الثلاثاء، 2 أغسطس 2022

مواعظ القلوب بين الترغيب والترهيب إعـــــداد أبو خلاد ناصر بن سعيد بن سيف السيف

 

مواعظ القلوب بين الترغيب والترهيب

إعـــــداد

أبو خلاد ناصر بن سعيد بن سيف السيف

غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين

الحمد لله العزيز الغفَّار والصلاة والسلام على النبي المصطفى المختار وعلى آله وأصحابه الأبرار  أما بعد

فإن القلوب التي في الصدور بحاجة إلى تذكير بالله عز وجل ووعظ وإرشاد ليقوم المسلم بعبادة ربه سبحانه وتعالى على ما جاء به رسوله ﷺ ما بين الخوف والرجاء والمحبة.

ولذلك منَّ الله سبحانه وتعالى علينا بجمع هذه الرسالة التي فيها مواعظ منوعة سميتها مجتهداً: «مواعظ القلوب بين الترغيب والترهيب».

نسأل الله العلي القدير أن ينفع بها المسلمين في كل مكان وزمان وأن يرزقنا الإخلاص في القول والعمل، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير

أبو خلاد ناصر بن سعيد بن سيف السيف

غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

فائــدة

قال الأصفهاني رحمه الله: «إني رأيت أنه لا يكتب أحد كتاباً في يومه إلا قال في غده لو غُيِّر هذا لكان أحسن، ولو زُيد هذا لكان يُستحسن، ولو قُدِّم هذا لكان أفضل، ولو تُرك هذا لكان أجمل، وهذا أعظم العِبر، وهذا دليلٌ على استيلاء النقص على جملة البشر».

اعلم رحمك الله: «إذا أردت أن تتعظ ويرق قلبك وتدمع عيناك وتخشع جوارحك وتزداد في العبادات فعليك بالقرآن العظيم فهو كلام العزيز الحكيم، وخاصةً الآيات التي يتكلم الله عز وجل بها عن نفسه؛ فأي شيء أعظم من الله تبارك وتعالى فكيف إذا كان الكلام كلامه يصف به نفسه».

 

 

 

تقديــم

الحمد لله رب العالمين بعث رسله مبشرين ومنذرين بمواعظ الدين ترغيباً وترهيباً لقلوب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين نبينا محمد أفصح لساناً وبياناً لمواعظ الدِّين أرسله الله رحمةً للعالمين وداعياً بإذنه وسراجاً منيراً وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين  أما بعد

فقد اطَّلعنا على ما كتبه الأخ الفاضل ناصر بن سعيد السيف بارك الله فيه وزاده الله علماً وعملاً على وفق سيد المرسلين من مواعظ بين الخوف والرجاء أي الترغيب والترهيب وهي مدعمة بالدليل من الكتاب والسُّنة وأقوال سلف الأمة من العلماء رحمهم الله تعالى فألفيتها رسالة مباركة إن شاء الله تعالى وجيده في أسلوبها واختياره للمواعظ.

نسأل الله العلي القدير أن ينفع بها إخواننا المسلمين في كل زمان ومكان وأن يجعلها في ميزان حسناته ودافعاً له في المستقبل للأفضل وصلى الله وسلم على نبي الهُدى والرحمة وعلى آله وصحبه ومن اقتفى أثرهم إلى يوم الدين.

 

أخوكم في الله

محمد بن صالح الحربي

غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين

 

 

 

 

 

تقديــم

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد

فقد اطّلعنا على ما كتبه الأخ الفاضل ناصر بن سعيد السيف فألفيتها رسالة نافعة مدعمة بالدليل من الكتاب والسُّنة وأقوال سلف الأمة رحمهم الله جميعاً فما أعظم المواعظ وأجملها إذا كانت مقرونة بآيات الله وأحاديث رسوله ﷺ.

فقد أجاد غفر الله له ولوالديه في جمع هذه المواعظ وطرحها في خلال هذه الرسالة المباركة وطلب منَّا تخريج الأحاديث التي استدل بها وترقيم ومراجعة الآيات واجتهدت في ذلك بعد توفيق من الله سبحانه وتعالى.

وأعتذر عن تقصيري وجهلي ومما قصر عنه علمي ولم يدركه فهمي وأختم بما ختم به الحافظ زكي الدين عبدالعظيم رحمه الله فقال: (وقد تم ما أردنا الله به من الإملاء المبارك ونستغفر الله سبحانه وتعالى مما زل به اللسان أو أدخله ذهول أو غلبة النظر أو طول التفكر قل أن ينفك عن شيء من ذلك فكيف بالمملئ مع ضيق وقته وترادف همومه واشتغال باله) انتهى كلامه رحمه الله.

نسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن ينفعنا وإياكم بهذه المواعظ وإن يرزقنا وإياكم الإخلاص في القول والعمل وأن يغفر الله لنا ولوالدينا وللمسلمين و للمسلمات إنه ولي ذلك والقادر عليه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أخوكم في الله

تركي بن محمد الزيد

غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين

 

 

 

w

الحمد لله وحده والصلاة والسلام على من لا نبي بعده أما بعد

قال ابن منظور رحمه الله: (الوعظ والعظة والموعظة هي النصح والتذكير بالعواقب).

قال ابن سيدة رحمه الله: (الوعظ هو تذكيرك للإنسان بما يلين قلبه من ثواب وعقاب).

قال الراغب الأصفهاني رحمه الله:  (الوعظ هو زجر مقترن بالتخويف).

* وورد في القرآن الكريم لفظ موعظة في ثلاثة عشر وجهاً هي:

(1) يعظه (2) أوعظت (3) أعظك (4) أعظكم (5) تعظون (6) عظهم (7) توعظون (8) يوعظ (9) يوعظون (10) الواعظين (11) فعظوهن (12) موعظة (13) يعظكم.

* المقاصد والحكم من الموعظة:

إقامة حجة الله على خلقه: قال تعالى: [رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ] [النساء: 165].

الإعذار إلى الله عز وجل والخروج من عهدة التكليف: قال تعالى في صالحي القوم لأصحاب السبت اليهود: [وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ] [الأعراف: 164].

رجاء النفع للمأمور: قال تعالى: [وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ]  الآية.

رجاء الثواب من عند الله فقد دل النبي ﷺ علي بن أبي طالب t عندما أعطاه الراية إلى أن يفتح خيبر فقال له «لأن يهدي الله بك رجلاً واحداً خيرٌ لك من حُمر النِّعم».([1])

النصيحة للمؤمنين: عن تميم الداري t أن النبي ﷺ قال: «الدين النصيحة» قلنا: لمن؟ قال: «لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم».([2])

إجلال الله عز وجل وإعظامه ومحبته: قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (الدعوة إلى الله أشرف مقامات العبد وأجلها وأفضلها).

@   @   @

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الموعظة الأولى

آثار الذنوب والمعاصي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين  أما بعد

فإنَّ الله سبحانه وتعالى غني عنَّا وعن عبادتنا ووجودنا أصلاً ولكن خلقنا لعبادته جل وعلا قال تعالى: [وَمَا خَلَقْتُ الجِنَّ وَالإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ] [الذاريات: 56] فالله سبحانه وتعالى يختبرنا ويمتحننا على هذه الأرض فوجود المعاصي كالزنا والخمر والدخان والأغاني وغيرها للاختبار والامتحان فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «كل أمتي يدخلون الجنة إلا من أبى، قلنا: يا رسول الله ومن يأبى؟ قال: من أطاعني دخل الجنة ومن عصاني فقد أبى»([3]) فالإنسان في هذه الدنيا على طريقين قال تعالى: [وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ] [البلد: 10]. وقال تعالى: [إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا] [الإنسان: 3]. وقال رسول الله ﷺ: «حفَّت الجنة بالمكاره وحفَّت النار بالشهوات».([4])

ولذا فإن فعل الطاعات والنوافل حتى ترك الذنوب والمعاصي تحتاج إلى مجاهدة للنفس قال تعالى: [أُولَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى] [الحجرات: 3] فكل ما يمر على الإنسان هو ابتلاء واختبار وبعدها تكون لذة العبادة لله بفعل أوامره واجتناب نواهيه فقال تعالى: [وَلَكِنَّ اللهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الكُفْرَ وَالفُسُوقَ وَالعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ] [الحجرات: 7].

قال الإمام ابن القيم رحمه الله وللصبر أنواع ثلاثة هي:

الصبر على طاعة الله تعالى.

الصبر عن معصية الله تعالى.

الصبر على أقدار الله تعالى.

إذاً فعل الطاعات وترك الذنوب والمعاصي لابد له من الصبر على ذلك فقد قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَالصَّلَاةِ إِنَّ اللهَ مَعَ الصَّابِرِينَ] [البقرة: 153]. وقال رسول الله ﷺ: «الصبر ضياء»([5])  وقال تعالى: [وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللهَ لَمَعَ المُحْسِنِينَ] [العنكبوت: 69].

إذاً هذه الدنيا الفانية فيها من الذنوب والمعاصي والإنسان محاسب عليها قال تعالى: [وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ] [الانفطار: 10-11] وقال تعالى: [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] {ق:18}.

فإن للذنوب والمعاصي آثاراً على الفرد والمجتمع فنذكر بعضاً منها:

1- تضعف تعظيمه للرب جل وعلا: قال سبحانه وتعالى: [ذَلِكَ وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى القُلُوبِ] {الحج:32}.

2- تضييق الرزق والمعيشة على الفرد: قال رسول الله ﷺ: «إن الرجل ليُحرم الرزق بالذنب يصيبه»([6]). وقال وهيب بن الورد رحمه الله: (لا يجد طعم العبادة من عصى الله ولا من همّ بمعصيته). وقال أبو سليمان الدارني رحمه الله: (أني أعصي الله فأعرف ذلك في خُلق دابتي وزوجتي).

3- حرمان العلم الشرعي: قال تعالى: [وَاتَّقُوا اللهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ] [البقرة: 282] كان الإمام الشافعي رحمه الله يحفظ جيداً فقل حفظه عن ما كان عليه فذهب إلى شيخه وكيع ابن الجراح رحمه الله يشتكيه فقال الشافعي:

شكـوت إلى وكـيع سوء حفظـي
وقــال اعلــم إن العلـم نـــور

 

فأرشــدني إلى تــرك المعاصــي
ونـــور الله لا يؤتـــى لعاصـي

4- تورث الوحشة في القلب وتضيّق الصدر: قال تعالى: [وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ القِيَامَةِ أَعْمَى] [طه: 124]، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله قوله (ضنكا) إنها تدل على أن: (حرف (ض) الضيق وحرف (ن) النكد وحرف (ك) الكدر).

5- قسوة القلب وجفاء العين: قال تعالى: [كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ] {المطَّففين:14}  الران هو الذنوب والمعاصي.

6- الذل والمهانة في الدنيا: قال رسول الله ﷺ: «جُعل الذِّل والصغـار على من خالف أمري»([7]).

7- سبب في عذاب القبر وفي عذاب الآخرة: عن عبدالله بن عباس رضي الله عنهما أن رسول الله ﷺ مرَّ على قبرين فقال: «إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير أما أحدهما لا يستبرئ من البول وأما الآخر يمشي بالنميمة ثم أخذ جريدة رطبة فشقها نصفين فغرز على كل قبر واحدة قالوا يا رسول الله لمَ فعلت هذا؟ قال: لعله يخفف عنهما ما لم ييبسا».([8])

8- سبب في زوال النعمة والأمن والأمان: قال تعالى: [الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ] {الأنعام:82}. فقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: (الظلم هنا الشرك)([9]) ويدخل في ظلم النفس ارتكاب الذنوب والمعاصي.

9- سبب في الخسف والمسخ والقذف: عن عائشة رضي الله عنها قالت قال النبي ﷺ: «يكون في آخر الأمة خسف ومسخ وقذف» فقلت يا رسول الله أنهلك وفينا الصالحون قال: «نعم إذا كثر الخبث».([10])

الخبث: الذنوب والمعاصي.     المسخ: قلب الخلقة إلى خلقة أخرى.

10- تسليط الأعداء: عن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي ﷺ قال: «إذا تبايعتم بالعينة وأخذتم بأذناب البقر ورضيتم بالحياة الدنيا وتركتم الجهاد في سبيل الله سلَّط الله عليكم ذُلاً لا ينزعه عنكم حتى ترجعوا إلى دينكم».([11])

أذناب البقر: انشغال بالحرث والزرع.     العينة: نوع من أنواع الربا.

11- سبب في قتال المسلمين فيما بينهم: قال النبي ﷺ: «سألت ربي ثلاثاً فأعطاني اثنتين سألت ربي ألا يهلك أمتي بالسَّنة فأعطانيها وسألته ألا يهلك أمتي بالغرق فأعطانيها وسألته ألا يجعل بأسهم بينهم فمنعنيها» ([12]).   السَّنة: جذب أو قحط الأرض.

12- سبب في نزول العقوبات على الفرد والمجتمع: قال علي بن أبي طالب t: (ما نزلت عقوبة إلا بذنب وما رُفعت إلا بتوبة).

نسأل الله العلي القدير أن يغفر لنا ذنوبنا وإسرافنا في أمرنا ويتقبَّل منَّا توبتنا ويرحمنا برحمته وأن يجعل مصيرنا دار كرامته وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

õ  õ  õ

 

 

 

الموعظة الثانية

التوبة طريق السعادة

الحمد لله غافر الذنب وقابل التوب شديد العقاب وأشهد أن لا إله إلا الله الكريم الوهَّاب وأشهد أن محمداً عبده ورسوله خير من صلى وقام وتاب وأناب صلوات ربي وسلامه عليه أما بعد.

فإن حاجتنا إلى التوبة حاجة ماسَّة فنحن والله المستعان نذنب كثيراً ونُفرِّط في جنب الله ليلاً ونهاراً والتوبة إلى الله عز وجل تصقل القلب وتُنقِّيه من ران الذنوب والمعاصي والأصل أن ابن آدم خطَّاء وخير الخطَّائين التوابون فباب التوبة مفتوح إلا في أمرين هما:

1- عندما تغرغر الروح أي عند الموت.

2- عند خروج الشمس من مغربها.

فعن أبي ذر الغفاري t قال: قال رسول الله ﷺ فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى: «يا عبادي كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم... يا عبادي إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم».([13])

وقد كان النبي ﷺ في مجلسه الواحد يستغفر الله أكثر من سبعين مرة وفي رواية أخرى بأنه كان يستغفر الله في مجلسه الواحد مائة مرة ([14]) وهو الذي غُفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ولكن يريد أن يكون لله عبداً شكوراً.

إذاً فإن الله سبحانه وتعالى يقبل التوبة حتى وإن بلغت الذنوب عنان السماء،  قال تعالى: [وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ] [الشورى: 25]. وأن الله سبحانه وتعالى يحب من تاب إليه كما قال سبحانه: [إِنَّ اللهَ يُحِبُّ التَّوابِينَ وَيُحِبُّ المُتَطِّهريِن] [القرة: 222].

والتوبة لها فضائل كثيرة أسرار بديعة وفوائد متعددة ومنها:

1- سبب للفلاح والفوز والسعادة في الدنيا والآخرة قال تعالى: [أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ القُلُوبُ] [الرعد: 28] وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في مجموع الفتاوى (القلب لا يصلح ولا يفلح ولا ينعم ولا يسر ولا يطيب ولا يسكن ولا يطمئن إلا بعبادة ربه وحبه والإنابة إليه).

2- سبب لتكفير السيئات وتبديلها إلى حسنات قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللهِ تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ] {التَّحريم:8}. وقال تعالى: [إِلَّا مَنْ تَابَ وَآَمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللهُ غَفُورًا رَحِيمًا] [الفرقان: 70] وقال رسول الله ﷺ: «التائب من الذنب كما لا ذنب له»([15]) وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما (ما رأيت النبي ﷺ فرحاً بشيء عندما نزلت هذه الآية وفرح أيضاً عندما نزلت عليه إنا فتحنا لك فتحاً مبيناً).

3- سبب للحياة الطيبة والخير العظيم على الفرد والمجتمع قال الله تعالى على لسان نوح عليه السلام: [فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا (10) يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا(11) وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَارًا] [نوح: 10-12]. وقال تعالى: [مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {النحل:97}.

4- أنَّ الله أشد فرحاً بتوبة العبد من ذلك الرجل الذي أضاع راحلته في الخلاء عليها زاده فاستظل تحت شجرة ينتظر الموت فنام فاستيقظ فوجد راحلته فوق رأسه فأخطأ من شدة الفرح فقال اللهم أنت عبدي وأنا ربك. ([16])

5- أنَّ الله أرحم بالعبد من أمه وأبيه فكان النبي ﷺ وأصحابه بعد غزوة خيبر ينظرون إلى امرأة تبحث عن وليد لها بين الجرحى والقتلى فعندما وجدت الوليد وضعته على صدرها فقال رسول الله ﷺ لأصحابه: «أهي ملقية وليدها في النار» قال الصحابة لا يا رسول الله فقال رسول الله ﷺ: «الله أرحم بالعبد من هذه الأم على وليدها».([17])

6- نداء من الله عز وجل قال تعالى: [قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ الله إِنَّ اللهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيمُ] [الزمر: 53]. وقال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما: (من يئس من عباد الله من التوبة فقد جحد كتاب الله عز وجل) وقال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في هذه الآية: (هذا نداء من الله للمشركين والكفار والمذنبين والمسيئين بالتوبة).

7- التوبة سبب لتفريج الكروب وبسط الرزق وتكفير السيئات قال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا(2) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ][الطلاق: 2-3] وقال تعالى:  [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرًا] [الطلاق: 4] وقال تعالى: [وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يُكَفِّرْ عَنْهُ سَيِّئَاتِهِ وَيُعْظِمْ لَهُ أَجْرًا] [الطلاق: 5].

إذاً تقوى الله والتوبة إليه والرجوع إليه والهرب منه إليه هي الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة قال تعالى: [وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ العَذَابُ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ][الزمر: 54] وقال تعالى: [وَمَنْ يَعْمَلْ سُوءًا أَوْ يَظْلِمْ نَفْسَهُ ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللهَ يَجِدِ اللهَ غَفُورًا رَحِيمًا] [النساء: 110]. وعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له». ([18])

فالإنسان في هذه الحياة يجاهد أعداءه الأربعة النفس والهوى والشيطان والدنيا فلْيستعن بالله عز وجل ولا يعجز ويمتثل لأمر الله عز وجل ولأمر نبيه ﷺ ويجد سعادة الدنيا والآخرة.

كفى يا نفس ما كان
فؤادي يشتكي ذنباً
أصيح بتوبتي ندماً

 

كفاك هوى وعصيانا
ويشكو منك ما كانا
وأقول كفى يا نفس ما كانا

نسأل الله العلي القدير الذي لا إله غيره أن يرزقنا التوبة الصادقة الخالصة وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

õ  õ  õ

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الموعظة الثالثة

الأسباب الموجبة لمحبة الله سبحانه وتعالى

الحمد لله رب العالمين ولا عدوان إلا على الظالمين والعاقبة للمتقين والصلاة والسلام على المصطفى الأمين     أما بعد

قال الله تعالى: [قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ] [آل عمران: 31].

فمن أراد محبة الله عز وجل ومحبة رسوله ﷺ فعليه بطاعته فيما أمر وتصديقه فيما أخبر واجتناب ما نهى عنه وزجر وألا يُعبد الله إلا بما شرع فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه». ([19])

ذكر ابن القيم رحمه الله في كتابه مدارج السالكين عشرة أسباب موجبة لمحبة الله عز وجل وهي:

1- قراءة وحفظ كتاب الله تدبراً وتفسيراً قال تعالى: [أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرْآَنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا] [محمد: 24] وقال رسول الله ﷺ: «خيركم من تعلم القرآن وعلمه».([20]) وقال النبي ﷺ: «اقرؤوا القرآن فإنه يأتي يوم القيامة شفيعاً لأصحابه».([21])

2- تقديم محاب الله على محابك عند غلبات الهوى والنفس والشيطان والدنيا قال رسول الله ﷺ: «إنك لم تدع شيئاً لله إلا أبدلك الله به ماهو خيراً منه».([22])

3- التقرب إلى الله عز وجل بالنوافل والسنن القولية والفعلية بعد أداء الفرائض فعن أبي هريرة t قال: قال النبي ﷺ فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى «من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب وما تقرب إليَّ عبدي بشيء أحب إليّ مما افترضته عليه ولا يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به وبصره الذي يبصر به ويده التي يبطش بها ورجله التي يمشي بها ولئن سألني لأعطينه ولئن استعاذني لأعيذنه».([23])

4- مداومة ذكر الله عز وجل فنصيبك من محبة الله عز وجل على قدر نصيبك من ذكره فعن عبدالله بن بُسر t قال أتى رجلٌ إلى النبي ﷺ فقال يا رسول الله: إن شرائع الإسلام قد كثرت علينا فبابٌ نتمسك به جامع قال: «لا يزال لسانك رطباً من ذكر الله عز وجل».([24])

5- التفكر والتدبر بأسماء الله وصفاته وآياته ومخلوقاته قال تعالى: [الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ] [آل عمران: 191].

6- شكر النعم الظاهرة والباطنة فمداومة الشكر والحمد سبب في بقاء وزيادة النعم قال الله تعالى: [وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ] [إبراهيم: 7].

7- انكسار القلب وخشوعه وخضوعه والانكسار وهو من أهم الأسباب قال تعالى: [أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آَمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الحَقِّ] [الحديد: 16].

8- قيام الليل وخاصة في الثلث الآخر منه وذلك بفعل الطاعات والقربات لله عز وجل من صلاة وقيام وقراءة للقرآن ودعاء واستغفار وذكر لله عز وجل. فعن أبي هريرة t قال: قال رسول ﷺ «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له»([25]) وقال الله تعالى: [وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ] [الذاريات: 18].

9- الصحبة الصالحة فإنها تُعين على الخير قال الله تعالى: [وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا] [الكهف: 28]. وقال الإمام الشافعي رحمه الله: (لولا صحبة الأخيار وقيام الأسحار لكرهت البقاء بهذه الدار) والرجل من جليسه والصاحب كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك تجد منه رائحة طيبة أو يهديك ونافخ الكير تجد منه رائحة خبيثة أو يحرق ثيابك.

10- الابتعاد عن كل شيء يحول بينك وبين الله سبحانه وتعالى من المعاصي والمنكرات والذنوب والآثام فإنها تطغى على القلب حتى يتغشاها فلا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً فقد كان النبي ﷺ يدعو ويقول: «اللهم إني أسألك فعل الخيرات وترك المنكرات وحب المساكين».([26])

فهذه عشرة أسباب موجبة لمحبة الله عز وجل إذا تقدَّمها الإخلاص لله عز وجل ومتابعةٌ لنبينا محمد ﷺ فيكون جزاؤه مع الذين قال الله فيهم: [وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا] [النساء: 69].

فينبغي على كل مسلم ومسلمة المسارعة للخيرات والمسابقة إليها ويكون جزاؤه كما قال تعالى: [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ] [آل عمران: 133].

قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في علامة محبة الله عز وجل للعبد: (وقد جعل الله لأهل محبته علامتين اتباع الرسول ﷺ والجهاد في سبيله وذلك لأن الجهاد حقيقة الاجتهاد في الحصول على ما يحبه الله من الإيمان والعمل الصالح وفي دفع ما يبغضه الله من الكفر والفسوق والعصيان فحقيقة المحبة لا تتم إلا بمولاة المحبوب وهي موافقته في حب ما يحبه الله وبغض ما يبغضه الله والله يُحب الإيمان والتقوى ويبغض الكفر والفسوق والعصيان فإذا تبين هذا فكلمـا ازداد القلب حباً لله ازداد له عبودية وكلما ازداد عبودية ازداد محبة وحرية عما سواه والقلب يكون فقيراً لله من جهتين من جهة العبادة وهي العلة الغائبة ومن جهة الاستعانة والتوكل على الله) انتهى كلامه رحمه الله.

نسأل الله الغفور الرحيم أن يرزقنا حُبَّه وحُبَّ ما يقربنا لحُبِّه وأن نكون من عباده وأوليائه الصالحين الذين لا خوفٌ عليهم ولا هم يحزنون وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

õ  õ  õ

 

 

 

 

 

 

الموعظة الرابعة

ذكر الله الحصن الحصين

الحمد لله العزيز الغفَّار أمر عباده بالاستغفار ومداومة الأذكار لتكفير الذنوب والآثام والصلاة والسلام على سيد الأنام خير من ذكر ربه وصلى وصام وطاف بالبيت الحرام وعلى آله وصحبه الكرام والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين أما بعد

فعن أبي موسى الأشعري t عن النبي ﷺ أنه قال: «مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت»([27]) وعن عائشة رضي الله عنها عن النبي ﷺ أنه قال: «ما من ساعة تمر على ابن آدم لا يذكر الله فيها إلا تحسّر عليها يوم القيامة».([28]) وعن معاذ بن جبل t أنه سأل الرسول ﷺ أي الأعمال أحب إلى الله عز وجل قال: «أن تموت ولسانك رطب من ذكر الله عز وجل». ([29])

قال بعض أهل العلم: (من اشتغل قلبه ولسانه بذكر الله قذف في قلبه نوراً واشتياقاً إلى لقائه عز وجل). وقال الحسن البصري رحمه الله: (أحب العباد إلى الله أكثرهم له ذكراً و اتقاهم له قلباً). وقال أبو الدرداء :t (الذي لا يزال لسانه رطباً بذكر الله يدخل الجنة وهو يضحك).  وقال أبو الدرداء t: (لكل شيء جلاء وإن جلاء القلوب ذكر الله).

ولاشك أن القلب يصدأ كما يصدأ الحديد ويعود ذلك إلى أمرين هما: (الغفلة والذنوب) وأن جلاء القلب يعود إلى أمرين هما: (الاستغفار وذكر الله عز وجل).

وقد جعل الله عز وجل لكل شيء سبباً وجعل سبب محبته لعباده على من داوم على طاعته وذكره فمن أراد محبة الله فعليه أن يلهج لسانه بذكره فقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (الذكر للقلب مثل السمك في الماء، فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء).

فإن محبة الله عز وجل ودوام ذكره والالتجاء إليه وإفراده بالحب والخوف والرجاء والتوكل وإفراده في جميع العبادات بحيث يكون وحده المستولي على هموم العبد وإرادته فتكون له الدنيا جنة ونعيماً، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة قيل: وما هي؟ قال: ذكر الله تعالى).

قال مالك بن دينار رحمه الله: (ما تلذذ المتلذذون بمثل ذكر الله عز وجل فليس شيء من الأعمال أخف مؤونة وأعظم لذة وأكثر فرحاً وابتهاجاً للقلب من ذكر الله عز وجل).

ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله في الوابل الصيب فوائد قيّمة في فضل الذكر والذاكر لله عز وجل فمنها:

يرضي الرحمن.

يزيل الهم والغم.

يجلب الفرح والسرور والسعادة.

ينوّر القلب والبدن.

ينوّر الوجه.

يجلب الرزق.

يفتح أبواب المعرفة.

يورث مراقبة الله عز وجل.

يحط الخطايا ويرفع الدرجات.

يزيل الوحشة بينه وبين الله عز وجل.

أن من عرف الله في الرخاء عرفه في الشدة.

سبب لنزول السكينة.

سبب لانشغال اللسان عن الغيبة وغيرها.

مجالس الذكر مجالس للملائكة.

الذكر نورٌ للذاكر في الدنيا والآخرة.

الذكر رأس الشكر لله سبحانه وتعالى.

القلب لا يليِّنه بعد قسوته إلا ذكر الله عز وجل.

الذكر يجلب الرزق والنعم ويدفع النقم.

يباهي الله عز وجل ملائكته بالذاكرين له.

أفضل الأعمال من كان أكثرهم ذكراً.

الملائكة تستغفر للذاكر عز وجل.

كثرة الذكر أمان من النفاق.

ذكر الله في أماكن متعددة يدل على كثرة الشهود يوم القيامة.

ذكر الله ينجّي من عذاب الله عز وجل.

ذكر الله يظل الذاكر في يوم القيامة.

الذكر أيسر العبادة وأسهلها.

الذكر غراس للجنة.

الذكر فيه حياة القلوب والأرواح.

الذكر يؤمن العبد من الحسرة والندامة في يوم القيامة.

الذكر يعدل عتق رقاب.

الذكر فيه شفاء القلوب والأبدان.

الذكر موجب لصلاة الله وملائكته.

ذكر الله فيه إعانة لقضاء الأمور.

الذكر سد للذاكر بينه وبين جهنم.

الذكر حرز من الشيطان.

الذكر روضة من رياض الجنة.

الذكر سببٌ في انكسار القلب.

الذكر جلاء للقلب من آثار الذنوب والمعاصي.

الذكر قامت عليه جميع العبادات.

ذكر الله فيه الاشتغال عن الكلام بالباطل.

إذاً فإن الطرق المؤدية للجنة سهلة وميسرة، وتحتاج إلى مجاهدة، ويكون فيها فوز وفلاح، ومن طرق الجنة: ذكر الله فهو أسهلها وأصعبها؛ فمن نعم الله عز وجل على هذه الأمة بأن شرع لها الأذكار في كلامٍ قليلٍ ويكون أجرها كثيراً وعظيماً. والأذكار مشروعة في الليل والنهار منها ما هو مقيد ومنها ما هو مطلق وذكر الله ميسرٌ على من يسره الله عليه فهي عبادة لا تحتاج فيها إلى طهارة ولا استقبال قبلة ولا ستر عورة وإنما هي عبادة وأنت قائمٌ وأنت قاعدٌ وأنت مضطجعٌ فكان هديه ﷺ يذكر الله في كل أحيانه وأحواله فلنا في رسولنا ﷺ أسوة حسنة.

نسأل الله العلي القدير بمنه وكرمه وجوده أن يرزقنا قلوباً وألسنة تلهج بذكره و أن يرزقنا قلوباً خاشعة وأعيناً دامعة وألسناً ذاكره وجوارح تعمل في رضاه وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

õ  õ  õ

 

الموعظة الخامسة

الدعاء سلاح المؤمن

الحمد لله الذي لا إله غيره ربَّ الأرباب ومسبَّب الأسباب واهب العطايا سامع لكل شكوى مجيب الدعاء في البأساء والضراء والصلاة والسلام على سيد العباد صاحب المقام المحمود في يوم المعاد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم التناد أما بعد

فقد قال جل وعلا: [وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ] {غافر:60} ، وقال رسول الله ﷺ: «الدعاء هو العبادة»([30]) الدعاء سلاح المؤمنين به يدعون ربهم نداء المستغيثين واستجارات المستجيرين ويزيل همّ المهمومين وينفس الكرب عن المكروبين وقاضي الدَّين عن المدينين وينصر المجاهدين ويُعين المعسرين ويفك أسرى المأسورين فتح أبواب سماواته وأنزل ملائكته حفظه لعباده وينزل جل وعلا إلى السماء الدنيا في الثلث الأخير من الليل طالباً عباده بكشف ما بهم من ضُر ويغفر لهم ذنوبهم ويقبل توبتهم ويجيب دعاءهم ويعطيهم سؤالهم، فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «ينزل ربنا إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر فيقول من يدعوني فأستجيب له من يسألني فأعطيه من يستغفرني فأغفر له»([31]).

الدعاء شفاء للقلوب ومطلب العارفين ومطيَّة الصالحين ونيل السعادة في الدارين فاجعل نفسك رحمك الله من الفائزين من عطايا رب العالمين.

قال عبدالله الأنطاكي رحمه الله: (دواء القلب خمسة أشياء مجالسة الصالحين و قراءة القرآن و إخلاء البطن من الحرام وقيام الليل و التضرع عند الصبح). وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: (الدعاء من أنفع الأدوية وهو عدو البلاء ويدافعه ويعالجه ويمنع نزوله ويرفعه أو يخففه وهو سلاح للمؤمن). وقال سفيان بن عيينه رحمه الله: (لا يمنعنّ أحد الدعاء ما يعلم في نفسه من تقصير فإن الله قد أجاب دعاء شر خلقه وهو إبليس حين قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون). وقال المناوي رحمه الله: (إذا تمنى أحدكم خيراً من خير الدارين فلْيكثر الأماني فإنما يسأل ربه الذي رباه وأنعم عليه وأحسن إليه فليعظم الرغبة ويوّسع المسألة؛ فينبغي للسائل الإكثار ولا يختصر ولا يقتصر فإن خزائن الجود سحّاء ليلاً ونهاراً ولا يفني عطاؤه عز وجل).

فإذا كنت يا رعاك الله من الموفَّقين باغتنام فرص الدعاء فاعلم أن ذلك من سلامة قلبك وجودة رأيك واعلم رحمك الله إنك لن تخسر شيئاً في دعائك ولن ترجع صفر اليدين فقد قال رسول الله ﷺ: «ما من مسلم يدعوا ليس بإثم ولا قطيعة رحم إلا أعطاه الله إحدى ثلاث إما تعجّل له دعوته وإما يدَّخرها له في يوم الآخرة و إما يدفع عن السوء مثله» قال أحد الصحابة إذاً نكثر يا رسول الله قال رسول الله ﷺ: «الله أكثر».([32]) وإيّـاك ودعوة المظلوم فقد قال معاذ ابن جبل t بعثني النبي ﷺ لليمن فقال: «اتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب». ([33]) و قال النبي ﷺ: «أعجز الناس من عجز عن الدعاء وأبخل الناس من بخل بالسلام».([34])

وقال عمر بن الخطاب t: (إني لا أحمل همّ الإجابة ولكن أحمل هم الدعاء). وسُئل الإمام أحمد رحمه الله كم بيننا وبين عرش الرحمن فقال: (دعوة صادقة).

أيسرك أخي في الله أن دعواتك تصعد إلى مولاك الكريم إذا أخذت هذه الأسباب المعينة على إجابة الدعاء:

1- أن تكون عالماً بأن الله المتفرد بإجابة الدعاء [أَمَّنْ يُجِيبُ المُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ]  [النمل: 62].

2- أن تدعو الله ولا تشرك به شيئاً قال رسول الله ﷺ لابن العباس رضي الله عنهما: «إذا سألت فسأل الله وإذا استعنت فاستعن بالله».([35])

3- الطهارة.

4- استقبال القبلة.

5- رفع اليدين.

6- البدء بالتحميد والتمجيد والتسبيح لله عز وجل والصلاة على رسوله ﷺ.

7- إطابة المطعم والمشرب والملبس.

8- تقديم عمل لله عز وجل في الدعاء بالتوسل بالأعمال الصالحة.

9- الدعاء بخشوع وتذلل وعدم رفع الصوت والاعتراف بالذنب

10- تجنب الاستعجال بإجابة الدعاء قال النبي ﷺ: «يُستجاب لأحدكم ما لم يعجل يقول دعوت فلم يُستجب لي».([36]) وقال النبي ﷺ: «يُستجاب للعبد ما لم يدعُ بإثمٍ أو قطيعة رحم».([37])

11- إحسان الظن بالله عز وجل قال رسول الله ﷺ: «ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة». ([38])

12- حضور القلب مُقبلاً غير مُدبر قال رسول الله ﷺ: «اعلموا أن الله لا يستجيب دعاء من قلب لاه».([39])

13- يختم دعاءه بالتسبيح والتحميد والتمجيد والصلاة على رسول الله ﷺ.

واعلم رحمك الله بأن هناك مواطن لإجابة الدعاء اجتهد فيها، قال الإمام ابن القيم رحمه الله: (إذا جُمع مع الدعاء حضور القلب وصادف وقتاً من أوقات الإجابة السِّتة وهي الثلث الأخير من الليل وعند الأذان وبين الأذان والإقامة وأدبار الصلوات المكتوبة وعند صعود المنبر يوم الجمعة حتى تُقضى الصلاة وآخر ساعة من يوم الجمعة وصادف ذلك خشوعاً وخضوعاً في القلب وانكساراً بين يديه بذل وانكسار ورقة واستقبال للقبلة وكان على طهارة ورفع يديه وبدأ بالحمد والثناء عليه ثم يصلي على رسوله ﷺ ثم يُقدم حاجته بالتوبة والاستغفار ثم يدخل على الله ويلح عليه بالمسألة ودعاه رغبةً ورهبةً وتوسل بأسمائه وصفاته وتوحيده ويُقدم بين يديه صدقة). وقال سهل بن عبد الله رحمه الله: (شروط الدعاء سبعة أولها التضرع والخوف والرجاء والمداومة والخشوع والعموم وأكل الحلال). وقال سهل بن عبدالله رحمه الله: (من أكل الحلال أربعين صباحاً أجيبت دعوته). وقال وهب بن منبه رحمه الله: (من سرّه أن يستجيب الله دعوته فلْيطب طعمته). وقال يوسف بن أسباط رحمه الله: (بلغنا أن دعاء العبد يُحبس عن السماوات بسوء المطعم). وقال بعض السلف رحمهم الله: (لا تستبطئ الإجابة وقد سددت طُرقها بالمعاصي).

ما لنا ندعوا الله ولا يستجاب لنا !!! قال إبراهيم بن أدهم رحمه الله: (لأنكم عرفتم الله فلم تطيعوه وعرفتم رسوله ﷺ فلم تتبعوا سنته وعرفتم القرآن فلم تعملوا به وأكلتم نِعمَ الله فلم تؤدوا شكرها وعرفتم الجنة فلم تطلبوها وعرفتم النار فلم تهربوا منها وعرفتم الشيطان فلم تحاربوه ووافقتموه وعرفتم الموت فلم تستعدوا له ودفنتم الأموات فلم تعتبروا وتركتم عيوبكم واشتغلتم بعيوب الناس).

نسأل الله العلي القدير أن يتقبل منَّا ويرحمنا ويغفر لنا ويتقبَّل منَّا دعاءنا وألا يردنا خائبين
يا رب العالمين، وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

@  @  @

الموعظة السادسة

الموت القيامة الصغرى

الحمد لله الذي خلق الجنة والنار والظلمات والنور والظِّل والحرور والأيام والشهور والساعات والدهور و يعلم ما في الصدور وما في القبور والصلاة والسلام على البشير النذير السراج المنير وعلى آله وأصحابه إلى يوم يبعثر ما في القبور. أما بعد

فقد قال الله جل وعلا [كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ المَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَمَا الحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الغُرُورِ] {آل عمران:185} الموت هادم اللذات ومفرّق الجماعات وقاطع الأمنيات وميتم البنين والبنات الواعظ الصامت يأخذ كل أحدٍ بدون استئذان يأخذ الغني والفقير والملك والحقير والأمير والصغير والسقيم والكبير...!!

أين الذين كانت لهم الأرض فرحاً ومرحاً؟

أين الذين كانت لهم الأرض هيبة وعزاً ؟

أين الأصدقاء والأحبة؟

أين الأقارب والأخوة؟

أفناهم الله مفني الأمم وأبادهم مبيد الرمم وأخرجهم من سعة القصور إلى ضيق القبور تحت الجنادل والصخور فأصبحوا لا تُرى إلا منازلهم لم تنفعهم أموالهم ولا أزواجهم ولا أبناؤهم الذي ينفعهم أعمالهم وأقوالهم الصالحة.

أخي الحبيب أنت في رحلة غريب… تخيل نفسك طريحاً بين أهلك وقد وقعت الحسرة وجفت العبرة وثقل منك اللسان واشتدت بك الأحزان وعلا صُراخ الأهل والأخوان ونادوا الأطباء بالداوء فزادهم الدواء بلاء قال الله تعالى: [فَلَوْلَا إِذَا بَلَغَتِ الحُلْقُومَ(83) وَأَنْتُمْ حِينَئِذٍ تَنْظُرُونَ(84) وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ وَلَكِنْ لَا تُبْصِرُونَ][الواقعة: 83-85] تلك اللحظات تنظر آخر النظرات إلى الأبناء والبنات والإخوان والأخوات ويسبقها الآهات والزفرات فتكون شدة السكرات والحسرات فتخرج الروح وتبقى السيئات والحسنات.

رحماك يا الله… تخيل بأنك تُقلَّب على المُغتسَل بين يدي المُغسِّل ثم تُلبس الكفن وتنتقل إلى دار العفن.

قال التيمي رحمه الله: (شيئان قطعا لذة الدنيا ذكر الموت وذكر الوقوف بين يدي الله عز وجل). وقال الدقاق رحمه الله: (من أكثر من ذكر الموت أكرمه الله بثلاث بتعجيل التوبة وقناعة في القلب ونشاط في العبادة ومن نسي الموت عاقبه الله بثلاث تسويف التوبة وترك الرضا بالقليل وتكاسل في العبادة). وقال الحسن البصري رحمه الله: (إن هذا الموت أفسد على أهل النعيم نعيمهم فالتمسوا عيشاً لا موت فيه).

يا من بدنياه اشتـغل        وغــره طــول الأمـ‍‍ل

المــوت يأتـي بغـتةً         والقبر صندوق العمـل

القلوب تعلقت بحطام الدنيا الفانية ونسيت الموت وقسا القلب من كثرة الذنوب والمعاصي فأنت يا عبدالله موقوف وعن كل شيء مسؤول يقول جل وعلا: [وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ] {الصَّفات:24}.

فلو إنا إذا متنا تركنـا        لكان الموت راحة كل حي

ولكنا إذا مـتنا بعـثنا         ونُسـأل عـن كـل شــيء

يقول جل وعلا: [مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ] {ق:18}. ويقول جل وعلا: [وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ * كِرَامًا كَاتِبِينَ] [الانفطار: 10-11] من يجادل عنك الموت وسكرته والقبر وضمته قال تعالى: [فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ] {الأعراف:34}.

فيا جامع الدنيا لغير بلاغةٍ       ستتركها فانظر ما أنت جامعُ

عش ما شئت فإنك ميت، وأحبب من شئت فإنك مفارق، وأعمل ما شئت فإنك مجازٍ به والجزاء من جنس العمل.

يا زارع الخـير تحصــده بعـده ثمــراً
يا نفس كُفي عن العصيان واكتسبي

 

يا زارع الشر موقوف على الوهنِ
فعــلاً جمــيلاً لعـل الله يرحمـني

زر القبور إذا ضاقت الصدور، وقف وقفة تأمل ومحاسبة، فإن من في القبور كانوا يمشون على الأرض، واليوم هم في بطن الأرض وبعدها في يوم العرض ويكشف المستور وتقول نفسي نفسي قال النبي ﷺ: «إني نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتدمع العين ولا تقولوا هجراً».([40]) وقال رسول الله ﷺ: «أكثروا من ذكر هادم اللذات».([41]) قال أهل العلم: (هادم اللذات هو الموت).

أنت يا عبدالله لا تدري هل ستكون أنت غداً من عِداد الأحياء أو الأموات، ثم تترك الدنيا إلى ظلمة القبر وضيق اللحد بعد ما كُنت في سعة الدور والقصور فسعادة الدنيا كلها في طاعة الله وطاعة رسوله ﷺ.

ولست أرى السعادة جمع مالٍ       ولكـن التقي هـو السعـيدُ

وتقـوى الله خـير زادٍ وذخــرٍ       وعـند الله للأتقــى المزيـدُ

أخي في الله ارجع إلى قلبك فتجد أن حلاوة الدنيا لا تكون إلا بحلاوة الإيمان وطاعة الرحمن عز وجل.

يا نفس توبى فإن الموت قد حان
أما ترينا المنايا كيف تلقطنا لقطاً
في كل يوم لنا ميت نشيعه
يا نفس مالي وللأموال أتركها

 

واعصِ الهوى فالهوى مازال فتانا
وتلحق آخرانا بأولانا
ونرى بمصرعه آثار موتانا
خلفي وأخرج من الدنيا عريانا

نسأل الله العلي القدير لنا ولكم حسن الخاتمة وأن يعفو عنَّا ويتقبَّل منَّا ويرحمنا برحمته وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

õ  õ  õ

الموعظة السابعة

أهوال يوم القيامة الكبرى

الحمد لله الحي القيوم الدائم الباقي العلي العظيم والصلاة والسلام على رسولنا الأمين المبعوث رحمةً للعالمين عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم    أما بعد

فيقول تبارك وتعالى: [يَوْمَ تُبَدَّلُ الأَرْضُ غَيْرَ الأَرْضِ وَالسَّمَوَاتُ وَبَرَزُوا للهِ الوَاحِدِ القَهَّارِ] [إبراهيم: 48] ويقول تعالى: [يَوْمَ تَمُورُ السَّمَاءُ مَوْرًا(9) وَتَسِيرُ الجِبَالُ سَيْرًا] [الطور: 9-10] ويقول تعالى: [يَوْمَ يَفِرُّ المَرْءُ مِنْ أَخِيهِ(34) وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ(35) وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ(36) لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ] [عبس: 34-37] أتدري ما هو هذا اليوم ؟

إنه يوم القيامة، يوم القارعة، يوم الحاقة، يوم الطامة، يوم الصاخة، يوم الغاشية، يوم الواقعة، يوم الفصل، يوم البعث، يوم الآزفة، يوم الحساب، يوم الوعيد، يوم الحسرة والندامة، يا له من يوم جمع الأسماء والمعاني ما تليّن به القلوب، وتقشعر منه الجلود، وتشيب منه الرؤوس من شدة ما يشاهدون ويسمعون.

لقد قضى جل وعلا بأن هذه الدنيا فانية زائلة منتهية لا محالة ولا يبقى إلا وجهه تبارك وتعالى: [كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ(26) وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الجَلَالِ وَالإِكْرَامِ] [الرحمن: 26-27] وقال تعالى: [وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ] [الزمر: 68] وقال النبي ﷺ يقول الله تبارك وتعالى: «أنا الملك أين ملوك الأرض».([42])

ذلك اليوم يُذهل العقول ويفزّع القلوب، والسماء تضطرب والأرض تشقق والجبال تندك والقمر ينخسف والشمس تتكوّر والكواكب تنتثر والبحار تُسجّر وتشتعل ناراً.

ذلك اليوم يشهده الأولون والآخرون ويحشر فيه الملوك وغيرهم حُفاة عُراة غُرلاً بُهماً، لا ينفعهم مالهم ولا جاههم ولا سلطانهم وتستوي الخلائق وليس بينهم وضيع الكل عبادٌ لله قال تعالى: [إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ إِلَّا آَتِي الرَّحْمَنِ عَبْدًا] {مريم:93}  . فعن عائشة رضي الله عنها أن النبي ﷺ قال: «يا أيها الناس إنكم تحشرون إلى الله حُفاة عُراة غُرلاً كما قال تعالى: [كَمَا بَدَأْنَا أَوَّلَ خَلْقٍ نُعِيدُهُ وَعْدًا عَلَيْنَا إِنَّا كُنَّا فَاعِلِينَ] {الأنبياء:104} فقالت عائشة يا رسول الله النساء والرجال فقال رسول الله ﷺ: «يا عائشة الأمر أشد من أن ينظر بعضهم بعضاً».([43]) وتكون أرض الشام هي أرض المحشر ووصفها النبي ﷺ فقال: «يحشر الناس يوم القيامة على أرض بيضاء عفراء كقرصة النقي ليس فيها علمٌ لأحد».([44]) فأرض المحشر لا حجر فيها ولا شجر وتدنو عليهم الشمس قدر ميل قال النبي ﷺ: «تدنى الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل».([45]) قال التابعي سُليم بن عامر رحمه الله: (فوالله ما أدري ما يعني بالميل أمسافة الأرض أم ميل الذي تكتحل به العين). وقال رسول الله ﷺ: «فيكون الناس على قدر أعمالهم من العرق فمنهم ما يكون إلى كعبيه ومنهم ما يكون إلى ركبتيه ومنهم ما يكون إلى حقويه ومنهم ما يكون العرق يلجمه إلجاما».([46]) وفي رواية بأن النبي ﷺ (أشار بيده إلى فيه)([47]) أي: (أشار بيده إلى فمه).

وفي ذلك اليوم أناس نسأل الله العلي القدير أن نكون منهم في ظل عرش الرحمن تبارك وتعالى وهم من أطاعوه في الدنيا في السرِّ وفي العلن الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله فعن أبي هريرة t قال: قال النبي ﷺ: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله إمام عادل وشاب نشأ في عبادة ربه ورجل قلبه معلق بالمساجد ورجلان تحابا في الله اجتمعا عليه وتفرقا عليه ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال إني أخاف الله ورجل تصدق بيمينه فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه ورجل ذكر الله خالياً ففاضت عيناه».([48])

في يوم القيامة يبدأ الحساب والجزاء بالعدل بلا ظلم يقول جل وعلا: [وَأَشْرَقَتِ الأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا وَوُضِعَ الكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالحَقِّ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ] {الزُّمر:69}. فلا تخفى صغيرةٌ ولا كبيرةٌ إلا أحصاها الله عز وجل ويحاسب عليها سُئل علي بن أبي طالب t كيف يحاسب الله العباد يوم القيامة فقال: (كما يرزقهم في يوم). وقال الحسن البصري رحمه الله: (الحساب أسرع من لمح البصر). وقال النبي ﷺ: «أن أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة من عمله صلاته فإن صلحت فقد أفلح وأنجح وإن فسدت فقد خاب وخسر». ([49])

وفي ذلك اليوم يُسأل الإنسان على أمور مهمة كانت له في الدنيا فعن أبي برزة t قال: قال رسول الله ﷺ: «لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة من عند ربه حتى يُسأل عن خمس عن عمره فيما أفناه وعن شبابه فيما أبلاه وعن ماله فيما اكتسبه وفيما أنفقه وعن علمه فيما عمله به».([50])

أخي في الله اعلم بأن الدنيا فانية زائلة منتهية لا محالة وتبدأ الرحلة الحقيقية إلى حياة الآخرة من الموت ثم القبر ثم البعث ثم الحشر ثم العرض والحساب ثم الميزان ثم صحائف الأعمال ثم الصراط ثم الحوض ثم القنطرة ثم الجنة أو النار ثم الشفاعة ولكن من أطاع الله ورسوله ﷺ فإنه يفوز بجنات النعيم. قال الله تعالى: [يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ الله حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِالله الغَرُورُ ] [لقمان: 33].

نسأل الله العلي القدير أن يأمِّنا يوم الفزع الأكبر ويجعلنا من الآمنين ويظلنا في ظله يوم لا ظل إلا ظله وأن يرزقنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل ونعوذ بالله من النار وما قرب إليها من قول وعمل وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

@   @   @

الموعظة الثامنة

الجنة دار السعداء

الحمد لله الذي جعل جنات الفردوس لعباده المؤمنين نُزلا ونوَّع لهم الأعمال الصالحة ليتخذوا منها إلى تلك الجنات سُبلا وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملا وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله الذي شمَّر للحاق بالرفيق الأعلى والوصول إلى جنات المأوى ولم يتخذ سواها شُغلا صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان ما تتابع القطر والندى وسلم تسليماً كثيراً   أما بعد

فيقول تعالى: [وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ] [آل عمران: 133]. ويقول تعالى: [سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آَمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللهُ ذُو الفَضْلِ العَظِيمِ] [الحديد: 21]. وعن أبي هريرة t عن النبي ﷺ أنه قال: «قال الله تعالى: أعددت لعبادي الصالحين مالا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر قال تعالى: [فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ] {السجدة:17}».([51])

إذاً المسارعة والمسابقة إلى دار النعيم والكرامة ومفتاح هذه الدار قول لا إله إلا الله والمفتاح له أسنان لفتح الباب وأسنانه شرائع الإسلام والعمل بالأوامر واجتناب النواهي.

فأبواب الجنة ثمانية فمن كان من أهل الصلاة دُعي من باب الصلاة ومن كان من أهل الجهاد دُعي من باب الجهاد ومن كان من أهل الصدقة دُعي من باب الصدقة ومن كان من أهل الصيام دُعي من باب الريَّان وقد يُدعى الإنسان من جميع الأبواب الثمانية وما بين مصراعي الباب مابين مكة وهجر ويأتي عليه يومٌ وهو كضيض.

فالجنة فيها درجات وأعلى الدرجات الفردوس الأعلى سقفها عرش الرحمن هي دار المتقين لبنة من فضة ولبنة من ذهب ومُلاطها المسك وحصباؤها اللؤلؤ والياقوت وترابها الزعفران وفيها غُرف يُرى ظاهرها من باطنها وباطنها من ظاهرها للمؤمن فيها خيمة من لؤلؤة واحدة مجوفة طولها ستون ميلاً في السماء فيها شجرة يسير الراكب بجواده في ظلها مائة عام لا يقطعها قال عبدالله بن عباس رضي الله عنهما في قوله تعالى: [وَظِلٍّ مَمْدُودٍ] {الواقعة:30}  «بأنها شجرة في الجنة يسير في ظلها الراكب مائة عام».([52])  وغراس الأشجار في الجنة تكون في الدنيا بشيء يسير بقول سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر وفيها من الفواكه ما تشتهى النفس وما لدنيا في الجنة إلا الأسماء وأغصانها تذلل إذا قعد أو اضطجع وينحني الغصن ويأكل من ثمارها وإذا قطع ثمرة خرجت غيرها قال الله تعالى: [كُلَّمَا رُزِقُوا مِنْهَا مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقًا قَالُوا هَذَا الَّذِي رُزِقْنَا مِنْ قَبْلُ وَأُتُوا بِهِ مُتَشَابِهًا] {البقرة:25}. وثمارها بألوانها وأشكالها وصفاتها مختلفة في الطعم قال الله تعالى: [وَلَهُمْ رِزْقُهُمْ فِيهَا بُكْرَةً وَعَشِيًّا] {مريم:62}  فأهل الجنة آمنون من الموت والنوم والهرم والمرض والخوف آمنون من كل ما يُنغِّص وينقص نعيمهم قال تعالى: [خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ] {هود:108} وفيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه وأنهار من خمر لذة للشاربين وأنهار من عسل مصفى وفيها ولدان مخلدون بجمالهم وانتشارهم في خدمة المؤمنين كأنهم اللؤلؤ المنثور قال تعالى: [يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ] {الواقعة:17} ويطوف الولدان بكأس أبيض فيه لذة لشاربين قال تعالى: [وَيُطَافُ عَلَيْهِمْ بِآَنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ وَأَكْوَابٍ كَانَتْ قَوَارِيرَ(15) قَوَارِيرَ مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوهَا تَقْدِيرًا][الإنسان: 15-16]. وفيها الحور العين فيُعطى المؤمن قوة مائة رجُل وطوله وعرضه ستون ذراعاً فجماله جمال يوسف عليه السلام وخُلقه خُلق محمد ﷺ وطوله طول آدم عليه السلام وعُمره عُمر عيسى عليه السلام والحور العين جمالهنَّ وحُسنهنَّ لا يوصف، تجامعها تعود بكراً عُرباً متحببةً لزوجها، متساويةً في أعمارهن نصيفها من على رأسها خيرٌ من الدنيا وما فيها ويُرى مُخ ساقها من سبعين حُله ولعابها لو قطرةٌ منه تسقط في الأبحر المالحة لكانت عذبة زلالاً فكيف بالمؤمن إذا دخل الجنة تقابله الحور العين ويضع فمه في فمها ويشرب من ريقها مباشرة وغيرها من صفات الحور العين التي اشتاق إليه العُبَّاد والصالحون والمجاهدون والأولياء وعلى هذا ينادي منادٍ في الجنة يا أهل الجنة خلودٌ فلا موت وأن لكم فيها أن تصحوا ولا تسقموا وأن تحيوا فيها ولا تموتوا وأن تشبُّوا فيها ولا تهرموا أبداً وعلى هذا رضي الله عنهم ورضوا عنه وهم على موعد في يوم الجمعة عندما تُعد لهم النجائب فيُحملون عليها إلى مكان الموعد في الوادي الأفيح لمقابلة العزيز الحميد جل وعلا وهذا هو أنعم النعيم والزيادة وقرة العيون قال تعالى: [وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ] [القيامة: 22-23].

سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما عمل أهل الجنة؟ فقال: (الحمد لله رب العالمين عمل أهل الجنة الإيمان والتقوى وعمل أهل النار الكفر والفسوق والعصيان فأعمال أهل الجنة الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره والشهادتان شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت وأن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك ومن أعمال أهل الجنة العدل في جميع الأمور وعلى جميع الخلق حتى مع الكفّار وأمثال هذه الأعمال) انتهى كلامه رحمه الله.

نسأل الله العلي القدير أن يرزقنا الجنة وما قرب إليها من قول وعمل و نعوذ بالله من النار وما قرب إليها من قول وعمل وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

@   @   @

الموعظة التاسعة

النار دار الأشقياء

الحمد لله رب العالمين أمر بتقواه وأخبر أن من اتقاه وقاه وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ولا رب لنا سواه ولا نعبد إلا إياه وأشهدُ أن محمداً عبده ورسوله أكرم الخلق على الله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداه وسلَّم تسليماً كثيراً  أما بعد

فيقول سبحانه وتعالى: [وَاتَّقُوا النَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ(131) وَأَطِيعُوا اللهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ] [آل عمران: 131-132]. ويقول تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ] [التحريم: 6] .

اتقوا النار يا عباد الله وامتثلوا لأوامر الله ورسوله ﷺ ففيهما النجاة منها فهي دار البوار والبؤس والشقاء والعذاب الشديد مصير من لا يؤمن بالله واليوم الآخر سُكَّانها شرار الخلق من الشياطين واتباعهم من الإنس والجن قال تعالى مخاطباً إبليس: [فَالحَقُّ وَالحَقَّ أَقُولُ(84) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَمِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ] [ص: 84-85].

النار دار رؤوس الكفر والنفاق دار فرعون وهامان وقارون وأبي جهل وأُبي بن خلف وغيرهم كثير من الطغاة والفجَّار مكانها بعيدٌ في أسفل السافلين لها دركات أسفلها دار المنافقين فيها السعير ولظى والحطمة والهاوية وغيرها طعامها الزقوم وأشجارها كأنها رؤوس الشياطين مُرة الطعم والذوق كريهة المنظر قال تعالى: [لَا يُسْمِنُ وَلَا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ] {الغاشية:7}. وقال النبي ﷺ: «اتقوا الله حق تقاته فلو أن قطرة من الزقوم قطرت في بحار الدنيا لأفسدت على أهل الأرض معايشهم»([53]) هذا طعامهم إذا جاعوا وإذا أكلوا ازدادوا عطشاً وبحثوا عن الماء قال تعالى: [وَإِنْ يَسْتَغِيثُوا يُغَاثُوا بِمَاءٍ كَالمُهْلِ يَشْوِي الوُجُوهَ بِئْسَ الشَّرَابُ وَسَاءَتْ مُرْتَفَقًا] {الكهف:29}. وإذا أراد أن يشرب من هذا الماء سقطت فروة شعره ولحمة وجهه وإذا شرب أهل النار من هذا الماء قُطِّعت أمعاؤهم ومُزِّقت جلودهم وانسلَ ما في بطونهم ويخرج من أدبارهم وهو مضطرٌ على فعل ذلك قال تعالى: [يَتَجَرَّعُهُ وَلَا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ المَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ] {إبراهيم:17}. وأما لباسهم يشتد عليهم الحرارة والعذاب قال الله تعالى: [سَرَابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرَانٍ وَتَغْشَى وُجُوهَهُمُ النَّارُ] {إبراهيم:50}، قال تعالى: [يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُءُوسِهِمُ الحَمِيمُ(19) يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ وَالجُلُودُ(20) وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ(21) كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الحَرِيقِ] [الحج: 19-22].

النار حرها شديد وقعرها بعيد، نارها تفوق نار الدنيا بتسعة وستين جزءا لا يصلاها إلا الأشقى الذي كذب وتولى سوداء مظلمة عذابها شديد يتمنى أهلها الخلاص والراحة من العذاب ولو لحظة فينادون خزنة جهنم: [ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ العَذَابِ] {غافر:49}  فترد عليهم الملائكة: [أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ] {غافر:50}  فلا يستجاب لهم لأنهم لم يستجيبوا للرسل حينما دعوهم إلى الله فكان الجزاء من جنس العمل فيقول أهل النار لله عز وجل: [قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَالِّينَ(106) رَبَّنَا أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ] [المؤمنون: 106-107] فيقول الله جل وعلا لهم: [اخْسَئُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ] {المؤمنون:108} وعلى هذا يزدادون بؤساً وحسرةً وندامة قال تعالى: [وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّءُوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ] {البقرة:167}  وعلى هذا فإن أشد العذاب لهم بأنهم لا يرون الله جل وعلا: [كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ(15) ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصَالُو الجَحِيمِ(16) ثُمَّ يُقَالُ هَذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تُكَذِّبُونَ] [المطففين: 15-17] إذا رأت أهلها: [مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا] [الفرقان: 12]. أهل النار تتقطع قلوبهم وهم فيها:[إِذَا أُلْقُوا فِيهَا سَمِعُوا لَهَا شَهِيقًا وَهِيَ تَفُورُ(7) تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ(8) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ][الملك: 7-9].

سُئل شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله ما عمل أهل النار؟ (الحمد لله رب العالمين عمل أهل الجنة الإيمان والتقوى وعمل أهل النار الكفر والفسوق والعصيان فأعمال أهل النار الإشراك بالله والتكذيب بالرسل والكفر والحسد والكذب والخيانة والظلم والفواحش والغدر وقطيعة الرحم والجبن عن الجهاد والبخل واختلاف السرِّ والعلانية واليأس من روح الله والأمن من مكر الله والجزع عند المصائب والفخر والبطر عند النعم وترك الفرائض واعتداء حدوده وانتهاك حرماته وخوف المخلوق دون الخالق والعمل رياء وسمعة ومخالفة الكتاب والسُّنة وطاعة المخلوق في معصية الخالق والتعصب الباطل والاستهزاء بآيات الله وجحد الحق وكتم الحق لما يجب إظهاره من علم وشهادة ومن عمل أهل النار السِّحر وعقوق الوالدين وقتل النفس التي حرم الله إلا بالحق وأكل مال اليتيم والربا والفرار من الزحف وقذف المحصنات الغافلات) انتهى كلامه رحمه الله.

نسأل الله العلي القدير الجنة وما قرب إليها من قول وعمل و نعوذ بالله من النار وما قرب إليها من قول وعمل وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

@   @   @

الموعظة العاشرة

إنه الله جل جلاله

سبحان العزيز الحكيـم سبحان الرحمن الرحيم سبحـان العلي العليـم سبحان الغفور الحليم سبحـان القوي القهَّار سبحان الملك الجبَّار والصلاة والسلام على النبي المصطفى المختار وعلى آله وأصحابه الأبرار ما تعاقب ليلٌ ونهار  أما بعد

فعن أبي هريرة t قال: قال رسول الله ﷺ: «إن لله تسعة وتسعين اسماً مائة إلا واحداً من أحصاها دخل الجنة وهو وترٌ يحب الوتر».([54]) وقال ابن القيم رحمه الله: (وهو سبحانه تعالى يدعوا عباده إلى أن يعرفوه بأسمائه وصفاته ويثنوا عليه بها ويؤخذوا بحظهم من عبوديتها وهو سبحانه يحب موجب أسمائه وصفاته فهو عليم يحب كل عليم، جواد يحب كل جواد، وترٌ يحب الوتر، جميل يحب الجمال، عفوٌ يحب العفو، برٌ يحب الأبرار، شكورٌ يحب الشاكرين، صبورٌ يحب الصابرين، حليمٌ يحب أهل الحلم).

إنه الله جل جلاله

إذا حلَّ الهمَّ وخيَّم الغمَّ واشتد الكرب وعظم الخطب وضاقت السُّبل وبارت الحيل نادى المنادي فقال:

يا الله يا الله يا الله...

فلا إله إلا الله العظيم الحليم...

لا إله إلا الله رب العرش العظيم

لا إله إلا الله رب السموات ورب الأرض ورب العرش الكريم...

فيزول الهمَّ ويتنفس الكرب وتُذلل المصاعب...

إنه الله جل جلاله

الملاذ في الشدة والأنيس في الوحشة، والنصير في القلة، يتجه إليه المريض فيدعوه لشفائه، ويتجه إليه المكروب ويسأله الصبر بالمكتوب، يتجه إليه المظلوم داعياً بنصرته، خزائنه لا تنفد، كريم لا يبخل، يقبل التوبة، ويعفو عن السيئات ويبدِّلها إلى حسنات، ما ردَّ ولا خيَّب من دعاه فهو قريب مجيب الدعاء.

إنه الله جل جلاله

سلوة الطائعين، وملاذ الهاربين، وملجأ الخائفين، ويحب التوابين والمتطهرين، هو الله الأحد الصمد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفواً أحد، خلق فسوى وقدَّر فهدى وأخرج المرعى فجعله غُثاءً أحوى، السماء بناها والأرض دحاها والجبال أرساها أخرج من الأرض ماءها ومرعاها.

إنه الله جل جلاله

التواب الرحيم ذو الفضل العظيم الواسع العليم العزيز الحكيم ابتلى إبراهيم، وسمع نداء يونس وهو في بطن الحوت، واستجاب لزكريا فأعطاه يحيى، أزال الكرب عن أيوب، وألآن الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، ورفع عيسى، وشق القمر لمحمد عليهم جميعاً صلوات من ربي وسلام.

إنه الله جل جلاله

نجَّى هوداً وأهلك قومه، نجَّى صالحاً من الظالمين فأصبحوا في ديارهم جاثمين، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم، وفدَّى إسماعيل بذبح عظيم، ونصر موسى وأغرق فرعون وجنوده ونجَّاه ببدنه ليكون لمن خلفه آية، وخسف بقارون وبداره الأرض وجعل عيسى وأمه آية للعالمين.

إنه الله جل جلاله

أضحك وأبكى وأمات وأحيا وأسعد وأشقى وأوجد وأبلى ورفع وخفض وأعز وأذل وأعطى ومنع بحكمته وقدرته وفضله وعدله.

إنه الله جل جلاله

قال الله تعالى: [هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ (22) هُوَ اللهُ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ المَلِكُ القُدُّوسُ السَّلَامُ المُؤْمِنُ المُهَيْمِنُ العَزِيزُ الجَبَّارُ المُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ(23) هُوَ اللهُ الخَالِقُ البَارِئُ المُصَوِّرُ لَهُ الأَسْمَاءُ الحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ العَزِيزُ الحَكِيمُ] [الحشر: 22-24].

أخي في الله

احسب حساباتك من هذه الوهلة ما دمت في زمن المـُهلة قبل يوم النُقلة فاليوم أنت على الأرض وبعدها تحت الأرض ثم أنت في يوم العرض يا من قصّرت في جنب الله وبارزته بالمعاصي وتركت الصلوات وتهاونت في الأوامر وفعلتَ النواهي ارجع إلى ربك الغفور الرحيم قال تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا تُوبُوا إِلَى الله تَوْبَةً نَصُوحًا عَسَى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيُدْخِلَكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ] {التَّحريم:8} [التحريم: 8].

نسأل الله العلي القدير الذي لا إله غيره أن يوفقنا لكل خير ويجعلنا من عباده الصالحين المصلحين ومن أوليائه الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

@   @   @

 

 

 

 

فائــــــدة

قال الشيخ أحمد فريد حفظه الله: (سعادة العبد في الدنيا والآخرة أن يؤثر مراد الله، ويسعى لطاعته ورضاه فإذا آثر العبد الآخرة على الدنيا، وكان من أهل الآخرة يطلبها طلباً حثيثاً ويبذل فيها نفائس أنفاسه وزهرة حياته كل يوم يزيده قُرباً، وكلما ازداد قُرباً ازداد حُباً، وكلما ازداد حُباً ازداد زُهداً، يومه خير من أمسه، وغدُهُ أفضل من يومه، فهو دائم الفكر في الآخرة مشغول بما يقربه ويؤدبه ويهذبه، فإذا رآه الله عز وجل مؤثراً لمراده محباً لما يحبه ويرضاه مبغضاً لما يبغضه ويأباه عطف عليه ربه ورباه أفضل مما يربي الوالد الشفيق ولده الوحيد، فيصرف عنه السوء والفحشاء، كما قال تعالى في حق يوسف عليه وعلى نبينا الصلاة والسلام: [كَذَلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَالفَحْشَاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا المُخْلَصِينَ] {يوسف:24}، وييسر الله عز وجل له أسباب الهداية كما قال تعالى: [وَيَزِيدُ اللهُ الَّذِينَ اهْتَدَوْا هُدًى] {مريم:76}، وقال تعالى: [وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى وَآَتَاهُمْ تَقْوَاهُمْ] {محمد:17} ، فإذا أقبل العبد بقلبه على الله عز وجل أقبلت عليه وفود الخيرات من كل جانب، وإذا أعرض عن مولاه واتبع هواه، أقبلت عليه سحائب البلاء والشر من كل جانب. والعبد في طريقه إلى مولاه يحتاج دائماً إلى التذكير بالآخرة، ومعرفة شرف الطاعات وفضائلها، وقبح المعاصي ومثالبها، قال تعالى: [وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنْفَعُ المُؤْمِنِينَ] {الذاريات:55}).

اعلم رحمك الله: «من عرف الله عز وجل حق المعرفة فإنه لا يتجرأ أن يعصيه أي معصية».

@   @   @

 

الخاتمــة

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات

اللهم اغفر لي خطيئتي وجهلي وإسرافي في أمري وما أنت أعلم به مني

اللهم اغفر لي جدِّي وهزلي وخطئي وعمدي وكل ذلك عندي

اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت وما أسررت وما أعلنت وما أنت أعلم به مني أنت المقدم وأنت المؤخر وأنت على كل شيء قدير

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار

اللهم انفعني بما علَّمتني وعلِّمني ما ينفعُني وارزقني علماً ينفعُني وزدني علماً

والحمد لله على كل حال وأعوذ بالله من حال أهل النار

سبحانك اللهم وبحمدك أشهدُ أن لا إله إلا أنت أستغفرك وأتوب إليك

وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين

 

كتبه الفقير إلى عفو ربه القدير

أبو خلاد ناصر بن سعيد بن سيف السيف

غفر الله له ولوالديه وجميع المسلمين

14/11/1426هـ

 



(1) رواه البخاري في كتاب الجهاد باب دعاء النبي ﷺ  إلى الإسلام والنبوة.

(2) رواه مسلم في كتاب الإيمان باب الدين النصيحة.

(1) رواه البخاري في كتاب الاعتصام باب الاقتداء بسنن النبي ﷺ.

(2) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب حفت النار بالشهوات ورواه مسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب صفة الجنة.

(1) رواه مسلم في كتاب الطهارة باب فضل الوضوء.

(2) رواه الإمام أحمد في مسنده.                                                                

(1) رواه الإمام أحمد في مسنده.

(2) رواه البخاري في كتاب الجنائز.

(3) رواه البخاري في كتاب الظلم.

(4) رواه الترمذي في كتاب الفتن باب ما جاء في الخسف وصححه الألباني.

(1) رواه الإمام أحمد وأبو داوود والبزار وأبو يعلى وصححه الألباني.

(2) رواه مسلم في كتاب الفتن باب ما جاء في سؤال النبي ﷺ ثلاثاً في أمتي.

(1) رواه مسلم في كتاب البر والصلة باب تحريم الظلم.

(2) رواه البخاري في كتاب الدعوات باب استغفار النبي ﷺ ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء باب استحباب الإكثار فيه.

(1) رواه ابن ماجه والطبراني.

(2) رواه البخاري في كتاب الدعوات ومسلم في كتاب التوبة.

(1) رواه مسلم في كتاب التوبة باب سعة رحمة الله تعالى وأنها تغلب غضبه.

(2) رواه البخاري في كتاب الدعوات باب نصف الليل ومسلم في كتاب صلاة المسافرين باب الترغيب بالدعاء والذكر آخر الليل.

(1) رواه البخاري كتاب الدعوات ومسلم كتاب الذكر.

(2) رواه البخاري في كتاب فضائل القرآن.

(3) رواه مسلم في كتاب الفضائل.

(4) رواه الإمام أحمد في مسنده.

(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق.

(2) رواه الترمذي واللفظ له قال: (حسن غريب) ورواه ابن ماجه وابن حبان والحاكم وقال: (صحيح الإسناد) وصححه الألباني.

(3) سبق تخريجه.

(1) رواه الترمذي ومالك في الموطأ والبزار في كشف الأستار وقال البيهقي في مجمع الزوائد: (إسناده حسن) ورواه ابن حبان وصححه الألباني.

(1) رواه البخاري في كتاب الذكر ومسلم في كتاب مثل البيت الذي يذكر الله فيه.

(2) رواه ابن أبي الدنيا والبيهقي في شعب الإيمان.

(3) رواه ابن أبي الدنيا والبزار إلا أنه قال (أخبرني بأفضل الأعمال وأقربها إلى الله) ورواه ابن حبان في صحيحه وصححه الألباني.

(1) رواه ابو داوود والترمذي في صحيحه واللفظ له وقال: (حديث حسن صحيح) ورواه النسائي في السنن الكبرى وابن ماجه وابن حبان في صحيحه والحاكم وقال: (صحيح الإسناد) وصححه الألباني.

(2) سبق تخريجه .

(1) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح ورواه الحاكم من رواية أبي سعيد الخدري t وزاد فيه: (أو يدخر له من الأجر مثلها) وصححه الألباني.

(2) رواه البخاري في كتاب المظالم باب الاتقاء والحذر من دعوة المظلوم ومسلم في كتاب الإيمان باب الدعاء للشهادتين.

(3) رواه الطبراني في الأوسط والبيهقي في شعب الإيمان.

(1) رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة والإمام أحمد في مسنده والحاكم في المستدرك والبيهقي في شعب الإيمان وصححه الألباني.

(2) رواه البخاري في كتاب الدعوات باب يستجاب للعبد ما لم يعجل ومسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل.

(3) رواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة باب بيان أنه يستجاب للداعي ما لم يعجل.

(4) رواه الترمذي والحاكم وحسنه الألباني.

(5) رواه الترمذي والحاكم.

(1) رواه الترمذي وصححه الألباني.

(2) رواه البخاري.

(1) رواه البخاري ومسلم في كتاب الرقاق باب الحشر.

(1) رواه البخاري في كتاب الرقاق ورواه مسلم في كتاب الجنة.

(2) رواه البخاري ومسلم في كتاب الرقاق باب الحشر.

(3) رواه البخاري ومسلم في كتاب الرقاق باب الحشر.

(4) رواه البخاري ومسلم.

(5) رواه مسلم.

(6) رواه البخاري في كتاب الرقاق باب البكاء من خشية الله ومسلم في كتاب الزكاة.

(1) رواه الترمذي في كتاب الصلاة وأبو داوود في كتاب الصلاة والطبراني في الأوسط والنسائي وحسنه الترمذي وصححه الألباني.

(2) رواه الترمذي في كتاب صفة القيامة وقال: (حسن صحيح) وصححه الألباني.

(1) رواه البخاري في كتاب التفسير باب قوله [فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ] ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب صفة الجنة.

(1) رواه البخاري في كتاب التفسير باب قوله: [وَظِلٍّ مَمْدُودٍ] ومسلم في كتاب الجنة وصفة نعيمها وأهلها باب بأن في الجنة شجرة يسير في ظلها الراكب مائة عام.

(1) رواه الترمذي والنسائي وصححه الألباني.

(1) رواه البخاري في كتاب التوحيد باب أن لله مئة اسم، ورواه مسلم في كتاب الذكر والدعاء والتوبة والاستغفار باب في أسماء الله تعالى وفضل من أحصاها.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق