأى هولا يفزع منه وبرق أكثر وأجود قال الشاعر ... فنفسك فانع ولا تنعنى ... وداو الكلوم ولا تبرق

بالفتح يقول لا تفزع من هول الجراح التي بك قال المفسرون يشخص بصر الكافر يوم القيامة فلا يطرف لما يرى من العجائب التي كان يكذب بها في الدنيا وقال مجاهد برق البصر عند الموت
قوله تعالى وخسف القمر قال أبو عبيدة كسف وخسف بمعنى واحد أي ذهب ضوؤه
قوله تعالى وجمع الشمس والقمر إنما قال جمع لتذكير القمر هذا قول أبي عبيدة وقال الفراء إنما لم يقل جمعت لأن المعنى جمع بينهما وفي معنى الآية قولان
أحدهما جمع بين ذاتيهما وقال ابن مسعود جمعا كالبعيرين القرينين وقال عطاء بن يسار يجمعان ثم يقذفان في البحر وقيل يقذفان في النار وقيل يجمعان فيطلعان من المغرب
والثاني جمع بينهما في ذهاب نورهما قاله الفراء والزجاج
قوله تعالى يقول الإنسان يعني المكذب بيوم القيامة أين المفر قرأ الجمهور بفتح الميم والفاء وقرأ ابن عباس ومعاوية وأبو رزين وأبو عبد الرحمن والحسن وعكرمة والضحاك وابن يعمر وابن أبي عبلة

بكسر الفاء قال الزجاج فمن فتح فالمعنى أين الفرار ومن كسر فالمعنى أين مكان الفرار تقول جلست مجلسا بالفتح يعني جلوسا فإذا قلت مجلسا بالكسر فأنت تريد المكان
قوله تعالى كلا لا وزر قال ابن قتيبة لا ملجأ واصل الوزر الجبل الذي يمتنع فيه إلى ربك يومئذ المستقر أي المنتهى والمرجع
ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر فيه ستة أقوال
أحدها بما قدم قبل موته وما سن من شيء فعمل به بعد موته قاله ابن مسعود وابن عباس
والثاني ينبأ بأول عمله وآخره قاله مجاهد
والثالث بما قدم من الشر وأخر من الخير قاله عكرمة
والرابع بما قدم من فرض وأخر من فرض قاله الضحاك
والخامس بما قدم من معصية وأخر من طاعة
والسادس بما قدم من أمواله وما خلف للورثة قاله زيد بن أسلم
قوله تعالى بل الإنسان على نفسه بصيرة قال الفراء المعنى بل على الإنسان من نفسه بصيرة أي رقباء يشهدون عليه بعمله وهي الجوارح قال ابن قتيبة فلما كانت جوارحه منه أقامها مقامه وقال أبو عبيدة جاءت الهاء في بصيرة في صفة الذكر كما جاءت في رجل راوية و طاغية وعلامة
قوله تعالى ولو ألقى معاذيره في المعاذير قولان
أحدهما أنه جمع عذر فالمعنى لو اعتذر وجادل عن نفسه فعليه من يكذب عذره وهي الجوارح وهذا قول الأكثرين

والثاني أن المعاذير جمع معذار وهو الستر والمعاذير الستور فالمعنى ولو أرخى ستوره هذا قول الضحاك والسدي والزجاج فيخرج في معنى ألقى قولان
أحدهما قال ومنه فألقوا إليهم القول النحل 36 وهذا على القول الأول
والثاني أرخى وهذا على القول الثاني
لا تحرك به لسانك لتعجل به إن علينا جمعه وقرآنه فإذا قرأناه فاتبع قرآنه ثم إن علينا بيانه كلا بل تحبون العاجلة وتذرون الآخرة وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ووجوه يومئذ باسرة تظن أن يفعل بها فاقرة
قوله تعالى لا تحرك به لسانك روى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كان النبي ص - يعالج من التنزيل شدة وكان يشتد عليه حفظه وكان إذا نزل عليه الوحي يحرك لسانه وشفتيه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي مخافة أن لا يحفظه فأنزل الله تعالى هذه الآية ومعناها لا تحرك بالقرآن لسانك لتعجل بأخذه إن علينا جمعه وقرآنه قال ابن قتيبة أي ضمه وجمعه في صدرك فإذا قرأناه أي جمعناه فاتبع قرآنه أي جمعه قال المفسرون

يعني اقرأ إذا فرغ جبريل من قراءته قال ابن عباس فاتبع قرآنه أي اعمل به وقال قتادة فاتبع حلاله وحرامه ثم إن علينا بيانه فيه أربعة أقوال
أحدها نبينه بلسانك فتقرؤه كما أقرأك جبريل وكان إذا أتاه جبريل أطرق فإذا ذهب قرأه كما وعده الله قاله ابن عباس
والثاني إن علينا أن نجزي به يوم القيامة بما فيه من وعد ووعيد قاله الحسن
والثالث إن علينا بيان ما فيه من الأحكام والحلال والحرام قاله قتادة
والرابع علينا أن ننزله قرآنا عربيا فيه بيان للناس قاله الزجاج
قوله تعالى كلا قال عطاء أي لا يؤمن أبو جهل بالقرآن وبيانه وقال ابن جرير المعنى ليس الأمر كما تقولون من أنكم لا تبعثون ولكن دعاكم إلى قيل ذلك محبتكم للعاجلة
قوله تعالى بل تحبون العاجلة قرأ ابن كثير وأبو عمرو بل يحبون العاجلة ويذرون بالياء فيهما وقرأ الباقون بالتاء فيهما والمراد كفار مكة يحبونها ويعملون لها ويذرون الآخرة أي يتركون العمل لها إيثارا للدنيا عليها
قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة أي مشرقة بالنعيم إلي ربها ناظرة روى عطاء عن ابن عباس قال إلى الله ناظرة قال الحسن حق لها أن تنضر وهي تنظر إلى الخالق وهذا مذهب عكرمة ورؤية الله عز و جل

حق لا شك فيها والأحاديث فيها صحاح قد ذكرت جملة منها في المغنى والحدائق
قوله تعالى ووجوه يومئذ باسرة قال ابن قتيبة أي عابسة مقطبة
قوله تعالى تظن قال الفراء أي تعلم والفاقرة الداهية قال ابن قتيبة إنه من فقارة الظهر كأنها تكسره يقال فقرت الرجل إذا كسرت فقاره كما يقال رأسته إذا ضربت رأسه وبطنته إذا ضربت بطنه قال ابن زيد والفاقرة دخول النار قال ابن السائب هي أن تحجب عن ربها فلا تنظر إليه
كلا إذ بلغت التراقي وقيل من راق وظن أنه الفراق والتفت الساق بالساق إلى ربك يومئذ المساق فلا صدق ولا صلى ولكن كذب وتولى ثم ذهب إلى أهله يتمطى أولى لك فأولى ثم أولى لك فأولى أيحسب الإنسان أن يترك سدى الم يك نطفة من مني يمنى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى
قوله تعالى كلا قال الزجاج كلا ردع وتنبيه المعنى ارتدعوا

عما يؤدي إلى العذاب وقال غيره معنى كلا لا يؤمن الكافر بهذا
قوله تعالى إذا بلغت يعني النفس وهذه كناية عن غير مذكور والتراقي العظام المكتنفة لنقرة النحر عن يمين وشمال وواحدة التراقي ترقوة ويكنى ببلوغ النفس التراقي عن الإشفاء على الموت وقيل من راق فيه قولان
أحدهما أنه قول الملائكة بعضهم لبعض من يرقى روحه ملائكة الرحمة أو ملائكة العذاب رواه أبو الجوزاء عن ابن عباس وبه قال أبو العالية ومقاتل
والثاني أنه قول أهله هل من راق يرقيه بالرقى وهو مروي عن ابن عباس أيضا وبه قال عكرمة والضحاك وابو قلابة وقتادة وابن زيد وأبو عبيدة وابن قتيبة والزجاج
قوله تعالى وظن أي ايقن الذي بلغت روحه التراقي أنه الفراق للدنيا والتفت الساق بالساق فيه خمسة أقوال
أحدها أمر الدنيا بأمر الآخرة رواه الوالبي عن ابن عباس وبه قال مقاتل
والثاني اجتمع فيه الحياة والموت قاله الحسن وعن مجاهد كالقولين
والثالث التفت ساقاه في الكفن قاله سعيد بن المسيب
والرابع التفت ساقاه عند الموت قاله الشعبي

والخامس الشدة بالشدة قاله قتادة قال الزجاج آخر شدة الدنيا بأول شدة الآخرة
قوله تعالى إلى ربك يومئذ المساق أي إلى الله المنتهى فلا صدق ولا صلى قال أبو عبيدة لا ها هنا في موضع لم قال المفسرون هو أبو جهل ولكن كذب وتولى عن الإيمان ثم ذهب إلى أهله يتمطى أي رجع إليهم يتبختر ويختال قال الفراء يتمطى أي يتبختر لأن الظهر هو المطا فيلوي ظهره متبخترا وقال ابن قتيبة أصله يتمطط فقلبت الطاء فيه ياء كما قيل يتظنى واصله يتظنن ومنه المشية المطيطاء واصل الطاء في هذا كله دال إنما هو مد يده في المشي إذا تبختر يقال مططت ومددت بمعنى
قوله تعالى أولى لك فأولى قال ابن قتيبة هو تهديد ووعيد وقال الزجاج العرب تقول أولى لفلان إذا دعت عليه بالمكروه ومعناه وليك المكروه يا أبا جهل
قوله تعالى أيحسب الإنسان يعني أبا جهل أن يترك سدى قال ابن قتيبة أي يهمل فلا يؤمر ولا ينهى ولا يعاقب يقال أسديت الشيء أي أهملته ثم دل على البعث بقوله تعالى ألم يك نطفة من مني يمنى قرأ أبن كثير ونافع وحمزة والكسائي وابو بكر عن عاصم تمنى بالتاء وقرأ ابن عامر وحفص عن عاصم ويعقوب يمنى بالياء وعن

أبو عمرو كالقراءتين وقد شرحنا هذا في النجم 24 ثم كان علقة بعد النطفة فخلق فيه الروح وسوى خلقه فجعل منه أي خلق من مائه أولادا ذكورا وإناثا اليس ذلك الذي فعل هذا بقادر وقرأ أبو بكر الصديق وأبو رجاء وعاصم الجحدري يقدر على أن يحيي الموتى وهذا تقرير لهم أي إن من قدر على الابتداء قدر على الإعادة قال ابن عباس إذا قرأ أحدكم هذه الآية فليقل اللهم بلى

سورة الدهر
سورة هل أتى ويقال لها سورة الإنسان
وفيها ثلاثة أقوال
أحدها أنها مدنية كلها قاله الجمهور منهم مجاهد وقتادة
والثاني مكية قاله ابن يسار ومقاتل وحكي عن ابن عباس
والثالث أن فيها مكيا ومدنيا ثم في ذلك قولان
أحدهما أن المكي منها آية وهو قوله تعالى ولا تطع منهم آثما أو كفورا وباقيها جميعه مدني قاله الحسن وعكرمة
والثاني أن أولها مدني إلى قوله تعالى إنا نحن نزلنا عليك القرآن الإنسان 24 ومن هذه الآية إلى آخرها مكي حكاه الماوردي
بسم الله الرحمن الرحيم
هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا إنا خلقنا الإنسان من نطفة امشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا
قوله تعالى هل أتى قال الفراء معناه قد أتى وهل تكون خبرا وتكون جحدا فهذا من الخبر لأنك تقول هل وعظتك هل

أعطيتك فتقرره بأنك قد فعلت ذلك والجحد أن تقول وهل يقدر أحد على مثل هذا وهذا قول المفسرين وأهل اللغة وفي هذا الإنسان قولان
أحدهما أنه آدم عليه السلام والحين الذي أتى عليه أربعون سنة وكان مصورا من طين لم ينفخ فيه الروح هذا قول الجمهور
والثاني أنه جميع الناس روي عن ابن عباس وابن جريج فعلى هذا يكون الإنسان اسم جنس ويكون الحين زمان كونه نطفة وعلقة ومضغة
قوله تعالى لم يكن شيئا مذكورا المعنى أنه كان شيئا غير أنه لم يكن مذكورا
قوله تعالى إنا خلقنا الإنسان يعني ولد آدم من نطفة أمشاج قال ابن قتيبة أي أخلاط يقال مشجته فهو مشيج يريد اختلاط ماء المرأة بماء الرجل
قوله تعالى نبتليه قال الفراء هذا مقدم ومعناه التأخير لأن المعنى خلقناه وجعلناه سميعا بصيرا لنبتليه قال الزجاج المعنى جعلناه كذلك لنختبره وقوله تعالى إنا هديناه السبيل أي بينا له سبيل الهدى بنصب الأدلة وبعث الرسول إما شاكرا أي خلقناه إما شاكرا وإما كفورا قال

الفراء بينا له الطريق إن شكر أو كفر
إنا اعتدنا للكافرين سلاسل واغلالا وسعيرا إن الأبرار يشربون من كأس كان مزاجها كافورا عينا يشرب بها عباد الله يفجرونها تفجيرا يوفون بالنذر ويخافون يوما كان شره مستطيرا ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما واسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاء ولا شكورا إنا نخاف من ربنا يوما عبوسا قمطريرا فوقهم الله شر ذلك اليوم ولقهم نضرة وسرورا وجزاهم بما صبروا جنة وحريرا متكئين فيها على الآرائك لا يرون فيها شمسا ولا زمهريرا ودانية عليهم ظلالها وذللت قطوفها تذليلا ويطاف عليهم بآنية من فضة وأكواب كانت قواريرا قوارير من فضة قدورها تقديرا ويسقون فيها كأسا كان مزاجها زنجبيلا عينا فيها تسمى سلسبيلا ويطوف عليهم ولدان مخلدون إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا وإذا رأيت ثم رأيت نعيما وملكا كبيرا عاليهم ثياب سندس خضر وإستبرق وحلوا أساور من فضة وسقاهم ربهم شرابا طهورا إن هذا كان لكم جزاء وكان سعيكم مشكورا إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا فاصبر لحكم ربك ولا تطع منهم آثما أو كفورا واذكر اسم ربك بكرة وأصيلا ومن الليل فاسجد له وسبحه ليلا طويلا إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون ورآءهم يوما ثقيلا نحن خلقناهم وشددنا أسرهم وإذا شئنا بدلنا

أمثالهم تبديلا إن هذه تذكرة فمن شاء اتخذ إلى ربه سبيلا وما تشاؤون إلا أن يشاء الله إن الله كان عليما حكيما يدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما
قوله تعالى إنا اعتدنا للكافرين سلاسلا قرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة سلاسل بغير تنوين ووقفوا بألف ووقف أبو عمرو بألف قال مكي بن أبي طالب النحوي سلاسل و قوارير أصله ان لا ينصرف ومن صرفه من القراء فإنها لغة لبعض العرب وقيل إنما صرفه لأنه وقع في المصحف بالألف فصرفه لاتباع خط المصحف قال مقاتل السلاسل في أعناقهم والأغلال في أيديهم وقد شرحنا معنى السعير في النساء 10
قوله تعالى إن الأبرار واحدهم بر وبار وهم الصادقون وقيل المطيعون وقال الحسن هم الذين لا يؤذون الذر يشربون من كأس أي من إناء فيه شراب كان مزاجها يعني مزاج الكأس كافورا وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه الكافور المعروف قاله مجاهد ومقاتل فعلى هذا في المراد بالكافور ثلاثة أقوال أحدها برده قاله الحسن والثاني ريحه قاله قتادة والثالث طعمه قاله السدي
والثاني أنه اسم عين في الجنة قاله عطاء وابن السائب
والثالث أن المعنى مزاجها كالكافور لطيب ريحه أجازه الفراء والزجاج
قوله تعالى عينا قال الفراء هي المفسرة للكافور وقال الأخفش هي منصوبة على معنى أعني عينا وقال الزجاج الأجود أن يكون المعنى من عين يشرب بها فيه ثلاثة أقوال

أحدها يشرب منها والثاني يشربها والباء صلة والثالث يشرب بها عباد الله الخمر يمزجونها بها وفي هذه العين قولان
أحدهما أنها الكافور الذي سبق ذكره
والثاني التسنيم و عباد الله ها هنا أولياؤه يفجرونها تفجيرا قال مجاهد يقودونها إلى حيث شاؤوا من الجنة قال الفراء حيث ما أحب الرجل من أهل الجنة فجرها لنفسه
قوله تعالى يوفون بالنذر قال الفراء فيه إضمار كانوا يوفون بالنذر وفيه قولان
أحدهما يوفون بالنذر إذا نذروا في طاعة الله قاله مجاهد وعكرمة
والثاني يوفون بما فرض الله عليهم قاله قتادة ومعنى النذر في اللغة الإيجاب فالمعنى يوفون بالواجب عليهم ويخافون يوما كان شره مستطيرا قال ابن عباس فاشيا وقال ابن قتيبة فاشيا منتشرا يقال استطار الحريق إذا انتشر واستطار الفجر إذا انتشر الضوء وانشدوا للأعشى ... فبانت وقد أسأرت في الفؤا ... د صدعا على نأيها مستطيرا

وقال مقاتل كان شره فاشيا في السموات فانشقت وتناثرت الكواكب وفزعت الملائكة وكورت الشمس والقمر في الأرض ونسفت الجبال وغارت المياه وتكسر كل شيء على وجه الأرض من جبل وبناء وفشا شر يوم القيامة فيها
قوله تعالى ويطعمون الطعام على حبه اختلفوا فيمن نزلت على قولين
أحدهما نزلت في علي بن أبي طالب آجر نفسه ليسقي نخلا بشيء من شعير ليلة حتى اصبح فلما قبض الشعير طحن ثلثه واصلحوا منه شيئا يأكلونه فلما استوى أتى مسكين فأخرجوه إليه ثم عمل الثلث الثاني فلما تم أتى يتيم فأطعموه ثم عمل الثلث الباقي فلما استوى جاء أسير من المشركين فأطعموه وطووا يومهم ذلك فنزلت هذه الآيات رواه عطاء عن ابن عباس
والثاني أنها نزلت في أبي الدحداح الأنصاري صام يوما فلما أراد أن يفطر جاء مسكين ويتيم وأسير فأطعمهم ثلاثة أرغفة وبقي له ولأهله رغيف واحد فنزلت فيهم هذه الآية قاله مقاتل

وفي هاء الكناية في قوله تعالى على حبه قولان
أحدهما ترجع إلى الطعام فكأنهم كانوا يؤثرون وهم محتاجون إليه وهذا قول ابن عباس ومجاهد والزجاج والجمهور
والثاني ترجع إلى الله تعالى قاله الداراني وقد سبق معنى المسكين واليتيم البقرة 83 وفي السير أربعة أقوال
أحدها أنه المسجون من أهل القبلة قاله عطاء ومجاهد وابن جبير والثاني أنه الأسير المشرك قاله الحسن وقتادة والثالث المرأة قاله

أبو حمزة الثمالي والرابع العبد ذكره الماوردي
فصل
وقد ذهب بعض المفسرين إلى أن الآية تضمنت مدحهم على إطعام الأسير المشرك قال وهذا منسوخ بآية السيف وليس هذا القول لبشيء فإن في إطعام الأسير المشرك ثوابا وهذا محمول على صدقة التطوع فأما الفرض فلا يجوز صرفه إلى الكفار ذكره القاضي أبو يعلى
قوله تعالى إنما نطعمكم لوجه الله أي لطلب ثواب الله قال مجاهد وابن جبير أما إنهم ما تكلموا بهذا ولكن علمه الله من قلوبهم فأثنى به عليهم ليرغب في ذلك راغب
قوله تعال لا نريد منكم جزاء أي بالفعل ولا شكورا بالقول إنا نخاف من ربنا يوما أي ما في يوم عبوسا قال ابن قتيبة أي تعبس فيه الوجوه فجعله من صفة اليوم كقوله تعالى في يوم عاصف ابراهيم أراد عاصف الريح فأما القمطرير فروى ابن أبي طلحة عن ابن عباس أنه الطويل وروى عنه العوفي أنه قال هو الذي يقبض فيه الرجل ما بين عينيه فعلى هذا يكون اليوم موصوفا بما يجري فيه كما قلنا في العبوس لأن اليوم لا يوصف بتقبيض ما بين العينين وقال مجاهد وقتادة

القمطرير الذي يقلص الوجوه ويقبض الحياة وما بين العين من شدته وقال الفراء هو الشديد يقال يوم قمطرير ويوم قماطر وأنشدني بعضهم ... بني عمنا هل تذكرون بلاءنا ... عليكم إذا ما كان يوم قماطر ...
وقال أبو عبيدة العبوس والمقطرير والقماطر والعصيب والعصبصب أشد ما يكون من الأيام وأطوله في البلاء
قوله تعالى فوقاهم الله شر ذلك اليوم بطاعتهم في الدنيا ولقاهم نضرة أي حسنا وبياضا في الوجوه وسرورا لا انقطاع له وقال الحسن النضرة في الوجوه والسرور في القلوب وجزاهم بما صبروا على طاعته وعن معصيته جنة وحريرا وهو لباس أهل الجنة متكئين فيها قال الزجاج هو منصوب على الحال أي جزاهم جنة في حال اتكائهم فيها وقد شرحنا هذا في الكهف 31
قوله تعالى لا يرون فيها شمسا فيؤذيهم حرها ولا زمهريرا وهو البرد الشديد والمعنى لا يجدون فيها الحر والبرد وحكي عن ثعلب أنه قال الزمهرير القمر وأنشد ... وليلة ظلامها قد اعتكر ... قطعتها والزمهرير ما زهر ...
أي لم يطلع القمر

قوله تعالى ودانية قال الفراء المعنى وجزاهم جنة ودانية عليهم ظلالها أي قريبة منهم ظلال أشجارها وذللت قطوفها تذليلا قال ابن عباس إذا هم أن يتناول من ثمارها تدلت إليه حتى يتناول ما يريد وقال غيره قربت إليهم مذللة كيف شاؤوا فهم يتناولونها قياما وقعودا ومضطجعين فهو كقوله تعالى قطوفها دانية الحاقة 23 فأما الأكواب فقد شرحناها في الزخرف 71 كانت قواريرا أي تلك الأكواب هي قوارير ولكنها من فضة قال ابن عباس لو ضربت فضة الدنيا حتى جعلتها مثل جناح الذباب لم ير الماء من ورائها وقوارير الجنة من فضة في صفاء القارورة وقال الفراء وابن قتيبة هذا على التشبيه المعنى كأنها من فضة أي لها بياض كبياض الفضة وصفاء كصفاء القوارير وكان نافع والكسائي وابو بكر عن عاصم يقرؤون قواريرا قواريرا فيصلونهما جميعا بالتنوين ويقفون عليهما بالألف وكان ابن عامر وحمزة يصلانهما جميعا بغير تنوين ويقفان عليهما بغير ألف وكان ابن كثير يصل الأول بالتنوين ويقف عليه بالألف ويصل الثاني بغير تنوين ويقف بغير ألف وروى حفص عن عاصم أنه كان يقرأ سلاسل و قوارير قوارير يصل الثلاثة بغير تنوين ويقف على الثلاثة بالألف وكان أبو عمرو يقرأ الأول قواريرا فيقف عليه بالألف ويصل بغير تنوين وقال الزجاج الاختيار عند النحويين أن لا يصرف قوارير لأن كل جمع يأتي بعد ألفه حرفان لا ينصرف ومن قرأ قواريرا يصرف الأول علامة رأس آية وترك صرف الثاني لأنه ليس بآخر آية ومن صرف الثاني أتبع اللفظ اللفظ لأن العرب ربما قلبت إعراب

الشيء لتتبع اللفظ اللفظ كما قالوا جحر ضب خرب وإنما الخرب من نعت الجحر
قوله تعالى قدروها تقديرا وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي وأبو عمران والجحدري وابن يعمر قدروها برفع القاف وكسر الدال وتشديدها وقرأ حميد وعمرو بن دينار قدروها بفتح القاف والدال وتخفيفها
ثم في معنى الآية قولان
أحدهما قدروها في أنفسهم فجاءت على ما قدروا قاله الحسن وقال الزجاج جعل الإناء على قدر ما يحتاجون إليه ويريدونه على تقديرهم
والثاني قدروها على مقدار لا يزيد ولا ينقص قاله مجاهد وقال غيره قدر الكأس على قدر ريهم لا يزيد عن ريهم فيثقل الكف ولا ينقص منه فيطلب الزيادة وهذا ألذ الشراب فعلى هذا القول يكون الضمير في قدروا للسقاة والخدم وعلى الأول للشاربين
قوله تعالى ويسقون فيها يعني في الجنة كأسا كان مزاجها زنجبيلا والعرب تضرب المثل بالزنجبيل والخمر ممزوجين قال المسيب بن علس يصف فم امرأة ... فكأن طعم الزنجبيل به ... إذ ذقته وسلافة الخمر

وقال آخر ... كأن القرنفل والزنجبي ... ل باتا بفيها وأريا مشارا ...
العسل والمشار المستخرج من بيوت النحل قال مجاهد والزنجبيل اسم العين التي منها شراب الأبرار وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال الزنجبيل معرب وقال الدينوري ينبت في أرياف عمان وهي عروق تسري في الأرض وليس بشجرة تؤكل رطبا وأجود ما يحمل من بلاد الصين قال الزجاج وجائز أن يكون فيها طعم الزنجبيل والكلام فيه كالكلام السابق في الكافور وقيل شراب الجنة عل برد الكافور وطعم الزنجبيل وريح المسك
قوله تعالى عينا فيها قال الزجاج يسقون عينا وسلسبيل اسم العين إلا أنه صرف لأنه رأس آية وهو في اللغة صفة لما كان في غاية السلاسة فكأن العين وصفت وسميت بصفتها وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال قوله تعالى تسمى سلسبيلا قيل هو اسم أعجمي نكرة فلذلك انصرف وقيل هو اسم معرفة إلا أنه أجري لأنه رأس آية وعن مجاهد قال حديدة الجرية وقيل سلسبيل سلس ماؤها مستقيد لهم وقال ابن الأنباري السلسبيل صفة للماء لسلسه وسهولة مدخله في الحلق يقال شراب سلسل وسلسال وسلسبيل وحكى الماوردي أن عليا قال المعنى سل سبيلا إليها ولا يصح

قوله تعالى ويطوف عليهم ولدان مخلدون قد سبق بيانه الواقعة 17 إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا أي في بياض اللؤلؤ وحسنه واللؤلؤ إذا نثر من الخيط على البساط كان أحسن منه منظرا وإنما شبهوا باللؤلؤ المنثور لانتشارهم في الخدمة ولو كانوا صفا لشبهوه بالمنظوم وإذا رأيت ثم يعني الجنة رأيت نعيما لا يوصف وملكا كبيرا أي عظيما واسعا لا يريدون شيئا إلا قدروا عليه ولا يدخل عليهم ملك إلا باستئذان
قوله تعالى عاليهم قرأ أهل المدينة وحمزة والمفضل عن عاصم بإسكان الياء وكسر الهاء وقرأ الباقون بفتح الياء إلا أن الجعفي عن أبي بكر قرأ عاليتهم بزيادة تاء مضمومة وقرأ أنس بن مالك ومجاهد وقتادة عليهم بفتح اللام وإسكان الياء من غير تاء ولا ألف
قال الزجاج فأما تفسير إعراب عاليهم بإسكان الياء فيكون رفعه بالابتداء ويكون الخبر ثياب سندس وأما عاليهم بفتح الياء فنصبه على الحال من شيئين أحدهما من الهاء والميم والمعنى يطوف على الأبرار ولدان مخلدون عاليا للأبرار ثياب سندس لأنه وصف احوالهم في الجنة فيكون المعنى يطوف عليهم في هذه الحال هؤلاء ويجوز أن يكون حالا من الولدان المعنى إذا رأيتهم حسبتهم لؤلؤا منثورا في حال علو الثياب وأما عاليتهم فقد قرئت بالرفع وبالنصب وهما وجهان جيدان في العربية إلا أنهما يخالفان المصحف فلا أرى القراءة بهما وتفسيرها كتفسير عاليهم
قوله تعالى ثياب سندس خضر قرأ ابن عامر وأبو عمرو خضر رفعا وإستبرق خفضا وقرأ ابن كثير وأبو بكر عن عاصم خضر

خفضا وإستبرق رفعا وقرأ نافع وحفص عن عاصم خضر وإستبرق كلاهما بالرفع وقرأ حمزة والكسائي خضر وإستبرق كلاهما بالخفض قال الزجاج من قرأ خضر بالرفع فهو نعت الثياب ولفظ الثياب لفظ الجمع ومن قرأ خضر فهو من نعت السندس والسندس في المعنى راجع إلى الثياب ومن قرأ واستبرق فهو نسق على ثياب المعنى وعليهم إستبرق ومن خفض عطفه على السندس فيكون المعنى عليهم ثياب من هذين النوعين وقد بينا في الكهف 31 معنى السندس والإستبرق والأساور
قوله تعالى وسقاهم ربهم شرابا طهورا فيه قولان
أحدهما لا يحدثون ولا يبولون عن شرب خمر الجنة قاله عطية
والثاني لأن خمر الجنة طاهرة وليست بنجسة كخمر الدنيا قاله الفراء وقال أبو قلابة يؤتون بعد الطعام بالشراب الطهور فيشربون فتضمر بذلك بطونهم ويفيض من جلودهم عرق مثل ريح المسك
قوله تعالى إن هذا يعني ما وصف من نعيم الجنة كان لكم جزاء بأعمالكم وكان سعيكم أي عملكم في الدنيا بطاعته مشكورا قال عطاء يريد شكرتكم عليه وأثبتكم أفضل الثواب إنا نحن نزلنا عليك القرآن تنزيلا أي فصلناه في الإنزال فلم ننزله جملة واحدة فاصبر لحكم ربك وقد سبق بيانه في مواضع الطور 48 والقلم 48 والمفسرون يقولون هذا منسوخ بآية السيف ولا يصح ولا تطع منهم أي من مشركي أهل مكة آثما أو كفورا أو بمعنى الواو كقوله تعالى أو الحوايا الأنعام 146 وقد سبق هذا وللمفسرين في المراد بالآثم والكفور ثلاثة أقوال

أحدها أنهما صفتان لأبي جهل والثاني أن الآثم عتبة بن ربيعة والكفور الوليد بن المغيرة والثالث الآثم الوليد والكفور عتبة وذلك أنهما قالا له ارجع عن هذا الأمر ونحن نرضيك بالمال والتزويج واذكر اسم ربك أي اذكره بالتوحيد في الصلاة بكرة يعني الفجر وأصيلا يعني العصر وبعضهم يقول صلاة الظهر والعصر ومن الليل فاسجد له يعني المغرب والعشاء وسبحه ليلا طويلا وهي صلاة الليل كانت فريضة عليه وهي لأمته تطوع إن هؤلاء يعني كفار مكة يحبون العاجلة أي الدار العاجلة وهي الدنيا ويذرون وراءهم أي أمامهم يوما ثقيلا أي عسيرا شديدا والمعنى أنهم يتركون الإيمان به والعمل له ثم ذكر قدرته فقال تعالى نحن خلقناهم وشددنا أسرهم أي خلقهم قاله ابن عباس ومجاهد وقتادة والفراء وابن قتيبة والزجاج قال ابن قتيبة يقال امرأة حسنة الأسر أي حسنة الخلق كأنها أسرت أي شدت واصل هذا من الإسار وهو القد الذي تشد به الأقتاب يقال ما أحسن ما أسر قتبه أي ما أحسن ما شده بالقد وروي عن أبي هريرة قال مفاصلهم وعن الحسن قال أوصالهم بعضها إلى بعض بالعروق والعصب وإذا شئنا بدلنا أمثالهم أي إن شئنا أهلكناهم وأتينا بأشباههم فجعلناهم بدلا منهم إن هذه تذكرة قد شرحنا الآية في المزمل 19
قوله تعالى وما تشاؤون إيجاد السبيل إلا أن يشاء الله ذلك لكم وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وما يشاؤون بالياء

قوله تعالى يدخل من يشاء في رحمته قال المفسرون الرحمة ها هنا الجنة والظالمين المشركون قال أبو عبيدة نصب الظالمين بالجوار المعنى ولا يدخل الظالمين في رحمته وقال الزجاج إنما نصب الظالمين لأن قبله منصوبا المعنى يدخل من يشاء في رحمته ويعذب الظالمين ويكون قوله تعالى أعد لهم تفسيرا لهذا المضمر وقرأ أبو العالية وابو الجوزاء وابن أبي عبلة والظالمون رفعا

سورة المرسلات
مكية كلها في قول الجمهور
وحكي عن ابن عباس وقتادة ومقاتل أن فيها آية مدنية وهي قوله تعالى وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون المرسلات 48
بسم الله الرحمن الرحيم
والمرسلات عرفا فالعاصفات عصفا والناشرات نشرا فالفارقات فرقا فالملقيات ذكرا عذرا أو نذرا إنما توعدون لواقع فإذا النجوم طمست وإذا السماء فرجت وإذا الجبال نسفت وإذا الرسل أقتت لأي يوم أجلت ليوم الفصل وما أدرك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين ألم نهلك الأولين ثم نتبعهم الآخرين كذلك نفعل بالمجرمين ويل يومئذ للمكذبين ألم نخلقكم من ماء مهين فجعلناه في قرار مكين إلى قدر معلوم فقدرنا فنعم القادرون ويل يومئذ للمكذبين ألم نجعل الأرض كفاتا أحياء وأمواتا وجعلنا فيها رواسي شامخات واسقيناكم ماء فراتا ويل يومئذ للمكذبين انطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون انطلقوا إلى ظل ذي ثلث شعب لا ظليل ولا يغني من اللهب إنها ترمي بشرر كالقصر كأنه جمالت صفر ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم لا ينطقون ولا يؤذن

لهم فيعتذرون ويل يومئذ للمكذبين هذا يوم الفصل جمعناكم والأولين فإن كان لكم كيد فيكدون ويل يومئذ للمكذبين إن المتقين في ظلال وعيون وفواكه مما يشتهون كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون إنا كذلك نجزي المحسنين ويل يومئذ للمكذبين كلوا وتمتعوا قليلا إنكم مجرمون ويل يومئذ للمكذبين وإذا قيل لهم اركعوا لا يركعون ويل يومئذ للمكذبين فبأي حديث بعده يؤمنون
قوله تعالى والمرسلات عرفا فيه أربعة أقوال
أحدها أنها الرياح يتبع بعضها بعضا رواه أبو العبيدين عن ابن مسعود والعوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقتادة
والثاني أنها الملائكة التي أرسلت بالمعروف من أمر الله ونهيه رواه مسروق عن ابن مسعود وبه قال أبو هريرة ومقاتل وقال الفراء هي الملائكة
فأما قوله تعالى عرفا فيقال أرسلت بالمعروف ويقال تتابعت كعرف الفرس والعرب تقول يركب الناس إلى فلان عرفا واحدا إذا توجهوا إليه فأكثروا قال ابن قتيبة يريد أن الملائكة متتابعة بما ترسل به وأصله من عرف الفرس لأنه سطر مستو بعضه في إثر بعض فاستعير للقوم يتبع بعضهم بعضا

والثالث أنهم الرسل بما يعرفون به من المعجزات وهذا معنى قول أبي صالح ذكره الزجاج
والرابع الملائكة والريح قاله أبو عبيدة قال ومعنى عرفا يتبع بعضها بعضا يقال جاؤوني عرفا وفي العاصفات قولان
أحدهما أنها الرياح الشديدة الهبوب قاله الجمهور
والثاني الملائكة قاله مسلم بن صبيح قال الزجاج تعصف بروح الكافر وفي الناشرات خمسة أقوال
أحدها أنها الرياح تنشر السحاب قاله ابن مسعود والجمهور
والثاني الملائكة تنشر الكتب قاله أبو صالح
والثالث الصحف تنشر على الله تعالى بأعمال العباد قاله الضحاك
والرابع البعث للقيامة تنشر فيه الأرواح قاله الربيع
والخامس المطر ينشر النبات حكاه الماوردي

وفي الفارقات أربعة أقوال
أحدها الملائكة تأتي بما يفرق بين الحق والباطل قاله الأكثرون
والثاني آي القرآن فرقت بين الحلال والحرام قاله الحسن وقتادة وابن كيسان
والثالث الريح تفرق بين السحاب فتبدده قاله مجاهد
والرابع الرسل حكاه الزجاج
فالملقيات ذكرا قولان
أخدهما الملائكة تلقي ما حملت من الوحي إلى الأنبياء وهذا مذهب ابن عباس وقتادة والجمهور
والثاني الرسل يلقون ما أنزل عليهم إلى الأمم قاله قطرب
قوله تعالى عذرا أو نذرا قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر وأبو بكر عن عاصم عذرا خفيفا أو نذرا مثقلا وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص وخلف عذرا أو نذرا خفيفتان قال الفراء وهو مصدر مثقلا كان أو مخففا ونصبه على معنى أرسلت بما أرسلت به إعذارا من الله وإنذارا وقال الزجاج المعنى فالملقيات عذرا أو نذرا ويجوز أن يكون المعنى فالملقيات ذكرا للإعذار والإنذار وهذه المذكورات مجرورات بالقسم وجواب القسم إنما توعدون لواقع قال المفسرون

إن ما توعدون به من أمر الساعة والبعث والجزاء لواقع أي لكائن ثم ذكر متى يقع فقال تعالى فإذا النجوم طمست أي محي نورها وإذا السماء فرجت أي شقت وإذا الجبال نسفت قال الزجاج أي ذهب بها كلها بسرعة يقال انتسفت الشيء إذا أخذته بسرعة
قوله تعالى وإذا الرسل أقتت قرأ أبو عمر وقتت بواو مع تشديد القاف ووافقه أبو جعفر إلا أنه خفف القاف وقرأ الباقون أقتت بألف مكان الواو مع تشديد القاف قال الزجاج وقتت وأقتت بمعنى واحد فمن قرأ أقتت بالهمز فإنه أبدل الهمزة من الواو لانضمام الواو وكل واو انضمت وكانت ضمتها لازمة جاز أن تبدل منها همزة وقال الفراء الواو إذا كانت أول حرف وضمت همزت تقول صلى القوم أحدانا وهذه اجوه حسان ومعنى أقتت جمعت لوقتها يوم القيامة وقال ابن قتيبة جمعت لوقت وهو يوم القيامة وقال الزجاج جعل لها وقت واحد لفصل القضاء بين الأمة
قوله تعالى لأي يوم أجلت أي أخرت وضرب الأجل لجمعهم يعجب العباد من هول ذلك اليوم ثم بينه فقال تعالى ليوم الفصل وهو يوم يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق ثم عظم ذلك اليوم بقوله وما أدراك ما يوم الفصل ويل يومئذ للمكذبين بالبعث ثم أخبر الله تعالى عما فعل بالأمم المكذبة فقال ألم نهلك الأولين يعني بالعذاب في الدنيا حين كذبوا رسلهم ثم نتبعهم الآخرين والقراء على رفع العين في نتبعهم وقد قرأ قوم منهم أبو حيوة بإسكان العين قال الفراء نتبعهم مرفوعة ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود وسنتبعهم الآخرين ولو جزمت

على معنى ألم نقدر على إهلاك الأولين وإتباعهم الآخرين كان وجها جيدا وقال الزجاج الجزم عطف على نهلك ويكون المعنى لمن أهلك أولا وآخرا والرفع على معنى ثم نتبع الأول الآخر من كل مجرم وقال مقاتل ثم نتبعهم الآخرين يعني كفار مكة حين كذبوا بالنبي صلى الله عليه و سلم وقال ابن جرير الأولون قوم نوح وعاد وثمود والآخرون قوم إبراهيم ولوط ومدين
قوله تعالى كذلك أي مثل ذلك نفعل بالمجرمين يعني المكذبين
فإن قيل ما الفائدة في تكرار قوله تعالى ويل يومئذ للمكذبين
فالجواب أنه أراد بكل آية منها غير ما أراد بالأخرى لأنه كلما ذكر شيئا قال ويل يومئذ للمكذبين بهذا
قوله تعالى ألم نخلقكم قرأ قالون عن نافع بإظهار القاف وقرأ الباقون بإدغامها
قوله تعالى من ماء مهين أي ضعيف فجعلناه في قرار مكين يعني الرحم إلى قدر معلوم وهو مدة الحمل فقدرنا قرأ أهل المدينة والكسائي فقدرنا بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف وهل بينهما فرق
فيه قولان
أحدهما أنهما لغتنان بمعنى واحد قال الفراء تقول العرب قدر عليه وقدر عليه وقد احتج من قرأ بالتخفيف فقال لو كانت مشددة لقال فنعم المقدرون فأجاب الفراء فقال قد تجمع العرب بين اللغتين كقوله تعالى فمهل الكافرين أمهلهم رويدا الطارق 17 قال الشاعر

وأنكرتني وما كان الذي نكرت ... من الحوادث إلا الشيب والصلعا ...
يقول ما أنكرت إلا ما يكون في الناس
والثاني أن المخففة من القدرة والملك والمشددة من التقدير والقضاء ثم بين لهم صنعه ليعتبروا فيوجدوه فقال تعالى ألم نجعل الأرض كفاتا قال اللغويون الكفت في اللغة الضم والمعنى أنها تضم أهلها أحياء على ظهرها وأمواتا في بطنها قال ابن قتيبة يقال اكفت هذا إليك أي ضمه وكانوا يسمون بقيع الغرقد كفتة لأنه مقبرة يضم الموتى
وفي قوله تعالى أحياء وأمواتا قولان
أحدهما أن المعنى تكفتهم أحياء وأمواتا قاله الجمهور قال الفراء وانتصب الأحياء والأموات بوقوع الكفات عليهم كأنك قلت ألم نجعل الأرض كفات أحياء وأموات فإذا نونت نصب تكما يقرأ أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما البلد 14 وقال الأخفش انتصب على الحال
والقول الثاني أن المعنى ألم نجعل الأرض أحياء بالنبات والعمارة وأمواتا بالخراب واليبس هذا قول مجاهد وأبي عبيدة
قوله تعالى وجعلنا فيها رواسي قد سبق بيان شامخات أي عاليات وأسقيناكم قد سبق معنى أسقينا الحجر 22 والجن 16 ومعنى الفرات الفرقان 53 وفاطر 12 والمعنى إن هذه الأشياء اعجب من البعث ثم ذكر ما يقال لهم في الآخرة إنطلقوا إلى ما كنتم به تكذبون في الدنيا وهو النار انطلقوا إلى ظل قرأ الجمهور هذه الثانية بكسر اللام على الأمر وقرأ أبي بن كعب

وابي عمران ورويس عن يعقوب بفتح اللام على الخبر بالفعل الماضي قال ابن قتيبة والظل ها هنا ظل من دخان نار جهنم سطع ثم افترق ثلاث فرق وكذلك شأن الدخان العظيم إذا ارتفع أن يتشعب فيقال لهم كونوا فيه إلى أن يفرغ من الحساب كما يكون أولياء الله في ظل عرشه أو حيث شاء من الظل ثم يؤمر بكل فريق إلى مستقره من الجنة والنار لا ظليل أي لا يظلكم من حر هذا اليوم بل يدنيكم من لعب النار إلى ما هو أشد عليكم من حر الشمس قال مجاهد تكون شعبة فوق الإنسان وشعبة عن يمينه وشعبة عن شماله فتحيط به وقال الضحاك الشعب الثلاث هي الضريع والزقوم والغسلين فعلى هذا القول يكون هذا بعد دخول النار
قوله تعالى ولا يغني من اللهب أي لا يدفع عنكم لهب جهنم ثم وصف النار فقال تعالى إنها ترمي بشرر وهو جمع شررة وهو ما يتطاير من النار متفرقا كالقصر قرأ الجمهور بإسكان الصاد على أنه واحد القصور المبنية وهذا المعنى في رواية ابن أبي طلحة عن ابن عباس وهو قول الجمهور وقرأ ابن عباس وأبو رزين ومجاهد وأبو الجوزاء كالقصر بفتح الصاد وفي أفراد البخاري من حديث ابن عباس قال كنا نرفع الخشب بقصر ثلاثة أذرع أو أقل فنرفعه للشتاء فنسميه القصر قال ابن قتيبة من فتح الصاد أراد أصول النخل المقطوعة المقلوعة قال الزجاج أراد أعناق الإبل وقرأ سعد ابن أبي وقاص وعائشة وعكرمة وأبو مجلز وأبو المتوكل وابن يعمر كالقصر بفتح القاف وكسر الصاد وقرأ ابن مسعود وأبو هريرة والنخعي كالقصر برفع القاف والصاد جميعا وقرأ أبو الدرداء وسعيد بن

جبير كالقصر بكسر القاف وفتح الصاد وقرأ ابو العالية وأبو عمران وأبو نهيك ومعاذ القارئ كالقصر بضم القاف وإسكان الصاد
قوله تعالى كأنه جمالات قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأبو بكر عن عاصم جمالات بألف وكسر الجيم وقرأ حمزة والكسائي وحفص عن عاصم جمالة على التوحيد وقرأ رويس عن يعقوب جمالات بضم الجيم وقرأ أبو رزين وحميد وابو حيوة جمالة برفع الجيم على التوحيد قال الزجاج من قرأ جمالات بالكسر فهو جمع جمال كما تقول بيوت وبيوتات وهو جمع الجمع فالمعنى كأن الشرارات كالجمالات ومن قرأ جمالات بالضم فهو جمع جمالة ومن قرأ جمالة فهو جمع جمل وجمالة كما قيل حجر وحجارة وذكر وذكارة وقرئت جمالة على ما فسرناه في جمالات بالضم والصفر ها هنا السود يقال للإبل التي هي سود تضرب إلى الصفرة إبل صفر وقال الفراء الصفر سود الإبل لا يرى الأسود من الإبل إلا وهو مشرب صفرة فلذلك سمت العرب سود الإبل صفرا كما سموا الظباء أدما لما يعلوها من الظلمة في بياضها
قوله تعالى هذا يوم لا ينطقون قال المفسرون هذا في بعض مواقف القيامة قال عكرمة تكلموا واختصموا ثم ختم على أفواههم فتكلمت أيديهم وأرجلهم فحينئذ لا ينطقون بحجة تنفعهم وقرأ ابو رجاء والقاسم ابن محمد والأعمش وابن أبي عبلة هذا يوم لا ينطقون بنصب الميم
قوله تعالى هذا يوم الفصل أي بين أهل الجنة وأهل النار جمعناكم يعني مكذبي هذه الأمة والأولين من المذكبين الذين كذبوا أنبياءهم

فإن كان لكم كيد فكيدون أثبت فيها الياء في الحالين يعقوب أي إن قدرتم على حيلة فاحتالوا لأنفسكم ثم ذكر ما للمؤمنين فقال تعالى إن المتقين في ظلال يعني ظلال الشجر وظلال أكنان القصور وعيون الماء وهذا قد تقدم بيانه إلى قوله تعالى كلوا أي ويقال لهم كلوا واشربوا هنيئا بما كنتم تعملون في الدنيا بطاعة الله ثم قال لكفار مكة كلوا وتمتعوا قليلا في الدنيا إلى منتهى آجالكم إنكم مجرمون أي مشركون بالله
قوله تعالى وإذا قيل لهم اركعوا فيه قولان
أحدهما أنه حين يدعون إلى السجود يوم القيامة رواه العوفي عن ابن عباس
والثاني أنه في الدنيا كانوا إذا قيل لهم اركعوا أي صلوا لا يركعون أي لا يصلون وإلى نحو هذا ذهب مجاهد في آخرين وهو الأصح وقيل نزلت في ثقيف حين أمرهم رسول الله صلى الله عليه و سلم بالصلاة فقالوا لا نحني فإنها مسبة علينا فقال لا خير في دين ليس فيه ركوع
قوله تعالى فبأي حديث بعده يؤمنون أي إن لم يصدقوا بهذا القرآن فبأي كتاب بعده يصدقون ولا كتاب بعده تم بعون الله تعالى وتوفيقه الجزء الثامن من كتاب زاد المسير في علم التفسير للإمام ابن الجوزي ويليه 444الجزء التاسع وأوله تفسير سورة النبأ

سورة النبأ
ويقال لها سورة التساؤل
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
عم يتساءلون عن النبأ العظيم الذي هم فيه مختلفون كلا سيعلمون ثم كلا سيعلمون ألم نجعل الأرض مهادا والجبال أوتادا وخلقناكم أزواجا وجعلنا نومكم سباتا وجعلنا الليل لباسا وجعلنا النهار معاشا وبنينا فوقكم سبعا شدادا وجعلنا سراجا وهاجا وأنزلنا من المعصرات ماء ثجاجا لنخرج به حبا ونباتا وجنات ألفافا إن يوم الفصل كان ميقاتا يوم ينفخ في الصور فتأتون أفواجا وفتحت السماء فكانت أبوابا وسيرت الجبال فكانت سرابا إن جهنم كانت مرصادا للطاغين مأبا لابثين فيها أحقابا لا يذوقون فيها بردا ولا شرابا إلا حميما وغساقا جزآء وفاقا إنهم كانوا لا يرجون حسابا وكذبوا بآياتنا كذابا وكل شيء أحصيناه كتابا فذوقوا فلن نزيدكم إلا عذابا إن للمتقين مفازا حدائق وأعنابا وكواعب أترابا وكأسا دهاقا لا يسمعون فيها لغوا ولا كذابا جزآء من ربك عطاء حسابا رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن لا يملكون

منه خطابا يوم يقوم الروح والملائكة صفا لا يتكلمون إلا من أذن له الرحمن وقال صوابا ذلك اليوم الحق فمن شاء اتخذ الى ربه مأبا إنا أنذرناكم عذابا قريبا يوم ينظر المرء ما قدمت يداه ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا
قوله تعالى عم يتساءلون أصله عن ما فأدغمت النون في الميم وحذفت ألف ما كقولهم فيم وبم قال المفسرون لما بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم جعل المشركون يتساءلون بينهم فيقولون ما الذي أتى به ويتجادلون ويختصمون فيما بعث به فنزلت هذه الآية واللفظ لفظ استفهام والمعنى تفخيم القصة كما يقولون أي شيء زيد إذا أردت تعظيم شأنه ثم بين ما الذي يتساءلون عنه فقال تعالى عن النبأ العظيم يعني عن الخبر العظيم الشأن وفيه ثلاثة أقوال
أحدها القرآن قاله مجاهد ومقاتل والفراء قال الفراء فلما أجاب صارت عم كأنها في معنى لأي شيء يتساءلون عن القرآن
والثاني البعث قاله قتادة
والثالث أنه أمر النبي صلى الله عليه و سلم حكاه الزجاج
قوله تعالى الذي هم فيه مختلفون من قال إنه القرآن فإن المشركين اختلفوا فيه فقال بعضهم هو سحر وقال بعضهم هو شعر وقال بعضهم

أساطير الأولين الى غير ذلك وكذلك من قال هو أمر النبي صلى الله عليه و سلم فأما من قال إنه البعث والقيامة ففي اختلافهم فيه قولان
أحدهما أنهم اختلفوا فيه لما سمعوا به فمنهم من صدق وآمن ومنهم من كذب وهذا معنى قول قتادة
والثاني أن المسلمين والمشركين اختلفوا فيه فصدق به المسلمون وكذب به المشركون قاله يحيى بن سلام
قوله تعالى كلا قال بعضهم هي ردع وزجر وقال بعضهم هي نفي لاختلافهم والمعنى ليس الأمر على ما قالوا سيعلمون عاقبة تكذيبهم حين ينكشف الأمر ثم كلا سيعلمون وعيد على إثر وعيد وقرأ ابن عامر ستعلمون في الحرفين بالتاء ثم ذكر صنعه ليعرفوا توحيده فقال تعالى ألم نجعل الأرض مهادا أي فراشا وبساطا والجبال أوتادا للأرض لئلا تميد وخلقناكم أزواجا أي أصنافا واضدادا ذكورأ وإناثا سودا وبيضا وحمرا وجعلنا نومكم سباتا قال ابن قتيبة أي راحة لأبدانكم وقد شرحنا هذا في الفرقان 47 وشرحنا هناك قوله تعالى وجعلنا الليل لباسا
قوله تعالى وجعلنا النهار معاشا أي سببا لمعاشكم والمعاش العيش وكل شيء يعاش به فهو معاش والمعنى جعلنا النهار مطلبا للمعاش وقال ابن قتيبة معاشا أي عيشا وهو مصدر وبنينا فوقكم سبعا شدادا قال مقاتل هي السموات غلظ كل سماء مسيرة خمسمائة عام وبين كل سماءين مثل ذلك وهي فوقكم يا بني آدم فاحذروا أن تعصوا فتخر عليكم

قوله تعالى وجعلنا سراجا يعني الشمس وهاجا قال ابن عباس هو المضيء وقال اللغويون الوهاج الوقاد وقيل الوهاج يجمع النور والحرارة
قوله تعالى وأنزلنا من المعصرات فيها ثلاث أقوال
أحدها أنها السموات قاله أبي بن كعب والحسن وابن جبير
والثاني أنها الرياح رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة ومقاتل وقال زيد بن أسلم هي الجنوب فعلى هذا القول تكون من بمعنى الباء فتقديره بالمعصرات وإنما قيل للرياح معصرات لأنها تستدر المطر
والثالث أنها السحاب رواه الوالبي عن ابن عباس وبه قال أبو العالية والضحاك والربيع قال الفراء السحابة المعصر التي تتحلب بالمطر ولما يجتمع مثل الجارية المعصر قد كادت تحيض ولما تحض وكذلك قال ابن قتيبة شبهت السحاب بمعاصير الجواري والمعصر الجارية التي قد دنت من الحيض وقال الزجاج إنما قيل للسحاب معصرات كما قيل أجز الزرع فهو مجز أي صار الى أن يجز فكذلك السحاب إذا صار الى أن يمطر فقد أعصر
قوله تعالى ماء ثجاجا قال مقاتل أي مطرا كثيرا منصبا يتبع بعضه بعضا وقال غيره يقال ثج الماء يثج إذا انصب لنخرج به أي بذلك الماء حبا ونباتا وفيه قولان
أحدهما أن الحب ما يأكله الناس والنبات ما تنبته الأرض مما يأكل

الناس والأنعام هذا قول الجمهور وقال الزجاج كل ما حصد حب وكل ما أكلته الماشية من الكلإ فهو نبات
والثاني أن الحب اللؤلؤ والنبات العشب قال عكرمة ما أنزل الله من السماء قطرا إلا أنبت به في البحر لؤلؤا وفي الأرض عشبا
قوله تعالى وجنات يعني بساتين ألفافا قال أبو عبيدة أي ملتفة من الشجر ليس بينها خلال الواحدة لفاء وجنات لف وجمع الجمع ألفاف قال المفسرون فدل بذكر المخلوقات على البعث ثم أخبر عن يوم القيامة فقال تعالى إن يوم الفصل أي يوم القضاء بين الخلائق كان ميقاتا لما وعد الله من الثواب والعقاب يوم ينفخ في الصور فتأتون من قبوركم أفواجا أي زمرا زمرا من كل مكان وفتحت السماء قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وفتحت بالتشديد وقرأ عاصم وحمزة والكسائي بالتخفيف وإنما تفتح لنزول الملائكة فكانت أبوابا أي ذات أبواب وسيرت الجبال عن أماكنها فكانت سرابا أي كالسراب لأنها تصير هباء منبثا فيراها الناظر كالسراب بعد شدتها وصلابتها إن جهنم كانت مرصادا قال المبرد مرصادا يرصدون به أي هو معد لهم يرصد بها خزنتها الكفار وقال الأزهري المرصاد المكان الذي يرصد فيه الراصد العدو ثم بين لمن هي مرصاد فقال تعالى للطاغين قال ابن عباس للمشركين مآبا أي مرجعا
قوله تعالى لا بثين وقرأ حمزة لبثين والمعنى فيهما واحد يقال هو لابث بالمكان ولبث ومثله طامع وطمع وفاره وفره وأما الأحقاب فجمع حقب وقد ذكرنا الاختلاف فيه في الكهف 60

فإن قيل ما معنى ذكر الأحقاب وخلودهم في النار لا نفاد له فعنه جوابان
أحدهما أن هذا لا يدل على غاية لأنه كلما مضى حقب تبعه حقب
ولو
أنه قال لا بثين فيها عشرة أحقاب أو خمسة دل على غاية هذا قول ابن قتيبة والجمهور وبيانه أن زمان أهل الجنة والنار يتصور دخوله تحت العدد وان لم يكن لها نهاية
والثاني أن المعنى أنهم يلبثون فيها أحقابا لا يذوقون في الأحقاب بردا ولا شرابا فأما خلودهم في النار فدائم هذا قول الزجاج وبيانه أن الأحقاب حد لعذابهم بالحميم والغساق فإذا انقضت الأحقاب عذبوا بغير ذلك من العذاب وفي المراد بالبرد ثلاثة أقوال
أحدها أنه برد الشراب روى أبو صالح عن ابن عباس قال لا يذوقون فيها برد الشراب ولا الشراب
والثاني أنه الروح والراحة قاله الحسن وعطاء
والثالث أنه النوم قاله مجاهد والسدي وأبو عبيدة وابن قتيبة وأنشدوا
... فإن شئت حرمت النساء سواكم ... وإن شئت لم أطعم نقاخا ولا بردا ...
قال ابن قتيبة النقاخ الماء والبرد النوم سمي بذلك لأنه تبرد فيه الحرارة

وقال مقاتل لا يذوقون فيها بردا ينفعهم من حرها ولا شرابا ينفعهم من عطش إلا حميما وغساقا قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر غساقا بالتخفيف وقرأ حمزة والكسائي والمفضل وحفص عن عاصم بالتشديد
وقد تقدم ذكر الحميم والغساق ص 57 جزاء وفاقا قال الفراء وفقا لأعمالهم وقال غيره جوزوا جزاء وفاقا لأعمالهم على مقدارها فلا ذنب أعظم من الشرك ولا عذاب أعظم من النار
إنهم كانوا لا يرجون حسابا فيه قولان
أحدهما لا يخافون أن يحاسبوا لأنهم لا يؤمنون بالبعث قاله الجمهور
والثاني لا يرجون ثواب حساب لأنهم لا يؤمنون بالبعث قاله الزجاج
قوله تعالى وكذبوا بآياتنا كذابا قال الفراء الكذاب بالتشديد لغة يمانية فصيحة يقولون كذبت به كذابا وخرقت القميص خراقا وكل فعلت فمصدره في لغتهم مشدد قال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني الحلق أحب اليك أم القصار وأنشدني بعض بني كلاب
... لقد طال ما ثبطتني عن صحابتي ... وعن حوج قضاؤها من شفائيا ...
وأما أهل نجد فيقولون كذبت به تكذيبا وقال أبو عبيدة الكذاب أشد من الكذاب وهما مصدر المكاذبة قال الأعشى

فصدقتها وكذبتها ... والمرء ينفعه كذابه ...
قوله تعالى وكل شيء أحصيناه قال الزجاج كل منصوب بفعل مضمر تفسيره أحصيناه والمعنى أحصينا كل شيء وكتابا توكيد ل أحصيناه لأن معنى أحصيناه و كتبناه فيما يحصل ويثبت واحد فالمعنى كتبناه كتابا قال المفسرون وكل شيء من الأعمال أثبتناه في اللوح المحفوظ فذوقوا أي فيقال لهم ذوقوا جزاء فعالكم فلن نزيدكم إلا عذابا إن للمتقين الذين لم يشركوا مفازا وفيه قولان
أحدهما متنزها قاله ابن عباس والضحاك
والثاني فازوا بأن نجوا من النار بالجنة ومن العذاب بالرحمة قاله قتادة قال ابن قتيبة مفازا في موضع فوز حدائق قال ابن قتيبة الحدائق بساتين نخل واحدها حديقة
قوله تعالى وكواعب قال ابن عباس الكواعب النواهد قال ابن فارس يقال كعبت المرأة كعابة فهي كاعب إذا نتأ ثديها وقد ذكرنا معنى الأتراب في ص 52
قوله تعالى وكأسا دهاقا فيه ثلاثة أقوال
أحدها انها الملأى رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال الحسن وقتادة وابن زيد

والثاني أنها المتتابعة رواه مجاهد عن ابن عباس وبه قال ابن جبير وعن مجاهد كالقولين
والثالث انها الصافية قاله عكرمة
قوله تعالى لا يسمعون فيها أي في الجنة إذا شربوها لغوا وقد ذكرناه في الطور 23 وغيرها ولا كذابا أي لا يكذب بعضهم بعضا لأن أهل الدنيا إذا شربوا الخمر تكلموا بالباطل وأهل الجنة منزهون عن ذلك
قال الفراء وقراءة علي رضي الله عنه كذابا بالتخفيف كأنه والله أعلم لا يتكاذبون فيها وكان الكسائي يخفف هذه ويشدد وكذبوا بآياتنا كذابا لأن كذبوا يقيد الكذاب بالمصدر وهذه ليست مقيدة بفعل يصيرها مصدرا
وقد ذكرنا عن أبي عبيدة أن الكذاب بالتشديد والتخفيف مصدر المكاذبة وقال أبو علي الفارسي الكذاب بالتخفيف مصدر كذب مثل الكتاب مصدر كتب
قوله تعالى جزاء قال الزجاج المعنى جازاهم بذلك جزاء وكذلك عطاء لأن معنى أعطاهم وجازاهم واحد وحسابا معناه ما يكفيهم أي فيه كل ما يشتهون يقال أحسبني كذا بمعنى كفاني رب السموات قرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والمفضل رب السموات والأرض وما بينهما الرحمن برفع الباء من رب والنون من الرحمن على معنى هو رب السموات وقرأ عاصم وابن عامر بخفض الباء والنون على الصفة من ربك وقرأ حمزة والكسائي بكسر الباء ورفع النون واختار هذه القراءة الفراء ووافقه على هذا جماعة وعللوا بأن الرب قريب من المخفوض والرحمن بعيد منه

قوله تعالى لا يملكون منه خطابا فيه قولان
أحدهما لا يملكون الشفاعة إلا بإذنه قاله ابن السائب والثاني لا يقدر الخلق أن يكلموا الرب إلا بإذنه قاله مقاتل
قوله تعالى يوم يقوم الروح فيه سبعة أقوال
أحدها أنه جند من جند الله تعالى وليسوا بملائكة رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال مجاهد هم خلق على صورة بني آدم يأكلون ويشربون
والثاني أنه ملك أعظم من السموات والجبال والملائكة قاله ابن مسعود ومقاتل بن سليمان وروى عطاء عن ابن عباس قال الروح ملك ما خلق الله أعظم منه فإذا كان يوم القيامة قام هو وحده صفا وقامت الملائكة كلهم صفا واحدا فيكون عظم خلقه مثل صفوفهم
والثالث أنها أرواح الناس تقوم مع الملائكة فيما بين النفختين قبل أن ترد الى الأجسام رواه عطية عن ابن عباس
والرابع أنه جبريل عليه السلام قاله الشعبي وسعيد بن جبير والضحاك

والخامس أنهم بنو آدم قاله الحسن وقتادة
والسادس أنه القرآن قاله زيد بن أسلم
والسابع أنهم أشرف الملائكة قاله مقاتل بن حيان
قوله تعالى والملائكة صفا قال الشعبي هما سماطان سماط من الروح وسماط من الملائكة فعلى هذا يكون المعنى يوم يقوم الروح صفا والملائكة صفا وقال ابن قتيبة معنى قوله تعالى صفا صفوفا
قوله تعالى لا يتكلمون يعني الخلق كلهم إلا من أذن له الرحمن في الكلام وقال صوابا أي قال في الدنيا صوابا وهو الشهادة بالتوحيد عند أكثر المفسرين وقال مجاهد قال حقا في الدنيا وعمل به ذلك اليوم الحق الكائن الواقع بلا شك فمن شاء اتخذ الى ربه مآبا أي مرجعا اليه بطاعته ثم خوف كفار مكة فقال تعالى انا أنذرناكم عذابا قريبا وهو عذاب الآخرة وكل آت قريب يوم ينظر المرء ما قدمت يداه أي يرى عمله مثبتا في صحيفته خيرا كان أو شرا ويقول الكافر يا ليتني كنت ترابا يا ليتني لم أبعث وحكى الثعلبي عن بعض أشياخه أنه رأى في بعض التفاسير أن الكافر هاهنا إبليس وذلك أنه عاب آدم لأنه خلق من التراب فتمنى يوم القيامة أنه كان بمكان آدم فقال يا ليتني كنت ترابا

سورة النازعات
مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
والنازعات غرقا والناشطات نشطا والسابحات سبحا فالسابقات سبقا فالمدبرات أمرا يوم ترجف الراجفة تتبعها الرادفة قلوب يومئذ واجفة أبصارها خاشعة يقولون أئنا لمردودون في الحافرة أئذا كنا عظاما نخرة قالوا تلك إذا كرة خاسرة فإنما هي زجرة واحدة فإذا هم بالساهرة
قوله تعالى والنازعات فيه سبعة أقوال
أحدها أنها الملائكة تنزع أرواح الكفار قاله علي وابن مسعود وروى عطية عن ابن عباس قال هي الملائكة تنزع نفوس بني آدم وبه قال مسروق
والثاني أنه الموت ينزع النفوس قاله مجاهد
والثالث أنها النفس حين تنزع قاله السدي
والرابع أنها النجوم تنزع من أفق الى أفق تطلع ثم تغيب قاله الحسن وقتادة وأبو عبيدة والأخفش وابن كيسان

والخامس أنها القسي تنزع بالسهم قاله عطاء وعكرمة
والسادس أنها الوحوش تنزع وتنفر حكاه الماوردي
والسابع أنها الرماة حكاه الثعلبي
قوله تعالى غرقا اسم أقيم الإغراق قال ابن قتيبة والمعنى والنازعات إغراقا كما يغرق النازع في الفوس يعني أنه يبلغ به غاية المد
قوله تعالى والناشطات نشطا فيه خمسة أقوال
أحدها أنها الملائكة ثم في معنى الكلام قولان أحدهما أنها حين تنشط أرواح الكفار حتى تخرجها بالكرب والغم قاله علي رضي الله عنه قال مقاتل ينزع ملك الموت روح الكافر فإذا بلغت ترقوته غرقها في حلقه فيعذ به في حياته ثم ينشطها من حلقه أي يجذبها كما ينشط السفود من الصوف المبتل والثاني أنها تنشط أرواح المؤمنين بسرعة كما ينشط العقال من يد البعير إذا حل عنها قاله ابن عباس وقال الفراء الذي سمعته من العرب كما أنشط من عقال بألف تقول إذا ربطت الحبل في يد البعير نشطته فإذا حللته قلت أنشطته
والقول الثاني أنها أنفس المؤمنين تنشط عند الموت للخروج وهذا مروي عن ابن عباس أيضا وبيانه أن المؤمن يرى منزله من الجنة قبل الموت فتنشط نفسه لذلك

والثالث أن الناشطات الموت ينشط نفس الإنسان قاله مجاهد
والرابع النجوم تنشط من أفق الى أفق أي تذهب قاله قتادة وأبو عبيدة والأخفش ويقال لبقر الوحش نواشط لأنها تذهب من موضع الى موضع قال أبو عبيدة والهموم تنشط بصاحبها قال هميان بن قحافة ... أمست همومي تنشط المناشطا ... الشام بي طورا وطورا واسطا ...
والخامس أنها النفس حين تنشط بالموت قاله السدي
قوله تعالى والسابحات سبحا فيه ستة أقوال
أحدها أنها الملائكة تسبح بأرواح المؤمنين قاله علي رضي الله عنه قال ابن السائب يقبضون أرواح المؤمنين كالذي يسبح في الماء فأحيانا ينغمس وأحيانا يرتفع يسلونها سلا رفيقا ثم يدعونها حتى تستريح
والثاني أنهم الملائكة ينزلون من السماء مسرعين كما يقال للفرس الجواد سابح إذا أسرع في جريه قاله مجاهد وأبو صالح والفراء
والثالث أنه الموت يسبح في نفوس بني آدم روي عن مجاهد أيضا
والرابع أنها السفن تسبح في الماء قاله عطاء
والخامس أنها النجوم والشمس والقمر كل في فلك يسبحون قاله قتادة وأبو عبيدة
والسادس أنها الخيل حكاه الماوردي

قوله تعالى فالسابقات سبقا فيه خمسة أقوال
أحدها أنها الملائكة ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال أحدها أنها تسبق الشياطين بالوحي الى الأنبياء قاله علي ومسروق والثاني أنها تسبق بأرواح المؤمنين الى الجنة قاله مجاهد وأبو روق والثالث أنها سبقت بني آدم الى الإيمان قاله الحسن
والقول الثاني أنها أنفس المؤمنين تسبق الملائكة شوقا الى لقاء الله فيقبضونها وقد عاينت السرور قاله ابن مسعود
والثالث أنه الموت يسبق الى النفوس روي عن مجاهد أيضا
والرابع أنها الخيل قاله عطاء
والخامس أنها النجوم يسبق بعضها بعضا في السير قاله قتادة
قوله تعالى فالمدبرات أمرا قال ابن عباس هي الملائكة قال عطاء وكلت بأمور عرفهم الله العمل بها وقال عبد الرحمن بن سابط يدبر أمر الدنيا أربعة أملاك جبريل وهو موكل بالرياح والجنود وميكائيل وهو موكل بالقطر والبنات وملك الموت وهو موكل بقبض الأنفس وإسرافيل وهو ينزل بالأمر عليهم وقيل بل جبريل للوحي وإسرافيل للصور وقال ابن قتيبة فالمدبرات أمرا تنزل بالحلال والحرام
فإن قيل اين جواب هذه الأقسام فعنه جوابان
أحدهما أن الجواب قوله تعالى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى قاله مقاتل

والثاني أن الجواب مضمر تقديره لتبعثن ولتحاسبن ويدل على هذا قوله تعالى أئذا كنا عظاما نخرة قاله الفراء
قوله تعالى يوم ترجف الراجفة وهي النفخة الأولى التي يموت منها جميع الخلائق و الراجفة صيحة عظيمة فيها تردد واضطراب كالرعد إذا تمحض و وترجف بمعنى تتحرك حركة شديدة تتبعها الرادفة وهي النفخة الثانية ردفت الأولى أي جاءت بعدها وكل شيء جاء بعد شيء فهو يردفه قلوب يومئذ واجفة أي شديدة الإضطراب لما عاينت من أهوال القيامة أبصارها خاشعة أي ذليلة لمعاينة النار قال عطاء وهذه أبصار من لم يمت على الإسلام ويدل على هذا أنه ذكر منكري البعث فقال تعالى يقولون أئنا لمردودون في الحافرة قرأ ابن عامر وأهل الكوفة أئنا بهمزتين مخففتين على الإستفهام وقرأ الباقون بتخفيف الأولى وتليين الثانية وفصل بينهما بألف نافع وأبو عمرو
وفي معنى الكلام ثلاثة أقوال
أحدها أن الحافرة الحياة بعد الموت فالمعنى أنرجع أحياء بعد موتنا وهذا قول ابن عباس وعطية والسدي قال الفراء يعنون أنرد الى أمرنا الأول الى الحياة والعرب تقول أتيت فلانا ثم رجعت على حافرتي أي رجعت من حيث جئت قال أبو عبيدة يقال رجع فلان في حافرته وعلى حافرته إذا رجع من حيث جاء وهذا قول الزجاج
والثاني أنها الأرض التي تحفر فيها قبورهم فسميت حافرة والمعنى محفورة كما يقال ماء دافق الطارق 6 وعيشة راضية الحاقة 21 وهذا قول مجاهد والخليل فيكون المعنى أئنا لمردودون الى الأرض خلقا جديدا

قال ابن قتيبة في الحافرة أي الى أول أمرنا ومن فسرها بالأرض فإلى هذا يذهب لأنا منها بدئنا قال الشاعر
... أحافرة على صلع وشيب ... معاذ الله من سفه وعار ...
كأنه قال أأرجع الى ما كنت عليه في شبابي من الغزل والصبا بعد ما شبت وصلعت
والثالث أن الحافرة النار قاله ابن زيد
قوله تعالى أئذا كنا عظاما نخرة وقرأ حمزة وأبو بكر عن عاصم ناخرة قال الفراء وهما بمعنى واحد في اللغة مثل طمع وطامع وحذر وحاذر وقال الأخفش هما لغتان وقال الزجاج يقال نخر العظم ينخر فهو نخر مثل عفن الشيء يعفن فهو عفن وناخرة على معنى عظاما فارغة يجيىء فيها من هبوب الريح كالنخير قال المفسرون والمراد أنهم أنكروا البعث وقالوا نرد أحياء إذا متنا وبليت عظامنا تلك إذن كرة خاسرة أي إن رددنا بعد الموت لنحسرن بما يصيبنا مما يعدنا به محمد فأعلمهم الله بسهولة البعث عليه فقال تعالى فإنما هي يعني النفخة الأخيرة زجرة واحدة أي صيحة في الصور يسمعونها من إسرافيل وهم في الأرض فيخرجون فإذا هم بالساهرة وفيها أربعة أقوال

احدها ان الساهرة وجه الأرض قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والضحاك واللغويون قال الفراء كأنها سميت بهذا الأسم لأن فيها نوم الحيوان وسهرهم
والثاني أنه جبل عند بيت المقدس قاله وهب بن منبه
والثالث أنها جهنم قاله قتادة
والرابع أنها أرض الشام قاله سفيان
هل أتك حديث موسى إذ ناداه ربه بالواد المقدس طوى إذهب الى فرعون إنه طغى فقل هل لك إلى أن تزكى وأهديك الى ربك فتخشى فأراه الآية الكبرى فكذب وعصى ثم أدبر يسعى فحشر فنادى فقال أنا ربكم الأعلى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى إن في ذلك لعبرة لمن يخشى أأنتم اشد خلقا أم السماء بنها رفع سمكها فسواها وأغطش ليلها وأخرج ضحاها والأرض بعد ذلك دحاها أخرج منها مآءها ومرعاها والجبال ارسها متاعا لكم ولأنعامكم
قوله تعالى هل أتاك حديث موسى أي قد جاءك وقد بينا هذا في طه 9 وما بعده الى قوله تعالى طوى اذهب قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو طوى اذهب غير مجراة وقرأ الباقون طوى منونة فقل هل لك الى أن تزكى وقرأ ابن كثير ونافع تزكى بتشديد الزاي أي تطهر من الشرك وأهديك الى ربك أي أدعوك الى توحيده وعبادته فتخشى عذابه فأراه الآية الكبرى وفيها قولان

أحدهما أنها اليد والعصا قاله جمهور المفسرين والثاني أنها اليد قاله الزجاج
قوله تعالى فكذب أي بأنها من الله وعصى نبيه ثم أدبر أي أعرض عن الإيمان يسعى أي يعمل بالفساد في الأرض فحشر أي فجمع قومه وجنوده فنادى لما اجتمعوا فقال أنا ربكم الأعلى أي لا رب فوقي وقيل أراد أن الأصنام أرباب وأنا ربها وربكم وقيل أراد أنا رب السادة والقادة
قوله تعالى فأخذه الله نكال الآخرة والأولى فيه أربعة أقوال
أحدها أن الاولى قوله ما علمت لكم من إله غيري القصص 38 والآخرة قوله أنا ربكم الأعلى قاله ابن عباس وعكرمة والشعبي ومقاتل والفراء ورواه ابن أبي نجيح عن مجاهد قال ابن عباس وكان بينهما أربعون سنة قال السدي فبقي بعد الآخرة ثلاثين سنة قال الفراء فالمعنى أخذه الله أخذا نكالا للآخرة والاولى
والثاني المعنى جعله الله نكال الدنيا والآخرة أغرقه في الدنيا وعذبه في الآخرة قاله الحسن وقتادة وقال الربيع بن أنس عذبه الله في أول النهار بالغرق وفي آخرة بالنار
والثالث أن الأولى تكذيبه وعصيانه والآخرة قوله أنا ربكم الأعلى قاله أبو رزين
والرابع أنها اول أعماله وآخرها رواه منصور عن مجاهد قال الزجاج النكال منصوب مصدر مؤكد لأن معنى أخذه الله نكل الله به نكال الآخرة

والأولى فأغرقة في الدنيا ويعذبه في الآخرة قوله تعالى ان في ذلك الذي فعل بفرعون لعبرة أي لعظة لمن يخشى الله
ثم خاطب منكري البعث فقال تعالى أأنتم أشد خلقا أم السماء بناها قال الزجاج ذهب بعض النحويين الى أن قوله تعالى بناها من صفة السماء فيكون المعنى أم السماء التي بناها وقال قوم السماء ليس مما توصل ولكن المعنى أأنتم أشد خلقا أم السماء أشد خلقا ثم بين كيف خلقها فقال تعالى بناها قال المفسرون أخلقكم بعد الموت أشد عندكم أم السماء في تقديركم وهما في قدرة الله واحد ومعنى بناها رفعها وكل شيء ارتفع فوق شيء فهو بناء ومعنى رفع سمكها رفع ارتفاعها وعلوها في الهواء فسواها بلا شقوق ولا فطور ولا تفاوت يرتفع فيه بعضها علىبعض وأغطش ليلها أي أظلمه فجعله مظلما قال الزجاج يقال غطش الليل وأغطش وغبش وأغبش وغسق وأغسق وغشي وأغشى كله بمعنى أظلم
قوله تعالى وأخرج ضحاها أي أبرز نهارها والمعنى أظهر نورها بالشمس وإنما أضاف النور والظلمة الى السماء لأنهما عنها يصدران والأرض بعد ذلك أي بعد خلق السماء دحاها أي بسطها وبعض من يقول إن الأرض خلقت قبل السماء يزعم أن بعد هاهنا بمعنى قبل كقوله

تعالى ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر الأنبياء 105 وبعضهم يقول هي بمعنى مع كقوله تعالى عتل بعد ذلك زنيم القلم 13 ولا يمتنع أن تكون الأرض خلقت قبل السماء ثم دحيت بعد كمال السماء وهذا مذهب عبد الله بن عمرو بن العاص وقد أشرنا الى هذا الخلاف في البقرة 29 ونصبت الأرض بمضمر تفسيره قوله تعالى دحاها
أخرج منها ماءها أي فجر العيون منها ومرعاها وهو ما يأكله الناس والأنعام والجبال أرساها قال الزجاج أي أثبتها متاعا لكم أي للإمتاع لأن معنى أخرج منها ماءها ومرعاها أمتع بذلك وقال ابن قتيبة متاعا لكم أي منفعة لكم
فإذا جآءت الطامة الكبرى يوم يتذكر الإنسان ما سعى وبرزت الجحيم لمن يرى فأما من طغى وأثر الحيوة الدنيا فإن الجحيم هي المأوى وأما من خاف مقام ربه ونهى النفس عن الهوى فإن الجنة هي المأوى يسئلونك عن الساعة أيان مرسها فيم أنت من ذكرها الى ربك منتهاها إنما أنت منذر من يخشها كأنهم يوم يرونها لم يلبثوا إلا عشية أو ضحها
قوله تعالى فإذا جاءت الطامة الكبرى والطامة الحادثة التي تطم على ما سواها أي تعلو فوقه وفي المراد بها هاهنا ثلاثة أقوال
أحدها النفخة الثانية التي فيها البعث

والثاني أنها حين يقال لأهل النار قوموا الى النار
والثالث أنها حين يساق أهل الجنة الى الجنة وأهل النار الى النار
قوله تعالى يتذكر الإنسان ما سعى أي ما عمل من خير وشر وبرزت الجحيم لمن يرى أي لأبصار الناظرين قال مقاتل يكشف عنها الغطاء فينظر اليها الخلق وقرأ أبو مجلز وابن السميفع لمن ترى بالتاء وقرأ ابن عباس ومعاذ القارىء لمن رأى بهمزة بين الراء والألف
قوله تعالى فأما من طغى في كفره وآثر الحياة الدنيا على الآخرة فإن الجحيم هي المأوى قال الزجاج أي هي المأوى له وهذا جواب فإذا جاءت الطامة فإن الأمر كذلك
قوله تعالى وأما من خاف مقام ربه قد ذكرناه في سورة الرحمن 46
قوله تعالى ونهى النفس عن الهوى أي عما تهوى من المحارم قال مقاتل هو الرجل يهم بالمعصية فيذكر مقامه للحساب فيتركها
قوله تعالى يسألونك عن الساعة أيان مرساها قد سبق في الأعراف 187 فيم أنت من ذكراها أي لست في شيء من علمها وذكرها والمعنى إنك لا تعلمها الى ربك منتهاها أي منتهى علمها إنما أنت منذر من يخشاها وقرأ أبو جعفر منذر بالتنوين ومعنى الكلام إنما أنت مخوف من يخافها والمعنى إنما ينفع إنذارك م يخافها وهو المؤمن بها وأما من لا يخافها فكأنه لم ينذر كأنهم يعني كفار قريش يوم يرونها أي يعاينون القيامه لم يلبثوا في الدنيا وقيل في قبورهم إلا عشية أو ضحاها أي قدر آخر النهار من بعد العصر أو أوله الى أن ترتفع

الشمس قال الزجاج والهاء والألف في ضحاها عائدان الى العشية
والمعنى إلا عشية أو ضحى العشية قال الفراء
فإن قيل للعشية ضحى إنما الضحى لصدر النهار
فالجواب أن هذا ظاهر في كلام العرب أن يقولوا آتيك العشية أو غداتها أو آتيك الغداة أو عشيتها فتكون العشية في معنى آخر والغداة في معنى أول أنشدني بعض بني عقيل
... نحن صبحنا عامرا في دارها ... عشية الهلال أو سرارها ...
أراد عشية الهلال أو عشية سرار العشية فهذا أشد من قولهم آتيك الغداة أو عشيتها

سورة عبس
مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
عبس وتولى أن جآءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جآءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة
قوله تعالى عبس وتولى قال المفسرون كان رسول الله صلى الله عليه و سلم يوما يناجي عتبة بن ربيعة وأبا جهل بن هشام وأمية وأبيا ابني خلف ويدعوهم الى الله تعالى ويرجو إسلامهم فجاء ابن أم مكتوم الأعمى فقال علمني يا رسول الله مما علمك الله وجعل يناديه ويكرر النداء ولا يدري أنه مشتغل بكلام غيره حتى ظهرت الكراهية في وجهه صلى الله عليه و سلم لقطعه كلامه فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه و سلم وأقبل على القوم يكلمهم فنزلت هذه الآيات فكان رسول الله صلى الله عليه و سلم يكرمه بعد ذلك ويقول مرحبا بمن عاتبني فيه

ربي وذهب قوم منهم مقاتل الى أنه إنما جاء ليؤمن فأعرض عنه النبي صلى الله عليه و سلم اشتغالا بالرؤساء فنزلت فيه هذه الآيات
ومعنى عبس قطب وكلح وتولى أعرض بوجهه أن جاءه أي لأن جاءه وقرأ أبي بن كعب والحسن وأبو المتوكل وأبو عمران آن جاءه بهمزة واحدة مفتوحة ممدودة وقرأ ابن مسعود وابن السميفع أأن بهمزتين مقصورتين مفتوحتين والأعمى هو ابن أم مكتوم واسمه عمرو بن قيس وقيل اسمه عبد الله بن عمرو وما يدريك لعله يزكى أي يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح وما يتعلمه منك وقال مقاتل لعله يؤمن أو يذكر أي يتعظ بما يتعلمه من مواعظ القرآن فتنفعه الذكرى قرأ حفص عن عاصم فتنفعه بفتح العين والباقون برفعها قال الزجاج من نصب فعلى جواب لعل ومن رفع فعلى العطف على يزكى
قوله تعالى أما من استغنى قال ابن عباس استغنى عن الله وعن الإيمان بماله قال مجاهد أما من استغنى عتبة وشيبة فأنت له تصدى قرأ ابن كثير ونافع تصدى بتشديد الصاد وقرأ عاصم وأبو عمرو

وابن عامر وحمزة والكسائي تصدى بفتح التاء والصاد وتخفيفها وقرأ أبي بن كعب وأبو الجوزاء وعمرو بن دينار تتصدى بتاءين مع تخفيف الصاد قال الزجاج الأصل تتصدى ولكن حذفت التاء الثانية لإجتماع تاءين ومن قرأ تصدى بإدغام التاء فالمعنى أيضا تتصدى إلا أن التاء أدغمت في الصاد لقرب مخرج التاء من الصاد قال ابن عباس تصدى تقبل عليه بوجهك وقال ابن قتيبة تتعرض وقرأ ابن مسعود وابن السميفع والجحدري تصدى بتاء واحدة مضمومة وتخفيف الصاد
قوله تعالى وما عليك أي أي شيء عليك في أن لا يسلم من تدعوه الى الإسلام يعني أنه ليس عليه إلا البلاغ
وأما من جاءك يسعى فيه قولان
أحدهما يمشي
والثاني يعمل في الخير وهو ابن أم مكتوم وهو يخشى الله فأنت عنه تلهى وقرأ ابن مسعود وطلحة بن مصرف وأبو الجوزاء تتلهى بتاءين
وقرأ أبي بن كعب وابن السميفع والجحدري تلهى بتاء واحدة خفيفة مرفوعة قال الزجاج أي تتشاغل عنه يقال لهيت عن الشيء ألهى عنه إذا تشاغلت عنه
قوله تعالى كلا أي لا تفعل ذلك انها في المكني عنها قولان أحدهما آيات القرآن قاله مقاتل
والثاني هذه السورة قاله الفراء والتذكرة بمعنى التذكير فمن شاء ذكره مفسر في آخر المدثر 55 ثم أخبر بجلالة القرآن عنده فقال تعالى

في صحف مكرمة أي هو في صحف أي في كتب مكرمة وفيها قولان
أحدهما انها اللوح المحفوظ قاله مقاتل
والثاني كتب الأنبياء ذكره الثعلبي فعلى هذا يكون معنى مرفوعة عالية القدر وعلى الأول يكون رفعها كونها في السماء
وفي معنى المطهرة أربعة أقوال
أحدها مطهرة من أن تنزل على المشركين قاله الحسن والثاني مطهرة من الشرك والكفر قاله مقاتل والثالث لأنه لا يمسها إلا المطهرون قاله الفراء والرابع مطهرة من الدنس قاله يحيى بن سلام
قوله تعالى بأيدي سفرة فيهم قولان
أحدهما أنهم الملائكة قاله الجمهور
والثاني أصحاب محمد صلى الله عليه و سلم قاله وهب بن منبه وفي معنى سفرة ثلاثة أقوال
أحدها أنهم الكتبة قاله ابن عباس ومجاهد وأبو عبيدة وابن قتيبة والزجاج قال الزجاج واحدهم سافر وسفرة مثل كاتب وكتبة وكافر وكفرة وإنما قيل للكتاب سفر وللكاتب سافر لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه يقال أسفر الصبح إذا أضاء وسفرت المرأة إذا كشفت النقاب عن وجهها ومنه سفرت بين القوم أي كشفت ما في قلب هذ1 وقلب هذا لأصلح بينهم
والثاني أنهم القراء قاله قتادة

والثالث أنهم السفراء وهم المصلحون قال الفراء تقول العرب سفرت بين القوم أي أصلحت بينهم فجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله كالسفير الذي يصلح بين القوم قال الشاعر
... وما أدع السفارة بين قومي ... وما أمشي بغش إن مشيت ...
قوله تعالى كرام أي على ربهم برزة أي مطيعين قال الفراء واحد البررة في قياس العربية بار لأن العرب لا تقول فعلة ينوون به الجمع إلا والواحد منه فاعل مثل كافر وكفرة وفاجر وفجرة
قتل الإنسان ما أكفره من أي شيء خلقه من نطفة خلقه فقدره ثم السبيل يسره ثم أماته فأقبره ثم إذا شاء أنشره كلا لما يقض ما أمره فلينظر الإنسان الى طعامه أنا صببنا الماء صبا ثم شققنا الأرض شقا فأنبتنا فيها حبا وعنبا وقضبا وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا وفاكهة وأبا متاعا لكم ولأنعامكم
قوله تعالى قتل الإنسان أي لعن والمراد بالإنسان هاهنا الكافر وفيمن عنى بهذا القول ثلاثة أقوال
أحدها أنه أشار الى كل كافر قاله مجاهد والثاني أنه أمية بن خلف قاله الضحاك والثالث عتبة بن أبي لهب قاله مقاتل
وفي قوله تعالى ما أكفره ثلاثة أقوال
أحدها ما أشد كفره قاله ابن جريج

والثاني أي شيء أكفره قاله السدي فعلى هذا يكون استفهام توبيخ
الثالث أنه على وجه التعجب وهذا التعجب يؤمر به الآدميون والمعنى اعجبوا أنتم من كفره قاله الزجاج
قوله تعالى من أي شيء خلقه ثم فسره فقال تعالى من نطفة خلقه وفي معنى فقدره ثلاثة أقوال
أحدها قدر أعضاءه رأسه وعينيه ويديه ورجليه قاله ابن السائب
والثاني قدره أطوارا نطفة ثم علقه الى آخر خلقه قاله مقاتل
والثالث فقدره على الإستواء قاله الزجاج
ثم السبيل يسره فيه قولان
أحدهما سهل له العلم بطريق الحق والباطل قاله الحسن ومجاهد قال الفراء والمعنى ثم يسره للسبيل
والثاني يسر له السبيل في خروجه من بطن أمه قاله السدي ومقاتل
قوله تعالى فأقبره قال الفراء أي جعله مقبورا ولم يجعله ممن يلقى للسباع والطير فكأن القبر مما أكرم به المسلم ولم يقل قبره لأن القابر هو الدافن بيده
والمقبر الله لأنه صيره مقبورا فليس فعله كفعل الآدمي والعرب تقول بترت ذنب البعير والله أبتره وعضبت قرن الثور والله أعضبه وطردت فلانا عني والله أطرده أي صيره طريدا وقال أبو عبيدة أقبره أي أمر أن يقبر وجعل له قبرا قالت بنو تميم لعمر بن هبيرة لما قتل

صالح بن عبد الرحمن أقبرنا صالحا فقال دونكموه والذي يدفن بيده هو القابر قال الأعشى
... لو أسندت ميتأ الى نحرها ... عاش ولم يسلم الى قابر ...
قوله تعالى ثم إذا شاء أنشره أي بعثه يقال أنشر الله الموتى فنشروا ونشر الميت حيي هو بنفسه وواحدهم ناشر قال الأعشى
... حتى يقول الناس مما رأوا ... يا عجبا للميت الناشر ...
قوله تعالى كلا قال الحسن حقا لما يقض ما أمره به ربه ولم يؤد ما فرض عليه ي وهل هذا عام أم خاص فيه قولان
أحدهما أنه عام قال مجاهد لا يقضي أحد أبدا كل ما افترض الله عليه

والثاني أنه خاص للكافر لم يقض ما أمر به من الإيمان والطاعة قاله يحيى بن سلام ولما ذكر خلق ابن آدم ذكر رزقه ليعتبر وليستدل بالنبات على البعث فقال تعالى فلينظر الإنسان الى طعامه قال مقاتل يعني به عتبة بن أبي لهب ومعنى الكلام فلينظر الإنسان كيف خلق الله طعامه الذي جعله سببا لحياته ثم بين فقال تعالى أنا قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر إنا بالكسر وقرأ عاصم وحمزة والكسائي أنا صببنا بفتح الهمزة في الوصل وفي الإبتداء ووافقهم رويس على فتحها في الوصل فإذا ابتدأ كسر قال الزجاج من كسر إنا فعلى الإبتداء والإستئناف ومن فتح فعلى البدل من الطعام المعنى فلينظر الإنسان أنا صببنا قال المفسرون أراد بصب الماء المطر ثم شققنا الأرض بالنبات شقا فأنبتنا فيها حبا يعني به جميع الحبوب التي يتغذى بها وعنبا وقضبا قال الفراء هو الرطبة وأهل مكة يسمون القت القضب قال ابن قتيبة ويقال انه سمي بذلك لأنه يقضب مرة بعد مرة أي يقطع وكذلك القصيل لأنه يقصل أي يقطع
قوله تعالى وزيتونا ونخلا وحدائق غلبا قال الفراء كل بستان كان عليه حائط فهو حديقة وما لم يكن عليه حائط لم يقل حديقة والغلب ما غلظ من النخل قال أبو عبيدة يقال شجرة غلباء إذا كانت غليظة وقال ابن قتيبة الغلب الغلاظ الأعناق وقال الزجاج هي المتكاثفة العظام

قوله تعالى وفاكهة يعني ألوان الفاكهة وأبأ فيه قولان
أحدهما أنه ما ترعاه البهائم قاله ابن عباس وعكرمة واللغويون وقال الزجاج هو جميع الكلأ التي تعتلفه الماشية
والثاني أنه الثمار الرطبة رواه الوالبي عن ابن عباس
متاعا لكم ولأنعامكم قد بيناه في السورة التي قبلها النازعات 33
فإذا جاءت الصاخة يوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه لكل امرىء منهم يؤمنذ شأن يغنيه وجوه يومئذ مسفرة ضاحكة مستبشرة ووجوه يومئذ عليها غبرة ترهقها قترة أولئك هم الكفرة الفجرة
قوله تعالى فإذا جاءت الصاخة وهي الصيحة الثانية قال ابن قتيبة الصاخة تصخ صخا أي تصم يقال رجل أصخ وأصلخ إذا كان

لا يسمع والداهية صاخة ايضا وقال الزجاج هي الصيحة التي تكون عليها القيامة تصخ الأسماع أي تصمها فلا تسمع إلا ما تدعي به لإحيائها ثم فسر في أي وقت تجيء فقال تعالى يوم يفر المرء من أخيه قال المفسرون المعنى لا يلتفت الإنسان إلى أحد من أقاربه لعظم ما هو فيه قال الحسن أول من يفر من أخيه هابيل ومن أمه وأبيه إبراهيم ومن صاحبته نوح ولوط ومن ابنه نوح وقال قتادة يفر هابيل من قابيل والنبي صلى الله عليه و سلم من أمه وإبراهيم من أبيه ولوط من صاحبته ونوح من ابنه
قوله تعالى لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه قال الفراء أي يشغله عن قرابته وقال ابن قتيبة أي يصرفه ويصده عن قرابته يقال اغن عني وجهك أي اصرفه واغن عني السفيه وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والزهري وأبو العالية وابن السميفع وابن محيصن وابن أبي عبلة يعنيه بفتح الياء و العين غير معجمة قال الزجاج معنى الآية له شأن لايقدر مع الاهتمام به على الاهتمام بغيره وكذلك قراءة من قرأ يغنيه بالغين معناه له شأن لا يهمه معه غيره

وقد روى أنس بن مالك قال قالت عائشة للنبي صلى الله عليه و سلم أنحشر عراة قال نعم قالت واسوءتاه فأنزل الله تعالى لكل امرىء منهم يومئذ شأن يغنيه
قوله تعالى وجوه يومئذ مسفرة أي مضيئة قد علمت ما لها من الخير ضاحكة لسرورها مستبشرة أي فرحة بما نالها من كرامة الله عز و جل ووجوه يومئذ عليها غبرة أي غبار وقال مقاتل أي سواد وكآبة ترهقها أي تغشاها قترة أي ظلمة وقال الزجاج يعلوها سواد كالدخان ثم بين من أهل هذه الحال فقال تعالى أولئك هم الكفرة الفجرة وهوجمع كافر وفاجر

سورة التكوير
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا الشمس كورت وإذا النجوم انكدرت وإذا الجبال سيرت وإذا العشار عطلت وإذا الوحوش حشرت وإذا البحار سجرت وإذا النفوس زوجت وإذا الموؤدة سئلت بأي ذنب قتلت وإذا الصحف نشرت وإذا السماء كشطت وإذا الجحيم سعرت وإذا الجنة أزلفت علمت نفس ما أحضرت
روى ابو عبدالله الحاكم في صحيحه من حديث عبدالله بن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من أحب أن ينظر الى يوم القيامة فليقرأ قوله تعالى إذا الشمس كورت
وفي قوله تعالى كورت أربعة أقوال

أحدها أظلمت رواه الوالبي عن ابن عباس وكذلك قال الفراء ذهب ضوؤها وهذا قول قتادة ومقاتل
والثاني ذهبت رواه عطية عن ابن عباس وكذلك قال مجاهد اضمحلت
والثالث غورت روي عن ابن عباس وسعيد بن جبير وابن الأنباري وهذا من قول الناس بالفارسية كوربكرد وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال هو بالفارسية كوربور
والرابع أنها تكور مثل تكوير العمامة فتلف وتمحى قاله أبو عبيدة
قال الزجاج ومعنى كورت جمع ضوؤها ولفت كما تلف العمامة ويقال كورت العمامة على رأسي أكورها إذا لففتها قال المفسرون تجمع الشمس بعضها الى بعض ثم تلف ويرمى بها في البحر وقيل في النار وقيل تعاد الى ما خلقت منه
قوله تعالى وإذا النجوم انكدرت أي تناثرت وتهافتت يقال انكدر الطائر في الهواء إذا انقض وإذا الجبال سيرت عن وجه الأرض فاستوت مع الأرض وإذا العشار عطلت قال المفسرون وأهل اللغة العشار النوق الحوامل وهي التي أتى عليها في الحمل عشرة أشهر فقيل لها العشار لذلك وذلك الوقت أحسن زمان حملها وهي تضع إذاوضعت لتمام في سنة فهي أنفس ما للعرب عندهم فلا يعطلونها إلا لإتيان ما يشغلهم عنها وإنما

خوطبت العرب بأمر العشار لأن أكثر عيشهم ومالهم من الإبل ومعنى عطلت سيبت وأهملت لإشتغالهم عنها بأهوال القيامة
قوله تعالى وإذا الوحوش يعني دواب البحر حشرت وفيه قولان
أحدهما ماتت قاله ابن عباس
والثاني جمعت الى القيامة قاله السدي وقد زدنا هذا شرحا في الأنعام 111
قوله تعالى وإذا البحار سجرت قرأ ابن كثير وأبو عمرو سجرت بتخفيف الجيم وقرأ الباقون بتشديدها
وفي المعنى ثلاثة أقوال
أحدها أوقدت فاشتعلت نارا قاله علي وابن عباس
والثاني يبست قاله الحسن
والثالث ملئت بأن صارت بحرا واحدا وكثر ماؤها قاله ابن السائب والفراء وابن قتيبة
قوله تعالى وإذا النفوس زوجت فيه ثلاثة أقوال
أحدها قرنت بأشكالها قاله عمر رضي الله عنه الصالح مع الصالح في الجنة والفاجر مع الفاجر في النار وهذا قول الحسن وقتادة
والثاني ردت الأرواح الى الأجساد فزوجت بها قاله الشعبي وعن عكرمة كالقولين
والثالث زوجت أنفس المؤمنين بالحور العين وأنفس الكافرين بالشياطين قاله عطاء ومقاتل

قوله تعالى وإذا الموؤودة سئلت قال اللغويون الموؤودة البنت تدفن وهي حية وكان هذا من فعل الجاهلية ويقال وأد ولده أي دفنه حيا قال الفرزدق
... ومنا الذي منع الوائدا ... ت فأحيا الوئيد ولم يوأد ...
يعني صعصعة بن صوحان وهو جد الفرزدق قال الزجاج ومعنى سؤالها تبكيت قاتليها في القيامة لأن جوابها قتلت بغير ذنب ومثل هذا التبكيت قوله تعالى أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين المائدة 116
وقرأ علي بن أبي طالب وابن مسعود وابن عباس وأبو عبد الرحمن وابن يعمر وابن أبي عبلة وهارون عن أبي عمرو سألت بفتح السين وألف بعدها بأي ذنب قتلت بإسكان اللام وضم التاء الأخيرة وسؤالها هذا أيضا تبكيت لقاتليها قال ابن عباس كانت المرأة في الجاهلية إذا حملت فكان أوان ولادها حفرت حفيرة فتمخضت على رأس الحفيرة فإن ولدت جارية رمت بها في الحفيرة وان ولدت غلاما حبسته
قوله تعالى وإذا الصحف نشرت قرأ نافع وعاصم وأبو جعفر وابن عامر ويعقوب نشرت بالتخفيف والباقون بالتشديد والمراد بالصحف صحائف أعمال بني آدم تنشر للحساب وإذا السماء كشطت قال الفراء نزعت فطويت وفي قراءة عبد الله قشطت بالقاف وهكذا تقوله قيس وتميم وأسد بالقاف وأما قريش فتقوله بالكاف والمعنى واحد

والعرب تقول القافور والكافور والقسط والكسط وإذا تقارب الحرفان في المخرج تعاقبا في اللغات كما يقال حدث وحدت قال ابن قتيبة كشطت كما يكشط الغطاء عن الشيء فطويت وقال الزجاج قلعت كما يقلع السقف و سعرت أوقدت وقرأ نافع وابن عامر وحفص عن عاصم سعرت مشددة قال الزجاج المعنى واحد إلا أن معنى المشدد أوقدت مرة بعد مرة و أزلفت قربت من المتقين وجواب هذه الأشياء علمت نفس ما أحضرت أي إذا كانت هذا الأشياء علمت في ذلك الوقت كل نفس ما أحضرت من عمل فأثيبت على قدر عملها وروي عن عمر بن الخطاب أنه قال في قوله تعالى علمت نفس ما أحضرت لهذا جرى الحديث وقال ابن عباس من أول السورة الى هاهنا اثنتا عشرة خصلة ستة في الدنيا وستة في الآخرة
فلا أقسم بالخنس الجوار الكنس والليل إذا عسعس والصبح إذا تنفس إنه لقول رسول كريم ذي قوة عند ذي العرش مكين مطاع ثم أمين وما صاحبكم بمجنون ولقد رآه بالأفق المبين وما هو على الغيب بضنين وما هو بقول شيطان رجيم فأين تذهبون إن هو إلا ذكر للعالمين لمن شاء منكم أن يستقيم وما تشاؤون إلا أن يشاء رب العالمين
قوله تعالى فلا أقسم لا زائدة والمعنى أقسم بالخنس وفيها خمسة أقوال

أحدها أنها خمسة أنجم تخنس بالنهار فلا ترى وهي زحل وعطارد والمشتري والمريخ والزهرة قاله علي وبه قال مقاتل وابن قتيبة وقيل اسم المشتري البرجس واسم المريخ بهرام
والثاني أنها النجوم قاله الحسن وقتادة على الإطلاق وبه قال أبو عبيدة
والثالث أنها بقر الوحش قاله ابن مسعود
والرابع الظباء رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير
والخامس الملائكة حكاه الماوردي والأكثرون على أنها النجوم
قال ابن قتيبة وإنما سماها خنسا لأنها تسير في البروج والمنازل كسير الشمس والقمر ثم تخنس أي ترجع بينا يرى أحدها في آخر البروج كر راجعا الى أوله وسماها كنسا لأنها تكنس أي تسير كما تكنس الظباء وقال الزجاج تخنس أي تغيب وكذلك تكنس أي تغيب في المواضع التي تغيب فيها وإذا كان المراد الظباء فهو يدخل الكناس وهو الغصن من أغصان الشجر ووقف يعقوب على الجواري بالياء
قوله تعالى والليل إذا عسعس فيه قولان
أحدهما ولى قاله ابن عباس وابن زيد والفراء
والثاني أقبل قاله ابن جبير وقتادة قال الزجاج يقال عسعس الليل إذا أقبل وعسعس إذا أدبر واستدل من قال إن المراد إدباره

بقوله تعالى والصبح إذا تنفس وأنشد أبو عبيدة لعلقمة بن قرط
... حتى إذا الصبح لها تنفسا ... وإنجاب عنها ليلها وعسعسا ...
وفي قوله تعالى تنفس قولان
أحدهما أنه طلوع الفجر قاله علي وقتادة
والثاني طلوع الشمس قاله الضحاك قال الزجاج معناه إذا امتد حتى يصير نهارا بينا وجواب القسم في قوله فلا أقسم بالخنس وما بعده قوله إنه لقول رسول كريم يعني ان القرآن نزل به جبريل وقد بينا هذا في الحاقة 40 ثم وصف جبريل بقوله تعالى ذي قوة وهو كقوله تعالى ذو مرة وقد شرحناه في النجم آية 6 ذي قوة عند ذي العرش مكين يعني في المنزلة مطاع ثم أمين أي في السموات تطيعه الملائكة فمن طاعة الملائكة له أنه أمر خازن الجنة ليلة المعراج حتى فتحها لمحمد صلى الله عليه و سلم فدخلها ورأى ما فيها وأمر خازن جهنم ففتح له عنها حتى نظر اليها وقرأ أبي بن كعب وابن مسعود وأبو حيوة ثم بضم الثاء ومعنى أمين على وحي الله ورسالاته قال أبو صالح أمين على أن يدخل سبعين سرادقا من نور بغير إذن
قوله تعالى وما صاحبكم بمجنون يعني محمدا ثلى الله عليه وسلم والخطاب لأهل مكة قال الزجاج وهذا أيضا من جواب القسم وذلك أنه أقسم أن القرآن نزل به جبريل وأن محمدا ليس بمجنون كما يقول أهل مكة

قوله تعالى ولقد رآه بالأفق المبين قال المفسرون رأى محمد صلى الله عليه و سلم جبريل على صورته بالأفق وقد ذكرنا هذا في سورة النجم 7
قوله تعالى وما هو يعني محمدا صلى الله عليه و سلم على الغيب أي على خبر السماء الغائب عن أهل الأرض بضنين قرأ ابن كثير وأبو عمرو والكسائي ورويس بظنين بالظاء وقرأ الباقون بالضاد وقال ابن قتيبة من قرأ بالظاء فالمعنى ما هو بمتهم على ما يخبر به عن الله ومن قرأ بالضاد فالمعنى ليس ببخيل عليكم بعلم ما غاب عنكم مما ينفعكم وقال غيره ما يكتمه كما يكتم الكاهن ليأخذ الأجر عليه
قوله تعالى وما هو يعني القرآن بقول شيطان رجيم قال مقاتل وذلك أن كفار مكة قالوا إنما يجيء به الشيطان فيلقيه على لسان محمد
قوله تعالى فأين تذهبون قال الزجاج معناه فأي طريق تسلكون أبين من هذه الطريقة التي قد بينت لكم إن هو أي ما هو يعني القرآن إلا ذكر للعالمين أي موعظة للخلق أجمعين لمن شاء منكم أن يستقيم على الحق والإيمان والمعنى أن القرآن إنما يتعظ به من استقام على الحق وقد بينا سبيل الإستقامة فمن شاء أخذ في تلك السبيل ثم أعلمهم أن المشيئة في التوفيق إليه بما بعد هذا وقد بينا هذا في سورة الإنسان 30 قال أبو هريرة لما نزلت لمن شاء منكم أن يستقيم قالوا الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فنزل قوله تعالى وما تشاؤون إلا أن يشاء الله رب العالمين وقيل القائل لذلك أبو جهل وقرأ أبو بكر الصديق وأبو المتوكل وأبو عمران وما يشاؤون بالياء

فصل
وقد زعم بعض ناقلي التفسير أن قوله تعالى لمن شاء منكم أن يستقيم وقوله تعالى في عبس 12 فمن شاء ذكره وقوله تعالى في سورة الإنسان 29 وفي سورة المزمل 18 فمن شاء اتخذ الى ربه سبيلا كله منسوخ بقوله تعالى وما تشاؤون إلا أن يشاء الله ولا أرى هذا القول صحيحا لأنه لو جاز وقوع مشيئتهم مع عدم مشيئته توجه النسخ فأما إذ أخبر أن مشيئتهم لا تقع إلا بعد مشيئته فليس للنسخ وجه

سورة الإنفطار وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا السماء انفطرت وإذا الكواكب انتثرت وإذا البحار فجرت وإذا القبور بعثرت علمت نفس ما قدمت وأخرت يا أيها الإنسان ما غرك بربك الكريم الذي خلقك فسواك فعدلك في أي صورة ما شاء ركبك كلا بل تكذبون بالدين وإن عليكم لحافظين كراما كاتبين يعلمون ما تفعلون إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم يصلونها يوم الدين وما هم عنها بغائبين وما أدرك ما يوم الدين ثم ما أدراك ما يوم الدين يوم لا تملك نفس لنفس شيئا يومئذ لله
قوله تعالى إذا السماء انفطرت انفطارها انشقاقها و انتثرت بمعنى تساقطت وفجرت بمعنى فتح بعضها في بعض فصارت بحرا واحدا
وقال الحسن ذهب ماؤها وبعثرت بمعنى أثيرت قال ابن قتيبة قلبت فأخرج ما فيها يقال بعثرت المتاع وبحثرته إذا جعلت أسفله أعلاه

قوله تعالى علمت نفس ما قدمت وأخرت هذا جواب الكلام وقد شرحناه في قوله تعالى ينبأ الإنسان يومئذ بما قدم وأخر القيامة 13
قوله تعالى يا أيها الإنسان فيه أربعة أقوال
أحدها أنه عني به أبو الأشدين وكان كافرا قاله ابن عباس ومقاتل وقد ذكرنا اسمه في المدثر 30
والثاني أنه الوليد بن المغيرة قاله عطاء
والثالث أبي بن خلف قاله عكرمة
والرابع أنه أشار الى كل كافر ذكره الماوردي
قوله تعالى ما غرك قال الزجاج أي ما خدعك وسول لك حتى أضعت ما وجب عليك وقال غيره المعنى ما الذي أمنك من عقابه وهو كريم متجاوز إذ لم يعاقبك عاجلا وقيل للفضيل بن عياض لو أقامك الله سبحانه يوم القيامة وقال ما غرك بربك الكريم ماذا كنت تقول قال أقول غرني ستورك المرخاة وقال يحيى بن معاذ لو قال لي ما غرك بي قلت برك سالفا وآنفا قيل لما ذكر الصفة التي هي الكرم هاهنا دون سائر صفاته كان كأنه لقن عبده الجواب ليقول غرني كرم الكريم
قوله تعالى الذي خلقك ولم تك شيئا فسواك إنسانا تسمع وتبصر

فعدلك قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر فعدلك بالتشديد وقرأ عاصم وحمزة والكسائي فعدلك بالتخفيف قال الفراء من قرأ بالتخفيف فوجهه والله أعلم فصورك الى أي صورة شاء إما حسن وإما قبيح وإما طويل وإما قصير وقيل في صورة أب في صورة عم في صورة بعض القرابات تشبيها ومن قرأ بالتشديد فإنه أراد والله أعلم جعلك معتدلا معدل الخلقة وقال غيره عدل أعضاءك فلم تفضل يد على يد ولا رجل على رجل وعدل بك أن يجعلك حيوانا بهيما
قوله تعالى في أي صورة ما شاء ركبك قال الزجاج يجوز أن تكون ما زائدة ويجوز أن تكون بمعنى الشرط والجزاء فيكون المعنى في أي صورة ما شاء أن يركبك فيها ركبك وفي معنى الآية أربعة أقوال
أحدها في أي صورة من صور القرابات ركبك وهو معنى قول مجاهد
والثاني في أي صورة من حسن أو قبح أو طول أو قصر أو ذكر أو أنثى وهو معنى قول الفراء
والثالث إن شاء أن يركبك في غير صورة الإنسان ركبك قاله مقاتل وقال عكرمة إن شاء في صورة قرد وإن شاء في صورة خنزير
والرابع إن شاء في صورة إنسان بأفعال الخير وإن شاء في صورة حمار بالبلادة والبلة وإن شاء في صورة كلب بالبخل أو خنزير بالشره ذكره الثعلبي
قوله تعالى بل تكذبون بالدين وقرأ أبو جعفر بالياء أي بالجزاء والحساب تزعمون أنه غير كائن ثم أعلمهم أن أعمالهم محفوظة فقال

تعالى وإن عليكم لحافظين أي من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم كراما على ربهم كاتبين يكتبون أعمالكم يعلمون ما تفعلون من خير وشر فيكتبونه عليكم
قوله تعالى إن الأبرار لفي نعيم وذلك في الآخرة إذا دخلوا الجنة وإن الفجار وفيهم قولان
أحدهما أنهم المشركون
والثاني الظلمة ونقل عن سليمان بن عبد الملك أنه قال لأبي حازم يا ليت شعري ما لنا عند الله فقال له اعرض عملك على كتاب الله فإنك تعلم ما لك عنده فقال وأين أجده قال عند قوله تعالى إن الأبرار لفي نعيم وإن الفجار لفي جحيم قال سليمان فأين رحمة الله قال قريب من المحسنين
قوله تعالى يصلونها يعني يدخلون الجحيم مقاسين حرها يوم الدين أي يوم الجزاء على الأعمال وما هم عنها أي عن الجحيم بغائبين وهذا يدل على تخليد الكفار وأجاز بعض العلماء أن تكون عنها كناية عن القيامة فتكون فائدة الكلام تحقيق البعث ويشتمل هذا على الأبرار والفجار ثم عظم ذلك اليوم بقوله تعالى وما أدراك ما يوم الدين ثم كرر ذلك تفخيما لشأنه وكان ابن السائب يقول الخطاب بهذا للإنسان الكافر لا لرسول الله صلى الله عليه و سلم
قوله تعالى يوم لا تملك نفس لنفس قرأ ابن كثير وأبو عمرو يوم

بالرفع والباقون بالفتح قال الزجاج من رفع اليوم فعلى أنه صفة لقوله تعالى يوم الدين ويجوز أن يكون رفعه بإضمار هو ونصبه على معنى هذه الأشياء المذكورة تكون يوم لا تملك نفس لنفس شيئا قال المفسرون ومعنى الآية أنه لا يملك الأمر أحد إلا الله ولم يملك أحدا من الخلق شيئا كما ملكهم في الدنيا وكان مقاتل يقول لا تملك نفس لنفس كافرة شيئا من المنفعة والقول على الإطلاق أصح لأن مقاتلا فيما أحسب خاف نفي شفاعة المؤمنين والشفاعة إنما تكون عن أمر الله وتمليكه

سورة المطففين
وفيها ثلاثة أقوال
أحدها أنها مكية قاله ابن مسعود والضحاك ويحيى بن سلام
والثاني مدنية قاله ابن عباس والحسن وعكرمة وقتادة ومقاتل إلا أن ابن عباس وقتادة قالا فيها ثمان آيات مكية من قوله تعالى إن الذين أجرموا المطففين 29 الى آخرها وقال مقاتل فيها آية مكية وهي قوله تعالى إذا تتلى عليه قال أساطير الأولين المطففين 13
والثالث أنها نزلت بين مكة والمدينة قاله جابر بن زيد وابن السائب وذكر هبة الله ابن سلامة المفسر انها نزلت في الهجرة بين مكة والمدينة نصفها يقارب مكة ونصفها يقارب المدينة
بسم الله الرحمن الرحيم
ويل للمطففين الذين إذا اكتالوا على الناس يستوفون وإذا كالوهم أو وزنوهم يخسرون ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون ليوم عظيم يوم يقوم الناس لرب العالمين قوله تعالى ويل للمطففين قال ابن عباس لما قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم

المدينة كانوا من أخبث الناس كيلا فأنزل الله تعالى ويل للمطففين فأحسنوا الكيل بعد ذلك وقال السدي قدم رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة وبها رجل يقال له أبو جهينة ومعه صاعان يكيل بأحدهما ويكتال بالآخر فأنزل الله هذه الآية وقد شرحنا معنى الويل في البقرة 79 وقال ابن قتيبة المطفف الذي لا يوفي الكيل يقال إناء طفان إذا لم يكن مملوءا وقال الزجاج إنما قيل مطفف لأنه لا يكاد يسرق في الميزان والمكيال إلا الشيء الطفيف وإنما أخذ من طف الشيء وهو جانبه
قوله تعالى الذين إذا اكتالوا على الناس أي من الناس ف على بمعنى من في قول المفسرين واللغويين قال الفراء على و من يعتقبان في هذا الموضع لأنك إذا قلت اكتلت عليك فكأنك قلت أخذت ما عليك كيلا وإذا قلت اكتلت منك فهو كقولك استوفيت منك كيلا قال الزجاج المعنى إذا اكتالوا من الناس استوفوا عليهم الكيل وكذلك إذا اتزنوا ولم يذكر إذا اتزنوا لأن الكيل والوزن بهما الشراء والبيع فيما يكال ويوزن فأحدهما يدل على الآخر وإذا كالوهم أي كالوا لهم أو وزنوهم أي وزنوا لهم يخسرون أي ينقصون في الكيل والوزن فعلى هذا لا يجوز أن يقف على كالوا ومن الناس من يجعل هم توكيدا لما كالوا ويجوز أن يقف على كالوا والاختيار الأول قال الفراء سمعت أعرابية تقول

إذا صدر الناس أتينا التاجر فيكليلنا المد والمدين الى الموسم المقبل
قوله تعالى ألا يظن أولئك أنهم مبعوثون قال الزجاج المعنى لو ظنوا أنهم يبعثون ما نقصوا في الكيل والوزن ليوم عظيم يعني به يوم القيامة يوم يقوم الناس منصوب بقوله تعالى مبعوثون قال المفسرون والظن هاهنا بمعنى العلم واليقين ومعنى يقوم الناس أي من قبورهم لرب العالمين أي لأمره أو لجزائه وحسابه وقيل يقومون بين يديه لفصل القضاء وفي الصحيحين من حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال في هذه الآية يقوم أحدهم في رشحه الى أنصاف أذنيه وقال كعب يقفون ثلاثمائة عام قال مقاتل وذلك إذا خرجوا من قبورهم
كلا إن كتاب الفجار لفي سجين وما أدرك ما سجين كتاب مرقوم ويل يومئذ للمكذبين الذين يكذبون بيوم الدين وما يكذب به إلا كل معتد أثيم إذا تتلى عليه آياتنا قال أساطير الأولين كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ثم إنهم لصالوا الجحيم ثم يقال هذا الذي كنتم به تكذبون كلا إن كتاب الأبرار لفي عليين وما أدرئك ما عليون كتاب مرقوم يشهده المقربون إن الأبرار لفي نعيم على الأرائك ينظرون تعرف في وجوههم نضرة النعيم يسقون من رحيق مختوم ختامه مسك وفي ذلك فليتنافس المتنافسون ومزاجه من تسنيم عينا يشرب بها المقربون

قوله تعالى كلا ردع وزجر أي ليس الأمر على ما هم عليه فليرتدعوا وهاهنا تم الكلام عند كثير من العلماء وكان أبو حاتم يقول كلا ابتداء يتصل بما بعده على معنى حقا إن كتاب الفجار قال مقاتل إن كتاب أعمالهم لفي سجين وفيها أربعة أقوال
أحدها أنها الأرض السابعة وهذا قول مجاهد وقتادة والضحاك وابن زيد ومقاتل وروي عن مجاهد قال سجين صخرة تحت الأرض السابعة يجعل كتاب الفجار تحتها وهذه علامة لخسارتهم ودلالة على خساسة منزلتهم
والثاني أن المعنى إن كتابهم لفي سفال قاله الحسن
والثالث لفي خسار قاله عكرمة
والرابع لفي حبس فعيل من السجن قاله أبو عبيدة
قوله تعالى وما أدراك ما سجين هذا تعظيم لأمرها وقال الزجاج أي ليس ذلك مما كنت تعلمه أنت ولا قومك
قوله تعالى كتاب مرقوم أي ذلك الكتاب الذي في سجين كتاب

مرقوم أي مكتوب قال ابن قتيبة والرقم الكتاب قال أبو ذؤيب
... عرفت الديار كرقم الدوا ... ة يزبره الكاتب الحميري ...
وأنشده الزجاج يذبرها بالذال المعجمة وكسر الباء قال الأصمعي يقال زبر كتب وذبر قرأ وروى أبو عمرو عن ثعلب عن ابن الأعرابي قال الصواب زبرت بالزاي كتبت وذبرت بالذال أتقنت ما حفظت قال والبيت يزبرها بالزاي والضم وقال ابن قتيبة يروى يزبرها ويذبرها وهو مثله يقال زبر الكتاب يزبره ويزبره وذبره يذبره ويذبره وقال قتادة رقم له بشر كأنه أعلم بعلامة يعرف بها أنه الكافر وقيل المعنى إنه مثبت لهم كالرقم في الثوب لا ينسى ولا يمحى حتى يجازوا به
قوله تعالى ويل يومئذ للمكذبين هذا منتظم بقوله تعالى يوم يقوم الناس وما بينهما كلام معترض وما بعده قد سبق بيانه الى قوله تعالى بل ران على قلوبهم قرأ ابن كثير وأبو عمرو وابن عامر بل ران بفتح الراء مدغمة وقرأ أبو بكر عن عاصم بل ران مدغمة بكسر الراء وقرأ حفص عن عاصم بل بإظهار اللام ران بفتح الراء قال اللغويون أي غلب على قلوبهم يقال الخمرة ترين على عقل السكران قال الزجاج قرئت بإدغام اللام في الراء لقرب ما بين الحرفين وإظهار اللام جائز لأنه من كلمة والرأس من كلمة أخرى ويقال ران على قلبه الذنب يرين رينا إذا

غشي على قلبه ويقال غان يغين غنيا والغين كالغيم الرقيق والرين كالصدأ يغشى على القلب وسمعت شيخنا أبا منصور اللغوي يقول الغين يقال بالراء وبالغين ففي القرآن كلا بل ران وفي الحديث إنه ليغان على قلبي وكذلك الراية تقال بالراء وبالغين والرميصاء تكتب بالغين وبالراء لأن الرمص يكتب بهما قال المفسرون لما كثرت معاصيهم وذنوبهم أحاطت بقلوبهم قال الحسن هو الذنب على الذنب حتى يعمى القلب
قوله تعالى كلا أي لا يصدقون ثم استأنف إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون قال ابن عباس إنهم عن النظر الى ربهم يومئذ لمحجوبون والمؤمن لا يحجب عن رؤيته وقال مالك بن أنس لما حجب أعداءه فلم يروه تجلى لأوليائه حتى رأوه وقال الشافعي لما حجب قوما بالسخط دل على أن قوما يرونه بالرضى وقال الزجاج في هذه الآية دليل على أن الله عز و جل يرى

في القيامة ولولا ذلك ما كان في هذه الآية فائدة ولا خست منزلة الكفار بأنهم يحجبون عن ربهم ثم من بعد حجبهم عن الله يدخلون النار فذلك قوله تعالى ثم إنهم لصالواالجحيم
قوله تعالى ثم يقال أي يقول لهم خزنة النار هذا العذاب الذي كنتم به تكذبون كلا أي لا يؤمن بالعذاب الذي يصلاه ثم أعلم أين محل كتاب الأبرار فقال تعالى لفي عليين وفيها سبعة أقوال
أحدها أنها الجنة رواه عطاء عن ابن عباس
والثاني أنه لوح من زبرجدة خضراء معلق تحت العرش فيه أعمالهم مكتوبة روي عن ابن عباس أيضا
والثالث أنها السماء السابعة وفيها أرواح المؤمنين قاله كعب وهو مذهب مجاهد وابن زيد
والرابع أنها قائمة العرش اليمنى قاله قتادة وقال مقاتل ساق العرش
والخامس أنه سدرة المنتهى قاله الضحاك
والسادس أنه في علو وصعود الى الله عز و جل قاله الحسن وقال الفراء في ارتفاع بعد ارتفاع
والسابع أنه أعلى الأمكنة قاله الزجاج
قوله تعالى وما أدراك ما عليون هذا تعظيم لشأنها
قوله تعالى كتاب مرقوم الكلام فيه كالكلام في الآية التي قبلها

قوله تعالى يشهده المقربون أي يحضر المقربون من الملائكة ذلك المكتوب أو ذلك الكتاب إذا صعد به الى عليين وما بعد هذا قد سبق بيانه الإنفطار 13 الى قوله تعالى ينظرون وفيه قولان
أحدهما الى ما أعطاهم الله من الكرامة
والثاني الى أعدائهم حين يعذبون
قوله تعالى تعرف في وجوههم نضرة النعيم وقرأ أبو جعفر ويعقوب تعرف بضم التاء وفتح الراء نضرة بالرفع قال الفراء بريق النعيم ونداه قال المفسرون إذا رأيتهم عرفت أنهم من أهل النعيم لما ترى من الحسن والنور وفي الرحيق ثلاثة أقوال
أحدها أنه الخمر قاله الجمهور ثم اختلفوا أي الخمر هي على أربعة أقوال أحدها أجود الخمر قاله الخليل بن أحمد والثانية الخالصة من الغش قاله الأخفش والثالث الخمر البيضاء قاله مقاتل والرابع الخمر العتيقة حكاه ابن قتيبة
والقول الثاني أنه عين في الجنة مشوبة بالمسك قاله الحسن
والثالث أنه الشراب الذي لا غش فيه قاله ابن قتيبة والزجاج وفي قوله تعالى مختوم ثلاثة أقوال
أحدها ممزوج قاله ابن مسعود
والثاني مختوم على إنائه والى نحو هذا ذهب مجاهد

والثالث له ختام أي عاقبة ريح وتلك العاقبة هي قوله تعالى ختامه مسك أي عاقبته هذا قول أبي عبيدة
ختامه مسك قرأ ابن كثير وعاصم ونافع وأبو عمرو وابن عامر وحمزة ختامه بكسر الخاء وبفتح التاء وبألف بعدهما مرفوعه الميم وقرأ الكسائي خاتمه بخاء مفتوحة بعدها ألف وبعدها تاء مفتوحة وروى الشيزري خاتمه مثل ذلك إلا أنه يكسر التاء وقرأ أبي بن كعب وعروة وأبو العالية ختمه بفتح الخاء والتاء و بضم الميم من غير ألف
وللمفسرين في قوله تعالى ختامه مسك أربعة أقوال
أحدها خلطه مسك قاله ابن مسعود ومجاهد
والثاني أن ختمه الذي يختم به الإناء مسك قاله ابن عباس
والثالث أن طعمه وريحه مسك قاله علقمة
والرابع أن آخر طعمه مسك قاله سعيد بن جبير والفراء وأبو عبيدة وابن قتيبة والزجاج في آخرين
قوله تعالى وفي ذلك فليتنافس المتنافسون أي فليجدوا في طلبه وليحرصوا عليه بطاعة الله والتنافس كالتشاح على الشيء والتنازع فيه
قوله تعالى ومزاجه من تسنيم فيه قولان

أحدهما أنه اسم عين في الجنة يشربها المقربون صرفا وتمزج لأصحاب اليمين
والثاني أن التسنيم الماء قاله الضحاك قال مقاتل وإنما سمي تسنيما لأنه يتسنم عليه من جنة عدن فينصب عليهم انصبابا فيشربون الخمر من ذلك الماء قال ابن قتيبة يقال ان التسنيم أرفع شراب في الجنة ويقال إنه يمتزج بماء ينزل من تسنيم أي من علو وأصل هذا من سنام البعير ومن تسنيم القبور وهذا أعجب الي لقول المسيب بن علس في وصف امرأة
... كأن بريقتها للمزا ... ج من ثلج تسنيم شيبت عقارا ...
أراد كأن بريقتها عقارا شيبت للمزاج من ثلج تسنيم يريد جبلا قال الزجاج المعنى ومزاجه من تسنيم عينا تأتيهم من تسنيم أي من علو يتسنم عليهم من الغرف ف عينا في هذا القول منصوبة كما قال تعالى أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما البلد 15 ويجوز أن تكون عينا منصوبة بقوله يسقون عينا أي من عين وقد بينا معنى يشرب بها في هل أتى 6
إن الذين أجرموا كانوا من الذين آمنوا يضحكون وإذا مروا بهم يتغامزون وإذا انقلبوا الى أهلهم انقلبوا فكهين وإذا رأوهم قالوا إن هؤلاء لضالون وما أرسلوا عليهم حافظين فاليوم الذين آمنوا من الكفار يضحكون على الأرائك ينظرون هل ثوب الكفار ما كانوا يفعلون
قوله تعالى إن الذين أجرموا أي أشركوا كانوا من الذين آمنوا يعني أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم مثل عمار وبلال وخباب وغيرهم يضحكون

على وجه الإستهزاء بهم وإذا مروا يعني المؤمنين بهم أي بالكفار يتغامزون أي يشيرون بالجفن والحاجب استهزاء بهم وإذا انقلبوا يعني الكفار الى أهلهم انقلبوا فكهين أي متعجبين بما هم فيه يتفكهون بذكرهم وقرأ أبو جعفر وحفص عن عاصم وعبد الرزاق عن ابن عامر فكهين بغير ألف وقد شرحنا معنى القراءتين في يس 55 وإذا رأوهم أي رأوا أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم قالوا إن هؤلاء لضالون يقول الله تعالى وما أرسلوا يعني الكفار عليهم أي على المؤمنين حافظين يحفظون أعمالهم عليهم أي لم يوكلوا بحفظ أعمالهم فاليوم يعني في الآخرة الذين آمنوا من الكفار يضحكون إذا رأوهم يعذبون في النار قال أبو صالح يقال لأهل النار وهم فيها اخرجوا وتفتح لهم أبوابها فإذا أقبلوا يريدون الخروج غلقت أبوابها دونهم والمؤمنون على الأرآئك ينظرون الى عذاب عدوهم قال مقاتل لكل رجل من أهل الجنة ثلمة ينظرون الى أعداء الله كيف يعذبون فيحمدون الله على ما أكرمهم به فهم يكلمون أهل النار ويكلمونهم الى أن تطبق النار على أهلها فتسد حينئذ الكوى
قوله تعالى هل ثوب الكفار وقرأ حمزة والكسائي وهارون عن أبي عمرو هل ثوب بإدغام اللام أي هل جوزوا وأثيبوا على استهزائهم بالمؤمنين في الدنيا وهذا الإستفهام بمعنى التقرير

سورة الإنشقاق
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا السماء انشقت وأذنت لربها وحقت وإذا الأرض مدت وألقت ما فيها وتخلت وأذنت لربها وحقت يا أيها الإنسان إنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيرا وينقلب الى أهله مسرورا وأما من أوتي كتابه وراء ظهره فسوف يدعوا ثبورا ويصلى سعيرا إنه كان في أهله مسرورا إنه ظن أن لن يحور
قوله تعالى إذا السماء انشقت قال المفسرون انشقاقها من علامات الساعة وقد ذكر ذلك في مواضع من القرآن الفرقان 225 الرحمن 37 الحاقة 16 وأذنت لربها أي استمعت وأطاعت في الإنشقاق من الأذن وهو الإستماع للشيء والإصغاء اليه وأنشدوا
... صم إذا سمعوا خيرا ذكرت به ... فإن ذكرت بسوء عندهم أذنوا

وحقت أي حق لها أن تطيع ربها الذي خلقها وإذا الأرض مدت قال ابن عباس تمد مد الأديم ويزاد في سعتها وقال مقاتل لا يبقى جبل ولا بناء إلا دخل فيها
قوله تعالى وألقت ما فيها من الموتى والكنوز وتخلت أي خلت من ذلك فلم يبق في باطنها شيء واختلفوا في جواب هذه الأشياء المذكورات على أربعة أقوال
أحدها أنه متروك لأن المعنى معروف قد تردد في القرآن
والثاني أنه يا أيها الإنسان كقول القائل إذا كان كذا وكذا فيا أيها الناس ترون ما عملتم فيجعل يا أيها الإنسان هو الجواب وتضمر فيه الفاء كأن المعنى يرى الثواب والعقاب إذا السماء انشقت وذكر القولين الفراء
والثالث أن في الكلام تقديما وتأخيرا تقديره يا أيها الإنسان إنك كادح الى ربك كدحا فملاقيه إذا السماء انشقت قاله المبرد
والرابع أن الجواب مدلول عليه بقوله تعالى فملاقيه فالمعنى إذا كان يوم القيامة لقي الإنسان عمله قاله الزجاج
قوله تعالى إنك كادح الى ربك كدحا فيه قولان
أحدهما إنك عامل لربك عملا قاله ابن عباس
والثاني ساع الى ربك سعيا قاله مقاتل قال الزجاج و الكدح في اللغة السعي والدأب في العمل في باب الدنيا والآخرة قال تميم بن مقبل
... وما الدهر إلا تارتان فمنهما ... أموت أخرى أبتغي العيش أكدح

وفي قوله تعالى الى ربك قولان
أحدهما عامل لربك وقد ذكرناه عن ابن عباس
والثاني الى لقاء ربك قاله ابن قتيبة وفي قوله تعالى فملاقيه قولان أحدهما فملاق عملك والثاني فملاق ربك كما ذكرهما الزجاج
قوله تعالى فسوف يحاسب حسابا يسيرا وهو أن تعرض عليه سيئاته ثم يغفرها الله له وفي الصحيحين من حديث عائشة قالت قال رسول الله صلى الله عليه و سلم من نوقش الحساب هلك فقلت يا رسول الله فإن الله يقول فسوف يحاسب حسابا يسيرا قال ذلك العرض قوله تعالى وينقلب الى أهله يعني في الجنة من الحور العين والآدميات مسرورا بما أوتي من الكرامة وأما من أوتي كتابه وراء ظهره قال المفسرون تغل يده اليمنى الى عنقه وتجعل يده اليسرى وراء ظهره فسوف يدعو ثبورا قال الزجاج يقول يا ويلاه يا ثبوراه وهذا يقوله كل من وقع في هلكة
قوله تعالى ويصلى سعيرا قرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي ويصلى بضم الياء وتشديد اللام وقرأ عاصم وأبو عمرو وحمزة ويصلى بفتح الياء خفيفة إلا أن حمزة والكسائي يميلانها وقد شرحناه في سورة النساء 11

قوله تعالى إنه كان في أهله يعني في الدنيا مسرورا بإتباع هواه وركوب شهواته إنه ظن أن لن يحور أي لن يرجع الى الآخرة ولن يبعث وهذه صفة الكافر قال اللغويون الحور في اللغة الرجوع وأنشدوا للبيد
... وما المرء إلا كالشهاب وضوئه ... يحور رمادا بعد إذ هو ساطع ...
بلى إن ربه كان به بصيرا فلا أقسم بالشفق والليل وما وسق والقمر إذا أتسق لتركبن طبقا عن طبق فما لهم لا يؤمنون وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون بل الذين كفروا يكذبون والله أعلم بما يوعون فبشرهم بعذاب أليم إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم أجر غير ممنون
قوله تعالى بلى قال الفراء المعنى بلى ليحورون ثم استأنف فقال تعالى إن ربه كان به بصيرا قال المفسرون بصيرا على جميع أحواله
قوله تعالى فلا أقسم قد سبق بيانه
فأما الشفق فقال ابن قتيبة هما شفقان الأحمر والأبيض فالأحمر من لدن غروب الشمس الى وقت صلاة العشاء ثم يغيب ويبقى الشفق الأبيض الى نصف الليل
وللمفسرين في المراد بالشفق هاهنا ستة أقوال
أحدها الحمرة التي تبقى في الأفق بعد غروب الشمس وقد روى ابن

عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال الشفق الحمرة وهذا قول عمر وابنه وابن مسعود وعبادة وأبي قتادة وجابر بن عبد الله وابن عباس وأبي هريرة وأنس وابن المسيب وابن جبير وطاووس ومكحول ومالك والأوزاعي وأبي يوسف والشافعي وأبي عبيد وأحمد وإسحاق وابن قتيبة والزجاج قال الفراء سمعت بعض العرب يقول وعليه ثوب مصبوغ كأنه الشفق وكان أحمر
والثاني أنه النهار
والثالث الشمس روي القولان عن مجاهد
والرابع ما بقي من النهار قاله عكرمة
والخامس السواد الذي يكون بعد ذهاب البياض قاله أبو جعفر محمد ابن علي
والسادس أنه البياض قاله عمر بن عبد العزيز
قوله تعالى والليل وما وسق أي وما جمع وضم وأنشدوا
... إن لنا قلائصا حقائقا ... مستوسقات لو يجدن سائقا

قال أبو عبيدة وما وسق ما علا فلم يمنع منه شيء فإذا جلل الليل الجبال والأشجار والبحار والأرض فاجتمعت له فقد وسقها وقال بعضهم معنى ما وسق ما جمع مما كان منتشرا بالنهار في تصرفه الى مأواه
قوله تعالى والقمر إذا اتسق قال الفراء اتساقه اجتماعه واستواؤه ليلة ثلاث عشرة وأربع عشرة الى ست عشرة
قوله تعالى لتركبن طبقا عن طبق قرأ ابن كثير وحمزة والكسائي لتركبن بفتح التاء والباء وفي معناه قولان
أحدهما أنه خطاب لرسول الله صلى الله عليه و سلم ثم في معناه قولان أحدهما لتركبن سماء بعد سماء قاله ابن مسعود والشعبي ومجاهد والثاني لتركبن حالا بعد حال قاله ابن عباس وقال هو نبيكم
والقول الثاني أن الإشارة الى السماء والمعنى أنها تتغير ضروبا من التغيير فتارة كالمهل وتارة كالدهان روي عن ابن مسعود أيضا
وقرأ عاصم ونافع وأبو عمرو وابن عامر لتركبن بفتح التاء وضم الباء وهو خطاب لسائر الناس ومعناه لتركبن حالا بعد حال وقرأ ابن مسعود وأبو الجوزاء وأبو الأشهب ليركبن بالياء ونصب الباء وقرأ أبو المتوكل وأبو عمران وابن يعمر ليركبن والباء وضم الباء و عن بمعنى بعد وهذا قول عامة المفسرين واللغوين وأنشدوا للأقرع بن حابس
... إني امرؤ قد حلبت الدهر أشطره ... وساقني طبق منه الى طبق

ثم في معنى الكلام خمسة أقوال
أحدها أنه الشدائد والأهوال ثم الموت ثم البعث ثم العرض قاله ابن عباس
والثاني أنه الرخاء بعد الشدة والشدة بعد الرخاء والغنى بعد الفقر والفقر بعد الغنى والصحة بعد السقم والسقم بعد الصحة قاله الحسن
والثالث أنه كون الإنسان رضيعا ثم فطيما ثم غلاما شابا ثم شيخا قال عكرمة
والرابع أنه تغير حال الإنسان في الآخرة بعد الدنيا فيرتفع من كان وضيعا ويتضع من كان مرتفعا وهذا مذهب سعيد بن جبير
والخامس أنه ركوب سنن من كان قبلهم من الأولين قاله أبو عبيدة
وكان بعض الحكماء يقول من كان اليوم على حالة وغدا على حالة أخرى فليعلم أن تدبيره الى سواه
قوله تعالى فما لهم يعني كفار مكة لا يؤمنون أي لا يؤمنون بمحمد والقرآن وهو استفهام إنكار وإذا قرىء عليهم القرآن لا يسجدون فيه قولان
أحدهما لا يصلون قاله عطاء وابن السائب

والثاني لا يخضعون له ويستكينون قاله ابن جرير واختاره القاضي أبو يعلى قال وقد احتج بها قوم على وجوب سجود التلاوة وليس فيها دلالة على ذلك وإنما المعنى لا يخشعون ألا ترى أنه أضاف السجود الى جميع القرآن والسجود يختص بمواضع منه
قوله تعالى بل الذين كفروا يكذبون بالقرآن والبعث والجزاء والله أعلم بما يوعون في صدورهم ويضمرون في قلوبهم من التكذيب قال ابن قتيبة يوعون يجتمعون في قلوبهم وقال الزجاج يقال أوعيت المتاع في الوعاء ووعيت العلم
قوله تعالى فبشرهم بعذاب أليم أي أخبرهم بذلك وقال الزجاج اجعل للكفار بدل البشارة للمؤمنين بالجنة والرحمة العذاب الأليم و الممنون عند أهل اللغة المقطوع

سورة البروج
وهي مكية كلها بإجماعهم بسم الله الرحمن الرحيم
والسماء ذات البروج واليوم الموعود وشاهد ومشهود قتل أصحاب الأخدود النار ذات الوقود إذ هم عليها قعود وهم على ما يفعلون بالمؤمنين شهود وما نقموا منهم إلا أن يؤمنوا بالله العزيز الحميد الذي له ملك السموات والأرض والله على كل شيء شهيد إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات ثم لم يتوبوا فلهم عذاب جهنم ولهم عذاب الحريق إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم جنات تجري من تحتها الأنهار ذلك الفوز الكبير إن بطش ربك لشديد إنه هو يبدىء ويعيد وهو الغفور الودود ذو العرش المجيد فعال لما يريد هل أتك حديث الجنود فرعون وثمود بل الذين كفروا في تكذيب والله من ورائهم محيط بل هو قرآن مجيد في لوح محفوظ
قوله تعالى والسماء ذات البروج قد ذكرنا البروج في الحجر 16 واليوم الموعود هو يوم القيامة بإجماعهم وشاهد ومشهود فيه أربعة وعشرون قولا

أحدها أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم عرفة رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وبه قال علي وابن عباس في رواية وابن زيد فعلى هذا سمي يوم الجمعة شاهدا لأنه يشهد على كل عامل بما فيه وسمي يوم عرفة مشهودا لأن الناس يشهدون فيه موسم الحج وتشهده الملائكة
والثاني أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم النحر قاله ابن عمر
والثالث أن الشاهد الله عز و جل والمشهود يوم القيامة رواه الوالبي عن ابن عباس
والرابع أن الشاهد يوم عرفة والمشهود يوم القيامة رواه مجاهد عن ابن عباس
والخامس أن الشاهد محمد صلى الله عليه و سلم والمشهود يوم القيامة رواه يوسف ابن مهران عن ابن عباس وبه قال الحسن بن علي
والسادس أن الشاهد يوم القيامة والمشهود الناس قاله جابر بن عبد الله

والسابع أن الشاهد يوم الجمعة والمشهود يوم القيامة قاله الضحاك
والثامن أن الشاهد يوم التروية والمشهود يوم عرفة قاله سعيد ابن المسيب
والتاسع أن الشاهد هو الله والمشهود بنو آدم قاله سعيد بن جبير
والعاشر أن الشاهد محمد والمشهود يوم عرفة قاله الضحاك
والحادي عشر أن الشاهد آدم عليه السلام والمشهود يوم القيامة رواه ابن أبي نجيح عن مجاهد
والثاني عشر أن الشاهد ابن آدم والمشهود يوم القيامة رواه ليث عن مجاهد وبه قال عكرمة
الثالث عشر أن الشاهد آدم عليه السلام وذريته والمشهود يوم القيامة قاله عطاء بن يسار
والرابع عشر أن الشاهد الإنسان والمشهود الله عز و جل قاله محمد بن كعب
والخامس عشر أن الشاهد يوم النحر والمشهود يوم عرفة قاله إبراهيم
والسادس عشر أن الشاهد عيسى عليه السلام والمشهود أمته قاله أبو مالك ودليله قوله تعالى وكنت عليهم شهيدا المائدة 117
والسابع عشر أن الشاهد محمد صلى الله عليه و سلم والمشهود أمته قاله عبد العزيز بن يحيى وبيانه وجئنا بك على هؤلاء شهيدا النساء 41

الثامن عشر أن الشاهد هذه الأمة والمشهود سائر الناس قاله الحسين بن الفضل ودليله لتكونوا شهداء على الناس البقرة 143
والتاسع عشر أن الشاهد الحفظة والمشهود بنو آدم قاله محمد بن علي الترمذي وحكي عن عكرمة نحوه
والعشرون أن الشاهد الحق والمشهود الكون قاله الجنيد
والحادي والعشرون أن الشاهد الحجر الأسود والمشهود الحاج
والثاني والعشرون أن الشاهد الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمشهود محمد صلى الله عليه و سلم وبيانه وإذ أخذ الله ميثاق النبيين الآية آل عمران 81
والثالث والعشرون أن الشاهد الله عز و جل والملائكة وأولو العلم والمشهود لا إله إلا الله وبيانه شهد الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم آل عمران 18 حكى هذه الأقوال الثلاثة الثعلبي
والرابع والعشرون أن الشاهد الأنبياء عليهم السلام والمشهود الأمم حكاه شيخنا علي بن عبيد الله
وفي جواب القسم ثلاثة أقوال
أحدها أنه قوله تعالى إن بطش ربك لشديد قاله قتادة والزجاج

والثاني أنه قوله تعالى قتل أصحاب الأخدود كما أن القسم في قوله تعالى والشمس وضحاها قد أفلح حكاه الفراء
والثالث أنه متروك وهذا اختيار ابن جرير
قوله تعالى قتل أصحاب الأخدود أي لعنوا والأخدود شق يشق في الأرض والجمع أخاديد وهؤلاء قوم حفروا حفائر في الأرض وأوقدوا فيها النار وألقوا فيها من لم يكفر
واختلف العلماء فيهم على ستة أقوال
أحدها أنه ملك كان له ساحر فبعث إليه غلاما يعلمه السحر وكان الغلام يمر على راهب فأعجبه أمره فتبعه فعلم به الملك فأمره أن يرجع عن دينه فقال لا أفعل فاجتهد الملك في إهلاكه فلم يقدر فقال الغلام لست بقاتلي حتى تفعل ما آمرك به اجمع الناس في صعيد واحد واصلبني على جذع وارمني بسهم من كنانتي وقل بسم الله رب الغلام ففعل فمات الغلام فقال الناس آمنا برب الغلام فخد الأخاديد وأضرم فيها النار وقال من لم يرجع عن دينه فأقحموه فيها ففعلوا وهذا مختصر الحديث وفيه طول وقد ذكرته في المغنى و الحدائق بطوله من حديث صهيب عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
والثاني أن ملكا من الملوك سكر فوقع على أخته فلما أفاق قال لها

ويحك كيف المخرج فقالت له اجمع أهل مملكتك فأخبرهم أن الله عز و جل قد أحل نكاح الأخوات فإذا ذهب هذا في الناس وتناسوه خطبتهم فحرمته ففعل ذلك فأبوا أن يقبلوا ذلك منه فبسط فيهم السوط ثم جرد السيف فأبوا فخد لهم أخدودا وأوقد فيه النار وقذف من أبى قبول ذلك قاله علي بن طالب
والثالث أنهم ناس اقتتل مؤمنوهم وكفارهم فظهر المؤمنون ثم تعاهدوا أن لا يغدر بعضهم ببعض فغدر كفارهم فأخذوهم فقال له رجل من المؤمنين أوقدوا نارا وأعرضوا عليها فمن تابعكم على دينكم فذاك الذي تحبون ومن لم يتبعكم أقحم النار فاسترحتم منه ففعلوا فجعل المسلمون يقتحمونها ذكره قتادة
والرابع أن قوما من المؤمنين اعتزلوا الناس في الفترة فأرسل اليهم جبار من عبدة الأوثان فعرض عليهم الدخول في دينه فأبوا فخدلهم أخدودا وألقاهم فيه قاله الربيع بن أنس
والخامس أن جماعة آمنوا من قوم يوسف بن ذي نواس بعدما رفع عيسى فخد لهم أخدودا وأوقد فيه النار فأحرقهم كلهم فأنزل الله تعالى قتل أصحاب الأخدود وهم يوسف بن ذي نواس وأصحابه قاله مقاتل
والسادس أنهم قوم كانوا يعبدون صنما ومعهم قوم يكتمون إيمانهم

فعلموا بهم فخدوا لهم أخدودا وقذفوهم فيه حكاه الزجاج
واختلفوا في الذين أحرقوا على خمسة أقوال
أحدها أنهم كانوا من الحبشة قاله علي كرم الله وجهه
والثاني من بني إسرائيل قاله ابن عباس
والثالث من أهل اليمن قاله الحسن وقال الضحاك كانوا من نصارى اليمن وذلك قبل مبعث رسول الله صلى الله عليه و سلم بأربعين سنة
والرابع من أهل نجران قاله مجاهد
والخامس من النبط قاله عكرمة
وفي عددهم ثلاثة أقوال
أحدها اثنا عشر ألفا قاله وهب
والثاني سبعون ألفا قاله ابن السائب

والثالث ثمانون رجلا وتسعة نسوة قاله مقاتل
قوله تعالى النار ذات الوقود هذا بدل من الأخدود كأنه قال قتل أصحاب النار و الوقود مفسر في البقرة 24 وقرأ أبو رزين العقيلي وأبو عبد الرحمن السلمي والحسن ومجاهد وأبو العالية وابن يعمر وابن أبي عبلة الوقود بضم الواو إذ هم عليها قعود أي عند النار وكان الملك وأصحابه جلوسا على الكراسي عند الأخدود يعرضون المؤمنين على الكفر فمن أبى ألقوه وهم على يفعلون بالمؤمنين شهود أي حضور فأخبر الله عز و جل في هذه الآيات بقصة قوم بلغ من إيمانهم ويقينهم أن صبروا على التحريق بالنار ولم يرجعوا عن دينهم
قوله تعالى وما نقموا منهم قرأ ابن أبي عبلة نقموا بكسر القاف
قال الزجاج أي ما أنكروا عليهم إيمانهم وقد شرحنا معنى نقموا في المائدة 59 و براءة 74 وشرحنا معنى العزيز الحميد في البقرة 129 267
قوله تعالى والله على كل شيء شهيد أي لم يخف عليه ما صنعوا فهو شهيد عليهم بما فعلوا
قوله تعالى إن الذين فتنوا المؤمنين والمؤمنات أي أحرقوهم وعذبوهم
كقوله تعالى يوم هم على النار يفتنون الذاريات 13 ثم لم يتوبوا من شركهم وفعلهم ذلك بالمؤمنين فلهم عذاب جهنم بكفرهم ولهم عذاب الحريق بما أحرقوا المؤمنين وكلا العذابين في جهنم عند الأكثرين وذهب الربيع بن

أنس في جماعة الى ان النار ارتفعت الى الملك وأصحابه فأحرقتهم فذلك عذاب الحريق في الدنيا قال الربيع وقبض الله أرواح المؤمنين قبل أن تمسهم النار وحكى الفراء أن المؤمنين نجوا من النار وأنها ارتفعت فأحرقت الكفرة
قوله تعالى ذلك الفوز الكبير لأنهم فازوا بالجنة وقال بعض المفسرين فازوا من عذاب الكفار وعذاب الآخرة
قوله تعالى إن بطش ربك قال ابن عباس إن أخذه بالعذاب إذا أخذ الظلمة والجبابرة لشديد
قوله تعالى إنه هو يبديء ويعيد فيه قولان
أحدهما يبدىء الخلق ويعيدهم قاله الجمهور
والثاني يبدىء العذاب في الدنيا على الكفار ثم يعيده عليهم في الآخرة رواه العوفي عن ابن عباس وقد شرحنا في هود 90 معنى الودود
قوله تعالى ذو العرش المجيد وقرأ حمزة والكسائي والمفضل عن عاصم المجيد بالخفض وقرأ غيرهم بالرفع فمن رفع المجيد جعله من صفات الله عز و جل ومن كسر جعله من صفة العرش
قوله تعالى هل أتاك حديث أي قد أتاك حديث الجنود وهم الذين تجندوا على أولياء الله ثم بين من هم فقال تعالى فرعون وثمود بل الذين كفروا يعني مشركي مكة في تكذيب لك والقرآن أي لم يعتبروا بمن كان قبلهم والله من ورائهم محيط لا يخفى عليه شيء من أعمالهم بل هو

قرآن مجيد أي كريم لأنه كلام الله وليس كما يقولون بشعر ولا كهانة ولا سحر وقرأ أبو العالية وأبو الجوزاء وأبو عمران وابن السميفع بل هو قرآن مجيد بغير تنوين وبخفض مجيد في لوح محفوظ وهو اللوح المحفوظ منه نسخ القرآن وسائر الكتب فهو محفوظ عند الله محروس به من الشياطين ومن الزيادة فيه والنقصان منه وقرأ نافع محفوظ رفعا على نعت القرآن فالمعنى إنه محفوظ من التحريف والتبديل

سورة الطارق
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
والسماء والطارق وما أدرنك ما الطارق النجم الثاقب إن كل نفس لما عليها حافظ فلينظر الإنسان مم خلق خلق من ماء دافق يخرج من بين الصلب والترائب إنه على رجعه لقادر يوم تبلى السرائر فما له من قوة ولا ناصر
قوله تعالى والسماء والطارق قال ابن قتيبة الطارق النجم سمي بذلك لأنه يطرق أي يطلع ليلا وكل من أتاك ليلا فقد طرقك ومنه قول هند ابنة عتبة
... نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق ...
تريد إن أبانا نجم في شرفه وعلوه
قوله تعالى وما أدراك ما الطارق قال المفسرون ذلك أن هذا الإسم

يقع على كل ما طرق ليلا فلم يكن النبي صلى الله عليه و سلم يدري ما المراد به حتى تبينه بقوله تعالى النجم الثاقب يعني المضيء كما بينا في الصافات 10
وفي المراد بهذا النجم ثلاثة أقوال
أحدها أنه زحل قاله علي رضي الله عنه وروى أبو الجوزاء عن ابن عباس رضي الله عنه قال هو زحل ومسكنه في السماء السابعة لا يسكنها غيره من النجوم فإذا أخذت النجوم أمكنتها من السماء هبط فكان معها ثم رجع الى مكانه من السماء السابعة فهو طارق حين ينزل وطارق حين يصعد
والثاني أنه الثريا قاله ابن زيد
والثالث أنه اسم جنس ذكره علي بن أحمد النيسابوري
قوله تعالى إن كل نفس قرأ أبي بن كعب وأبو المتوكل إن بالتشديد كل بالنصب لما عليها حافظ وقرأ أبو جعفر وابن عامر وعاصم الجحدري وحمزة وأبو حاتم عن يعقوب لمأ بالتشديد وقرأ الباقون بالتخفيف
قال الزجاج هذه الآية جواب القسم ومن خفف فالمعنى لعليها حافظ و ما لغو ومن شدد فالمعنى إلا قال فاستعملت لما في موضع

إلا في موضعين أحدهما هذا والآخر في باب القسم تقول سألتك لما فعلت بمعنى إلا فعلت قال المفسرون المعنى ما من نفس إلا عليها حافظ وفيه قولان
أحدهما أنهم الحفظة من الملائكة قاله ابن عباس قال قتادة يحفظون على الإنسان عمله من خير أو شر
والثاني حافظ يحفظ الإنسان حتى حين يسلمه الى المقادير قاله الفراء ثم نبه على البعث بقوله تعالى فلينظر الإنسان مم خلق أي من أي شيء خلقه الله والمعنى فلينظر نظر التفكر والإستدلال ليعرف أن الذي ابتدأه من نطفة قادر على إعادته
قوله تعالى من ماء دافق قال الفراء معناه مدفوق كقول العرب سر كاتم وهم ناصب وليل نائم وعيشة راضية وأهل الحجاز يجعلون المفعول فاعلا قال الزجاج ومذهب سيبويه وأصحابه أن معناه النسب الى الإندفاق والمعنى من ماء ذي اندفاق
قوله تعالى يخرج من بين الصلب قرأ ابن مسعود وابن سيرين وابن السميفع وابن أبي عبلة الصلب بضم الصاد واللام جميعا يعني يخرج من صلب الرجل وترائب المرأة قال الفراء يريد يخرج من الصلب والترائب يقال يخرج من بين هذين الشيئين خير كثير بمعنى يخرج منهما

وفي الترائب ثلاثة أقوال
أحدها أنه موضع القلادة قاله ابن عباس قال الزجاج قال أهل اللغة أجمعون الترائب موضع القلادة من الصدر وأنشدوا لامرىء القيس
... مهفهفة بيضاء غير مفاضة ... ترائبها مصقولة كالسجنجل ...
قرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال السجنجل المرآة بالرومية وقيل هي سبيكة الفضة وقيل السجنجل الزعفران وقيل ماء الذهب ويروى البيت بالسجنجل
والثاني أن الترائب اليدان والرجلان والعينان رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال الضحاك
والثالث أنها أربعة أضلاع من يمنة الصدر وأربعة أضلاع من يسرة الصدر حكاه الزجاج
قوله تعالى إنه الهاء كناية عن الله عز و جل على رجعه الرجع رد الشيء الى أول حاله وفي هذه الهاء قولان
أحدهما أنها تعود على الإنسان ثم فيه قولان أحدهما أنه على إعادة الإنسان حيا بعد موته قادر قاله الحسن وقتادة قال الزجاج ويدل على هذا القول قوله تعالى يوم تبلى السرائر والثاني أنه على رجعه من حال الكبر

الى الشباب ومن الشباب الى الصبأ ومن الصبأ الى النطفة قادر قاله الضحاك والقول الثاني أنها تعود الى الماء ثم في معنى الكلام ثلاثة أقوال
أحدها رد الماء في الإحليل قاله مجاهد والثاني على رده في الصلب قاله عكرمة والضحاك والثالث على حبس الماء فلا يخرج قاله ابن زيد
قوله تعالى يوم تبلى السرائر التي بين العبد وبين ربه حتى يظهر خيرها من شرها ومؤديها من مضيعها فإن الإنسان مستور في الدنيا لا يدري أصلى أم لا أتوضأ أم لا فإذا كان يوم القيامة أبدى الله كل سر فكان زينا في الوجه أو شينا وقال ابن قتيبة تختبر سرائر القلوب
قوله تعالى فما له من قوة أي فما لهذا الإنسان المنكر للبعث من قوة يمتنع بها من عذاب الله ولا ناصر ينصره
والسماء ذات الرجع والأرض ذات الصدع إنه لقول فصل وما هو بالهزل إنهم يكيدون كيدا وأكيد كيدا فمهل الكافرين أمهلهم رويدا
قوله تعالى والسماء ذات الرجع أي ذات المطر وسمي المطر رجعا لأنه يجيء ويرجع ويتكرر والأرض ذات الصدع أي ذات الشق وقيل لها هذا لأنها تتصدع وتتشقق بالنبات هذا قول المفسرين وأهل اللغة في الحرفين
قوله تعالى إنه لقول فصل يعني به القرآن وهذا جواب القسم

والفصل الذي يفصل بين الحق والباطل بالبيان عن كل واحد منهما وما هو بالهزل أي باللعب والمعنى إنه جد ولم ينزل باللعب وبعضهم يقول الهاء في إنه كناية عن الوعيد المتقدم ذكره
قوله تعالى إنهم يعني مشركي مكة يكيدون كيدا أي يحتالون وهذا الإحتيال المكر برسول الله صلى الله عليه و سلم حين اجتمعوا في دار الندوة وأكيد كيدا أي أجازيهم على كيدهم بأن أستدرجهم من حيث لا يعلمون فأنتقم منهم في الدنيا بالسيف وفي الآخرة بالنار فمهل الكافرين هذا وعيد من الله لهم ومهل وأمهل لغتان جمعتا هاهنا ومعنى الآية مهلهم قليلا حتى أهلكهم ففعل الله ذلك ببدر ونسخ الإمهال بآية السيف قال ابن قتيبة ومعنى رويدا مهلا ورويدك بمعنى أمهل قال تعالى فمهل الكافرين أمهلهم رويدا أي أمهلهم قليلا فإذا لم يتقدمها أمهلهم كانت بمعنى مهلا ولا يتكلم بها إلا مصغرة ومأمورا بها وجاءت في الشعر بغير تصغير في غير معنى الأمر
قال الشاعر
... كأنها مثل من يمشي على رود ...
أي على مهل

سورة الأعلى
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
سبح اسم ربك الأعلى الذي خلق فسوى والذي قدر فهدى والذي أخرج المرعى فجعله غثاء أحوى سنقرئك فلا تنسى إلا ما شاء الله إنه يعلم الجهر وما يخفى ونيسرك لليسرى فذكر إن نفعت الذكرى سيذكر من يخشى ويتجنبها الأشقى الذي يصلى النار الكبرى ثم لا يموت فيها ولا يحيى

وفي معنى سبح خمسة أقوال
أحدها قل سبحان ربي الأعلى قاله الجمهور
والثاني عظم
والثالث صل بأمر ربك روي القولان عن ابن عباس
والرابع نزه ربك عن السوء قاله الزجاج
والخامس نزه اسم ربك وذكرك إياه أن تذكره وأنت معظم له خاشع له ذكره الثعلبي
وفي قوله تعالى اسم ربك قولان
أحدهما أن ذكر الأسم صلة كقول لبيد بن ربيعة
... الى الحول ثم اسم السلام عليكما ... ومن يبك حولا كاملا فقد اعتذر

والثاني أنه أصلي وقال الفراء سبح ربك و سبح اسم ربك سواء في كلام العرب
قوله تعالى الذي خلق فسوى أي فعدل الخلق وقد أشرنا الى هذا المعنى في الإنفطار 7 والذي قدر قرأ الكسائي وحده قدر بالتخفيف فهدى فيه سبعة أقوال
أحدها قدر الشقاوة والسعادة وهدى للرشد والضلالة قاله مجاهد
والثاني جعل لكل دابة ما يصلحها وهداها اليه قاله عطاء
والثالث قدر مدة الجنين في الرحم ثم هداه للخروج قاله السدي
والرابع قدرهم ذكورا وإناثا وهدى الذكر لإتيان الأنثى قاله مقاتل

والخامس أن المعنى قدر فهدى وأضل فحذف وأضل لأن في الكلام دليلا على ذلك حكاه الزجاج
والسادس قدر الأرزاق وهدى الى طلبها
والسابع قدر الذنوب وهدى الى التوبة حكاهما الثعلبي
قوله تعالى والذي أخرج المرعى أي أنبت العشب وما ترعاه البهائم فجعله بعد الخضرة غثاء قال الزجاج أي جففه حتى جعله هشيما جافا كالغثاء الذي تراه فوق ماء السيل وقد بينا هذا في سورة المؤمنين 41 فأما قوله تعالى أحوى فقال الفراء الأحوى الذي قد اسود عن القدم والعتق ويكون أيضا أخرج المرعى أحوى أسود من الخضرة فجعله غثاء كما قال تعالى مدهامتان الرحمن 64
قوله تعالى سنقرئك فلا تنسى قال مقاتل سنعلمك القرآن ونجمعه في قلبك فلا تنساه أبدا
قوله تعالى إلا ما شاء الله فيه ثلاثة أقوال

أحدها إلا ما شاء الله أن ينسخه فتنساه قاله الحسن وقتادة
والثاني إلا ما شاء الله أن تنسى شيئا فإنما هو كقوله تعالى خالدين فيها ما دامت السموات والأ ض إلا ما شاء ربك هود 107 فلا يشاء
قوله تعالى إنه يعلم الجهر من القول والفعل وما يخفى منهما ونيسرك لليسرى أي نسهل عليك عمل الخير فذكر أي عظ أهل مكة إن نفعت الذكرى وفي إن ثلاثة أقوال
أحدها أنها الشرطية وفي معنى الكلام قولان أحدهما إن قبلت الذكرى قاله يحيى بن سلام والثاني إن نفعت وإن لم تنفع قاله علي بن أحمد النيسابوري
والثاني أنها بمعنى قد فتقديره قد نفعت الذكرى قاله مقاتل
والثالث أنها بمعنى ما فتقديره فذكر ما نفعت الذكرى حكاه الماوردي
قوله تعالى سيذكر سيتعظ بالقرآن من يخشى ويتجنبها

ويتجنب الذكرى الأشقى الذي يصلى النار الكبرى أي العظيمة الفظيعة لأنها أشد من نار الدنيا ثم لا يموت فيها فيستريح ولا يحيى حياة تنفعه وقال ابن جرير تصير نفس أحدهم في حلقه فلا تخرج متفارقه فيموت ولا ترجع الى موضعها من الجسم فيحيا
قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى بل تؤثرون الحيوة الدنيا والآخرة خير وأبقى إن هذا لفي الصحف الأولى صحف إبراهيم وموسى
قوله تعالى قد أفلح قال الزجاج أي صادف البقاء الدائم والفوز من تزكى فيه خمسة أقوال
أحدها من تطهر من الشرك بالإيمان قاله ابن عباس
والثاني من أعطى صدقة الفطر قاله أبو سعيد الخدري وعطاء وقتادة
والثالث من كان عمله زاكيا قاله الحسن والربيع
والرابع أنها زكوات الأموال كلها قاله أبو الأحوص
والخامس تكثر بتقوى الله ومعنى الزاكي النامي الكثير قاله الزجاج
قوله تعالى وذكر اسم ربه قد سبق بيانه الأحزاب : 31
وفي قوله تعالى فصلى ثلاثة أقوال
أحدها أنها الصلوات الخمس قاله ابن عباس ومقاتل

والثاني صلاة العيدين قاله أبو سعيد الخدري
والثالث صلاة التطوع قاله أبو الأحوص والقول قول ابن عباس في الآيتين فإن هذه السورة مكية بلا خلاف ولم يكن بمكة زكاة ولا عيد
قوله تعالى بل تؤثرون الحياة الدنيا قرأ أبو عمرو وابن قتيبة وزيد عن يعقوب بل يؤثرون بالياء والباقون بالتاء واختار الفراء والزجاج التاء لأنها رويت عن أبي بن كعب بل أنتم تؤثرون فإن أريد بذلك الكفار فالمعنى أنهم يؤثرون الدنيا على الآخرة لأنهم لا يؤمنون بها وإن أريد به المسلمون فالمعنى يؤثرون الاستكثار من الدنيا على الإستحسان من الثواب قال ابن مسعود إن الدنيا عجلت لنا وإن الآخرة نعتت لنا وزويت عنا فأخذنا بالعاجل وتركنا الآجل
قوله تعالى والآخرة خير لك يعني الجنة أفضل وأبقى أي أدوم من الدنيا
إن هذا لفي الصحف الأولى في المشار إليه أربعة أقوال

أحدها انه قوله تعالى والآخرة خير وأبقى قاله قتادة
والثاني هذه السورة قاله عكرمة والسدي
والثالث أنه لم يرد أن معنى السورة في الصحف الأولى ولا الألفاظ بعينها وإنما أراد أن الفلاح لمن تزكى وذكر اسم ربه فصلى في الصحف الأولى كما هو في القرآن قاله ابن قتيبة
والرابع أنه من قوله تعالى قد أفلح من تزكى الى قوله وأبقى قاله ابن جرير
ثم بين الصحف الأولى ما هي فقال صحف إبراهيم وموسى وقد فسرناها في النجم 36

سورةالغاشية وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
هل أتك حديث الغاشية وجوه يومئذ خاشعة عاملة ناصبة تصلى نارا حامية تسقى من عين آنية ليس لهم طعام إلا من ضريع لا يسمن ولا يغني من جوع
قوله تعالى هل أتاك أي قد أتاك قاله قطرب وقال الزجاج والمعنى هذا لم يكن من علمك ولا من علم قومك
وفي الغاشية قولان
أحدهما أنها القيامة تغشى الناس بالأهوال قاله ابن عباس والضحاك وابن قتيبة
والثاني أنها النار تغشى وجوه الكفار قاله سعيد بن جبير والقرظي ومقاتل

قوله تعالى وجوه يومئذ خاشعة أي ذليلة وفيها قولان
أحدهما أنها وجوه اليهود والنصارى قاله ابن عباس
والثاني أنه جميع الكفار قاله يحيى بن سلام
قوله تعالى عاملة ناصبة فيه أربعة أقوال
أحدها أنهم الذين عملوا ونصبوا في الدنيا على غير دين الإسلام كعبدة الأوثان وكفار أهل الكتاب مثل الرهبان وغيرهم رواه عطاء عن ابن عباس
والثاني أنهم الرهبان وأصحاب الصوامع رواه أبو الضحى عن ابن عباس وبه قال سعيد بن جبير وزيد بن أسلم
والثالث عاملة ناصبة في النار بمعالجة السلاسل والأغلال لأنها لم تعمل لله في الدنيا فأعملها وأنصبها في النار وروى هذا المعنى العوفي عن ابن عباس وبه قال الحسن وقال قتادة تكبرت في الدنيا عن طاعة الله فأعملها وأنصبها في النار بالإنتقال من عذاب الى عذاب قال الضحاك يكلفون ارتقاء جبل في النار وقال ابن السائب يخرون على وجوههم في النار وقال مقاتل عاملة في النار تأكل من النار ناصبة للعذاب
والرابع عاملة في الدنيا بالمعاصي ناصبة في النار يوم القيامة قاله عكرمة والسدي والكلام هاهنا على الوجوه والمراد أصحابها وقد بينا معنى النصب في قوله تعالى لا يمسهم فيها نصب الحجر 48

قوله تعالى تصلى نارا حامية قرأ أهل البصرة وعاصم إلا حفصا تصلى بضم التاء والباقون بفتحها قال ابن عباس قد حميت فهي تتلظى على أعداء الله تسقى من عين آنية أي متناهية في الحرارة قال الحسن وقد أوقدت عليها جهنم منذ خلقت فدفعوا اليها وردا عطاشا
قوله تعالى ليس لهم طعام إلا من ضريع فيه ستة أقوال
أحدها أنه نبت ذو شوك لا طىء بالأرض وتسميه قريش الشبرق فإذا هاج سموه ضريعا رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وعكرمة وقتادة
والثاني أنه شجر من نار رواه الوالبي عن ابن عباس
والثالث أنها الحجارة قاله ابن جبير
والرابع أنه السلم قاله أبو الجوزاء
والخامس أنه في الدنيا الشوك اليابس الذي ليس له ورق وهو في الآخرة شوك من نار قاله ابن زيد

والسادس أنه طعام يضرعون الى الله تعالى منه قاله ابن كيسان
قال المفسرون لما نزلت هذه الآية قال المشركون إن إبلنا لتسمن على الضريع فأنزل الله تعالى لا يسمن ولا يغني من جوع وكذبوا فإن الإبل إنما ترعاه ما دام رطبا وحينئذ يسمى شبرقا لا ضريعا فإذا يبس يسمى ضريعا لم يأكله شيء
فإن قيل إنه قد أخبر في هذه الآية ليس لهم طعام إلا من ضريع وفي مكان آخر ولا طعام إلا من غسلين الحاقة 36 فكيف الجمع بينهما
فالجواب أن النار دركات وعلى قدر الذنوب تقع العقوبات فمنهم من طعامه الزقوم ومنهم من طعامه غسلين ومنهم من شرابه الحميم ومنهم من شرابه الصديد قاله ابن قتيبة
وجوه يومئذ ناعمة لسعيها راضية في جنة عالية لا تسمع فيها لاغية فيها عين جارية فيها سرر مرفوعة وأكواب موضوعة ونمارق مصفوفة وزرابي مبثوثة أفلا ينظرون الى الإبل كيف خلقت والى السماء كيف رفعت والى الجبال كيف نصبت والى الأرض كيف سطحت فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر إلا من تولى وكفر فيعذبه الله العذاب الأكبر إن إلينا إيابهم ثم إن علينا حسابهم

قوله تعالى وجوه يومئذ ناعمة أي في نعمة وكرامة لسعيها في الدنيا راضية والمعنى رضيت بثواب عملها في جنة عالية قد فسرناه في الحاقة آية 22 لا تسمع فيها لا غية قرأ ابن كثير وأبو عمرو ورويس لا يسمع بياء مضمومة لاغية بالرفع وقرأ نافع كذلك إلا أنه مضمومة والباقون بتاء مفتوحة ونصب لا غية والمعنى لا تسمع فيها كلمة لغو فيها سرر مرفوعة قال ابن عباس ألواحها من ذهب مكللة بالزبرجد والدر والياقوت مرتفعة ما لم يجيء أهلها فإذا أراد أن يجلس عليها صاحبها تواضعت له حتى يجلس عليها ثم ترتفع الى موضعها وأكواب موضوعة عندهم وقد ذكرنا الأكواب في الزخرف 71 ونمارق وهي الوسائد واحدها نمرقة بضم النون قال الفراء وسمعت بعض كلب تقول نمرقة بكسر النون والراء مصفوفة بعضها الى جنب بعض والزرابي الطنافس التي لها خمل رقيق مبثوثة كثيرة قال ابن قتيبة كثيرة مفرقة قال المفسرون لما نعت الله سبحانه ما في الجنة عجب من ذلك أهل الكفرة فذكرهم صنعه فقال تعالى أفلا ينظرون

الى الإبل وقال قتادة ذكر الله ارتفاع سرر الجنة وفرشها فقالوا كيف نصعدها فنزلت هذه الآية قال العلماء وإنما خص الإبل من غيرها لأن العرب لم يروا بهيمة قط أعظم منها ولم يشاهدوا الفيل إلا الشاذ منهم ولأنها كانت أنفس أموالهم وأكثرها لا تفارقهم ولا يفارقونها فيلاحظون فيها العبر الدالة على قدرة الخالق من إخراج لبنها من بين فرث ودم و من عجيب خلقها وهي على عظمها مذللة للحمل الثقيل وتنقاد للصبي الصغير وليس في ذوات الأربع ما يحمل عليه وقره وهو بارك فيطيق النهوض به سواها وقرأ ابن عباس وأبو عمران الجوني والأصمعي عن أبي عمرو الإبل بإسكان الباء وتخفيف اللام وقرأ أبي بن كعب وعائشة وأبو المتوكل والجحدري وابن السميفع ويونس بن حبيب وهارون كلاهما عن أبي عمرو الإبل بكسر الباء وتشديد اللام قال هارون قال أبو عمرو الإبل بتشديد اللام السحاب الذي يحمل الماء
قوله تعالى كيف خلقت وقرأ علي بن أبي طالب وابن عباس وأبو العالية وأبو عمران وابن أبي عبلة خلقت بفتح الخاء وضم التاء
وكذلك قرؤوا رفعت ونصبت و سطحت

قوله تعالى والى السماء كيف رفعت من الأرض حتى لا ينالها شيء بغير عمد والى الجبال كيف نصبت على الأرض لا تزول ولا تتغير والى الأرض كيف سطحت أي بسطت والسطح بسط الشيء وكل ذلك يدل على قدرة خالقه فذكر أي عظ إنما أنت مذكر أي واعظ ولم يكن حينئذ أمر بغير التذكير ويدل عليه قوله تعالى لست عليهم بمسيطر أي بمسلط فتقتلهم وتكرههم على الإيمان ثم نسختها آية السيف وقرأ ابو رزين وأبو عبد الرحمن وعكرمة ومجاهد وقتادة والحلواني عن ابن عامر بمسيطر بالسين وقد سبق بيان المسيطر في قوله تعالى أم هم المسيطرون الطور 37
قول تعالى إلا من تولى وهذا استثناء منقطع معناه لكن من تولى وكفر بعد التذكر وقرأ ابن عباس وعمرو بن العاص وأنس بن مالك وأبو مجلز وقتادة وسعيد بن جبير ألا من تولى بفتح الهمزة وتخفيف اللام فيعذبه الله العذاب الأكبر وهو أن يدخله جهنم وذلك أنهم قد عذبوا في الدنيا

بالجوع والقتل والأسر فكان عذاب جهنم هو الأكبر إن إلينا إيابهم قرأ أبي بن كعب وعائشة وعبد الرحمن وأبو جعفر إيابهم بتشديد الياء أي رجوعهم ومصيرهم بعد الموت ثم إن علينا حسابهم قال مقاتل أي جزاءهم

سورة الفجر
وهي مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
والفجر وليال عشر والشفع والوتر والليل إذا يسر هل في ذلك قسم لذي حجر ألم تر كيف فعل ربك بعاد إرم ذات العماد التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابوا الصخر بالواد وفرعون ذي الأوتاد الذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد فصب عليهم ربك سوط عذاب إن ربك لبالمرصاد
قوله تعالى والفجر قال ابن عباس الفجر انفجار الظلمة عن الصبح وانفجر الماء ايجس قال شيخنا علي بن عبيد الله الفجر ضوء النهار إذا انشق عنه الليل وهو مأخوذ من الإنفجار يقال انفجر النهر ينفجر انفجارا إذا انشق فيه موضع لخروج الماء ومن هذا سمي الفاجر فاجرا لأنه خرج عن طاعة الله
وللمفسرين في المراد بهذا الفجر ستة أقوال

أحدها أنه الفجر المعروف الذي هو بدء النهار قاله علي رضي الله عنه وروى أبو صالح عن ابن عباس قال هو انفجار الصبح كل يوم وبهذا قال عكرمة وزيد بن أسلم والقرظي
والثاني صلاة الفجر رواه عطية عن ابن عباس
والثالث النهار كله فعبر عنه بالفجر لأنه أوله وروى هذا المعنى أبو نصر عن ابن عباس
والرابع أنه فجر يوم النحر خاصة قاله مجاهد
والخامس أنه فجر أول يوم من ذي الحجة قاله الضحاك
والسادس أنه أول يوم من المحرم تنفجر منه السنة قاله قتادة
قوله تعالى وليال عشر فيها أربعة أقوال
أحدها أنه عشر ذي الحجة رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقتادة والضحاك والسدي ومقاتل

والثاني أنها العشر الأواخر من رمضان رواه أبو ظبيان عن ابن عباس
والثالث العشر الأول من رمضان قاله الضحاك
والرابع العشر الأول من المحرم قاله يمان بن رئاب
قوله تعالى والشفع والوتر قرأ حمزة والكسائي وخلف والوتر بكسر الواو وفتحها الباقون وهما لغتان قال الفراء الكسر لقريش وتميم وأسد والفتح لأهل الحجاز
وللمفسرين في الشفع والوتر عشرون قولا
أحدهما أن الشفع يوم عرفة ويوم الأضحى والوتر ليلة النحر رواه أبو أيوب الأنصاري عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
والثاني يوم النحر والوتر يوم عرفة رواه جابر بن عبدالله عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وبه قال ابن عباس وعكرمة والضحاك

والثالث أن الشفع والوتر الصلاة منها الشفع ومنها الوتر رواه عمران بن حصين عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وبه قال قتادة

والرابع أن الشفع الخلق كله والوتر الله تعالى رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال مجاهد في رواية مسروق وأبو صالح
والخامس أن الوتر آدم شفع بزوجته رواه مجاهد عن ابن عباس
والسادس أن الشفع يومان بعد يوم النحر وهو النفر الأول والوتر اليوم الثالث وهو النفر الأخير قاله عبد الله بن الزبير واستدل بقوله تعالى فمن تعجل في يومين فلا إثم عليه البقرة 203
والسابع أن الشفع صلاة الغداة والوتر صلاة المغرب حكاه عطية
والثامن أن الشفع الركعتان من صلاة المغرب والوتر الركعة الثالثة قاله أبو العالية والربيع بن أنس
والتاسع أن الشفع والوتر الخلق كله منه شفع ومنه وتر قاله ابن زيد ومجاهد في رواية
والعاشر أنه العدد منه شفع ومنه وتر وهذا والذي قبله مرويان عن الحسن
والحادي عشر أن الشفع عشر ذي الحجة والوتر أيام منى الثلاثة قاله الضحاك

والثاني عشر أن الشفع هو الله لقوله تعالى ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم المجادلة 7 والوتر هو الله لقوله تعالى قل هو الله أحد قاله سفيان بن عيينة
والثالث عشر أن الشفع هو آدم وحواء والوتر الله تعالى قاله مقاتل ابن سليمان
والرابع عشر أن الشفع الأيام والليالي والوتر اليوم الذي لا ليلة بعده وهو يوم القيامة قاله مقاتل بن حيان
والخامس عشر الشفع درجات الجنان لأنها ثمان والوتر دركات النار لأنها سبع فكأن الله أقسم بالجنة والنار قاله الحسين بن الفضل
والسادس عشر الشفع تضاد أوصاف المخلوقين بين عز وذل وقدرة وعجز وقوة وضعف وعلم وجهل وموت وحياة والوتر انفراد صفات الله عز و جل عز بلا ذل وقدرة بلا عجز وقوة بلا ضعف وعلم بلا جهل وحياة بلا موت قاله أبو بكر الوراق
والسابع عشر أن الشفع الصفا والمروة والوتر البيت
والثامن عشر أن الشفع مسجد مكة والمدينة والوتر بيت المقدس
والتاسع عشر أن الشفع القرآن بين الحج والتمتع والوتر الإفراد
والعشرون الشفع العبادات المتكررة كالصلاة والصوم والزكاة

والوتر العبادة التي لا تتكرر وهو الحج حكى هذه الأقوال الأربعة الثعلبي
قوله تعالى والليل إذا يسر وقرأ ابن كثير ويعقوب يسري بياء في الوصل والوقف وافقهما في الوصل نافع وأبو عمرو وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي يسر بغير ياء في الوصل والوقف قال الفراء والزجاج الأختيار حذفها لمشاكلتها لرؤوس الآيات ولإتباع المصحف وفي قوله تعالى والليل إذا يسر قولان
أحدهما أن الفعل له ثم فيه قولان أحدهما إذا يسري ذاهبا قاله الجمهور وهو اختيار الزجاج والثاني إذا يسري مقبلا قاله قتادة
والقول الثاني أن الفعل لغيره والمعنى إذا يسري فيه كما يقال ليل نائم أي ينام فيه قاله الأخفش وابن قتيبة
وفي المراد بهذا الليل ثلاثة أقوال
أحدها أنه عام في كل ليلة وهذا الظاهر
والثاني أنه ليلة المزدلفة وهي ليلة جمع قاله مجاهد وعكرمة
والثالث ليلة القدر حكاه الماوردي

قوله تعالى هل في ذلك أي هل في ذلك المذكور من الأمور التي أقسمنا بها قسم لذي حجر أي لذي عقل وسمي العقل حجرا لأنه يحجر صاحبه عن القبيح وسمي عقلا لأنه يعقل عمالا يحسن وسمي العقل النهى لأنه ينهى عما لا يحل ومعنى الكلام أن من كان ذا لب علم أن ما أقسم الله به من هذه الأشياء فيه دلائل على توحيد الله وقدرته فهو حقيق أن يقسم به لدلالته وجواب القسم قوله تعالى إن ربك لبالمرصاد فأعترض بين القسم وجوابه بقوله تعالى ألم تر كيف فعل ربك بعاد فخوف أهل مكة بإهلاك من كان أشد منهم وقرأ ابن مسعود وابن يعمر بعاد إرم بكسر الدال من غير تنوين على الإضافة
وفي إرم أربعة أقوال
أحدها أنه اسم بلدة قال الفراء ولم يجر إرم لأنها اسم بلدة ثم فيها ثلاثة أقوال أحدها أنها دمشق قاله سعيد بن المسيب وعكرمة

وخالد الربعي والثاني الإسكندرية قاله محمد بن كعب والثالث أنها مدينة صنعها شداد بن عاد وهذا قول كعب وسيأتي ذكره إن شاء الله تعالى
والقول الثاني أنه اسم أمة من الأمم ومعناه القديمة قاله مجاهد
والثالث أنه قبيلة من قوم عاد قاله قتادة ومقاتل قال الزجاج

وإنما لم تنصرف إرم لأنها جعلت اسما للقبيلة ففتحت وهي في موضع خفض
والرابع أنه اسم لجد عاد لأنه عاد بن عوص بن إرم بن سام بن نوح قاله ابن إسحاق قال الفراء فإن كان اسما لرجل على هذا القول فإنما ترك إجراؤه لأنه كالعجمي قال أبو عبيدة هما عادان فالأولى هي إرم وهي التي قال الله تعالى وأنه أهلك عادا الأولى النجم 50
وهل قوم هود عاد الأولى أم لا فيه قولان قد ذكرناهما في النجم
وفي قوله تعالى إرم ذات العماد أربعة أقوال
أحدها لأنهم كانوا أهل عمد وخيام يطلبون الكلأ حيث كان ثم يرجعون الى منازلهم فلا يقيمون في موضع روى هذا المعنى عطاء عن ابن عباس وبه قال مجاهد وقتادة والفراء
والثاني أن معنى ذات العماد ذات الطول روي عن ابن عباس أيضا وبه قال مقاتل وأبو عبيدة قال الزجاج يقال رجل معمد إذا كان طويلا

والثالث ذات القوة والشدة مأخوذ من قوة الأعمدة قاله الضحاك
والرابع ذات البناء المحكم بالعماد قاله ابن زيد وقيل إنما سميت ذات العماد لبناء بناه بعضهم
قوله تعالى التي لم يخلق مثلها في البلاد وقرأ أبو المتوكل وأبو الجوزاء وأبو عمران لم تخلق بتاء مفتوحة ورفع اللام مثلها بنصب اللام
وقرأ معاذ القارىء وعمرو بن دينار لم تخلق بنون مفتوحة ورفع اللام مثلها بنصب اللام
وفي المشار إليها قولان
أحدهما لم يخلق مثل تلك القبيلة في الطول والقوة وهذا معنى قول الحسن
والثاني المدينة لم يخلق مثل مدينتهم ذات العماد قاله عكرمة
وقد جاء في التفسير صفات تلك المدينة وهذه الإشارة الى ذلك
روى وهب بن منبه عن عبدالله بن قلابة أنه خرج في طلب إبل له شردت فبينما هو في صحارى عدن وقع على مدينة في تلك الفلوات عليها حصن وحول الحصن قصور كثيرة فلما دنا منها ظن أن فيها أحدا يسأله عن إبله فلم ير خارجا ولا داخلا فنزل عن دابته وعقلها وسل سيفه ودخل من باب

الحصن فلما دخل الحصن إذا هو ببابين عظيمين لم ير أعظم منهما والبابان مرصعان بالياقوت الأبيض و الأحمر فلما رأى ذلك دهش ففتح أحد البابين فإذا هو بمدينة لم ير أحد مثلها وإذا قصور كل قصر فوقه غرف وفوق الغرف غرف مبنية بالذهب والفضة واللؤلؤ والياقوت ومصاريع تلك الغرف مثل مصاريع المدينة يقابل بعضها بعضا مفروشة كلها باللؤلؤ وبنادق من مسك وزعفران فلما عاين ذلك ولم ير احدا هاله ذلك ثم نظر الى الأزقة فاذا هو في كل زقاق منها شجر قد أثمر وتحت الشجر أنهار مطردة يجري ماؤها من قنوات من فضة فقال الرجل إن هذه هي الجنة فحمل معه من لؤلؤها ومن بنادق المسك والزعفران ورجع الى اليمن فأظهر ما كان معه وبلغ الأمر الى معاوية فأرسل إليه فقص عليه ما رأى فأرسل معاوية الى كعب الأحبار فلما أتاه قال له يا أبا إسحاق هل في الدنيا مدينة من ذهب وفضة قال نعم أخبرك بها وبمن بناها إنما بناها شداد بن عاد والمدينة

إرم ذات العماد قال فحدثني حديثها فقال إن عادا المنسوب إليهم عاد الأولى كان له ولدان شديد وشداد فلما مات عاد ثم مات شديد وبقي شداد ملك الأرض ودانت له الملوك وكان مولعا بقراءة الكتب فكان إذا مر بذكر الجنة دعته نفسه الى بناء مثلها عتوا على الله تعالى فأمر بصنع إرم ذات العماد فأمر على عملها مائة قهرمان مع كل قهرمان ألف من الأعوان وكتب الى ملوك الأرض أن يمدوه بما في بلادهم من الجواهر فخرج القهارمة يسيرون في الأرض ليجدوا أرضا موافقة فوقفوا على صحراء عظيمة نقية من التلال وإذا فيها عيون ماء ومروج فقالوا هذه صفة الأرض التي أمر الملك أن يبنى بها فوضعوا أساسها من الجزع اليماني وأقاموا في بنائها ثلاثمائة سنة وكان عمر شداد تسعمائة سنة فلما أتوه وقد فرغوا منها قال انطلقوا واجعلوا عليها حصنا واجعلوا حول الحصن ألف قصر عند

كل قصر ألف علم ليكون في كل قصر من تلك القصور وزير من وزرائي ففعلوا ذلك فأمر الملك الوزراء وهم ألف وزير أن يتهيئوا للنقلة الى إرم ذات العماد وكان الملك وأهله في جهازهم عشر سنين ثم ساروا اليها فلما كانوا منها على مسيرة يوم وليلة بعث الله عليه وعلى من كان معه صيحة من السماء فأهلكتهم جميعا ولم يبق منهم أحد

وروى الشعبي عن دغفل الشياني عن علماء حمير قالوا لما هلك شداد ابن عاد ومن معه من الصيحة ملك بعده ابنه مرثد بن شداد وقد كان أبوه خلفه بحضرموت على ملكه وسلطانه فأمر بحمل أبيه من تلك المفازة الى حضرموت وأمر بدفنه فحفرت له حفيرة في مفازة فاستودعه فيها على سرير من ذهب وألقى عليه سبعين حلة منسوجة بقضبان الذهب ووضع عند رأسه لوحا عظيما من ذهب وكتب عليه
... إعتبر يا أيها المغ ... رور بالعمر المدير ...
... أنا شداد بن عاد ... صاحب الحصن المشيد ...
... وأخو القوة والبأ ... ساء والملك الحشيد

دان أهل الأرض طرا ... لي من خوف وعيدي ...
... وملكت الشرق والغر ... ب بسلطان شديد ...
... وبفضل الملك والعد ... دة فيه والعديد ...
... فأتى هود وكنا ... في ضلال قبل هود ...
... فدعانا لو قبلنا ... ه الى الأمر الرشيد ...
... فعصيناه ونادى ... ما لكم هل من محيد ...
... فأتتنا صيحة ته ... وي من الأفق البعيد ...
... فتوافينا كزرع ... وسط بيداء حصيد ...
قوله تعالى وثمود الذين جابوا الصخر قطعوه ونقبوه قال إسحاق والوادي وادي القرى وقرأ الحسن بالوادي بإثبات الياء في الحالين وفرعون ذي الأوتاد مفسر في سورة ص 12 الذين طغوا في البلاد يعني عادا وثمود وفوعون عملوا بالمعاصي وتجبروا على أنبياء الله فأكثروا فيها الفساد القتل والمعاصي فصب عليهم ربك سوط عذاب

قال ابن قتيبة وإنما قال سوط عذاب لأن التعذيب قد يكون بالسوط
وقال الزجاج أي جعل سوطهم الذي ضربهم به العذاب إن ربك لبالمرصاد أي يرصد من كفر به بالعذاب والمرصد الطريق وقد شرحناه في قوله تعالى كانت مرصادا النبأ 21
فأما الإنسان إذا ما ابتله ربه فأكرمه ونعمه فيقول ربي أكرمن وأما إذا ما ابتله فقدر عليه رزقه فيقول ربي أهانن كلا بل لا تكرمون اليتيم ولا تحاضون على طعام المسكين وتأكلون التراث أكلا لما وتحبون المال حبا جما كلا إذا دكت الأرض دكا دكا وجاء ربك والملك صفا صفا وجيء يومئذ بجهنم يومئذ يتذكر الإنسان وأنى له الذكرى يقول ياليتني قدمت لحياتي فيومئذ لا يعذب عذابه أحد ولا يوثق وثاقه أحد يا أيتها النفس المطمئنة إرجعي الى ربك راضية مرضية فادخلي في عبادي وادخلي جنتي
قوله تعالى فأما الإنسان فيمن عنى به أربعة أقوال
أحدها عتبة بن ربيعة وأبو حذيفة بن المغيرة رواه عن ابن عباس
والثاني أبي بن خلف قاله ابن السائب
والثالث أمية بن خلف قاله مقاتل

والرابع أنه الكافر الذي لا يؤمن بالبعث قال الزجاج وابتلاه بمعنى اختبره بالغنى واليسر فأكرمه بالمال ونعمه بما وسع عليه من الإفضال فيقول ربي أكرمني فتح ياء ربي أكرمني ربي أهانني أهل الحجاز وأبو عمرو أي فضلني بما أعطاني ويظن أن ما أعطاه من الدنيا لكرامته عليه وأما إذا ما ابتلاه بالفقر فقدر عليه رزقه وقرأ أبو جعفر وابن عامر فقدر بتشديد الدال والمعنى ضيق عليه بأن جعله على مقدار البلغة فيقول ربي أهانني أي هذا الهوان منه لي حين أذلني بالفقر
واعلم أن من لا يؤمن بالبعث فالكرامة عنده زيادة الدنيا والهوان قلتها

قوله تعالى كلا أي ليس الأمر كما يظن قال مقاتل ما أعطيت من أغنيت هذا الغنى لكرامته علي ولا أفقرت من أفقرت لهوانه علي وقال الفراء المعنى لم يكن ينبغي له أن يكون هكذا إنما ينبغي أن يحمد الله على الأمرين الفقر والغنى ثم أخبر عن الكفار فقال تعالى بل لا تكرمون اليتيم قرأ أهل البصرة يكرمون و يحضون و يأكلون و يحبون بالياء فيهن والباقون بالتاء ومعنى الآية إني أهنت من أهنت من أجل أنه لا يكرم اليتيم والآية تحتمل معنيين
أحدهما أنهم كانوا لا يبرونه
والثاني لا يعطونه حقه من الميراث وكذلك كانت عادة الجاهلية لا يورثون النساء ولا الصبيان ويدل على المعنى الأول قوله تعالى ولا تحاضون على طعام المسكين قرأ أبو جعفر وأهل الكوفة تحاضون بألف مع فتح التاء وروى الشيرزي عن الكسائي كذلك إلا أنه ضم التاء والمعنى لا يأمرون بإطعامه لأنهم لا يرجون ثواب الآخرة ويدل على المعنى الثاني قوله تعالى وتأكلون التراث أكلا لما قال ابن قتيبة التراث الميراث والتاء فيه منقلبة عن واو

كما قالوا تجاه والأصل وجاه وقالوا تخمة والأصل وخمة و لما أي شديدا وهو من قولك لممت بالشيء إذا جمعته وقال الزجاج هو ميراث اليتامى
قوله تعالى وتحبون المال أي تحبون جمعه حبا جما أي كثير فلا تنفقونه في خير كلا أي ما هكذا ينبغي أن يكون الأمر ثم أخبر عن تلهفهم على ما سلف منهم حين لا ينفعهم فقال تعالى إذا دكت الأرض دكا دكا أي مرة بعد مرة فتكسر كل شيء عليها وجاء ربك قد ذكرنا هذا المعنى في قوله تعالى هل ينظرون إلا أن يأتيهم الله البقرة 210
قوله تعالى والملك صفا صفا أي تأتي ملائكة كل سماء صفا صفا على حدة قال الضحاك يكونون سبعة صفوف وجيء يومئذ بجهنم روى مسلم في أفراده من حديث ابن مسعود قال قال رسول الله

صلى الله عليه و سلم يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها قال مقاتل يجاء بها فتقام عن يسار العرش
قوله تعالى يومئذ أي يوم يجاء بجهنم يتذكر الإنسان أي يتعظ الكافر ويتوب قال مقاتل هو أمية بن خلف وأنى له الذكرى أي كيف له بالتوبة وهي في القيامة لا تنفع يقول يا ليتني قدمت العمل الصالح في الدنيا لحياتي في الآخرة التي لا موت فيها فيومئذ لا يعذب عذابه أحد قرأ الكسائي ويعقوب والمفضل لا يعذب بفتح الذال والباقون بكسرها فمن فتح أراد لا يعذب عذاب الكافر أحد ومن كسر أراد لا يعذب عذاب الله أحد أي كعذابه وهذه القراءة تختص بالدنيا والأولى تختص بالآخرة

قوله تعالى يا أيتها النفس المطمئنة اختلفوا فيمن نزلت على خمسة أقوال
أحدها في حمزة بن عبد المطلب لما استشهد يوم أحد قاله أبو هريرة وبريدة الأسلمي
والثاني في عثمان بن عفان حين أوقف بئر رومة قاله الضحاك
والثالث في خبيب بن عدي لما صلبه أهل مكة قاله مقاتل
والرابع في أبي بكر الصديق رضي الله عنه حكاه الماوردي
والخامس في جميع المؤمنين قاله عكرمة
وفي معنى المطمئنة ثلاثة أقوال
أحدها المؤمنة قاله ابن عباس وقال الزجاج المطمئنة بالإيمان
والثاني الراضية بقضاء الله قاله مجاهد
والثالث الموقنة بما وعد الله قاله قتادة
واختلفوا في أي حين يقال لها ذلك على قولين
أحدهما عند خروجها من الدنيا قاله الأكثرون
والثاني عند البعث يقال لها ارجعي الى صاحبك والى جسدك فيأمر الله الأرواح أن تعود الى الأجساد رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال عطاء وعكرمة والضحاك

وفي قوله تعالى ارجعي الى ربك راضية أربعة أقوال
أحدها ارجعي الى صاحبك الذي كنت في جسده وهذا المعنى في رواية العوفي عن ابن عباس وبه قال عكرمة والضحاك
والثاني ارجعي الى ربك بعد الموت في الدنيا قاله أبو صالح
والثالث ارجعي الى ثواب ربك قاله الحسن
والرابع يا أيتها النفس المطمئنة الى الدنيا ارجعي الى الله تعالى بتركها حكاه الماوردي
قوله تعالى فادخلي في عبادي أي في جملة عبادي المصطفين قال أبو صالح يقال لها عند الموت ارجعي الى ربك فإذا كان يوم القيامة قيل لها فادخلي في عبادي وقال الفراء ادخلي مع عبادي وقرأ سعد بن أبي وقاص وأبي بن كعب وابن عباس ومجاهد والضحاك وأبو العالية وأبو عمران في عبدي على التوحيد قال الزجاج فعلى هذه القراءة والله أعلم

يكون المعنى ارجعي الي ربك أي الى صاحبك الذي خرجت منه فادخلي فيه

سورة البلد
وهي مكية كلها بإجماعهم بسم الله الرحمن الرحيم
لا أقسم بهذا البلد وأنت حل بهذا البلد ووالد وما ولد لقد خلقنا الإنسان في كبد أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يقول أهلكت مالا لبدا أيحسب أن لم يره أحد ألم نجعل له عينين ولسانا وشفتين وهديناه النجدين
قوله تعالى لا أقسم قال الزجاج المعنى أقسم و لا دخلت توكيدا كقوله تعالى لئلا يعلم أهل الكتاب الحديد 29 وقرأ عكرمة ومجاهد وأبو عمران وأبو العالية لأقسم قال الزجاج وهذه القراءة بعيدة في العربية وقد شرحنا هذا في أول القيامة
قوله تعالى وأنت حل بهذا البلد فيه ثلاثة أقوال

و البلد هاهنا مكة
أحدها حل لك ما صنعت في هذا البلد من قتل أو غيره قاله ابن عباس ومجاهد قال الزجاج يقال رجل حل وحلال ومحل قال المفسرون والمعنى إن الله تعالى وعد نبيه أن يفتح مكة على يديه بأن يحلها له فيكون فيها حلا
والثاني فأنت محل بهذا البلد غير محرم في دخوله يعني عام الفتح قاله الحسن وعطاء
والثالث أن المشركين بهذا البلد يستحلون إخراجك وقتلك ويحرمون قتل الصيد حكاه الثعلبي
قوله تعالى ووالد وما ولد فيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه آدم وما ولد قاله الحسن ومجاهد والضحاك وقتادة

والثاني أولاد إبراهيم وما ولد ذريته قاله أبو عمران الجوني
والثالث أنه عام في كل والد وما ولد حكاه الزجاج
قوله تعالى لقد خلقنا الإنسان هذا جواب القسم
وفيمن عنى بالإنسان خمسة أقوال
أحدهما أنه اسم جنس وهو معنى قول ابن عباس
والثاني أنه أبو الأشدين الجمحي وقد سبق ذكره المدثر 29 والانفطار 5 قاله الحسن

والثالث أنه الحارث بن عامر بن نوفل وذلك أنه أذنب ذنبا فأمره النبي صلى الله عليه و سلم بالكفارة فقال لقد ذهب مالي في الكفارات والنفقات منذ دخلت في دين محمد قاله مقاتل
والرابع آدم عليه السلام قاله ابن زيد
والخامس الوليد بن المغيرة حكاه الثعلبي
قوله تعالى في كبد فيه ثلاثة أقوال
أحدها في نصب رواه الوالبي عن ابن عباس وبه قال الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وأبو عبيدة فإنهم قالوا في شدة قال الحسن يكابد الشكر على السراء والصبر على الضراء لأنه لا يخلو من أحدهما ويكابد مصائب الدنيا وشدائد الآخرة قال ابن قتيبة في شدة غلبة ومكابدة لأمور الدنيا والآخرة فعلى هذا يكون من مكابدة الأمر وهي معاناته
والثاني أن المعنى خلق منتصبا يمشي على رجلين وسائر الحيوان

غير منتصب رواه مقسم عن ابن عباس وبه قال عكرمة والضحاك وعطية والفراء فعلى هذا يكون معنى الكبد الإستواء والإستقامة
والثالث في وسط السماء قال ابن زيد لقد خلقنا الإنسان يعني آدم في كبد أي في وسط السماء
قوله تعالى أيحسب أن لن يقدر عليه أحد يعني الله عز و جل أي أيحسب أن لن نقدر على بعثه ومعاقبته يقول أهلكت مالا لبدا أي كثيرا قال أبو عبيدة هو فعل من التلبد وهو المال الكثير بعضه على بعض قال ابن قتيبة وهو المال المتلبد

كأن بعضه على بعض قال الزجاج وهو فعل للكثرة كما يقال رجل حطم إذا كان كثير الحطم وقرأ أبو بكر الصديق رضي الله عنه وعائشة وأبو عبد الرحمن وقتادة وأبو العالية وأبو جعفر لبدا بضم اللام وتشديد الباء مفتوحة وقرأ عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأبو المتوكل وأبو عمران لبدا بفتح اللام وتسكين الباء خفيفة وقرأ عثمان بن عفان والحسن ومجاهد لبدا برفع اللام والباء وتخفيفهما وقرأ علي وابن أبي الجوزاء لبدا بكسر اللام وفتح الباء مخففة
وفيما قال لأجله ذلك قولان
أحدهما أنه أراد أهلكت مالا كثيرا في عداوة محمد قاله ابن السائب فكأنه استطال بما أنفق
والثاني أنفقت في سبيل الله وفي الكفارات مالا كثيرا قاله مقاتل فكأنه ندم على ما أنفق
قوله تعالى أيحسب أن لم يره أحد يعني الله عز و جل والمعنى أيظن أن الله لم ير نفقته ولم يحصها وكان قد ادعى ما لم ينفق

قوله تعالى ألم نجعل له عينين والمعنى ألم نفعل به ما يدل على أن الله قادر على بعثه
قوله تعالى وهديناه النجدين فيه ثلاثة أقوال
أحدها سبيل الخير والشر قاله علي والحسن والفراء وقال ابن قتيبة يريد طريق الخير والشر وقال الزجاج النجدان الطريقان الواضحان والنجد المرتفع من الأرض فالمعنى ألم نعرفه طريق الخير والشر كتبين الطريقين العاليين
والثاني سبيل الهدى والضلال قاله ابن عباس وقال مجاهد هو سبيل الشقاوة والسعادة
والثالث الثديان ليتغذى بلبنهما روي عن ابن عباس أيضا وبه قال ابن المسيب والضحاك وقتادة
فلا أقتحم العقبة وما أدرسك ما العقبة فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسغبة يتيما ذا مقربة أو مسكينا ذا متربة ثم كان من الذين آمنوا وتواصوا بالصبر وتواصوا بالمرحمة أولئك أصحاب الميمنة والذين كفروا بآياتنا هم أصحاب المشئمة عليهم نار مؤصدة

قوله تعالى فلا اقتحم العقبة قال أبو عبيدة فلم يقتحم العقبة في الدنيا وقال ابن قتيبة فلا هو اقتحم العقبة قال الفراء لم يضم الى قوله تعالى فلا اقتحم العقبة كلاما آخر فيه لا والعرب لا تكاد تفرد لا في الكلام حتى يعيدوها عليه في كلام آخر كقوله تعالى فلا صدق ولا صلى القيامة 31 ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون البقرة 62 ومعنى لا مأخوذ من آخر هذا الكلام فاكتفى بواحدة من الأخرى ألا ترى أنه فسر اقتحام العقبة فقال فك رقبة أو إطعام في يوم ذي مسبغة ثم كان من الذين آمنوا ففسرها بثلاثة أشياء فكأنه كان في أول الكلام فلا فعل ذا ولا ذا وذهب ابن زيد في آخرين الى أن المعنى أفلا اقتحم العقبة على وجه الإستفهام والمعنى فهلا أنفق ماله في فك الرقاب والإطعام ليجاوز بذلك العقبة
فأما الإقتحام فقد بيناه في ص 59
وفي العقبة سبعة أقوال
أحدها أنه جبل في جهنم قاله ابن عمر

والثاني عقبة دون الجسر قاله الحسن
والثالث سبعون دركة في جهنم قاله كعب
والرابع الصراط قاله مجاهد والضحاك
والخامس نار دون الجسر قاله قتادة
والسادس طريق النجاة قاله ابن زيد
والسابع أن ذكر العقبة هاهنا مثل ضربه الله تعالى لمجاهدة النفس والهوى والشيطان في أعمال البر فجعله كالذي يتكلف صعود العقبة يقول لم يحمل على نفسه المشقة بعتق الرقبة والإطعام ذكره علي بن أحمد النيسابوري في آخرين
قوله تعالى وما أدراك ما القعبة قال سفيان بن عينية كل ما فيه وما أدراك فقد أخبره وكل ما فيه وما يدريك فإنه لم يخبره به قال المفسرون المعنى وما أدراك ما اقتحام العقبة ثم بينه فقال تعالى

فك رقبة قرأ ابن كثير وأبوه عمرو إلا عبد الوارث والكسائي والداجوني عن ابن ذكوان فك بفتح الكاف رقبة بالنصب أوأطعم بفتح الهمزة والميم وسكون الطاء من غير ألف وقرأ عاصم وابن عامر ونافع وحمزة فك بالرفع رقبة بالخفض أو إطعام بالألف ومعنى فك الرقبة تخليصها من أسر الرق وكل شيء أطلقته فقد فككته ومن قرأ فك رقبة على الفعل فهو تفسير اقتحام العقبة بالفعل واختاره الفراء لقوله تعالى ثم كان من الذين آمنوا قال ابن قتيبة والمسغبة المجاعة يقال سغب يسغب سغوبا إذا جاع يتيما ذا مقربة أي ذا قرابة أو مسكينا ذا متربة أي ذا فقر كأنه لصق بالتراب وقال ابن عباس هو المطروح في التراب لايقيه شيء ثم بين أن هذه القرب إنما تنفع مع الإيمان بقوله تعالى ثم كان من الذين آمنوا و ثم هاهنا بمعنى الواو كقوله تعالى ثم الله شهيد يونس 46

قوله تعالى وتواصوا بالصبر على فرائض الله وأمره وتواصوا بالمرحمة أي بالتراحم بينهم وقد ذكرنا أصحاب الميمنة والمشأمة في الواقعة 7 8 قال الفراء و المؤصدة المطبقة قال مقاتل يعني أبوابها عليهم مطبقة فلا يفتح لها باب ولايخرج منها غم ولا يدخل فيها روح آخر الأبد وقال ابن قتيبة يقال أوصدت الباب وآصدته إذا أطبقته وقال الزجاج المعنى أن العذاب مطبق عليهم وقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر والكسائي وأبو بكر عن عاصم موصدة بغير همز هاهنا وفي الهمزة 8 وقرأ أبو عمرو وحمزة وحفص عن عاصم بالهمز في الموضعين

سورة الشمس
وهي مكيه كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
والشمس وضحاها والقمر إذا تلاها والنهار إذا جلاها والليل إذا يغشاها والسماء وما بناها والأرض وما طحاها ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها
قوله تعالى والشمس وضحاها في المراد بضحاها ثلاثة أقوال
أحدها ضوؤها قاله مجاهد والزجاج والضحى حين يصفو ضوء الشمس بعد طلوعها
والثاني النهار كله قاله قتادة وابن قتيبة
والثالث حرها قاله السدي ومقاتل والقمر إذا تلاها فيه قولان

أحدهما إذا تبعها قاله ابن عباس في آخرين ثم في وقت اتباعه لها ثلاثة أقوال أحدهما أنه في أول ليلة من الشهر يرى القمر إذا سقطت الشمس قال قتادة والثاني أنه في الخامس عشر يطلع القمر مع غروب الشمس حكاه الماوردي والثالث أنه في النصف الأول من الشهر إذا غربت تلاها القمر في الإضاءة وخلفها في النور حكاه علي بن أحمد النيسابوري
والقول الثاني إذا ساواها قاله مجاهد وقال غيره إذا استدار فتلا الشمس في الضياء والنور وذلك في الليالي البيض
قوله تعالى والنهار إذا جلاها في المكني عنها قولان
أحدهما أنها الشمس قاله مجاهد فيكون المعنى والنهار إذا بين الشمس لأنها تتبين إذا انبسط النهار
والثاني أنها الظلمة فيكون كناية عن غير مذكور لأن المعنى معروف كما تقول أصبحت باردة وهبت شمالا وهذا قول الفراء واللغويين
والليل إذا يغشاها أي يغشى الشمس حين تغيب فتظلم الآفاق
قوله تعالى والسماء وما بناها في ما قولان

أحدهما بمعنى من تقديره ومن بناها قاله الحسن ومجاهد وأبو عبيدة وبعضهم يجعلها بمعنى الذي
والثاني أنها بمعنى المصدر تقديره وبنائها وهذا مذهب قتادة والزجاج وكذلك القول في وما طحاها وما سواها وقد قرأ أبو عمران الجوني في آخرين ومن بناها ومن طحاها ومن سواها كله بالنون قال أبو عبيدة ومعنى طحاها بسطها يمينا وشمالا ومن كل جانب قال ابن قتيبة يقال خير طاح أي كثير متسع
وفي المراد بالنفس ها هنا قولان
أحدهما آدم قاله الحسن
والثاني جميع النفوس قاله عطاء وقد ذكرنا معنى سواها في

قوله تعالى فسواك فعدلك الإنفطار 7 فألهمها فجورها وتقواها الإلهام إيقاع الشيء في النفس قال سعيد بن جبير ألزمها فجورها وتقواها
وقال ابن زيد جعل ذلك فيها بتوفيقه إياها للتقوى وخذلانه إياها للفجور

قوله تعالى قد أفلح من زكاها قال الزجاج هذا جواب القسم والمعنى لقد أفلح ولكن اللام حذفت لأن الكلام طال فصار طوله عوضا منها قال ابن الأنباري جوابه محذوف وفي معنى الكلام قولان
أحدهما قد أفلحت نفس زكاها الله عز و جل قاله ابن عباس ومقاتل والفراء والزجاج
والثاني قد أفلح من زكى نفسه بطاعة الله وصالح الأعمال قاله قتادة وابن قتيبة ومعنى زكاها أصلحها وطهرها من الذنوب وقد خاب من دساها فيه قولان كالذي قبله
فإن قلنا إن الفعل لله فمعنى دساها خذلها وأخملها وأخفى محلها بالكفر والمعصية ولم يشهرها بالطاعة والعمل الصالح
وإن قلنا الفعل للإنسان فمعنى دساها أخفاها بالفجور قال الفراء ويروى أن دساها دسسها لأن البخيل يخفي منزله وماله وقال ابن قتيبة المعنى دسى نفسه أي أخفاها بالفجور والمعصية والأصل من دسست

فقلبت السين ياء كما قالوا قصيت أظفاري أي قصصتها فكأن النطف بارتكاب الفواحش دس نفسه وقمعها ومصطنع المعروف شهر نفسه ورفعها وكانت أجواد العرب تنزل الربا للشهرة واللئام تنزل الأطراف لتخفي أماكنها وقال الزجاج معنى دساها جعلها قليلة خسيسة
كذبت ثمود بطغواها إذ انبعث أشقها فقال لهم رسول الله ناقة الله وسقيها فكذبوه فعقروها فدمدم عليهم ربهم بذنبهم فسواه ولا يخاف عقبها
قوله تعالى كذبت ثمود بطغواها أي كذبت رسولها بطغيانها
والمعنى أن الطغيان حملهم على التكذيب قال الفراء أراد بطغواها طغيانها وهما مصدران إلا أن الطغوى أشكل برؤوس الآيات فاختير لذلك وقيل كذبوا العذاب إذ انبعث أي انتدب أشقاها وهو عاقر الناقة لعقرها فقال لهم رسول الله وهو صالح ناقة الله قال الفراء نصب

الناقة على التحذير وكل تحذير فهو نصب قال ابن قتيبة المعنى احذروا ناقة الله وشربها وقال الزجاج المعنى ذروا ناقة الله و ذروا سقياها قال المفسرون سقياها شربها من الماء والمعنى لا تتعرضوا ليوم شربها فكذبوه في تحذيره إياهم العذاب بعقرها فعقروها وقد بينا معنى العقر في الأعراف 77 فدمدم عليهم ربهم قال الزجاج أي أطبق عليهم العذاب يقال دمدمت على الشيء إذا أطبقت فكررت الإطباق وقال المؤرج الدمدمة إهلاك بإستئصال
وفي قوله تعالى فسواها قولان
أحدهما سوى بينهم في الإهلاك قاله السدي ويحيى بن سلام وقيل سوى الدمدمة عليهم والمعنى أنه أهلك صغيرهم وكبيرهم
والثاني سوى الأرض عليهم قال مقاتل سوى بيوتهم على قبورهم
وكانوا قد حفروا قبورا فاضطجعوا فيها فلما صيح بهم فهلكوا زلزلت بيوتهم فوقعت على قبورهم
قوله تعالى ولا يخاف عقباها قرأ أبو جعفر ونافع وابن عامر فلا يخاف بالفاء وكذلك هو في مصاحف أهل المدينة والشام وقرأ الباقون

بالواو وكذلك هي في مصاحف مكة والكوفة والبصرة
وفي المشار اليه ثلاثة أقوال
أحدها أنه الله عز و جل فالمعنى لا يخاف الله من أحد تبعة في إهلاكهم ولا يخشى عقبى ما صنع قاله ابن عباس والحسن
والثاني أنه الذي عقرها فالمعنى أنه لم يخف عقبى ما صنع وهذا مذهب الضحاك والسدي وابن السائب فعلى هذا الكلام تقديم وتأخير تقديره إذ انبعث أشقاها وهو لا يخاف عقباها
والثالث أنه نبي الله صالح لم يخف عقباها حكاه الزجاج

سورة الليل
وهي مكية كلها بإجماعهم بسم الله الرحمن الرحيم
والليل إذا يغشى والنهار إذا تجلى وما خلق الذكر والأنثى إن سعيكم لشتى فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى وما يغني عنه ماله إذا تردى
قوله تعالى والليل إذا يغشى قال ابن عباس يغشى بظلمته النهار وقال الزجاج يغشى الأفق ويغشى جميع ما بين السماء والأرض والنهار إذا تجلى أي بان وظهر من بين الظلمة وما خلق الذكر والأنثى في ما قولان وقد ذكرناهما عند قوله تعالى وما بناها الشمس 5 وفي الذكر والأنثى قولان
أحدهما آدم وحواء قاله ابن السائب ومقاتل

والثاني أنه عام ذكره الماوردي قوله تعالى إن سعيكم لشتى هذا جواب القسم قال ابن عباس إن أعمالكم لمختلفة عمل للجنة وعمل للنار وقال الزجاج سعي المؤمن والكافر مختلف بينهما بعد
وفي سبب نزول هذه السورة قولان
أحدهما أن أبا بكر الصديق رضي الله عنه اشترى بلالا من أمية وأبي ابني خلف ببردة وعشرة أواق فأعتقه فأنزل الله عز و جل والليل الى قوله تعالى إن سعيكم لشتى يعني سعي أبي بكر وأمية وأبي قاله عبد الله بن مسعود
والثاني أن رجلا كانت له نخلة فرعها في دار رجل فقير ذي عيال وكان الرجل إذا صعد النخلة ليأخذ منها الثمر فربما سقطت الثمرة فيأخذها صبيان الفقير فينزل الرجل من نخلته حتى يأخذ الثمرة من أيديهم فإن وجدها في فم

أحدهم أدخل أصبعه حتى يخرجها فشكا ذلك الرجل الى النبي صلى الله عليه و سلم فلقي النبي صلى الله عليه و سلم صاحب النخلة فقال تعطني نخلتك التي فرعها في دار فلان ولك بها نخلة في الجنة فقال الرجل إن لي نخلا وما فيه نخلة أعجب إلي منها ثم ذهب الرجل فقال رجل ممن سمع ذلك الكلام يا رسول الله أتعطيني نخلة في الجنة إن أنا أخذتها قال نعم فذهب الرجل فلقي صاحب النخلة فساومها منه فقال له أما شعرت أن محمدا أعطاني بها نخلة في الجنة فقلت ما لي نخلة أعجب إلي منها فقال له أتريد بيعها قال لا إلا أن أعطى بها مالا أظنني أعطى قال ما مناك قال أربعون نخلة فقال أنا أعطيك أربعين نخلة فأشهد له ناسا ثم ذهب الى رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال إن النخلة قد صارت في ملكي وهي لك فذهب رسول الله صلى الله عليه و سلم الى صاحب الدار فقال النخلة لك ولعيالك فأنزل الله عز و جل والليل إذا يغشى الى قوله تعالى إن سعيكم لشتى رواه عكرمة عن ابن عباس وقال عطاء الذي اشتراها من الرجل أبو الدحداح

أخذها بحائط له فأنزل الله تعالى هذه الآيات الى قوله تعالى إن سعيكم لشتى أبو الدحداح وصاحب النخلة
قوله تعالى فأما من أعطى وأتقى قال ابن مسعود يعني أبا بكر الصديق هذا قول الجمهور وقال عطاء هو أبو الدحداح
وفي المراد بهذا العطاء ثلاثة أقوال
أحدها أعطى من فضل ماله قاله ابن عباس

والثاني أعطى الله الصدق من قبله قاله الحسن
والثالث أعطى حق الله عليه قاله قتادة
وفي قوله تعالى واتقى ثلاثة أقوال
أحدها اتقى الله قاله ابن عباس
والثاني اتقى البخل قاله مجاهد
والثالث اتقى محارم الله التي نهى عنها قاله قتادة
وفي الحسنى ستة أقوال
أحدها أنه لا إله إلا الله رواه عطية عن ابن عباس وبه قال الضحاك
والثاني الخلف رواه عكرمة عن ابن عباس وبه قال الحسن
والثالث الجنة قاله مجاهد
والرابع نعم الله عليه قاله عطاء
والخامس بوعد الله أن يثيبه قاله قتادة ومقاتل
والسادس الصلاة والزكاة والصوم قاله زيد بن أسلم
قوله تعالى فسنيسره لليسرى ضم أبو جعفر سين اليسرى وسين العسرى وفيه قولان
أحدهما للخير قاله ابن عباس والمعنى نيسر ذلك عليه

والثاني للجنة قاله زيد بن أسلم
وأما من بخل قال ابن مسعود يعني ذلك أمية وأبي ابني خلف وقال عطاء هو صاحب النخلة
قال المفسرون وأما من بخل بالنفقة في الخير والصدقة وقال قتادة بحق الله عز و جل واستغنى عن ثواب الله فلم يرغب فيه وكذب بالحسنى وقد سبقت الأقوال فيها
وفي العسرى قولان
أحدهما النار قاله ابن مسعود
والثاني الشر قاله ابن عباس والمعنى سنهيؤه للشر فيؤديه الى الأمر العسير وهو عذاب النار
ثم ذكر أن ما أمسكه من ماله لا ينفعه فقال تعالى وما يغنى عنه ماله الذي بخل به عن الخير إذا تردى وفيه قولان
أحدهما إذا تردى في جهنم قاله ابن عباس وقتادة والمعنى إذا سقط فيها

والثاني إذا مات فتردى في قبره قاله مجاهد
إن علينا للهدى وإن لنا للآخرة والأولى فأنذرتكم نارا تلظى لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى وسيجنبها الأتقى الذي يؤتي ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى ولسوف يرضى
قوله تعالى إن علينا للهدى قال الزجاج المعنى إن علينا ان نبين طريق الهدى من طريق الضلالة وإن لنا للآخرة والأولى أي فليطلبا منا فأنذرتكم نارا تلظى أي توقد وتتوهج لا يصلاها إلا الأشقى يعني المشرك الذي كذب الرسول وتولى عن الإيمان قال أبو عبيدة الأشقى بمعنى الشقي والعرب تضع أفعل في موضع فاعل قال طرفة
... تمنى رجال أن أموت وإن أمت ... فتلك سبيل لست فيها بأوحد ...
قال الزجاج وهذه الآية التي من أجلها زعم أهل الإرجاء أنه لا يدخل

النار إلا كافر وليس الأمر كما ظنوا هذه نار موصوفة بعينها ولأهل النار منازل فلو كان كل من لا يشرك لا يعذب لم يكن في قوله تعالى ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء النساء 48 فائدة وكان ويغفر ما دون ذلك كلاما لا معنى له
قوله تعالى وسيجنبها أي يبعد عنها فيجعل منها على جانب الأتقى يعني أبا بكر الصديق في قول جميع المفسرين الذي يؤتي ماله يتزكى أي يطلب أن يكون عنه الله زاكيا ولا يطلب الرياء ولا السمعة وما لأحد عنده من نعمة تجزى أي لم يفعل ذلك مجازاة ليد أسديت إليه
وروى عطاء عن ابن عباس أن أبا بكر لما اشترى بلالا بعد أن كان يعذب قال المشركون ما فعل أبو بكر ذلك إلا ليد كانت لبلال عنده فأنزل الله تعالى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى
أي إلا طلبا لثواب ربه قال الفراء و إلا بمعنى لكن ونصب ابتغاء على إضمار إنفاقه فالمعنى وما ينفق إلا ابتغاء وجه ربه

قوله تعالى ولسوف يرضى أي بما يعطى في الجنة من الثواب

سورة الضحى
وهي مكية كلها بإجماعهم
اتفق المفسرون على أن هذه السورة نزلت بعد انقطاع الوحي مدة
ثم اختلفوا في سبب انقطاعه على ثلاثة أقوال
أحدها أن اليهود سألوا رسول الله صلى الله عليه و سلم عن ذي القرنين وعن أصحاب الكهف وعن الروح فقال سأخبركم غدا ولم يقل إن شاء الله فأحتبس عنه الوحي
والثاني لقلة النظافة في بعض أصحابه وقد ذكرنا هذين القولين في سورة مريم 65
والثالث لأجل جرو كان في بيته قاله زيد بن أسلم

وفي مدة احتباسه عنه أقوال قد ذكرناها في مريم 66
وروى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث جندب قال قالت امرأة من قريش للنبي صلى الله عليه و سلم ما أرى شيطانك إلا قد ودعك فنزلت والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى جندب هو ابن سفيان والمرأة يقال لها أم جميل امرأة أبي لهب

بسم الله الرحمن الرحيم
والضحى والليل إذا سجى ما ودعك ربك وما قلى وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى ألم يجدك يتيما فآوى ووجدك ضالا فهدى ووجدك عائلا فأغنى فأما اليتيم فلا تقهر وأما السائل فلا تنهر وأما بنعمة ربك فحدث
وفي المراد بالضحى أربعة أقوال
أحدها ضوء النهار قاله مجاهد
والثاني صدر النهار قاله قتادة
والثالث أول ساعة من النهار إذا ترحلت الشمس قاله السدي ومقاتل
والرابع النهار كله قاله الفراء
وفي معنى سجى خمسة أقوال
أحدها أظلم
والثاني ذهب رويا عن ابن عباس
والثالث أقبل قاله سعيد بن جبير
والرابع سكن قاله عطاء وعكرمة وابن زيد فعلى هذا في معنى سكن قولان
أحدهما استقر ظلامه قال الفراء سجى بمعنى أظلم وركد في

طوله كما يقال بحر ساج وليل ساج إذا ركد وأظلم ومعنى ركد سكن قال أبو عبيدة يقال ليلة ساجية وساكنة وشاكرة قال الحادي
... يا حبذا القمراء والليل الساج ... وطرق مثل ملاء النساج ...
قال ابن قتيبة سجى بمعنى سكن وذلك عند تناهي ظلامه وركوده
والثاني سكن الخلق فيه ذكره الماوردي
والخامس امتد ظلامه قاله ابن الأعرابي
قوله تعالى ما ودعك ربك وقرأ عمر بن الخطاب وأنس وعروة وأبو العالية وابن يعمر وابن أبي عبلة وأبو حاتم عن يعقوب ما ودعك بتخفيف الدال وهذا جواب القسم قال أبو عبيدة ما ودعك من التوديع كما يودع المفارق و ما ودعك مخففة من ودعه يدعه وما قلى أي أبغض
قوله تعالى وللآخرة خير لك من الأولى قال عطاء خير لك من الدنيا وقال غيره الذي لك في الآخرة أعظم مما أعطاك من كرامة الدنيا
قوله تعالى ولسوف يعطيك ربك في الآخرة من الخير فترضى بما تعطى قال علي والحسن هو الشفاعة في أمته حتى يرضى قال ابن عباس

عرض على رسول الله صلى الله عليه و سلم ما يفتح على أمته من بعده كفرا كفرا فسر بذلك فأنزل الله عز و جل وللآخرة خير لك من الأولى ولسوف يعطيك ربك فترضى
قوله تعالى ألم يجدك يتيما فآوى فيه قولان
أحدهما جعل لك مأوى إذا ضمك الى عمك أبي طالب فكفاك المؤونة قاله مقاتل
والثاني جعل لك مأوى لنفسك أغناك عن كفالة أبي طالب قاله ابن السائب
قوله تعالى ووجدك ضالا فهدى فيه ستة أقوال
أحدها ضالا عن معالم النبوة وأحكام الشريعة فهداك إليها قاله الجمهور منهم الحسن والضحاك
والثاني أنه ضل وهو صبي صغير في شعاب مكة فرده الله الى جده عبد المطلب رواه أبو الضحى عن ابن عباس

والثالث أنه لما خرج مع ميسرة غلام خديجة أخذ إبليس بزمام ناقته فعدل به عن الطريق فجاء جبريل فنفخ إبليس نفخة وقع منها الى الحبشة ورده إلى القافلة فمن الله عليه بذلك قاله سعيد بن المسيب
والرابع أن المعنى ووجدك في قوم ضلال فهداك للتوحيد والنبوة قاله ابن السائب
والخامس ووجدك نسيا فهداك إلى الذكر ومثله أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى البقرة 282 قاله ثعلب
والسادس ووجدك خاملا لاتذكر ولا تعرف فهدى الناس إليك حتى عرفوك قاله عبد العزيز بن يحيى ومحمد بن علي الترمذي
قوله تعالى ووجدك عائلا قال أبو عبيدة أي ذا فقر وأنشد ... وما يدري الفقير متى غناه ... وما يدري الغني متى يعيل ...
أي يفتقر قال ابن قتيبة العائل الفقير كان له عيال أو لم يكن يقال عال الرجل إذا افتقر وأعال إذا كثر عياله
قوله تعالى فأغنى قولان
أحدهما رضاك بما أعطاك من الرزق قاله ابن السائب واختاره الفراء
وقال لم يكن غناه عن كثرة المال ولكن الله رضاه بما آتاه

والثاني فأغناك بمال خديجة عن أبي طالب قاله جماعة من المفسرين
قوله تعالى فأما اليتيم فلا تقهر فيه قولان
أحدهما لاتحقر قاله مجاهد
والثاني لاتقهره على ماله قاله الزجاج وأما السائل ففيه قولان
أحدهما سائل البر قاله الجمهور والمعنى إذا جاءك السائل فإما أن تعطيه وإما أن ترده ردا لينا ومعنى فلا تنهر لا تنهره يقال نهره وانتهره إذا استقبله بكلام يزجره
والثاني أنه طالب العلم قاله يحيى بن آدم في آخرين
قوله تعالى وأما بنعمة ربك فحدث في النعمة ثلاثة أقوال
أحدهما النبوة
والثاني القرآن رويا عن مجاهد
والثالث أنها عامة في جميع الخيرات وهذا قول مقاتل وقد روي عن مجاهد قال قرأت على ابن عباس فلما بلغت والضحى قال كبر إذا

ختمت كل سورة حتى تختم وقد قرأت على أبي بن كعب فأمرني بذلك قال علي بن أحمد النيسابوري ويقال إن الأصل في ذلك أن الوحي لما فتر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وقال المشركون قد هجره شيطانه وودعه اغتم لذلك فلما نزل والضحى كبر عند ذلك رسول الله صلى الله عليه و سلم فرحا بنزول الوحي فاتخذه الناس سنة

سورة الأنشراح
مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
ألم نشرح لك صدرك ووضعنا عنك وزرك الذي أنقض ظهرك ورفعنا لك ذكرك فإن مع العسر يسرا إن مع العسر يسرا فإذا فرغت فانصب وإلى ربك فارغب
قوله تعالى ألم نشرح لك صدرك الشرح الفتح بإذهاب ما يصد عن الإدراك والله تعالى فتح صدر نبيه للهدى والمعرفة بإذهاب الشواغل التي تصدر عن إدراك الحق ومعنى هذا الإستفهام التقرير أي قد فعلنا ذلك ووضعنا عنك وزرك أي حططنا عنك إثمك الذي سلف في الجاهلية قاله ابن عباس والحسن وقتادة والضحاك والفراء وابن قتيبة في آخرين وقال الزجاج المعنى أنه غفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر قال ابن قتيبة وأصل

الوزر ما حمله الإنسان على ظهره فشبه بالحمل فجعل مكانه ومعنى أنقض ظهرك أثقله حتى سمع نقيضة أي صوته وهذا مثل يعني أنه لو كان حملا يحمل لسمع نقيض الظهر منه وذهب قوم الى أن المراد بهذا تخفيف أعباء النبوة التي يثقل القيام بها الظهر فسهل الله له ذلك حتى تيسر عليه الأمر وممن ذهب الى هذا عبد العزيز بن يحيى
قوله تعالى ورفعنا لك ذكرك فيه خمسة أقوال ما روى أبو سعيد الخدري عن رسول ص - أنه سأل جبريل عن هذه الآية فقال قال الله عز و جل إذا ذكرت ذكرت معي قال قتادة فليس خطيب ولا متشهد ولا صاحب صلاة إلا يقول أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله وهذا قول الجمهور
والثاني رفعنا لك ذكرك بالنبوة قاله يحيى بن سلام
والثالث رفعنا لك ذكرك في الآخرة كما رفعناه في الدنيا حكاه الماوردي

والرابع رفعنا لك ذكرك عند الملائكة في السماء
والخامس بأخذ الميثاق لك على الأنبياء وإلزامهم الإيمان بك والإقرار بفضلك حكاهما الثعلبي
قوله تعالى فإن مع العسر يسرا ضم سين العسر وسين اليسر أبو جعفر و العسر مذكور في الآيتين بلفظ التعريف و اليسر مذكور بلفظ التنكير فدل على أن العسر واحد واليسر اثنان قال ابن مسعود وابن عباس في هذه الآية لن يغلب عسر يسرين قال الفراء العرب إذا ذكرت نكرة ثم أعادتها بنكرة صارت اثنتين كقولك إذا كسبت درهما فأنفق درهما فالثاني غير الأول وإذا أعادتها معرفة فهي كقولك إذا كسبت درهما فأنفق الدرهم فالثاني هو الأول ونحو هذا قال الزجاج ذكر العسر بالألف واللام ثم ثنى ذكره فصار المعنى إن مع العسر يسرين وقال الحسين بن يحيى الجرجاني ويقال له صاحب النظم معنى الكلام لا يحزنك ما يعيرك به المشركون من الفقر فإن مع العسر يسرا عاجلا في الدنيا فأنجزه بما وعده بما فتح عليه ثم ابتدأ فصلا آخر فقال إن مع العسر يسرا والدليل على ابتدائه تعريه من الفاء والواو وهو وعد لجميع المؤمنين أن مع عسر المؤمنين يسرا في الآخرة فمعنى قولهم لن يغلب عسر يسرين لن يغلب عسر الدنيا اليسر الذي وعده الله المؤمنين في الدنيا فاليسر الذي وعدهم في الآخرة

إنما يغلب أحدهما وهو يسر الدنيا فأما يسر الآخرة فدائم لا ينقطع كقوله صلى الله عليه و سلم شهرا عيد لا ينقصان أي لا يجتمعان في النقص وحكي عن العتبي قال

كنت ذات ليلة في البادية بحالة من الغم فألقي في روعي بيت من الشعر فقلت
... أرى الموت لمن أحب ... ح مغموما له أروح ...
فلما جن الليل سمعت هاتفا يهتف
... ألا يا أيها المرء ال ... لذي الهم به برح ...
... وقد أنشد بيتا لم ... يزل في فكره يسنح ...
... إذا اشتد بك العسر ... ففكر في ألم نشرح ...
... فعسر بين يسرين ... إذا أبصرته فافرح ...
فحفظت الأبيات وفرج الله غمي
قوله تعالى فإذا فرغت فانصب أي فادأب في العمل وهو من النصب والنصب التعب الدؤوب في العمل
وفي معنى الكلام خمس أقوال
أحدها فإذا فرغت من الفرائض فانصب في قيام الليل قاله ابن مسعود
والثاني فإذا فرغت من الصلاة فانصب في الدعاء قاله ابن عباس والضحاك ومقاتل

والثالث فإذا فرغت من أمر دنياك فانصب في عمل آخرتك قاله مجاهد
والرابع فإذا فرغت من التشهد فادع لدنياك وآخرتك قاله الشعبي والزهري
والخامس إذا صح بدنك فاجعل صحتك نصبا في العبادة ذكره علي ابن أبي طلحة والى ربك فارغب قال الزجاج اجعل رغبتك الى الله عز و جل وحده

سورة التين
وفيها قولان
أحدهما مكية قاله الجمهور منهم الحسن وعطاء
والثاني أنها مدنية حكاه الماوردي عن ابن عباس وقتادة
بسم الله الرحمن الرحيم
والتين والزيتون وطور سينين وهذا البلد الأمين لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ثم رددناه أسفل سافلين إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات فلهم أجر غير ممنون فما يكذبك بعد بالدين أليس الله بأحكم الحاكمين
قوله تعالى والتين والزيتون فيهما سبعة أقوال
أحدها أنه التين المعروف والزيتون المعروف قاله ابن عباس والحسن وعطاء ومجاهد وعكرمة وجابر بن زيد وإبراهيم وذكر بعض المفسرين

أنه إنما أقسم بالتين لأنها فاكهة مخلصة من شائب التنغيص وهو يدل على قدرة من هيأه على تلك الصفة وجعل الواحدة منه على مقدار اللقمة وإنما أقسم بالزيتون لكثرة الأنتفاع به
والثاني أن التين مسجد نوح عليه السلام الذي بنى على الجودي والزيتون بيت المقدس رواه عطية عن ابن عباس
والثالث التين المسجد الحرام والزيتون المسجد الأقصى قاله الضحاك
والرابع التين مسجد دمشق والزيتون بيت المقدس قاله كعب وقتادة وابن زيد
والخامس أنهما جبلان قاله عكرمة في رواية وروي عن قتادة قال التين الجبل الذي عليه دمشق والزيتون الجبل الذي عليه بيت المقدس
والسادس أن التين مسجد أصحاب الكهف والزيتون مسجد إيلياء قاله القرظي
والسابع أن التين جبال ما بين حلوان الى همذان والزيتون جبال بالشام حكاه الفراء
فأما طور سينين فالطور جبل وفيه قولان

أحدهما أنه الجبل الذي كلم الله موسى عليه قاله كعب الأحبار في الأكثرين
والثاني أنه جبل بالشام قاله قتادة
فأما سينين فهو لغة في سيناء وقد قرأ علي وسعد بن أبي وقاص وأبو العالية وأبو مجلز وطور سيناء ممدودة مهموزة مفتوحة السين وقرأ ابن مسعود وأبو الدرداء وأبو حيوة وطور سيناء مثلهم إلا أنهم كسروا السين وقرأ أبو رجاء والجحدري سينين كما في المصحف لكنهما فتحا السين وقال ابن الأنباري سينين هو سيناء
واختلفوا في معناه فقيل معناه الحسن وقيل المبارك وقيل إنه اسم للشجر الذي حوله وقد شرحنا هذا في سورة المؤمنين 20 قال الزجاج وقد قرىء هاهنا وطور سيناء وهو أشبة لقوله تعالى وشجرة تخرج من طور سيناء المؤمنون 20 وقال مقاتل كل جبل فيه شجر مثمر فهو سينين وسيناء بلغة النبط
قوله تعالى وهذا البلد الأمين يعني مكة يأمن فيه الخائف في الجاهلية

والإسلام قال الفراء ومعنى الأمين الآمن والعرب تقول للأمين آمن
قال الشاعر
... ألم تعلمي يا أسم ويحك أنني ... حلفت يمينا لا أخون أميني ...
يريد آمني
قوله تعالى لقد خلقنا الإنسان هذا جواب القسم وفي المراد بالإنسان هاهنا خمسة أقوال
أحدها أنه كلدة بن أسيد قاله ابن عباس
والثاني الوليد بن المغيرة قاله عطاء
والثالث أبو جهل بن هشام
والرابع عتبة وشيبة حكاهما الماوردي

والخامس أنه اسم جنس وهذا مذهب كثير من المفسرين وهو معنى قول مقاتل
قوله تعالى في أحسن تقويم فيه أربعة أقوال
أحدها في أعدل خلق
والثاني منتصب القامة رويا عن ابن عباس
والثالث في أحسن صورة قاله أبو العالية
والرابع في شباب وقوة قاله عكرمة ثم رددناه أسفل سافلين فيه قولان
أحدهما الى أرذل العمر رواه العوفي عن ابن عباس وبه قال عكرمة وإبراهيم وقتادة وقال الضحاك الى الهرم بعد الشباب والضعف بعد القوة والسافلون هم الضعفاء والزمنى والأطفال والشيخ الكبير أسفل هؤلاء جميعا قال الفراء وإنما قال سافلين على الجمع لأن الإنسان في

معنى جمع تقول هذا أفضل قائم ولا تقول قائمين لأنك تريد واحدا فإذا لم ترد واحدا ذكرته بالتوحيد وبالجمع
والثاني الى النار قاله الحسن وأبو العالية ومجاهد والمعنى إنا نفعل هذا بكثير من الناس تقول العرب أنفق فلان ماله على فلان وإنما أنفق بعضه ومثله قوله تعالى الذي يؤتي ماله يتزكى الليل 18 لم يرد كل ماله ثم استثنى من الإنسان فقال تعالى إلا الذين آمنوا لأن معنى الإنسان الكثير
وللمفسرين في معنى الإستثناء قولان
أحدهما إلا الذين آمنوا فإنهم لا يردون الى الخرف وأرذل العمر وإن عمروا طويلا وهذا على القول الأول قال ابن عباس من قرأ القرآن لم يرد الى ارذل العمر وقال النخعي إذا بلغ المؤمن من الكبر ما يعجز عن العمل كتب له ما كان يعمل وهو قوله تعالى فلهم أجر غير ممنون وقال ابن قتيبة المعنى إلا الذين آمنوا في وقت القوة والقدرة فإنهم حال الكبر غير منقوصين وإن عجزوا عن الطاعات لأن الله تعالى علم أنهم لو لم يسلبهم القوة لم ينقطعوا عن أفعال الخير فهو يجري لهم أجر ذلك
والثاني إلا الذين آمنوا فإنهم لا يردون الى النار وهذا على القول الثاني
وقد شرحنا معنى الممنون في ن آية 3
قوله تعالى فما يكذبك بعد بالدين فيه قولان

أحدهما فما يكذبك أيها الإنسان بعد هذه الحجة بالدين أي ما الذي يجعلك مكذبا بالجزاء وهذا توبيخ للكافر وهو معنى قول مقاتل وزعم أنها نزلت في عدي بن ربيعة
والثاني فمن يقدر على تكذيبك بالثواب والعقاب بعدما تبين له خلقنا الإنسان على ما وصفنا قاله الفراء فأما الدين فهو الجزاء والمشار بذكره الى البعث كأنه استدل بتقليب الأحوال على البعث
قوله تعالى أليس الله بأحكم الحاكمين أي بأقضى القاضين قال مقاتل يحكم بينك وبين مكذبيك وذكر بعض المفسرين أن معنى هذه الآية تسليته في تركهم والإعراض عنهم ثم نسخ هذا المعنى بآية السيف

سورة العلق
وتسمى سورة القلم وسورة العلق وهي مكية بإجماعهم
وهي أول ما نزل من القرآن وقيل إنها نزلت عليه في أول الوحي خمس آيات منها ثم نزل باقيها في أبي جهل
بسم الله الرحمن الرحيم اقرأ باسم ربك الذي خلق خلق الإنسان من علق اقرأ وربك الأكرم الذي علم بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم
قوله تعالى اقرأ قرأ أبو جعفر بتخفيف الهمزة في الحرفين قال أبو عبيدة المعنى إقرأ باسم ربك والباء زائدة
وقال المفسرون المعنى اذكر اسمه مستفتحا به قراءتك وإنما قال تعالى الذي خلق لأن الكفار كانوا يعلمون أنه الخالق دون أصنامهم والإنسان هاهنا ابن آدم والعلق جمع علقة وقد بيناها في سورة الحج قال الفراء لما كان الإنسان في معنى الجمع جمع العلق مع مشاكلة رؤوس الآيات

قوله تعالى اقرأ تقرير للتأكيد ثم استأنف فقال تعالى وربك الأكرم قال الخطابي الأكرم الذي لايوازيه كرم ولا يعادله في الكرم نظير وقد يكون الأكرم بمعنى الكريم كما جاء الأعز والأطول بمعنى العزيز والطويل وقد سبق تفسير الكريم
قوله تعالى الذي علم بالقلم أي علم الإنسان الكتابة بالقلم علم الإنسان ما لم يعلم من الخط والصنائع وغير ذلك وقيل المراد بالإنسان هاهنا محمد صلى الله عليه و سلم
كلا إن الإنسان ليطغى ان رآه استغنى إن إلى ربك الرجعى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى أرأيت إن كان على الهدى أو أمر بالتقوى أرأيت إن كذب وتولى ألم يعلم بأن الله يرى كلا لئن لم ينته لنسفعا بالناصية ناصية كاذبة خاطئة فليدع ناديه سندع الزبانية كلا لا تطعه واسجد واقترب
قوله تعالى كلا أي حقا و قال مقاتل كلا لا يعلم أن الله علمه ثم استأنف فقال تعالى إن الإنسان ليطغى يعني أبا جهل وكان إذا أصاب مالا أشر وبطر في ثيابه ومراكبه وطعامه أن رآه استغنى قال ابن قتيبة أي أن رأى نفسه استغنى و الرجعى المرجع
قوله تعالى أرأيت الذي ينهى معنى أرأيت تعجيبه المخاطب وإنما كررها للتأكيد والتعجيب والمراد بالناهي هاهنا أبو جهل قال أبو هريرة

قال أبو جهل هل يعفر محمد وجهه بين أظهركم قالوا نعم قال فبالذي يحلف به لئن رأيته لأطأن على رقبته فقيل له هاهو ذاك يصلي فانطلق ليطأ على رقبته فما فجأهم إلآ وهو ينكص على عقبيه ويتقي بيديه فأتوه فقالوا مالك يا أبا الحكم فقال إن بيني وبينه خندقا من نار وهولا وأجنحة وقال نبي الله صلى الله عليه و سلم والذي نفسي بيده لو دنا مني لاختطفته الملائكة عضوا عضوا فأنزل الله تعالى أرأيت الذي ينهى إلى آخر السورة وقال ابن عباس كان النبي صلى الله عليه و سلم يصلي فجاء أبو جهل فقال ألم أنهك عن هذا فانصرف إليه

النبي صلى الله عليه و سلم فزبره فقال أبو جهل والله إنك لتعلم ما بها ناد أكثر مني فأنزل الله تعالى فليدع ناديه سندع الزبانية قال ابن عباس والله لو دعا ناديه لأخذته زبانية الله
قال المفسرون والمراد بالعبد هاهنا محمد صلى الله عليه و سلم وقيل كانت الصلاة صلاة الظهر
قوله تعالى أرأيت إن كان على الهدى يعني المنهي وهو النبي صلى الله عليه و سلم
قوله تعالى أرأيت إن كذب وتولى يعني الناهي وهو أبو جهل قال الفراء والمعنى أرأيت الذي ينهى عبدا إذا صلى وهو كاذب متول عن الذكر فأي شيء أعجب من هذا وقال ابن الأنباري تقديره أرأيته مصيبا
قوله تعالى ألم يعلم يعني أبا جهل بأن الله يرى ذلك فيجازيه كلا أي لا يعلم ذلك لئن لم ينته عن تكذيب محمد وشتمه وإيذائه لنسفعا بالناصية السفع الأخذ والناصية مقدم الرأس قال أبو عبيدة يقال سفعت بيده

أي أخذت بها وقال الزجاج يقال شفعت الشيء إذا قبضت عليه وجذبته جذبا شديدا والمعنى لنجرن ناصيته الى النار
قوله تعالى ناصية قال أبو عبيدة هي بدل فلذلك جرها قال الزجاج والمعنى بناصية صاحبها كاذب خاطىء كما يقال نهاره صائم وليله قائم أي هو صائم في نهاره قائم في ليله فليدع ناديه أي أهل ناديه وهم أهل مجلسه فليستنصرهم سندع الزبانية قال عطاء هم الملائكة الغلاظ الشداد وقال مقاتل هم خزنة جهنم وقال قتادة الزبانية في كلام العرب الشرط قال الفراء كان الكسائي يقول لم أسمع للزبانية بواحد ثم قال بأخرة واحد الزبانية زبني فلا أدري أقياسا منه أو سماعا وقال أبو عبيدة واحد الزبانية زبنية وهو كل متمرد من إنس أو جان يقال فلان زبنية عفرية قال ابن قتيبة وهو مأخوذ من الزين وهو الدفع كأنهم يدفعون أهل النار إليها قال ابن دريد الزبن الدفع يقال ناقة زبون إذا زبنت حالبها ودفعته برجلها وتزابن القوم تدارؤوا وإشتقاق الزبانية من الزبن والله أعلم
قوله تعالى كلا أي ليس الأمر على ما عليه أبو جهل لا تطعه في ترك الصلاة واسجد أي صل لله واقترب إليه بالطاعة وهذا قول الجمهور أن قوله تعالى واقترب خطاب للنبي صلى الله عليه و سلم وقد قيل إنه خطاب لأبي جهل ثم فيه قولان

أحدهما أن المعنى اسجد انت يا محمد واقترب أنت يا أبا جهل من النار قاله زيد بن أسلم
والثاني واقترب يا أبا جهل تهددا له رواه أبو سليمان الدمشقي عن بعض القدماء وهذا يشرحه حديث أبي هريرة الذي قدمناه وروى أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد فأكثروا الدعاء

سورة القدر
وفيها قولان
أحدهما أنها مكية رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثاني مدنية قاله الضحاك ومقاتل قال الماوردي والأول قول الأكثرين وقال الثعلبي الثاني قول الأكثرين
بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أنزلناه في ليلة القدر وما آدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خير من ألف شهر تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر سلام هي حتى مطلع الفجر
قوله تعالى إنا أنزلناه يعني القرآن في ليلة القدر وذلك أنه أنزل جملة في تلك الليلة الى بيت العزة وهو بيت في السماء الدنيا وقد ذكرنا هذا الحديث في أول كتابنا والهاء في أنزلناه كناية عن غير مذكور وقال

الزجاج قد جرى ذكره في قوله تعالى إنا أنزلناه في ليلة مباركة الدخان 3
فأما ليلة القدر ففي تسميتها بذلك خمسة أقوال
أحدها أن القدر العظمة من قولك لفلان قدر قاله الزهري
ويشهد له قوله تعالى وما قدروا الله حق قدره الأنعام 91 و الزمر 67
والثاني أنه من الضيق أي هي ليلة تضيق فيها الأرض عن الملائكة الذين ينزلون قاله الخليل بن أحمد ويشهد له قوله تعالى ومن قدر عليه رزقه الطلاق 7
والثالث أن القدر الحكم كأن الأشياء تقدر فيها قاله ابن قتيبة
والرابع لأن من لم يكن له قدر صار بمراعاتها ذا قدر قاله أبو بكر الوراق
والخامس لأنه نزل فيها كتاب ذو قدر وتنزل فيها رحمة ذات قدر وملائكة ذوو قدر حكاه شيخنا علي بن عبيد الله
فصل
واختلف العلماء هل ليلة القدر باقية أم كانت في زمن النبي صلى الله عليه و سلم خاصة والصحيح بقاؤها
وهل هي في جميع السنة أم في رمضان
فيه قولان

أحدهما في رمضان قاله الجمهور
والثاني في جميع السنة قاله ابن مسعود
واختلف القائلون بأنها في شهر رمضان هل تختص ببعضه دون بعض على قولين
أحدهما أنها في العشر الأواخر قاله الجمهور وأكثر الأحاديث الصحيحة تدل عليه
وقد روى البخاري في أفراده من حديث ابن عباس عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال التمسوها في العشر الأواخر من رمضان في تاسعة تبقى أو سابعة تبقى أو في خامسة تبقى وفي حديث أبي بكرة قال ما أنا بملتمسها لشيء سمعته من رسول الله صلى الله عليه و سلم إلا في العشر الأواخر فإني سمعته يقول التمسوها في تسع يبقين أو سبع أو خمس يبقين أو ثلاث يبقين أو آخر ليلة

والقول الثاني أنها في جميع رمضان قاله الحسن البصري
وأختلف القائلون بأنها في العشر الأواخر هل تختص ليالي الوتر دون الشفع على قولين
أحدهما أنها تختص الأفراد قاله الجمهور والأحاديث الصحاح كلها تدل عليه وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال ابتغوها في العشر الأواخر في الوتر منها
والثاني أنها تكون في الشفع كما تكون في الوتر قاله الحسن وروي عن الحسن ومالك بن أنس قالا هي ليلة ثماني عشرة
واختلف القائلون بأنها في الأفراد في أخص الليالي بها على خمسة أقوال
أحدها أن الأخص بها ليلة إحدى وعشرين فروى البخاري ومسلم في

الصحيحين من حديث أبي سعيد الخدري قال اعتكف رسول الله صلى الله عليه و سلم العشر الوسط واعتكفنا معه فلما أصبحنا صبيحة عشرين رجع ورجعنا معه وأرى ليلة القدر ثم أنسيها فقال إني رأيت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني أسجد في ماء وطين فمن اعتكف فليرجع الى معتكفه وهاجت علينا السماء آخر تلك العشية وكان سقف المسجد عريشا من جريد فوكف المسجد فوالذي هو أكرمه وأنزل عليه الكتاب لرأيته يصلي بدأ المغرب ليلة إحدى وعشرين وإن جبهته وأرنبة أنفه لفي الماء والطين وهذا مذهب الشافعي
والثاني أن الأخص بها ليلة ثلاث وعشرين روى أبو هريرة أن النبي صلى الله عليه و سلم قال ليلة ثلاث وعشرين اطلبوها الليلة
وروى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال من كان منكم يريد أن يقوم من الشهر شيئا فليقم ليلة ثلاث وعشرين

وروى مسلم في أفراده من حديث عبد الله بن أنيس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال أريت ليلة القدر ثم أنسيتها وأراني صبحها أسجد في ماء وطين قال فمطرنا ليلة ثلاث وعشرين فصلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم فانصرف وإن أثر الماء والطين على جبهته وأنفه قال وكان عبد الله بن أنيس يقول ليلة ثلاث وعشرين
والثالث ليلة خمس وعشرين روى هذا المعنى أبو بكرة عن النبي صلى الله عليه و سلم

والرابع ليلة سبع وعشرين روى مسلم في أفراده من حديث ابن عمر عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال من كان متحريا فليتحرها ليلة سبع وعشرين يعني ليلة القدر وهذا مذهب علي وأبي بن كعب وكان أبي يحلف لا يستثني أنها ليلة سبع وعشرين وبه قال ابن عباس وعائشة ومعاوية واختاره أحمد رضي الله عنه
وروي عن ابن عباس أنه استدل على ذلك بشيئين

أحدهما أنه قال إن الله تعالى خلق الإنسان على سبعة أصناف يشير الى قوله تعالى ولقد خلقنا الإنسان من سلالة المؤمنين 12 الآيات ثم جعل رزقه في سبعة أصناف يشير الى قوله تعالى أنا صببنا الماء صبا عبس 25 ثم تصلى الجمعة على رأس سبعة أيام وجعل السموات سبعا والأرضين سبعا والمثاني سبعا فلا أرى ليلة القدر إلا ليلة السابعة وعشرين
والثاني أنه قال قوله تعالى سلام هي الكلمة السابعة والعشرون فدل على أنها كذلك
واحتج بعضهم فقال ليلة القدر كررت في هذه السورة ثلاث مرات وهي تسعة أحرف والتسعة إذا كررت ثلاثا فهي سبع وعشرون وهذا تنبيه على ذلك
والقول الخامس أن الأولى طلبها في أول ليلة من رمضان قاله أبو رزين العقيلي

وروى أيوب عن أبي قلابة أنه قال ليلة القدر تنتقل في العشر الأواخر
فأما الحكمة في إخفائها فليتحقق اجتهاد العباد في ليالي رمضان طمعا منهم في إدراكها كما أخفى ساعة الجمعة وساعة

الليل واسمه الأعظم والصلاة الوسطى والولي في الناس

قوله تعالى وما أدراك ما ليلة القدر هذا على سبيل التعظيم والتشوق الى خيرها
قوله تعالى ليلة القدر خير من ألف شهر قال مجاهد قيامها والعمل فيها خير من قيام ألف شهر وصيامها ليس فيها ليلة القدر وهذا قول قتادة واختيار الفراء وابن قتيبة والزجاج وروى عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه و سلم ذكر له رجل من بني إسرائيل حمل السلاح على عاتقه في سبيل الله ألف شهر فعجب رسول الله صلى الله عليه و سلم لذلك وتمنى أن يكون ذلك في أمته فأعطاه الله ليلة القدر

وقال هي خير من ألف شهر التي حمل فيها الاسرائيلي السلاح في سبيل الله
وذكر بعض المفسرين أنه كان الرجل فيما مضى لا يستحق أن يقال له عابد حتى يعبد الله ألف شهر كانوا يعبدون فيها
قوله تعالى تنزل الملائكة قال أبو هريرة الملائكة ليلة القدر في الأرض أكثر من عدد الحصى

وفي الروح ثلاثة أقوال
أحدها أنه جبريل قاله الأكثرون وفي حديث أنس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال إذا كانت ليلة القدر نزل جبريل في كبكبة من الملائكة يصلون ويسلمون على كل عبد قائم أو قاعد يذكر الله عز و جل
والثاني أن الروح طائفة من الملائكة لا تراهم الملائكة إلا تلك الليلة ينزلون من لدن غروب الشمس الى طلوع الفجر قاله كعب ومقاتل بن حيان والثالث انه ملك عظيم يفي بخلق من الملائكة قال الواقدي
قوله تعالى فيها أي في ليلة القدر بإذن ربهم أي بما أمر به وقضاه من كل أمر قال ابن قتيبة أي بكل أمر قال المفسرون يتنزلون بكل أمر قضاه الله في تلك السنة الى قابل وقرأ ابن عمر وابن عباس وأبو العالية وأبو عمران الجوني من كل امرىء بكسر الراء وبعدها همزة مكسورة منونة وبوصل اللام من غير همز ولهذه القراءة وجهان
أحدهما من كل ملك سلام
والثاني أن تكون من بمعنى على تقديره على كل أمر من المسلمين سلام من الملائكة كقوله تعالى ونصرناه من القوم الذين كذبوا الأنبياء 77 والقراءة الموافقة لخط المصحف هي الصواب ويكون تمام الكلام عند قوله تعالى

من كل أمر ثم ابتدأ فقال تعالى سلام هي أي ليلة القدر سلام وفي معنى السلام قولان
أحدهما أنه لا يحدث فيها داء ولا يرسل فيها شيطان قاله مجاهد
والثاني أن معنى السلام الخير والبركة قاله قتادة وكان بعض العلماء يقول الوقف على سلام على معنى تنزل الملائكة بالسلام
قوله تعالى حتى مطلع الفجر قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وأبو عمرو وابن عامر وحمزة مطلع بفتح اللام وقرأ الكسائي بكسرها قال الفراء والفتح أقوى في قياس العربية لأن المطلع بالفتح الطلوع وبالكسر الموضع الذي يطلع منه إلا أن العرب تقول طلعت الشمس مطلعا بالكسر وهم يريدون المصدر كما تقول أكرمتك كرامة فتجتزيء بالأسم عن المصدر وقد شرحنا هذا المعنى في الكهف عند قوله تعالى مطلع الشمس آية 9 شرحا كافيا ولله الحمد

سورة البينة
وفيها قولان
احدهما مدنية قاله الجمهور
والثاني مكية قاله أبو صالح عن ابن عباس واختاره يحيى بن سلام
بسم الله الرحمن الرحيم
لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين منفكين حتى تأتيهم البينة رسول من الله يتلوا صحفا مطهرة فيها كتب قيمة وما تفرق الذين أوتوا الكتاب إلا من بعد ما جاءتهم البينة وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية جزاؤهم عند ربهم جنات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها أبدا رضي الله عنهم ورضوا عنه ذلك لمن خشي ربه

قوله تعالى لم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب يعني اليهود والنصارى والمشركين أي ومن المشركين وهم عبدة الأوثان منفكين أي منفصلين وزائلين يقال فككت الشيء فانفك أي انفصل والمعنى لم يكونوا زائلين عن كفرهم وشركهم حتى تأتيهم أي حتى أتتهم فلفظه لفظ المستقبل ومعناه الماضي و البينة الرسول وهو محمد صلى الله عليه و سلم وذلك أنه بين لهم ضلالهم وجهلهم وهذا بيان عن نعمة الله على من آمن من الفريقين إذ أنقذهم وذهب بعض المفسرين الى أن معنى الآية لم يختلفوا أن الله يبعث إليهم نبياحتى بعث فافترقوا وقال بعضهم لم يكونوا ليتركوا منفكين عن حجج الله حتى أقيمت عليهم البينة والوجه هو الأول والرسول هاهنا محمد صلى الله عليه و سلم ومعنى يتلو صحفا أي ما تضمنته الصحف من المكتوب فيها وهو القرآن ويدل على ذلك أنه كان يتلو القرآن عن ظهر قلبه لا من كتاب ومعنى مطهرة أي من الشرك والباطل فيها أي في الصحف كتب قيمة أي عادلة مستقيمة تبين الحق من الباطل وهي الآيات قال مقاتل وإنما قيل لها كتب لما جمعت من أمور شتى

قوله تعالى وما تفرق الذين أوتوا الكتاب يعني من لم يؤمن منهم إلا من بعد ما جاءتهم البينة وفيها ثلاثة أقوال
أحدها أنها محمد صلى الله عليه و سلم والمعنى لم يزالوا مجتمعين على الإيمان به حتى بعث قاله الأكثرون
والثاني القرآن قاله أبو العالية
والثالث ما في كتبهم من بيان نبوته ذكره الماوردي وقال الزجاج وما تفرقوا في كفرهم بالنبي إلا من بعد أن تبينوا أنه الذي وعدوا به في كتبهم

قوله تعالى وما أمروا أي في كتبهم إلا ليعبدوا الله أي إلا أن يعبدوا الله قال الفراء والعرب تجعل اللام في موضع أن في الأمر والإرادة كثيرا كقوله تعالى يريد الله ليبين لكم النساء 26 و يريدون ليطفئوا نور الله الصف 8 وقال في الأمر وأمرنا لنسلم الأنعام 71

9 - قوله تعالى مخلصين له الدين أي موحدين لا يعبدون سواه حنفاء على دين إبراهيم ويقيموا الصلاة المكتوبة في أوقاتها ويؤتوا الزكاة عند وجوبها وذلك الذي أمروا به هو دين القيمة قال الزجاج أي دين الأمة القيمة بالحق ويكون المعنى ذلك الدين دين الملة المستقيمة
قوله تعالى أولئك هم خير البرية قرأ نافع وابن ذكوان عن ابن عارم بالهمز بالكلمتين وقرأ الباقون بغير همز فيهما قال ابن قتيبة البرية الخلق وأكثر العر ب والقراء على ترك همزها لكثرة ما جرت على الألسنة وهي فعلية بمعنى مفعولة ومن الناس من يزعم أنها مأخوذة من بريت العود ومنهم من يزعم أنها من البرى وهو التراب أي خلق من التراب وقالوا لذلك لا يهمز وقال الزجاج لو كان من البري وهو التراب لما قرنت بالهمز وإنما اشتقاقها من برأ الله الخلق وقال الخطابي أصل البرية الهمز إلا أنهم اصطلحوا على ترك الهمز فيها وما بعده ظاهر الى قوله تعالى رضي الله عنهم قال مقاتل رضي الله عنهم بطاعتهم ورضوا عنه بثوابه وكان بعض السلف يقول إذا كنت لا ترضى عن الله فكيف تسأله الرضى عنك

قوله تعالى ذلك لمن خشي ربه أي خافه في الدنيا وتناهى عن معاصيه

سورة الزلزلة
وفيها قولان
أحدهما أنها مدنية قاله ابن عباس وقتادة ومقاتل والجمهور
والثاني مكية قاله ابن مسعود وجابر وعطاء
بسم الله الرحمن الرحيم
إذا زلزلت الأرض زلزالها وأخرجت الأرض أثقالها وقال الإنسان ما لها يومئذ تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها يومئذ يصدر الناس أشتاتا ليروا أعمالهم فمن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره
قوله تعالى إذا زلزلت الأرض زلزالها أي حركت حركة شديدة وذلك عند قيام الساعة وقال مقاتل تتزلزل من شدة صوت إسرافيل حتى ينكسر كل ما عليها من شدة الزلزلة ولا تسكن حتى تلقي ما على ظهرها من جبل أو بناء أو شجر ثم تتحرك وتضطرب فتخرج ما في جوفها

وفي وقت هذه الزلزلة قولان
أحدهما تكون في الدنيا وهي من أشراط الساعة قاله الأكثرون
والثاني أنها زلزلة يوم القيامة قاله خارجة بن زيد في آخرين قال الفراء حدثني محمد بن مروان قال قلت للكلبي أرأيت قول الله تعالى إذا زلزلة الأرض زلزالها فقال هذه بمنزلة قوله تعالى ويخرجكم إخراجا نوح 18 فأضيف المصدر إلى صاحبه وأنت قائل في الكلام لأعطينك عطيتك تريد عطية والزلزال بالكسر المصدر وبالفتح الاسم وقد قرأ أبو العالية وأبو عمران وأبو حيوة الجحدري زلزالها بفتح الزاي
قوله تعالى وأخرجت الأرض أثقالها فيه قولان
أحدهما ما فيها من الموتى قاله ابن عباس
والثاني كنوزها قاله عطية وجمع الفراء بين القولين فقال لفظت ما فيها من ذهب أو فضة أو ميت

قوله تعالى وقال الإنسان ما لها فيه قولان
أحدهما أنه اسم جنس يعم الكافر والمؤمن وهذا قول من جعلها من أشراط الساعة لأنها حين ابتدأت لم يعلم الكل أنها من أشراط الساعة فسأل بعضهم بعضا حتى أيقنوا
والثاني أنه الكافر خاصة وهذا قول من جعلها زلزلة القيامة لأن المؤمن عارف فلا يسأل عنها والكافر جاحد لها لأنه لا يؤمن بالبعث فلذلك يسأل
قوله تعالى يومئذ تحدث أخبارها قال الزجاج يومئذ منصوب بقوله تعالى إذا زلزلت وأخرجت ففي ذلك اليوم تحدث بأخبارها أي تخبر بما عمل عليها وفي حديث أبي هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم أنه قال أتدرون ما أخبارها قالوا الله و رسوله أعلم قال أخبارها أن تشهد على كل عبد وأمة بما عمل على ظهرها تقول عمل كذا وكذا يوم كذا وكذا
قوله تعالى بأن ربك أوحى لها قال الفراء تحدث أخبارها بوحي الله وإذنه لها قال ابن عباس أوحى لها أي أوحى إليها وأذن لها أن

تخبر بما عمل عليها وقال أبو عبيدة لها بمعنى إليها قال العجاج وحى لها القرار فاستقرت
قوله تعالى يومئذ يصدر الناس أي يرجعون عن موقف الحساب أشتاتا أي فرقا فأهل الإيمان على حدة وأهل الكفر على حدة ليروا أعمالهم وقرأ أبو بكر الصديق وعائشة والجحدري ليروا بفتح الياء قال ابن عباس أي ليروا جزاء أعمالهم فالمعنى أنهم يرجعون عن الموقف فرقا لينزلوا منازلهم من الجنة والنار وقيل في الكلام تقديم وتأخير تقديره تحدث أخبارها بأن ربك أوحى لها ليروا أعمالهم يومئذ يصدر الناس اشتاتا فعلى هذا يرون ما عملوا من خير أو شر في موقف العرض فمن يعمل مثقال ذرة قال المفسرون من يعمل في الدنيا مثقال ذرة من الخير أو الشر يره وقرأ أبان

عن عاصم يره بضم الياء في الحرفين وقد بينا معنى الذرة في سورة النساء 40 وفي معنى هذه الرؤية قولان
أحدهما أنه يراه في كتابة
والثاني يرى جزاءه وذكر مقاتل أنها نزلت في رجلين كانا بالمدينة كان أحدهما يستقل أن يعطي السائل الكسرة أو التمرة وكان الآخر يتهاون بالذنب اليسير فأنزل الله عز و جل هذا يرغبهم في القليل من الخير ويحذرهم اليسير من الشر

سورة العاديات
وفيها قولان
أحدهما أنها مكية قاله ابن مسعود وعطاء وعكرمة وجابر
والثاني مدنية قاله ابن عباس وقتادة ومقاتل
بسم الله الرحمن الرحيم
والعاديات ضبحا فالموريات قدحا فالمغيرات صبحا فأثرن به نقعا فوسطن به جمعا إن الإنسان لربه لكنود وإنه على ذلك لشهيد وإنه لحب الخير لشديد أفلا يعلم إذا بعثر ما في القبور وحصل ما في الصدور إن ربهم بهم يومئذ لخبير
قوله تعالى والعاديات فيه قولان
أحدهما أنها الإبل في الحج قاله علي وابن مسعود وعبيد بن عمير والقرظي والسدي وروى عن علي أنه قال والعاديات ضبحا من عرفة الى الزدلفة ومن المزدلفة الى منى وروي عن علي أنه قال هذا في صفة وقعة بدر قال وما كان معنا يومئذ إلا فرس وفي بعض الحديث أنه كان معهم فرسان

والثاني أنها الخيل في سبيل الله قاله ابن عباس والحسن وعطاء ومجاهد وأبو العالية وعكرمة وقتادة وعطية والربيع واللغويون وكان ابن عباس يذهب الى أن هذا كان في سرية فروى عكرمة عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه و سلم بعث خيلا فلم يأته خبرها شهرا فنزلت والعادايات ضبحا ضبحت بمناخرها فالموريات قدحا قدحت بحوافرها الحجارة فأورت 2نارا فالمغيرات صبحا صبحت القوم بغارة فأثرن به نقعا أثارت بحوافرها التراب فوسطن به جمعا قال صبحت الحي جميعا وقال مقاتل بعث رسول الله صلى الله عليه و سلم سرية الى حيين من كنانة واستعمل عليها المنذر بن عمرو الأنصاري فأبطأ عنه خبرها فجعل اليهود والمنافقون إذا رأوا رجلا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم تناجوا فيظن الرجل أنه قد قتل أخوه أو أبوه أو عمه فيجد من ذلك حزنا فنزلت والعاديات ضبحا فأخبر الله كيف

فعل بهم قال الفراء الضبح أصوات أنفاس الخيل إذا عدون وقال ابن قتيبة الضبح صوت حلوقها إذا عدت وقال الزجاج ضبحها صوت أجوافها إذا عدت
قوله تعالى فالموريات قدحا فيه خمسة أقوال
أحدها أنها الخيل تورى النار بحوافرها إذا جرت وهذا قول الجمهور
قال الزجاج إذا عدت الخيل بالليل فأصابت بحوافرها الحجارة انقدحت منها النيران
والثاني أنها نيران المجاهدين إذا أوقدت روي عن ابن عباس
والثالث مكر الرجال في الحرب قاله مجاهد وزيد بن أسلم
والرابع نيران الحجيج بالمزدلفة قاله القرظي
والخامس أنها الألسنة إذا ظهرت بها الحجج وأقيمت بها الدلائل على الحق وفضح بها الباطل قاله عكرمة

والثالث صلاة العصر قاله مقاتل
قوله تعالى إن الإنسان لفي خسر قال الزجاج هو جواب القسم
والإنسان هاهنا بمعنى الناس كما تقول كثر الدرهم في أيدي الناس تريد الدراهم والخسر والخسران في معنى واحد قال أهل المعاني الخسر هلاك رأس المال أو نقصه فالإنسان إذا لم يستعمل نفسه فيما يوجب له الربح الدائم فهو في خسران لأنه عمل في إهلاك نفسه وهما أكبر رأس ماله إلا الذين آمنوا أي صدقوا الله ورسوله وعملوا بالطاعة وتواصوا بالحق أي بالتوحيد والقرآن واتباع الرسول وتواصوا بالصبر على طاعة الله والقيام بشريعته
وقال إبراهيم في تفسير هذه السورة إن الإنسان إذا عمر في الدنيا لفي نقص وضعف إلا المؤمنين فإنهم يكتب لهم أجور أعمالهم التي كانوا يعملون في شبابهم وصحتهم

سورة الهمزة
وهي مكية بإجماعهم
قال هبة الله المفسر وقد قيل إنها مدنية واختلف المفسرون هل نزلت في حق شخص بعينه أم نزلت عامة على قولين
أحدهما نزلت في حق شخص بعينه
ثم فيه ستة أقوال
أحدها الأخنس بن شريق رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال السدي وابن السائب
والثاني العاص بن وائل السهمي قاله عروة
والثالث جميل بن عامر قاله ابن أبي نجيح
والرابع الوليد بن المغيرة قاله ابن جريج ومقاتل
والخامس أمية بن خلف قاله ابن إسحاق
والسادس أبي بن خلف حكاه الماوردي

والقول الثاني أنها نزلت عامة لا في شخص بعينه قاله مجاهد
بسم الله الرحمن الرحيم
ويل لكل همزة لمزة الذي جمع مالا و عدده يحسب أن ماله أخلده كلا لينبذن في الحطمة وما أدراك ما الحطمة نار الله الموقدة التي تطلع على الأفئدة إنها عليهم مؤصدة في عمد ممددة
قوله تعالى ويل لكل همزة لمزة اختلفوا في الهمزة واللمزة هل هما بمعنى واحد أم مختلفان على قولين
أحدهما أنهما مختلفان ثم فيهما سبعة أقوال
أحدها أن الهمزة المغتاب واللمزة العياب قاله ابن عباس
والثاني أن الهمزة الذي يهمز الإنسان في وجهه واللمزة يلمزه إذا أدبر عنه قاله الحسن وعطاء وأبو العالية
والثالث أن الهمزة الطعان في الناس واللمزة الطعان في أنساب الناس قاله مجاهد

والرابع أن الهمزة بالعين واللمزة باللسان قاله قتادة
والخامس أن الهمزة الذي يهمز الناس بيده ويضربهم واللمزة الذي يلمزهم بلسانه قاله ابن زيد
والسادس أن الهمزة الذي يهمز بلسانه واللمزة الذي يلمز بعينه قاله سفيان الثوري
والسابع أن الهمزة المغتاب واللمزة الطاعن على الإنسان في وجهه قاله مقاتل
والقول الثاني أن الهمزة العياب الطعان واللمزة مثله وأصل الهمز واللمز الدفع قاله ابن قتيبة وكذلك قال الزجاج الهمزة اللمزة الذي يغتاب الناس ويغضهم قال الشاعر
... إذا لقيتك عن كره تكاشرني ... وإن تغيبت كنت الهامز اللمزه ...
قوله تعالى الذي جمع مالا قرأ أبو جعفر وابن عامر وحمزة والكسائي وخلف وروح جمع بالتشديد والباقون بالتخفيف
قوله تعالى وعدده قرأ الجمهور بتشديد الدال وقرأ أبو عبد الرحمن السلمي والحسن وابن يعمر بتخفيفها

وللمفسرين في معنى الكلام قولان
أحدهما أحصى عدده قاله السدي
والثاني أعده لما يكفيه في السنين قاله عكرمة قال الزجاج من قرأ عدده بالتشديد فمعناه عدده للدهور ومن قرأ عدده بالتخفيف فمعناه جمع مالا وعددا أي وقوما اتخذهم أنصارا
قوله تعالى يحسب أن ماله أخلده أخلده بمعنى يخلده والمعنى يظن ماله مانعا له من الموت فهو يعمل عمل من لا يظن أنه يموت كلا أي لا يخلده ماله ولا يبقى له لينبذن أي ليطرحن في الحطمة وهو اسم من أسماء جهنم سميت بذلك لأنها تحطم ما يلقى فيها أي تكسره فهي تكسر العظم بعد أكلها اللحم ويقال للرجل الأكول إنه لحطمة وقرأ أبو بكر الصديق وعمر بن الخطاب وأبو عبد الرحمن والحسن وابن أبي عبلة وابن محيصن لينبذان بألف ممدودة وبكسر النون وتشديدها أي هو وماله
قوله تعالى التي تطلع على الأفئدة أي تأكل اللحم والجلود حتى تقع على الأفئدة فتحرقها قال الفراء يبلغ ألمها الأفئدة والاطلاع والبلوغ قد يكونان بمعنى واحد والعرب تقول متى طلعت أرضنا أي بلغت وقال ابن قتيبة تطلع على الأفئدة أي توفي عليها وتشرف وخص الأفئدة

لأن الألم إذا صار الى الفؤاد مات صاحبه فأخبر أنهم في حال من يموت وهم لا يموتون وقد ذكرنا تفسير المؤصدة في سورة البلد 20
قوله تعالى في عمد قرأ حمزة وخلف والكسائي وعاصم إلا حفصا بضم العين وإسكان الميم قال المفسرون وهي أوتاد الأطباق التي تطبق على أهل النار و في بمعنى الباء والمعنى مطبقة بعمد قال قتادة وكذلك هو في قراءة عبد الله وقال مقاتل أطبقت الأبواب عليهم ثم شدت بأوتاد من حديد حتى يرجع عليهم غمها وحرها و ممددة صفة العمد أي أنها ممدودة مطولة وهي أرسخ من القصيرة وقال قتادة هي عمد يعذبون بها في النار وقال أبو صالح في عمد ممددة قال القيود الطوال

سورة الفيل
مكية بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
ألم تر كيف فعل ربك بأصحاب الفيل ألم يجعل كيدهم في تضليل وأرسل عليهم طيرا أبابيل ترميهم بحجارة من سجيل فجعلهم كعصف مأكول
قوله تعالى ألم تر فيه قولان
أحدهما ألم تخبر قاله الفراء
والثاني ألم تعلم قاله الزجاج ومعنى الكلام معنى التعجب وأصحاب الفيل هم الذين قصدوا تخريب الكعبة
وفي سبب قصدهم لذلك قولان
أحدهما أن أبرهة بني بيعة وقال لست منتهيا حتى أضيف إليها حج العرب فسمع بذلك رجل من بني كنانة فخرج فدخلها ليلا فأحدث فيها فبلغ ذلك أبرهة فحلف ليسيرن الى الكعبة فيهدمها قاله ابن عباس

والثاني أن قوما من قريش خرجوا في تجارة الى أرض النجاشي فنزلوا في جنب بيعة فأوقدوا نارا وشووا لحما فلما رحلوا هبت الريح فإضطرم المكان نارا فغضب النجاشي لأجل البيعة فقال له كبراء أصحابه منهم حجر بن شراحيل وأبو يكسوم لا تحزن فنحن نهدم الكعبة قاله مقاتل وقال ابن إسحاق ابو يكسوم اسمه أبرهة بن الأشرم وقيل وزيره وحجر من قواده
ذكر الإشارة الى القصة
ذكر أهل التفسير أن أبرهة لما سار بجنوده الى الكعبة ليهدمها خرج معه بالفيل فلما دنا من مكة أمر أصحابه بالغارة على نعم الناس فأصابوا إبلا لعبد المطلب وبعث بعض جنوده فقال سل عن شريف مكة وأخبره أني لم آت لقتال وإنما جئت لأهدم هذا البيت فانطلق حتى دخل مكة فلقي عبد المطلب بن هاشم فقال إن الملك أرسلني إليك لأخبرك أنه لم يأت لقتال إلا أن تقاتلوه إنما جاء لهدم هذا البيت ثم ينصرف عنكم فقال عبد المطلب ما له عندنا قتال وما لنا به يد إنا سنخلي بينه وبين ما جاء له فإن هذا بيت الله الحرام وبيت خليله إبراهيم عليه السلام فإن يمنعه فهو بيته وحرمه وإن يخل بينه وبين ذلك فوالله ما لنا به قوة قال فانطلق معي الى الملك فلما دخل عبد المطلب على أبرهة أعظمه وكرمه ثم قال لترجمانه قل له ما حاجتك الى الملك فقال له الترجمان فقال حاجتي أن يرد علي مائتي بعير أصابها فقال أبرهة لترجمانه

قل له لقد كنت أعجبتني حين رأيتك ولقد زهدت الآن فيك جئت الى بيت هو دينك لأهدمه فلم تكلمني فيه وكلمتني لإبل أصبتها فقال عبد المطلب أنا رب هذه الإبل ولهذا البيت رب سيمنعه فأمر بإبله فردت عليه فخرج فأخبر قريشا وأمرهم أن يتفرقوا في الشعاب ورؤوس الجبال خوفا من معرة الجيش إذا دخل ففعلوا فأتى عبد المطلب الكعبة فأخذ بحلقه الباب وجعل يقول
... يا رب لا أرجو لهم سواكا ... يا رب فامنع منهم حماكا ...
... إن عدو البيت من عاداكا ... إمنعهم أن يخربوا قراكا ...
وقال أيضا
... لا هم إن المرء يم ... نع رحله فامنع حلالك ...
... لا يغلبن صليبهم ... ومحالهم غدوا محالك

جروا جميع بلادهم ... والفيل كي يسبوا عيالك ...
... عمدوا حماك بكيدهم ... جهلا وما رقبوا جلالك ...
... إن كنت تاركهم وكع ... تنا فأمر ما بدالك ...
ثم إن أبرهة أبح متهيئا للدخول فبرك الفيل فبعثوه فأبى فضربوه فأبى فوجهوه الى اليمن راجعا فقام يهرول ووجهوه الى الشام ففعل مثل ذلك والى المشرق ففعل مثل ذلك فوجهوه الى الحرم فأبى فأرسل الله طيرا من البحر
واختلفوا في صفتها فقال ابن عباس كانت لهم خراطيم كخراطيم الطير وأكف كأكف الكلاب وقال عكرمة كانت لها رؤوس كرؤوس السباع
وقال ابن إسحاق كانت أمثال الخطاطيف
واختلفوا في ألوانها على ثلاثة أقوال
أحدها أنها كانت خضراء قاله عكرمة وسعيد بن جبير
الثاني سوداء قاله عبيد بن عمير
والثالث بيضاء قاله قتادة قال وكان مع كل طير ثلاثة أحجار حجران في رجليه وحجر في منقاره
واختلفوا في صفة الحجارة فقال بعضهم كانت كأمثال الحمص والعدس
وقال عبيد بن عمير بل كان الحجر كرأس الرجل والجمل فلما غشيت القوم أرسلتها عليهم فلم تصب تلك الحجارة أحدا إلا هلك وكان الحجر يقع على رأس الرجل فيخرج من دبره وقيل كان على كل حجر اسم الذي وقع عليه

فهلكوا ولم يدخلوا الحرم وبعث الله على أبرهة داء في جسده فتساقطت أنامله وانصدع صدره قطعتين عن قلبه فهلك ورأى أهل مكة الطير وقد أقبلت من ناحية البحر فقال عبد المطلب إن هذه الطير غريبة ثم إن عبد المطلب بعث ابنه عبد الله على فرس ينظر الى القوم فرجع يركض ويقول هلك القوم جميعا فخرج عبد المطلب وأصحابه فغنموا أموالهم وقيل لم ينج من القوم إلا أبو يكسوم فسار وطائر يطير من فوقه ولا يشعر به حتى دخل على النجاشي فأخبره بما أصاب القوم فلما أتم كلامه رماه الطائر فمات فأرى الله تعالى النجاشي كيف كان هلاك أصحابه
واختلفوا كم كان بين مولد رسول الله صلى الله عليه و سلم وبين هذه القصة على ثلاثة أقوال أحدها أن رسول الله صلى الله عليه و سلم ولد عام الفيل وهو الأصح

والثاني كان بينهما ثلاث وعشرون سنة قاله أبو صالح عن ابن عباس
والثالث أربعون سنة حكاه مقاتل
قوله تعالى ألم يجعل كيدهم وهو ما أرادوا من تخريب الكعبة في تضليل أي في ذهاب والمعنى أن كيدهم ضل عما قصدوا له فلم يصلوا إلى مرادهم وأرسل عليهم طيرا أبابيل
وفي الأبابيل خمسة أقوال
أحدهما أنها المتفرقة من هاهنا وهاهنا قاله ابن مسعود والأخفش
والثاني أنها المتتابعة التي يتبع بعضها بعضا قاله ابن عباس ومجاهد ومقاتل
والثالث الكثيرة قاله الحسن وطاووس
والرابع أنها الجمع بعد الجمع قاله عطاء وأبو صالح وكذلك قال أبو عبيدة وابن قتيبة والزجاج الأبابيل جماعات في تفرقة
والخامس المختلفة الألوان قاله زيد بن أسلم قال الفراء وأبو عبيدة الأبابيل لا واحد لها
قوله تعالى ترميهم قرأ أبو عبد الرحمن السلمي يرميهم بالياء وقد بينا معنى سجيل في هود 82 ومعنى العصف في سورة الرحمن 12 عز و جل
وفي معنى مأكول ثلاثة أقوال
أحدهما أن يكون أراد أنه أخذ ما فيه من الحب فأكل وبقي هو لا حب فيه

والثاني أن يكون أراد أن العصف مأكول البهائم كما يقال للحنطة هذا المأكول ولما يؤكل وللماء هذا المشروب ولما يشرب يريد أنهما مما يؤكل ويشرب ذكرهما ابن قتيبة
والثالث أن المأكول هاهنا الذي وقع فيه الأكال فالمعنى جعلهم كورق الزرع الذي جف وأكل أي وقع فيه الأكال قاله الزجاج

سورة قريش
ويقال لها سورة لإيلاف
وفيها قولان
أحدهما مكية قاله الجمهور
والثاني مدنية قاله الضحاك وابن السائب
واختلف القراء في لإيلاف فقرأ ابن عامر لإلاف بغير ياء بعد الهمزة مثل لعلاف وقرأ أبو جعفر بياء ساكنة من غير همز وروى حماد بن أحمد عن الشموني بهمزتين مخففتين الأولى مكسورة والثانية ساكنة على وزن لععلاف وقرأ الباقون بهمزة بعدها ياء ساكنة مثل لعيلاف
وفي لام لإيلاف ثلاثة أقوال
أحدها موصولة بما قبلها المعنى فجعلهم كعصف مأكول لإيلاف قريش أي أهلك الله أصحاب الفيل لتبقى قريش وما قد ألفوا من رحلة الشتاء والصيف هذا قول الفراء والجمهور

والثاني أنها لام التعجب كأن المعنى اعجبوا لإيلاف قريش رحلة الشتاء والصيف وتركهم عبادة رب هذا البيت قاله الأعمش والكسائي
والثالث أن معناها متصل بما بعدها المعنى فليعبدوا رب هذا البيت لإيلافهم رحلة الشتاء والصيف لأنهم كانوا في الرحلتين آمنين فإذا عرض لهم عارض قالوا نحن أهل حرم الله فلا يتعرض لهم قال الزجاج وهذا الوجه قول النحويين الذين ترتضى أقوالهم وقال ابن قتيبة بعض الناس يذهب الى أن هذه السورة وسورة الفيل واحدة وأكثر الناس على أنهما سورتان وان كانتا متصلتي الألفاظ والمعنى ان قريش كانت بالحرم آمنة من الأعداء والحرم واد جديب لا زرع فيه ولا شجر وإنما كانت قريش تعيش فيه بالتجارة وكانت لهم رحلتان في كل سنة رحلة في الشتاء ورحلة في الصيف الى الشام ولولا هاتان الرحلتان لم يكن به مقام ولولا أنهم بمجاورة البيت لم يقدروا على التصرف فلما قصد أصحاب الفيل هدم الكعبة أهلكهم الله لتقيم قريش بالحرم فذكرهم الله نعمته بالسورتين والمعنى أنه أهلك أولئك ليؤلف قريشا هاتين

الرحلتين اللتين بهما معاشهم ومقامهم بمكة تقول ألفت موضع كذا إذا لزمته وألفنيه الله كما تقول لزمت موضع كذا وكذا وألزمنيه الله وكرر لايلاف للتوكيد كما تقول أعطيتك المال لصيانة وجهك صيانة عن كل الناس قال الزجاج يقال ألفت المكان الفا وآلفته إيلافا بمعنى واحد
وأما قريش فهم ولد النضر بن كنانة وكل من لم يلده النضر فليس بقرشي
وقيل هم من ولد فهر بن مالك بن النضر فمن لم يلده فهر فليس بقرشي وإنما سموا قريشا لتجارتهم وجمعهم المال والقرش الكسب يقال هو يقرش لعياله ويقترش أي يكتسب وقد سأل معاوية ابن عباس رضي الله عنهم لم سميت قريش قريشا فقال ابن عباس بدابة تكون في البحر يقال لها القريش لا تمر بشيء من الغث والمسين إلا أكلته وأنشد
... وقريش هي التي تسكن البح ... ر بها سميت قريش قريشا ...
وقال ابن الأنباري قال قوم سموا قريشا بالأقتراش وهو وقوع الرماح بعضها على بعض قال الشاعر
... ولما دنا الرايات واقترش القنا ... وطار مع القوم القلوب الرواجف

بسم الله الرحمن الرحيم
لايلاف قريش إيلافهم رحلة الشتاء والصيف فليعبدوا رب هذا البيت الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف
قوله تعالى إيلافهم قرأ أبو جفعر وابن فليح عن ابن كثير والوليد ابن عتبة عن ابن عامر والتغلبي عن ابن ذكوان عنه إلافهم بهمزة مكسورة من غم ياء بعدها مثل علافهم وروى الخزاعي عن ابن فليح وأبان ابن تغلب عن عاصم إلفهم بسكون اللام أيضا ورواه الشموني إلا حمادا بهمزتين مكسورتين بعدهما ياء ساكنة ورواه حماد كذلك إلا أنه حذف الياء
وقرأ الباقون بهمزة مكسورة بعدها ياء ساكنة مثل عيلافهم وجمهور العلماء على أن الرحلتين كانتا للتجارة وكانوا يخرجون الى الشام في الصيف والى اليمن في الشتاء لشدة برد الشام وروى سعيد بن جبير عن ابن عباس قال كانوا يشتون بمكة ويصيفون بالطائف قال الفراء والرحلة منصوبة بايقاع الفعل عليها
قوله تعالى فليعبدوا رب هذا البيت أي ليوحدوه 4 الذي أطعمهم من جوع أي بعد الجوع كما تقول كسوتك من عري وذلك أن الله تعالى آمنهم بالحرم فلم يتعرض لهم في رحلتهم فكان ذلك سببا لإطعامهم

بعدما كانوا فيه من الجوع وروى عطاء عن ابن عباس قال كانوا في ضر ومجاعة حتى جمعهم هاشم على الرحلتين فكانوا يقسمون ربحهم بين الغني والفقير حتى استغنوا
قوله تعالى وآمنهم من خوف وذلك أنهم كانوا آمنين بالحرم إن حضروا حماهم وإن سافروا قيل هؤلاء أهل الحرم فلا يعرض لهم أحد

سورة الماعون
ويقال لها سورة أرأيت
وفيها قولان
أحدهما مكية قاله الجمهور
والثاني مدنية روى عن ابن عباس وقتادة وقال هبة الله المفسر نزل نصفها بمكة في العاص بن وائل ونصفها بالمدينة في عبد الله بن أبي المنافق
بسم الله الرحمن الحرحيم
أرأيت الذي يكذب بالدين فذلك الذي يدع اليتيم ولا يحض على طعام المسكين فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون الذين هم يراؤن ويمنعون الماعون
قوله تعالى أرأيت الذي يكذب بالدين اختلفوا فيمن نزلت هذه الآية على ستة أقوال
أحدها نزلت في رجل من المنافقين قاله ابن عباس
والثاني نزلت في عمرو بن عائذ قاله الضحاك

والثالث في الوليد بن المغيرة قاله السدي
والرابع في العاص بن وائل قاله ابن السائب
والخامس في أبي سفيان بن حرب قاله ابن جريج
والسادس في أبي جهل حكاه الماوردي
وفي الدين أربعة أقوال
أحدها أنه حكم الله عز و جل قاله ابن عباس
والثاني الحساب قاله مجاهد وعكرمة
والثالث الجزاء حكاه الماوردي
والرابع القرآن حكاه بعض المفسرين و يدع بمعنى يدفع وقد ذكرناه في قوله تعالى يوم يدعون الى نار جهنم الطور 13 والمعنى أنه يدفع اليتيم عن حقه دفعا عنيفا ليأخذ ماله وقد بينا فيما سبق أنهم كانوا لا يورثون الصغير وقيل يدفع اليتيم إبعادا له لأنه لا يرجو ثواب إطعامه ولا يحض على طعام المسكين أي لا يطعمه ولا يأمر بإطعامه لأنه مكذب بالجزاء
قوله تعالى فويل للمصلين الذين هم عن صلاتهم ساهون نزل هذا في المنافقين الذين يرجون لصلاتهم ثوابا ولا يخافون على تركها عقابا فإن كانوا مع النبي صلى الله عليه و سلم صلوا رياء وإن لم يكونوا معه لم يصلوا فذلك قوله تعالى الذين هم يراؤون وقال ابن مسعود والله ما تركوها البتة ولو تركوها البتة كانوا كفارا ولكن تركوا المحافظة على أوقاتها وقال ابن عباس يؤخرونها عن وقتها ونقل عن

أبي العالية أنه قال هو الذي لا يدري عن كم انصرف عن شفع أو عن وتر
ورد هذا بعض العلماء فقال هذا ليس بشيء لأن رسول الله صلى الله عليه و سلم قد سها في صلاته ولأنه قال تعالى عن صلاتهم ولم يقل في صلاتهم ولأن ذاك لا يكاد يدخل تحت طوق ابن آدم
قال الشيخ رحمه الله قلت ولا أظن أبا العالية أراد السهو النادر وإنما أراد السهو الدائم وذلك ينبئنا عن التفات القلب عن احترام الصلاة فيتوجه الذم الى ذلك لا الى السهو
وفي الماعون ستة أقوال
أحدها أنه الإبرة والماء والنار والفأس وما يكون في البيت من هذا النحو رواه أبو هريرة عن النبي صلى الله عليه و سلم والى نحوه ذهب ابن مسعود وابن عباس في رواية وروى عنه أبو صالح أنه قال الماعون المعروف كله

حتى ذكر القدر والقصعة والفأس وقال عكرمة ليس الويل لمن منع هذا إنما الويل لمن جمعهن فراءى في صلاته وسها عنها ومنع هذا قال الزجاج والماعون في الجاهلية كل ما كان فيه منفعة كالفأس والقدر والدلو والقداحة ونحو ذلك وفي الإسلام أيضا
والثاني أنه الزكاة قاله علي وابن يعمر والحسن وعكرمة وقتادة
والثالث أنه الطاعة قاله ابن عباس في رواية
والرابع المال قاله سعيد بن المسيب والزهري
والخامس المعروف قاله محمد بن كعب
والسادس الماء ذكره الفراء عن بعض العرب قال وأنشدني
... يمج صبيرة الماعون صبا ...
والصبير السحاب

سورة الكوثر
وفيها قولان
أحدهما مكية قاله ابن عباس والجمهور
والثاني مدنية قاله الحسن وعكرمة وقتادة
بسم الله الرحمن الرحيم
إنا أعطيناك الكوثر فصل لربك وانحر إن شانئك هو الأبتر
وفي الكوثر ستة أقوال
أحدها أنه نهر في الجنة روى البخاري في أفراده من حديث أنس بن مالك عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال بينا أنا أسير في الجنة إذا بنهر حافتاه قباب

الدر المجوف قلت ما هذا يا جبريل قال هذا الكوثر الذي أعطاك ربك عز و جل فإذا طينه أو طيبه مسك أذفر
وروى مسلم أيضا في أفراده من حديث أنس أيضا قال أغفى رسول الله صلى الله عليه و سلم إغفاءة ثم رفع رأسه متبسما إما قال لهم وإما قالوا له لم ضحكت فقال إنه أنزل علي الآن آنفا سورة فقرأ بسم الله الرحمن الرحيم إنا أعطيناك الكوثر حتى ختمها وقال هل تدرون ما الكوثر فقالوا الله ورسوله أعلم قال هو نهر أعطانيه ربي عز و جل في الجنة عليه خير كثير ترد عليه أمتي يوم القيامة آنيته عدد كواكب السماء يختلج العبد منهم فأقول يا رب إنه من أمتي فيقال لي إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك
والثاني أن الكوثر الخير الكثير الذي أعطي نبينا صلى الله عليه و سلم قاله ابن عباس

والثالث العلم والقرآن قاله الحسن
والرابع النبوة قاله عكرمة
والخامس أنه حوض رسول الله صلى الله عليه و سلم الذي يكثر الناس عليه قاله عطاء
والسادس أنه كثرة أتباعه وأمته قاله أبو بكر بن عياش
قوله تعالى فصل لربك في هذه الصلاة ثلاثة أقوال
أحدها صلاة العيد وقال قتادة صلاة الأضحى
والثاني صلاة الصبح بالمزدلفة قاله مجاهد
والثالث الصلوات الخمس قاله مقاتل
وفي قوله تعالى وانحر خمسة أقوال
أحدها اذبح يوم النحر رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس وبه قال عطاء ومجاهد والجمهور
والثاني وضع اليمين على اليسرى عند النحر في الصلاة
والثالث أنه رفع اليدين بالتكبير الى النحر قاله أبو جعفر محمد بن علي
والرابع أن المعنى صل لله وانحر لله فإن ناسا يصلون لغيره وينحرون لغيره قاله القرظي

والخامس أنه استقبال القبلة بالنحر حكاه الفراء
قوله تعالى إن شانئك اختلفوا فيمن عنى بذلك على خمسة أقوال
أحدها أنه العاص بن وائل السهمي قاله ابن عباس نزلت في العاص ابن وائل لقي رسول الله صلى الله عليه و سلم على باب المسجد فوقف يحدثه حتى دخل العاص المسجد وفيه أناس من صناديد قريش فقالوا له من الذي كنت تحدث قال ذاك الأبتر يعني النبي صلى الله عليه و سلم وكان قد توفي قبل ذلك عبد الله ابن رسول الله صلى الله عليه و سلم وكانوا يسمون من ليس له ابن أبتر فأنزل الله عز و جل هذه السورة
وممن ذهب الى أنها نزلت في العاص سعيد بن جبير ومجاهد وقتادة
والثاني أنه أبو جهل روي عن ابن عباس أيضا
والثالث أبو لهب قاله عطاء
والرابع عقبة بن أبي معيط قاله شمر بن عطية

والخامس أنه عنى به جماعة من قريش قاله عكرمة والشانىء المبغض والأبتر المنقطع عن الخير

سورة الكافرون
بسم الله الرحمن الرحيم
قل يا أيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون ولا أنتم عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم ولا أنتم عابدون ما أعبد لكم دينكم ولي دين
وفيها قولان
أحدهما مكية قاله ابن مسعود والحسن والجمهور
والثاني مدنية روي عن قتادة
ذكر سبب نزولها اختلفوا على ثلاثة أقوال
أحدها أن رهطا من قريش منهم الوليد بن المغيرة والعاص وائل والأسود بن عبد يغوث لقوا العباس بن عبد المطلب فقالوا يا أبا الفضل لو أن ابن أخيك أسلم بعض آلهتنا لصدقناه بما يقول ولآمنا بالآهه فأتاه العباس فأخبره فنزلت هذه السورة رواه أبو صالح عن ابن عباس

والثاني أن عتبة بن ربيعة وأمية بن خلف لقيا رسول الله صلى الله عليه و سلم فقالا يا محمد لا ندعك حتى تتبع ديننا ونتبع دينك فإن كان أمرنا رشدا كنت قد أخذت بحظك منه وإن كان أمرك رشدا كنا قد أخذنا بحظنا منه فنزلت هذه السورة قاله عبيد بن عمير
والثالث أن قريشا قالوا للنبي صلى الله عليه و سلم إن سرك أن نتبع دينك عاما وترجع الى ديننا عاما فنزلت هذه السورة قاله وهب قال مقاتل في آخرين نزلت هذه السورة في أبي جهل وفي المستهزئين ولم يبق من الذين نزلت فيهم أحد وأما قوله تعالى لا أعبد فهو في موضع من ولكنه جعل مقابلا لقوله تعالى ما تعبدون وهي الأصنام وفي تكرار الكلام قولان
أحدهما لتأكيد الأمر وحسم أطماعهم فيه قاله الفراء وقد أنعمنا شرح هذا في سورة الرحمن 13

والثاني أن المعنى لا أعبد ما تعبدون في حالي هذه ولا أنتم في حالكم هذه عابدون ما أعبد ولا أنا عابد ما عبدتم فيما أستقبل وكذلك أنتم فنفي عنه وعنهم ذلك في الحال والاستقبال وهذا في قوم بأعيانهم أعلمه الله عز و جل أنهم لا يؤمنون كما ذكرنا عن مقاتل فلا يكون حيئذ تكرارا هذا قول ثعلب والزجاج وقوله تعالى لكم دينكم ولي دين فتح ياء ولي نافع وحفص وأبان عن عاصم وأثبت ياء ديني في الحالين يعقوب وهذا منسوخ عندالمفسرين بآية السيف

سورة النصر
وهي مدنية بإجماعهم
وفي أفراد مسلم من حديث ابن عباس أنها آخر سورة نزلت جميعا

بسم الله الرحمن الرحيم
إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه توابا
قوله تعالى إذا جاء نصر الله أي معونته على الأعداء والفتح فتح مكة قال الحسن لما فتح رسول الله صلى الله عليه و سلم مكة قالت العرب أما إذ ظفر محمد بأهل الحرم وقد أجارهم الله من أصحاب الفيل فليس لكم به يدان فدخلوا في دين الله أفواجا قال أبو عبيدة والأفواج جماعات في تفرقة
قوله تعالى فسبح بحمد ربك فيه قولان
أحدهما أنه الصلاة قاله ابن عباس

والثاني التسبيح المعروف قاله جماعة من المفسرين قال المفسرون نعيت إليه نفسه بنزول هذه السورة وأعلم أنه قد اقترب أجله فأمر بالتسبيح والإستغفار ليخم له عمره بالزيادة في العمل الصالح قال ابن عباس إذا جاء نصر الله والفتح داع من الله ووداع من الدنيا قال قتادة وعاش بعد نزول هذه السورة سنتين

سورة تبت
وهي مكية بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
تبت يدا أبي لهب وتب ما أغنى عنه ماله وما كسب سيصلى نارا ذات لهب وامرأته حمالة الحطب في جيدها حبل من مسد
وسبب نزولها ما روى البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث سعيد ابن جبير عن ابن عباس قال لما نزل وأنذر عشيرتك الأقربين الشعراء 214 صعد رسول الله صلى الله عليه و سلم على الصفا فقال يا صباحاه فاجتمعت إليه قريش فقالوا ما لك فقال أرأيتكم إن أخبرتكم أن العدو مصبحكم أو ممسيكم أما كنتم تصدقوني قالوا بلى قال فإني نذير لكم بين يدي عذاب شديد
قال أبو لهب تبا لك ألهذا دعوتنا فأنزل الله تعالى تبت يدا أبي لهب

ومعنى تبت خسرت يدا أبي لهب وتب أي وخسر هو قال الفراء الأول دعاء والثاني خبر كما يقول الرجل أهلكك الله وقد أهلكك وجعلك الله صالحا وقد جعلك وقيل ذكر يديه والمراد نفسه ولكن هذا عادة العرب يعبرون ببعض الشيء عن جميعه كقوله تعالى ذلك بما قدمت يداك الحج 10 وقال مجاهد تبت يدا أبي لهب وتب ولد أبي لهب فأما أبو لهب فهو عم رسول الله صلى الله عليه و سلم وقيل إن اسمه عبد العزى وقرأ ابن كثير وحده أبي لهب بإسكان الهاء قال أبو علي يشبه أن يكون لغة كالشمع والشمع والنهر والنهر
فإن قيل كيف كناه الله عز و جل وفي الكنية نوع تعظيم
فعنه جوابان
أحدهما أنه إن صح أن اسمه عبد العزى فكيف يذكره الله بهذا الأسم وفيه معنى الشرك
والثاني أن كثيرا من الناس اشتهروا بكناهم ولم يعرف لهم أسماء
قال ابن قتيبة خبرني غير واحد عن الأصمعي أن أبا عمرو بن العلاء وأبا سفيان

ابن العلاء أساؤهما كناهما فإن كان اسم أبي لهب كنيته فإنما ذكره بما لايعرف إلا به
قوله تعالى ما أغنى عنه ماله قال ابن مسعود لما دعا رسول الله صلى الله عليه و سلم أقربيه إلى الله عز و جل قال أبو لهب إن كان ما يقول ابن أخي حقا فإني أفتدي بمالي وولدي فقال الله عز و جل ما أغنى عنه ماله و كسب قال الزجاج و ما في موضع رفع المعنى ما أغنى عنه ماله و كسبه أي ولده وكذلك قال المفسرون المراد بكسبه هاهنا ولده و أغنى بمعنى يغني سيصلى نارا ذات لهب أي تلتهب عليه من غير دخان وامرأته أي ستصلى امرأته وهي أم جميل بنت حرب أخت أبي سفيان وفي هذا دلالة على صحة نبوة نبينا عليه الصلاة و السلام لأنه أخبر بهذا المعنى أنه وزوجته يموتان على الكفر فكان كذلك إذ لو قالابألسنتهما قد أسلمنا لوجد الكفار متعلقا في الرد على رسول الله صلى الله عليه و سلم غير أن الله علم أنهما لا يسلمان باطنا ولا ظاهرا فأخبره بذلك
قوله تعالى حمالة الحطب فيه أربعة أقوال
أحدهما أنها كانت تمشي بالنميمة قاله ابن عباس ومجاهد والسدي

والفراء وقال ابن قتيبة فشبهوا النميمة بالحطب والعداوة والشحناء بالنار لأنهما يقعان بالنميمة كما تلتهب النار بالحطب
والثاني أنها كانت تحتطب الشوك فتلقيه في طريق رسول الله صلى الله عليه و سلم ليلا رواه عطية عن ابن عباس وبه قال الضحاك وابن زيد
والثالث أن المراد بالحطب الخطايا قاله سعيد بن جبير
والرابع أنها كانت تعير رسول الله صلى الله عليه و سلم بالفقر وكانت تحتطب فعيرت بذلك قاله قتادة وليس بالقوي لأن الله تعالى وصفه بالمال
وقرأ عاصم وحده حمالة الحطب بالنصب
قال الزجاج من نصب حمالة فعلى الذم والمعنى أعني حمالة

الحطب والجيد العنق والمسد في لغة العرب الحبل إذا كان من ليف المقل وقد يقال لما كان من أوبار الإبل من الحبال المسد قال الشاعر
... ومسد أمر من أيانق ... صهب عتاق ذات مخ زاهق ...
وقال ابن قتيبة المسد عند كثير من الناس الليف دون غيره وليس كذلك إنما المسد كل ما ضفر وقتل من الليف وغيره
واختلف المفسرون في المراد بهذا الحبل على ثلاثة أقوال
أحدها أنها حبال كانت تكون بمكة رواه العوفي عن ابن عباس
وقال الضحاك حبل من شجر كانت تحتطب به
والثاني أنه قلادة من ودع قاله قتادة
والثالث أنه سلسلة من حديد ذرعها سبعون ذراعا قاله عروة بن

الزبير وقال غيره المراد بهذا الحبل السلسلةالتي ذكرها الله تعالى في النار طولها سبعون ذراعا والمعنى أن تلك السلسلة قد فتلت فتلا محكما فهي في عنقها تعذب بها في النار

سورة الإخلاص
بسم الله الرحمن الرحيم
قل هو الله أحد الله الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد
وفيها قولان
أحدهما أنها مكية قاله ابن مسعود والحسن وعطاء وعكرمة وجابر
والثاني مدنية روي عن ابن عباس وقتادة والضحاك وقد روى البخاري في أفراده من حديث أبي سعيد الخدري أن النبي صلى الله عليه و سلم قال والذي نفسي بيده إنها لتعدل ثلث القرآن وروى مسلم في أفراده من حديث أبي هريرة

أن النبي صلى الله عليه و سلم قال إنها تعدل ثلث القرآن
وفي سبب نزولها ثلاثة أقوال
أحدها أن المشركين قالوا يا محمد انسب لنا ربك فنزلت هذه السورة قاله أبي بن كعب

والثاني أن عامر بن الطفيل قال لرسول الله صلى الله عليه و سلم إلام تدعونا يا محمد قال الى الله عز و جل قال صفه لي أمن ذهب هو أو من فضة أو من حديد فنزلت هذه السورة قاله ابن عباس
والثالث أن الذين قالوا هذا قوم من أحبار اليهود قالوا من أي جنس هو وممن ورث الدنيا ولمن يورثها فنزلت هذه السورة قاله قتادة والضحاك قرأ ابن كثير ونافع وعاصم وابن عامر وحمزة والكسائي أحد الله وقرأ أبو عمرو أحد الله بضم الدال ووصلها باسم الله قال الزجاج هو كناية عن ذكر الله عز و جل والمعنى الذي سألتم تبيين نسبته هو الله و أحد مرفوع على معنى هو أحد فالمعنى هو الله وهو أحد وقرئت أحد الله الصمد بتنوين أحد وقرئت أحد الله بترك التنوين وقرئت

بإسكان الدال أحد الله وأجودها الرفع بإثبات التنوين وكسر التنوين لسكونه وسكون اللام في الله ومن حذف التنوين فلالتقاء الساكنين أيضا ومن أسكن أراد الوقف ثم ابتدأ الله الصمد وهو أردؤها
فأما الأحد فقال ابن عباس وأبو عبيدة هو الواحد وفرق قوم بينهما وقال أبو سليمان الخطابي الواحد هو المنفرد بالذات فلا يضاهية أحد
والأحد هو المنفرد بالمعنى فلا يشاركه فيه أحد وأصل الأحد عند النحويين الوحد ثم أبدلوا من الواو الهمزة
وفي الصمد أربعة أقوال
أحدها أنه السيد الذي يصمد إليه في الحوائج رواه ابن عباس عن رسول الله صلى الله عليه و سلم وروى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس قال الصمد السيد الذي قد كمل في سؤدده قال أبو عبيدة هو السيد الذي ليس فوقه

أحد والعرب تسمي أشرافها الصمد قال الأسدي
... لقد بكر الناعي بخيري بني أسد ... بعمرو بن مسعود وبالسيد الصمد ...
وقال الزجاج هو الذي ينتهي إليه السؤدد فقد صمد له كل شيء قصد قصده وتأويل صمود كل شيء له أن في كل شيء أثر صنعه وقال ابن الأنباري لا خلاف بين أهل اللغة أن الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد يصمد إليه الناس في أمورهم وحوائجهم
والثاني أنه لا جوف له قاله ابن عباس والحسن ومجاهد وابن جبير وعكرمة والضحاك وقتادة والسدي وقال ابن قتيبة فكأن الدال من هذا التفسير مبدلة من تاء والمصمت من هذا
والثالث أنه الدائم
والرابع الباقي بعد فناء الخلق حكاهما الخطابي وقال أصح الوجوه الأول لأن الإشتقاق يشهد له فإن أصل الصمد القصد يقال اصمد صمد فلان أي اقصد قصده فالصمد السيد الذي يصمد إليه في الأمور ويقصد في الحوائج
قوله تعالى لم يلد قال مقاتل لم يلد فيورث ولم يولد فيشارك

وذلك أن مشركي العرب قالوا الملائكة بنات الرحمن وقالت اليهود عزير ابن الله وقالت النصارى المسيح ابن الله فبرأ نفسه من ذلك
قوله تعالى ولم يكن له كفوا أحد قرأ الأكثرون بالتثقيل والهمز
ورواه حفص بالتثقيل وقلب الهمز واوا وقرأ حمزة بسكون الفاء والكفء المثل المكافىء وفيه تقديم وتأخير تقديره ولم يكن له أحد كفوا فقدم وأخر لتتفق رؤوس الآيات

سورة الفلق
بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الفلق من شر ما خلق ومن شر غاسق إذا وقب ومن شر النفاثات في العقد و من شر حاسد إذا حسد
وفيها قولان
أحدهما مدنية رواه أبو صالح عن ابن عباس وبه قال قتادة في آخرين
والثاني مكية رواه كريب عن ابن عباس وبه قال الحسن وعطاء وعكرمة وجابر والأول أصح ويدل عليه أن رسول الله صلى الله عليه و سلم سحر وهو مع عائشة فنزلت عليه المعوذتان
فذكر أهل التفسير في نزولهما أن غلاما من اليهود كان يخدم رسول الله صلى الله عليه و سلم فلم يزل به اليهود حتى أخذ مشاطة رأس رسول الله صلى الله عليه و سلم وعدة أسنان من مشطه فأعطاها اليهود فسحروه فيها وكان الذي تولى ذلك لبيد بن أعصم اليهودي
ثم دسها في بئر لبني زريق يقال لها بئر ذوران ويقال ذي أروان

فمرض رسول الله صلى الله عليه و سلم وانتشر شعر رأسه وكان يرى أنه يأتي النساء وما يأتيهن ويخيل إليه أنه يفعل الشيء وما يفعله فبينا هو ذات يوم نائم أتاه ملكان فقعد أحدهما عند رأسه والآخر عند رجليه فقال أحدهما للآخر ما بال الرجل قال طب قال وما طب قال سحر قال ومن سحره قال لبيد بن أعصم قال وبم طبه قال بمشط ومشاطه قال وأين هو قال في جف طلعة تحت راعوفة في بئر ذروان والجوف قشر الطلع والراعوفة صخرة تترك في أسفل البئر إذا حفرت فإذا أرادوا تنقية البئر جلس المنقي عليها فانتبه رسول الله صلى الله عليه و سلم فقال يا عائشة أما شعرت أن الله أخبرني بدائي ثم بعث عليا والزبير وعمار بن ياسر فنزحوا ماء تلك البئر ثم رفعوا الصخرة وأخرجوا الجوف وإذا فيه مشاطة رأسه وأسنان مشطه وإذا وتر معقود فيه إحدى عشرة عقدة مغروزة بالإبرة فأنزل الله تعالى المعوذتين فجعل كلما قرأ آية انحلت عقدة ووجد رسول الله صلى الله عليه و سلم خفة حين إنحلت العقدة الأخيرة وجعل جبريل عليه السلام يقول بسم الله أرقيك من كل شيء يؤذيك ومن حاسد وعين والله يشفيك فقالوا يا رسول الله

أفلا نأخذ الخبيث فنقتله فقال أما أنا فقد شفاني الله وأكره أن أثير على الناس شرا
وقد أخرج البخاري ومسلم في الصحيحين من حديث عائشة حديث سحر رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد بينا معنى أعوذ في أول كتابنا
وفي الفلق ستة أقوال
أحدها أنه الصبح رواه العفي عن إبن عباس وبه قال الحسن وسعيد بن جبير ومجاهد وقتادة والقرظي وابن زيد واللغويون قالوا ويقال هذا أبين من فلق الصبح وفرق الصبح

والثاني أنه الخلق رواه الوالبي عن أبن عباس وكذلك قال الضحاك الفلق الخلق كله
والثالث سجن في جهنم روي عن ابن عباس ايضأ وقال وهب والسدي جب في جهنم وقال ابن السائب واد في جهنم
والرابع شجرة في النار قاله عبدالله بن عمرو
والخامس أنه كل من انفلق عن شيء كالصبح والحب والنوى وغير ذلك قاله الحسن قال الزجاج وإذا تأملت الخلق بأن لك أن اكثره عن انفلاق كالأرض بالنبات والسحاب بالمطر
والسادس أنه اسم من أسماء جهنم قاله أبو عبد الرحمن عبد الله بن يزيد الحبلي
قوله تعالى من شر ما خلق وقرأ ابن السميفع وابن يعمر خلق بضم الخاء وكسر اللام وفيه ثلاثة أقوال
أحدها أنه عام وهو الأظهر
والثاني أن شر ما خلق إبليس وذريته قاله الحسن
والثالث جهنم حكاه الماوردي

وفي الغاسق أربعة أقوال
أحدها أنه القمر روت عائشة قالت نظر رسول الله صلى الله عليه و سلم الى القمر فقال استعيذي بالله من شره فإنه الغاسق إذا وقب رواه الترمذي والنسائي في كتابهما قال ابن قتيبة ويقال الغاسق القمر إذا كسف فاسود ومعنى وقب دخل في الكسوف
والثاني أنه النجم رواه أبو هريرة عن رسول الله صلى الله عليه و سلم
والثالث أنه الليل قاله ابن عباس والحسن ومجاهد والقرظي والفراء وأبو عبيد وابن قتيبة والزجاج قال اللغويون ومعنى وقب دخل في كل شيء فأظلم و الغسق الظلمة وقال الزجاج الغاسق البارد فقيل لليل غاسق لأنه أبرد من النهار
والرابع أنه الثريا إذا سقطت وكانت الأسقام والطواعين تكثر عند

وقوعها وترتفع عند طلوعها قاله ابن زيد
فأما النفاثات فقال ابن قتيبة هن السواحر ينفثن أي يتفلن إذا سحرن ورقين قال الزجاج يتفلن بلا ريق كأنه نفح وقال ابن الأنباري قال اللغويون تفسير نفث نفخ نفخا ليس معه ريق ومعنى تفل نفخ نفخا معه ريق قال ذو الرمة
... ومن جوف ماء عرمض الحول فوقه ... متى يحس منه مائح القوم يتفل ...
وقد روى ابن أبي سريج النافثات بألف قبل الفاء مع كسر الفاء وتخفيفها
وقال بعض المفسرين المراد بالنفاثات هاهنا بنات لبيد بن أعصم اليهودي سحرن رسول الله صلى الله عليه و سلم

ومن شر حاسد يعني اليهود حسدوا رسول الله صلى الله عليه و سلم وقد ذكرنا حد الحسد في البقرة 109 والحسد أخس الطبائع وأول معصية عصي الله بها في السماء حسد إبليس لآدم وفي الأرض حسد قابيل هابيل

سورة الناس
وفيها قولان
أحدهما أنها مدنية رواه أبو صالح عن ابن عباس
والثاني أنها مكية رواه أبو كريب عن ابن عباس
بسم الله الرحمن الرحيم
قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس
فإن قيل لم خص الناس هاهنا بأنه ربهم وهو رب كل شيء
فعنه جوابان
أحدهما لأنهم معظمون متميزون على غيرهم
والثاني لأنه لما أمر بالأستعادة من شرهم أعلم أنه ربهم ليعلم أنه هو الذي يعيذ من شرهم ولما كان في الناس ملوك قال تعالى ملك الناس ولما كان فيهم

من يعبد غيره قال تعالى إله الناس
و الوسواس الشيطان وهو الخناس يوسوس في الصدور فإذا ذكر الله خنس أي كف وأقصر قال الزجاج الوسواس هنا ذو الوسواس

وقال ابن قتيبة الصدور هاهنا القلوب قال ابن عباس الشيطان جاثم على قلب ابن آدم فإذا سها وغفل وسوس فإذا ذكر الله خنس
قوله تعالى من الجنة والناس الجنة وفي معنى الآية قولان
أحدهما يوسوس في صدور الناس جنتهم وناسهم فسمى الجن هاهنا ناسا كما سماهم رجالا في قوله تعالى يعوذون برجال من الجن الجن 6 وسماهم نفرا بقوله تعالى استمع نفر من الجن الجن 1 هذا قول الفراء وعلى هذا القول يكون الوسواس موسوسا للجن كما يوسوس للإنس
والثاني أن الوسواس الذي يوسوس في صدور الناس هو من الجنة وهم من الجن والمعنى من شر الوسواس الذي هو من الجن ثم عطف قوله تعالى والناس على الوسواس والمعنى من شر الوسواس ومن شر الناس كأنه أمر أن يستعيذ من الجن والإنس هذا قول الزجاج

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق